- الاستدراك على الشرع (أو بدعة اشتراط فهم السلف)

ترى أصحاب العقائد وأخص هنا أصحابنا أصحاب العقيدة السلفية يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ولا سنة رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ليقطعوا به كل آمال الاتفاق.

فالله عز وجل أرشدنا عند اختلافنا مع المسلمين أن نرجع للكتاب والسنة لقوله تعالى: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ{.

فلما رأى أصحاب العقائد ومنهم السلفية الحنابلة أن العودة للكتاب والسنة سيلغي أكثر المظالم من الشتائم والتكفيرات والتبديعات والمخالفات الموجودة في كتب العقائد لجأوا إلى الزيادة على ما ذكره الله عز وجل بقولهم: (إن الكتاب والسنة لا تكفي فلا خير في كتاب بلا سنة ولا خير في سنة بلا فهم السلف الصالح)!! وهكذا نفوا الخيرية عن الكتاب والسنة بهذا الشرط البدعي الذي اشترطوه وانتقصوا به من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

أقول: ولا أدري هنا ماذا يقصدون بـ (فهم السلف) إن كانوا يقصدون الصحابة فقد اختلف الصحابة في فهم كثير من العقائد والأحكام فبأي فهم نلتزم؟! وإن كانوا يقصدون اتباع ما فهمه الصحابة كلهم فهذا لا يخالف فيه أحد لكن حصول هذا الإجماع في الفهم صعب بل مستحيل إلا في أمر دليله واضح.

وإن قصدوا اتباع فهم آحاد السلف فيما لم يختلفوا فيه، قيل لهم اختلافهم في الفهم دليل على أن فهمهم يخطئ ويصيب؟! فإذا كان كذلك فمن يضمن لنا أن فهم الآحاد منهم ليس من القسم الذي أساءوا فهمه؟!.

وقد فهم عدي بن حاتم من الآية الكريمة: }وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{ فهماً خاطئاً رده عليه رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).

وفهمت زوجات النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من قوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): (أولكن لحوقاً بي أطولكن يداً) على الحقيقة بينما هذا كان مجازاً فهو كناية عن الإنفاق والصدقة ففهمت ذلك زينب بنت جحش فقط أما بقية أزواج النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فلم يفهمن هذا الفهم.

وهكذا قصص كثيرة في اختلاف الصحابة ـ فضلاً عن غيرهم ـ في فهم بعض النصوص القرآنية والحديثية.

ثم إن هذا (الفهم) لم يقل به أحد من الصحابة فلم يقل أحد منهم للتابعين: إذا فهمتم من آية كريمة فهماً فلا تأخذوا به حتى تنظروا ماذا نفهم منها؟!

فالقاعدة المشهورة (الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة) باطلة بإجماع سلف الأمة من المهاجرين والأنصار الذين لم يشترطوها واكتفوا بما ذكره الله عز وجل من (التحاكم للقرآن والسنة) أما زيادة اشتراط الفهم فهو استدراك قبيح على الآية الكريمة.

أما آلية الفهم فلا تتم بتقليد صحابي ولا تابعي وإنما بالنظر في الآيات والأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن الموضوع نفسه والعودة بعد ذلك للآثار ولغة العرب وكل ما يساعد في تجلية المعنى وما إلى ذلك.

فتحصيل الفهم يتم عبر سبل كثيرة قد يجوز إدخال (فهم آحاد السلف) في هذه السبل للترجيح فقط لكن لا يجوز الاقتصار عليه، كيف والقرآن الكريم يأمرنا بالتدبر والتفكر؟!

ثم هؤلاء القائلون بفهم السلف هم أول من يخالف السلف إذا فهموا شيئاً خلاف ما هم عليه!! ومعظم ما كتبوه في العقائد كان خلاف فهم السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.

 راجع المسائل السابقة التي في هذا الكتاب ثم فتش في سير الصحابة والتابعين وانظر من منهم فضل الآثار وأقوال الرجال على القرآن الكريم؟!

 ومن منهم جعل المسلم شراً من اليهودي والنصراني؟!

ومن منهم كفر المسلمين؟!

 ومن منهم تسمى بغير الإسلام؟!

ومن منهم زهَّد في كبائر الذنوب؟!

 ومن منهم غلا في علمائهم وكبارهم؟!

ومن منهم أفتى باغتيال المخالفين له في الرأي؟!

 ومن منهم شبه الله بخلقه؟!

 ومن منهم ركز على الجزئيات وترك الأصول؟!  ومن ومن ...الخ0

فنحن لا مع القرآن ولا مع السنة ولا مع فهم السلف الصالح!! وكل ما عندنا من الأمور دعاوى نقنع بها العوام لا دليل عليها من كتاب الله ولا سنة رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بل ولا السلف الصالح (وهم عندي المهاجرون والأنصار ومن كان على نهجهم فقط).

 فالقرآن أولاً والسنة الصحيحة ثانياً، هما المقياسان الرئيسان وتأتي بعد ذلك مقاييس أخرى من أقوال جمهرة المهاجرين والأنصار أو قول جمهور الصحابة واختيارات علمائهم الكبار، أما الاجماع فلن يمكن إلا حصوله ومعه نص شرعي فيما يظهر، فهذه المقاييس نقيس بها كل الرجال كأحمد بن حنبل وأبا حنيفة والشافعي ومالك والبربهاري وغيرهم، كل هؤلاء الرجال يجب أن يخضعوا لمعيار القرآن وما صحَّ من السنة، كل هؤلاء تحت القرآن والسنة لا فوقها، وهذا هو طريق وفهم السلف من الصحابة الكبار فلم يكن عندهم أحد فوق القرآن وما صح من السنة فمن لم يكن على هذا المنهج فليس على منهج الصحابة ولا (السلف الصالح) ولا يجوز أن يدعي كذباً وزوراً الانتساب لمنهج المهاجرين والأنصار ولا يجوز له أن يتشدق بمنهج لا يعرفه ولا يضبط معاييره وملامحه... فالكلام سهل وبسبب الكلام اختلفت فرق الأمة وتفاخرت بالألقاب والمناهج!! ورحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه!! .

وهذا التخبط عندنا ـ كما أسلفت ـ له علاقة بالألفاظ التي نرددها ولا نعرف معناها فـ (الفهم) لا نفهمه ولا نعرف معناه ولا معاييره ولا آليات تحصيله، وكذلك السلف الصالح نذهب إلى البربهاري وعبد الله بن أحمد وابن تيمية وننسى الصحابة من المهاجرين والأنصار فالبربهاري وابن بطة عندنا من السلف بينما الصحابة ليسوا من السلف ولو كانوا عندنا من السلف الصالح لما خالفناهم في فهم الإسلام وفي الأمور التي سبق شرحها.