أين الانتماء

 

هذا رد على مقال للدكتور شريف عبد العظيم  رئيس جمعية رسالة للأعمال الخيرية  يشكو فيه من أن عدد المتطوعات فى أى عمل خير أكثر بكثير من عدد المتطوعين الرجال

 

أستاذي الفاضل قرأت مقالتكم بعنوان أين الرجولة التي أثرتم سيادتكم فيها نقطة يغفل عنها الكثير من الرجال ( إن وجدوا) و هي أن عدد المتطوعات في أي عمل خير اكثر بكثير من عدد المتطوعين

و لو تحدثنا عن التطوع عامة .. فلكي أخدم بلدي دون مقابل يجب أن احبها و انتمى إليها لا بالاسم فقط بل بالقلب و المشاعر ، فلننظر سويا إلى أي مدى ينتمي شعب مصر لبلدهم ....

سوف نبدأ بقصة هذا الموظف الغلبان الذي كان يقود سيارته المتواضعة للغاية معه زوجته و أبناءه الثلاثة و أثناء توقفه في إحدى إشارات المرور ، إذا بأوتوبيس يدهس السيارة فيموت كل من فيها باستثناء طفل صغير  و بغض النظر عن السبب إن كان عدم صلاحية الفرامل أو اختلال عجلة القيادة فقد مات الجميع و بقى الطفل وحيدا شريدا ... فهل سيشعر هو أو باقي أهله بالانتماء لمصر !، أو هذا الأوتوبيس الذي صعد فوق الرصيف في العتبة ليقتل 7 أشخاص و انتهى الموضوع بنقل مدير الفرع المسؤول عن هذا الأتوبيس إلى فرع آخر.

و أن كنا نعتبر أن مثل هذه الحوادث قضاء و قدر فما بالنا بمن دخل مستشفى في الزقازيق ليجرى أشعة على يده اليمنى فبتروا له ساقه اليسرى ، أو هذا الطفل الذي كان عمره 3 شهور و أصيب بنزلة برد فصرف له الصيدلي دواء غير المكتوب في الروشته فهو الآن بعد مضى عامين جثه هامدة فقد أصيب بدمور في المخ نتيجة للدواء و الذي صرف له الدواء يعمل مدرسا و هو حتى الآن حرا طليقا لا يبالي بما حدث ، أو هذا المواطن الذي كان يمتلك كشكا متواضعا يربى من دخله أولاده على مدى عشرين عاما ثم تأتى الهيئة الهندسية لتزيله و السبب انه مخالف ، أما السبب الرئيسي هو شراء صاحب سلسلة محال للأحذية لمحل خلف الكشك.

بالله عليكم هل سيشعر أحد من هؤلاء بالانتماء لوطنه بل هل سنشعر نحن بالانتماء بعد سماعنا لهذه القصص التي ليست من وحي الخيال إنما نشرت في الجرائد.

أو هل سيفكر أحد منهم في خدمة وطنه بعمل تطوعي، أي وطن هذا !

أو الطيار المصري على مراد الذي رفض أن يفقد كرامته و رفض تفتيش الطائرة المصرية الواقفة في مطار غزة بأيدي إسرائيلية و كانت النتيجة أن نقل من منصبه و اصبح شغل الصحافة الشاغل و كأنه مجرم و عندما برأته المحكمة الدستورية العليا نشر الخبر في ثلاث سطور ، لقد انقلبت الأحوال فبدلا من أن نشكره لانه حافظ على كرامة مصر نحاكمه ، بالله عليكم هل سيشعر هذا المواطن أو أحد أفراد أسرته بالانتماء لوطنه... فلو أتيحت لي الفرصة لأتحدث على لسانه لقلت " إني راحل ففي بلدي أهينت كرامتي"

أو هل سمعتم أن مدرب فريق كرة القدم الحالي راتبه 43 ألف جنيه شهريا في حين أن مديرين العموم و وكلاء الوزارات الذين يعملون في مناصب مهما كانت أكيد أنها افضل من أن يدرب لاعبون مكتوب في بطاقتهم "المهنة لاعب" راتبهم لا يتعدى 1/43 من هذا المرتب و في حين أن هناك من ينام جائعا بلا عشاء .

و لو تحدثنا على فئة الشباب و صلتهم بهذا الموضوع نجد إن الشباب إما طالب بالجامعة يرى من أساتذته ما يرى فان كان في إحدى كليات الطب فيعانى من أستاذ يزور في نتيجة أو آخر يجعله يرسب في امتحان شفهي ليجامل أستاذا آخر أو ليرفع عليه طالب آخر في التقدير......

و إن  كان في أحد كليات اللغات و السياحة فلا حل أمامه لانه رجل فالأستاذ لا يريد الرجال بل يريد تلك التي تتمايل أمامه ليعطيها الدرجة النهائية أو من تداعبه فيعينها معيده أما من تتعفف عن تلك التفاهات و الإهانات فهي عنه كالرجل..

و إن كان طالب في الحقوق إن التجارة فهو واحد من ملايين تمضى عليه السنين فلا يعلم حتى اسم الأستاذ الذي كان يحاضره

أما إن كان طالب في كلية الهندسة أو أحد الكليات العملية فانه ضحية التعامل مع فئة غريبة جدا من البشر فكثير من الأساتذة يظن انه يتفانى و يخلص في عمله و للأسف الشديد هو لا يعمل أساسا و الأمثلة على هذا كثيرة ، فمثلا أستاذ يأتى المحاضرة متأخرا ساعة كاملة في حين أن زمن المحاضرة ساعة و نصف ، و كان يكرر من تلك العبارة " إحنا ماشيين بسرعة الصاروخ" و لكن يبدو أن وقود الصاروخ قد نفذ مما اضطرنا أخذ محاضرات إضافية قبل الامتحان مباشرة ، و هذا أستاذ لا يبالى بأي شرح فقط كل ما يهمه هو وضع امتحان لا يحل و بالفعل أعطى الطلبة في امتحان آخر العام سؤال لم يستطع أي طالب من واقع 370 طالب حله مما اضطر المصححين اعتبار هذا السؤال لاغى،و كثير من الأساتذة تعدوا سن الستين يعيشون في وادي آخر شرحهم اقرب إلي التخريف لا يفهم الطلبة منهم أي شئ ، و هذا الأستاذ الذي تحولت محاضراته إلى حصص للكتابه ، أو تلك الأستاذة التي لم نسمع صوتها على مدار ترم كامل إلا قليل جدا بل لم نكن نرى وجهها إلا و هي داخله إلى المحاضرة فهي لا تفعل شئ إلا الكتابة ، هذا بالاضافه لما يطلبه الأساتذة جميعا من تقارير و مشاريع ننقلها و نغشها حتى ننجح و مشروع تلو الآخر و تقرير بعد تقرير يطبع على قلوبنا فننسى أن هذا غش أو انه حرام ...

ثم يأتى الجميع ليلوم مهندس غش في الأساس فأوقع عمارة مات أهلها جميعا أو طبيب نسى الفوطة في بطن مريضه أو صيدلي صرف دواء خطأ فمات المريض أو مدرس أو محامى أو ، أو ....... نعم لوموا عليهم و عاقبوهم و لكن قبل أن تلوموا عليهم لوموا على من علمهم.

إننا في حمله لجمعية خيريه تقدم مساعدات للمرضى طلبنا من الأساتذة و المعيدين أن يتكلموا عن نشاط الجمعية فى المحاضرات لعل هناك من لم يسمع عنها فيشارك ، و كانت النتيجة أن تكلم أستاذ واحد فقط و لم يتكلم أي معيد ، إننا لم نطلب مالا أو مجهودا خرافيا بل طلبنا فقط أن يقولوا أن هناك جمعية اسمها كذا و نشاطها كذا و عنوانها كذا ، وقتها تعجبت فشعب مصر يحب الكلام و الدليل على ذلك الأغاني و الهتافات و فواتير التليفون..  إن كان الأستاذ في هذه المرحلة من السلبية فماذا سيأخذ منه الطلبة .. 

لقد أراحت وزارة التعليم نفسها حين حذفت كلمة تربية من اسمها لتكون وزارة التعليم فقط بدون تربية حتى لا تسأل عن الثلاث طلبة الذين قتلوا زميلهم بالمطاوي لخلاف على حب فتاة ، هؤلاء الطلبة أعمارهم 14 ، 16 ، 17 عام بل إن أحدهم طالب بمدرسة عسكرية ترى ماذا سيفعلون حينما يكبرون و ماذا سيعلمون أولادهم هل سيحثونهم على العطف على الفقراء أم زيارة الأيتام في الملاجئ! ..

أو تلك الفتيات طلبة المدرسة التجارية الآتي تشاجرن بالمطاوي لتنازعهم على حب سائق ميكروباص.

 أما الفئة الأخرى من الشباب فهي ضحية الواسطة و البطالة و الركود يبحثون عن العمل فلا يجدون ، يريدون الزواج فلا يستطيعون فكيف لبلادهم سينتمون.

لقد انعدم العمل التطوعي لان الجميع فقد انتماءه لبلده فلم يعد أحد يفكر إلا في نفسه فقط و السبب ليس أنانية ذاتية بل هي اكتساب.

 و نسبة المائة متطوع من بين 14 ألف شاب ليست كافيه لنعرف إن كان عد المتطوعات اكثر أم المتطوعين ، الأوضح هو عدم وجود متطوعين.

و لا عجب أن ترى ابنة الفيس بريسلى المطرب الشهير تبيع مقتنياته بالملايين لتبنى بها قرية للأيتام أو أن تجد ابنة السفير الإسرائيلي متطوعة في جمعيه مصريه لخدمة المرضى لا من اجل عيون المصريين لكن لان العمل التطوعي هو شئ يجرى في دمائها و تربت عليه، أو أن ترى حفل خيري كبير في أمريكا يذهب دخله لأطفال فلسطين أو أن ترى سيده إسرائيلية تبكى في مظاهرة من اجل إيقاف قتل الأبرياء من فلسطين ، و لا عجب أيضا في أن تسمع عن مسابقة غنائية أوروبية تشارك فيها إسرائيل طلبت أن تكون المسابقة العام القادم في إسرائيل و السبب المعلن كان بالضبط كما قالوا لفضح إسرائيل و إلقاء الضوء للعالم عما يحدث هناك.

ان انعدام العمل التطوعي في مصر هو بداية لسلسله من السلبيات التي ربما تنتهي بأن يأتى العدو الإسرائيلي لاحتلال الأراضي المصرية فينادى الجميع  على الشباب للحرب فسنهم لا يساعدهم فيستنجدون بالشباب فيجدوهم أول من دخلوا جحورهم فقد تعلموا أن يهانوا فيسكتوا و أن يضربوا فيبتسموا و تضيع كرامتهم فيهربوا و أن يذلوا فيشكروا .

أخيرا  أنعى للجميع ببالغ الحزن و الأسى  ثلاثة شهداء لن يأتى مثلهم الا بعد حين هم الضمير و الأخلاق و الكرامة و قبل كل هؤلاء الشهداء مات الإحساس.

سيدي الفاضل هذا هو رأيي الشخصي لا افرضه بل أثير نقطه لعل هناك من يتفق معي فيها .

و جزاكم الله خيرا

رسالة من متطوع في جمعية أصدقاء معهد الأورام القومي