خامساً: التناقض:

التناقض سمة رئيسة من سمات كتب العقائد فتجد الشيء وضده، فتجدهم يأمرون بالاهتمام بالقرآن والسنة ووجوب اتباع الإثر ثم يتركون الآيات الصريحة والأحاديث المتفق عليها إلى موضوعات وأكاذيب وإسرائيليات لا تصح لا سنداً ولا متناً.

 وتجدهم يحذرون من الغلو مع غلوهم في التكفير وغلوهم في الثناء على علمائهم.

 وتجد هذه الفرق والطوائف عند سيطرتها وكثرة أتباعها تأمر أتباعها باتباع السواد الأعظم!! وعدم مخالفة الأمة!! فإذا انتصر خصومهم وأصبحوا سواداً أعظم يأتي العقائديون ويقولون: طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس!!، فالجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك!!

وتراهم يأمرون بالوقوف عند حدود النصوص الشرعية وعدم الزيادة عليها بينما هم يزيدون كثيراً من العقائد ليست في الكتاب ولا السنة.

 وتراهم يعظمون تكفير المسلم وأنه من عقائد الخوارج وأنه لا يجوز وهذا الورع عن التكفير إنما هو عند ضعفهم!! فإذا قووا لا يرقبون في مسلم إلاً ولا ذمة.

وتراهم ينهون عن الاشتغال بأمر لم يشتغل به النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، فإذا سنحت لهم الفرصة أمروا الناس بمضايق من الاعتقادات لم تخطر على بال صحابي ولا تابعي مع مسميات وألقاب سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان.

وتراهم يتشددون في نقد وتضعيف الرجال الذين لا يوافقونهم في شواذ العقائد حتى وصل ذمهم للبخاري ومسلمٍ ويحيى بن معين وعلي بن المديني والكرابيسي وابن الجعد وأبي حنيفة والحنفية فضلاً عن تضعيف سائر الشيعة متمسكين بعبارة نقلوها عن الشافعي في تكذيب الخطابية من الروافض (لأنهم يستحلون الكذب) فجعلها هؤلاء في كل الشيعة ثقاتهم وضعفائهم!! بينما يبالغون في توثيق أتباعهم ولو كانوا ضعفاء أو خفيفي الضبط كما فعلوا في توثيق ابن بطة مثلاً.

وتراهم يذمون السلطان إذا آذى أحد أتباعهم وأن هذا سلطان سوء وينسون كل فضائله كما فعلوا بالمأمون وكان من أعدل الملوك وأكثرهم علماً فإذا جاء سلطان آخر أظهر نصرتهم يمدحونه بمبالغة ولو كان مبتدعاً ظالماً كالمتوكل، بل ويبدعون ويضللون من يخالفه ويرددون قواعد طاعة ولاة الأمور وأن من لم يدع للإمام فهو صاحب بدعة!!.

وتراهم يحتجون بالإجماع ويدعونه في أمور ليس فيها إجماع فإذا احتججت عليهم بالإجماع في أمر أظهر منه يرددون عبارة أحمد بن حنبل: من ادعى الإجماع فقد كذب وما أدراك لعلهم اختلفوا؟!.

وتراهم يتناقضون في الصحابة ووجوب تقديرهم فيذمون الشيعة لأنهم ينتقصون أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) بينما لا يذمون النواصب ولا يذكرونهم بسوء!! مع أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب ويذمونه ويرمونه بكل طامة سواءً كان ذلك من قبل حكامهم من بني أمية أو علمائهم كحريز بن عثمان وثور بن يزيد ونحوهم بل يقومون بالفعل نفسه عندما يعدون عمار وأبا ذر وابن عديس وابن الحمق وغيرهم يعدونهم في اتباع عبد الله بن سبأ مع أنهم من كبار الصحابة، وابن سبأ أقرب للأسطورة منه للحقيقة!![1] فضلاً عن الدور المكذوب الذي يزعمونه له حتى عدوا في أصحابه بعض كبار البدريين!! بالإضافة إلى أنهم عندما ينتقدون من يسب الصحابة لا يريدون –في الأغلب العام- الدفاع عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم وإنما جل اهتمامهم في الدفاع عن الطلقاء وخاصة معاوية، فسب معاوية عندهم أعظم من سب علي بن أبي طالب!! ولذلك تراهم يتشددون على من ينقد معاوية مثل تشددهم على ابن عبد البر والنسائي والحاكم بينما يمدحون من في كلامه انتقاص من قدر علي بن أبي طالب كابن تيمية وأبي بكر بن أبي داود والبربهاري ويجعلون من ينتقد ابن تيمية هنا ويبين أوهامه في حق الإمام علي- مبتدعاً شيعياً ولا يقصد غلاتهم –فيما أظن- إلا المحافظة على أقواله في انتقاص علي بن أبي طالب والثناء على بني أمية والدفاع عنهم!! لأن الغلو الحنبلي والنصب متلازمان غالباً- وتراهم ينتقدون الآخرين ويستدلون على صحة نقدهم لهم بأمور مشتبهة من كلامهم ولو بطرف عبارة بينما يبالغون في الاعتذار لعبارات صريحة صدرت من أئمتهم كما يفعلون في الاعتذار عما كتبه عبد الله بن أحمد أو الأهوازي أو الهروي في التجسيم أو ما كتبه البربهاري في التكفير أو ما كتبه ابن تيمية في انتقاص علي بن أبي طالب ورد كثير من فضائله!!.

وتراهم يذمون رجلاً مثل أبي حنيفة لزعمهم أنه لم يؤت الرفق في دينه ثم يكفرونه وهذا أبلغ في البعد عن الرفق، وتراهم يذمون المنطق وينكرون المجاز مع وجود هذا وهذا في كلامهم وحججهم!!.

وتراهم يذمون الخوارج لأنهم يقتلون المسلمين ويكفرونهم بينما هم يفتون بقتل خصومهم وتكفيرهم كالخوارج تماماً انظر –على سبيل المثال- الآثار عند عبد الله بن أحمد (528، 531) (431) (1/115،112،107،118، 120، 121، 124، 127،) وغير ذلك مما لا يمكن حصره، لكنني أقول في الخلاصة هنا إنني لم أجد غلاة الحنابلة ينهون عن شيء إلا ارتكبوه عندما يريدون ولم يأمروا بأمر إلا خالفوه عندما يريدون ذلك، وهذه مصيبة عامة لا تكاد تنجو منها فرقة من فرق المسلمين للأسف لكنها في غلاة الحنابلة تبدو أكثر وضوحاً من الأشاعرة والمعتزلة على الأقل.

 


 

[1] أما دوره المزعوم في الفتنة فأجزم ببطلانه وإما وجود ابن سبأ من حيث الوجود فمحتمل، وليست القضية في وجوده من عدمه فالزنادقة والمبتدعة موجودون على مر التاريخ الإسلامي  لكن ليس معنى هذا أن ننسب إليهم سقوط دول وقيام أخرى، علماً بأن العلماء في القرون الثلاثة الأولى على اختلاف اهتماماتهم وأهوائهم لم يذكروا دور ابن سبأ بحرف واحد وأول من تحدث عن دوره المزعوم في الفتنة كان سيف بن عمر الإخباري الكذاب.

 

<السابق          التالي>