سلسلة هداية المؤمنين للحق المبين

العدد الأول

عصمة الوحي وخطايا الأنبياء

المقدمة

نقدم هذا الكتاب المؤمنين بالرب، لاستخدامهم الخاص, وهو يتعرض لقضية هامة من قضايا الوحي وهي أن الوحي معصوم ولكن الأنبياء يخطئون وهدفنا أن يعرف الجميع المفهومَيْن الإسلامي والمسيحي في هذا الموضوع الهام وليس هدفنا الهجوم بل التعريف، لنصبح أفضل استعداداً لتقديم رسالة الله كما جاءت في إعلان يسوع المسيح، ولنعطي جواباً حكيماً لكل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا، بوداعة وصدق

وجزء كبير من مادة هذا الكتاب مأخوذ من سلسلة الهداية التي صدرت في أوائل القرن العشرين، في أربعة أجزاء وهي ردٌّ على الهجومات الموجَّهة ضد المسيحية، والتي ظهرت في كتابَيْ إظهار الحق و السيف الحميدي الصقيل ,

ومن المؤسف أن معظم هذه الهجومات نشأت بين بعض علماء الكتاب المقدس، المنحرفين عن الحق، في أوائل القرن التاسع عشر، وأطلقوا عليها اسم النقد العالي والنقد المنخفض ( ), وقد ردَّ رجال الدين المحافظون على هذه الكتابات، وفندوها وأظهروا خطأها، فلم تعد تحظى بالاحترام في يومنا هذا ولكن رجال الدين المسلمين لا زالوا يقتبسونها كأنها صحيحة، ولا زال بعض أساتذة الجامعات العربية في كليات الآداب يدرِّسونها دون أن يتيحوا لتلاميذهم فرصة الاطلاع على الردود التي تفندها,

أما بقية مادة الهداية، فنقدمها في ثلاثة أجزاء أخرى: الجزء الأول يرد على الهجومات على العهد القديم، والجزء الثاني يرد على الهجومات على العهد الجديد، وجزء ثالث نقدم فيه مقدمة لدراسة القرآن مع تعليقات على بعض آياته ونرجو من خدام الرب أن يرسلوا لنا ما قد يكون عندهم من معلومات يمكن أن تُضاف إلى الطبعات التالية من هذا الكتاب، مع ذكر المرجع الذي أخذوا عنه، بالتفصيل,

وفَّقنا الله وإياكم لنكون شهوداً أفضل للرب يسوع المسيح

الناشرون

 

 

الفصل الأول

عصمة الوحي

اعترض صاحبا كتاب إظهار الحق و السيف الحميدي الصقيل على التوراة لأنها ذكرت خطايا بعض الأنبياء, مع أن القرآن الذي يعوّل عليه المسلمون في العبادات والاعتقادات والمعاملات اقتبس من التوراة والإنجيل، وذكر أغلب خطايا الأنبياء تارة بالبيان الصريح وأخرى بالكناية والتلميح, وورد شيء من ذلك في الأحاديث (السُّنة), فلذا نورد اعتراضهما ثم نردُّ عليه من القرآن والحديث، لنجاوب بالأدلة المسلَّمة عنده التي يعتقد بصحتها, ونحن لا نعتقد بصحة المنقول عنه, ولكن لما كانت الغاية إقناع المسلم أوردنا له ما يعتبره الحكم الفصل,

قال صاحب السيف الحميدي: ما نرى من نبي ذُكر في الكتب المقدسة من نوح إلى المسيح إلا ويكون فاسقاً أو كافراً أو كاذباً أو زانياً أو من أولاد الزنا, أعاذنا الله من أمثال هذه الاعتقادات الفاسدة في حق أنبياء الكرام , وقال: اني أتبرأ من اعتقادها بالقلب واللسان، واستغفر الله العظيم, وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر، ونقل الكفر ليس بكفر ,

وللرد نقول: 1 - إن ادعاءه أن الكتاب المقدس نسب للأنبياء الكفر والفسق وغيرهما افتراء محض، فهم منزهون عن الكفر والكذب, إنهم معصومون عن كل عيب ونقص في إبلاغ ما أوحي إليهم, وكتاب الله ناطق بأن الروح القدس هو الذي كان يرشدهم إلى ما يقولون, ومع ذلك لا ننكر أنهم كانوا كسائر الناس في الأمور العادية، فكان يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان,

2 - مما يدل على بطلان قوله، إن الكتاب المقدس ذكر أخنوخ و إيليا ويوسف الصديق ودانيال النبي وغيرهم، ولم ينسب إليهم أي خطأ, بل أن القرآن نسب إلى يوسف ما لم يفعله، فقال: ولقد همَّت به وهمَّ بها (يوسف 12:24) - أي قصدت مخالطته وقصد مخالطتها, والهمُّ بالشيء قصده والعزم عليه، ومنه الهمام وهو الذي إذا همَّ بشيء فعله, أما التوراة فقالت إنها لما طلبت مخالطته قال لها: كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟ (تكوين 39:9), فتأمل في العبارتين، وانظر أي الكتابين نسب إلى يوسف الخطية, وقد قال الإنجيل إن من اشتهى كان كمن اقترف ذات الفعل، والقرآن لم يقل إنه اشتهى فقط، بل عزم على الفعل,

3 - يقول الكتاب المقدس إن المسيح وحده هو القدوس المنزَّه عن النقص والعيب، حتى لم يجد أعداؤه فيه أدنى عِلَّة، فإنه كلمة الله الأزلي، الذي داس الشيطان بقوته وقدرته وقداسته, وقد ورد في آل عمران 3 : 36 إني سمَّيتها مريم، وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وللبخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ما من بني آدم من مولود إلا نخسه الشيطان حين يُولد، فيستهلُّ صارخاً من نخسه إياه، إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (صحيح البخاري كتاب التفسير - باب سورة آل عمران), وعن أبي هريرة أيضاً: كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب ليطعن فطعن في الحجاب (أي لم يمسَّه بشيء)(مشكاة المصابيح تحقيق الألباني - حديث رقم 5723), فمن هنا يظهر عدم صحة القول إن الكتاب المقدس لم يذكر نبياً ولا غيره إلا نسب إليه الفسق,

4 - مع ذلك فقد ذكرت التوراة أن بعض الأنبياء اقترفوا الآثام، فانهم بشر، والنقص ملازم للإنسان مهما كانت درجته ومنزلته وتقواه، والله وحده هو المنفرد بالكمال, وأما الإنسان فهو محل النقص و النسيان، ولا يُستثنَى من هذا الحكم أحد، لا عالم ولا جاهل، ولا كبير ولا صغير، ولا أمير ولا مأمور ومن ذا الذي ما ساء قط, ومن له الحسنى فقط , ومع ذلك فقد عصم الله الأنبياء الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته وإعلان مشيئته وإرادته، فحفظهم من الخطأ والنسيان، وهداهم بروحه إلى ما يجب أن يقولوه ويبلغوه, فهم معصومون من الخطأ في تبليغ الرسالة، ولكنهم غير معصومين في الأعمال العادية، دلالة على ضعف الطبيعة البشرية، وافتقار العالم قاطبة إلى فادٍ كريم يخلّصهم من الخطية ونتائجها فانه لما أخطأ آدم الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وفي غاية القداسة والطهارة والفهم وسعة الإدراك، دخلت الخطية إلى العالم ببلاياها فأخطأت ذريته ولا عجب إذا أخطأ إبراهيم وموسى وداود وسليمان كما سنذكره, ولكن لما وقع أولئك الأفاضل في الخطايا اعترفوا بذنوبهم وصرحوا بتوبتهم واستغفارهم وبكائهم,

5 - توهَّم المعترض الغير مؤمن أن النبي ينبغي أن يكون معصوماً عن كل خطية، والحقيقة هي غير ذلك، فالنبي معصوم في تبليغ الأقوال الإلهية فقط، فلا يخطئ فيها مطلقاً,

قال فخر الدين الرازي: اختلف الناس في عصمة الأنبياء, وضبط القول فيها يرجع إلى أربعة أقسام:

أ - ما يقع في باب الاعتقاد، وهو اعتقاد الكفر والضلالة، فإن ذلك غير جائز عليهم,

ب - ما يتعلق بالتبليغ، فقد أجمعت الأمة على كونهم معصومين عن الكذب، مواظبين على التبليغ والتحريض، وإلا ارتفع الوثوق بالأداء, واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمداً ولا سهواً, ومن الناس من جوّز ذلك سهواً، وقالوا: لأن الاحتراز عنه غير ممكن ,

ج - ما يتعلق بالفتيا، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطأهم فيها على سبيل العمد، وأجازه بعضهم على سبيل السهو,

د - ما يقع في أفعالهم, فقد اختلفت الأمة فيه على خمسة أقوال:

* قول من جوّز عليهم الكبائر,

* قول من منع من الكبائر وجوّز الصغائر على جهة العمد، وهو قول أكثر المعتزلة,

* لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة البتة، بل على جهة التأويل وهو قول الجبائي,

* لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطأ,

* لا تقع منهم كبيرة ولا صغيرة، لا على سبيل العمد ولا على سبيل السهو، ولا على سبيل التأويل, وهو قول الشيعة, وغير ذلك من الاختلافات (عصمة الأنبياء - فخر الدين الرازي تقديم ومراجعة محمد حجازي),

ومن جرد نفسه من الهوى جزم بجواز وقوعهم في الخطية كما هو نص القرآن والأحاديث، ولكنهم معصومون في تبليغ أقول الله، ولا يجوز أن يخطئوا فيها لا عمداً ولا سهواً، لأن الله هو الحافظ لهم في ذلك، وهو الناطق على ألسنتهم بروحه القدوس، وهم آلات في يده,

 

 

الفصل الثاني

خطية آدم

ابتدأنا بذكر خطية آدم لأنها من الحقائق الجوهرية في الديانة المسيحية، فنقول إنه كان نائباً عن ذريته، فأخذ الله عليه العهد والميثاق، فنكثه بمعصيته، فاستوجبت ذريته القصاص لأنه كان نائباً عنهم, فلما نقض العهد، نقضت ذريته العهد أيضاً,

ورد في القرآن ما يدل على أن آدم كان نائباً عن ذريته, جاء في الأعراف 7: 172 ، 173 وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألستُ بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟ , فقوله: أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ولم يقل ظهر آدم لأن الله أخرج ذرية بعضهم من ظهر بعض، وهم كلهم بنو آدم وأُخرجوا من ظهره, رُوي عن ابن عباس من طرق مختلفة، أن محمداً قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفه، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم وقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين , وعن ابن عباس قال: أول ما أهبط الله آدم إلى الأرض أهبطه بدهناء أرض الهند، فمسح ظهره فأخرج منه كل نسمة هو بارئها إلى يوم القيامة بنعمان الذي وراء عرفه، فكلمهم الله وأنطقهم، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً بعد أن ركَّب فيهم عقولًا وتكفَّل لهم بالأرزاق وكتب آجالهم ومصائبهم وغيرها، ثم أعادهم في صُلبه، فلن تقوم الساعة حتى يُولد كل من أُعطي الميثاق يومئذ ,وقال محمد: أُُخذوا من ظهره كما يُؤخذ بالمشط من الرأس، وأخذ عليهم العهد , والأحاديث كثيرة في ذلك (انظر الطبري في تفسير الأعراف 172),

وقال الشيخ القزويني إنه استخرجهم من مسام شعرات ظهره, ومما يدل على أن ذريته أخطأت بخطيته، ما رُوي عن أبي هريرة، قال محمد: لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل انسان وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال:'أي رب ، من هؤلاء؟` قال:'هؤلاء ذريتك` فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال:'يا رب من هذا ؟` قال:'داود`, قال: 'رب كم جعلت عمره؟` قال:'ستين سنة` قال:'يا رب زده من عمري أربعين سنة` قال محمد:'فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين، جاءه ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أوَلم تعطها ابنك داود؟` فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته (اخرجه الترمذي وغيره)(ابن كثير في تفسير الأعراف 173 ، 174),

وهذا الكلام لم يجئ في الكتاب المقدس، إلا أنه كاف في الدلالة على أن آدم كان نائباً عن ذريته، وأن الله أخذ عليه العهد, ولما أخطأ أخطأت ذريته نعم إن المعتزلة ذهبوا إلى غير ذلك، ولكن ردّ عليه الشيخ الشعراني فقال: إن المعتزلة زعموا أن معنى الآية المتقدمة هو أنه أخذ بعضهم من ظهر بعض بالتناسل في الدنيا إلى يوم القيامة، وأنه ليس هناك أخذ عهد ولا ميثاق حقيقة، وأن المراد بالعهد والميثاق هو إرسال الرسل, ولا يخفى ما في هذا المذهب من الخطأ, وكيف يصحّ للمعتزلة هذا القول؟ ومعظم الاعتقاد في إثبات الحشر والنشر مبنيّ على هذه المسألة, والذي يظهر لي أنهم أنكروا ذلك فراراً من غموض مسائل هذا البحث، فَرَضوا بالجهل عوضاً عن العلم, والحق أن الله أخذ عليهم العهد في ظهر آدم حقيقة، لأنه على كل شيء قدير ,

وقد كتب الشيخ محيي الدين ابن العربي مقالة على هذا الحديث (في الباب 305), فالمسلمون يعترفون بأن الله أخذ على آدم عهداً يسمّيه اليهود عهد الأعمال, لكن المسيحيين ينادون بعهدٍ جديدٍ هو عهد النعمة, ومن المؤسف ان المسلمين لا يعرفون عهد النعمة هذا، فذكروا الداء ولم يذكروا الدواء والخلاص، مع وجوده والمناداة به أما المسيحيون فيعرفون عهد الأعمال وعهد النعمة، الذي أوضحه الرسول بولس في رومية 5:18-20 فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة, لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً, وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية, ولكن حيث كثُرت الخطية ازدادت النعمة جداً , فعهد النعمة هو تجسُّد المسيح، وحفظه للناموس، وتقديمه ذاته كفارة عن المؤمنين، وهي نعمة عظمى,

كان آدم يعرف بعض المعرفة رحمة الله التي لم يكن ممكناً ظهورها بغير فداء المسيح، فلا شك أن خطيته أظهرت محبة الله في المسيح، وكانت السبب في هذا الخير العظيم,

أما خطية آدم كما ورد في التوراة، فهي أن الله نهاه عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، فخالف واستوجب الموت في جهنم، لأن كل نفس تخطئ موتاً تموت، لاستلزام عدل الله ذلك، فاقتبس القرآن هذا وصرح بسقوطه:

(1) اقتبس القرآن فكرة التوراة عن سقوط آدم، فورد في طه 20 : 121 : وعصى آدم ربه فغوى قال المفسرون: عصى ربه بأكله من الشجرة ، وقال البيضاوي: فَضَلَّ عن المطلوب وخاب، حيث طلب الخُلد بأكل الشجرة، أو عن المأمور به، أو عن الرشد، حيث اغترَّ بقول العدو ,

وقرر علماء الإسلام إن العصيان من الكبائر بدليل قوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم (الجن 72:23), وكلمة الغواية الواردة في الآية السابقة تؤكد ذلك، لأنها اتباع الشيطان، لقوله: إلا من اتبعك من الغاوين , فآدم استوجب الموت لعصيانه,

(2) ورد في طه 20:122 قوله: فتاب عليه , ولا تكون التوبة إلا عن الذنب لأنها الندم على المعصية، والعزيمة على ترك العَوْد إليها, ومن المؤكد انه لا يمكن مغفرة خطيئة بدون سفك دم، فالتوبة وحدها لا تفي العدل الإلهي حقه,

(3) مخالفته النهي عن الأكل من الشجرة وارتكاب المنهى عنه ذنب

ورد في البقرة 35: ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ,

(4) ورد في الاعراف 7:23 قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

(5) قوله في البقرة 36 فأزلَّهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ,

وقد دافع علماء الاسلام عن آدم بقولهم إنه وقع في هذه المعصية قبل النبوّة قال محيي الدين ابن العربي: عصى من كان في ظهره من ذريته، الذين هم أهل الشقاء، لأن ظهره كان كالسفينة لسائر أولاده ,

والعبارات القرآنية ناطقة بأنه هو الذي عصى، ونُسبت معصيته الى ذريته أيضاً، لأنه كان نائباً عنهم وعلى كل حال فالنفس التي تخطئ موتاً تموت، وهو حكم إلهي وقالوا إن آدم لما أكل من الشجرة أسودَّ جسده، لأن المعصية أثرَّت فيه، فالسواد علامة المعاصي، حتى قالوا نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، فسوَّدته خطايا بني آدم

ذكرت التوراة أن آدم سقط وخرج من الجنة لأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها فقط، ولم تذكر له غير ذلك وبما أنه كان نائباً عن ذريته أخطأت ذريته بخطيته، ودخلت الخطية الى عالمنا هذا، لأنه إذا كان آدم الذي خلقه الله طاهراً خالف الأمر الالهي، فكم بالحري ذريته، فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، فأتى الفادي ليخلِّص كل من يؤمن به (رومية 3:23),

 

الفصل الثالث

خطية نوح

اعترض المعترض الغير مؤمن على وقوع نوح في السُّكر، واستشهد بما ورد في التكوين 9:18 - 27 : كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث، وحام أبو كنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح، ومن هؤلاء تشعَّبت كل الأرض وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً، وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجًا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على كتفيهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعل ابنه الأصغر، فقال:'ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته`

شرب محمد للخمر: روى عبد الرحمن عن ابن عباس أن محمداً طاف وهو شاك على بعير ومعه محجن (والمحجن خشبة في طرفها اعوجاج مثل الصولجان) فلما مرَّ بالحجر استلمه بالمحجن، حتى اذا انقضى طوافه نزل فصلى ركعتين، ثم أتى السقاية فقال: اسقوني من هذا فقال له العباس: ألا نسقيك مما يُصنع في البيوت؟ قال: لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس فأتى بقدح من نبيذ فذاقه فقطب وقال: هلموا فصبُّوا فيه الماء ثم قال: زد فيه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال: إذا صنع أحد بكم هذا فاصنعوا به هكذا , وروى يحيى بن اليماني عن ابن مسعود الأنصاري أن محمداً عطش وهو يطوف بالبيت، فأتى بنبيذ من السقاية فشمه، ثم دعا بذَنوب من ماء زمزم (أي دلو) فصبّ عليه ثم شربه، فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا , (العقد الفريد - ابن عبد ربه - باب احتجاج المحلين للنبيذ)

وعن ابن عباس قال: قَدِم النبيُّ على راحلته وخلفه أسامة، فأتيناه بإناءٍ فيه نبيذ، فشرب وسقى فضلَه أسامة, وقال: أحسنتم وأجملتم، هكذا فاصنعوا قال ابن عباس: فنحن لا نريد أن نغيِّر ما أمَر به , (السيرة النبوية - ابن كثير ج4 وصحيح مسلم كتاب الحج, باب فضل السقاية),

وذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن الله حرم خمر العنب تعبّداً لا لعلة الإسكار، ولا لأنها رجس، ولو كان كذلك لما أحلَّها الله للأنبياء المتقدمين السالفين، ولا شربها نوح بعد خروجه من السفينة، ولا عيسى ليلة رُفع، ولا شربها أصحاب محمد في صدر الإسلام, ورووا أن سفيان الثوري كان يشرب النبيذ الصلب الذي تحمّر منه وجنتاه(العقد الفريد - ابن عبد ربه ج 8),

فمن هذا ترى أن الخمر كانت جائزة، والتوراة والإنجيل يعلّمان أن شُرب الخمر جائز لكن السّكر بها هو الخطأ,

خطايا نوح حسب القرآن: 1 - من الخطايا التي نسبها القرآن الى نوح أنه دعا على المشركين بأن يزيدهم الله ضلالًا, في سورة نوح 71:24 فقال: ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا وفي الآية 26 قال نوح: رب لا تذَرْ على الأرض من الكافرين ديّارًا ، ثم قال: رب اغفر لي وقال المفسرون: إنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر لي من ترك الأفضل أما في الإنجيل فورد في 2بط 2:5 أنه كان كارزاً للبر، فقام بوظيفته، ولم يقل إنه قصَّر في أداء الرسالة، ولا أنه أخذ يدعو على الناس بالإفناء, قال علماؤهم إنه ترك الأَوْلى والأفضل حيث استغفر ربه، وهذه الخطيئة أقبح من السُكر، ولا نعتقد بحصولها لعدم ورود شيء عنها في التوراة

2 - ومن الخطايا التي نسبها القرآن إلى نوح أيضاً طلبه من الله ما لا يجوز طلبه، فورد في هود 11: 45 - 47 ونادى نوح ربه، فقال:' ربي إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق وانت أحكم الحاكمين` قال:' يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين` قال:' رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قال المفسرون: المراد بابنه هنا كنعان، وكان كافراً وقالوا: إنه كان ابن زنا ليس من صُلب نوح فرموا امرأته بالزنا,

وما يؤيد ذلك قوله: ضَرَبَ ا للَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ا مْرَأَتَ نُوحٍ وا مْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَاِدنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا (التحريم 66:10),

ولكن قال بعضهم: إنه ابنه وإن الله يُخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر، ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم، فأخرج الله قابيل من صلب آدم وهو نبي، وكان قابيل كافراً وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي, وكان آزر كافراً فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء , فالقرآن يقول إن نوحاً سأل المحظور، فنهاه الله بقوله: فلا تسألني ما ليس لك به علم وقوله: إني أعظك بأن تكون من الجاهلين فيه زجر وتهديد، ثم أن طلب المغفرة والرحمة يدل على صدور الذنب منه, واستدل علماء المسلمين بذلك على عدم عصمة الأنبياء, فالحكاية المتقدمة كافية في الدلالة على وقوع نوح في الخطيئة,

حام وكنعان: وقال: إن الذي نظر إلى عورة نوح هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، مع أن أخذ الابن بذنب أبيه خلاف العدل قال النبي حزقيال: النفس التي تخطئ هي تموت الابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون (18:20),

وللرد نقول: من تتبّع تاريخكنعان رأى أنه أقبح من والده حام , فلعْنُ نوح لكنعان كان نبوّة من نوح, ثم إنّ لعن كنعان عقاب شديد لوالده حام لأنه لعَن ولده فلذة كبده, وكل والد في الدنيا يجعل كل عقله وفكره خير ابنه، ويتألم إذا حل به مكروه، ويتمنى أن يفديه بروحه, فلَعْنُ ولده عقاب شديد له، وهو أقسى من عقاب الوالد فقط,

ثم أن كنعان استحسن عمل والده حام - ونوح نبي صالح، ما كان ليلعن حفيده لو لم يكن ذلك الحفيد مشتركاً مع أبيه في فعلته الشنعاء، خصوصاً ونحن نعلم منزلة الحفيد عند جدِّه, نعم كان كنعان شريراً, وقد وضع نوح كل شيء في محله، فلعن حاماً مرتكب الخطية، ولعن ابن حام الذي كان شريراً كوالده وموافقاً على عمله,

وينقسم العقاب إلى قسمين: عقاب في الدنيا وعقاب في الآخرة، والأخطر هو عقاب الآخرة, فعقاب الدنيا هو ما يحل بالابن بسبب خطية والده، فإذا كان فاسقاً أو سكيراً أو لصاً تجرع أولاده وامرأته غُصص الفقر والضيق، وهو أمر طبيعي, مع أنه لا ذنب للابن في هذه الحالة غير انحراف والده فإذا فرضنا أن كنعان كان رجلًا صالحاً (وهو خلاف الحقيقة) فعقابه هو عقاب الدنيا، وهو لا ينافي أن الله سيجازي كل إنسان حسب عمله، خيراً كان أو شراً في الآخرة, وكثيراً ما يحل بالأمة كروب لانحراف ملكها، فيسلط الله على الملك العاصي من يخرب بلاده بسبب انحراف ملكها عن الصراط المستقيم, وصحيح أن القرآن يتفق مع ما جاء في حزقيال 18:20 ، غير ان به الكثير مما عابه المعترض الغير مؤمن على عقاب كنعان,

الأبناء يُؤخذون بذنوب آبائهم: من العقائد الإسلامية المهمة أن الابن يؤخذ بذنب أبيه, ورد في الحديث: يا داود، أنا الله الودود, أنا الله ذو بكة، آخذ الأبناء بما فعله الجدود , وورد في الأنفال 8:25 : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة يعني تتعدى إليكم جميعاً، وتصل إلى الصالح والطالح, وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار, وقال ابن عباس: أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب، فيصيب الظالم وغير الظالم , ومن الأحاديث: إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعل ذلك عذب الله العامة والخاصة , وقال ابن الأثير في الأصول إن محمداً قال: إذا خلت الخطيئة في الأرض، كان مَن شهدها فأنكرها كمَن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كمَن شهدها , قال علماؤهم: فإن قلت ظاهر قوله 'واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ` يشمل الظالم وغير الظالم، فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصّل الفتنة إلى من لم يذنب؟ قلت: إنه تعالى مالك الملك وخالق الخلق، وهم عبيده وفي ملكه، يتصرف فيهم كيف يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فيحسن منه على سبيل المالكية، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع من أنواع المصلحة ,

وقال ابن حزم: إن قوله: ليس للإنسان إلا ما سعى (النجم 53:39) نُسخت بقوله: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان (الطور 52:21) فيجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه، ويشفع الله الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء ,

وجرت العادة أنه إذا اقترف الأب ذنباً نُسب إلى ابنه مع أنه لم يفعله حقيقة، لكنه كان يقتدي بأبيه، فإن من شابه أباه فما ظلم، كان كأنه فعل ذنبه, كان محمد يشنّع في يهود عصره ويتهمهم بأنهم عبدوا العجل، مع أن آباءهم هم الذين عبدوه، فقال: إن الذين اتخذوا العجل، سينالهم غضبٌ من ربهم وذلة في الحياة الدنيا (الأعراف 7:152), (القرطبي في تفسير البقرة 2:76), فقال علماء المسلمين: المراد بالذين اتخذوا العجل اليهود الذين كانوا في زمن محمد قال ابن عباس: هم الذين أدركوا النبي، وآباؤهم هم الذين عبدوا العجل , وقال عطية العوفي: سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد محمد, وأراد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وبني قريظة من القتل والجلاء ,

وعلى هذا القول ففي تقرير الآية وجهان:

(1) تُعيِّر العرب الأبناء بقبائح أفعال الأباء كما تفعل ذلك في المناقب، فتقول للأبناء: فعلتم كذا وفعلتم كذا وإنما فعل ذلك من مضى من آبائهم, فكذلك هنا وُصف اليهود الذين كانوا على زمن محمد بأنهم اتخذوا العجل، وإن كان آباؤهم فعلوا ذلك, ثم حكم على اليهود الذين كانوا في زمنه بأنهم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذِلة في الحياة الدنيا

(2) أن تكون الآية من باب حذف المضاف، والمعنى أن الذين اتخذوا العجل وباشروا عبادته سينال أولادهم الغضب، ثم حُذف المضاف لدلالة الكلام عليه (الرازي في تفسير الأعراف 7:152),

وعلى هذا القياس اقترف حام الخطيئة فلعن نوح كنعان ابن حام لأنه كان شريراً مثل والده, فالله العادل الحكيم العليم لا يظلم أحداً، بل وسيجازي كل إنسان حسب عمله خيراً كان أم شراً, لقد كان كنعان شريراً استوجب اللعنة,

كنعان عبد لغيره: قال المعترض الغير مؤمن : وما سُمع أن كنعان ولا بنوه كانوا عبيداً ولا في وقت من الأوقات، بل كانوا سادة وملوكاً وجبابرة في فلسطين ,

وللرد نقول: التاريخ ناطق بأن كنعان صار عبداً لإخوته، كما هو واضح من تاريخ بني إسرائيل، فاستولى الإسرائيليون على بلادهم وأذلُّوهم، كما جاء في سفر يشوع, وقد فلق الله نهر الأردن لبني اسرائيل وأوقع أسوار أريحا وأذلَّ الكنعانيين,

 

 

 

 

الفصل الرابع

خطية ابراهيم

قال المعترض الغير مؤمن : ورد في سفر التكوين12:10-20 أن إبراهيم لما دخل أرض مصر قال عن زوجته إنها أخته لأنه خاف أن يقتله المصريون بسببها، فطلب منها أن تقول إنها أخته ليكون له خير بسببها وتحيا نفسه من أجلها فأخبروا فرعون عنها فصنع إلى أبرام خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي فاستدعى فرعون أبرام ووبخه على عمله، وأعطاه زوجته (إلى آخر ما هو مذكور في هذا الأصحاح), ولا يليق بخليل الله أبي الأنبياء وصفوة الأمناء أن يرضى بترك حريمه ويسلّمها للغير

وللرد نقول: قول إبراهيم عن سارة إنها أخته قول صدق، لأنها أخته من أبيه فقط, وكان يجوز في تلك العصور القديمة الاقتران بغير الشقيقات, ولم تكن غايته اقتناء المواشي والأتن، كما ادَّعى المعترض الغير مؤمن ، بل كانت غايته النجاة من جور ملوك ذلك الزمان، لأنه قال: أخاف أن المصريين يقتلونني بسببك، فقولي إنك أختي فيستبقونني ولا يقتلونني , ولا ننكر أنه قال ذلك لضعف الطبيعة البشرية، فالله هو الكامل وحده، والنقص ملازم لكل إنسان مهما كان, أما الخير الذي حصل له فلم يكن مقصوداً بالذات، ولم تنسب إليه التوراة غير هذه الكذبة، وكذبة أخرى, ولكن تكلم الكتاب المقدس عن عظمة تقواه وقوة إيمانه، وقال إنه أبو المؤمنين وغير ذلك, أما القرآن فنسب إليه الكذب والشك وعبادة الأصنام,

خطايا ابراهيم حسب القرآن:

(1) ورد في الأنعام 6:77 أن إبراهيم قال عن الكواكب إنها ربه, فلما رأى القمر بازغًا قال: 'إنه ربي` فلما أفل قال:'إن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين` , وفي عدد 78 قال: فلما رأى الشمس بازغة قال:'هذا ربي, هذا أكبر` , فإذا قال هذا عن اعتقاد كان شركاً، وإلا كان كذباً، فاعتذر عنه علماء الإسلام بقولهم إن ذلك صدر قبل تمام النظر في معرفة الله، إذ لا يتصور نبوَّة إلا بعد تمام ذلك النظر, واعتذروا بعذر آخر: أنه قال ذلك على سبيل الفرض، كأنه قال: لو كانت الكواكب أرباباً كما تزعمون، لزم أن يكون الرب متغيراً آفلًا، وهو باطل! ولكن عبارة القرآن ناطقة بوقوعه في عبادة الأصنام,

(2) يقول القرآن إنه شك في قدرة الله, ففي البقرة 2:260 وإذ قال ابراهيم:'ربي أرني كيف تحيي الموتى` قال:'أولم تؤمن؟` قال:'بلى، ولكن ليطمئن قلبي` , قالوا: إنّ الشك في قدرة الله كفر , وورد في الحديث : نحن أوْلى بالشك من إبراهيم (ابن كثير في تفسير البقرة 2:260),

(3) يقول القرآن إنه كذب, قال مفسروهم: لما كسر إبراهيم الأصنام دعاه نمرود الجبار وأشراف قومه قالوا:'أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟` قال: 'بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون` , وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات اثنتين منهن في ذات الله قوله :'إني سقيم` وقوله:'فعله كبيرهم` وقوله لسارة:'هذه أختي` حين أراد الجبار القرب منها (رواه البخاري ومسلم وابن كثير في تفسير الصافات 89),

4 - ومن خطاياه ما ورد في الصافات 37:89 فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس: كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به، لئلا ينكروا عليه أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم، ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة, وكان لهم من الغد عيد ومجمع، فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين، ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم, وزعموا التبرك عليه فاذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا لإبراهيم: ألا تخرج معنا إلى عيدنا؟ فنظر في النجوم فقال: إني سقيم (أي مريض بالطاعون), وقال علماء الإسلام: النظر في علم النجوم حرام، وحكمه بأنه سقيم كذب, (الرازي في تفسير الصافات 37:89),

فهذه الأقوال ناطقة بأنه كان يعبد الكواكب، وأنه شك في قدرة الله، وأنه كذب عدة مرات وأهل الكتاب لا يسلِّمون بشيء من ذلك غاية الأمر أنه كذب مرتين من خوفه ويعتقدون أنه أبو المؤمنين ويضرب المثل بإيمانه، فإنه آمن بالله إيماناً ثابتاً، وأطاع أوامره طاعة كاملة، ولم يعتقدوا أنه كان يعبد الكواكب، ولا أنه شك في قدرة الله، ولا أنه نظر في علم النجوم,

 

 

الفصل الخامس

خطية إسحق ويعقوب

فاذا كان هذا حال خليل الله، أو كما قال المعترض الغير مؤمن أبو الأنبياء وصفوة الأمناء ، فلا عجب إذا وقع إسحق في ذات هذه الخطية، فلم يقو على التجربة لضعف الطبيعة البشرية كما قلنا ولم تُذكر هذه القصص إلا لتعلمنا وجوب التيقّظ، لأن إبليس عدونا كأسد يود افتراسنا, فإذا لم يحفظنا الله بنعمته ويرعانا بقوته نسقط في شر الخطايا,

سأل رجل الحسن: يا أبا سعيد، أينام إبليس؟ فأجابه: لو نام لوجدنا راحة، فلا خلاص للمؤمن منه إلا بتقوى الله تعالى , وقال في الإحياء قبيل بيان دواء الصبر: من غفل عن ذكر الله تعالى، ولو في لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان وقال محمد: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم بل أشد من الأعداء ولما سُئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك وقال لبعض أصحابه: رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فجعل المجاهدة بالسيوف صغرى، فإن من ملك نفسه أعظم ممن يملك الحصون وورد أيضاً: أعدى أعدائك إليك نفسك التي بين جنبيك وهذه هي حالة الطبيعة البشرية، فلا عجب إذا وسوس الشيطان لإسحق وأغراه على الكذب كما فعل مع إبراهيم خليل الله ولا عجب أيضاً إذا استعان يعقوب بالمراوغة والخداع في نوال البركة من أبيه، وارتكن على الوسائط البشرية ولم يعتمد على الله وقد عاقبه الله بأن قيَّض له من خدعه، فإن الحصاد من جنس الزرع، فإن لابان غش يعقوب المرة بعد الأخرى وغاية الله هي أن يعلمنا أن نعتصم بالصدق في أقوالنا فانه أقوى لنا، وأن نهرب من الكذب في أفعالنا لأنه أفعى لنا

جاء في القرآن: أعطى كل شيء خَلْقه ثم هدى (طه 20:50) وورد فيه أيضاً: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً، ولكن الله يزكي من يشاء (النور 24:21), وعن جابر، قال رسول الله: لا يُدْخِلُ أحداً منكم عملُهُ الجنة ولا يُجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة الله رواه مسلم, (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث رقم 237),

وقد ظهرت هذه الرحمة في يسوع المسيح، فإن الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية(يوحنا 3:16),

قال المعترض الغير مؤمن : إن الله بارك يعقوب لأنه لم يميز بينه وبين أخيه، مثل عدم تمييز أبيه ,

وللرد نقول: إن الله اختار يعقوب وجعله مباركاً بدون واسطة والده ولا غيره, وقد ذكرنا أنه أخطأ لاعتماده على الوسائط البشرية وعدم اعتماده على الله,

 

 

 

الفصل السادس

خطية لوط

أنكر المعترض الغير مؤمن وقوع الخطأ من ابنتي لوط، لما أسكرتا أباهما واضطجعتا معه، ولم يعلم باضطجاعهما ولا بقيامهما، وقال: إنها دسيسة في الكتب السماوية, وطلب الاستفهام عن الغرض من ذكر هذه القصة

وللرد نقول: لنوضح ظروف لوط وابنتيه:

كان لوط في الجبل، فتوهمت ابنتاه أنه سينقطع نسلهما لأن الله أهلك سدوم وعمورة بأهلهما، ففعلتا ما فعلتاه فالسُّكر هو سبب هذا الشر الفظيع، والرب أراد أن ينفرنا منه بالأمثلة التي تقشعر منها الأبدان والمعروف أنه إذا سكر الإنسان تاه عن الصواب، وكان والمجنون واحداً, قال أبو حنيفة: حدّ السُّكر أن يصير الإنسان لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض، ولا المرأة من الرجل , فلا عجب إذا لم يدر لوط بما فعله في حالة سكره لأنه لم يشعر بعمله ولا بشرِّه,

1 - ولقد أوقع السُّكر الصحابة في الكفر، وفي ضرب بعضهم بعضاً، فقد كانت الخمر جائزة أولًا يشربها أصحاب محمد في صدر الإسلام، فورد في البقرة 219 : يسألونك عن الخمر والميسر وقال المفسرون: نزلت هذه العبارة في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار أتوا محمداً فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مَذْهبة للعقل مسلبَةً للمال, فنزلت هذه العبارة (الكشاف في تفسير البقرة 219), وقالوا إن أصل الخمر في اللغة الستر والتغطية، وسُمّيت الخمر لأنها تخامر العقل أي تخالطه، وقيل لأنها تستره وتغطيه وجملة القول إن المسلمين كانوا يشربونها في أول الإسلام وهي حلال لهم وصنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ودعى إليه ناساً من أصحاب محمد، فأطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا علي بن أبي طالب ليصلي لهم، فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف حرف لا , فكان ذلك سبباً في نزول: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فحرم محمد السُّكر في أوقات الصلوات, فكان الرجل يشربها بعد صلاة العِشاء فيُصبح وقد زال سكره، فيصلي الصبح, ويشربها بعد صلاة الصبح ، فيصحو وقت صلاة الظهر (الكشاف في تفسير البقرة 219 وأسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4:34),

2 - مما يدل على أن السكر كان السبب في كفاحهم ووقوع البغضاء بينهم، هو أن عتبان بن مالك أَقام وليمة ودعا رجالًا من المسلمين وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار, فأخذ رجل من الأنصار لحْيَ البعير فضرب به رأس سعد فشجَّه, فانطلق سعد إلى النبي وشكى إليه الأنصاري، فقال عمر: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً ويُروى أيضاً أن حمزة بن عبد المطلب شرب الخمر يوماً وخرج فلقى رجلًا من الأنصار وبيده ناضح له، والأنصاري يتمثل ببيتين لكعب بن مالك يمدح قومه وهما:

جمعنا مع الإيواء نصراً وهجرة فلم يُر حيٌّ مثلنا في العشائر

فأحياؤنا من خير أحياء من مضى وأمواتنا من خيرِ أهلِ المقابر

فقال حمزة: أولئك المهاجرون وقال الأنصاري: بل نحن الأنصار فتنازعا، فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصاري، فهرب الأنصاري وترك ناضحه فقطعه حمزة, فجاءه الأنصاري مستعدياً إلى محمد، فأخبره بفعل حمزة، فغرم له محمد ناضحاً فقال عمر: بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت: يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة (المائدة 5:90 ، 91), ورووا أن قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى ثملوا وعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا فلان أخي , وكانوا إخوة ليست في قلوبهم ضغائن، فكان ذلك سبب تحريمها (الطبري في تفسير المائدة 90),

3 - حرمت التوراة السُّكر بالخمر من أول الأمر, قال سليمان الحكيم : لمن الويل، لمن الشقاوة، لمن المخاصمات، لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب، لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج, لا تنظر إلى الخمر إذا احمرَّت، حين تظهر حُبابها في الكأس وساغت مرقرقة, في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان, عيناك تنظران الأجنبيات، وقلبك ينطق بأمور ملتوية، وتكون كمضطجع في قلب البحر، أو كمضطجع على رأس سارية, يقول: ضربوني ولم أتوجع، لقد لكأوني ولم أعرف! (الأمثال 23:29-35),

4 - فاذا وقع لوط في أقبح الخطايا، كان ذلك نتيجة السُّكر, على أن الأعمال بالنيات, والكتاب المقدس ناطق بأنه لم يدر بما فعل، والسكران يؤاخذ على سكره ولا يؤاخذ على ما يقترفه وهو سكران، فإن التكليف يسقط عنه,

فالسكران لا يدري ما فعل، ولكن إذا استفاق وجب عليه التوبة ولوط فعل ما فعله وهو لا يدري، ولما استفاق تاب وندم، وشهد له الكتاب المقدس بأنه كان باراً تقياً والمؤمن إذا وقع في خطيئة لا يهدأ باله إلا إذا تخلَّص منها، فخطيئته تكون مثل غبار أو قذى في عينه لا يرتاح إلا إذا خرج منها، بخلاف الشرير الذي يجد ارتياحاً ولذة في فجوره مثل قوم لوط، فلما أنذرهم المرة بعد الأخرى لم يكترثوا بنصيحته، ولم تؤثر فيهم مواعظه، فعاقبهم الله، وحافظ على هذا البار, وعلَّمنا بهذا المثال الامتناع عن السكر فانه يجرّس وينجس ويفلس ويوقع في الإشراك والهلاك,

5 - وقد نسب القرآن إلى لوطٍ عدم الاعتماد على الله، فقال إنه لما أتت الملائكة لوطاً بصورة رجال جمال الصورة، أراد قومه التعرُّض لهم، فقدم لهم بناته فلم يرضوا، فقال في عدد 80: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (هود 11:80), وجواب لو محذوف، أي لقاتلتكم عن أبي هريرة قال رسول الله : يرحم الله لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد يعني أن الركن الشديد هو الله، فنسبوا إليه عدم الاعتماد على الله (ابن كثير في تفسير هود 80),

 

 

 

الفصل السابع

جدود المسيح

استقبح المعترض الغير مؤمن أن بعض جدود المسيح لم يكونوا منزهين عن الخطأ فقال إن عوبيد بن لوط هو جد لداود واسم أمه راعوث، وإنها كانت موآبية، وإن رحبعام بن سليمان من أجداد المسيح واسم أمه نعمة، وهي عمونية من أولاد بني عمّي بن لوط, ورحبعام جد المسيح، مع أن بن عمّي من أولاد الزنا, وأنه كان لا يجوز للموآبي والعموني الدخول في جماعة الرب، وأنهم إذا قالوا إن اعتبار النسب بالآباء لا بالأمهات، فيكون ترجيحاً بلا مرجِّح

وللرد نقول: إذا نظرنا إلى الطبيعة البشرية رأينا أن آدم أبا البشرية خالف أمر الله وطُرد من الجنة، وإبراهيم أبا الأنبياء كذب ثلاث كذبات حسب قول محمد، وقِسْ على ذلك غيره فاتَّخذ المسيح من هذه الطبيعة الفاسدة جسداً ليصلحها ويرفع شأنها، فلا عجب إذا كان في سلسلة نسَبه مَنْ أخطأ خطايا فاحشة ولا يُقدَح في وجود بعض الموآبيين في سلسلة المسيح، فالأساس هو الإيمان بالله الحي فيا له من إيمان حقيقي ظهرت نفحاته بالأعمال الصالحة أما قوله إنه كان لا يجوز للموآبي الدخول في جماعة الرب، قلنا: هذا إذا كان باقياً على إلحاده وكفره، أما إذا آمن فإنه يصبح مقبولًا، لأنه ليس عند الله محاباة

حال أبوي محمد وعشيرته: ورغم تنقيب المعترض الغير مؤمن في صفات الأفاضل الذين اتخذ منهم المسيح الطبيعة البشرية، فإنه لم يجد أن أحدهم أشرك بالله, وهذا بخلاف أبوي محمد وعمه وعشيرته، فقد كانوا مشركين قال العلماء: والشِرك بالله أكبر الكبائر، لقوله: إن الشرك لظلم عظيم, ويليه القتل بغير حق , ورد في النساء 4:48 : إن الله لا يغفر أن يُشرَك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيمًا وفي (عدد 116): ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالًا بعيداً روي عن أبي ذر أنه قال: أتيتُ محمداً وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:'ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ` قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال: 'وإن زنى وإن سرق`, قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال:'وإن زنى وإن سرق`, قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال:'وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر` (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني - حديث رقم 26),

إذاً الشرك من أعظم الكبائر التي لا تُغفر، ولكن الله يغفر ما دون ذلك وما نُسب إلى بعض الأفاضل من جدود المسيح من الخطايا هو من الهفوات والزلات التي لم يقووا على مقاومتها، بل كانت شديدة فغلبتهم، ولكنهم تابوا وندموا واستغفروا الله أما الشرك بالله فهو أعظم الآثام ويستوجب صاحبه جهنم النار، وقد كان والدا محمد مشركَيْن، ولما طلب محمد من الله ان يغفر لهما لم يُجَبْ إلى طلبه ورد في التوبة 9:113 : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبيَّن له أنه عدو لله تبرّأ منه ذهب المفسرون إلى أن هذه العبارة نزلت في شأن أبي طالب عم محمد، وهو والد علي، وفي والد محمد وأمه، فإن محمداً أراد أن يستغفر لهم بعد موتهم، فنهاه الله عن ذلك (أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول التوبة 9:113),

استغفار محمد لأمه: قال أبو هريرة وبريدة: لما قدم محمد مكة أتى قبر أمه آمنة فوقف حتى حميت الشمس رجاء أن يُؤذَن له فيستغفر لها، فنزلت: وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وروى الطبري وابن الجوزي عن بريدة، قال كل واحد منهما إن محمداً مرَّ بقبر أمه فتوضأ وصلى ركعتين ثم بكى، فبكى الناس لبكائه ثم إنصرف اليهم فقالوا: ما أبكاك؟ قال: مررت بقبر أمي فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن استغفر لها فنُهيت، فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزُجرت زجراً، فأبكاني ثم دعا براحلته فركبها، فما سار إلا هنيهة حتى قامت الناقة لثقل الوحي، فنزلت : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى (أسباب النزول للنيسابوري - سبب نزول التوبة 113),

استغفار محمد لأبيه: وجاء أيضاً في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي عن سبب نزول التوبة 113 : قال قتادة، قال محمد: لأستغفرنَّ لأبي كما استغفر ابراهيم لأبيه فنزلت هذه العبارة, وروى الطبري بسنده عنه، قال: ذكر لنا أن رجالًا من أصحاب الرسول قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يُحسِن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ فقال محمد: بلى، والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ثم اعتذر الله عن إبراهيم حسب قولهم، فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه (التوبة 9:114),

فالآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة ناطقة بأن أبا محمد وأمه وعمه كانوا مشركين، ونهاية كل مشرك جهنم النار ولما حاول أن يستغفر لهم نُهي عن ذلك وزُجر زجراً أبكاه أما استغفار إبراهيم لوالديه فكان عن موعدة وعدها الله له، حسب كلامهم والمؤكد أنه لا شفاعة بعد الموت، فيُجازى كل إنسان حسب عمله، فالكافر مقره جهنم والمؤمن في النعيم الدائم، وعلماء المسلمين مسلِّمون بوجود والدي محمد في النار, وقال بعضهم: إنه لا يبعد أن يكون الله أقامهما من الموت ليؤمنا ثم أماتهما، وهي خرافة ونقول: إذا كان الله زجر محمداً عن الاستغفار لهما، فكيف يقيمهما؟ إن أبوي محمد هما في النار حسب شهادة القرآن، وشتان بين أبويه وجدوده الوثنيين، وبين العذراء القديسة مريم، وجدود المسيح - حسب الجسد - من أنبياء وملوك، مثل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وداود، وسليمان، الذين اشتهروا بالتقوى الحقيقية ومعرفة الله الحي، وعندهم الكتب المقدسة والوحي الإلهي ولا عجب اذا وقع بعضهم في معصية ثم تابوا واستغفروا الله لأنهم بشر، والطبيعة البشرية تميل إلى الانحراف, والمسيح أتى واتخذ جسداً من هذه الطبيعة البشرية ليرفع قَدْرها كما قلنا,

 

 

 

الفصل الثامن

خطيئة إخوة يوسف

قال المعترض الغير مؤمن : ورد في التكوين 35:22 : وحدث إذْ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سُريَّة أبيه, وسمع إسرائيل , ومع ذلك لم يَجْر الحدّ والتعزير على رأوبين ,

وللرد نقول: من جهة الحد والتعزير فقد لعنه أبوه، ولم ينس خطيئته وهو مشرف على الموت (تكوين 4) ورأوبين هذا لم يكن نبياً ولا رسولًا, نعم لا يُنكر أن أباه كان من المشهورين بالإيمان والتقوى، ولكن النار قد تخلّف الرماد فخلف آدم قايين، وخلف نوح حسب قولهم كنعان وهو شرير, والحقيقة هي أنه خلف حاماً ولم يكن تقياً, ونسب القرآن إلى رأوبين الغدر بأخيه كما ورد في يوسف 12: 8 ، 9 : إذ قالوا ليوسف: وأخوه أحبُّ إلى أبينا منّا، ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين, اقتلوا يوسف واطرحوه أرضاً يخْلُ لكم وجه أبيكم - قال المفسرون: لما قوي الحسد وبلغ النهاية من إخوة يوسف قالوا فيما بينهم:'لابد من تبعيد يوسف عن أبيه، وذلك لا يحدث إلا بأحد طريقين: إما القتل مرة واحدة، أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه بأبيه بأن تفترسه الأسود والسباع، أو يموت في تلك الأرض البعيدة` , أما نسبة أبيهم إلى الضلال فهو محض العقوق، وهو من الكبائر, قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت (أي قعر) الجب يلتقطه بعض السيارة (الذين يسيرون في الأرض) إن كنتم فاعلين (يوسف 10), قال محمد بن اسحق: اشتمل فعلهم هذا على جرائم كثيرة من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم , ثم ادعى أن الله عفا عن ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله ! ومن المعلوم أنه لا يوجد تفاوت في صفات الله، فليست صفة أعظم من صفة أخرى، فرحمة الله ليست أعظم من عدله، وعدل الله يستلزم قصاص المذنب ولا يمكن أن الله يعفو عن إخوة يوسف إلا بالكفارة والإيمان والتوبة,

خطايا إخوة يوسف حسب قول المسلمين: جاء في تفسير القرطبي على يوسف 12:15 فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ إن في موضع نصب، أي على أن يجعلوه في غيابة الجب, قيل في القصة: إن يعقوب عليه السلام لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً ليحفظنه، وسلمه إلى روبيل وقال: يا روبيل! إنه صغير، وتعلم يا بني شفقتي عليه، فإن جاع فأطعمه، وإن عطش فاسقه، وإن أعيا فاحمله ثم عجِّل برده إليَّ, قال: فأخذوا يحملونه على أكتافهم، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر، ويعقوب يُشيّعهم ميلًا ثم رجع, فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف، فاستغاث بروبيل وقال: أنت أكبر إخوتي، والخليفة من بعد والدي عليَّ، وأقرب الإخوة إليَّ، فارحمني وارحم ضعفي فلطمه لطمة شديدة وقال: لا قرابة بيني وبينك، فادع الأحد عشر كوكباً فلتنجك منا , فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه، فتعلق بأخيه يهوذا وقال: يا أخي! ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب، فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده , فرقّ قلب يهوذا فقال: والله لا يَصِلون إليك أبداً ما دمتُ حياً، ثم قال: يا إخوتاه! إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا، فردُّوا هذا الصبي إلى أبيه، ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبداً, فقال له إخوته: والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب، والله لئن لم تدعه لنقتلنّك معه، قال: فإن أبيتم إلا ذلك فها هنا هذا الجب الموحش القفر، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد وقد استرحتم من دمه، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد , فأجمع رأيهم على ذلك,

قال علماء الإسلام: إن رأوبين (روبيل) لطم يوسف لطمة شديدة, والحقيقة هي أنه هو الذي أشار بالرأفة بأخيهم، ويهوذا هو الذي أشار ببيعه، ولم تأخذه عليه شفقة ولا رحمة فلا عجب إذا اقترف خطايا أخرى كخطية الزنا, وبيان ذلك أنه كان ليهوذا ابنان: عير وأونان, أما عير فكان شريراً فأماته الرب, ولما كانت شريعة موسى تقول: إنه إذا مات إنسان بدون عقب وجب على أخيه أن يقيم نسلًا له، حتى لا ينطفئ اسمه من عشيرته، تزوج أونان بامرأة أخيه لهذه الغاية, ولكنه أفسد على الأرض لكيلا يعطي نسلًا لأخيه، فقبُح في عيني الرب فأماته وكان ليهوذا ابن ثالث اسمه شيلة، فأخبر يهوذا امرأة ابنه، الذي مات بدون عقب، أن تمكث في بيتها إلى أن يكبر الابن الثالث, واتفق أن ماتت امرأة يهوذا، فمضت مدة مديدة ولم يقترن بزوجة ولما كانت ثامار امرأة ابنه الذي مات بدون عقب ترغب في إقامة نسل، وكان يهوذا قد ضرب عنها صفحًا، تزيَّت بزيّ زانية وأغرت يهوذا على الزنا بها، وأخذت خاتمه وعصابته وعصاه لتبرئة نفسها مما فعلته، ولتعاقبه على عدم مراعاة الشريعة التي كانت تجيز للعم الاقتران بزوجة ابن أخيه لإقامة النسل, فلما عرف يهوذا حقيقة الأمر قال: إنها أبرُّ مني، لأني حجبْتُ شيلة ابني عنها ولم أعطها له , فيتضح من هذه القصة أن يهوذا وقع في تجربة عظيمة، ولا سيما أنه كان مترملًا,

ومع كل ذلك فلا ننكر أنهما اقترفا إثماً عظيماً، فاستغفرا ربهما عن هذا الإثم، وقال الكتاب المقدس إنه لم يعد يعرفها، فندم كلّ منهما على عمله وتابا ولا يصح أن نعتبر كلًا منهما بمنزلة الزاني المصرّ على خطيئته,

قال المعترض الغير مؤمن : لا يتصور أن رذيلًا من الأرذال يعطي عمامته أجرة فعلٍ مثل هذا الفعل الشنيع ,

وللرد نقول: لم يرِدْ في التوراة أن ثامار أخذت عمامة يهوذا، بل أنها أخذت خاتمه وعصابته وعصاه, فالعصابة ليست هي العمامة، بل هي كل ما عُصبت به الرأس من عمامة أو منديل, والظاهر أنها كان منديلًا أو رباطاً على الرأس، فإن غاية ثامار كانت أخذ علامةٍ منه لتبرئة نفسها

وقال المعترض الغير مؤمن : لماذا قتل الله أونان الذي تزوج ثامار أرملة أخيه؟ ,

وللرد نقول: إن الله عاقبه لأنه كره أخاه المتوفى، وأصرَّ على إطفاء اسمه وذكره، ففعل به الرب ما قصد أن يفعله بأخيه، فإن الحصاد هو من جنس الزرع,

وقال المعترض الغير مؤمن : داود من ذرية فارص بن ثامار المولود منها بالزنا، وابن الزنا لا يدخل في جماعة الرب حتى يمضي عليه الجيل العاشر، كما جاء في التثنية 23:2 , فكيف دخل داود وآباؤه في جماعة الرب، بل صار من رؤساء الأنبياء وصاحب كتاب والهام؟

وللرد نقول: الأمر الوارد في تثنية 23:2 خاص بالذين كانوا يستبيحون الفسق والآثام، فحذر الله بني اسرائيل من دخول أحدهم في جماعة الرب، بل حذرهم من مخالطتهم ومعاشرتهم لئلا تفسد أخلاقهم وآدابهم ولو سلمنا بأن المقصود من هذه العبارة العموم، لكان المراد منها أنه لا يجوز الدخول في جماعة الرب لمن يصرّ على الفسق، أما الذي يتوب فإن الله يقبل توبته ويجعله من جماعة المؤمنين به,

 

 

 

الفصل التاسع

خطية هارون

قال المعترض الغير مؤمن : ورد في الخروج 32:4 أن هرون صوَّر العجل وعَبَده وأمر بني إسرائيل بعبادته

وللرد نقول: افترى المعترض الغير مؤمن على هرون، فقد ورد في خروج 32 أنه لما رأى بنو إسرائيل أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمعوا على هرون وألزموه على عمل صنم \يسير أمامهم فقال لهم: انزعوا أقراط الذهب التي في آذانكم وكانت غايته صرفهم عن ذلك، إذ لا شيء أعزّ عند المرأة من حليّها، فكان يظن أن نساءهم يبخلن بحليهن فلا يتحقق هذا الطلب, وكان مقصوده أيضاً اكتساب مُهلة الى أن يرجع موسى، فقد عجز هارون عن مقاومتهم بالقوة ولكن لم يتحقق ظنه، فأخذ الحلي وصوَّرها بالإزميل، فقالوا: هذه آلهتك يا اسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر

وقد ذكر القرآن هذه القصة في سورة البقرة والأعراف وطه وغيرها، فقال: لما رأى موسى من هرون خور العزيمة لعنه وجرَّه من شعر رأسه ومن لحيته واعتذر له هرون بأن قال له: إنهم استضعفوني وخفت أن يقتلوني, ومرة قال: أنا خفت على بني إسرائيل من التفريق والتمزيق وصيرورتهم أحزاباً ونكتفي بإيراد بعض الأقوال القرآنية:

1 - ورد في الأعراف 7: 148 - 151 : واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلًا جسداً له خُوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلًا؟ اتخذوه وكانوا ظالمين ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا: لئن لم يرحمنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً، قال: بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم؟ وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجرُّه اليه قال ابن أمّ، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال: رب اغفر لي ولأخي ,

2 - وورد في طه 20:85 -94 : قال فإنّا قد فتنَّا قومك من بعدك وأضلَّهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسِفاً قال: يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً؟ أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي؟ قالوا: ما أخلفنا موعدك بملكنا، ولكنا حُمِّلْنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها، فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلًا جسداً له خوار، فقالوا: هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولًا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ولقد قال لهم هارون من قبل: يا قوم إنما فتنتم به، إن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال: يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن؟ أفعصيت امري؟ قال: يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي

هذه الأقوال تدل على انه لما عاد موسى من الجبل: (1) وبخ هرون بقوله: بئسما خلفتموني من بعدي , (2) كسر موسى الألواح من شدة غيظه, (3) جرَّ أخاه من شعره وشده من لحيته, (4) اعتذر هارون، فقال: إنهم استضعفوني وكادوا يقتلونني , (5) توبيخ موسى لهرون بقوله: إذا لم تتبعني قال ابن عباس: أوقد هرون ناراً وقال اقذفوا ما معكم فيها، وقيل إن هرون مرَّ على السامري وهو يصوغ العجل، فقال له: ما هذا ؟ قال: أصنع ما ينفع ولا يضر، فادْعُ لي فقال هرون: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه فألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل في فم العجل، وقال: كن عجلًا يخور، فكان كذلك بدعوة هرون فذلك قوله فأخرج لهم عجلًا (الرازي في تفسير طه 20:88), فلماذا الاعتراض على قصة التوراة، وقد أخذ القرآن هذه القصة منها، وأتى بالزيادة والنقصان؟ فإن ذكر السامري جَهْل بالتاريخ والجغرافيا، ولا نعلم من أين أتى هذا السامري! كان الأقرب إلى العقل أن يقول (عوضاً عن السامري) إنه أتى مع بني إسرائيل مصري عمل لهم العجل أبيس معبود قدماء المصريين، فإن الإسرائيليين كانوا في سيناء ولم يكونوا وصلوا إلى أرض كنعان، ولم يكن للسامرة اسم ولا رسم فذكر السامري خطأ ومما يشبه ذلك قوله: تربة حافر فرس جبريل ,

ثم قال إن للعجل خواراً وجسداً، فمثل هذه الأمور تقع على آذان العارف بحقائق التوراة كخرافات، فأقوال التوراة هي الصحيحة، وهي تنزيل الحكيم العليم,

قال المعترض الغير مؤمن : زعموا في حق موسى أنه أمر أن يصنع من ذهبٍ صورة كروبَيْن باسطيْن أجنحتهما إلى فوق، ووجه كل واحد منهما إلى الآخر، ويوضعان فوق غطاء تابوت الشهادة الذي فيه نسخة التوراة، كما في الخروج 37 ، مع أن موسى نهى عن اتخاذ الصور والتماثيل كما في الخروج 20 ,

وللرد نقول: كان الكروبان من متممات التابوت الذي كان يتجلى الله فيه ويعلن لأنبياء بني اسرائيل أوامره، ويرشدهم إلى ما يجب أن يفعلوه ولا نعرف كيف خفي هذا على المعترض الغير مؤمن ، وهو مذكور في القرآن، وجعله من آيات الله للمؤمنين, فورد في البقرة 246 أنه لما طلب بنو إسرائيل من أحد أنبيائهم (وهو صموئيل) أن يولي عليهم ملكاً ليخرجوا ويقاتلوا أعداءهم، أخبرهم أن الله بعث لهم طالوت ملكاً (شاول) فتذمروا على هذا الملك، فأخبرهم أن الله اصطفاه عليهم وزاده بَسْطة في العلم والجسم، فطلبوا من النبي آيةً على ذلك فقال في البقرة 248: وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت، فيه سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين , أما قوله سكينة فصوابه شكينا باللغة العبرية,

السكينة:

ذكر علماء السير والأخبار أن الله أنزل على آدم تابوتاً فيه صورة الأنبياء، وكان التابوت من خشب الشمشاد، طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، فكان عند آدم، ثم صار إلى شيت، ثم توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى، فكان يضع فيه التوراة ومتاعًا من متاعه، ثم كان عنده إلى أن مات ثم تداوله أنبياء بني إسرائيل الى وقت اشمويل, (صوابه صموئيل) (الرازي في تفسير البقرة 248),

واختلفوا في تلك السكينة ما هي، فقال علي بن أبي طالب : هي ريح خجوج (أي شديدة المر) هفافة، لها رأسان ووجه كوجه الإنسان , وقال مجاهد: هي شيء يشبه الهرة، له رأس كرأس الهرة وذَنَب كذنب الهرة، وله جناحان وقيل له عينان لهما شعاع، وجناحان من زمرد وزبرجد, وكانوا إذا سمعوا صوته تيقَّنوا النصر، فكانوا إذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم، فإذا سار ساروا، وإذا وقف وقفوا وكانوا إذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم فيُنصَرون, فلما عصوا وأفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وأخذوه منهم، وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلي (وصوابه عالي) وهو الشيخ الذي ربى اشمويل ابنان, وكان عيلي حبر بني إسرائيل وصاحب قربانهم، فأحدث ابناه في القربان شيئاً لم يكن فيه، وكانا يتشبَّثان بالنساء اللواتي يصلين، فأنذره الله، وسلط العمالقة حتى أخذوا التابوت ووقع عيلي وانكسرت رأسه، إلى أن بعث الله طالوت ملكاً وأخذ التابوت من العمالقة, ولما كان في بيت أصنامهم وقعت الأصنام (تفسير الطبري على البقرة 248),

والمطلع على تاريخ الكتاب المقدس يرى تاريخ بني إسرائيل وملوكهم وأنبيائهم مستوفياً، أما روايات القرآن وروايات أصحاب السير والأخبار الذين لم يطالعوا التوراة فهي في غاية التشويش والخلط، فيأخذون من قصة شيئاً، ثم يأتون بشيء من قصة أخرى لا مناسبة بينها وبين الأولى، بل تكون بعيدة عنها في الزمان والمكان بعداً قاصياً، شأن ناقل القصص التي كانت متواترة على ألسن الناس بدون تثبُّت ولا تروٍّ أو تحرٍّ، ولا سيما أن المعارف لم تكن منتشرة انتشارها في العصر الحاضر, ولكن لا عذر الآن في عدم المعرفة!

فإذا أراد المعترض الغير مؤمن معرفة التابوت، وجب عليه أن يطالع التوراة فيعرف حقيقته وغايته وتاريخه بالحق اليقين, ومع ذلك فالقرآن الذي يتمسك به المعترض الغير مؤمن قد ذكر التابوت وبعض لوازمه، وجعله من الآيات للمؤمنين، وعبَّر عن الكروبَيْن بلفظ السكينة كما يعلم من تعريف علي ومجاهد لها، وهي غير الصور والتماثيل التي نهى الله عن اتخاذها,

 

 

 

الفصل العاشر

خطية موسى

قال المعترض الغير مؤمن : زعموا أن موسى استعفى واستقال من النبوَّة والرسالة، فاشتد غضب الله عليه حيث قال للرب: أرغب منك يا سيدي أن ترسل غيري (كما في خروج 4), فكيف يُتصوَّر غضب الله على موسى مع أنه من أنبيائه وأصفيائه، وغضبه يكون على أعدائه؟ وكذلك حرمانه مع أخيه هرون عن دخول الأرض المقدسة وإعراض الله عنهما في آخر حياتهما ,

وللرد نقول: ورد في الخروج 4:10 - 15 أن موسى قال للرب: أنا ثقيل الفم واللسان فقال الرب: من صنع للإنسان فماً، أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيراً أو أعمى؟ أما هو أنا الرب؟ فالآن اذهب, وأنا أكون مع فمك، وأعلّمك ما تتكلم به , فقال: اسمع أيها السيد، أرسِلْ بيد من ترسل! فحمي غضب الرب على موسى، وقال: أليس هرون اللاوي أخاك؟ إنه هو يتكلم، وأيضاً ها هو خارج لاستقبالك ,, وأنا الآن مع فمك ومع فمه , فموسى لم يرد التوجُّه الى فرعون لثقل لسانه، إقراراً بعجزه وتواضعاً منه، ولم يُحجم عن طاعة أمر ربه,

وقد جاء اعتذار موسى في القرآن، ففي الشعراء 26:12 -15 قال رب إني أخاف أن يكذبوني ويضيق صدري ولا ينطلق لساني، فأَرْسل إلى هرون, ولهم عليَّ ذنب، فأخاف أن يقتلوني, قال: كلا فاذهبا بآياتنا، إنّا معكم مستمعون , هذا يدل على أنه لما أمر الله موسى، اعتذر عن التوجُّه بسبب العُقدة التي في لسانه، وبأنه قتل أحد المصريين، وطلب من الله أن يرسل إلى أخيه هرون بأن يبلغ الرسالة، فأخبره الله أنه سيكون معه، وأمره أن يتوجَّه مع أخيه هرون، وهي قصة مأخوذة من التوراة التي ذكرت أن الله غضب عليه، لأنه كان يجب طاعة الأمر حالًا وسريعاً، بدون اعتذار ولا إظهار عجز، لأن من يكون الله معه هو في غنى عن كل شيء, فإذا كان ضعيفاً وكان الله معه صار قوياً، وإذا كان جاهلًا أصبح حكيماً، وإذا كان ألكن أصبح فصيحاً,

على أن القرآن نسب خطايا أخرى إلى موسى غير ما ذُكر، فنسب إليه:

1 - أنه قتل, في القصص 28:15 ، 16 ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه, قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مبين, قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي , فقتل المصري قتل عمد وعدوان، واعترف : هذا من عمل الشيطان وقال: إني ظلمت نفسي وقوله في الشعراء 26:20\: فعلتها إذاً وأنا من الضالين , وغاية ما اعتذر عنه المفسرون أن ذلك كان قبل النبوة (الكشاف في تفسير الشعراء 20),

2 - ورد في الشعراء 26:43 قال لهم موسى:'ألقوا ما أنتم ملقون` , فقال علماء الإسلام إنه أذن لهم في السحر، وإظهاره حرام، فيكون إذنه أيضاً حراماً, وأجابوا عنه بعدة أجوبة منها أن السحر كان جائزاً، وهو جواب في غير محله, ومنها أنه أراد إظهار معجزته في عصاه وتلقفها لما أفكوه,

3 - ورد في الأعراف 7:150 ، 151 : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسِفاً قال: بئسما خلفتموني من بعدي, أعجلتم أمر ربكم؟ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرُّه إليه, قال: رب اغفر لي ولأخي , فموسى الذي كان مشهوراً بالوداعة والحِلم وقع في ضدهما,

4 - ورد في الكهف 18:71 ، 74 قول موسى للخضر: فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها (أي الخضر) قال: أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئاً إمراً ,,, لقد جئت شيئاً نكراً , مع أن فعل الخضر لم يكن منكراً لأنه كان بأمر من الله حسب دعواهم, وفي (عدد 75) قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ , قال البيضاوي في تفسيره لهذه الآيات: زاد فيه 'لك` مكافحة بالعتاب على رفض الوصية، ووسماً بقلة الثبات والصبر لما تكرر من الاشمئزاز والاستنكار، ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة ,

لقد نسَب القرآن إلى سيدنا موسى القتل، وشدّ شعر رأس أخيه وجرّه كما يجر البهيمة، واستقباحه أمر الله، وعدم ثباته وعدم صبره وعدم ارعوائه بالتذكير، وطلبه من الله أن يرسل أخاه إلى فرعون, أما التوراة فلم تذكر سوى اعتذاره بثقل لسانه, ولا يُخفى أن خطيئة واحدة مما نُسب إليه تكفي لحرمانه من دخول أرض الموعد، فإن الله قدوس طاهر يعاقب على أقل خطية، فإن عدله وقداسته يستلزمان عقاب أصغر الخطايا، ما لم يُكفَّر عنها بالذبيحة,

 

 

الفصل الحادي عشر

خطية داود

قال المعترض الغير مؤمن : زعموا في حق داود أنه اقترن بزوجة أوريا الحثي وحمل منها بولد، وأهلك زوجها بالمكر كما في 2 صموئيل 11 , وأنذَرَه ناثان بموت ابنه، كما في 12:14 ,

وللرد نقول: تشهد نصوص التوراة بتقوى داود وبطهارة قلبه ومسامحته أعداءه, فقد وقع شاول ألدُّ أعدائه مرتين في يده وسامحه حتى شهد له عدوه بأنه أبرُّ منه, مع كل ذلك وقع داود في الخطية، فاشتهى امرأة أوريا وزنى بها، وعرَّض زوجها في ميدان القتال لسلاح العدو فقتله، فأرسل الله إليه النبي ناثان ليوبخه على هذا العمل الوخيم، وحكى له قصة نعجة الرجل الفقير، فغضب داود وقال لناثان: حي هو الرب، إنه يُقتل الرجل الفاعل ذلك، ويردّ النعجة أربعة أضعاف، لأنه فعل هذا الأمر، ولأنه لم يشفق , فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل! قتلت أوريا الحثي بالسيف وأخذت امرأته! والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، وهأنذا أقيم عليك الشر وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين الشمس، لأنك أنت فعلت بالسر، وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس , فاستغفر داود عن ذنبه، فأخبره ناثان: الرب قد نقل عنك خطيئتك, لا تموت , وضرب الرب الولد الذي ولده فمات (2 صموئيل 12),

وورد في سورة ص 38:21-25 : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داود ففزع منهم، قالوا لا تخف, خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، وأهدنا إلى سواء الصراط, إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فقال أكفِلْنيها وعزَّني في الخطاب, قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم, وظن داود أنما فتنَّاه، فاستغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب، فغفرنا له ذلك ,

أقوال المسلمين في خطية داود:

قال المفسرون: كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام: يوم يقضي فيه بين الناس، ويوم يخلو فيه لعبادة ربه، ويوم يخلو فيه لنسائه, وكان له تسع وتسعون امرأة, وكان فيما يقرأ من الكتب أنه كان يجد فيه فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فلما وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب قال: يا رب إن الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي، فأعطني مثل ما أعطيتهم، وافعل بي مثل ما فعلت بهم, فأوحى الله إليه: إن آباءك ابتلوا ببلايا لم تُبتل بها, ابتُلي إبراهيم بذبح ابنه، وابتُلي إسحاق بذهاب بصره، وابتُلي يعقوب بحزنه على يوسف، وإنك لم تُبتل من ذلك بشيء, قال: يا رب ابتلني بمثل ما ابتليتهم به، وأعطني مثل ما أعطيتهم, فأُوحي إليه: إنك مبتلي فاحترس, فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب، حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي، فمدَّ يده ليأخذه، فتنحَّى فتبعه، فتباعد حتى وقع في كوّة، فذهب ليأخذه، فطار من الكوّة، فنظر أين يقع، فيبعث في أثره, فأبصر امرأة تغتسل على سطح لها، من أجمل الناس خلقاً، فحانت منها التفاتة فأبصرته، فألقت شعرها فاستترت به، فزاده ذلك فيها رغبة، فسأل عنها، فأُخبر أن لها زوجاً، وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا, فبعث إلى صاحب المسلحة أن يبعث أهريا إلى عدو كذا وكذا, فبعثه، ففُتح له, وكتب إليه بذلك، فكتب إليه أيضاً: أن أبعثه إلى عدو كذا وكذا، أشد منهم بأساً, فبعثه ففُتح له أيضاً, فكتب إلى داود بذلك, فكتب إليه أن أبعثه عدو كذا وكذا، فبعثه فقُتل المرة الثالثة، وتزوج امرأته,

فلما دخلت عليه لم تلبث عنده إلا يسيراً حتى بعث الله ملكين في صورة إنسيين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس أن يدخلا، فتسوَّرا عليه المحراب، فما شعر وهو يصلي إذ هو بهما بين يديه جالسين، ففزع منهما، فقالا: لا تخف (إنما نحن) خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تُشطط يقول: لا تخف واهدنا إلى سواء الصراط , إلى عدل القضاء, فقال: قُّصَا عليَّ قصتكما, فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فهو يريد أن يأخذ نعجتي، فيكمل بها نعاجه مئة, فقال للآخر: ما تقول؟ فقال: إن لي تسعاً وتسعين نعجة ولأخي هذا نعجة واحدة، فأنا أريد أن آخذها منه، فأكمل بها نعاجي مئة, قال: وهو كاره؟ قال: وهو كاره؟ قال: إذاً لا ندعك وذاك, قال: ما أنت على ذلك بقادر, قال: فإن ذهبت تروم ذلك أو تريد، ضربنا منك هذا وهذا وهذا، وفسر أسباط طرف الأنف، وأصل الأنف والجبهة, قال: يا داود أنت أحق أن يُضرب منك هذا وهذا وهذا، حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لأهريا إلا واحدة، فلم تزل به تعرّضه للقتل حتى قتلته، وتزوجت امرأته, فنظر فلم ير شيئاً، فعرف ما قد وقع فيه، وما قد ابتُلي به، فخرَّ ساجداً يبكي أربعين يوماً لا يرفع رأسه (الطبري في تفسير سورة ص 21-25),

وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول إن داود النبي حين نظر الى المرأة أوصى صاحب البعث فقال:'إذا حضر العدو فقرِّب فلاناً بين يدي التابوت`, وكان التابوت في ذلك الزمان يُستنصر به، ومن قُدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يُقتل أو يُهزم عنه الجيش، فقُتل زوج المرأة (الكشاف في تفسير سورة ص 21-25),

وقال الزمخشري أيضاً في تفسيره (الكشاف عند تفسير سورة ص): اتفق أن داود وقعت عينه إلى امرأة أوريا فأحبها، فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرّده ففعل، فتزوجها وهي أم سليمان، فقيل له إنه مع عِظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلًا ليس له إلا إمرأة واحدة النزول عنها لك، بل كان الواجب مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتُحنت به , قال ابن عباس وغيره: ان داود لما دخل عليه المَلَكان فقضى على نفسه، تحوَّلا في صورتهما وعرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه, فعلم داود أنهما قصداه، فسجد، فمكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض من جبهته وهو يقول في سجوده:'رب، زلَّ داود زلة أبعد ما بين المشرق والمغرب, رب، إن لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلق من بعده`, فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال: 'يا داود، إن الله تعالى قد غفر لك الهمَّ الذي همَمْت به`, فقال:'قد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال:'ربي دمي الذي عند داود؟`, فقال:جبريل:'ما سألتُ ربك عن ذلك، وإن شئتَ لأفعلن`, قال:'نعم`, فعرج جبريل، وسجد داود ما شاء الله تعالى, ثم نزل جبريل فقال:'سألتُ الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إن الله تعالى يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هَبْ لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب, فيقول الله تعالى: فان لك في الجنة ما شئت ما اشتهيت عوضاً عن دمك` ,

ومع ما في هذه الأقوال من غرابة، إلا أنها تدل على وقوع داود في الخطايا, وقد تواترت هذه القصة في أيام الصحابة، واتخذها الأراذل مسوّغاً لشهواتهم، فزجرهم عليٌّ عن التحدث بها, ولم يكن زجره إنكاراً لحقيقتها بل لصرف الناس عن الاشتغال بالمثالب, وقال علي: مَنْ حدَّثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدتُه مائة وستين، وهي حد الفرية على الأنبياء , ورُوي أنه حدث عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يُلتمس خلافها، وأعظم بأن يُقال غير ذلك, وإن كانت على ما ذكرت وكفَّ الله عنها سَتْرًا على نبيه، فما ينبغي إظهارها عليه , فقال عمر: لسَمَاعي هذا الكلام أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس ,

وقالوا إن القصة التي أتت في القرآن جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح، لكونها أبلغ في التوبيخ, ولكن هذه القصة مذكورة في التوراة ببساطة الحق, وأعرب داود عن توبته في المزمور الحادي والخمسين فاعترف بخطيئته وتاب وندم,

قال المعترض الغير مؤمن : قال الشيخ السنوسي بعد أن أنكر قصة داود إن في كتب بني إسرائيل تخليطاً عظيماً لا يليق أن يُلتفت إليه ,

وللرد نقول: لقد أعمى التعصب الشيخ السنوسي فلم يذكر ما ورد في القرآن عن داود في التسعة وتسعين نعجة، وهو مأخوذ بالحرف الواحد من التوراة, فإنه لما سقط داود في الخطيئة أتاه النبي ناثان ووبخه، وضرب له هذا المثل كما تقدم,

 

 

 

الفصل الثاني عشر

خطية سليمان

قال المعترض الغير مؤمن : ما أعجب ما نسبوه لسليمان، أنه في آخر عمره ارتدَّ وعبد الأصنام وبنى لها المعابد، كما في الملوك الأول 11 , وما أجرأ بني إسرائيل لأنهم نسبوا كبار الأنبياء إلى المعاصي، وأدخلوا هذا البهتان العظيم في التوراة ,

وللرد نقول: ذكرت في التوراة أن النساء الغريبات أملن قلب سليمان حتى بنى لآلهتهن المرتفعات، فغضب الله عليه ومزق المملكة من بعده عقابًا له،لأن للمُلك سكرة وللنساء صولة, غاية المولى أن يعلم الملوك أن لا ينهمكوا في اللذات والشهوات التي تلهيهم عن تدبير الأمور وسياسة الجمهور، وعن القيام بالواجبات الدينية,

وقد ورد في القرآن ما يفيد أن سليمان اشتغل بالأمور الدنيوية التي ألهته عن عبادة الله، وانه سمح بعبادة الأصنام في بيته, وقالوا إنه لم يقدم المشيئة لله، ولم يتوكل عليه, ورد في سورة ص 38:31-33 : إذ عُرض عليه بالعشي الصافنات الجياد، فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب, ردوها عليَّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق , ومع اختلاف المفسرين في هذه العبارة إلا أنها تدل على أن الخيل ألهتْهُ عن الصلاة حتى قالوا إنه ذبحها ليتخلص منها, وورد في عددي 35،34 : ولقد فتنَّا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب, قال: رب اغفر لي وهَبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي (ابن كثير في تفسير سورة ص 31-33)

وكان سبب ذلك ما ذُكر عن وهب بن منبّه: قال: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر وهي صيدون بها ملك عظيم الشأن، فأخذها عنوة وقتل ملكها، وأخذ ابنته واسمها جرادة، لم يُرَ مثلها حسناً وجمالًا، فاتخذها له امرأة واحبها حباً لم يحبه شيئاً من نسائه, وكان لا يرقأ دمعها جزعاً على أبيها, فأمر سليمان الشياطين، فقال: مثِّلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً فمثلوه لها حتى نظرت الى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه، فألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها، وكانت تغدو اليه في ولائدها فتسجد له ويسجدن معها كعبادتها في ملكه، واستمرت على ذلك أربعين صباحاً, وبلغ ذلك آصف بن برخيا، فأتى سليمان فقال له: إن غير الله يُعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة , فأمر سليمان بتكسير ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، وأمر برماد فُرش له وجلس عليه، وتمعك به في ثيابه تذللًا إلى الله وتضرعاً إليه، يبكي ويستغفر مما كان في داره, فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع إلى داره, وكانت له أم ولد يُقال لها أمينة، إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه، وكان ملكه في خاتمه, فأعطاها خاتمه يوماً، فأتاها شيطان اسمه صخر المارد في صورة سليمان لا تنكر منه شيئًا, فقال: خاتمي يا أمينة فناولته، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان, وخرج سليمان فأتى أمينة وقد تغيرت حالته وهيئته عند كل من رآه فقال: يا أمينة خاتمي قالت: من أنت؟ قال: سليمان بن داود قالت: كذبت! فقد جاء سليمان وأخذ خاتمه، وهو جالس على سرير ملكه , فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني اسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود فيَحْثون عليه التراب، ويقولون: انظر إلى هذا المجنون، أي شئ يقول؟ يزعم أنه سليمان! , فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب السوق، ويعطونه كل يوم سمكتين, فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ويشوي الأخرى فيأكلها, فمكث على ذلك أربعين صباحاً - مدة ما كان يُعبد الوثن في داره, فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان، وسأل آصف نساء سليمان وقال لهن: هل أنكرتم من ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: أشد ما يدع امرأة منّا في دمها، ولا يغتسل من الجنابة , وبعد مضي أربعين صباحاً طار الشيطان من مجلسه، ثم مرَّ بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة، فأخذها بعض الصيادين وأُعطى لسليمان سمكتين أجرة يومه، فباع سليمان سمكة بأرغفة، وبقر بطن الأخرى ليشويها فوجد الخاتم، فتختّم به ساجداً لله وعاد اليه المُلك فعلى هذا يكون المراد بقوله جسداً الوارد في القرآن هو صخر (الرازي والجلالان في تفسير سورة ص 34 ، 35)

وهناك عدة اعتراضات أوردها الرازي في تفسيره سورة ص 34 ، 35 وهو يستبعد كلام القرآن لعدة وجوه (1) أن الشيطان لو قدر على أن يتشبَّه بالصورة والخلقة بالأنبياء، فحينئذ لا يبقى اعتماد على شيء من الشرائع, فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس في صورة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ما كانوا أولئك، بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة لأجل الإغواء والإضلال، ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية, (2) أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله سليمان بمثل هذه المعاملة، لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهَّاد، وحينئذ وجب أن يقتلهم وأن يمزق تصانيفهم وأن يخرب ديارهم، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأَنْ يبطل مثله في حق أكابر الأنبياء أَوْلى, (3) كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان؟ ولا شك أنه قبيح, (4) لو قلنا إن سليمان أذن لتلك المرأة في عبادة الصورة فهذا كفر منه، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة، فكيف يُؤاخذ الله سليمان بفعل لم يصدر عنه؟

ولو لم يذكر المفسرون مثل البيضاوي والخازن وغيرهما هذه القصة، لضربنا عنها صفحاً, ولكن قد ذكرناها لتوضيح الأقوال القرآنية, ومع أنها مشحونة بالخزعبلات، إلا أنها كافية في الدلالة على أن سليمان أظهر ضعفاً حتى تساهل مع نسائه الغريبات وراعى خاطرهن حتى نزع الله المُلك منه وأذلَّه، وصار يستعطي أربعين يوماً, وأين هذه الأقوال من أقوال التوراة البسيطة الخالية من التزويق والتلفيق! يقول القرآن: فتنّا سليمان ويقول: وألقينا على كرسيه جسداً ويقول: ثم أناب وقال هو: ربّ اغفر لي , هذه العبارات تدل صراحة على وقوعه في الخطيئة, ورُوي مرفوعًا أنه قال: لأطوفنَّ على سبعين امرأة تأتي كلُّ واحدةٍ بفارس يجاهد في سبيل الله , ولم يقل إن شاء الله , فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة جاءت بشق رجل, فوالذي نفس محمد بيده، ولو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرساناً! (بداية ونهاية - ابن كثير ج2)(في ظلال القرآن في تفسير سورة ص 34 ، 35),

وقيل وُلد له ابن فأجمعت الشياطين على قتله، فعلم ذلك فكان يغذوه في السحاب, فما شعر به إلا أن أُلقي على كرسيه ميتًا، فتنبه على خطئه بأنه لم يتوكل على الله, وقِس على ذلك, ما أشبهه من التلفيق الذي ذكروه لتفسير العبارة القرآنية ومهما كان فيدل على خطية سليمان, ومن يطالع آخر ما ورد في كتاب سفر الجامعة في التوراة يظهر له أن سليمان تاب ورجع إلى المولى, وسبحان من تنزَّه عن النقص، فهو المختص بالكمال وحده, (طبقات ابن سعد ج 2 باب تفسير الآيات التي في ذكر أزواج محمد)

قال المعترض الغير مؤمن : وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا (البقرة 2:102),

وللرد نقول: لو طالع المعترض الغير مؤمن تفسير هذه الآية لما استشهد بها لتأييد دعواه، فان جميع المفسرين قالوا إن المراد بها تبرئته مما نسب إليه اليهود من السحر, قالوا إن اليهود أنكروا نبوته، وقالوا إنما حصل له هذا الملك وسُخِّرت الجن والإنس له بسبب السحر، وقيل إن السحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان فبرأه الله من ذلك، ولكن الشياطين كفروا، يعني ان الذين اتخذوا السحر لأنفسهم هم الذين كفروا, ثم بيّن سبب كفرهم فقال: يعلّمون الناس السحر أي ما كتب لهم الشياطين من كتب السحر, وقال السيوطي: قال اليهود انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، ويذكر سليمان مع الأنبياء, أفما كان ساحراً يركب الريح ؟ فنزل واتبعوا ما تتلو الشياطين (أسباب النزول للسيوطي بسبب نزول البقرة 102),

ويتضح من كل ما تقدم ان المراد من هذه العبارة غير ما ذكره المعترض الغير مؤمن ,

 

 

 

الفصل الثالث عشر

أحوال البشر

لم تكن سيرة الأنبياء كاملة، ولو أن إبلاغهم للوحي كان كاملًا, والنقص في البشر هو حالهم جميعاً، فكلمة الله تقول: كلنا كغنم ضللنا, ملنا كل واحد إلى طريقه ,, ليس من يعمل صلاحاً, ليس ولا واحد (اشعياء 53:6 ، رومية 3:12), ونورد في هذا الفصل بعض ما عرفناه عن بعض الخلفاء الراشدين، والمبشَّرين بالجنة، وأمراء المؤمنين، كما كتب عنهم أفاضل الثقاة من علماء المسلمين, ولن نورد سير منحرفين، ولا أقوال ملاحدة - كما فعل المعترض الغير مؤمن ,

جاء في مروج الذهب للمسعودي (ج4) أن الخلافة الراشدة بدأت بخلافة أبي بكر (سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام) ثم خلافة عمر (عشر سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوماً) ثم خلافة عثمان (إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وتسعة عشر يوماً) ثم خلافة علي (أربع سنين وسبعة أشهر), وانصرفت خلافة أبي بكر خلال العامين والثلاثة أشهر إلى الحرب بين جيشه وبين المرتدين في الجزيرة العربية، وانصرفت خلافة علي خلال الأربعة أعوام والسبعة أشهر إلى الحرب بين جيشه في ناحية وجيوش الخارجين عليه في ناحية أخرى، بدءاً من عائشة وطلحة والزبير في موقعة الجمل، وانتهاءً بجيش معاوية في معركة صفين، ومروراً بعشرات الحروب مع الخوارج عليه من جيشه, وفي العهدين كانت هموم الحرب ومشاغلها أكبر بكثير من هموم الدولة وإرساء قواعدها,

وقد مات عمر مقتولًا بيد غلام من أصل مجوسي، اشتكى لعمر ثِقل خراجه فلم يسمع له، فطعنه بخنجر فقتله, ومات عثمان مقتولًا بيد المسلمين الثائرين الذين حاصروا منزله, ومات علي مقتولًا بيد عبد الرحمن بن ملجم من الخارجين على علي,

وأليس هذا مصداقاً لقول المسيح: كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (متى 26:52),

1 - أحوال عثمان بن عفان:

وهو ذو النورين وأحد العشرة الذين بشّرهم محمد بالجنة، وزوج ابنتي محمد، وجامع القرآن, وإليك ما جاء عنه في كتاب الخلافة الإسلامية للمستشار محمد سعيد العشماوي (دار سينا - القاهرة),

أخذ المسلمون على عثمان بن عفان أخطاء عدة تدلل على الفساد، منها أنهم قالوا:

أ - كان النبي قد نفى الحَكَم بن أبي العاص وطرده من المدينة، فظل طريداً طوال حياة النبي ومدة خلافة أبي بكر وعمر اللذين رفضا شفاعة عثمان فيه ليعود إلى المدينة, فلما كانت خلافة عثمان قدم الحَكَم عليه، لأنه عمُّه، فأبقاه في المدينة ولم يأمره بالخروج منها كما فعل النبي وصاحباه، أبو بكر وعمر، فآوى عثمان طريد النبي,

ب - اتخذ عثمان أقرباءه ولاةً على أمصار الإسلام, ولو أنهم كانوا من أهل الفضل والدين لكان في توليته إياهم محاباة القرابة التي بينه وبينهم، وجنوحٌ إلى عشيرته بني أمية, فكيف وهم فسقة فجار!؟

ومن هؤلاء الولاة الوليد بن عقبة بن أبي معيط (ووالده عقبة هذا عدو النبي الذي قتله صبرا، فلما قال للنبي: ومن للصِّبْية - ومنهم الوليد - يا محمد؟ قال: لهم النار) وقد ولاه عثمان أمر الكوفة، فأحدث فيها وصلى بالناس وهو مخمور، فزاد في عدد الركعات والسجدات, ولما نبّهه الناس التفت إليهم وقال لهم: هلا زدتكم! ومن ولاة عثمان - كذلك - عبد الله بن أبي سرح - وكان رضيعه - فولَّاه أمر مصر، (وكان محمد قد أمر بقتل عبد الله هذا ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة)، وعبد الله بن عامر الذي ولاه البصرة، ومعاوية بن أبي سفيان الذي ولاه الشام وأطلق يده فيها, وكان معاوية هذا والياً على الشام في عهد عمر غير أنه - كما قال علي - كان أخوف لعمر من خادم عمر له),

ج - فتح عثمان خزائن بيت المال لبني أمية، وزوَّج مروان بن الحكم بنته وسلَّمه خُمس غنائم أفريقية، وقد بلغت مائتي ألف دينار, ثم استسلم عثمان في كل أموره لمروان هذا (ابن عمه) فأخذ يفسد كثيراً بسوء التصرف وسوء المشورة,

د - هذا فضلًا عن إيذاء أصحاب النبي, وممن آذاه عبد الله بن مسعود حتى انحرفت قبيلته هذيل عن عثمان بسبب ذلك، وعمار بن ياسر حتى انحرفت قبيلته بنو مخزوم عن عثمان من أجله، وأبو ذو الغفاري الذي نفاه إلى الربذة ومنعه من البقاء في المدينة أو الذهاب إلى مكة,

إذاً أخذ المسلمون على عثمان - الخليفة الثالث - ما يُسمى بفساد الحكم أو فساد الإدارة، ممثَّلًا في تعيين حكام فَسَقة غير ورعين ولا تقاة ولا أكفاء، بسبب قرابته لهم لا غير، وسوء التصرف في أموال المسلمين وبيت المال، وحماية الخارجين على القانون والنظام العام مثل الحَكَم بن أبي العاص، واضطهاد المحكومين، ونفي المعارضين، وعدم الحكم وفقاً لأوامر الله في القرآن ونهج النبي في السنّة، بل تبعاً لمشورة مروان بن الحكم بن أبي العاص, وهي أمور تعني - بلغة العصر - المحسوبية والاستيلاء على أموال الدولة، وحماية المفسدين، وعدم تنفيذ القانون، ووقف العمل بالدستور، واعتقال المعارضين!!! (عن تاريخ الطبري ج3 والملل والنحل),

ومع أن عمر وعثمان ماتا مقتولين، إلا أن عمر قُتل على يد غلام من أصل مجوسي، وترك قتله غصّة في نفوس المسلمين، بينما ما حدث لعثمان عكس ذلك، فقد قُتل على يد المسلمين الثائرين المحاصِرِين لمنزله وبإجماعٍ منهم, وقد تتصور أن قتلة عثمان قد أشفوا غليلهم بمصرعه على أيديهم، وانتهت عداوتهم له بموته، لكن كتب التاريخ تحدثنا برواية غريبة ليس لها نظير سابق أو لاحق, قال الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (جزء 3) أن عثمان بقي بعدما قُتل ليلتين لا يستطيعون دفنه، ثم حمله أربعة (حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مكرم، وأبو جهم بن حذيفة), فلما وُضع ليُصلَّى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم من الصلاة عليه، فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، وأبو حية المازني، ومنعوهم أن يدفن بالبقيع, فقال أبو جهم: ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته, فقالوا: لا والله لا يُدفن في مقابر المسلمين أبداً, فدفنوه في مقابر اليهود, فلما ملكت بنو أمية أدخلوا تلك المقبرة في البقيع, وفي رواية ثانية: أقبل عمير بن ضابيء، وعثمان موضوع على باب، فنزا عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه, وفي رواية ثالثة أنهم دفنوه في مقابر اليهود حين رماه المسلمين بالحجارة، فاحتمى حاملوه بجدارٍ دفنوه بجواره، فوقع دفنه في مقابر اليهود!

2 - أحوال عبد الله بن عباس:

وهو ابن عم محمد، حَبْر الأمة الإسلامية وراوي الأحاديث ومرجع تفسير القرآن, وولَّاه علي بن أبي طالب على البصرة, فكتب أبو الأسود الدؤلي، وهو وزير المالية في البصرة، إلى الخليفة علي بن أبي طالب رسالة يقول فيها: عاملك، وابن عمك (عبد الله بن عباس الهاشمي) قد أكل ما تحت يده بغير علمك , فأرسل الخليفة إلى ابن عمه وواليه يسأله فيما وصل إليه, وبعد مراسلات أجاب عبد الله بن عباس برسالة استقالة إلى الخليفة جاء فيها: والله لأَنْ ألقَى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها وبطلاع ما على ظهرها أحبُّ إليَّ من أن ألقاه وقد سفكتُ دماء الأمة لأنال المُلك والإمارة, فابعث إلى عملك من أحببت , وهي استقالة تتضمن معنى التبجّح وعدم الاستحياء من أكل كل ما في بطن الأرض وما على ظهرها، طالما كان ذلك أخفّ مما عمله الخليفة وأمير المؤمنين على بن أبي طالب - الذي يقول عنه ابن عباس ابن عمه وابن عم النبي إنه سفك دماء أمة المسلمين في سبيل المُلك والإمارة, وبعد هذه الاستقالة العجيبة جمع ابن عباس ما كان قد تبقّى من أموالٍ في بيت المال، ويُقدَّر بحوالي ستة ملايين درهم، واحتمى بأخواله من قبيلة بني هلال حيث كانوا معه في البصرة، ومضى بالمال حتى بلغ البيت الحرام في مكة فأصبح آمناً فيه, ولما كتب إليه الخليفة علي يطلب إليه ردّ الأمانة، أجاب ابن عباس: ,, إن حقي في بيت المال لأعظم مما أخذتُ منه (يقصد اختلس منه) ,, ثم يحذر الخليفة قائلًا: ,, لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملنَّ هذا المال إلى معاوية يقاتلك به!!! (تاريخ الطبري ج4 - و الفتنة الكبرى لطه حسين),

لقد ضلَّ ابن عباس في خطئه عندما أرسل إليه الخليفة علي يحاسبه، فلم يرعوِ ولم ينتهِ وإنما أسرف وبغى وطغى، فحمل ما بقي من مال في بيت المال, وعاونه في نقل المال (بعد الاستيلاء عليه) والفرار به أخوالُه من بني هلال، دون أن ينصحوه بتقوى الله وتَرْك الحرام!! وقد ذهب بالمال الحرام إلى مكة البيت الحرام، دون أن يعبأ بالتناقض في ذلك, وفي مكة لم يقف المؤمنون في وجهه ولم يقاطعوه ولم يحتقروه ويزدروه لما فعل، فعاش آمناً مطمئناً رغم كل القيم الإسلامية, وعندما حاول الخليفة وأمير المؤمنين أن يحاسبه لم يستطع ذلك ولم يقدر عليه, وقد عرّض ابن عباس (المختلس) بالخليفة الذي أراد أن يحاسبه، وادَّعى أن له حقاً في بيت المال أكثر مما أخذ، دون أن يبيّن أساس هذا الحق، وهل هو قرابته للنبي، أو ورعه، أم تقواه، أم علمه، أم فقهه، أم كونه مثلًا للمسلمين ونموذجاً للخلُق الإسلامي!؟ وقد اتهم الخليفةَ أميرَ المؤمنين بأنه سفك دماء المسلمين في سبيل المُلك والإمارة (لا في سبيل الله!!) فاعتبر الخلافة ملكاً (وكان بذلك أول من صرح بأنها مُلك) وادّعى على الخليفة الإفساد في الأرض (أي اتهمه بالخيانة العظمى) بقتل المسلمين وسفك دمائهم في سبيل الحصول على المُلك والوصول إلى الإمارة!!

بهذا كله، من مَثَلٍ ومُثُل، بدأ الفساد في صميم الخلافة الراشدة، ثم انتشر واستشرى فيما بعد,

3 - أحوال يزيد بن معاوية:

هو الذي تولى الخلافة بعد والده معاوية بن أبي سفيان وهو صاحب القول المشهور:

لعبَتْ هاشمُ بالمُلْكِ فلا مَلَكٌ جاء ولا وحيٌ نَزَل

ويروي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (مجلد 5 جزء 9) قصة وفاة يزيد، فقال: كان يزيد يحب حظية جميلة جداً من حظاياه اسمها حبَّابة، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهيل بن حنيف, فقال له أخوه سليمان: لقد هممتُ أن أحجر على يديك , فباعها, فلما أفضت إليه الخلافة قالت امرأته سعدة يوماً: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال: نعم، حبابة , فبعثت امرأته فاشترتها له ولبّستها وصنَّعتها وأجلستها من وراء الستارة، وقالت له أيضاً: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال: أَوَمَا أخبرتُك؟ فقالت: هذه حبابة - وأبرزتها وأخلَتْه بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده وكذلك زوجته أيضاً, فقال يوماً: أشتهي أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد , ففعل ذلك، وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده فيه أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة, فبينما هو معها في ذلك القصر، على أسرّ حال وأنعم بال، وبين أيديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك، فشرقت بها وماتت، فمكث أياماً يقبّلها ويرشفها وهي ميتة حتى أنتنت وجيفت فأمر بدفنها, فلما دفنها أقام أياماً عندها على قبرها هائماً، ثم رجع، فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه , (ويذكر المسعودي نفس الرواية في مروج الذهب ج3)

والقصة كما يذكرها ابن كثير، نموذج فريد لصحيح العشق، وأصيل الغرام، ولا بأس أن تذوب لها قلوب الصبية، وتنفطر لها قلوب الصبايا، وتسيل من أجلها دموع المحبين، لكنها - في تقديرنا - شاذة أشدّ ما يكون الشذوذ، بعيدة أكثر ما يكون البعد، عندما يتعلق الأمر بمن يسمِّيه المسلمون أنه أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، وخادم الحرمين، وحامي حمى الإيمان، والملتزم بأحكام القرآن، وبسنّة نبيّ الرحمن !

4 - أحوال أبي جعفر المنصور:

جاء في تاريخ الوزراء والكتَّاب للجهشياري أن ابن المقفع أرسل للخليفة أبي جعفر المنصور كتاباً صغير الحجم، عظيم القيمة أسماه رسالة الصحابة (حوالي سنة 142 ه_) نصح فيه الخليفةبحُسن اختيار معاونيه، وحُسن سياسة الرعية, وكان في نصحه رفيقاً, ولعله كان ينتظر من المنصور تقديراً أدبياً ومادياً يليق بجهده, ولعله لم يتصور أن مجرد إسداء النصح للمنصور جريمة، وأن غاية دور الأديب (في رأي المنصور) أن يمدَحه، ومنتهى دَوْر المفكّر أن يؤيّده، وأن عقاب من يتجاوز دوره كما فعل ابن المقفع، أن يُفعَل به كما فُعل بابن المقفع, فقد قال له المنصور: سأقتلك قتلةً لم يُقتَل بها أحد قط , وأمر بتنوّر فسُجر ثم أمر بأن يُقطع منه عضو ثم يُلقى في التنور، وابن المقفع ينظر, فلم يزل يقطع منه عضواً عضواً حتى ألقى بباقي جثته فيه وقال: لأحرقنَّك بنار الدنيا قبل نار الآخرة , وحُكي أن سفيان لما أُمر بتقطيع ابن المقفع وطرحه في التنور، قال ابن المقفع: إنك لتقتلني فتقتل بقتلي ألف نفس, ولو قُتل مائة مثلك ما وفوا بواحد , ثم أنشد هذين البيتين:

إذا ما مات مثلي، مات شخصٌ يموتُ بموْته خَلْقٌ كثير

وأنت تموت وحدك، ليس يدري بموتك لا الصغيرُ ولا الكبيرُ

هذه أيها القارئ أحوال من يطلق عليهم المعترض الغير مؤمن القادة العظماء - فالإنسان خطّاء، يحتاج للتوبة والرجوع إلى الله, وما لم يدركه الله بغفرانه فلن ينصلح حاله, ونحن اليوم نحيا عهد النعمة الذي جاءنا في المسيح، الذي في كفارته يهبنا الغفران,

 

 

الفصل الرابع عشر

خطايا محمد

1 - ديانة محمد قبل نبوته

قلنا في الفصل السادس إنّ أبوي محمد وعمّه كانوا مشركين بالله، وإنه لما أراد الاستغفار لهم نهاه الله، بل زجره زجراً أبكاه, أما محمد فقد كان على ديانة أمته وعشيرته وقبيلته، فصرف أربعين سنة في العبادة الوثنية يعبد اللات والعزى ومناة, والدليل على ذلك ما ورد في سورة الضحى (93: 7 ، 8): وجدك ضالًا فهدى، ووجدك عائلًا فأغنى , فهذه العبارة ناطقة بأنه كان على عبادة أهله وعشيرته, والضلالة من أعظم المعاصي، وكل معصية في النار, وتقدم حكم الإشراك, أما الأنبياء الذين اصطفاهم الله لتبليغ رسالته فكانوا من الأمة الإسرائيلية التي اصطفاها الله على العالمين، وميّزها بامتيازات خصوصية، فخصّها بحراسة كتبه وإقامة فرائض عبادته,

ولنورد ما قاله مفسّروهم تعليقاً على الضحى 7 ، 8: قال بعضهم إنه كان على دين قومه، يعبد اللات والعزى، كما هو صريح العبارة القرآنية, غير أن الزمخشري ردَّ عليهم بأن قال: ومن قال كان على أمر قومه أربعين سنة؟ فإن أراد أنه على خلوّهم عن العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه كان على دين قومه فمعاذ الله! (الكشاف في تفسير الضحى 93:7 ، 8),

قلنا إذا لم يكن على دين قومه، فماذا كان دينه؟ لقد كان على دين عشيرته, وقد أورد في جمع الجوامع في الجزء الثاني أقوالًا عن دينه فقال: اختلف العلماء هل كان محمد مكلَّفاً قبل النبؤة بشرع؟ فمنهم من نفى ذلك، ومنهم من أثبته, واختلف المُثبِت في تعيين ذلك الشرع، فقيل انه كان مكلفاً بشرع نوح، أي كان على دين نوح, وقيل كان على دين إبراهيم, وقيل كان على دين موسى, وقيل كان على دين عيسى, وقالوا غير ذلك ,

وقد كانوا في غنى عن هذا ما دام القرآن قال بصريح اللفظ إنه كان ضالًا, بل إذا سلَّمنا بأنه كان على دين أحد أولئك الأنبياء أولي العزم، فكان الواجب عليه حض قومه على التشبُّه والاقتداء به، لأن دين موسى وعيسى هو حق كامل، بل لم يكن داعٍ ولا باعث الى الإتيان بطريقة أخرى وديانة جديدة ,

قال البيضاوي: وجدك ضالًا عن علم الحكم والأحكام, فهدى فعلَّمك بالوحي والإلهام والتوفيق للنظر (البيضاوي في تفسير الضحى 93:7),

2 - محمد يمدح آلهة قريش

ومن الأدلة على ميله إلى الأصنام، مدحه آلهة قريش وتقديم العبادة لها, وأغرب من ذلك اعتذار الله عنه وتسلية خاطره, وهذا هو الفرق بين القرآن والتوراة، فلم يذكر الله في التوراة خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلا أوضح شناعتها وبشاعتها ومرارتها وعقابها، بخلاف القرآن الذي يستخفّ بها كأنها لا شيء, وعلى هذا لما وقع محمد في عبادة الأوثان ومدح اللات والعزى، قال إن الله عزّاه بأن أنزل عليه في سورة الحج 22:25 : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقَى الشيطان في أمنيته، فينسَخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكِم الله آياته، والله عليم حكيم ,

قال ابن عباس وجميع المفسرين، سواء كانوا متقدمين أو متأخرين: لما رأى محمد تولِيّ قومه عنه، وشقَّ عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله، تمنّى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه، لحرصه على إيمانهم, فكان يوماً في مجلسٍ لقريش، فأنزل الله سورة النجم فقرأها محمد, حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدّث به نفسه ويتمنّاه، وهو: تلك الغرانيق العُلَى وإن شفاعتهنّ لتُرتَجى , فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به, ومضى محمد في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها المسلمون بسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، غير الوليد بن المغيرة وأبي أحيحة سعيد بن العاصي، فانهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود, وتفرقت قريش وقد سرَّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، ويقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر , وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويُميت ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل محمد لها نصيباً فنحن معه , فلما أمسى محمد أتاه جبريل فقال: يا محمد، ماذا صنعت؟ لقد تلوْتَ على الناس ما لم آتِك به من الله , فحزن محمد حزناً شديداً، وخاف من الله تعالى خوفاً كبيراً، فقال: إن الله أنزل هذه العبارة ليعزيه، وكان به رحيماً, وقد كان لهذه الحادثة طنة ورنة في عصره، والدليل على ذلك قولهم: وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب محمد، وبلغهم سجود قريش , وقيل: قد أسلمت قريش وأهل مكة , فرجع أكثرهم إلى عشائرهم، وقالوا: هم أحبُّ الينا! , حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي سمعوه من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوارٍ أو مستخفياً, فلما نزلت هذه العبارات قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله، فغيَّر ذلك , وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان محمد قد وقعا في فم كل مشرك، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه، وشدة على من أسلم (الرازي في تفسيره للحج 52),

قال ابن عباس تعليقاً على الحج 52 : في رواية عطاء أن شيطاناً يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل عليه السلام وألقى عليه هذه الكلمة فقرأها، فلما بلغ إلى تلك الكلمة قال جبريل عليه السلام: أنا ما جئتك بهذه, قال رسول الله إنه أتاني آتٍ على صورتك فألقاها على لساني (الرازي في تفسيره للحج 52),

والقول: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى (أي أحب شيئاً واشتهاه وحدَّث به نفسه مما لم يُؤمر به) ألقَى الشيطانُ في أمنيته (أي في مراده), هذا هو نص جميع أقوال المفسرين والعلماء، فكان محمد يظن ثبوت الرئاسة له على قومه بقوله هذا, ولكن لما رأى أنهم اتخذوا ذلك سلاحاً طعنوه به، وزادوا رسوخاً وثبوتاً على دينهم، أضرب عن هذه الطريقة, ومع أن جميع المفسرين ذكروا العبارة التي حاول بها إغراء قومه على اتِّباعه ومدح بها آلهتهم، وهي قوله: تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى إلا أنهم حذفوها من نص القرآن، مع أنه صلى بها,

واعتذر بعض المفسرين عنه بقولهم: إن الشيطان نطق بها على لسانه , ونقول: إن كان الأمر هكذا، فما المانع من أن يكون الشيطان هو الذي نطق بباقي القرآن على لسانه؟ ولا سيما أنه ورد في الحديث: إنه ليُغان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم مائة مرة , وقوله يُغان أي أن الشيطان يغشى قلبه (مشكاة المصابيح - تحقيق الألباني حديث رقم 2324),

ومع أن التوراة ذكرت للأنبياء بعض الخطايا والهفوات، إلا أنه لم يظهر نبي من الأنبياء الصادقين، يساير الناس على شركهم وعبادتهم الكاذبة, ولا مقارنة بين خطيئته وخطيئة سيدنا سليمان، الذي عبدت زوجاته الأجنبيات آلهتهن، ولم يقع هو في هذه العبادة, ومع ذلك عاقبه الله أشد عقاب، فمزق مملكته وأتى عليها بالرزايا والبلايا وسفك الدماء, وهذا بخلاف محمد، فانه لما وقع في عبادة الأصنام، قال إن الله أنزل عليه بعض الأقوال لتعزيته وتسليته, وحاشا لله من ذلك,

وورد في الإسراء 17:90-93 : وقالوا لن نؤمن لك حتى تُفجّر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء, ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزل علينا كتاباً نقرؤه, قل: سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولًا ,

قال ابن عباس: إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري، والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد , فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك , فجاءهم محمد سريعاً وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء، وكان حريصاً يحب رشدهم، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد، إنا بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله لا نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك, لقد شتمت الآباء، وعبْتَ الدين، وسفَّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة, وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك, فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا، جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالًا, وإن كنت تريد الشرف سوَّدناك علينا, وإن كان هذا الذي بك رئي تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردَّه، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه ونعذر فيك , (وكانوا يسمُّون التابع من الجن الرئي),

فقال محمد: ما بي ما تقولون, ما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً , قالوا: يا محمد، إن كنتغير قابل منّا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشد عيشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا مَن مضى مِن آبائنا وليكن منهم قصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك صدقناك , فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلتُ به , قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جنات وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة، يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس , فقال: ما بُعثتُ بهذا , قالوا: فأسقِط السماء كما زعمتَ أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل , وقال قائل منهم: لن نؤمن حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلًا ,

فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، (وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب) فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم سألوك أن تعمل ما تخوّفهم به من العذاب فلم تفعل، فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء مرقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخة منشورة معك، ونفر من الملائكة , وفي رواية: وأربعة من الملائكة يشهدون لك بما تقول , فانصرف محمد الى أهله حزيناً (الطبري في تفسيره للإسراء 17:90-93),

وهم معذورون إذا قاوموه ونبذوه, ولو كان قرآنه وحياً لما تأخر عن تأييده بمعجزة كما فعل كل الأنبياء الصادقين, وليس ذلك فقط، بل انه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه, روى البخاري أن محمداً قال لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا؟ فقال في سورة مريم: وما نتنزَّل إلا بأمر بك (وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً), ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ خمس عشرة ليلة لا يجيئه في ذلك وحي, ولا يصح أن يكون هذا حال نبي! (أسباب النزول - للسيوطي - سبب نزول الكهف 18:23 ، 24 ومريم 19:64),

3 - تقرُّب محمد لقومه على حساب الحق

أرسل الله أنبياءه ورسله إلى أقوام اعتادوا على فعل كل ما هو مناقض لتعاليم الله, ومع ذلك لم يفكر نبي منهم أن يقدم أي تنازل من أجل استرضاء قومه, فمن يقرأ سفري الملوك يرى موقف إيليا ثم موقف ميخا النبيين، وكل منهما يواجه وحده أربع مائة نبي كاذب والحاكم والشعب، ورغم ذلك لم يتنازل أيٌّ منهما قيد أنملة عن الحق، ولا حاول أن يجد حلًا يرضي جميع الأطراف,

فإذا نظرنا لموقف محمد من قومه وأصحابه نجده غير ذلك, كان لسلمان الفارسي أصحاب وثنيون، فحكى لمحمد عنهم، فقال محمد: إنهم في النار , فحزن سلمان لذلك حزناً شديداً, ولما رأى محمد ذلك قال: إن الله أنزل عليه: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة 62), ففرح سلمان لذلك فرحاً شديداً حتى قال كأنه رُفع من فوقي جبل (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية),

ويقول جواد علي في كتابه تاريخ الحرب قبل الإسلام (جزء 5) إن الصابئين كانوا يعبدون الكواكب، ويصلّون سبع صلوات، خمسٌ منها تتفق مع صلوات المسلمين، ويصومون شهراً كل عام، ويصلّون على موتاهم ويغسلونهم ويكفّنونهم كالمسلمين، وكانوا يحجّون ويعتمرون ويسعون بين الصفا والمروة, وبعد انتشار الإسلام تحرج بعض الناس من الطواف والسعي بين الصفا والمروة، لأنهم كانوا يرون أنها من أمور الجاهلية, فقال لهم محمد: إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوَّف بهما (صحيح البخاري - كتاب التفسير في تفسير البقرة 158),

أخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال لمحمد: ألست تقوم مقام إبراهيم خليل الرحمن؟ قال: بلى, قال عمر: فلِمَ لا تتخذ من مقامه مصلى؟ فخاف محمد لو رفض قد يتركه عمر، وهو الذي أعزّ الإسلام, فوافق على الاقتراح رغم أن كثيرين شكوا فيه، فقال: إن الله أنزل عليه: واتخِذوا من مقام إبراهيم مصلَّى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 125),

وقال ابن عباس: كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصومون يومه، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة حتى إذا صليت حرم عليهم الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة، وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم، إذا سوّلت له نفسه، فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، كأشدّ ما رأيت من الملامة، ثم أتى محمداً فقال: إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنها زيَّنت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصة؟ قال: لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر , فلما بلغ بيته، أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن، فقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ا لصِيَّامِ ا لرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى عَلِمَ ا للَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ يعني بذلك الذي فعل عمر بن الخطاب، فأنزل الله عفوه، فقال: فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) إلى مِنَ ا لخَيْطِ ا لْأَسْوَدِ فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح (تفسير الطبري للبقرة 187),

وأباح محمد لقومه زواج المتعة، أباحه في غزوتي خيبر وعام الفتح، ثم حرمه في حجة الوداع, وكان تحريمه لأنه إذا أُبيح كان أقرب للزنا منه للزواج! وزواج المتعة هو أن يعقد الرجل على المرأة لزمن محدد يتمتع فيه بها (يوماً أو أسبوعاً أو شهراً) لقاء مبلغ من المال، وبمجرد انتهاء الأجل ينتهي العقد تلقائياً, وفقهاء السنّة جميعاً يُجمعون على تحريمه تحريماً قاطعاً مستندين إلى حديث الرسول في حجة الوداع يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة , ويُجمع أغلب فقهاء السنّة (رغم وصفهم لهذا الزواج بالزنا) على استبعاد عقوبة الرجم لوجود شبهة ناتجة - (عما رُوي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال، واشتهر ذلك عن ابن عباس), غير أن الأمر اختلف بالنسبة لأغلب فقهاء الشيعة حيث أباحوه، وفسروا نصاً قرآنياً بما يفيد الإباحة، ونفوا أن تكون السنَّة ناسخة للقرآن، وردَّ عليهم فقهاء السنّة برأي آخر في تفسير النص، وبمناقشات مستفيضة عن جواز نسخ السنّة لأحكام القرآن، مستدلّين بحكم الرسول بالرجم في الزنا، بينما النص القرآني لا يتجاوز الجلْد، ولم يرد حكم الرجم في القرآن على الإطلاق! (راجع كتاب فقه السنّة للشيخ سيد سابق),

وجاء في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي للبقرة 223 نساؤكم حرث لكم فأْتوا حرثكم أنَّى شئتم - جاء عمر إلى محمد فقال: يا رسول الله حوَّلتُ رَحْلي الليلة, فلم يرد عليه شيئاً, ثم ادعى أن الله أنزل عليه هذه الآية, وأخرج البخاري عن ابن عمر: أُنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن, وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عنه، قال: إنما أُنزلت نساؤكم حرث لكم رخصةً في إتيان الدُّبر, وأُخرج أيضاً عنه أن رجلًا أصاب امرأة في دبُرها في زمن رسول الله، فأنكر ذلك الناس، فأنزل الله نساؤكم حرث لكم ,

أليس مخجلًا أن ينكر الناس إتيان المرأة في دبرها، فيسارع رسول الله بالقول الذي يصبح رخصة في إتيان الدبر على رواية الطبراني!! (انظر كتاب عِشْرة النساء - للنَّسائي)

وكان محمد لا يستنكف عن التعبّد لآلهة قومه للتقرب منهم، ثم ينقلب عليها لما يرى عدم الفوز بمرغوبه، فورد في سورة الإسراء 17:73 : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذوك خليلًا , قيل كان سبب نزولها إن محمداً كان يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا ندعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها, فحدَّث نفسه: ما عليَّ أن ألمّ بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني لها كاره (القرطبي في تفسير الإسراء 17:73), وقيل طلبوا منه أن يذكر آلهتهم حتى يَسْلموا ويتبعوه، فحدَّث نفسه، فنزلت هذه العبارة, وقال ابن عباس: قدم وفد ثقيف على محمد، فقالوا:'نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال`، قال:'وما هنّ؟` قالوا:'لا نجبي في الصلاة، (أي لا ننحني) ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وأن تمتّعنا باللات سنة من غير أن نعبدها`, فقال محمد:'لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود, وأما ألا تكسروا أصنامكم بأيديكم فذاك لكم، وأما الطاغية (يعني اللات والعزى) فإني غير ممتّعكم بها`, فقالوا:'يا رسول الله، إنّا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعْطِ غيرنا، فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا، فقُل الله أمرني بذلك`, فسكت محمد, فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك، فقال: وإن كادوا أي همُّوا ليفتنونك أي ليصرفونك عن الذي أوحينا إليك (أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول الإسراء 17:73),

وقال البيضاوي: نزلت في ثقيف، قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالًا نفتخر بها على العرب: لا نعشّر ولا نحشر ولا نجبي في صلاتنا، وأن تمتعنا باللات سنةً، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب: لِمَ فعلت ذلك؟ فقُل إن الله أمرني ,

وقيل نزلت في قريش، قالوا: لا نمكنّك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسّها بيدك , وهذا هو سبب ما ورد في الإسراء 39: ولا تجعل مع الله الهاً آخر فتُلقَى في جهنم ملوماً مدحوراً ,

وأنت تعلم أنه لما كان أحد ملوك بني إسرائيل يعقد عهداً مع أحد المشركين كان الله يعاقبه بأن يسلمه ليد أعدائه، فيذلونه ويخربون مملكته ويَسْبون رعاياه ونساءه وأولاده، بل كثيراً ما كان الله يعاقب من يعزم على التحالف مع المشركين، أو من يُظهر ليناً لهم وتساهلًا معهم، لأن الله يطلب من كل إنسان، ولا سيما أنبياؤه تسليم كل القلب والفكر والقوة لله, ومحمد أظهر غاية التساهل مع المشركين ووافقهم على أوثانهم,

4 - إغراء قوم محمد له

لما كان المشركون يرون منه ميلًا الى آلهتهم كانوا يطلبون منه أن يذكر شفاعتهم، فكان كثيراً ما يجيبهم ثم يرجع عن ذلك، ويقول: إن الله نهاه, فورد في سورة الأحزاب 33:1 : يا أيها النبي اتَّقِ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين, إن الله كان عليماً حكيماً, واتبع ما يوحى إليك من ربك ,فلو لم يقترف ذنباً لما نُهي عنه, رُوي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم، وقام منهم ابن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس، فقالوا له: ارفض ذكر آلهتنا وقُلْ إن لها شفاعة وندعك وربك , فقال: إن الله أنزل عليه ذلك (القرطبي في تفسير الأحزاب 33:1),

ومما يشبه هذه الحادثة قوله في سورة الزمر 39:65 : لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين , وكما أنه كان يقدم على المنكر المنهيّ عنه كان يتأخر عن أداء المأمور به، لأنه كان يخشى بأس قومه, ولما كان يرى أن موافقتهم لم تأت بفائدة ولا ثمرة، كان يتخلص من ذلك بأن يقول: إن الله زجره, فورد في سورة المائدة 5:67 : يا أيها الرسول بَلِّغ ما أُنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته , رُوي عن الحسن أن الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعاً، وعرف أن من الناس من يكذبه، فقال هذه العبارة, وقيل نزلت في تعيير اليهود لمحمد فاختشى من تبليغ الرسالة، وعجز عن الظهور أمامهم كنبي لأن عندهم الكتاب، فكان يتروى ويتحرى إلى أن يهتدي إلى الأقرب إلى الصواب, وقال ابن عباس: يعني إن كتمت آية مما أُنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالتي (ابن كثير في تفسير المائدة 5:67), فلو ترك إبلاغ البعض كان كمن لم يبلغ شيئاً مما أنزله الله ,

ومن المعلوم أن الله كان يلهم الأنبياء الصادقين ويقويهم على تبليغ الرسالة، فكانوا أبطالًا في ذلك لتأكُّدهم من صدق رسالتهم ولعدم مبالاتهم براحة أنفسهم, فلا عجب إذا نُشر بعضهم ورُجم البعض الآخر وعُرض للحيوانات المفترسة وغير ذلك,

5 - أخذه زوجة زيد

مما يدل على انقياد محمد إلى الشهوات وعدم ضبط نفسه التي هي أكبر أعدائه، عدم استنكافه عن أخذ امرأة زيد الذي كان قد تبناه, ومع أن قومه عيّروه، إلا أنه لم يبال بتعييراتهم، لأن الشهوة إذا استولت على النفس أماتت الإحساس, نعم أن داود وقع في خطيئة الزنا, ولكن يوجد فرق عظيم بين الأمرين، فلم يأخذ داود زوجة ابنه, ثم أن داود استغفر ربَّه واعترف بذنبه وتاب، ومع ذلك عاقبه الله بأن كدر عيشته وسلط عليه من أخذ نساءه وأذله، لأن الله عادل, أما محمد فقال: إن الله هو الذي أمره بذلك! وحاشا للقدوس الطاهر أن يصادق على العمل الشهواني، فورد في سورة الأحزاب 33:37 : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسِك عليك زوجك، واتَّق الله، وتُخفي في نفسك ما الله مُبديه، وتخشى الناسَ والله أحق أن تخشاه, فلما قضى زيد منها وطراً زوَّجناكها، لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم، إذا قضوا منهن وطراً , ولو لم يكن في القرآن غير ذلك لكفى!

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبّان قال: جاء محمد بيت زيد بن حارثة يطلبه وكان يُقال له زيد بن محمد فجاء منزله يطلبه فلم يجده, فقامت إليه زينب بنت جحش زوجته فُضُلًا (أي ترتدي ثوباً واحداً خفيفاً) فأعرض محمد عنها، فقالت: ليس هو هنا، فادخُل بأبي أنت وأمي , فأبى أن يدخل, وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها إن محمداً على الباب فوثبت عجلى فأعجبته فولّى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يُفهم منه إلا ربما أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان مصرّف القلوب , فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن محمداً أتى منزله, فقال زيد: ألا قلتِ له أن يدخل؟ قالت: قد عرضتُ ذلك فأبَى, قال: فسمعتِ شيئاً؟ قالت: سمعته حين ولّى تكلّم بكلام ولا أفهمه، وسمعته يقول: سبحان الله العظيم! سبحان مصرّف القلوب, فجاء زيد إلى محمد وقال: بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمي لعل زينب أعجبتك فأفارقها , فيقول: أمسك عليك زوجك , فما استطاع زيد إليها سبيلًا بعد ذلك اليوم, فيأتي إلى محمد فيخبره فيقول: أمسك عليك زوجك , ففرقها زيد واعتزلها وحلّت، يعني انقضت عدّتها, فبينما محمد جالس يتحدث مع عائشة أخذته غشية فسُرّي عنه وهو يبتسم ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء؟ وتلا: وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك , قالت عائشة: فأخذني ما قرُب وما بُعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صُنع لها زوَّجها الله من السماء, وقلت: هي تفخر علينا بهذا (الطبقات الكبرى - ابن سعد - كتاب النساء - باب زوجات محمد - قصة زواجه من زينب),

ولا يليق مقارنة أقوال المسيح وتعاليمه الطاهرة بهذا القانون الذي وضعه محمد في مسألة زيد, ومع ذلك لنذكر قانوناً من قوانينه توضيحاً للحق, قال المسيح: إن كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه, فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم (متى 5:28-30),

ورُوي عن عفّان بن مسلم وعارم بن الفضل قالا: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو زينب إلى النبي، فكان محمد يقول: أمسِكْ عليك زوجَك, فنزلت: وتخفي في نفسك ما الله مبديه , قال عارم في حديثه: فتزوجها محمد، فما أولم محمد على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة (الطبقات الكبرى - ابن سعد - كتاب النساء - باب زوجات محمد - قصة زواجه من زينب),

وعن أنس قال: لما انقضت عدة زيد قال محمد لزيد: ما أجد أحداً أوثق من نفسي منك, اخطب عليَّ زينب , قال زيد: فانطلقت وقلت: يا زينب أبشري، إن رسول الله يخطبك, ففرحَتْ وتزوَّجها ودخل بها, وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها, ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتدّ النهار (الكشاف في تفسير الأحزاب 33:37),

وورد في سورة الأحزاب 33:50 : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي ان يستنكحها خالصة من دون المؤمنين , وأخرج بن سعد عن منير بن عبد الله الدؤْلي أن أم شُرَيْك الدوسية عرضت نفسها على النبي، وكانت جميلة، فقبلها, فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير , قالت أم شُرَيْك: فأنا تلك , فسماها محمد مؤمنة فقال: وامرأة مؤمنة , فلما قال محمد هذا قالت عائشة: إن الله يسرع لك في هواك , (أسباب النزول - للسيوطي - سبب نزول الأحزاب 50), لقد أصابت عائشة في كل قولها، (1) لا خير في امرأة تهب نفسها لرجل، فإنها تكون فاسقة, (2) إن إله محمد كان يسرع له في الموافقة على كل ما تشتهيه نفسه,

وورد في سورة الأحزاب (33:51): تُرجي من تشاء منهن، وتؤوي إليك من تشاء، ومن ابتغيت ممن عزلت، فلا جُناح عليك, ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهن ولا يحزنّ، ويرضين بما آتيتهن كلهن (قوله ترجي أي تؤخِّر),

قال الحسن: معنى هذه العبارة أن الله فوَّض له أن يترك نكاح من شاء من نسائه، وينكح من شاء منهن , وقد آوى محمد اليه من نسائه: عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وكان يقسم بينهن سواءً, وأرجى من نسائه خمساً: أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء (الكشاف في تفسير الأحزاب 33:51),

ولقد أورد ابن كثير في سيرته النبوية ذكر أزواج محمد اللاتي دخل بهن أو أرجأهن، وذكر من خطبهن من النساء فبلغن نحو أربع وثلاثين إمرأة بما فيهن زوجاته التسع وجاريته مارية وديمانة (السيرة النبوية لابن كثير - باب زوجات محمد وأولاده),

وهذا الكلام أيضاً من أقوى الأدلة على أن القرآن ليس من الوحي الإلهي، وحاشا لله أن يبيح للنبي الذي ينزل عليه الوحي الانغماس في الشهوات، وأن يتلذذ بمن يشاء من النساء، فيضمّ إليه من تخلب لبه وقلبه بجمالها كعائشة وزينب وغيرهما، ويظلم الباقيات,

وأخرج الشيخان عن أنس قال: لما تزوج النبي زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا, فلما رأى ذلك قام، وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة ثم انطلقوا, فجئت فأخبرت النبي أنهم انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ,,, وإن ذلكم كان عند الله عظيماً ,

وأخرج جويبر عن ابن عباس أن طلحة أتى إلى عائشة فكلمها وهو ابن عمها، فقال النبي: لا تقومنَّ هذا المقام بعد يومك هذا , فقال: إنها ابنة عمي، والله ما قلت لها منكراً، ولا قالت لي, قال النبي: قد عرفت ذلك أنه ليس أحد أغْيَر من الله، وإنه ليس أحد أغير مني , فمضى, ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمي! لأتزوجها من بعده, فقال في القرآن: ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبداً (أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول الأحزاب 50:53),

وورد في التحريم 66:1 : يا أيها النبي لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك؟ تبتغي مرضات أزواجك، والله غفور رحيم ,

قال المفسرون: إن محمداً كان يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة استأذنت محمداً في زيارة أبيها، فأذن لها, فلما خرجت أرسل محمد إلى جاريته القبطية، فأدخلها بيت حفصة وخلا بها, فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً، فجلست عنده, فخرج محمد ووجهه يقطر عرقاً، وحفصة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: إنما أذنْتَ لي, من أجل هذا أدخلْتَ أمَتَك بيتي ووقعتَ عليها في يومي وعلى فراشي, أما رأيتَ لي حرمة وحقاً؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن , فقال محمد: أليس هي جاريتي، قد أحلها الله لي؟ اسكتي فهي عليَّ حرام, التمس بذلك رضاك, فلا تخبري بهذا امرأة منهن ,

وفي رواية: أما ترضين أن أحرمها على نفسي ولا أقربها أبداً؟ قالت: بلى، وحلف أن لا يقربها , أي قال إنها حرام,

وفي رواية: قد حرمتُها عليَّ، ومع ذلك أخبرك أن أباك الخليفة من بعد أبي بكر، فاكتمي عليَّ , وفي رواية قال لها: لا تخبري بما أسررتُ إليك فأخبرت بذلك عائشة فقالت: قد أراحنا الله من مارية (السيرة الحلبية - جزء 2 - باب زوجات محمد),

قال الزمخشري: لِمَ تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين و(تبتغي) إما لتحرم أو حال أو استئناف، وكان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله لأن الله إنما حل ما أحل لحكمة أو مصلحة عرفها في إحلاله، فإذا حرم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة (والله غفور) قد غفر لك ما زللت فيه (رحيم) قد رحمك فلم يؤاخذك به (الكشاف في تفسير التحريم 66:1),

وكان محمد مغرماً بحب عائشة، فأرسل في أول زواجه منها بنات الأنصار يلعبنمعها، لأنها كانت صغيرة, وإذا شربت عائشة من الإناء يأخذه فيضع فمه على موضع فمها ويشرب، إشارة إلى مزيد حبها, وإذا تعرَّقت عَرْقاً (العظم عليه اللحم) أخذه فوضع فمه على موضع فمها, وكان يتكئ في حجرها ويقبلها وهو صائم (رواه الشيخان),

وروى أصحاب السنن الستة أنه كان يقبّل نساءه وهو صائم، ووقف لعائشة يسترها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون بالحراب وهي متكئة على منكبه, قالت: فقال لي: أما شبعتِ؟ أما شبعتِ؟ فجعلت أقول: لا لا , (رواه الترمذي), وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت: خرجتُ مع محمد في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال محمد للناس: تقدموا, فتقدموا, ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسبقتُه, فسكت عني حتى حملت اللحم وبدنت وسمنت، ثم خرجت معه في بعض أسفاره, فقال للناس: تقدموا , ثم قال: تعالي حتى أسابقك , فسبقني, فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك (كتاب عشرة النساء - للنسائي - باب سباق الرجل أهله),

وقال علماء المسلمين إنه كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار أو الليل وهن إحدى عشرة, قال قتادة بن دعامة لأنس بن مالك: أَوَ كان يطيق الدوران عليهن؟ فقال أنس: كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين (وفي رواية أربعين رجلًا) من رجال الجنة , وورد في الحديث قال محمد: أُعطيت قوة أربعين رجلًا من أهل الجنة في البطش والجماع , ورووا أن الرجل من أهل الجنة ليُعطى مائة قوة في الأكل والشرب والجماع والشهوة, وذكر ابن العربي: إنه كان له من القوة في الوطء الزيادة الظاهرة على الخلق , وروى ابن سعد عن أنس أنه طاف على نسائه التسع في ليلة, وقال محمد: أتاني جبريل بقِدْر فأكلت منها، فأُعطيت قوة أربعين رجلًا من رجال الجنة , وشكا محمد إلى جبريل قلة الجماع، فتبسم جبريل حتى تلأْلأَ مجلس محمد من بريق ثنايا جبريل، فقال له: أين أنت من أكل الهريسة (إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب النكاح),

وقد تحدث الناس بما فعله صفوان بن المعطل في رجوعهم من غزوة المصطلق في عائشة زوجة محمد, فإنها تخلَّفت عنهم فرموها بالفسق، ومكثت في بيت أبيها مدة, وقال له علي بن أبي طالب: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير , ولكن علي لم يكن يعرف أنها كانت آخذةً بمجامع قلب محمد، لأنها كانت بكراً ولا يوجد أحدث سناً منها في نسائه، فلا عجب إذا توجه محمد إليها وقال: يا عائشة، بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه , ولما كان شديد الميل إليها، ولا سيما أنه أوتي من القوة على النكاح مقدار قوة أربعين رجلًا، أتى بتبرئتها في سورة النور فقال: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم (الى آخره), ولو ذكرنا هذه القصة لملأت ثماني صفحات أقل ما يكون، وشحن بها المفسرون كتبهم، وقد اكتفينا بالإشارة اليها لضيق المقام, (السيرة النبوية لابن كثير ج3 باب حادث الإفك),

وورد في سورة الأحزاب 33:50 : يا أيها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتَ أجورهن، وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك، اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين, قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم، وما ملكت أيمَانهم، لكيلا يكون عليك حرج ,

وقال محمد إن الله أجاز له أن ينكح (1) من دفع مهرهن، (2) وما ملكت يمينه من السبي مثل صفية وجويرية، (3) وبنات عمه وعماته أي نساء قريش، (4) وبنات خاله وخالاته، يعني نساء بني زهرة، (5) وكل امرأة مؤمنة وهبت نفسها لمحمد بغير صداق, والنكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة، من غير ولي ولا شهود ولا مهر، لقوله: خالصة لك من دون المؤمنين , وهذا باب واسع,

6 - محمد قتل من قاومه

اشتهر محمد بالقسوة والحقد، فكان يغتال من عارضه بالغدر والعدوان, ونذكر بعض أمثلة, فمن ذلك أنه أرسل عمير بن عدي إلى عصماء بنت مروان وأمره بقتلها لأنها ذمَّته، فجاءها ليلًا (وكان أعمى) فدخل بيتها وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه، فجسَّها بيده ونحَّى الصبي عنها، ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم رجع فأتى المسجد فصلى الصبح مع محمد وأخبره بما حصل, فقال محمد: لا ينتطح فيها عنزان , وأثنى على عمير ثناءً جميلًا ثم أقبل على الناس وقال: من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله، لينظر إلى عمير بن عدي , (السيرة الحلبية باب سرية عمير بن عدى لقتل عصماء),

ومن ذلك أنه أرسل سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي ليغتاله، وكان قد بلغ من العمر 120 سنة، وكان يهجو محمداً بالشعر, ففي ليلة حارة نام أبو عفك بفناء منزله، وعلم سالم به، فأقبل إليه ووضع سيفه على كبده فقتله,

ومن حوادث القتل أيضاً أنه لما بلغه أن كعب بن الأشرف كان يهجوه ويحرض قريشاً عليه، أرسل خمسة رجال، منهم أبو نائلة أخو كعب من الرضاعة لقتله, فمشى معهم محمد إلى بقيع الفرقد، ثم وجَّههم وقال: انطلقوا على اسم الله, اللهم أعِنْهم , ثم رجع إلى بيته وكانت ليلة مقمرة, فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصن كعب، وكان حديث عهدٍ بعرس، فناداه أبو نائلة، فوثب في ملحفته خارجاً آمناً إذ عرف صوته، فغدروا به وقتلوه وأخذوا رأسه، ثم عادوا راجعين حتى بلغوا بقيع الفرقد فكبَّروا, فلما سمع محمد تكبيرهم كبَّر وعرف أنهم قتلوه، ثم انتهوا إليه وهو قائم يصلي فقال: أفلحت الوجوه , قالوا: وجهك يا رسول الله , ورموا برأسه بين يديه, (السيرة الحلبية - سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك),

ومن هذا أيضاً أنه لما قُتل عمه حمزة في غزوة أُحُد، غضب وحلف أن ينتقم من قريش ويقتل منهم سبعين نفراً عوضاً عنه, ولما غزا بني قريظة وهم قبيلة من اليهود وحاصرهم، قبلوا التسليم شرط أن يستحييهم بشفاعة قبيلة أوس، وبعد ذلك فوّض الحكم إلى سعد بن معاذ، فقرر قتل الرجال وتقسيم الأموال وسبي الذراري والنساء, فاستحسن محمد هذا الحكم، فأمر ببني قريظة فأُدخلوا إليه وضُربت أعناقهم، وكانوا بين 600 و 700 نفر, (السيرة الحلبية - غزوة بني قريظة),

ومن أعماله أيضاً انه أرسل عبد الله بن عتيك ومعه أربعة رجال لقتل عدوّه أبي بن رافع عبد الله, فلما هدأت الأصوات جاءوا إلى منزله فصعدوا درجة له وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يتكلم باليهودية، فاستفتح وقال: جئتُ أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته, فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح، فأشار اليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فعَلوه بأسيافهم وقتلوه, (السيرة الحلبية - سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع),

ومن ذلك أنه أرسل عبد الله بن جحش ومعه ثمانية من المهاجرين وسلبوا عير قريش كانت حاملة زبيباً وإدماً في آخر يوم من رجب، وكان القتال فيه حراماً، فعيَّره قريش, ولكنه أتى بقرآن يجوّز به عمله هذا، ويسوّغ لنفسه: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قُلْ قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكُفر به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل (البقرة 217) (السيرة الحلبية - سرية عبد الله بن جحش),

وقد استعان محمد على نشر دعوته بالسيف، فلم يكن فيه الروح القدس كالحواريين بل كان فيه روح العالم، وروح الحرب والنهب والسلب, وقد بلغت مغازيه التي غزا فيها بنفسه تسعاً وعشرين، وهي غزوة ودان، وبواط، والعشيرة، وسفوان (وتُسمى غزوة بدر الأولى) وبدر الكبرى، وبني سليم، وبني قينقاع، والسويق، وقرقرة الكدر، وغطفان (وهي غزوة ذي أمر)، وغزوة بحران بالحجاز، وأُحد، وحمراء الأسد، وبني النضير، وذات الرقاع (وهي غزوة محارب)، وبني ثعلبة، وبدر الأخيرة (غزوة بدر الموعد)، ودومة الجندل، وبني المصطلق (المريسع)، والخندق، وبني قريظة، وبني لحيان، والحديبية، وذي قُرُد، وخيبر، ووادي القرى، وعمرة القضاء، وفتح مكة، وحنين، والطائف، وتبوك, وأما سَرَاياه التي بعث فيها أصحابه فسبع وأربعون سَرِية، وقيل تزيد على سبعين سَرِية, أما السَّرية فهي الغزوة التي لم يحضر فيها بنفسه، بل أرسل بعضاً من أصحابه, (راجع سيرة ابن هشام - السيرة الحلبية - البداية والنهاية لابن كثير),

ولمعرفة الفرق بين محمد وبين أنبياء الله، نذكر ما فعله داود بألد أعدائه، الملك شاول، وكان قد بذل غاية جهده للفتك بداود، فأخذ ثلاثة آلاف رجل من أبطال بني إسرائيل لإهلاك داود، إلا أنه لما وقع في يد داود لم يمسه بضرر (1صموئيل 24 ، 26),

7 - قرارات خاطئة

كثيراً ما أخطأ محمد في أعماله، والدليل على ذلك ما ورد في الأنعام 8:67 : ما كان لنبي أن يكون له أسرى يثخن في الأرض, تريدون عَرَض الدنيا والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم , رُوي أنه أتى يوم بدر بسبعين أسيراً، فيهم العباس، وعقيل بن أبي طالب, فاستشار فيهم، فقال أبو بكر: قومك وأهلك, استبقهم لعل الله يتوب عليك، وخُذْ منهم فدية تقوي بها أصحابك , وقال عمر: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء , وحضَّه على قتلهم، فلم يرْضَ، وقال: إن الله ليليّن قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة, وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم إذ قال: من تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم , ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً , والظاهر أنه تأسَّف على ذلك لأنهم أتعبوه، فادَّعى نزول ما جاء في الأنفال 8:67 ,

وفي يوم دخل عمر على محمد، فاذا هو وأبو بكر يبكيان, فاستفهم عن السبب وقال: أخبرني، إن أجد بكاءً بكيتُ، وإلا تباكيتُ فقال: أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة، (الشجرة قريبة), ولو نزل بنا العذاب ما نجا منه إلا عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ, (1) فقوله: ما كان لنبي أن يكون له أسرى صريح في النهي عن أخذ الأسرى، وقد حدث ذلك يوم بدر, (2) قال: إن الله أمره وأمر قومه بقتل المشركين يوم بدر, فلما لم يقتلوهم بل أسروهم دل ذلك على صدور الذنب, (3) إن محمداً حكم بأخذالفداء وهو محرَّم، وذلك ذنب, (4) إن محمداً وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء وخوف العذاب وقرب نزوله, (الرازي في تفسير الأنفال 8:67),

ومن أخطاء محمد إذْنه للمنافقين ثم عدوله عن ذلك،فورد في سورة التوبة 9:43 : عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبيَّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين والمعنى: عفا الله عنك يا محمد ما كان منك في إذنك لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك إلى تبوك,

قال عمر بن ميمون الأودي: اثنتان فعلهما محمد لم يُؤمر بشيء فيهما، إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من أسارى بدر , (القرطبي في تفسير التوبة 9:43) ومع ذلك قالوا إن الله عاتبه, ولكن لو كان الإله الحقيقي هنا لعاقبه أشد العقاب, ففي التوراة لما أخذ عخان بعض الأشياء المحرَّمة، ضرب الله الأمة الإسرائيلية بتمامها، وسلط الله عليها من هزمها, ولمَّا كان أحد ملوك بني إسرائيل يُبقي واحداً من الذين أمر الله بإعدامهم عقاباً لهم على خطاياهم، كان يضربه ضربة شديدة، بخلاف الحال هنا, فإذا اقترف محمد المنكر يعاتبه الله ويلاطفه ويراعي خاطره, فأين عدل الله وقداسته؟

8 - انقياد محمد لغرائزه

ومما يدل على انقياده لغرائزه ما ترويه عائشة أنه دخل عليها يوماً وهي صائمة فوقع عليها يقبلها, فقالت له إني صائمة, ولما لم يستطع التغلب على شهوته - قال: وأنا أيضاً صائم, وأخذ يقبلها (سنن أبي داود - باب القبلة للصائم),

وعن عائشة أيضاً: قالت: إن الناس كانوا يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة محمد, وكانت نساء محمد حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء محمد، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها: كلمي النبي يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله فيهده إليه حيث كان, فكلمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة قالت: أتوب إلى الله من أذاك! ثم إنهن دعوْنَ فاطمة فأرسلْنَ إلى محمد فكلمته، فقال: يا بنيَّة ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى قال: فأحبّي هذه , وأشار إلى عائشة, فكيف نزل الوحي ومحمد في ثوب عائشة؟! (صحيح البخاري جزء 2 كتاب الهبة),

وماذا نقول في نصيحة محمد لسهلة بنت سهيل التي شكت له غيرة زوجها أبي حذيفة من دخول سالم إلى بيتها - فنصحها محمد أن ترضع سالماً لتشفي زوجها من غيرته!

جاء في صحيح مسلم في باب رضاعة الكبير : حدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأبلي واللفظ لهارون قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه، قال: سمعت حميد بن نافع يقول: سمعت زينب بنت أبي سلمة تقول، سمعت أم سلمة زوج النبي تقول لعائشة: والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغني عن الرضاعة, فقالت: لِمَ؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى محمد فقالت: والله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم, فقال محمد: أرضعيه, فقالت: إنه ذو لحية, فقال: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ,

وكانت عائشة بعد ذلك ترضع من تشاء ممن يدخل عليها من الرجال حتى بعد وفاة محمد وهي ابنة ثماني عشرة سنة (ورد الحديث بتفصيل أكبر في موطأ ابن مالك - باب الرضاعة بعد الكبر حيث جاءت وصية محمد لسهلة بنت سهيل: أرضعيه خمس رضعات ,

قال القاضي عياض في الشفاء على ميزة النبي في قدرته الخارقة على الجماع: وقد روينا عن أنس أنه، صلوات الله عليه، كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة, وقال أنس: كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين رجلًا (خرّجه النسائي) ورُوي نحوه عن أبي رافع وعن طاوس: قوة أربعين رجلًا في الجماع, وفي حديث أنس عنه عليه السلام: فُضِّلتُ على الناس بأربع: السخاء والشجاعة وكثرة الجماع والبطش , وجاء في الصحيح: أحبُّ شيء إليَّ من دينكم: العطور والنساء، وجعلتُ قرة عيني في الصلاة ,

وجاء في كتاب الخلافة الإسلامية للمستشار محمد سعيد العشماوي (دار سينا - القاهرة) قوله: كانت للنبي حقوق يختص بها دون المؤمنين منها:

1 - حقه في الفيء,

2 - حقه في الغنائم,

3 - حق الجمع بين تسعة أزواج,

4 - حقه في عدم زواج زوجاته بآخرين من بعده,

5 - زواج الهبة وإن امرأة وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين (الأحزاب 33:55),

6 - إرجاء من يشاء من النساء وإيراد من يشاء ترجى من تشاء منهن وتؤوي من تشاء (الأحزاب 33:52),

7 - أخذ الصفية أو الصفي من الغنائم، وهي عبد أو أمَةَ أو سيف أو درع، يأخذه غير سهمه، غاب عن المعركة أو حضر (السيرة الحلبية ج2 قبل باب ذكر مغازيه),

8 - ألا ينكح أحد على ابنته إلا بإذنه, فقد أبى على علي بن أبي طالب أن ينكح على فاطمة من بني هشام بن المغيرة (السيرة الحلبية باب غزوة بني سليم),

9 - جواز النظر بالأجنبية والاختلاء بها لأمنه من الفتنة (السيرة الحلبية باب غزوة بني المصطلق),

10 - حل عقدة النكاح في الإحرام، أي ينكح وهو محرم (السيرة الحلبية باب عمرة القضاء),

9 - احتقاره للفقير

اعتاد محمد مراعاة أصحاب الجاه، وعدم الاكتراث بالفقير والمسكين، فمرة قطب وجهه للأعمى ولم يلتفت إليه، مع أنه كان آتياً ليتعلم منه ديانته, ولما عرف أن هذا لا يليق قال إن الله وبخه، فورد في سورة عبس 80:1-10 عبس وتولى إن جاءه الأعمى, وما يدريك لعله يزكى, أو يذَّكر فتنفعه الذكرى, أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى, وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى , رُوي أن ابن مكتوم أتى محمداً هو يتكلم مع عظماء قريش فقال له: اقرئني وعلمني مما علمك الله , فلم يلتفت محمد إليه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما اتبَّعه الصبيان والعبيد والسفلة , فعبس وجهه وأعرض عنه, وأقبل على القوم الذين كان يكلمهم! (الطبري في تفسير عبس 1-4)

ومما يؤيد ذلك ما ورد في الأنعام 6:52 : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه, ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين , فقالوا جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا محمداً قاعداً مع صهيب وبلال وعمار وخباب، في نفر من ضعفاء المؤمنين, فلما رأوهم حوله حقروهم، فقالوا لمحمد: لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وروائح جبابهم (وكانت عليهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها) لجالسناك وأخذنا عنك, ونحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء العبيد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فأقعدهم حيث شئت , قال: نعم, قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً , فأتى بالصحيفة ودعا علياً ليكتب, ولما راجع نفسه ورأى أنها أحبولة، قال إن جبرائيل نهاه, وقال ابن عباس: إن أناساً من الفقراء كانوا مع النبي، فقال ناس من أشرف الناس: نؤمن لك، وإذا صلينا فأخِرْ هؤلاء الذين معك، فليُصلّوا خلفنا , فكاد أن يجيب الطلب, ولما رأى ما فيه من الظلم وأنه يكون موجباً للقيل والقال، تخلَّص منه بأن قال إن الله نهاه عن ذلك, (ابن كثير في تفسير الأنعام 52),

10 - حاجة محمد للغفران

اعترف القرآن بأن خطايا محمد كثيرة أبهظت ظهره, ورد في سورة الشرح 94:2 ، 3 : وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك سواء كان في الجاهلية أو غيرها, وبما أن الجميع أخطأوا، ولا يخرج من هذا الحكم كبير ولا صغير ولا نبي ولا ولي، فالقول: إن جبريل أتى محمداً وهو يلعب مع الصبيان، فأخذه وصرعه وشق عن قلبه، فاستخرج منه شبه عَلَقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك , ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لامه، ثم أعاده إلى مكانه, (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني - حديث رقم 5862),

وهذه الحكاية تدل على كمون الخطيئة الأصلية في قلب كل إنسان، زيادة على الخطايا الفعلية، ولو كان محمد تطهَّر بهذا الغسل الملائكي لما فعل ما فعله بعد ذلك في حياته, والحاصل أنه لم يتقدس من الخطيئة الأصلية، بل زاد عليها الخطايا الفعلية التي ذكرناها، وهذه قاعدة تعم الجميع, وإذا ثبت ذلك ثبت افتقار البشر إلى فادٍ كريم يخلّص كل من آمن به, ولا يمكن غفران الخطايا بغير هذا, فإن العدل الإلهي يطالب بحقه, يقول في سورة الفتح 48:2 : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ولا يمكن تحقيق ذلك بغير الفداء, أما الخطايا المشار إليها في هذه الآية فهي الخطايا التي كانت قبل إعلانه عن نبوته والخطايا التي بعدها,

ومما يدل أيضاً على أنه خاطئ قوله في غافر 40:55 : واستغفر لذنبك وفي سورة محمد 47:19 : فاعلم أنه لا إله إلا الله، واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم , وفي الحديث: أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة (مشكاة المصابيح حديث رقم 2325), وقد جاء في الحديث الصحيح: أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت ,(أصول العقيدة الإسلامية للطحاوي بشرح الأذرعي), وعن أبي هريرة قال: سمعت الرسول يقول:'إني لأستغفر وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة` , وفي رواية أكثر من سبعين مرة , والتوبة هذه لا تكون إلا عن ارتكاب المعصية,

11 - جوْره في الأحكام

كان محمد جائراً في أحكامه, ولما ظهر له انحرافه رجع عنه كما ورد في النساء 4:105 ، 106 : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً، واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً , قال ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار اسمه طعمة سرق درعاً من جار له اسمه قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى داره, ثم خبأها عند رجل من اليهود اسمه زيد بن السمين, فالتُمست الدرع من عند طعمة فحلف بالله أنه ما أخذها وما له بها من علم, فاتَّبع أصحاب الدرع أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي، فأخذوها منه, فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمة وشهد له جماعة من اليهود بذلك, وجاء بنو ظفر قوم طعمة إلى محمد وسألوه أن يجادل عن صاحبهم طعمة، فهمَّ أن يعاقب اليهودي وأن يقطع يده بلا حق، وهو حرام, ولو كان محمد نبياً لعرف اللص الحقيقي من أولالأمر, (الكشاف في تفسير النساء 105 ، 106),

ورد في الأحاديث الصحيحة أنه كان إذا نزل عليه الوحي يُغشى عليه، وفي رواية يصير كهيئة السكران يعني يقرب من حال المغشي عليه، لتغيّره عن حالته المعهودة تغيُراً شديداً, حتى تصير صورته صورة السكران, وقال علماء المسلمين إنه كان يُؤخذ من الدنيا, وعن أبي هريرة: كان محمد إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة وفي رواية كرب لذلك وتزبد له وجهه وغمض عينيه، وربما غطّ كغطيط البكر , وعن عمر بن الخطاب: كان إذا نزل عليه الوحي يُسمع عند وجهه كدوي النحل , وسُئل محمد: كيف يأتيك الوحي؟ (قال علماء المسلمين المراد بالوحي هنا حامل الوحي جبريل) فقال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ، فيُقضم (أي يقلع) عني وقد وعيت ما قال , وأجمع علماؤهم ومحدثوهم على أن محمدا كان يجد ثقلا عند نزول الوحي، ويتحدر جبينه عرقاً في البرد كأنه الجُمان، وربما غط كغطيط البكر، محمرة عيناه , وعن زيد بن ثابت: كان إذا نزل الوحي على محمد ثقل لذلك، قال: ومرة وقع فخذه على فخذي، فوالله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذ محمد, وربما أوحي إليه وهو على راحلته فترعد حتى يظن أن ذراعها ينقسم وربما بركت ,

12 - داء الصرع:

استنتج أحد الأطباء من الأحاديث الكثيرة أنه كان بمحمد داء الصرع، ومن أُصيب بهذا الداء يتصور صوراً وخيالات شتى, فرُوي أنه قال لخديجة: إذا خلوتُ سمعت نداءً: أن يا محمد يا محمد , وفي رواية أخرى: أرى نوراً أي يقظة لا مناماً، وأسمع صوتاً, وقد خشيت أن الذي يناديني يكون تابعاً من الجن، وأخشى أن أكون كاهناً , وفي رواية أخرى: أخشى أن يكون بي جنون , ومن الأحاديث: إذا نزل عليه الوحي تزبَّد وجهه وغمَّض عينيه، وربما غطَّ كغطيط البَكَر محمرَّة عيناه إلى غيره من الأحاديث الدالة على اضطرابه, (القرآن المجيد - دروزة)

13 - سحر اليهود لمحمد:

قُلْ أعوذ برب الفلق , قال ابن عباس وعائشة: كان غلام من اليهود يخدم محمداً، فدبّت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس محمد وعدة من أسنان مشطه فأعطاها اليهود، فسحروه فيها, وتولى ذلك لُبَيْد بن الأعصم اليهودي، فنزلت السورتان فيه وهما المعوذتان (سورتا 113 ، 114),

وقال البخاري ومسلم عن عائشة: إن النبي سُحر حتى يُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يصنعه , (وفي رواية إنه يُخيل إليه فعل الشيء وما فعله) حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال: أشعرتِ يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ قلت: وما ذاك؟ قال: جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليَّ، ثم قال أحدهما لصاحبه: وما وجع الرجل؟ قال مطبوب (أي مسحور) قال: ومن طبَّه؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق, قال: فبماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر (وعاء طلع النخل) قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان، (وقيل في بئر بني زريق), فذهب محمد في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين , قالت: فأخرجه , قال: أما أنا فقد عافاني الله وشفاني, وخفت أن أثير على الناس منه شراً (صحيح البخاري - كتاب الطب - باب السحر),

وفي رواية للبخاري أن محمداً كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن, قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك , عن زيد بن أرقم قال: سَحَر رجل يهودي محمداً، فاشتكى ذلك أياماً، فأتاه جبريل فقال: إن رجلًا من اليهود سحرك وعقد لك عقداً في بئر كذا, فأرسل محمد علياً فاستخرجها، فجاء بها فحلها، فجعل كلما حلّ عقدة وجد لذلك خِفّة، فقام محمد كأنما نشِط من عقال (صحيح البخاري - كتاب الطب - باب السحر),

ورُوي أنه كان تحت صخرة في البئر، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأس محمد وأسنان من مشطه, وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة، وقيل كان مغروزاً بالإبر, فأنزل الله هاتين السورتين - وهما إحدى عشرة آية، الفلق خمس آيات وسورة الناس ست آيات, فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العُقد كلها, فقام محمد كأنما نشط من عقال, ورُوي أنه لبث ستة أشهر واشتد عليه ذلك ثلاث ليال، فنزلت المعوذتان, وعن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى محمداً فقال: يا محمد، اشتكيت؟ , قال: نعم , قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك

هذا هو نص أقوالهم في نبيهم، ومن كان بهذه الصفة يكون اليهودي الذي سحره أقوى منه عزماً وقوة لأنه غيَّر عقله حتى أنه كان يخيل إليه أنه صنع الشيء وهو لم يصنعه, والتوراة والإنجيل يعلماننا أن سحرة المصريين لم يقدروا أن يقفوا أمام موسى لأن أعمالهم كانت مبنية على الكذب والضلالة,

14 - تأثير السم في محمد:

لما فُتحت خيبر واطمأن الناس، جعلت زينب بنت الحرث أخي مرحب (وهي زوجة سلام بن مشكم) تسأل: أي الشاة أحبُّ إلى محمد؟ فيقولون: الذراع لأنه هادي الشاة، وأبعدها من الأذى , فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وحلتها، ثم عمدت إلى سمّ لا يلبث أن يقتل من ساعته، فسمَّت الشاة، وأكثرت في الذراعين والكتف, فلما غابت الشمس وصلى محمد المغرب بالناس، انصرف وهي جالسة عند رِجْله، فسأل عنها فقالت: يا أبا القاسم، هدية أهديتها لك , فأمر بها محمد فأُخذت منها، فوُضعت بين يديه وأصحابه حضور، وفيهم بشر بن البراء بن معرور, فقال محمد: ادنوا , فقعدوا، وتناول محمد الذراع فانتهش منه, فلما ازدرد محمد لقمة ازدرد بشر ما في فمه، وأكل القوم منها, فقال محمد: ارفعوا أيديكم فان هذه الذراع أو الكتف تخبرني أنها مسمومة , فقال بشر: والذي أكرمك لقد وجدتُ ذلك في لقمتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أن أُنغص عليك طعامك, فلما أكلتَ ما في فمك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوتُ أن لا تكون ازدردتَها , فلم يقم بشر من مكانِه حتى توفي، وطُرح منها لكلب فمات، وقيل عاد لونه كالطيلسان (أسود) وماطله وجعه سنة ثم مات , وقيل إن محمداً انتهش من الشاة قطعة فلاكها ثم ألقاها (لم يبتلعها) أما بشر فانتهش من الشاة قطعة فابتلعها,

ثم أرسل محمد الى تلك اليهودية فقال: أسممت هذه الشاة؟ , قالت: نعم قال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: بلغتَ من قومي ما لا يخفى عليك, قتلتَ أبي وعمي وزوجي، ونلتَ من قومي ما نلت, فقلتُ إن كان ملكاً استرحنا منه، وإن كان نبياً فسيُخبر , فقيل إنه عفا عنها، وقيل إنه أمر بها فقُتلت وصُلبت, (الطبقات الكبرى - ابن سعد - باب ما سُمَّ به محمد),

ولما مرض محمد المرض الذي مات فيه، قال لعائشة: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أُسممته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم , ولما دخلت عليه أخت بشر في مرضه الذي مات فيه، قال لها: هذا أوان انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر , (والأبهر هو الشريان المتعلق بالقلب), (صحيح البخاري - باب مرض محمد وفاته),

صدقت اليهودية! فلو كان محمد نبياً صادقاً لأوحى الله إليه أن الشاة مسمومة، ولحذَّر صاحبَهُ من ابتلاع اللقمة ووقاه من الموت, ولكنه لم يعرف أن الشاة مسمومة إلا بعد أن ازدرد، وبعد أن بلع بشر لقمته, وبشر أحسَّ بالسم مثل محمد، فكيف يقول محمد إن الذراع كلَّمته؟! ولو فرضنا أنها كلّمتهُ لكان كلامُها بعد أن أكل بِشر لا فائدة فيه، فكان الواجب أن تكلمه قبل أن يزدرد محمد، وقبل أن يأكل بشر منها, وقد شهد أن هذه الأكلة قطعت أبهره، وكانت سبب التعجيل بموتِه,

15 - حالته وقت موته:

قال علماء المسلمين إن محمداً تغيّر عقله بالسحر، وإن اليهود سحروه, قال البخاري عن عبد الله بن عباس إنه لما اشتد بمحمد مرضه الذي مات فيه قال: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لكي لا تضلوا بعدي , فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع, حَسْبنا كتاب الله , وكثر اللغط واختصموا، فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده, ومنهم من يقول ما قال عمر, فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند محمد، قال لهم: قوموا عني, لا ينبغي عندي التنازع , قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (صحيح البخاري - باب مرض محمد ووفاته),

16 - أزمات إيمانية في حياة محمد

قاسى محمد أزمات إيمانية من حين لآخر، بلغت عنده مبلغ الشك من وحيه، حتى أنزل إليه: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك, لقد جاءك الحق من ربك، فلا تكونن من الممترين، ولا تكونن من الذين كذَّبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (يونس 94 ، 95),

أ - لما اصطدم محمد في دعوته الأولى بزعماء قومه وأظهروا له ولجماعته العداء، تراءى له أن يتساهل معهم في استشفاع آلهتهم: اللّات والعُزَّى ومناة، فقرأ بمكة سورة النجم، فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى , فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم, فسجد، فسجدوا فنزلت: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيّته، فينسَخ الله ما يُلقي الشيطان، ثم يُحْكم الله آياته (الحج 52),

وهذا يقرر مبدأ إلقاء الشيطان في قراءة النبي, ويقول السيوطي في أسباب النزول: جلس محمد في بيته حتى إذا أمسى أتاه جبريل، فعرض عليه النبي سورة النجم، فقال جبريل: أَوَجئتك بهاتين الكلمتين؟ فقال محمد: قلتُ على الله ما لم يقل ,

ب - بعد أن نفى النبي إن شفاعتهنَّ لتُرتجى عادت الحرب سجالًا بين النبي وبين ملإ قريش، فأظهر تكريمه لمكة بالقَسَم بها، كما يُقْسم بمهبط الوحي المسيحي والإسرائيلي، فقال: والتين والزيتون! وطور سينين! وهذا البلد الأمين! (التين 95:1-3) فهل يصحّ أن يُقسِم بمكة ولم تتطهر من الأصنام؟ فلام نفسه، ثم استحلّ القَسَم لوجوده فيها: لا! أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد! ووالد وما ولد! لقد خلقنا الإنسان في كبد (البلد 90:1-3), ثم تساهل بعبادة رب البيت فقال: لإيلاف قريش: فليعبدوا رب هذا البيت! الذي أطعمهم من جوع وآمَنَهم من خوف (قريش 106:1 ، 3 ، 4), والبيت الحرام لم يطهر بعد من الأصنام، فمن هو ربّه حتى يسمح بعبادته؟ لذلك توالت عليه التحذيرات خذ العفو، وأْمُرْ بالعُرف، وأَعرض عن الجاهلين! وإما ينزغنَّك من الشيطان نَزْع فاستعِذ بالله إنه سميع عليم, إن الذين اتقوا إذا مسَّهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (الأعراف 7: 199-201),

ج - رجع بعض جماعة محمد من الحبشة، وتجددت المعارضة لمحمد حتى أشْقَته، فنزل تسليةً له: طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشْقَى (طه 20:1 ، 2), وحاول محمد في سورة النمل أن يجمع بين عبادة الله الأحد وعبادة ربِّ مكة: إنما أُمرت أن أعبد ربَّ هذه البلدة، الذي حرّمها وله كل شيء! وأُمرت أن أكون من المسلمين (النمل 27:91), فإن كان رب مكة هو الله، إله التوحيد والإسلام، فما معنى دعوة القرآن؟ وإن كان رب مكة غيره فكيف يُؤمَر محمد بعبادته؟- وإنما هذا تساهل جديد كالذي ورد في سورة قريش، فجاء جواب الله: وما كنت ترجو أن يُلقَى إليك الكتابُ إلا رحمةً من ربك، فلا تكوننَّ ظهيراً للكافرين! ولا يصدُّنَّك عن آيات الله بعد إذ أُنزلت إليك! وادْعُ إلى ربك ولا تكونن من المشركين! ولا تدْعُ مع الله إلهاً آخر، لا إله إلا هو (القصص 28:86-88), كما قيل للنبي في سورة الإسراء: وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذاً لّاتخذوك خليلًا! ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلًا، إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، ثم لا تجد لك علينا نصيراً (الإسراء 17:73-75),

د - وقد بلغت الفتنة عن الوحي والتوحيد مداها من نفس محمد حتى شكَّ في الوحي القرآني، كما جاء في سورة يونس: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك: لقد جاءك الحق من ربك، فلا تكونن من الممترين، ولا تكونن من الذين كذّبوا بآيات الله فتكوننَّ من الخاسرين (يونس 94 ، 95) إذاً قد بلغت أزمة الإيمان بالقرآن والتوحيد من نفس محمد الذروة من الشك والمريَّة والتكذيب بآيات الله !,

ه - ويظهر أن سبب هذه الأزمة الإيمانية الأخيرة كان عجز محمد عن إتيان المعجزات كدليلٍ على نبوَّته، فقيل له: فلعلك تارك بعضَ ما يوحَى إليك، وضائقٌ به صدرك أن يقولوا: لولا أُنزل عليه كنز! أو جاء معه مَلَك! - إنما أنت نذير، والله على كل شيء وكيل (هود 11:12),

لقد أوشك في هذه الأزمة الجديدة أن يترك بعض ما أُوحي إليه، وذلك بسبب امتناع المعجزة عنه,

و - ويشدد القرآن على الاستقامة في الدين والإخلاص في التوحيد بطريقة سافرة, قُلْ إني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين، وأُمرت أن أكون أول المسلمين, قل: إني أخاف، إن عصيت ربي، عذاب يوم عظيم! قل: الله أعبد مخلصاً له ديني، فاعبدوا ما شئتم من دونه (الزمر 39:11-14), كما قيل: فاستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم، قل آمنتُ بما أنزل الله من كتاب (الشورى 42:15),

ز - ورجع النبي من الطائف ليرى أن أزمة الإيمان بلغت منه ومن جماعته أقصى مداها, لقد بدَّل آياتٍ، فشعر بذلك المشركون فشنَّعوا عليه، وحملوا بعض جماعته على الارتداد عنه وعن الإسلام, ولعل آيات النحل 16:106 - 109 تشير إلى هذه الأزمة, عندها قيل للنبي: وإذا بدَّلنا آيةً مكان أيةٍ، والله أعلم بما ينزل، قالوا: إنما أنت مفترٍ, بل أكثرهم لا يعلمون (النحل 101) - وما كان لرسول الله أن يأتي بآيةٍ إلا بإذن الله, لكل أجلٍ كتاب, يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب (الرعد 13:38 ، 39),

 

مسابقة الكتاب

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة,

1 - ما هي نواحي عصمة الأنبياء؟

2 - كيف تبرهن قرآنياً خطأ آدم ونسله؟

3 - ما هي خطية نوح بحسب القرآن؟

4 - عزا القرآن لنوح خطية لم ترد في التوراة - ويناقض القرآن ما جاء في 2بطرس 2:5, ما هي؟

5 - ما هي خطية زوجة نوح كما في سورة التحريم 10 ؟

6 - لماذا كان عقاب كنعان - حفيد نوح - عادلًا؟

7 - ما هي خطايا إبراهيم بحسب القرآن؟

8 - أين يذكر القرآن خطية هارون؟ ما هو الخطأ في ذكر السامري؟

9 - لماذا تقول التوراة إن الله عاقب موسى، مع أنه كليمه؟

10 - يعاقب الله الخطية بحسب قداسته، كما تذكر التوراة, كيف ذكر القرآن ذلك؟

11 - ما هو المزمور الذي يروي توبة داود؟ اكتب خمس آيات هامة منه,

12 - ماذا يقول القرآن عن حال أبوي محمد؟

13 - اكتب أسماء ثلاثة أشخاص قتلهم محمد, اذكر سبب قتلهم,

14 - اكتب كلمات المسيح التي تدين الشهوة,

15 - كيف سارع الله في هوى محمد، كما قالت عائشة؟

16 - ماذا جرى لما لبس محمد ثوب عائشة؟

17 - ماذا فعل السحر في محمد؟

18 - اكتب سورة يونس 94 - مع تعليقك عليها,

19 - اذكر آية قرآنية تفيد شك محمد في رسالته,

20 - ماذا تعلّمت من هذا الكتاب؟

 

فهرست

الفصل الأول - عصمة الوحي

الفصل الثاني - خطية آدم

الفصل الثالث - خطية نوح

الفصل الرابع - خطية إبراهيم

الفصل الخامس - خطية إسحق ويعقوب

الفصل السادس - خطية لوط

الفصل السابع - جدود المسيح

الفصل الثامن - خطية إخوة يوسف

الفصل التاسع - خطية هارون

الفصل العاشر - خطية موسى

الفصل الحادي عشر - خطية داود

الفصل الثاني عشر - خطية سليمان

الفصل الثالث عشر - أحوال البشر

الفصل الرابع عشر - خطايا محمد :

1 - ديانة محمد قبل نبوَّته

2 - مدح محمد آلهة قريش

3 - تقرُّب محمد من قومه على حساب الحق

4 - إغراء قوم محمد له

5 - أخذه زوجة زيد

6 - محمد قتل من قاومه

7 - قرارات خاطئة

8 - انقياد محمد لغرائزه

9 - إحتقاره للفقير

10 - حاجة محمد للغفران

11 - جوْره في أحكامه

12 - داء الصَّرع

13 - سِحر اليهود لمحمد

14 - تأثير السم في محمد

15 - حالته وقت موته

16 - أزمات إيمانية في حياة محمد