تعليقات على القرآن
سِلْسِلَةُ هِدَايَةِ المؤمنين للحق المبين
العدد الرابع
يقول الوحي المقدس:
إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح |
2كو 10: 4-5
تقديم الكتاب
نقدم هذا الكتاب للمؤمنين والمؤمنات بالرب المبارك العظيم الحكيم ، ليعرفوا شيئاً عن الدين الإسلامي والقرآن . وليس هدفنا الهجوم بل الرد على هجومات المسلمين على كتاب الله والإيمان الحقيقي المستمر لمئات السنين بدء من رموزهم قديما إلى من يمولهم من دول وهيئات إسلامية .... حديثاً, فنفحص كل شيء ونتمسك بالحسن، فنكون أفضل استعداداً لتقديم كلمة الله المقدسة كما جاءت في إعلان يسوع المسيح، ولنعطي جواباً حكيماً لكل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا بوداعة وصدق مبيني في نفس الوقت ضلال وهلاك كل من ضل عن الإيمان المقدس.
أما مادة هذا الكتاب فمأخوذة من سلسلة الهداية التي صدرت في أوائل القرن العشرين في أربعة أجزاء وهي ردٌّ على الهجومات الموجَّهة ضد المسيحية، واعتمدنا في كتابنا هذا على أمهات كتبهم وشراوحاتهم المعتبرة سنة وشيعة.
وقد أخذنا معظم ما جاء في أجزاء سلسة كتب هداية المؤمنين للحق المبين، وقدّمناها في ستة أجزاء إلى جوار هذا الجزء. في الجزء الأول عالجنا عصمة الوحي وخطايا الأنبياء. وفي الجزء الثاني قدّمنا ردوداً على الهجومات الشيطانية ضد العهد القديم. وفي الجزء الثالث قدّمنا ردوداً على الهجومات الشيطانية ضد العهد الجديد......
أما ما تبقّى فصدر في تبويب جديد بحسب ترتيب سور القرآن وهو يحوي مقدمة لدراسة القرآن، وتعليقات على بعض آياته....وكذلك للحديث
ونحن نرجو خدَّام الرب الأمناء أن يرسلوا لنا ما قد يكون عندهم من معلوماتٍ يمكن أن تُضاف إلى الطبعات التالية من هذا الكتاب، مع ذِكر المرجع الذي أخذوا عنه بالتفصيل.
وفّقنا الله وإياكم لنكون شهوداً أفضل للرب يسوع المسيح هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح.
خدام الرب الحي
إهداء إلى كل من يبحث عن الله الحي الحقيقي الذي له كل المجد |
في هذا الكتاب
القسم
الأول: مقدمة لدراسة القرآن
القسم الثاني: تعليقات على بعض آيات
القرآن
القسم الثالث: سجل بالآيات القرآنية
التي جاءت التعليقات عليها
القسم الأول
مقدمة
لدراسة القرآن
ما هو الوحي الصادق؟
شهادة القرآن لصحة الكتاب المقدس
هل في القرآن إعجاز؟
اختلاف قراءات القرآن
كيف جُمع القرآن؟
الناسخ والمنسوخ
القرآن على سبعة أحرف
ملاحظات عن الوحي في القرآن والحديث
أخطاءٌ في القرآن
الكتاب المقدس هو المصدر الأصلي
ما هو الوحي الصادق؟
قال المعترض الغير مؤمن: لا مجال لأهل الكتاب أن يدَّعوا أن كل كتب العهد القديم والجديد كُتبت بالإلهام، وأن كل حال من الأحوال المندرجة فيه إلهاميّ .
وللرد نقول:
(1) كُتب العهدان القديم والجديد بإلهام الروح القدس. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ الله، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ (2تيموثاوس 3: 16). لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (2بطرس 1: 21). فترى من هذه الشهادة الصادقة أن كل كُتب العهدين القديم والجديد كُتبت بإلهام الروح القدس، لأن هذه الكتب تورد نبوّاتٍ إلهية تمّ أغلبها فعلاً. وشهادات المؤرخين المنزَّهين عن الأغراض، سواء كانوا من الوثنيين أو غيرهم، تدل على أن أغلبها تمّ حقيقةً، والبعض الآخر سيتم بمجيء المسيح ثانيةً. وهذا من أقوى الأدلة على أنها وحيٌ إلهيّ.
(2) تأيدت بالمعجزات الباهرة. وهذا يبرهن أن مصدرها هو الذي بيده الحركة والسكون، فموسى شقّ البحر الأحمر وجعل العصا حيّة، وجعل يده بيضاء، وضرب المصريين بعشر ضربات. والمسيح شفى المرضى وأقام الموتى، وكذلك فعل رسُله. فلا نتصور أن تكون بلاغات هؤلاء الأنبياء والمرسَلين غير مُوحَى بها.
(3) أوحى الله بها لأنبياء بَرَرة صالحين.
(4) لم يتمسّك بها أحد إلا وكانت سبباً في سعادته ورفاهيته في هذه الدنيا، فهذَّبت الأغبياء، وبدَّدت غياهب الجهالة والضلالة، وأوردت المتوحِّشين موارد التمدُّن.
(5) لا تشتمل على شيء منافٍ للعقل والذوق.
(6) تشتمل على حقائق مهمة لا يمكن التوصُّل إليها بمجرد نور الطبيعة أو العقل البشري مهما أوتي من الذكاء.
(7) طهارة تعاليمها وقداسة وصاياها.
(8) موافقتها لبعضها بعضاً.
(9) ملائمتها لحالتنا.
(10) توضيحها طريق الخلاص، وقوتها على إيقاظ الضمير وتنبيهه ليطلب التوبة والغفران. ولا عجب في هذا، فإن الله أنار عقول الأنبياء الصادقين بروحه القدوس فيما قالوه أو كتبوه، وعصمهم عن الزلل والنسيان في البلاغات الإلهية، فكان هو المتكلم على ألسنتهم، وأيَّدهم بالمعجزات الباهرة.
وعل هذا القياس يكون القرآن غير موحى به من الله فإنه:
(1) لم يتأيّد بمعجزةٍ ولا آية.(وسنناقش في كتابنا نوعية معجزات محمد).
(2) لم تكن حالة صاحبه لائقة ليتّخذه الله آلةً في البلاغات الإلهية.
(3) تنافي طرق وحيه طرق وحي الأنبياء الصادقين.
حالة وحي محمد:
ورد في الأحاديث الصحيحة أنه كان إذا نزل عليه الوحي يُغشى عليه، وفي رواية يصير كهيئة السكران (السيرة النبوية لابن كثير ج1 فصل كيفية إتيان الوحي). يعني يقرب من حال المغشي عليه، لتغيّره عن حالته المعهودة تغيُّراً شديداً، حتى تصير صورته صورة السكران.
وقال علماء المسلمين إنه كان يُؤخذ من الدنيا (القرآن المجيد لدَرْوزة). وعن أبي هريرة: كان محمد إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة وفي رواية كرُب لذلك وتزبَّد له وجهه وغمّض عينيه، وربما غطَّ كغطيط البَكَر (صحيح البخاري باب كيفية نزول الوحي). وعن عمر بن الخطاب: كان إذا نزل عليه الوحي يُسمع عند وجهه دوي كدوي النحل. (عن القرآن لمحمد صبيح) وسُئل محمد: كيف يأتيك الوحي؟ (قال علماء المسلمين المراد بالوحي هنا حامل الوحي جبريل) فقال: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليَّ، فيُفصم (أي يقلع) عني وقد وعيت ما قال" (صحيح البخاري باب كيفية نزول الوحي). وأجمع علماؤهم ومحدثوهم على أن محمداً كان يجد ثقلاً عند نزول الوحي، ويتحدَّر جبينه عرقاً في البرد كأنه الجُمان، وربما غطّ كغطيط البَكَر (أي: كهدير الإبل) ، محمرَّة عيناه . وعن زيد بن ثابت: كان إذا نزل الوحي على محمد ثقل لذلك. ومرة وقع فخذه على فخذي، فوالله ما وجدت شيئاً أثقل من فخذ محمد (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة النساء). وربما أُوحي إليه وهو على راحلته فترعد حتى يظن أن ذراعها ينقسم وربما بَرَكت. وعن أسماء بنت عميس: كان محمد إذا نزل عليه الوحي يكاد يُغشى عليه وعن أبي هريرة: كان محمد إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء (السيرة النبوية لابن كثير ج1 باب كيفية إتيان الوحي). وفي مسلم عن أبي هريرة: "كان محمد إذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد منا أن يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي"
المكان
المفضَّل للوحي:
جاء في صحيح البخاري (ج 3 كتاب الهبة وفضلها) : عن عائشة أن نساء رسول
الله كنَّ حزبين، فحزب فيه عائشة
وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر فيه
أم سلَمة وسائر نساء رسول الله. وكان
المسلمون قد علموا حب رسول الله
عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية
يريد أن يهديها إليه أخّرها، حتى إذا
كان في بيت عائشة بعث إليه بها. فقال
حزب أم سلَمة لها: كلّمي رسول الله أن
يكلم الناس فيقول: من أراد أن يُهدي
إلى رسول الله هدية، فليُهدها إليه
حيث كان من نسائه. فكلَّمته أم سلَمة
بما قلن لها، فلم يقل لها شيئاً.
فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً.
فقلن لها: فكلميه. فكلَّمته حين دار
إليها، فلم يقل لها شيئاً، فسألنها؟
فقالت: ما قال لي شيئاً. فقلن لها:
كلميه حتى يكلمك. فدار إليها فكلمته
فقال لها: "لا تؤذيني في عائشة، فإن
الوحي لم يأتني، وأنا في ثوب
إمرأة إلا عائشة. قالت: فقلتُ:
أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله" (ورد الحديث
أيضاً في مشكاة المصابيح تحقيق
الألباني حديث رقم 6180).
فهذا غير حال أنبياء التوراة الكرام، الذين تكلموا بالحِكَم الإلهية، وأعلنوا الحق أمام الملوك والأمراء والعلماء والفهماء والفلاسفة، وهم بصحة عقلٍ وجسمٍ وفهم. ولم يرِدْ أن نبياً منهم كان عند نزول الوحي يُغشى عليه، أو يصير كالسكران، أو تحمرّ عيناه، أو تجزع الناس من منظره، أو يغط كغطيط البَكَر.
وقد كان حال محمد قبل الوحي كذلك. روى ابن اسحق أنه كان يُرقَى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك. فكان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حلول الرعدة به وتغميض عينيه وتزبُّد وجهه، أي تغيُّره، وغطيطه كغطيط البَكَر. فقالت له خديجة: "أوجّه إليك من يرقيك" قال: "أما الآن فلا" وقرر علماء المسلمين أن آمنة أم محمد رقَتْهُ من العَيْن. وقيل لما كانت حاملاً به جاءها الملَك وقال لها قولي إذا ولدتيه: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد (سيرة ابن هشام). وقال مفسّرو المسلمين إنه كان لمحمد عدوّ من شياطين الجن يقال له الأبيض، كان يأتيه في صورة جبريل. واعترض بعضهم بأن هذا يعني عدم الوثوق بالوحي (وهو اعتراض في محله). ولكنهم أجابوا عن ذلك بأن الله جعل في محمد عِلماً ضرورياً يميّز به بين جبريل وبين هذا الشيطان. قالوا: ولعل هذا الشيطان غَيْر قرينه الذي أسلم . وفي كلام ابن العماد: وشيطان الأنبياء يُسمَّى الأبيض. قالوا: وهذا الشيطان هو الذي أغوى صيصا الراهب العابد بعد عبادته 500 سنة، وقيل 70 سنة. وهو المعنيُّ بقوله في القرآن: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ" (سورة الحشر 59: 16). وقال الخازن: إن الشيطان المُسمَّى الأبيض تصدّى لمحمد وجاءه في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فلحقه جبريل فدفعه إلى أقصى الهند (الرازي في تفسيره للحج 22: 52 ، وتفسيره للتكوير 81: 20).
ولنا التعليق التالي:
() أحوال الأنبياء الصادقين منافية لهذا، فإنهم تربّوا في مهد التقوى وعبادة الله الصحيحة. لما وُلد صموئيل النبي كرَّستْهُ أمه لخدمة هيكل الله. فتربَّى عند عالي الكاهن، وتعلم الشريعة، وأوحى الله إليه إرادته الصالحة، فتنبأ عن الشر الذي يحل بالفجار. فلا رقَتْه أمه من الحاسد أو العين، لأنها كانت من شعب الله، وتعرف أن الحركة والسكون والمرض والموت هي بيد الله فقط. وهذا بخلاف الأمهات اللواتي يعتقدن بالعين وغيرها من الخرافات.
(2) لم يرد في كتاب الله أن نبياً كان له قرينٌ من الجنّ أو شيطان من الشياطين، فإن الشيطان لا يكون قريناً إلا لمن خلا من النعمة الإلهية! أما الذي فيه نعمة الله فيسكن فيه الروح القدس، فالإنجيل يقول لكل مؤمن: "جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ" (1كورنثوس 6: 19) فما بالك بأنبيائه؟ وهل يُعقل أن الله يأتمن من له قرين من الجن أو شيطان من الشياطين على كلمته الإلهية وإعلان إرادته للناس؟
(3) من تأمل التوراة والإنجيل رأى أن أنبياء الله منزَّهون عن الاعتقادات والخرافات الفاسدة، مؤيَّدون بالروح القدس، الذي كان يرشدهم إلى ما يقولون ويفعلون. لقد تهذَّب موسى النبي في أعظم مدارس مصر، التي انفردت بالعلوم في ذلك العصر. وكان بولس الرسول تلميذاً لأشهر أساتذة عصره. وبصرف النظر عن ذلك فكان الروح القدس هو الهادي لهم، فلا ينطقون إلا بإرادة الله، ولم تكن للشياطين والأبالسة سلطة عليهم في شيء، بل كان الأبالسة يجزعون منهم لأن قوة الله كانت فيهم.
عدم تأكد محمد من وحيه
ومن نظر في الأحاديث المحمدية، رأى أن محمداً كان غير متأكد من وحيه. ورد عن اسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير، أنه حدّث عن خديجة، إنها قالت لمحمد: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. فجاءه جبريل، فقال لها محمد: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني . قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي . فقام فجلس على فخذها. فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحوَّل فاجلس في حجري. فتحوّل محمد فجلس في حجرها. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. فألقت خِمارها، ومحمد جالس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: يا ابن عم اثبُت وابشِر، فوالله إنه لملاك وما هذا بشيطان (السيرة النبوية ابن كثير باب كيفية إتيان الوحي).
قال علماؤهم إن خديجة أزالت غطاء رأسها لتعلم هل هذا جبريل الذي كان يأتي الأنبياء قبله، أو هل هو الإغماء الناشيء عن لِمَّة الجن، فيكون محمد من الكهّان لا من الأنبياء. وقال محمد بسببه لخديجة: "لقد خشيتُ على نفسي" وقد أجمع علماؤهم على أنه كان يعتريه الإغماء وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، كما كان يعتريه عند نزول الوحي عليه. فبسبب إزالتها غطاء رأسها عنها اختفى، فلم يعُدْ إلى أن أعادت غطاء رأسها عليه. فاستنتجت أن ما يعرض له هو الوحي، لأنّ الملاك لا يرى رأس المرأة المكشوف، بخلاف الجن! وهو استنتاج غريب. فهل ترَّبتْ خديجة بين الأنبياء، أو هل كان في عشيرتها نبيٌّ، تعتريه مثل هذه الحالة، فتقيس عليها حالة محمد؟
شروع محمد في الانتحار
ومن الغرائب أن محمداً كاد ينتحر بأن يلقي بنفسه من أعلى الجبال. وفي رواية أنه "لما فتر الوحي عنه حزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى جبل ثبير مرة، وإلى حراء مرة أخرى، يريد أن يلقي نفسه منه. فكلما وافى ذروة جبل منهما كي يلقي نفسه تبدّى له جبريل، فقال له: يا محمد أنت رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقرّ عينه ويرجع" فإذا طالت عليه فترة انقطاع الوحي عاد لمثل ذلك (السيرة الحلبية باب بدء الوحي والقرآن المجيد لدَرْوَزة). واختلفوا في مدة هذه الفترة. وفي فتح الباري جزم ابن اسحق بأنها ثلاث سنين، وقال أبو القاسم السهيلي: جاء في بعض الأحاديث المسنَدة أن مدة هذه الفترة كانت سنتين ونصف سنة . وقال الحافظ السيوطي: "إنها كانت سنتين" .
والظاهر أنه لما كان ينقطع المصدر الذي كان يقتطف منه بعض القصص التاريخية والروايات الكتابية والأحكام الشرعية كان يدَّعي بأن الملاك انقطع عنه، فإن محمداً كان يلتقط من أهل الكتاب كثيراً من أقوالهم. وكثيراً ما أفحمه أهل الكتاب من اليهود أو المسيحيين، فكان تارة يعجز عن مجاوبتهم، وأخرى يطلب منهم الإمهال إلى أن يتروّى ويتحرّى ويستفهم.
والحاصل أن كيفية الوحي لمحمد كانت منافية لكيفية الوحي الحقيقي
(1) كان إذا أتاه الوحي استلقى على ظهره.
(2) كان يتوهم أن جبريل يأتيه في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكان جميلاً وسيماً، إذا قَدِم لتجارةٍ خرجت النساء لتراه.
(3) كان يأتيه مخاطباً له بصوت في مثل صلصلة الجرس. وقيل في الصلصلة المذكورة إنها صوت المَلَك بالوحي وقيل صوت المَلَك .
(4) ادّعوا أنه كان يرى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، كل جناح منها يسدّ أفق السماء.
(5) كاد أن يتردّى (أي يلقي بنفسه في مهواة).
(6) كثيراً ما أفحمه أعداؤه فلم يجبهم بما يشفي غليلاً. وكثيراً ما أخذ مهلة للتروّي في كيفية الجواب وللاستفهام من أهل الكتاب. (راجع كيفية نزول الوحي في البخاري، ومسلم، والسيرة الحلبية، والبداية والنهاية، والإتقان في علوم القرآن ).
الوحي الصادق
أما وحي أنبياء الله الصادقين فهو غير ذلك، فكانوا أصحّاء في أجسادهم وعقولهم، لم يعجزوا عن توضيح الحقائق الإلهية لأن معلّمهم ومرشدهم هو الروح القدس. قال المسيح لرسله: "فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلَا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لِأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لِأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ" (متى 10: 19،20) "فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلَا تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ" (مرقس 13: 11) "لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَماً وَحِكْمَةً لا يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا" (لوقا 21: 15). فهذا هو معنى الوحي الإلهي، وهو أن الله يرشد الرسل والأنبياء إلى ما يقولونه، وقد تمّ هذا القول مع الرسل، فوقفوا أمام الولاة والملوك وأذهلوهم بحكمتهم الإلهية الفائقة.
شهادة القرآن لصحة الكتاب المقدس
ورد في الشورى 42: 15 “وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا"
وورد في غافر 40 : 53 - 55 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدىً وَذِكْرَى لأُولِي الْأَلْبَابِ فَا صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ"
وورد في الفرقان 25: 35 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً"
وورد في الزخرف 43 : 45 “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ"
وورد في يوسف 12: 111 “وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ"
وورد في هود 11 : 17 “وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ"
وفي يونس 10 : 37 “وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ" وفي آية 94: “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"
وفي الأنعام 6: 89 ، 90 “أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ" (أي قريش) فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه"
وفي عدد 91 “قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً"
وفي عدد 92 قال إن القرآن “مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ"
وفي عدد 114 “وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَّزَلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"
وفي عدد 124 “قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ"
وفي عدد 154 “ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون"
وفي عدد 156 “أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا" (أي اليهود والنصارى)
وفي القصص 28 : 43 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"
وفي عدد 48 “قَالُوا لَوْلاَ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى
وفي عدد 52 “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ"
وفي المؤمنين 23 : 49،50 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يهَتْدَوُنَ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ;
وفي الأنبياء 21: 7 “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ;
وفي عدد 48 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراللْمُتَّقِينَ ;
وفي عدد 105 “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَبُورِمِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ; (المراد بالذكر التوراة، وقيل المراد بالزبور جنس الكتب المنزَّلة)
وفي الإسراء 17: 2 “وَآتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً؛
وفي عدد 101 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ “
وفي العنكبوت 29: 46 “وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ;
وفي الأعراف 7: 159 “وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ .
هذا جزء من الأقوال الواردة في السور المكية بحسب الترتيب التاريخي، وشهاداتها صريحة للكتاب المقدس.
أما العبارات الواردة في السور المدنية فهاك بعضها:
ورد في البقرة 2: 4 ، 5 “الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلكَِ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَّبِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ “
وفي أعداد 40 - 42 “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَّوَلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ;
وفي عدد 53 “وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَالفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ “وسيأتي الكلام على عدد 70 - 79.
وفي عدد 87 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ “
وفي عدد 91 “وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقا لمَا مَعَهُمْ “
وفي عدد 92 “وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالبَيِّنَاتِ “
وفي عدد 136 “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ “
وفي عدد 253 “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ ;
وفي عدد 285 “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ;.
وورد في الحديد 57: 19 “وَالذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ “
وورد في عددي 26 ، 27 “وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ “
وورد في النساء 4: 47 “يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَّزَلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ “وورد في عدد 54 “فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً “
وفي عدد 136 “يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي نَّزَلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً “
وفي أعداد 150 - 153 “إِنَّ الذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيِهمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ تُنَّزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ;
وفي النساء 4: 163 ، 164 “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً”
وقد أكثرنا من إيراد هذه الشهادات القرآنية لنوضّح:
(1) كانت التوراة والإنجيل والزبور متداولة ومتواترة بين أيدي الناس في عصر محمد. وهل يُعقل أن محمداً كان يحضّ الناس على وجوب التمسّك بها وهي مفقودة، أو هل كان يستشهد بها ويمدحها وهي مبدَّلة؟ ألم يقل في المائدة 5: 68 إن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يقيموا التوراة والإنجيل؟ وفي عدد 43 كيف يحكِّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله . وإن الله أنزل التوراة والإنجيل فيهما هدىً ونور، ومن لا يحكم بهما، فهم الكافرون والظالمون والفاسقون.
(2) أورد محمد منها بعض الأحكام واستشهد بها كثيراً في أقواله.
(3) أوضح محمد البركات التي تحصل لمن يقيم حدودهما من غفران السيئات وحلول البركات (المائدة 5: 66).
(4) اعترف محمد بأن من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، ثم مدحهم (آل عمران 3: 113 ، 114).
(5) جاء القرآن من أوله إلى آخره مصدِّقاً للكتب المقدسة. فهل يصدِّق على شيء لا وجود له أو مُلفَّق؟
(6) يقولون إن الله أمر محمداً أن يستفهم من أهل الكتاب عن القضايا التي ارتاب فيها (يونس 10: 94).
(7) ذكر محمد التوراة والإنجيل بكل تعظيم، فقال إن التوراة إمام ورحمة (هود 11: 17) والإنجيل “الكِتَابَ المُسْتَبِينَ وَالكِتَابِ المُنِيرِ ; (الصافات 37: 117 وآل عمران 3: 184) وقال إن الكتاب المقدس “هُدىً وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ ; (غافر 40: 54) و “نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ ; (الأنعام 6: 91) وإنه “نزل تماماً عَلَى الذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ; (الأنعام 6: 154) و “بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً ; (القصص 28: 43) وقال عنه إنه “الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ; (الأنبياء 21: 48) و “وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ; (المائدة 5: 46) وغير ذلك.
فهل يصف التوراة والإنجيل بمثل هذا الكلام إذا كان يعتقد ضياعهما أو تحريفهما أو تغييرهما وتبديلهما؟
فإذا اعترض أحد بأن القرآن قال إن أهل الكتاب حرَّفوا كتبهم، قلنا إن اليهود قاوموا محمداً أشد المقاومة، وكثيراً ما كانوا يمتحنونه بأسئلة كثيرة عجز عن الإجابة عنها. وإذا استفهم منهم عن شيء من كتابهم ضنّوا عليه به، أو كتموا المعاني، أو فسّروا الأقوال حسب أهوائهم، فتضايق منهم محمد. ولما قوي وزاد حزبه توهَّم ورود شيء عنه في الكتب الإلهية. ولا يتوهَّم المُطالع أن اليهود أتوا شيئاً خلاف العادة، فالعهد أن كل حزب يؤيد رأيه ومذهبه من الكتاب الواحد بدون أن يمسّ النص الأصلي بشيء.
وهذا مثل قول محمد في البقرة 2: 75 “وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ; وورد في النساء 4: 46 “مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ; وكذلك ورد في عدد 41 فقال المفسرون إن اليهود كانوا يحرّفون كلام الله، يؤوِّلونه ويفسرونه حسب أغراضهم. وقال البخاري في تفسير قوله: يحرّفون الكلم عن مواضعه يزيلون وليس أحدٌ يزيل لفظ كتابٍ من كتب الله، ولكنهم يحرّفونه أي يفسرونه على غير معانيه. وقيل في فتح الباري: سُئِل ابن تيمية عن هذه المسألة فأجاب في فتواه أن للعلماء في هذا قولين، أحدهما وقوع التبديل في الألفاظ، وثانيهما لا تبديل إلا في المعاني، واحتجّ للثاني . وقال الفخر الرازي (في تفسيره للنساء 4: 46) فإن قيل كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب؟ قلنا يُقال إنّ القوم كانوا قليلين، والعلماء بالكتاب غاية في القِلّة، فقدروا على هذا التحريف. والثاني المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحِيَل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم، وهذا هو الأصح. ومن الآراء في ذلك أنهم كانوا يدخلون على محمد ويسألونه عن أمرٍ فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرَّفوا كلامه .
وورد في البقرة 2: 174 “الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ" قال المفسرون إن أئمة اليهود كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما جاء محمد خافوا انقطاعها فكتموا صفة محمد والبشارة به. قال الرازي: قال ابن عباس: إنهم كانوا يحرّفون التوراة والإنجيل. وعند المتكلمين هذا ممتنع لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذَّر ذلك فيهما. بل كانوا يكتمون التأويل لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد، وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ويصرفونها عن محاملها الصحيحة (الرازي في تفسيره للنساء 4: 174).
وورد في آل عمران 3: 78 “وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ “قال الواحدي: يحرّفون الكتاب عما هو عليه بألسنتهم معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرّفونها في حركات الإعراب تحريفاً يتغير به المعنى، وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية . قال الرازي: كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟ الجواب: لعله صدر هذا العمل عن نفرٍ قليل. إلى أن قال: ولكن الأصوب هو أن الآيات الدالة على نبوة محمد كان يُحتاج فيها إلى تدقيق النظر وتأمل القلب، والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوّشة والاعتراضات المظلمة، فكانت تصير تلك الدلائل مشتبهة على السامعين. واليهود كانوا يقولون مراد الله من هذه الآيات ما ذكرناه لا ما ذكرتم، فكان هذا المراد بالتحريف وبِلَيّ الألسنة، وهذا مثل ما أن المُحِق في زماننا إذا استدلّ بآية من كتاب الله، فالمبطِل يورد عليه الأسئلة والشبهات، ويقول: ليس مراد الله ما ذكرت. فكذا في هذه الصورة (الرازي في تفسيره لآل عمران 3: 78).
وقال في محل آخر: التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ. وقد بيّنا في ما تقدَّم أن الأول أوْلَى، لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتَّى تغيير اللفظ، فكل عاقل يرى أن تغيير الكتاب المقدس كان متعذراً لأنه كان متداولاً بين أناس كثيرين مختلفي المِلل والنحل، فكان في أيدي اليهود الذين كانوا مشتَّتين في أنحاء الدنيا، بل كان منتشراً بين المسيحيين في أقاصي الأرض. فلو فُرض أن اليهود الذين كانوا في بلاد العرب غيّروا شيئاً من أقوال الله، لقاومهم باقي اليهود، بل كان المسيحيون يتصدّون لهم بالتشنيع والتقريع. ولكن لم يحصل شيء من هذا. ومع ذلك فلا ينكر أن اليهود كانوا يمتحنون محمداً ويخفون أحكام شريعتهم عليه ليروا إذا كان عارفاً أو جاهلاً بها، والدليل على ذلك ما رواه المفسرون، وهو أن شريفاً من يهود خيبر زنى بشريفة، وكانا محصَّنين، فكرهوا رجمهما، فأرسلوهما إلى محمد، ووضعوا له وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأُتي بها، فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: آمنت بك وبمن أنزلك . ثم قال: ائتوني بأعلمكم فأُتي بشاب قال محمد له: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو، الذي فلق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكم وأغرق آل فرعون، والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟ قال: نعم . فأمر محمد بالزانيين فرُجما عند باب المسجد. وفي رواية أنهم لما حكّموا محمداً دعاهم بالتوراة، وجلس حَبْرٌ منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم، فضرب عبد الله بن سلام يد الحَبْر، ثم قال: هذه يا نبي الله آية الرجم، يأبى أن يتلوها عليك. فقال لهم محمد: وَيْحكم يا معشر اليهود! ما دعاكم إلى تَرْك حكم الله وهو في أيديكم؟ وقال محمد: فأنا أول من أحيي أمر الله وكتابه وأعمل به، ثم أمر بهما فرُجما عند باب المسجد (ابن كثير في تفسيره للمائدة 5: 43 ، وسنن أبي داود حديث رقم 4449).
فمن هنا يُرى أن القارئ أخفى بيده شريعة الرَّجْم المدوَّنة في التوراة (لاويين 20: 2 10 وتثنية 22: 23 ، 24) ولكنه لم يقل إن تلك العبارة كانت مشطوبة أو محذوفة من التوراة، ونحن نعرف أنها باقية إلى يومنا هذا.
فينتج مما تقدَّم أنه: (1) لم يجسر أحد على تحريف الكتاب المقدس أو تغييره، بل حافظ عليه أهل الكتاب وكانوا يتباهون به، وإنما كانوا يُلبسون بعض الحقائق على محمد، أو يكتمونها، أو يفسرونها حسب أغراضهم في أثناء مجادلاتهم أو امتحانهم له، كما يُعلَم ذلك من أسباب النزول الذي ألَّفه الواحدي أو السيوطي. (2) لم يقُل محمد ولا غيره إن الكتاب المقدس ضاع أو فُقِد أو تغيَّر، والدليل على ذلك أن محمداً وضع التوراة على الوسادة، وقال لها: آمنت بك وبمن أنزلك . وهذا يعني وجود توراة شهد محمد بسلطانها وبصحّة ما جاء بها.
هل
في القرآن إعجاز
كثيراً ما
يتحدث المسلمون عن الإعجاز القرآني
من عدة أوجه. ونناقش هنا هذه
الادعاءات لنعرف وجوه الإعجاز
القرآني. يقول الدكتور صبحي الصالح:
القرآن هو الكلام المعجز المُنزَّل
على النبي، المكتوب في المصاحف،
المنقول عنه بالتواتر، المتعبَّد
بتلاوته (مباحث في علوم القرآن ف1).
وقد حدد السيد محمد رشيد رضا وجوه الإعجاز بستة أوجه وهي:
1 إعجاز الأسلوب والنظم.
2 إعجازه البلاغي.
3 إعجازه بعلم الغيب.
4 إعجازه بسلامة الاختلاف.
5 إعجازه بالعلوم الدينية والتشريعية.
6 إعجاز القرآن بعجز الزمان على إبطال شيء منه.
(تفسير المنار على البقرة 2: 23 ، 24)
ولنناقش ما قاله السيد رشيد من أوجه إعجاز القرآن.
1
- إعجاز الأسلوب والنظم
من الواضح
أن أساليب الفصحاء متفاوتة، لا يشبه
أسلوبٌ منها الآخر، وأيضاً لا
يستويان نظماً وبلاغةً، فمجرد
اختلاف الأسلوب والنظم لا يصح أن
يُعد معجزاً. ومن أشهر المواقف التي
تدل على عدم بلوغ القرآن حدَّ
الإعجاز
ما حدث من عبد الله بن مسعود وأُبيّ
بن كعب، وهما ممن أمر محمدٌ بأخذ
القرآن عنهما، فعبد الله بن
مسعود كان يحذف من مصحفه الفاتحة
والمعوَّذتين، ويقول: لا تكتبوا في
القرآن ما ليس منه. (الإتقان في علوم القرآن
للسيوطي ج 1 باب عدد سور القرآن
وآياته وكلماته وحروفه).
ولقد أورد كثير من المحدثين والمفسرين أن في مصحف أُبيّ سورتان صغيرتان زائدتان عن سور المصحف، واحدة اسمها سورة الحفد وهذا نصها: اللهم إيَّاك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نخشى عذابك. ونرجو رحمتك. إن عذابك بالكفَّار ملحق . والثانية اسمها سورة الخلع، وهذا نصها: اللهم إنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونكفر من يفجرك (القرآن المجيد لدروزه ص 56).
فلو كان أسلوب القرآن معجزاً ما اختلف عليه ابن مسعود وأُبيَّ. وقد أورد السيوطي في إتقانه: كان الناس يأتون زيداً بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل. وإن آخر سورة براءة (التوبة) لم توجد إلا مع أبي خزيمة. فقال أبو بكر: اكتبوها فإن النبي جعل شهادته بشهادة رجلين. وإن عمراً أتى بآية الرجم فلم يكتبها، لأنه كان وحده (الاتقان للسيوطي ج 1 باب جمع القرآن وترتيبه). فلو كان القرآن معجزاً ما احتاج أحد في إثبات آيات القرآن إلى شهود.
وهناك بعض الكتب التي أوردت سوراً كاملةً لم تُكتب في المصحف، وأوردوا أيضاً أمثلة لما كان يُكتب قبل محمد، وهو لا يختلف كثيراً عن القرآن! ومن أمثلة الأول سورة النورَيْن وهذا نصها:
يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورين.
أنزلهما يتلوان عليكم آياتي ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم.
نوران بعضهما من بعضٍ وأنا السميع العليم.
إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم.
والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنَقْضهم ميثاقهم وما عاهدوا الرسول عليه يُقذَفون في الجحيم.
ظلموا أنفسهم وعصوا وليّ الرسول، أولئك يُسقَون من حميم.
إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء، واصطفى من الملائكة والرسل، وجعل من المؤمنين أولئك من خلقه، يفعل الله ما يشاء.
لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكري، إن أخْذي شديدٌ أليم.
يا أيها الرسول بلِّغ إنذاري فسوف يعلمون.
مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم.
وأن عليّاً لمن المتَّقين.
ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبرٌ جميل.
فاصبر فسوف يبلون.
ولقد آتيناك الحكم كالذين من قبلك من المرسَلين، وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون.
إن عليّاً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون
(القرآن المجيد دروزه ص 60). فلو كانت هذه السورة من القرآن فهذا يقدح في دعوى حفظ القرآن وتنزيله، وإن لم تكن فهذا قدحٌ في إعجاز القرآن.
ومن أمثلة ما كُتب قبل محمد ما قاله قس بن ساعدة، فكان يقول: أين من بغى وطغى. وجمع فأوعى، وقال: أنا ربكم الأعلى. ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً. طحنهم الثرى بكلكلهِ ومزّقهم بتطاولهِ. فتلك عظامهم بالية. وبيوتهم خاوية. عمَّرتها الذئاب العاوية (البداية والنهاية ابن كثير ترجمة قس بن ساعدة).
ومما يورده لنا ابن كثير أن أبا بكر هو الذي قال هذا الكلام وهو يتحدث في حضور محمد مع وفد أياد عن قس بن ساعدة، وكان محمد مولعاً بالاستماع إلى سجع الكهّان في سوق عكاظ. وقد يكون قرآنه أكثر بلاغة، ولكن هذا لا يعني إعجازه.
ملاحظة: تُوفي قسّ بن ساعدة عام 600 م قبل محمد بسنوات عديدة.
2
- الإعجاز البلاغي في القرآن
يقول رشيد
رضا صاحب المنار في تفسير البقرة 2: 3
إن البلاغة في الكلام هي أن يبلغ
المتكلم ما يريد من نفس سامعه
بإجابة، موضع الإقناع من العقل،
والوجدان من النفس .
وقد أجمع المسلمون على أن بلاغة القرآن في الآية الواحدة بل أحياناً في الحرف، ولكننا نجد فقرات من القرآن لا يُفهم منها شيئاً. وأحياناً يكون الكلام مُبهماً لا معنى له، مثل ما جاء في سورة العاديات 100 : 1 - 5 “وَالعَادِيَاتِ ضَبْحاً فَالمُورِيَاتِ قدْحاً فَالمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً"
وحتى إن كان محمد بلغ حداً من البلاغة لم يصل إليه أحدٌ من كُتَّاب العربية، فهل يدل هذا على الإعجاز؟ لقد حدث أن أتى كثيرون بكتب في غاية البلاغة بلغاتهم، ولم يقل أحد بنبوَّتهم. فمن المعروف أن كاتب الإلياذه والأوديسا (أعظم ملحمتين في اللغة اليونانية، وأكثرها بلاغة ونظماً وأسلوباً) هو الشاعر هوميروس، وكان أُمِّياً لأنه كان أعمى. ورغم ذلك لم يقل أحد بنبوّته. فلو أننا قارنَّا بين القرآن والشعر الجاهلي دون تعصّب أعتقد أن الموقف سيتغير كثيراً.
3
- إعجاز القرآن بعلمه للغيب
قال صاحب
المنار إن إخبارالقرآن عن حوادث
الماضي يُعدّ ضرباً من ضروب الغيب،
وأيضاً إن القرآن أخبر عن حوادث
مستقبلية كهزيمة الروم.
نقول: أما ما ذكره في الوجه الأول فهذا ليسإعجازاً، لأن من طالع شعر الجاهليين كأُميّة بن أبي الصلت، وقس بن ساعدة (و غيرهما) يجد نفس هذه الأخبار التي عرفها العرب عن طريق اليهود والنصارى والذين احتك بهم محمد كثيراً في سفره للشام واليمن وفي سوق عكاظ وفي المدينة بلد أخواله. هذا بالإضافة إلى أن محمداً لم يأت بهذه القصص صحيحة، بل كان فيها خرافات وأخطاء، كقوله إن هامان كان وزير فرعون، وإن مريم أم المسيح هي أخت هارون. بل ذهب إلى أن يحدّث موسى واليهود عن الإنجيل وهو قد جاء بعدهم بألف وستمائة عام (الأعراف 7: 157).
4
- إعجاز القرآن بسلامته من الاختلاف
قال
صاحب المنار إن القرآن لم يقع فيه
اختلاف، مع أن فيه اختلافات من الصحة
وعدمها نحو “إِنْ هَذَانِ
لَسَاحِرَانِ ; (طه 20: 63) و “إِنَّ
الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى ;(المائدة
5: 69) و “هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ; (الحج 22:
19). وأيضاً فيه تعارض وتناقض.
ورُوي عن سعيد بن جبير، قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن فقال ابن عباس أَشَكٌّ هو؟ فقال: ليس بشكّ، لكنه اختلاف. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. قال اسمع الله يقول: “ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ; (الأنعام 6: 23) وقال: “وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; (النساء 4: 42) فقد كتموا. وأسمعه يقول: فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون (المؤمنون 23: 1). ويقول: “وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ; (الطور 52: 25) وقال: أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ... طَائِعِينَ ; (فصلت 41: 9) ثم قال في الآية الأخرى: ; أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَّوَاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ ; (نازعات 79: 27-30) وورد في القرآن أيضاً “إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ ; (أعراف 7: 28). وقال “أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ; (الإسراء 17: 16). (راجع الإتقان باب 48 التناقض والاختلاف).
5
- إعجاز القرآن بالعلوم الدينية
والتشريعية
قال رشيد
رضا إن مما يعدّ إعجازاً في القرآن
احتواءه على أصول العقائد الدينية،
وأحكام العبادات، وقوانين الفضائل،
وقواعد التشريع المدني والسياسي
والاجتماعي.
نقول: إن ما أتى به محمد ليس جديداً على المجتمع العربي، فأصول العقائد كانت منتشرة عن طريق اليهود والنصارى بالجزيرة، ولكنها لم تكن نقية، بل كان يشوبها بعض البدع مما أثر في أن يكون الإسلام خليطاً من هرطقات اليهود والنصارى بالجزيرة. وإذا قرأنا الشعر الجاهلي نجد أن أشهر شعرائهم كانوا يَدْعون إلى الفضائل وأصول العقائد الدينية، فورقة بن نوفل المتوفى سنة 592م يقول:
بدينك رب ليس رب كمثله وتركك جنات الجبال كماهيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
أدين لرب يستجيب ولا أرى أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
(راجع الخلافة الإسلامية للمستشار سعيد العشماوي سينا للنشر القاهرة)
ومن المعروف أن محمداً أمضى نحو خمسة عشر عاماً مع ورقة قبل إعلانه نبوته، لأن ورقة هذا كان ابن عم خديجة وهو الذي قام بمراسم زواجها من محمد، وكثيراً ما جلسا سوياً. ومن المرجح أنهما كانا يدرسان الإنجيل العبراني الذي كان ورقة يقوم بترجمته للعربية. فربما كان يقوم بشرحه لمحمد حتى يكتسبه لدينه.
هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من التشريعات الإسلامية كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام كحدود الزنا والسرقة وشرب الخمر... (راجع الملل والنحل للشهرستاني فصل آراء العرب في الجاهلية تقاليدهم المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام جواد علي - الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية لخليل عبد الكريم - سينا للنشر بالقاهرة).
6
- إعجاز القرآن بعجز الزمان على إبطال
شيء منه
قال
المفسرون: إن القرآن يشتمل على بيان
كثير من آيات الله في مخلوقاته، وفيه
أخبار الأمم السالفة. ولم تستطع
الدراسات أن تبطله.
نقول: إن هذا لا يُعد وجهاً من الإعجاز، فالإعجاز كما عرفه المسلمون أنفسهم هو إتيان فصل مخالف للطبيعة يكون الغرض منه إيمان الناس أو تصديق الرسول (القرطبي مقدمة التفسير).
بالإضافة إلى عدم إتيان محمد بشيء لم يكن معروفاً في عصره، فقد أتى بجملة أخطاء في قصصه وأخباره، كجمعه لهامان وفرعون في زمان واحد. واختراعه أشخاصاً وأنبياء لم يسمع بهم مؤرخ، كلقمان وصالح وشعيب وقارون، وخطئه في الحديث عن سامري بني إسرائيل قبل وجود السامرة بنحو 500 سنة! وأيضاً أخطأ فيما رواه عن سنن الله في الكون من أن الشمس تغرب في عين حمئة (الكهف 18: 86) وأن اللؤلؤ يُستخرج من النهر (الرحمن 55: 22). وقد تناولنا التعليق على هذه الأخطاء في تعليقنا على السور القرآنية في القسم الثاني من هذا الكتاب.
4 - اختلاف قراءات القرآن
معظم أحاديث هذا الفصل أُخذت عن كتابي المصاحف للساجستاني و المصاحف لابن أشتة.
- 1 - اختلف علماء المسلمين في بسم الله الرحمن الرحيم . فقال قُرَّاء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها إن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور. قال السيد في حاشيته على الكشاف: أجمعت الأمة على أن التسمية في سورة النمل بعض آية منها، فهي من القرآن قطعاً . واختلفوا في التسمية في أوائل السور، فذهب ابن مسعود ومالك وأبو حنيفة وأتباعه إلى أنها ليست من القرآن، ولذلك لا يُجهر بها عندهم في الصلاة، فتكون في القرآن 113 آية زائدة. أما قُرَّاء مكة والكوفة وفقهاؤها فذهبوا إلى أنها آية ولذلك يجهرون بها. قال ابن عباس: من تركها فقد ترك 113 آية من القرآن .
- 2 - ورد في الفاتحة عدد 3 مالك يوم الدين . فقرىء: ملك يوم الدين، ومالك وملك بتخفيف اللام. وقرأ أبو حنيفة مَلَكَ يومَ الدين . بلفظ الفعل ونَصْب اليوم. وقرأ أبو هريرة مالكَ بالنصب، وقرأ غيره ملك وهو نصب على المدح، ومنهم من قرأ مالكُ بالرفع، وملك هو الاختيار لأنه قراءة أهل الحرمين. وعلى كل حال فهي قراءات مختلفة، فالاسم ليس كالفعل والمرفوع ليس كالمنصوب.
- 3 - ورد في الفاتحة آية 5 إياك فقُرئت إيَاكَ بتخفيف الياء، وأَيَّاك بفتح الهمزة والتشديد، وهيّاك بقلب الهمزة هاء. وقال المعترض الغير مؤمن إن بعض أسماء الأعلام في الكتاب المقدس فيها اختلاف. فماذا يقول في اختلاف القراءات هذه؟ فإذا كان يقبلها مع أنها أركان معتبرة من الكلام، فلماذا لا يقبل بعض الأعلام ويقول إنها لغات أيضاً؟
- 4 - ورد في الفاتحة 6 “ا هْدِنَا الصِّرَاطَ “فقرأ عبد الله أرشدنا. أما كتابة الصراط فتارة يكتبونها بالصاد وأخرى بالسين.
- 5 - ورد في الفاتحة 7 “صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ “فقرأ ابن مسعود صراط من أنعمت عليهم .
- 6 - ورد في الفاتحة 7 “غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ “فقرأ عمر وعلي وغير الضالين .
- 7 - ورد في آخر سورة الفاتحة لفظة آمين . فقال علماء المسلمين: ليست من القرآن. ولذا قال أبو حنيفة: الواجب عدم الجهر بها.
- 8 - نُقل عن عثمان أن عكرمة لما عرض عليه المصحف وجد فيه حروفاً من اللحن، فقال: لا تغيّروها، فإن العرب ستقيمها بألسنتها . فلا عجب إذا وُجدت فيه بعض أغلاط نحوية، فإنه إذا كُتب على غير قياس الكتابة فلا بد أن يطرأ عليه الخطأ في كتابته وقراءته، وهذا اعتراف من جامع القرآن بوجود أغلاط فيه.
- 9 - ورد في البقرة 2: 2 “ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ “فقرأ أبو الشعثاة لا ريبُ فيه بالرفع، والفرق بينهما وبين المشهورة أن المشهورة توجب الاستغراق وهذه تجوزه. والوقف على فيه هو المشهور، وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على لا ريب .
- 10 - ورد في البقرة 2: 4 “وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلكِ “فقرأ يزيد بن قطب هذه العبارة على لفظ ما سمي فاعله، وقوله يوقنون قرأها أبو حية النميري يؤقنون بقلب الواو همزة.
- 11 - ورد في البقرة 2: 6 “إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ “فقُرىء بتخفيف الهمزتين، والتخفيف أعرب وأكثر، وبتخفيف الثانية بين بين، وبتوسيط ألف بينهما محققتين، وبتوسيطها. والثانية بين بين، وبحذف حرف الاستفهام، وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله.
- 12 - ورد في البقرة 2: 7 قوله “خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمِْ غِشَاوَةٌ “فقرأ ابن أبي عبلة وعلى أسماعهم . وقرىء غِشاوةَ بالكسر والنصب و غُشاوةُ بالضم والرفع، و غَشاوةَ بالفتح والنصب، و غِشوةُ بالكسر والرفع و غَشُوةَ بالفتح والرفع والنصب، و عشاوةُ بالعين غير المعجمة والرفع من العشا.
- 13 - ورد في البقرة 2: 9 قوله “يُخَادِعُونَ اللَّهَ “قرأ أبو حياة يخدعون . وقوله وما يخادعون إلا أنفسهم قرىء وما يخدعون و يخدّعون من خدّع ويَخدعون بفتح الياء بمعنى يختدعون ويخدعون ويخادعون على لفظ ما لم يُسمَّ فاعله.
- 14 - ورد في البقرة 2: 10 قوله “وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ “قرىء يكذّبون من كذّبه الذي هو نقيض صدّقه.
- 15 - ورد في البقرة 2: 14 “وَإِذَا لَقُوا الذِينَ آمَنُوا “قرأ أبو حنيفة: وإذا لاقوا.
- 16 - ورد في البقرة 2: 15 “وَيمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ “قرأ ابن كثير وابن محيص ويمدّهم . وقرأ نافع واخوانهم يمدّونهم . وقرأ زيد بن علي في طغيانهم بالكسر.
- 17 - ورد في البقرة 2: 16 “فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ “فقرأ ابن أبي عبلة تجاراتهم .
- 18 - ورد في البقرة 2: 17 قوله فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات . فقرأ أبو عبلة ضاءت . وقرأ اليماني اذهب الله . وقرأ الحسن ظلْمات بسكون اللام. وقرأ اليماني في ظلمة بالمفرد.
- 19 - ورد في البقرة 2: 19 “أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ“فقرىء صائب .
- 20 - ورد في البقرة 2: 20 “يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ;، فقرأ مجاهد يخطِف بكسر الطاء، والفتح أفصح وأعلى. وعن أبي مسعود يختطف . وعن الحسن يخطف وأصله يختطف وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء. وعن زيد بن علي يخطف من خطف. وعن أبيّ يتخطف من قوله و يتخطف الناس من حولهم . وقوله فلما أضاء لهم قريء ضاء . وقوله وأظلم فقرأ يزيد بن قطيب أظلم على ما لم يُسمَّ فاعله. وقوله لذهب بسمعهم وأبصارهم فقرأ ابن أبي عبلة لأذهب بأسماعهم بزيادة الباء.
- 21 - ورد في البقرة 2: 21 “الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ; فقرأ أبو السميفع وخلق من قبلكم . وفي قراءة زيد بن علي والذين من قبلكم . قال علماء المسلمين وهي قراءة مشكلة، ووجهها على أشكالها أن يقال أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً.
- 22 - ورد في البقرة 2: 22 “الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ; فأخرج به من الثمرات فقرأ يزيد الشامي بساطاً . وقرأ طلحة مهاداً . وقرأ محمد بن السميفع من الثمرة على التوحيد.
- 23 - ورد في البقرة 2: 22 أيضاً قوله “فَلَا تَجْعَلُواللَّهِ أَندَاداً ; فقرأ محمد بن السميفع فلا تجعلوالله نداً بالمفرد.
- 24 - ورد في البقرة 2: 23 “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَّزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا “فقرىء على عبادنا والمراد محمد وأمته.
- 25 - ورد في البقرة 2: 24 قوله “أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ “فقرأ عبد الله اعتدت من العتاد بمعنى العدة.
- 26 - ورد في البقرة 2: 25 “وَبَشِّرِ الذِينَ آمَنُوا “فقرأ زيد بن علي وبُشر على لفظ المبني للمفعول عطفاً على أعدّت.
- 27 - ورد في البقرة 2: 25 قوله “وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ “فقرأ زيد بن علي مطهرات . وقرأ عبيد بن عمير مطهرة بمعنى متطهرة.
- 28 - ورد في البقرة 2: 26 قوله “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي “فقرأ ابن كثير في رواية شبل يستحي بياء واحدة.
- 29 - ورد في البقرة 2: 26 قوله “يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ “وقرأ زيد بن علي يضل به كثير . وكذلك وما يضل به إلا الفاسقون . وورد في البقرة 28 “ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ; فقرأ يعقوب تَرجعون بفتح التاء في جميع القرآن.
- 30 - ورد في البقرة 2: 30 “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً “فقرىء خليقة بالقاف. و يسفك الوارد في هذا العدد قرىء يُسفك بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك.
- 31 - ورد في البقرة 2: 31 “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ “فقرىء وعُلم آدم على البناء للمفعول وقرأ عبد الله عرضهن . وقرأ أبيّ عرضها .
- 32 - ورد في البقرة 2: 33 “قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ “فقرىء أنبيهم بقلب الهمزة ياء. وانْبِهِم بحذفها، والهاء مكسورة فيهما.
- 33 - ورد في البقرة 2: 35 “وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ “فقرىء بكسر التاء، و هذي بالياء، والشِجرة بكسر الشين.
- 34 - ورد في البقرة 2: 36 “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا “فقرىء فأزالهما . وقرأ عبد الله فوسوس لهما الشيطان عنها .
- 35 - ورد في البقرة 2: 38 “فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ “فقرىء هديّ على لغة هذيل، ولا خوفَ بالفتح.
- 36 - ورد في البقرة 2: 40 “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ “فقرىء إسرائل بحذف الياء و إسرال بحذفهما و إسراييل بقلب الهمزة ياء. وقوله اذكروا قرىء اذّكروا والأصل اذتكروا . وقوله أوف قرىء أوفّ بالتشديد.
- 37 - ورد في البقرة 2: 42 قوله: “وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ “ولكن في مصحف ابن مسعود وتكتمون .
- 38 - ورد في البقرة 2: 46 “الذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلَاقُو رَبِهِّمْ “ففي مصحف عبد الله بن مسعود يعلمون عوضاً عن يظنون .
- 39 - ورد في البقرة 2: 48 “وَا تَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً “فقرىء لا تجزىء من أجزاء عنه إذا أغنى، وقرأ أبو السرار الغنوي لا تجزي نسمة عن نسمة شيئاً . وقوله ولا يقبل قرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل بالتاء.
- 40 - ورد في البقرة 2: 49 قوله “وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ “فقرىء أنجيناكم ونجيتكم وأنجيتكم.
- 41 - ورد في البقرة 2: 49 “يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ; وقرأ الزهيري يذبحون بالتخفيف وقرأ ابن مسعود يقتلون.
- 42 - ورد في البقرة 2: 50 “وَإِذْ فَرَقْنَا ; فقرىء فرّقنا .
- 43 - ورد في البقرة 2: 51 “وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى ; فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي واعدنا .
- 44 - ورد في البقرة 2: 55 “لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةٌ “قرىء جَهَرة بفتح الهاء. وقوله فأخذتكم الصاعقة قرأ عليّ فأخذتكم الصعقة .
- 45 - ورد في البقرة 2: 58 “حِطَّةٌ ; فقرىء حطةً بالنصب. وقوله نغفر لكم قرأ نافع بالياء وابن عامر بها على البناء للمفعول.
(1) فترى من هنا أنه لا تكاد تخلو لفظة من القرآن من قراءة، إما بتغيير حركة أو حرف أو كلمة أو جملة كما تقدم. ولا يخفى ما يترتب على هذه القراءات من الأحكام المختلفة المتباينة.
(2) اقتصرنا في إيراد 45 قراءة مختلفة في نحو 55 آية فقط، وهي سُدس سورة البقرة.
(3) ظهر مما تقدم أن الفاتحة أول كتابهم فيها الزيادة، فإن أجلاء أئمة المسلمين ذهبوا إلى أن البسملة ليست من القرآن بل هي زائدة، فتبلغ الزيادة الناشئة عن هذه العبارة وحدها نحو 113 آية (كما قال ابن عباس الذي هو ترجمان القرآن). وكذلك أجمع العلماء على أن لفظة آمين زائدة. وغير ذلك مما ورد في الفاتحة من التغيير والتبديل وهو معدود من القراءات عند المسلمين.
(4) لو أتينا بالمدرج في القرآن لكان شيئاً جسيماً، فإن المسلمين زادوا في القرآن شيئاً على كتابهم على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبي وقاص وله أخ وأخت من أم . والأصل وله أخ أو أخت (النساء 4: 12). ومن ذلك أيضاً قراءة ابن عباس ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج أخرجها البخاري. ولا يخفى أن الأصل هو بدون كلمة في مواسم الحج فهي زائدة (البقرة 2: 198). ومن ذلك أيضاً قراءة ابن الزبير ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم وهي في (آل عمران 3: 104) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون . فزادوا قوله ويستعينون بالله على ما أصابهم . قال عمرو: فما أدري أكانت قراءة، أم فسَّر . وأخرج الحسن انه كان يقرأ وإن منكم إلا واردها (مريم 19: 71). الورود الدخول. قال الانباري: قوله الورود الدخول تفسير من الحسن لمعنى الورود. وغلط فيه بعض الرواة فأدخلوه في القرآن . قال ابن الجزري في آخر كلامه: وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحاً وبياناً . وذهب بعضهم إلى أن بعض الصحابة كان يجيز القراءة بالمعنى، وأفرد السيوطي للمدرج تأليفاً، وقس على ذلك أحاديثهم.
(5) لعل أصل هذه الاختلافات ناتج عن طريقة الكتابة نفسها، فقد كانت المصاحف تُكتب دون تنقيط أو تشكيل، فكلمة أشاء يمكن نطقها أساء . أو تبينوا تثبتوا . ولعل الاختلاف أحياناً يغيّر الكلمة إلى العكس، مثل غُلبت يمكن نطقها غَلبت . ولا يخفى أن مثل هذه الاختلافات تقع في أكثر من نصف القرآن، مما يؤدي إلى عدم التأكد من مدلولات الكلمة، لاحتمال وقوع الخطأ فيها.
(6) جمع الحجاج بن يوسف كل مصحف وأسقط منه أشياء كثيرة ذكروا منها في كتاب المصاحف للساجستاني، و الموسوعة القرآنية لإبراهيم الإبياري الجزء الأول:
أ - لم يتسن وانظر البقرة 2: 259 جعلها لم يتسنه بالهاء.
ب - شريعة ومنهاجاً المائدة 5: 48 جعلها شرعة ومنهاجاً .
ج - هو الذي ينُشركم يونس 10: 22 جعلها يسيركم .
د - أنا آتيكم بتأويله يوسف 12: 45 جعلها أنا أنبئكم بتأويله .
ه - سيقولون لله المؤمنون 23: 85 ، 87 ، 89 جعلها سيقولون الله الله .
و - من المخرجين الشعراء 26: 116 جعلها من المرجومين .
ز - من المرجومين الشعراء 26: 167 جعلها من المخْرجين .
ح - نحن قسمنا بينهم معايشهم الزخرف 43: 32 جعلها معيشتهم .
ط - من ماء غير ياسن محمد 47: 15 جعلها غير آسن .
ي - فالذين آمنوا منكم واتقوا الحديد 57: 7 جعلها وانفقوا .
ك - وما هو على الغيب بظنين التكوير 81: 24 جعلها بضنين . ( المصاحف للساجستاني).
والحجاج كان يتقرب إلى بني أمية، ولا يجوز ائتمانه على هذا العمل، فزاد وأنقص حسب هواه!
-
5 - كيف جُمع القرآن؟
أجمع
أئمة المسلمين على أن محمداً مات ولم
يكن القرآن جُمع في شيء، وقالوا إن
سبب ذلك ما كان يترقبه محمد من ورود
ناسخٍ لبعض أحكامه أو تلاوته. فلما
انقضى نزوله بوفاته شرع الخلفاء
الراشدون في جمعه، لئلا تغتال أيدي
الضَّياع ما بقي منه.
ولا يخفى أن الكتب المقدسة (أي التوراة والإنجيل) لم تكن بهذه الصفة، فقد دوَّنها أنبياء الله لهداية المؤمنين إلى طرق الحق اليقين، وكانت تُقرأ في المعابد مدة حياتهم، وكثيراً ما حضَّ الرسول بولس على قراءة رسائله في الكنائس، فكانوا يتعبّدون بتلاوتها مدة وجود الأنبياء والرسل، بخلاف القرآن، فإنه كان مبعثراً قابلاً للضياع والزيادة والنقصان.
كانت معرفة القرآن قاصرة على أربعة فقط، والدليل على ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن العاص، قال: سمعت محمداً يقول: خذوا القرآن من أربعة (1) عبد الله بن مسعود و(2) سالم و(3) معاذ و(4) أبيّ بن كعب (صحيح البخاري باب القُرَّاء من أصحاب النبي). أي تعلَّموا منهم. والأربعة المذكورون أولهما من المهاجرين، والثالث والرابع من الأنصار. وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ هو ابن جبل. وقُتل سالم مولى أبي حذيفة في موقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أبيّ وابن مسعود في خلافة عثمان. أما زيد بن ثابت فتأخر عنهم، وقالوا عنه: انتهت إليه الرئاسة في القراءة، وعاش زمناًطويلاً.وروى البخاري أيضاً عن قتادة قال: سألتُ أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله؟ فقال: أربعة كلهم من الأنصار، أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قلت: من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي (صحيح البخاري باب الجمع). وروي أيضاً من طريق ابن ثابت عن أنس قال: مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد . وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين: أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة، والآخر ذكر أبا الدرداء بدل أبيّ بن كعب. وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة، ولكن تمسَّك بقول أنس جماعة من الملاحدة، يعني أنهم استدلوا بذلك على ضياع كثير من القرآن، ولا سيما الآيات التي تساعدهم على تأييد مذهبهم، فإن هؤلاء الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن. وقالوا إنه كان يوجد كثير من القراء ماتوا قبل جمع القرآن. قال القرطبي: قُتل يوم اليمامة 450 قارئاً، وقتل في عهد النبي ببئر معونة مثل هذا العدد (البداية والنهاية ابن كثير موقعة اليمامة).
ولما رأى أبو بكر هذا الحال جزع من ضياع القرآن، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت، قال: أرسل إليّ أبو بكر وقت مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده. فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقُرّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرَّاء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن. وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلتُ لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد، قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّعْ القرآن فاجمَعْه . فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللِّخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره. لقد جاءكم رسول حتى خاتمة التوبة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياتَهُ، ثم عند حفصة بنت عمر (صحيح البخاري باب جمع القرآن). وفي رواية أخرى أن أبا بكر سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر، ففعل. وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أُصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم (القرآن المجيد دروزة ص54).
فهذه النصوص وغيرها ناطقة بأنه مات جلُّ حفَّاظ القرآن إذا لم نقل كلهم، حتى جزع أبو بكر من ضياعه كله، فكلّف زيداً بجمعه من الشتات، فقال زيد: لو كلّفوني نقل جبل لكان أسهل عليّ من جمع القرآن .
فأخذ زيد يجمعه من العُسُب واللِّخاف، وفي رواية والرِّقاع وفي أخرى وقِطَعِ الأديم وفي أخرى والأكتاف وفي أخرى والأضلاع وفي أخرى والأقتاب . والعُسب جمع عسيب، وهو جريد النخل. كانوا يكشفون الخوص ويكتبون في الطرف العريض. واللِّخاف (جمع لَخْفة) وهي الحجارة الدقاق. قال الخطابي صفائح الحجارة. والرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد. والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة، كانوا إذا جف كتبوا عليه. والأقتاب جمع قتب وهو الخشب الذي يُوضع على ظهر البعير ليُركب عليه.
وقال أبو بكر لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه . وكان زيد لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل. ولم توجد آخر سورة التوبة إلا مع أبي خزيمة بن ثابت، فقال: اكتبوها فإن الرسول جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب. وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده، وسبب كل ذلك أن القرآن كان مفرَّقاً في الرقاع والأكتاف والعسُب (الإتقان للسيوطي باب جمع القرآن).
وعلى هذا لابد أنه ضاع كثير منه إذا نظرنا إلى اشتغال محمد بالغزوات وغيرها، فإنه كان يقول بنزول الآيات في رحلاته وهجرته، ووقت تقسيم الغنائم.
ولا مجال لمقارنة هذا بحال الأمة اليهودية التي ظهر بينهم المسيح، الذي كان يعلّم جهاراً على رؤوس الأشهاد أمام نبلاء الأمة اليهودية وعلمائها وأئمة ديانتها، حتى تعجّبوا من حكمته التي بهرت عقولهم، ودُوِّنت تعاليمه في الصحف والكتب كالطريقة الجارية عند الأمة اليهودية. وكان المؤمنون يقرأونها في معابدهم، وكذلك الرسل الذين كانوا يقفون أمام الفلاسفة والقياصرة والملوك ويوضحون لهم طريقة الفداء العجيب، وكانت تُدوّن أقوالهم في الصحف للاهتداء بها. وبالاختصار إن الكتب المقدسة لم تكن مكتوبة على العسب أو دقاق الحجارة أو قطع الجلود أو عظام البعير أو قطع الأخشاب، بل كانت تُكتب على هيئة درج في الرق وتوضع في محل خصوصي في المعابد وفي البيوت. ولم يكن الحال قاضياً إلى شهادة لأخذ أقوال الله من أفواه البشر الذين خطأهم أكثر من صوابهم، ولا سيما أن الإنسان ابن النسيان.
نقص
واختلاف وزيادة في القرآن:
(1) ومما يدل
على حصول زيادة في القرآن ما رواه
محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان
بعد بيعة أبي بكر، قعد علي بن أبي
طالب في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره
بيعتك . فأرسل إليه فقال: أكرهْتَ
بيعتي؟ قال: لا والله . قال: ما أقعدك
عني؟ قال: رأيتُ كتاب الله يُزاد فيه،
فحدّثْتُ نفسي أن لا ألبس ردائي، إلا
لصلاةٍ، حتى أجمعه . قال له أبو بكر:
فإنك نعم ما رأيت . قال محمد بن سيرين:
فقلت لعكرمة ألفوه كما أنزل، الأول
فالأول . قال: لو اجتمعت الإنس والجن
على أن يؤلفوه هذا التأليف ما
استطاعوا . وهذا يدل بأن القرآن
الحالي ليس مكتوباً حسب أوقات نزوله،
بل اجتهد الخلفاء وغيرهم في ترتيبه
حسب ذوقهم، لأنه كان مبدداً (الإتقان للسيوطي
باب الجمع).
(2) ومما يؤيد حصول التغيير ما أخرجه ابن أشته في المصاحف من وجهٍ آخر عن ابن سيرين، في أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وقال ابن سيرين: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه . يعني أنه كان يوجد قرآن غير المتداول الآن. ومع أنه بحث عنه إلا أنه لم يجده (الإتقان للسيوطي باب الجمع).
(3) ومما يدل على سقوط أشياء منه ما أخرجه ابن أبي داود، من طريق الحسن، أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان، قُتل يوم اليمامة . فقال: إنَّا لله . وأمر بجمع القرآن، فكان أول من جمعه في الصحف. قال السيوطي: أي أول من أشار بجمعه (المصاحف للساجستاني باب جمع عمر للقرآن، والمرجع السابق).
وسقوط أشياء منه أمر طبيعي، لأنه كان مفرَّقاً في العُسب وفي صدور الرجال، لا في كتاب.
وقد اختلفوا في الذي جمع القرآن. قالوا إن الأربعة الذين تقدَّم ذكرهم ماتوا ولم يُجمع. ومرة قالوا: زيد بن ثابت هو الذي جمعه، ومرّة قالوا إن أول من جمع القرآن في مصحف هو سالم مَوْلى أبي حذيفة، ومرة قالوا إن عليا بن أبي طالب كان قد عزم على جمعه، وأقسم ألا يرتدي برداء حتى يجمعه. فجمعه ثم تساءلوا: ماذا يسمّونه، فقال بعضهم: سمّوه السِّفر، قال: ذلك اسمٌ تسميه اليهود . فكرهوه. فقال: رأيت مثله بالحبشة يُسمّى المصحف . فأجمع رأيهم على أن يسمّوه المصحف. (دروزة القرآن المجيد ص 53).
ويؤخذ من أقوالهم أنه كان لكل فريق قرآن، فكان يوجد قرآن فيه الناسخ والمنسوخ، ويوجد قرآن مرتب حسب النزول. ولو لم تكن نسخ عديدة لما أمر عثمان بإحراقها.
اختلافهم في القرآن وإحراق عثمان نسخه:
لما رأى حذيفة اختلاف الناس في القراءة، حثَّ عثمان على أن يتلافى الأمر، فأمر بعضهم أن يجمعوه، وأمر بإحراق غيره. روى البخاري عن أنس، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال لعثمان: أدرِك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى . فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلتها إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للقريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم . ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق. قال زيد: فُقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها في سورتها في المصحف . قال ابن حِجْر: وكان ذلك في سنة 25 . وذهب بعضهم إلى أنه في سنة 30 (صحيح البخاري باب جمع القرآن).
وأخرج ابن أشْته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدّثني رجل من بني عامر يُقال له ابن مالك، قال: اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون، فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه! فمن نأى عني كان أشد تكذيباً وأكثر لحناً. يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً . فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا في أي آية قالوا: هذه أقْرأها رسول الله فلاناً، فيرسل إليه وهو على رأس ثلاثة من المدينة، فيُقال له: كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكاناً . وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح، قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها. وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا اختلفوا في شيء أخّروه. فظنَنْتُ إنما كانوا يؤخّرونه لينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة، فيكتبونه على قوله ( المصاحف للساجستاني باب جمع عثمان للمصحف).
يتضح من هذه الأحاديث أنه لما رأى عثمان أنه كادت تقع فتنة أو حرب داخلية بسبب اختلاف الناس في القرآن، عقد جمعية ليكتبوا للناس إماماً. وهذه هي نتيجة عدم التبصُّر، فأنبياء الله الحقيقيون كانوا يكتبونكتبهم، ويحثون الناس على تلاوتها وتعليمهالأولادهم وأحفادهم، ويحرصون عليها أن تكون دستوراً لقضاتهم وحكامهم وملوكهم. ولم يكتب نبي من الأنبياء كتابه بالطريقة التي كُتب بها القرآن، ولا بالكيفية التي جُمع بها. ومع أن كتب العهد القديم 39 كتاباً، لكن تولى ضمّها إلى بعضها عزرا النبي. ومع أن كتب العهد الجديد 27 كتاباً ولكنها جُمعت في سفر واحد تحت ملاحظة يوحنا اللاهوتي. وكلٌّ من عزرا ويوحنا نبي كريم، يقدر أن يميِّز الأرواح يعني يميز الكتاب الموحى به من غيره. فكانت الكتب المقدسة سالمة من أي عيب.
- 1 - تولّى جمع القرآن أناس اشتهروا بالغدر والكذب. فعثمان مات مقتولاً بعد أن ثبت عليه الغدر والكذب. والذين تولّوا جمع القرآن لم يقدروا أن يميّزوا الأقوال التي بوحيٍ من غيرها، فكانوا يستشهدون بالعرب المجرَّدين عن المعارف الإلهية والدنيوية، الذين يقول القرآن عنهم: “الأَعْرَابُ أَشدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ! ; (التوبة 9: 97).
- 2 - لم يختلف أحد على وحي التوراة والإنجيل، ولا اقتتل الغلمان بسببهما، بل بالعكس كانتا سبب بركة لهم، لأنهما لم يكونا مبعثرَيْن مفرَّقين. ولما رأى علماء المسلمين أن هذا يحط بقدر القرآن قالوا إنه كثُر الاختلاف في عصر عثمان في وجوه القراءة، فقرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدَّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي عثمان من تفاقم الأمر في ذلك، فنسَخ تلك الصحف في مصحف واحد، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش.
ولو سلمنا بذلك لقلنا إن الكتب المقدسة منزّهة عن هذه الاختلافات، فلما نزلت كانت باللغة الفصيحة المفهومة عند الناس.
- 3 - لا يمكن أن ينكر علماء المسلمين وقوع الخلاف الشديد في القرآن. وقد اختلفوا في المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق، والمشهور أنها خمسة، وقيل إنها أربعة، وقيل سبعة. فأرسل إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، وأبقى بالمدينة واحداً.
وقيل: لما رأى عثمان اختلاف القرّاء واستفحال الشرّ، بعث فأرسل ما أمكن جمعه من الرقاع. ولم يتعرّض أحدٌ لمصحف علي بن أبي طالب، ولا لمن كان يقرأ بقرائته. وقد مات أُبيّ بن كعب قبل جمع القرآن. ولما طلبوا من عبد الله بن مسعود أن يعطيهم مصحفه رفض، فصرفوه عن الكوفة واستخدموا أبا موسى الأشعري. وأمروا زيد بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن عباس (وقيل محمد بن أبي بكر) بجمع القرآن، وكانا حديثي السن. وقال لهما عثمان: إذا اختلفتما في شيءٍ فاكتباه بلغة قريش . ولما جمعوه أرسلوا نسخة منه إلى مكة (احترقت سنة 200هـ) ونسخة للمدينة (فُقدت أيام يزيد بن معاوية) ونسخة إلى العراق (فُقدت أيام المختار) وأرسلوا نسخة أخرى إلى الشام. وأمر عثمان الولاة أن يجمعوا ما عندهم من المصاحف ويغلوا لها الخل ويسرحوها فيه ويتركوها حتى تتقطع وتهترىء، ولا يبقى شيء منها، وتوعَّد من يخالف أمره (الإتقان للسيوطي كتاب المصاحف).
ترتيب القرآن اجتهادي واختلاف نسخه:
لا نتعجب إذا لم يتيسّر للمسلمين ترتيب القرآن حسب أصله، فقد كان ترتيبه اجتهادياً. أخرج ابن أبي داود في المصاحف، من طريق محمد بن اسحق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه. قال: أتاني الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة التوبة، فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله ووعيتهما. فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما. ثم لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. فانظروا آخر سورة من القرآن فألْحقوها في آخِرها . قال ابن حِجْر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم، ولما رأوا أن هذا يحط بمقام القرآن استشهدوا بأحاديث (الإتقان باب الجمع).
على أن ترتيب الآيات هو بتوفيق. والأقرب إلى الحق أنه كان باجتهاد الصحابة. وقال جمهور العلماء إن ترتيب السور كان اجتهادياً. قال السيوطي في الإتقان : مما استدل به على أن ترتيب السور هو اجتهادي، اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور، فمنهم من رتبها على النزول، وهو مصحف علي، كان أوله إقرأ ثم المدثر ثم ن ثم المزمل ثم تبَّت ثم الكوثر وهكذا إلى آخر المكي والمدني. وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران على اختلاف شديد. وكذا مصحف أُبيّ وغيره (الإتقان باب ترتيب القرآن).
وأخرج ابن أشته في المصاحف قال: أمرهم عثمان أن يتابعوا الطوال . ولهم كلام طويل في ذلك. وإنما نقول إنه لم يتيسّر لعثمان ولا لغيره ترتيب القرآن حسب نزوله، فقد كان محمد تارة يقول بنزول آياتٍ في السفر، وأخرى في الحضر، وتارة في النهار وأخرى في الليل، وتارة في الصيف وأخرى في الشتاء، ومرة في الفرش وأخرى في النوم، ومرة في الأرض وأخرى في السماء، حتى قسموه إلى سَفَري وحضري ونهاري وليلي وصيفي وشتائي وفراشي ونومي وأرضي وسمائي. فمن ذا الذي كان معه في جميع هذه الأزمنة والأمكنة حتى يعرف أوقات نزوله بالتقريب؟ وزد على هذا أن بعضه نزل مفرَّقاً، وبعضه نزل جمعاً، وغير ذلك. فلا عجب إذا اختلفوا فيه اختلافاً كبيراً جداً، وإذا سقط منه وزيد عليه شيء كثير (راجع الفصول الأولى من كتاب الإتقان للسيوطي).
ومما يؤيد حصول الزيادة والنقصان ما جاء في المستدرك عن ابن عباس قال: سألت علياً بن أبي طالب: لِمَ لم تكتب في التوبة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأنها أمان، والتوبة نزلت بالسيف . وعن مالك أن أول التوبة لما سقط سقطت معه البسملة، فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها. وفي مصحف ابن مسعود 112 سورة، لأنه لم يكتب المعوَّذتين، وفي مصحف أبيّ 116 ، لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع، وهما غير موجودتين في القرآن المتداول بين المسلمين الآن. وأخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال: كتب أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهمّ إنّا نستعينك، واللهمّ إياك نعبد. وتركهنّ ابن مسعود. وكتب عثمان منهنّ فاتحة الكتاب والمعوذتين . ومع ذلك يقولون إن القرآن الموجود هو الذي كان في اللوح المحفوظ، وإنه أُنزل كما هو. فليخبرونا: هل القرآن الذي كان في اللوح المحفوظ هو حسب قرآن علي، أو قرآن ابن مسعود، أو أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو عائشة؟
أخرج الطبراني (وهنا حذفنا الأسانيد لطولها) قال: قال لي عبد الملك بن مروان: لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب، إلا أنك أعرابي جاف. فقلت: والله لقد جمعتُ القرآن من قبل أن يجتمع أبواك، ولقد علّمني منه علي بن أبي طالب سورتين علّمهما إياه رسول الله ما علِمتهما أنت ولا أبوك: اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهمّ إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحق . وأخرج البيهقي أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ إنّا نستعينك إلى آخر ما تقدم. وإنما عوضاً عن ونخشى عذابك قال: ونخشى نقمتك . وقالوا في مصحف ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك . وفيه: اللهمّ إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك. إن عذابك بالكفار ملحق . قال العلماء (ومنهم الإمام فخر الدين) إن ابن مسعود كان ينكر أن سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن. وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد صحَّ عن ابن مسعود إنكار ذلك . وأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوّذتين في مصحفه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وغيره، قال: كان عبد الله بن مسعود يحكّ المعوذتين من مصاحفه، ويقول إنهما ليستا من كتاب الله (الإتقان باب الجمع).
وأكد ابن حجر أنه حذفهما من قرآنه. وأخرج أبو عبيد بسند صحيح أنه أسقط الفاتحة أيضاً من مصحفه، ولما رأوا أن ذلك يحط بقدر القرآن قالوا إنه ترك الفاتحة لشهرتها. فهل تَرَك المعوّذتين لشهرتهما أيضاً؟ فإذا فعل ذلك فلا مانع إذا كان يترك القرآن كله لشهرته!
ورُوي أن عبد الله بن مسعود، لما أُمر بالمصاحف أن تُغيَّر وتُكتب على مصحف عثمان، ساءه ذلك وقال: أفأترك ما أخذتُ من فم رسول الله؟ لقد أخذت من فم رسول الله بضعاً وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب النبي أني من أعلمهم بكتاب الله . فهذا يدل على أن تغيير المصاحف كان جسيماً جداً، فكأن الذي تولّى مسألة التغيير والتبديل أقل منه علماً، ولم يأخذ من الرسول قدر ما أخذ هو. وانقلبت المسألة إلى تفاخرٍ وتنافسٍ وحب رئاسة. ولو كانوا أخذوا منه السبعين سورة واعتمدوا على نقله لكان ذلك يرضيه، والظاهر أنهم لم يفعلوا ذلك. (المصاحف للساجستاني باب كراهية ابن مسعود لنسخ المصحف).
اختلافهم في عصر محمد: كان الاختلاف حاصلاً في عصر محمد ذاته، فروى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله، فكدت أساوره في الصلاة. فتربّصت حتى سلّم، فلبَبْته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأها؟ قال: أقرأنيها رسول الله. فقلت: كذبتَ، فإن رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأتَ. فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقرئنيها. فقال رسول الله: إقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعتُه يقرأها. فقال رسول الله: هكذا أُنزلت. ثم قال النبي: إقرأ يا عمر، فقرأت بقراءتي التي أقرأني، فقال رسول الله: هكذا أُنزلت. إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسّر منه (صحيح البخاري باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف).
والذي نعلمه أن الحق واحد، ولا بد أن أحد هذين الشخصين كان مخطئاً، والآخر كان مصيباً. ولكن محمداً لم يرد أن يغضب واحداً ويُرضي آخر، فأرضى كليهما على حساب الحقيقة.
ولما رأى علماء المسلمين أن الساقط من القرآن شيء كثير، وأن هذا يخل به، اغتفروا عن السواقط بقولهم إنه يوجد من أنواع الناسخ ما نُسخت تلاوته دون حكمه. ولكن: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ ولماذا لم تبقَ التلاوة ليجتمع العمل بحكمهما وثواب تلاوتهما؟ وأجاب صاحب الفنون بأن ذلك ليُظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به بأيسر شيء . وهو أمر غريب، فإنه إذا كانت الأمة تنكص مع صراحة النصوص عن طاعة الأوامر واجتناب النواهي، فهل نتَصوَّر أنها تأتي بأعمالٍ لم يرد عنها نص؟ وهل يليق بعدل الله أن يدين الناس بحسب شريعةٍ مفقودة غير موجودة؟ فإذا كان الحاكم الأرضي الميَّال إلى الظُلم لا يؤاخِذ أمته بقوانين لا وجود لها، فكيف نتصوّر أن الديان العادل الحكيم العليم يؤاخذ الناس ويدينهم بحسب شريعة لا وجود لأقوالها، ويكلّفهم فوق وسعهم؟
ولكن لما رأى العلماء أنه لا يوجد شيء يغتفرون به عن السواقط القرآنية وعن المناقضات سوى الناسخ والمنسوخ، تستَّروا به، لأن السواقط والمناقضات كثيرة ومربكة وتحيّر العقول.
ضياع وحذف:
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، قال: ليقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر . وقال حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن . وقال حدثنا اسماعيل بن جعفر (حذفنا الأسانيد) قال لي أُبيّ بن كعب: كأيِّنْ تُعد سورة الأحزاب؟ قلت: 72 آية أو 73 آية. قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم. قلت: وما آية الرجم؟ قال إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم (الإتقان باب الناسخ والمنسوخ و القرآن المجيد لدروزة).
ورد في الحديث: لقد أقرأنا رسول الله آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة. قال عمر: لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (يعني آية الرجم). وقال في البرهان: ظاهره أن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس .
حدَّث حجّاج عن ابن جريح قال: أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: قرأ عليَّ أَبِي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يُصلّون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، وعلى الذين يصلّون الصفوف الأولى . قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف (الإتقان للسيوطي باب الناسخ والمنسوخ).
وحدث عبد الله بن صالح عن هشام وعن أبي واقد والليثي قال: كان رسول الله إذا أُوحي إليه أتيناه فعلَّمنا ما أُوحي إليه. فجئت ذات يوم فقال إن الله يقول: إنَّا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم وادياً لأحبّ أن يكون إليه الثاني، ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب .
وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ: ألم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومِن بقيّتها: لو أن ابن آدم سأل وادياً من المال فأعطيه سأل ثانياً. وإن سأل ثانياً فأعطيه سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية، ومن يعمل خيراً فلن يكفره (الإتقان للسيوطي باب الناسخ والمنسوخ).
أين ذهبت هذه الآيات، وقد عهدنا حسب اصطلاحهم أن الآية تنسخ آية مثلها؟ فهل يجوز أن نأتي بآية وننسخ ما لا وجود له؟ فالشيء المعدوم لا يحتاج إلى نسخ، فإنه منسوخ من ذاته، فحينئذ يثبت ما قلناه، وهو أنه ضاع من القرآن شيء كثير. على أنه لا يجوز النسخ مطلقاً في كلام الله سبحانه.
ضياع سورة نحو التوبة:
قال أبو عبيدة: حدثنا الحجّاج (إلى أن قال) عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحو التوبة ثم رُفعت، وحُفظ منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوامٍ لا خِلاق لهم. ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنَّى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (إتقان باب الناسخ والمنسوخ).
حذف
أشياء كثيرة من القرآن:
(1)
قال ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري:
كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى
المسبحات، نسيناها. غير أني حفظت
منها: يا
أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا
تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم،
فتُسألون عنها يوم القيامة (إتقان باب
الناسخ والمنسوخ).
(2) حدث الحجاج عن سعيد الحكم بن عتيبة عن عدي، قال: كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم . ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك؟ قال: نعم.
(3) ومن ذلك أيضاً أنهم رووا أنه أنزل: إن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة . فإنّا لا نجدها. أُسقطت فيما أُسقط من القرآن.
(4) ورووا أيضاً (وقد حذفنا الأسانيد) إن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فلم يخبروه. وعنفهم أبو الكنود سعد بن مالك. فقال مسلمة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرّة عين جزاء بما كانوا يعلمون .
(5) ورد في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا قال أنس: ونزل فيهم القرآن قرأناه حتى رُفع: إن بلّغوا عنا قومنا إنّا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا .
(6) وفي المستدرك عن حذيفة قال ما تقرأون ربعها (يعني سورة التوبة).
(7) وكذلك شطبوا سورتي القنوت و الوتر وتسمّيان الخلع والحفد .
(8) ويقال إن علياً أسقط آية المتعة، وإنه سمع رجلاً يقرأها على عهده، فدعاه وضربه بالسوط، وأمر الناس ألا يقرأها أحد. وكان ذلك بعض ما شنَّعت به عليه عائشة فقالت: إنه يجلد على القرآن ويضرب عليه وينهى عنه، وقد بدّل وحرّف .
هذه هي أقوال علماء أهل السُنّة في قرآنهم ويمكن مراجعتها في كتبهم كالإتقان للسيوطي والبرهان للزراكشي وغيرهم.
أما الشيعة فلم يختلف موقفهم كثيراً. لقد أوردنا نص سورة النورين التي قيل إنها حُذفت من مصحف عثمان، وسنورد فيما يأتي بعض الآيات التي ادّعى الشيعة أن عثمان قد حرّفها، وهي أكثر من مئتي آية، نكتفي بذكر بعضها، وقد اعتمدنا في نقلها على كتب أئمة الشيعة، دون أي تعليق منا:
- 1 - إدّعاؤهم أن هناك سورة اسمها سورة الولاية حذفها الصحابة من المصحف، وهاك نصّها:
يا أيها الرسول بلّغ إنذاري فسوف يعلمون.
قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي مُعرِضون.
مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنّات النعيم.
إن الله لذو مغفرةٍ وأجرٍ عظيم. وإن علياً لمن المتّقين.
وإنّا لنوفيه حقه يوم الدين.
ما نحن عن ظلمه بغافلين، وكرّمناه على أهلك أجمعين.
فإنه وذريته الصابرون.
وإن عدوَّهم إمام المجرمين.
قل للذين كفروا بعد ما آمنوا أَطَلبْتُم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها.
وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون.
يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بيّنات.
فيها من يتوفاه الله مؤمناً ومن يتوله من بعدك يظهرون.
فأعرض عنهم إنهم مُعرضون.
إنّا لهم مُحضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون.
إن لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون.
فسبّح باسم ربك العظيم وكن من الساجدين.
ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون.
فصبر جميل.
فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعنَّاهم إلى يوم يُبعثون.
فاصبر فسوف يُنصرون.
ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين.
وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون.
ومن يتول عن أمري فإني مُرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً.
فلا تُسئل عن الناكثين.
يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخُذْه وكن من الشاكرين.
إن علينا قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه.
قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون.
سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون.
إنّا بشّرناك بذريته الصالحين.
وإنهم لأمرنا لا يخلفون.
فعليهم منّي صلوات ورحمة أحياءاً وأمواتاً يوم يُبعثون.
وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرون.
وعلى الذين سلكوا مسلكهم منّي رحمة وهم في الغرفات آمنون.
والحمد لله رب العالمين
( فصل الخطاب للنوري ص 110).
- 2 - إبراهيم القمي عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله أنه قرأ الفاتحة: اهدنا الصراط المستقيم، صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وغير الضالين .
وذكر الطبرسي: وقرأ: غير الضالين عمر بن الخطاب (تفسير القمي 1 29).
- 3 - عن جابر عن أبي جعفر قال: نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد هكذا: “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَّزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ; (البقرة 2: 23) ((الكافي 2 - 381).
- 4 - عن أبي جعفر قال: نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا: فبدّل الذين ظلمواآل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم، فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون (البقرة 2: 59) (تفسير القمي 1 - 48).
- 5 - عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي عبد الله قال: فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا (البقرة 2: 85) (فصل الخطاب 213)
- 6 - عن جابر عن أبي جعفر قال: نزل جبرئيل هكذا: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في عليٍّ بغياً (البقرة 2: 90) (فصل الخطاب الكافي 2 - 380).
- 7 - عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله في قوله عز وجل: وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله في عليّ قالوا نؤمن بما أنزل علينا (البقرة 2: 91) (فصل الخطاب 205).
- 8 - عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عن قوله تعالى: ما ننسخ من آية نُنْسها نأت بخير منها أو مثلها (البقرة 2: 106) فقال: كذبوا ما هكذا هي نزلت إذا كان ننسخها ويأت بمثلها لم ينسخها؟ قلت: هكذا قال الله. قال: ليس هكذا قال الله. قلت: كيف؟ قال: ليس فيها ألف ولا واو (أي أو) وقال: ما ننسخ من آية ننسها نأت بخير منها مثلها (تفسير القمي 1 - 58).
- 9 - “وجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ; (البقرة 2: 143) (فصل الخطاب 213).
- 10 - عن أبي عبد الله: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى في عليّ (البقرة 2: 159) (فصل الخطاب 207).
- 11 - عن أبي بكر بن محمد قال: سمعت أبا عبد الله يقرأ: وزُلزلوا ثم زُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله (البقرة 2: 214) (فصل الخطاب 207).
- 12 - عن ابن سنان عن أبي عبد الله أنه قرأ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين (البقرة 2: 238) (فصل الخطاب 207).
- 13 - عن عمرو بن جابر في قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج مخرجات (البقرة 2: 240) (فصل الخطاب 210).
- 14 - قال الباقر: والذين كفروا بولاية على بن أبي طالب أولياؤهم الطاغوت (البقرة 2: 257) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا (فصل الخطاب 210).
- 15- عن أبي الحسن في أن البقرة 261 تقول: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة، أو أكثر من ذلك .(فصل الخطاب 213)
- 16 - عن أبي الحسن في قوله عز وجل: والذين يأكلون الربا لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (البقرة 2: 275) (فصل الخطاب 213).
- 17 - عن حمران بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله يقرأ: إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران
وآل محمد على العالمين (آل عمران 3: 33) ثم قال: هكذا نزلت (فصل الخطاب 213).
- 18 - عن الحكم بن عيينة عن أبي جعفر في قوله تعالى: يا مريم اقنتي لربك واسجدي شكراً لله واركعي مع الراكعين (آل عمران 3: 43) (فصل الخطاب 214).
- 19 - عن الحسن بن خالد قال: قال أبو الحسن الأول: كيف تقرأ هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (آل عمران 3: 102) ماذا؟ قلت: مسلمون. فقال: سبحان الله! يوقع الله عليهم اسم الإيمان فيسمّيهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام. والإيمان فوق الإسلام. قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد. فقال إنما هي في قراءة عليّ، عليه السلام وهي التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد: إلا وأنتم مسلمون لرسول الله ثم
الإمام من بعده (فصل الخطاب 216).
- 20 - عن ابن سنان قال: قرأت على أبي عبد الله: كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (آل عمران 3: 110) فقال أبو عبد الله: خير أمة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين؟ فقال القارىء: جُعلت فِداك! كيف نزلت؟ قال: خير أئمة أُخرجت للناس ألا ترى مدح الله لهم تأمرون بالمعروف وتنهَوْن عن المنكر (فصل الخطاب 217).
- 21 - عن أبي بصير قال: قرأت عند أبي عبد الله: لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة (آل عمران 3: 123) فقال: مه! والله ليس هكذا أنزلها الله، إنما أنزلت: وأنتم قليل (فصل الخطاب 218).
- 22 - قوله تعالى: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (آل عمران 3: 128) فقال أبو عبد الله: إنما أنزل الله: لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (فصل الخطاب 218 219).
- 23 - عن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله في قول الله: سيطوقون ما بخلوا به من الزكاة يوم القيامة (آل عمران 3: 180) (فصل الخطاب 219).
- 24 - عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر قال: ليس من مؤمن إلا وله قتله وموته. إنه من قُتل نُشر حتى يموت، ومن مات نُشر حتى يُقتل. ثم تلوت على أبي جعفر. هذه الآية: كل نفس ذائقة الموت (آل عمران 185). فقال هو: ومنشورة. قلت: قولك ومنشورة ما هو؟ فقال: هكذا نزل بها جبرئيل على محمد: كل نفس ذائقة الموت ومنشورة (فصل الخطاب 219).
- 25 - عن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله قال: إنما نزلت: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجَلٍ مُسمّى فآتوهن أجورهن فريضة (النساء 4: 24) (فصل الخطاب 220).
- 26 - عن حمزة بن الربيع، قال أبو عبد الله: يومئذٍ يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول وظلموا آل محمد حقّهم لو تُسَوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً (النساء 4: 42) (فصل الخطاب 225).
- 27 - عن أبي الحسن في قوله عز وجل: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب وعِظهم وقُل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً (النساء 4: 63) (فصل الخطاب 225).
- 28 - عن زرارة عن أبي جعفر قال: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك يا عليّ فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً (النساء 4: 64) هكذا نزلت. (فصل الخطاب 225).
- 29 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله في هذه الآية: ثم لا يجدوا أنفسهم حرجاً مما قضيت في أمر الولاية ويسلّموا لله الطاعة (فصل الخطاب 225. تفسير القمي 1 142). و عن جابر عن أبي جعفر: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى محمد وآل محمد ويسلّموا تسليماً (فصل الخطاب 225). وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله قال: حتى يحكموا محمد وآل محمد ولا يجدون في أنفسهم حرجاً (النساء 4: 65) (فصل الخطاب 226).
- 30 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله: ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم، وسلِّموا للإمام تسليماً، واخرجوا من دياركم رضا له، ما فعلوه إلا قليلٌ منهم. ولو أن أهل الخلاف فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً (النساء 4: 66). وعن جابر عن أبي جعفر: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ لكان خيراً لهم (فصل الخطاب 226. الكافي 2 381).
- 31 - عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله في قوله عز وجل: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فأنا قضيتها (النساء 4: 79) (فصل الخطاب 226).
- 32 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: إنما نزلت: لكن الله يشهد بما أنزل إليك في عليّ بعِلمه، والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيداً (النساء 4: 166) (فصل الخطاب 227).
- 33 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: إن الذين كفروا وظلموا آل محمدحقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم (النساء 4: 168 و169) (فصل الخطاب 227).
- 34 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في عليّ فآمنوا خيراً لكم، وإن تكفروا بولايته فإن لله ما في السموات والأرض (النساء 4: 170) (فصل الخطاب 228).
- 35 - عن جابر عن أبي عبد الله: يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربكم، وأنزلنا إليكم في عليٍّ نوراً مبيناً (النساء 4: 174) (فصل الخطاب 229).
- 36 - عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود (المائدة 5: 1). قال: إن رسول الله عقد عليهم لأمير المؤمنين بالخلافة في عشرة مواطن ثم أنزل الله: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين (فصل الخطاب 229).
فهذه الأقوال على محمد والقرآن هي المدوَّنة في كُتب أئمة الشيعة التي يعتقدون بها. ولم نورد كلام الملاحدة أو كلام مختلّي العقول.
وتلخيصاً لما قلناه نقول:
(1) قُبض محمد ولم يُجمع القرآن في صحف ولا في مصحف.
(2) قال محمد: خذوا القرآن من أربعة فماتوا في الحرب، ولم يُجمع القرآن. فكان ذلك موجباً لطعن الملاحدة فيه وقالوا: أنه تغيّر وتبدّل. وبما أنه كانت حزازات بين عثمان وبين علي، حذف عثمان ما كان يُشعِر بمدح علي.
(3) لما رأى أبو بكر موت كثيرين من حَفَظة القرآن، لأن القتل استحر يوم اليمامة بهم، أمر بجمع القرآن، فقاوموه، إلى أن أقنعهم بذلك.
(4) كان جمع القرآن أثقل من الجبال لأنه كان مفرّقاً في العُسب واللخاف والرقاع وقطع الأديم والأكتاف والأضلاع، وكان يجمعه زيد بشهادة اثنين وبشهادة واحد أيضاً من الأعراب، الذين شهد عنهم القرآن بأنهم أشد كفراً ونفاقاً.
(5) قال عكرمة: لو اجتمعت الإنس والجن لما أمكنهم أن يجمعوا القرآن الأول فالأول كما أُنزل.
(6) ضاعت نُسخ المصاحف القديمة، وكان ببعضها الناسخ والمنسوخ.
(7) ضاعت أشياء من القرآن، حتى قال عمر: إنَّا لله.
(8) حصل الخلاف مدة خلافة عثمان حتى اقتتلوا، فجمع نسخة وأحرق النُسخ الباقية.
(9) رتّبوا الآيات والسور حسب اجتهادهم فجاءت مقتضَبة.
(10) كانت سورة التوبة قدر سورة البقرة ولكنهم أسقطوا منها.
(11) اختلاف المصاحف، فمصحف ابن مسعود 112 سورة ومصحف أُبيّ 116 سورة.
(12) سقوط سورتي الوتر والخلع.
(13) حذف ابن مسعود الفاتحة من مصحفه، وكذلك حذف المعوذتين، لأنها ليست من القرآن.
(14) حصول خلاف بين عثمان وابن مسعود لحرق عثمان المصاحف الأخرى، وعدم رضا ابن مسعود بإعطائه مصحفه.
(15) عدم أخذ عثمان لمصحف علي أيضاً لئلا يتباهى عليه.
(16) كانت سورة الأحزاب مائتي عدداً (قدر سورة البقرة). أما الآن فهي 72 عدداً أو 73.
(17) حذفوا آية الرجم.
(18) وجود الصلاة على محمد في القرآن قبل أن يغيّر عثمان المصاحف.
(19) حذف الآيات بالطمع في الأموال.
(20) حذف قصة أصحاب بئر معونة.
(21) حذف سورة تشبه سورة المسبّحات.
(22) أسقط الحجاج بن يوسف من القرآن ما نزل في بني أُميَّة وبني العباس وأحرق المصاحف أيضاً، وغيَّر في القرآن في إحدى عشرة آية.
(23) قال علماء الشيعة إن هناك أكثر من مائتي آية قد حُرّفت وبُدّلت، أوردنا بعضها.
ماذا عن الكتاب المقدس؟
لم يقل أحد بإحراق نسخة قديمة من أحد أسفار الكتاب المقدس وعمل نسخة جديدة، أو أن أحداً حذف آية لنزولها في حق شخص، أو غير ذلك مما حصل في القرآن. ومع كل ذلك فبعض المسلمين يدّعون على المسيحيين واليهود بأنهم حرّفوا وغيّروا وبدّلوا، وهذا كلام ناشيء عن تعصّب وطيش وخفة وعدم تروٍّ في الأمر، وعدم اطِّلاعٍ على مستندات المسيحيين، لأنهم لا يرغبون في الحق. لو أنهم أطَّلعوا على أحوال قرآنهم وكيفية جمعه، وكيف غيّروهوبدَّلوه، حسب أقوال علمائهم، لعرفوا أنه هو الذي تغيّر وتبدّل.
-
6 - الناسخ والمنسوخ
ينفرد
الإسلام بمسألة الناسخ والمنسوخ، فلا تكاد تخلو سورة في
القرآن منه، فكان ذلك موجباً لتشويش
الفكر. فإذا طالع الإنسان بقصد
الفائدة تاه في الالتباسات، وصعُب
عليه التمييز بين الأحكام واجبة
التنفيذ والأحكام التي لا يجوز
الاعتماد عليها. وقد رُوي عن عليّ
بن أبي طالب أنه دخل يوماً مسجد
الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلاً يُعرف
بعبد الرحمن، وقد اجتمع عليه الناس
يسألونه وهو يخلط الأمر بالنهي
والإباحة بالحظر، فسأله عليّ: أتعرف
الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا . قال:
هلكت وأهلكت . أخذ أذنه ففتلها، وقال:
لا تقضِ في مسجدنا بعد . وعبد الرحمن
هذا كان صاحباً لأبي موسى الأشعري. فإذا كان هذا الرجل مع
تقدمه في العلم وقربه من الصحابة جهل
الناسخ والمنسوخ، حتى كاد أن يقع في
الضلالة ويُضل غيره، أو كما قال عليّ:
يَهلك ويُهلك غيره فما بالك بمن لم
يكن عالماً أو لم يكن قريب عهد
بالصحابة؟ (كتاب الناسخ والمنسوخ
لأبي جعفر النحاس باب الترغيب في
تعلم الناسخ والمنسوخ).
أنّ الناسخ والمنسوخ إذا وُجدا في قانون أو دستور كانا أعظم وصمة عار له، ولذا كانت الديانة الصحيحة الحقيقية وكُتبها المُنزَّلة مُنزّهة عن هذه الوصمة، لأنه لما كان الله سبحانه عالماً بالماضي والحاضر والمستقبل، ويعلم السر والجهر، وما استتر وظهر من عواطف الناس وأميالهم وأقوالهم وأفعالهم، أنزل كتابه المقدس منزَّهاً عن الناسخ والمنسوخ. ومن أتى في قوله وفعله بالناسخ والمنسوخ كان من أقوى الأدلة على جهله وعدم اختباره وعدم معرفته بالضار من النافع. فماذا نقول في ملك أرضي سنّ قانوناً وأمر رعاياه أن يطيعوا أوامره، وبعد أشهر سنّ قانوناً آخر ينسخ أحكام القانون الأول، وأمرهم أيضاً بطاعته، وهكذا كانت أعماله دائرة بين ناسخ ومنسوخ ونقض وإبرام. ولما اعترض الناس عليه قال لهم: ما ننسخ من قانون أو ننساه نأت بخير منه أو مثله .
أما كان يجب عليه قبل أن يُقدِم على سنّ قانون أن يتروّى ويتحرّى حتى يكون قانونه محبوك الطرفين. فماذا نقول في ملك الملوك ورب الأرباب العليم الحكيم؟ هل يُعقل أن يأتي بقانون قابل للنسخ والنقض والتغيير والتبديل؟ لئن جاز هذا من ملك فهو معذور، لأنه إنسان قاصر، ولكن لا يجوز أن نقول ذلك عن العليم الحكيم، لأنه هو العارف بالكليات والجزئيات، وهو الذي خلق الإنسان وكل شيء، ويعرف المناسب وغير المناسب له.
فيتضح من هذا الاعتقاد بأن الناسخ والمنسوخ منافٍ لحكمة الله وعلمه وكمالاته، بل نقول إنه أقوى مساعد لكل من ادّعى النبوة، فساعد الجاهل والكذاب والمحتال. ونعذر المختار بن عبيد على دعواه النبوة لأنه كان من مذهبه أنه يجوز البدء على الله تعالى. والبدء له معانٍ، منها البدء في العلم وهو أن يَظهر له خلاف ما علم، ومنها البدء في الإرادة وهو أن يَظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. ومنها البدء في الأمر، وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بعده بخلاف ذلك. وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبدء لأنه كان يدَّعي علم ما يحدث من الأحوال، إما بوحي إليه يوحَى إليه، وإما برسالة من قِبَل الإمام محمد بن الحنفية. فكان إذا وعد أصحابه بحدوث شيء، وحدث، جعله دليلاً على صدق دعواه، وإن لم يحدث قال: قد بدا لربكم . وكان لا يفرّق بين النسخ والبدء. قال: إذا جاز النسخ في الأحكام جاز البدء في الأخبار.
وكان للمختار كرسي قديم غشاه بالديباج وزيَّنه بأنواع الزينة، وقال: هذا من ذخائر عليّ، وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل . فكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول: قاتلوا ولكم الظفر والنصرة، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مدداً لكم . وحديث الحمامات البيض التي ظهرت في الهواء وقد أخبرهم قبل ذلك بأن الملائكة تنزل على صورة الحمامات البيض معروف. والأسجاع التي ألّفها مشهور أمرها. وسبب ادّعاء الكذبة بالنبوة هو الناسخ والمنسوخ، فإن الكاذب إذا تنبأ عن حادثة ولم تحصل اعتذر بالنسخ، كما فعل المختار ولذا أنكر اليهود في عصر محمد الناسخ والمنسوخ وقالوا: إنه بدا كالذي يرى الرأي، ثم يبدو له . وهم مصيبون أيضاً (الملل والنحل للشهرستاني فصل المختاريه).
عدم وجود نَسْخ في اليهودية والمسيحية:
إذا نظرنا إلى الديانة اليهودية والمسيحية رأيناهما منزَّهتين عن الناسخ والمنسوخ، فلم يأت موسى بأمر ثم نسخه، وكذلك لم يأت المسيح كلمة الله ولا الرسل بأمر ثم أتوا بخلافه. بل نقول إنه لم ينسخ نبي ديانة نبي آخر، فإن أعمال الله منذ الأزل منزَّهة عن التناقض والتشويش، فكُتب موسى وكُتب المسيح هي إعلانات لحقائق واحدة، ففي كتب موسى اُعلنت هذه الحقائق برموز وإشارات، وأُعلنت في الثاني بصريح الكلام بطريقة أوضح وأفصح وأبلغ. قال احد القديسين : العهد القديم هو نبوة عن العهد الجديد، وكان العالم يستعد لمجيء المسيح قبل ظهوره بزمان طويل، وكان العهد القديم نبوة سامية ورمزاً جليلاً إلى المسيح المزمع أن يأتي، وقد أتى . وقال أيضاً: من يقدر أن ينكر أن الأنبياء المقدسين في العهد القديم رأوا بالروح مجيء المسيح قبل مجيئه بزمان طويل، ووضعوا التعليم الإنجيلي بروح النبوة بكلام متفاوت في الوضوح، مثل كُمُون الورق والثمر في البذرة التي كانت محتاجة إلى الشمس الإلهية لتُظهرها .
وإذا تأملنا نبوات العهد القديم عن المسيح وصفاته وكمالاته وأعماله وموته وصلبه وقيامته، وعن سلطانه وقوته وجبروته، وعن رسله وكنيسته، ظهر لنا توافق الوحي في العهدين. وقالت رسالة العبرانيين إن الناموس اليهودي الطقسي، مع كل فرائضة وغسلاته وذبائحه، كان رمزاً إلى النظام الإنجيلي. بل إن مشاهير العهد القديم كملكي صادق وموسى وداود وسليمان كانوا يرمزون إلى المسيح، وكثير من حوادث التاريخ اليهودي كعبور البحر الأحمر وخروف الفصح والحية النحاسية والمن من السماء والماء من الصخرة، كانت مثلاً عن الحوادث الإنجيلية. قال كايل: ارتقت النبوة بواسطة المسيح من صورتها الزمنية إلى جوهرها، وبه كل الأرض تصير أرض كنعان . ونختم كلامنا بقول المسيح: “لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتّى يَكُونَ الْكُلُّ ; (متى 5: 17 - 18).
معنى النَّسْخ:
النسخ بمعنى الإزالة كقوله في الحج (22: 52) “فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ “فإن الشيطان عندهم له دَخْل في الوحي، وقد أوحى إلى محمد عبادة اللات والعُزَّى، حتى قال إنها الغرانيق العُلى . ثم نسخها، (أسباب النزول للواحدي سبب نزول الحج 22 : 52).
ومعنى النسخ التبديل، ومنه “وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ; (النحل 16: 101) أي بالنسخ، فجعلنا الآية الناسخة مكان المنسوخة لفظاً أو حكماً.
وأجمع علماء المسلمين على أن النسخ مما خصّ الله به الأمة الإسلامية لحِكَم، منها التيسير. كأنه سبحانه لم يدْرِ أن الأحكام التي أنزلها أول الأمر لا تلائم الناس، ثم خفّفها عنهم.
(1) واختلف العلماء فقيل: لا يُنسخ القرآن إلا بقرآنٍ، لقوله: “مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ; (بقرة 2: 106). فقالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيراً منه إلا قرآن . بل قد نُسخ القرآن بالسُنّة.
(2) قالوا: لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي مثل: افعلوا، ولا تفعلوا، وعلى الأخبار التي معناها الأمر والنهي كقوله في النور 24: 3 “ا لّزَانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالّزَانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ “يعني لا تنكحوا زانية ولا مُشركة. والأخبار التي معناها الأمر كقوله في يوسف 12: 47 “تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً “بمعنى: ازرعوا. فالأوامر والنواهي والأخبار التي بهذه الصفة يجوز نسخها. أما الأخبار بمعنى رواية الحوادث وذكرها فلا يجوز نسخها. غير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي قالا: يدخل النسخ على الأمر والنهي وجميع الأخبار . وتابعهما على هذا القول جماعة. وعلى هذا الرأي يكون النسخ في أوامر القرآن ونواهيه وأخباره وقصصه! (راجع كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس).
(3) كان محمد إذا رأى أن أمراً من الأوامر لم يُرْضِ الصحابة يغيّره في الحال ويقول إنه منسوخ. فمن ذلك تغييره القِبْلة، فكان محمد وأصحابه يصلّون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة 16 أو 17 شهراً يأتلف بذلك اليهود. فقال اليهود: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قِبلتنا! . فلما رأى أن ذلك يضر بطريقته تحوَّل إلى قِبلة الكعبة، فرجع كثير من العقلاء إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه وترك قِبلة اليهود التي هي حق . وقال بعضهم في عصره: لا يخلو محمد من أمرين: إما أن يكون على حق فقد رجع عنه، وإما أن يكون على باطل فما كان ينبغي أن يكون عليه (الرازي في تفسير البقرة 2: 142).
ومن ذلك مسألة القتال، فلما كان محمد في مبدأ أمره ضعيفاً أمر أصحابه بالصفح عن أعدائه، ولما تقوّى حضّهم على قتالهم. قال ابن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف (التوبة 9 : 5) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . فهذه الآية نسخت 124 آية في حُسن معاملة المشركين .
ومن ذلك قوله في البقرة 2: 284 “وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ “فقال المسلمون في عصر محمد إنه يجول الأمر في نفوسنا. لو سقطنا من السماء إلى الأرض لكان ذلك أهون علينا. وقالوا لمحمد: لا نطيق. فقال محمد لهم: لا تقولوا سمعنا وعصينا، ولكن قولوا سمعنا وأطعنا . ثم قال إن الله أنزل عليه “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّاوُسْعَهَا ; (البقرة 2: 286). ولم يكتفوا بذلك، فخفف الوسع أيضاً بقوله: يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر (البقرة 2: 185).
ورُوي عن محمدقوله: إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه . ومما يشبه ذلك قوله: يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله حق تُقاته . فقال العرب: يارسول الله، ما حق تقاته؟ قال: أن يُطاع فلا يعصَى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر . فشقَّ عليهم ذلك، فنزلت: وجاهدوا في الله حق جهاده . فكان هذا أعظم من الأول ومعناها اعملوا حق عمله. وكادت عقولهم تُذهل فخفف عنهم ذلك بقوله: فاتّقوا الله ما استطعتم . فصارت ناسخة لما قبلها (أسباب النزول للواحدي سبب نزول البقرة 2: 284).
ألم يكن عارفاً في أول الأمر بما يوافق الطبيعة البشرية فيأتي من أول وهلة بما يلائمها؟ وهل البشر أحكم من المولى حتى إذا طلبوا تغيير الوحي أجابهم إلى طلبهم؟ أو هل تلبية محمد لهم هو من باب المداراة، لأنه كان يخشى نفورهم منه وتفرُّقهم عنه، وهم كانوا يحبون ديانةً سهلةً على الطبيعة البشرية؟
ورد في النساء 4: 17 “إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ “فسُئل محمد: ما حدّ التائبين؟ قال: من تاب قبل موته بسنة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بنصف سنة قَبِل الله تعالى توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بشهر قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن الشهر كثير . ثم قال: من تاب قبل موته بجُمعة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك كثير . ثم قال: من تاب قبل موته بيوم قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل موته بساعة قَبِل الله توبته . ثم قال: ألا وإن ذلك لكثير . ثم قال: من تاب قبل أن يغرغر قَبِل الله توبته . ثم تلا قوله: ثم يتوبون من قريب (راجع تفسير النساء 4: 17).
(4) قال علماء المسلمين إن النسخ في القرآن على ثلاثة أنواع:
(أ) أحدها ما نُسخ تلاوته وحكمه معاً. قالت عائشة: كان فيما أُنزل عشر رضعات معلومات، فنُسخت بخمسٍ معلومات، فتوفي محمد وهن مما يُقرأ من القرآن (رواه الشيخان). وقد تكلموا في قولها وهن مما يُقرأ من القرآن فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك، فهذه العبارة سقطت من القرآن كغيرها، واعتذر العلماء قائلين: إن التلاوة نُسخت ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة محمد، فتوفي وبعض الناس يقرأها . وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رُفعت . وقال مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضاً غير متلو، ولا أعلم له نظيراً .
(ب) ما نُسخ حكمه دون تلاوته، وهذا النوع هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وكان الأقرب للصواب نسخ تلاوته أيضاً. لكنهم قالوا إنهم أبقوا تلاوته لأنه كلام الله ليُثابوا عليه. فإذا أُلغي ولم يراعَ جانبه كان وجوده وعدمه على حد سواء. وكيف يكون كلام الله ملغى ومنسوخاً؟ وما هو الثواب الذي يحصل للإنسان من كلام منقوض ملغى لا عمل له؟
(ج) ما نُسخ تلاوته دون حكمه. وقد سأل بعضهم: ما الحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم؟ وهل أُبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ فأجاب صاحب الفنون: إن ذلك ليظهر مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى الطاعة من غير استفصال . وقد أفرد علماؤهم الكتب في هذا الموضوع، فراجعها إن شئت.
كيف يأمر الله بأمرٍ لا وجود له في كتابه؟ وهل يُعقَل أن ملكاً يحاسب رعاياه بدون قانون مدوّن مسطور؟ إن الحاكم الذي يفعل هذا يكون مستبداً ظالماً، وحاشا لله من ذلك.
الناسخ
يجيء قبل المنسوخ!
ومن
الغريب أن يجيء الناسخ قبل المنسوخ! جاء في البقرة 2: 234 “وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً “وهذه الآية نسخت البقرة
2: 240 (الواردة
بعدها) والذين
يُتَوفَّون منكم ويَذَرون أزواجاً
وصيةً لأزواجهم مَتاعاً إلى الحَوْل
غيرَ إِخراجٍ .
وهناك مثالٌ آخر، فقد جاء في الأحزاب
33: 50 “يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ,,,
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ,,,
وَبَنَاتِ عَمِّكَ,,, وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً “هذه الآية نسخت آية جاءت
بعدها هي
الأحزاب 33: 52 “لاَ يَحِلُّ
لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ
أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
حُسْنُهُنَّ ;.
أمثلة ما نُسخ تلاوته مع بقاء حكمه:
قال السيوطي: أمثلة هذا كثيرة
(1) قال ابن عمر: ليقولُنَّ أحدكم قد أخذتُ القرآن كله، وما يدريه ما كله. قد ذهب منه قرآنٌ كثير، ولكن ليقل قد أخذتُ منه ما ظهر .
(2) ورد في الأحاديث عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ زمن محمد مائتي آية. فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا على ما هو الآن .
(3) سورة الأحزاب وهي 72 آية كانت تعدل سورة البقرة، وكانوا يقرأون فيها الرجم وهي إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم .
(4) أَقْرَأ محمد الصحابة آية الرجم، وهي إذا زنى الشيخ والشيخة.. فارجموهما البتة ..بما قضيا من اللذة .
(5) ورد في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يصلّون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى . قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف .
(6) ورد أيضاً: قال محمد إن الله يقول: إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو أن لابن آدم وادياً لأحبَّ أن يكون إليه الثاني، ولو كان له الثاني لأحبَّ أن يكون إليهما الثالث. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب .
(7) قال محمد لأُبيّ بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ: ألم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين . ومن بقيّتها لو ابن آدم سأل وادياً من مال فأُعطيه، سأل ثانياً. وإن سأل ثانياً فأعطيه، سأل ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية. من يعمل خيراً فلن يكفره .
(8) نزلت سورة نحو التوبة ثم رُفعت، وحُفظ منها أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوامٍ لا خِلاق لهم، ولو أن لابن آدم وَادِيَيْن من مال لتمنى وادياً ثالثاً. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب .
(9) رُوي عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبحات ما نسيناها، غير أني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتُكتَب شهادة في أعناقكم فتُسألون عنها في يوم القيامة .
(10) قال عمر: كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك؟ قال: نعم.
(11) قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة، فإنّا لا نجدها. قال: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن.
(12) استفهم مسلم بن مخلد الأنصاري آيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فقال مسلمة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون، والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون .
(13) عن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما محمد، فكانا يقرآن بها. فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف واحد، فأصبحا غاديين على محمد، فذكرا ذلك له فقال: إنها مما نُسخ فألهوا عنها .
(14) وفي الصحيحين قال أنس في قصة أصحاب معونة الذين قُتلوا، نزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفع أن بلّغوا عنا قومنا إنّا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا .
(15) وفي المستدرك عن حذيفة قال: ما تقرأون ربع التوبة .
(16) قال الحسين بن النادي في كتابه الناسخ والمنسوخ: ومما رُفع رسمه من القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتيّ القنوت في الوتر وتسمّى سورتي الخلع والحفد .
(17) قال أبو بكر الرازي: وإنما نسخ الرسم والتلاوة بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف، فيندرس على مدى الأيام . ثم توهّم أن ذلك يكون مثل نسخ كتب الله القديمة التي ذكرها في قوله: إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى (الأعلى 87: 18 ،19) ولا يعرف منها اليوم شيء. وهذا القياس فاسد، لأن كتب موسى موجودة.
(18) قال عمر: لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (يعني آية الرجم) (راجع الإتقان باب الناسخ والمنسوخ المصاحف للساجستاني باب اختلاف مصاحف الصحابة).
فليخبرونا هل كانت هذه السور والأقوال المحذوفة مكتوبة في اللوح المحفوظ؟ فلماذا حذفوها من القرآن؟ وإن كانت محذوفة من اللوح المحفوظ، فلماذا ذكروها في كتبهم وكانوا يتناقلونها؟
سور
القرآن الناسخة والمنسوخة:
(1) السور التي
دخلها المنسوخ ولم يدخلها ناسخ هي 40 سورة، أولها الأنعام
ثم الأعراف. يونس. هود. الرعد. الحجر.
النحل. الإسراء. الكهف. طه. المؤمنون.
النمل. القصص. العنكبوت. الروم. لقمان.
السجدة. فاطر. الصافات. ص. الزمر.
الزخرف. الدخان. الجاثية. الأحقاف.
محمد. ق. النجم. القمر. الممتحنة.
القلم. المعارج. المدثر. القيامة.
الإنسان. عبس. الطارق. الغاشية. التين.
الكافرون.
(2) السور التي فيها ناسخ وليس فيها منسوخ وهي ست سور، الفتح والحشر، والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى.
(3) السور التي دخلها الناسخ والمنسوخ وهي 25 سورة، البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة وإبراهيم والكهف ومريم والأنبياء والحج والنور والفرقان والشعراء والأحزاب وسبأ وغافر والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزّمل والعصر والكوثر.
(4) السور التي لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ، وهي 43 سورة.
ومن غرائب النسخ أنهم جعلوا الناسخ قبل المنسوخ. قال ابن العربي: من عجيب المنسوخ قوله خذ العفو فإن أولها وآخرها وهو واعرض عن الجاهلين منسوخ، ووسطها محكم وهو وأْمُر بالعرف (الأعراف 7: 199). وقال ومن عجيبه أيضاًآيةأولهامنسوخ وآخرها ناسخ، وهي قوله: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (المائدة 5: 108). يعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذا ناسخ لقوله عليكم أنفسكم (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي باب الناسخ والمنسوخ).
- 7 - القرآن على سبعة أحرف
قال محمد: إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسَّر منه . قاله لعمر لما جاءه بهشام بن حكيم وقد لبَّبه بردائه (أي جعله في عنقه وجرّه منه) لما سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها له محمد. وكان أولاً أتاه جبريل فقال له إن الله يأمرك أن تُقرىء أمتك القرآن على حرف واحد، فقال: أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الرابعة فقال له: إن الله يأمرك أن تُقرىء أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا . واختلفوا في المراد بهذه الأحرف السبعة على نحو أربعين قولاً، واضطربوا في ذلك اضطراباً كثيراً، حتى أفرده أبو شامة بالتأليف. وقال علماؤهم إن المراد بالسبعة أحرف أنها لغات، واختلفوا في تعيينها. فقال أبو عبيد: قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن. وقال غيره خمس لغات في أكناف هوازن سعد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش، ولغتان على جميع ألسنة العرب. (مقدمة تفسير الطبري فصل الأحرف السبعة).
قال المحقق ابن الجزري: ولازلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة، حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صواباً إن شاء الله، وذلك أنني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف، لا يخرج عنها، وذلك إما في الحركات بلا تغيّر في المعنى والصورة، نحو البخل بأربعة ويحسب بوجهين، أو بتغيّر في المعنى فقط، نحو فتلقّى آدم من ربه كلمات . وإما في الحروف بتغيّر في المعنى لا في الصورة، نحو تبلو وتتلو أو عكس ذلك، نحو بصطة وبسطة . أو بتغيرهما نحو أشد منكم ومنهم . وإما في التقديم والتأخير نحو فيقتلون ويقتلون . أو في الزيادة والنقصان نحو وأوصى ووصى . فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها. ثم رأيت أبا الفضل الرازي حاول ما ذكرته. وكذا ابن قتيبة حاول ما حاولنا بنحو آخر .
وقال الداني: معنى الأحرف الأوجه، أي أن القرآن على سبعة أوجه من اللغات، لأن الأحرف جمع في القليل، كفلس وأفلس. والحرف قد يُراد به الوجه، بدليل ما ورد في القرآن “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ; (الحج 22: 11).
وقالوا: حكمة إتيانه على سبعة أحرف للتخفيف والتيسير على هذه الأمة في التكلم بكتابهم، كما خفف عليهم في شريعتهم. وهو كالمصرح به في الأحاديث الصحيحة، كقوله أسأل الله معافاته ومعونته وكقوله: إن ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فرددت إليه: أن هوّن على أمتي. ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف . (راجع كتاب مباحث في علوم القرآن د. صبحي الصالح ف3 الأحرف السبعة).
- 8 - ملاحظات عن الوحي في القرآن والحديث
أولاً: ملاحظات من القرآن عن الوحي القرآني
- 1 - نسيان النبي بعض ما يُوحى إليه:
“سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ; (الأعلى 87: 6 - 8).
فهل كان النسيان مقصوداً، بالتبديل (النحل 16: 101) ؟ أو هل بالمحو (الرعد 13: 41) ؟ قال الزمخشري: رُوي أن محمداً أسقط آيةً في قراءته في الصلاة، فحسب أُبيّ أنها نُسخت، فسأله، فقال: نسيتها (الكشاف في تفسير الأعلى 87: 6 8).
- 2 - استعجال النبي الوحي واستباقه:
“لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَا تَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ; (القيامة 75: 16 - 19).
قال البيضاوي: لا تحرِّكْ يا محمدٌ بالقرآن لسانك قبل أن يتمّ وحيه لتأخذه على عجَل مخافة أن يتفلّت منك . وهو اعتراض بما يؤكد التوبيخ على حبّ العجَلة (البيضاوي والجلالين في تفسير القيامة 75: 16 19).
وفي أسباب النزول: أشيء قاله رسول الله من قِبَل نفسه، أم أمره الله به؟ قال: بل قاله من قِبَل نفسه، ثم أنزله الله .
“وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ; (طه 20: 114).
- 3 - إمكان فتنة الناس للنبي عن الوحي، وإمكان ركون النبي إلى فتنتهم:
“وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَا تَّخَذُوكَ خَلِيلاً 74 وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً 75 إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ; (الإسراء 17: 73-75).
وفي أسباب النزول للسيوطي أن رجالاً من قريش جاءوا محمداً فقالوا: تمسَّحْ بآلهتنا وندخل معك في دينك. وكان يحب إسلام قومه، فرقّ لهم (السيوطي سبب نزول الإسراء 17: 93).
- 4 - إمكان ترك النبي بعض ما يُوحَى إليه:
“فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ; (هود 11: 12).
قال الزمخشري: كانوا يقترحون عليه آياتٍ تعنُّتاً لا استرشاداً، وكانوا لا يعتدّون بالقرآن ويتهاونون به، فكان يضيق صدر الرسول أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرّك الله منه، وهيّجه لأداء الرسالة، وطرح المبالاة بردِّهم واستهزائهم واقتراحهم (الكشاف تفسير هود 11: 12).
- 5 - التبديل في آيات القرآن:
وإذا بدّلنا آية مكان آيةٍ والله أعلم بما ينزّل قالوا: إنما أنت مفترٍ، بل أكثرهم لا يعلمون (النحل 16: 101).
قال الواحدي في سبب نزول هذه الآية: إن المشركين سخروا من محمد وقالوا إنه يأمر أصحابه اليوم بأمرٍ وينهاهم عنه غداً، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، وما هو إلا مفترٍ يقوله من تلقاء نفسه .
والمشكل الأكبر في التبديل هو مطابقة القرآن المُنزَّل على ما في اللوح المحفوظ منذ الأزل: هل الناسخ والمنسوخ كلاهما في اللوح المحفوظ؟ هل كان المبدَّل والبديل كلاهما معاً؟ فكيف ينسجم النسخ والتبديل مع حكمة الله وعصمة النبي؟
- 6 - يجعل القرآن للشيطان علاقةً غير مباشرة بهذا التبديل:
قبل آية التبديل (النحل 16: 101) يقول: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (النحل 16: 98) وهذا يعني أنّ كلام الله يطرد الشيطان. فهل للشيطان سلطان على إفساد الوحي؟
لما اصطدم النبي في دعوته الأولى بزعماء قومه وأظهروا له ولجماعته العداء، تراءى له أن يتساهل معهم في استشفاع آلهتهم اللات والعُزّى ومناة. فقرأ النبي بمكة سورة النجم، فلما بلغ: “أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُّزَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ; (53: 19 و20) ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى . فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم. فسجد، فسجدوا، فنزلت: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ; (الحج 22 : 52).
وهذا يقرّر مبدأ إلقاء الشيطان في قراءة النبي. ويقول الواحدي والنيسابوري في أسباب نزول الحج 52: جلس محمد في بيته حتى إذا أمسى أتاه جبريل، فعرض عليه النبي سورة النجم، فقال جبريل: أَوَجئتك بهاتين الكلمتين؟ فقال محمد: قلتُ على الله ما لم يقل .
يظهر من الحج 52 أنّ الشيطان يفسد الوحي، لذلك جاء هذا الأمر المكرر بالاستعاذة عند تلاوة القرآن. ويقول في المؤمنون 23: 97 و98 وقُل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرونِ . ويقول في الحج 53 : ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض وفسّرها البيضاوي بالقول والآية تدل على جواز السهو عند الأنبياء وتطرُّق الوسوسة إليهم .
ولقد اعترض معظم علماء الإسلام المعاصرين على قصة الغرانيق وقالوا بضعف الحديث عنها رغم وروده في أمهات كتب التفسير والحديث. وقد جاء حديث بالبخاري في تفسير سورة النجم يقول: عن ابن عباس قال: سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس . فهل يوضح لنا أحدٌ لماذا سجد المشركون إلا إن كان محمد قد ذكر آلهتهم وقتها بخير!
- 7 - المحو والإثبات في التنزيل:
“وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ 39 يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أَمُّ الْكِتَابِ ; (الرعد 13: 38 ، 39).
قال الجلالان: عنده أمّ الكتاب أي أصله الذي لا يتغير منه شيء، وهو ما كتبه في الأزل (الجلالان تفسير الرعد 13: 38 و39).
فإذا كان تنزيل القرآن من اللوح المحفوظ منذ الأزل ولا يتغير منه شيء، فكيف يمحو الله ما يشاء ويثبت؟ أيهما المكتوب في اللوح: الممحو أم المثبَت؟
ثانياً: ملاحظات من الحديث عن الوحي القرآني:
- 1 - جاء في صحيح مسلم عن أنس أن نصرانياً كان يكتب الوحي لمحمد، وكان هذا النصراني يقول: لا يريد محمدٌ إلا ما كتبتُ أنا . (صحيح مسلم - باب جمع القرآن- نزول الوحي).
- 2 - جاء في السيوطي عن أسباب نزول الأنعام 6: 93 أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي، فيملي عليه عزيز حكيم فيكتب غفور رحيم ثم يقرأ عليه، فيقول النبي: نعم سواء . فرجع عن الإسلام ولحق بقريش. وكان يقول: إن كان محمدٌ يوحَى إليه فقد أُوحي إليَّ، وإن كان الله يُنزِّله فقد أنزَلْتُ مثل ما أنزل الله. قال محمد: سميعاً عليماً، فقلت أنا: عليماً حكيماً .
وقال عبد الله بن سعد: كنت أصرف محمداً حيث أريد. كان يُملي عليّ عزيز حكيم فأقول عليم حكيم فيقول: نعم، كلٌّ صواب حتى قال لي آخر الأمر: أكتب ما شئت .
وجاء أيضاً عن عبد الله بن سعد هذا أنه كان يوماً يكتب لمحمد المؤمنون 23:13 : ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين، ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين إلى قوله ثم أنشأناه خلقاً آخر . فلما بلغ هذا الموضع من الكلامقال عبد الله بن سعد: تبارك الله أحسن الخالقين (المؤمنون 23: 14) فقال محمد: اكتبها فكذلك نزلت . فشكّ عبد الله وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أُوحي إليَّ كما أُوحي إليه. ولئن كان كاذباً فقد قلتُ كما قال (القرطبي في تفسير الأنعام 6: 93).
- 3 - وكان عبد الله بن مسعود من كتبة الوحي، وقد رُوي عنه أن محمداً أملى عليه آية فكتبها، ثم التمسها ثاني يوم في مصحفه فلم يجدها، وكانت الصحيفة خالية، فأخبر النبي، فقال له: إنها نُسخت من ليلتها (الإتقان للسيوطي، الناسخ والمنسوخ).
- 4 - وروى البخاري وغيره أن عمراً قال: وافقتُ ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو أخذتَ من مقام إبراهيم مصلّى. فنزلت: “وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ; (البقرة 2: 125). وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البَرّ والفاجر، فلو أمرتَهن أن يحتجبْنَ. فنزلت آية الحجاب: “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَا سْأَلوُهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ; (الأحزاب 33: 53). واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلَّقكن أن يبدّله أزواجاً خيراً منكنّ. فنزلت كذلك “عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ ; (التحريم 66: 5) (الإتقان للسيوطي ما نزل من القرآن على الصحابة).
- 5 - للسيوطي عن سبب نزول (البقرة 2: 284 و286) : روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما نزلت: وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تُخفوه يحاسبكم به الله اشتدَّ ذلك على الصحابة، فأتوا رسول الله ثم جثوا على الرُّكب وقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها... فنسخها وأنزل: لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها. لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (أسباب النزول للنيسابوري في سبب نزول البقرة 2: 284 286).
- 6 - وللسيوطي عن سبب نزول الأحزاب 33: 50 : “وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ; أن أم شريك الدوسية عرضت نفسها على النبي وكانت جميلة فقبلها. فقالت عائشة: ما مِن امرأةٍ حين تهب نفسها لرجلٍ خير . فنزلت (الأحزاب 50). فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة: إن الله يسرع لك في هواك (السيوطي أسباب نزول 33: 50).
- 7 - روى المسوّر بن محزمة أن عبد الرحمن بن عوف قال: ألم نجد في ما أُنزل علينا (جاهدوا كما جاهدتم أول مرة) فإننا لا نجدها . قال: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن . ورُوي عن ابن عمر: لا يقولنّ أحدكم أخذتُ القرآن كله، وما يدريه ما كلّه. قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر (الإتقان للسيوطي باب الناسخ والمنسوخ).
- 9 - أخطاء في القرآن
1 - سقوط آيات من القرآن وإضافة آيات إليه:
في طريقة كتابة القرآن وجمعه دليل على أنه قد سقط منه أشياء. فقد جاء في حديث عن محمد (في كتاب الشفاء للقاضي عياض) : رحم الله فلاناً، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقَطتُهن، ويُروى: أُنسيتهن . وجاء في الأعلى 87: 6 - 7 “سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ “وجاء في مقدمة الشاطبية أن الصحابة حذفوا من القرآن، ومن ذلك آية المتعة أسقطها علي، وكان يضرب من يقرأها وقد شنّعت عائشة بهذا عليه، فقالت: إنه يجلد على القرآن وينهى عنه وقد بدّله وحرّفه . ومما سقط ما يُروى عن ابن أبي كعب ولا نجده اليوم في القرآن، وهو قوله: اللهم إننا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك .
وهناك القول إن هناك آيات نُسخت حكماً وحرفاً، وأخرى نُسخ حرفها وبقي حكمها، مع قول البقرة: “مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ ; (2: 106).
ولقد زيد على القرآن، كما نقص منه. فقال ابن مسعود إن المعوذتين ليستا من القرآن (سورتا 113 و114 الفَلق والناس) ولما رآهم يثبتونهما في القرآن عند جمعه قال لهم: لا تكتبوا في القرآن ما ليس منه .
ولما قام الحجّاج بنصرة بني أمية، لم يُبق مصحفاً إلا جمَعه وأسقط منه أشياء كثيرة كانت قد نزلت فيهم، وزاد فيه أشياء ليست منه، وكتب ستة مصاحف جديدة بتأليف ما أراده ووجّه بها إلى مصر والشام ومكة والمدينة والبصرة والكوفة، وهي القرآن المتداول اليوم. وعمد إلى المصاحف المتقدمة فلم يُبق منها نسخة إلا غلى لها الخلّ وسرّحها فيه حتى تقطّعت. وأراد بذلك أن يتزلّف إلى بني أمية، فلم يُبقِ في القرآن ما يسوءهم.
وكان إذا أملى محمد آية على الكاتب يسارع إلى حفظها المتديّنون من قومه، ولكن ذلك لم يمنع أن بعض الآيات لم يحفظها أحد، أو مات الذين حفظوها. جاء في صحيح مسلم أن عائشة قالت ما معناه: مما أُنزل في القرآن عشر آيات في الرضاعة نُهي عنها ونُسخت بخمس آيات أُخر . ومما لا شك فيه أن عائشة سمعت هذه الآيات في زمانها من القرَّاء، ولا نجدها اليوم في القرآن.
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب، قال ما معناه: إن الله أرسل محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب . والرجم حدّ الزاني، وكان نص آية الرجم هكذا: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة .
ولكننا لا نجد هذه الآية في القرآن المتداول اليوم. والذي نجده أن الزنى حدّه الجلد مائة جلدة (انظر سورة النور 2 4). وروى ابن ماجة: قالت عائشة إن آية الرجم والرضاعة نزلتا.. وكان القرطاس المكتوبتان فيه تحت فراشي. ومات رسول الله حينئذ. وفيما أنا منشغلة بموته، دخلت البهيمة وأكلت القرطاس . وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال لخمسمائة من حفظة القرآن في البصرة: اعتدنا أن نتلو سورة تضاهي سورة التوبة في الطول والشدّة، وقد نسيتها ولم يبْق منها في بالي غير هذه الكلمات: توكلت إلخ .. واعتدنا أن نتلو سورة على المسبحة ونسيتها، ما عدا قوله: أيها الذين إلخ.
ومن المشهور أن أُبيّ زاد على نسخة قرآنه سورتين قصيرتين تحت اسمين اعتباريين وهما سورة الخلع وسورة الحفد، وتُسمَّى الأخيرة أيضاً سورة القنوت، لأنه يؤكد أنهما نزلتا في القرآن، وحذفهما عثمان، في حين أن ابن مسعود حذف سورة الفاتحة والمعوذتين من مصحفه (راجع الفصل الخاص بجمع القرآن في هذا الكتاب).
2 - في القرآن تناقض
يقول القرآن: “لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ; (النساء 4: 82) ولكننا نجد فيه:
- 1 - قال إن القرآن: “لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ; (النحل 16: 103) والمبين هو الذي لا يحتاج إلى تفسير، لكنه يقول في آل عمران 7 إن فيه آيات متشابهات وأنه “مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ; (3: 7).
- 2 - وقال في الأعراف إن “إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ; (7: 28) وقال في سورة الأنعام “ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ; (6: 131). ولكنه يقول في سورة الإسراء: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ; (17: 16). والأمر بالفسق هو أمرٌ بالفحشاء، وإهلاكُ أهل القرية من أجل أن مُترَفيها فقط فسقوا فيها، كما أُمروا، ظلمٌ محض.
- 3 - وقال في يونس 10: 92 مخاطباً فرعون، وقد اتّبع بني إسرائيل بغياً، حتى أدركه الغرق: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً “ويترتّب على هذا أن الله نجّى فرعون من الغرق، لكنه يقول في القصص 28: 40 “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ; ويقول ;: فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ; (الإسراء 17: 103) ويقول: “فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ; (الزخرف 43: 55). فهل نجا فرعون، أو هل غرق؟
وقال بعض المفسرين المسلمين إن فرعون غرق ولكن جسده نجا، فقد غاصت أجساد جنوده في البحر. ولكننا نعلم أن فرعون اكتفى بإرسال جيشه فقط وراء ببني إسرائيل.
- 4 - وقال في سورة غافر: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلوُا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ; (40: 23 - 25). فالظاهر من هذا الكلام أن فرعون لم يأمر بقتل أبناء اليهود إلا بعد ما جاءه موسى بالحق. ولكنه يقول: “إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَا قْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ; (طه 20: 38 ، 39). وهذا يعني أنّ فرعون أمر بقتل أبناء اليهود وموسى طفل، ولم يكن الحق قد جاءه بعد من عند ربه.
- 5 - وقال في المائدة 5: 69 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “وهذا تصريح بأنّ من عمل صالحاً من أهل الكتاب فهو ناجٍ. وقال أيضاً: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ; (البقرة 2: 256). ولكنه يقول في آل عمران 3: 85 : ومن يتّبع غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين ويقول في سورة التوبة والتحريم: “جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ; (9: 73 ، 66: 9). ويقول في البقرة نفسها: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ; (2: 193). والمراد بالفتنة هنا كل دين خالف الإسلام.
- 6 - وقال بلسان المسيح(القرآني): “وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّا ; (مريم 19: 33) وهذا إثباتٌ لموت المسيح وبعثه،ولكنه يقول في النساء: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ; (4: 157). وهذا نفيٌ لموته وبعثه.
- 7 - وقال في سورة فُصّلت: “أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ,,, وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُّنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ; (41: 9-12) وهذا يعني أن الله خلق الأرض والسموات في ثمانية أيام وأنه خلق السماء بعد الأرض لا قبلها. ولكن في سبعة مواضع من القرآن يقول إنه خلقهما في ستة أيام لا ثمانية. أما عن خلق السماء قبل الأرض فموجود في سورة النازعات: “أَأَنْتُمْ أَشَّدُ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَّوَاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ ; (79: 27-30) (آيات خلق الأرض في 6 أيام هي الأعراف 7: 52 ، يونس 10: 2 وهود 11: 9 والفرقان 25: 60 والسجدة 32: 3).
وقال مفسِّرو المسلمين إن الله خلق الأرض في يومين، وقدرّ أقواتها في يومين، وخلق السماء في يومين - فهذه ستة أيام. ولكن مشكلة خلق السماء أو الأرض أولاً لا تزال باقية بغير تفسير!
- 8 - وهناك 125 آية متفرقة في 63 سورة تأمر بالصفح والإعراض والكفّ عن غير المسلمين، ولكن آية السيف نسختها كلها وهي قوله في التوبة 9: 5 “فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ;(4 أشهر، هم رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم) ;فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ .
- 9 - وقال القرآن: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ 4 تَنَّزَلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ; (القدر 97: 3 ، 4) أي من كل أمر قُدِّر في تلك السنة. وقال أيضاً “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ; (الدخان 44: 3) وهي في الإسلام ليلة مباركة تُفصل فيها الأقضية، ويُقدّر كل أمرٍ يقع في ذلك العام من حياة أو موت أو غير ذلك. وهذا معناه أن أمور الخلق تُقدّر عاماً عاماً. لكنه يقول في سورة الحديد: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ; (57: 22) أي: إلا مكتوبة في اللوح المحفوظ مثبّتة في علم الله من قبل أن تُخلق. ثم يقول: “وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ; (الإسراء 17: 13) أي ألزمناه عمله.
- 10 - أمر بالعدّة أن تكون حولاً كاملاً في قوله: “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ ; (البقرة 2: 240) هذه الآية منسوخة بآيةٍ سبقتها هي: “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ; (2: 234).
- 11 - في الأحزاب 33: 52 أمرٌ لمحمد: “لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُ “وهذا نهيٌ لمحمد عن الزواج. غير أن هذه الآية منسوخة بالتي سبقتها وهي 33: 50 “إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ إلى قوله وامرأة مؤمنة .
- 12 - جاء في النساء 4: 47 أن الله لا يغفر خطية الشِرك ويغفر ما دون ذلك. والشِرك هو اتخاذ آلهة مع الله أو دونه. ألا أنه ورد في الأنعام 6: 76 78 أن إبراهيم اتخذ الشمس والقمر والنجوم آلهةً من دون الله، وهذا شِرك بيّن، مع أن المسلمين يعتبرونه نبياً عظيماً من أولي العزم، ويعتبرون أن جماعة الأنبياء معصومون.
- 13 - ويحرِّم القرآن النفاق في جملة مواضع منها البقرة 2: 76 والنساء 4: 138 والتوبة 9: 65 69 والمجادلة 58: 14 ويجعل مثواهم في الدرك الأسفل من النار (النساء 4: 144). ولكنه يقبل إسلام المُكرَه بقوة السيف، وهذا لا يكون إسلامه من قلبه بل من شفتيه. مع أنه متى خالف ظاهرُ الإنسان باطنَه كان منافقاً.
- 14 - يحرِّم القرآن إلى حد معلوم خطيئة الهوى، ومن ذلك قوله: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى 41 فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ; (النازعات 79: 40 و41) ولكنه أباح تعدّد الزوجات، بالإضافة إلى ما كان مملوكاً من السراري (النساء 24). وأباح منه لمحمد أكثر مما أباح لسائر المسلمين، بل أباح له ما هو محظورٌ عليهم، فمن ذلك قوله: “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً ; إلى قوله: “مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً “وقوله: “ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولاَ يَحْزَنَّ ; (الأحزاب 33: 37 و38 و50 و51). ونعلم من الحديث الصحيح أن محمداً مُنح أن يتمتع بالنساء أكثر من سائر المسلمين لرُجحانه عليهم. والجنة التي وُعد بها في دار البقاء والخلود هي تلذّذٌ غير محدود بحور العين (الرحمن 46 78 والواقعة 11 39). وقد أفرد كُتَّابهم المجلدات الضخمة لذكر أخبار النساء كالإمتاع والمؤانسة وعشرة النساء وأخبار النساء.
وقال أبو العلاء المعري إن اللواط مباحٌ في الجنة، واستند في ذلك للقول: “يَطُوفُ عَلَيْهِمَ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ,,, وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ; (الواقعة 56: 17-23). وقال: إذا كانت الخمر حرام في الدنيا حلال في الآخرة، فكذلك اللواط . ( رسالة الغفران للمعري و خواطر مسلم في المسألة الجنسية لمحمد جلال كشك).
- 15 - الخمر محرّم على المسلم هنا على الأرض، حسب القول: “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ; (المائدة 5: 90 والبقرة 216). ولكن للمؤمنين في الجنة أنهار من خمر كما تقول محمد 47: 15: “مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ; (وقارن الإنسان 5 والمطفّفين 25).
- 16 - أقوال القرآن عن المسيح تسترعي الانتباه، فبعض الآيات تتكلم عنه كمجرد إنسانٍ ونبيٍّ كسائر الأنبياء، وتنكر لاهوته، مثلما جاء في آل عمران 3: 49 والمائدة 5: 17 و113 و114 ومنها القول: “لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ; (والمسيحيون لا يقولون إن الله هو المسيح، لأن هذا يستبعد الآب و الروح القدس من الثالوث. غير أنهم يقولون إن المسيح هو الله. وعليه فهذا الاقتباس القرآني يتفق مع العقيدة المسيحية). وقيل أيضاً في الزخرف 43: 59 “إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ “ثم توجد بعض الآيات التي تعطي المسيح أعظم الألقاب التي لم تُعْطَ في القرآن لغيره البتة. منها كلمة الله النساء (4: 171). والكلمة تكشف شخصية المتكلم وتعلنها والمسيح هو الذي أعلن لنا شخصية الله، وقال: “اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ ; (يوحنا 14: 9) وهذا اللقب لا يصح أن يُطلق على مخلوقٍ. ويذكر القرآن للمسيح وحده أنه “وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; (آل عمران 3: 45) ويقول الجلالان: الوجاهة في الدنيا النبوّة، وفي الآخرة الشفاعة . وفي آل عمران 3: 36 قيل عن العذراء مريم: “إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ “وجاء في الحديث تفسيراً لهذه الآية، كما أخرجه مسلم والبخاري والغزالي وغيرهم: كل ابن آدم عند ولادته ينخسه الشيطان بإصبعيه في جنبيه، إلا عيسى ابن مريم، ذهب ليطعن فطعن في الحجاب (مشكاة المصابيح. حديث 3 و57). ويشهد القرآن لمعجزات المسيح (آل عمران 3: 49 والمائدة 5: 110) فقد خلق طيراً من الطين، مع أنّ قوة الخلق من صفات الله وحده. وهو الوحيد من بين الأنبياء أولي العزم الذي لا يذكر له القرآن خطية. ولا نجد في القرآن عن أي نبي آخر أنّ ولادته كانتبقوةالروحالقدس: “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ;(الأنبياء2:91). وأنه آيةٌ للعالمين (كما مرّ) وأنه روح من الله (النساء 4: 171). وكل الأنبياء ماتوا ما عدا المسيح، كما يقول القرآن إن الله رفعه إليه (النساء 4: 158) وهو حي في السماء. ولم يكن يلزم للمسيح أن يُشرَح صدره ويُوضَع عنه وزره، كما قيل عن محمد في الشرح 94: 1 و2. والذي أُمر فيه محمد 47: 19 “وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ “ولا تصلي أمة المسيح عليه أمته ولا تسلِّم. ولا يحتاج نبيٌّ لشفاعة أمته وصلواتها إلا محمد. والقرآن لا يعطي محمداً المقام الذي يعطيه للمسيح، فلا يسند لمحمد ولادة بمعجزة، ولا يقول بعصمته، ولا ينسب له القدرة على المعجزات. ويتفق المسلمون مع المسيحيين في الاعتقاد أن المسيح سيرجع في انتهاء العالم.
- 17 ومن أهم تعاليم القرآن أن القَدَر هو سبب سعادة أو شقاء الإنسان في الآخرة. كما جاء في الإسراء 17: 13 و14 “وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ ;(ألزمناه عمله) ;فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً “وفي إبراهيم 14: 4 فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ “وورد نفس القول في المدثر 74: 31 كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ثم معناه في البقرة 2: 5 و6 والنساء 4: 9 والأنعام 6: 125 والأعراف 7: 77 و78 إلخ. ثم نجد في الأعراف 7: 179 “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا (خلقنا) ; لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ; وفي هود 11: 119 “لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ; (ارجع إلى السجدة 32: 13) وأن ذلك كان غرض الله من الخَلْق.
وقد ورد في الأحاديث القدسية كتاب بدء الخلق، حديث خلق الإنسان: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وقد يحدث العكس مما يجعل دخول الجنة أو النار متوقِّف على ما قُدِّر مسبقاً على الإنسان.
3 - في القرآن أخطاء تاريخية: <
- 1 - يقول القرآن إن أبا إبراهيم اسمه آزر (الأنعام 6: 74) ولكن اسمه تارح.
- 2 - يقول إن أخ مريم العذراء هو هارون (مريم 19: 28) مع أنّ هارون سابق للعذراء ب 1600 سنة.
- 3 - يقول إن هامان وزير فرعون (القصص 28: 6 و8) مع أنّ هامان كان في بابل، وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة (رازي في تفسير غافر 40: 36 و37).
- 4 - يقول لموسى: “قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85) ويقصد أنّ السامري صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل، ولكن السامريين لم يجيئوا إلا بعد سبي بابل (1 ملوك 16: 24).
- 5 - يقول في البقرة 2: 249 : “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ “فقد عزا إلى طالوت (وهو شاول) ما فعله جدعون (القضاة 7: 5 - 7).
- 6 - يقول عن الإسكندر الأكبر ذي القرنين إنه بلغ قوماً لا يفقهون، وإنه بنى سداً من زُبر الحديد (الكهف 18: 83-97). وقد فسّروا معنى ذي القرنين بأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، وقيل كان له قرنان لشجاعته. وقال القرآن إن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس فوجدها تغرب في عينٍ حمِئة، أي ذات طين أسود مبتل بالماء (الكهف 18: 86). ولم يكن ذو القرنين نبياً بل كان من عُبّاد الأصنام، ادّعى أنه ابن آمون إله مصر. ولا الشمس تغرب في عين حمئة، ولا عمَّر ذو القرنين قرنين من الزمن، بل مات وعمره 33 سنة.
- 7 - يُحكى القرآن عن إسراء محمد إلى المسجد الأقصى، أي هيكل سليمان، وكيف صلّى فيه مع الأنبياء، ووصف أبوابه ونوافذه. مع أن هيكل سليمان كان قد خُرِّب قبل الإسراء ب 550 سنة (الإسراء 17: 1) وبُني بعد موت محمد بنحو مئة سنة!
- 8 - في مريم 19: 23 يقول إن المسيح وُلد تحت نخلة، مع أنه وُلد في مذود. ويقول إنه تكلم في المهد (آل عمران 46 والمائدة 110 ومريم 29). وإنه خلق من الطين طيراً وهو صبي (آل عمران 49 والمائدة 110). ولكن أول معجزة أجراها المسيح كانت في عُرس قانا الجليل وهو في الثلاثين من عمره.
4 - في القرآن أخطاء لغوية:
- 1 - البقرة 2: 177 “لَيْسَ َالْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ;(صوابه: أن تؤمنوا) ;بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى ;(صوابها: وتؤتوا) ;الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الْرِّقَابِ وَأَقَامَ ;(وصوابها: وتقيموا) ; الصَّلَاةَ وَآتَى ;(وصوابها: وتؤتوا) ; الّزَكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ ; (صوابه: والصابرون معطوف على والموفون ) ; ; فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ .
- 2 - آل عمران 3: 59 “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ; (وصوابه كن فكان).
- 3 - النساء 4: 162 “لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ;(صوابه: والمقيمون) ; وَالْمُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
- 4 - المائدة 5: 38 “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ; (والصواب: يديهما)
- 5 - المائدة 5: 69 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ;(وصوابه: والصابئين) ; وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; رغم أنها جاءت بطريقة صائبة في البقرة 62 والحج 22: 17.
- 6 - الأعراف 7: 160 “وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً ; (وصوابه: اثني عشر سبطاً).
- 7 - طه 20: 63 “إِنْ هَذَانِ ;(وصوابه: هذين) ; لَسَاحِرَانِ .
- 8 - الأنبياء 21: 3 “وَأَسَرُّوا ;(وصوابه: أسرّ) ;النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا .
- 9 - الحج 22: 19 “هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ; (صوابه: اختصما في ربهما).
- 10 - الحجرات 49: 9 “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ; (صوابه: اقتتلتا).
- 11 - المنافقون 63: 10 “رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ; (صوابه: فأصدّق وأكون).
- 12 - ومما فيه مراعاة للسجع قوله: “سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ; (وصوابها: الياس) الصافات 37: 130. وقوله “وَطُورِ سِينِينَ ; (وصوابه: طور سيناء) التين 95: 2.
وقد اعترف كثير من كُتّابهم بهذه الأخطاء، كالساجستاني في كتاب المصاحف . والعشماوي في الخلافة الإسلامية ص 148 والإبياري في الموسوعة القرآنية .
5 - أسلوب القرآن:
في القرآن كلام غير مفهوم مثل: ألم الر كهيعص وغيرها، ليس فيها هدى، بدليل أنه لم يهتدِ أحدٌ منهم إلى إدراك معناها. والله لا يخاطب عباده بما لا يقدرون على فهمه.
ويقول المسلمون إنّ القرآن معجزة في الفصاحة لفظاً ومعنى، حتى لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لعجزوا (الإسراء 17: 88). ولكن محمداً جاء بمثله، فقد قرأ يوماً سورة النجم، فلما بلغ منها القول: “أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُّزَى 20 وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ; (53: 19 ، 20) ألقى عليه الشيطان القول: تلك الغرانيق العُلى، وأن شفاعتهنّ لتُرتجى . والكلام الأخير يشابه في ألفاظه الكلام الأول (راجع الرازي في تفسير الحج 22: 52).
ولم يتوقف الأمر على إتيان محمد بما يماثل القرآن، بل إن هناك قبله من كان أسلوبه مشابهاً لأسلوب القرآن، مثل قس بن ساعدة. (راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب هل في القرآن إعجاز؟ تحت إعجاز الأسلوب والنظم).
- 10 - الكتاب المقدس هو المصدر الأصلي
- 1 - لا ينكر أحد أن الكتاب المقدس هو أقدم كتاب في الدنيا، فلا عجب إذا استرشد به العلماء والفهماء في جميع الأجيال، فلولاه لما عُرف أصل الإنسان، وسقوط آدم، وقصة الطوفان، وحياة إبرهيم خليل الله وموسى كليم الله، وتاريخ بني إسرائيل، وطريق الخلاص. فإذا وُجد في القرآن تاريخ أنبياء فهو مأخوذ من التوراة والإنجيل، وكان أهل عصر محمد يعرفون ذلك. ورد في الفرقان 25: 4 ، 5 “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً 5 وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرةً وَأَصِيلاً ; وورد في النحل 16: 103 “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ “قال بعض المفسرين: يعنون جبر الرومي غلام عامر بن الخضرمي. وقيل جبراً ويساراً كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل عائشاً غلام حويطب بن عبد العزّى قد أسلم وكان صاحب كتب، وقيل سلمان الفارسي (السيوطي والواحدي في أسباب نزول النحل 16: 103).
وقد ردّ على ذلك في سورة النحل 103 بقوله “لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌُّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ “يعني أن ما سمعه كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا قومه العرب، ولكن القرآن عربي يفهمونه.
ولكن لماذا لا يكون قد تعلم المعنى دون اللفظ، ثم صاغ المعنى بأسلوبه هو؟ لا ننكر أن وحي التوراة والإنجيل كان باللغة العبرية واليونانية، إلا أنها كانت مترجمة إلى لغاتشتى، وكانت منتشرة في عصر محمد بالعربية والسريانية واللاتينية، فكان محمد يسمع العرب المسيحيين واليهود يتلون هذه الكتب بلغاتهم.فالتوراة والإنجيل هما الأصل الذي يجب أن يُرجَعَ إليه.
- 2 - تؤيد شهادة محمد بأجلى بيان أن الكتب المقدسة هي الأصل، فورد في أكثر من 130 آية في القرآن أن التوراة والإنجيل هما النور الذي يجب الاسترشاد به، وأن القرآن أتى مصدِّقاً لهما. ورد في يونس 10: 94 ، 95 “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ “وفي الإسراء 17: 101 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُم “قال البيضاوي: فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون .
وفي الزخرف 43: 45 “وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ .
وورد في الأعلى 87: 18 ، 19 “إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى “وفي السجدة 32: 23 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ “وفي الجاثية 45: 16 “وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ “وفي الشعراء 26: 196 أوضح أن القرآن في زُبُر الأوّلين . وفي الأحقاف 46: 12 “وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ .
وجاء في المائدة 5: 43 - 48 “وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ “فيُفهَم من هذه الأقوال وأمثالها أن الكتاب المقدس هو الأصل الذي يُرجَع إليه، وأن القرآن أتى مصدِّقاً عليه، وأن ما ذكره القرآن هو مدوَّن فيه. واستشهد به في أماكن شتى، وشهد بأنه وحي الله لأنبياء كرام وأنه نور وهدى ورحمة، وأنه الحكم الفصل.
فلهذه الأسباب وجب أن يكون الكتاب المقدس الدستور والمقياس الذي يُقاس عليه غيره. فإذا قيل إنه تحرَّف، قلنا إنه كان في عصر محمد منتشراً بين أيدي ملايين من سكان مملكة روما وبلاد فارس، وكان مترجماً إلى لغات شتى. وتوجد نسخ من العهد الجديد مكتوبة قبل ظهور محمد بستة قرون، وإذا قارنا بينها وبين النسخ الموجودة الآن لا نجد فرقاً. فلو كانت محرّفة لما صادق عليها محمد، ولما قال إنه أتى مؤيداً لها، ولما قال إنها كتاب الله وإنها نور وهدى ورحمة، وإنها الفرقان، أي الذي بيَّن الحق والباطل.
جاء في تفسير ابن كثير على المائدة 43 وفي سنن أبي داود جزء 4 (حديث رقم 4449) أن اليهود استفتوا محمداً في حكمه على شيخٍ وشيخةٍ زنيا. ووضعوا له وسادة جلس عليها. فقال: ائتوني بالتوراة فأُتي بها، فنزع الوسادة من تحته، ووضع التوراة عليها، ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك . وهذا يعني وجود توراة مكتوبة، صدَّق محمد بصحّتها، وأعلن إيمانه بها.
- 3 - لم يرد ما يفيد أن القرآن نسخ الكتاب المقدس، ولكن محمداً هو الذي كان ينسخ ما يأتي إليه، فأمر أولاً أن تكون القِبلة مثل قِبلة اليهود، ثم غيّرها نحو الكعبة. ونسخ كثيراً من أقواله. ولكنه شهد بأنه أتى مصدِّقاً على التوراة والإنجيل وأنذر من يزدري بهما، وقال إن الله أمره أن يثبت إيمانه بهما إذا كان في شك أو ريب (يونس 10: 94).
- 4 - الذي يقارن بين ما ذكره محمد وبين ما ذُكر في التوراة يجد عبارات القرآن مقتضَبة موجَزة، فلم يعيّن زمان القصة ولا مكانها، ولا أسماء من فيها ولا عددهم، بخلاف التوراة التي تورد كل قصةٍ مستوفيةً بالتمام والكمال، فتُعيِّن زمانها ومكانها وأسماء أبطالها.
- 5 - بما أن جميع الأنبياء هم من اليهود، فإن بني إسرائيل هي الأمة التي فضّلها الله على العالمين بشهادة القرآن، فكانوا هم الأحقّ بمعرفة قصص أنبيائهم وتورايخ أمتهم.
لقد أورد القرآن ما يُؤكد أنه أتى مصدِّقاً لما بين يديه من الكتب المقدسة، وأمر محمداً وحضّه على إزالة شكوكه بمطالعتها، واستشهد بها، وعظّم قَدْرها واعترف بفضلها، واقتبس منها. فالقرآن في الصحف الأولى. فإذا طالع القارىء ما ورد في كل القرآن والكتب المقدسة، جزم بأن القرآن الذي ظهر بعد هذه الكتب بجملة مئات من السنين مأخوذ منها.
لذلك يجب أن نجعل الكتب المقدسة في العهدين القديم والجديد الأصل الذي يُرجَع إليه للأسباب الآتية:
(1) إنها أقدم كتاب في الدنيا.
(2) إن أصحابها حافظوا عليها.
(3) إن علماء كل جيل وعصر استناروا بأنوارها وعوَّلوا عليها.
(4) كان معاصرو محمد يعرفون أنه أخذ كتابه منها، وكان بعض أصحابه يلقّنه ما تضمَّنته.
(5) جعلها محمد الدستور الذي يُرجع إليه ويُعوَّل عليه، حتى قال له الله حسب دعواه: “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَا سْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ; (يونس 10: 94) أي: اسأل أهل الكتاب.
(6) اعترف محمد أن القرآن مصدِّقٌ عليها ومؤيّد لها.
(7) عدم استيفاء قصص القرآن وعدم ذكر الأمكنة والأزمنة والأسماء، بخلاف التوراة فإنها استوفت هذه القصص تماماً، مما يدل على أنها هي الأصل.
(8) لم يرِدْ نصٌّ صريح يدل على أن القرآن نَسَخ شيئاً منها، بل بالعكس إنه أتى مصدِّقاً عليها.
(9) لو صرفنا النظر عن ذلك، وقارنّا أقوال القرآن بأقوال الوحي الحقيقي، لظهر لنا الفرق العظيم.
ولهذا السبب جعلنا الكتاب المقدس الحَكَم بين أقوال البشر وبين غيره!
القسم الثاني
تعليقات على بعض آيات القرآن
1.تعليقات على سورة الفاتحة (1)
2.تعليقات على سورة البقرة (2)
3.تعليقات على سورة آل عمران (3)
4.تعليقات على سورة النساء (4)
5.تعليقات على سورة المائدة (5)
6.تعليقات على سورة الأنعام (6)
7.تعليقات على سورة الأعراف (7)
8.تعليقات على سورة الأنفال (8)
9.تعليقان على سورة التوبة (9)
10.تعليقات على سورة يونس (10)
11.تعليقات على سورة هود (11)
12.تعليقات على سورة يوسف (12)
13.تعليق على سورة الرعد (13)
14.تعليقات على سورة الحجر (15)
15.تعليقات على سورة النحل (16)
16.تعليقات على سورة الإسراء (17)
17.تعليقات على سورة الكهف (18)
18.تعليقات على سورة مريم (19)
19.تعليق على سورة طه (20)
20.تعليقات على سورة الأنبياء (21)
21.تعليقان على سورة الحج (22)
22.تعليقان على سورة المؤمنون (23)
23.تعليق على سورة الفرقان (25)
24.تعليقات على سورة النمل (27)
25.تعليقان على سورة القصص (28)
26.تعليقات على سورة العنكبوت (29)
27.تعليق على سورة الروم (30)
28.تعليق على سورة لقمان (31)
29.تعليقان على سورة السجدة (32)
30.تعليقات على سورة الأحزاب (33)
31.تعليق على سورة سبأ (34)
32.تعليقان على سورة فاطر (35)
33.تعليق على سورة يس (36)
34.تعليقات على سورة الصافات (37)
35.تعليقات على سورة ص (38)
36.تعليقان على سورة غافر (40)
37.تعليق على سورة فصّلت (41)
38.تعليق على سورة الجاثية (45)
39.تعليقان على سورة الأحقاف (46)
40.تعليق على سورتي محمد والواقعة (47 ، 56)
41.تعليق على سورة الرحمن (55)
42.تعليق على سورة التحريم (66)
43.تعليق على سورة نوح (71)
44.تعليق على سورة الجن (72)
45.تعليق على سورة البلد (90)
46.تعليقات على سورة الإخلاص (112)
47.تعليق على سورتي الفلق والناس (113 ، 114)
- تعليقات على سورة الفاتحة (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .
(1) يقول المسلمون إنّ القرآن هو كلام الله، نزَّله على محمد. فهل يقول الله: إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين؟ وهل يطلب الله من نفسه، ولنفسه، أن يهتدي للصراط المستقيم؟ ولمن يوجّه الله هذا الدعاء؟
ألا يعني هذا أنّ الفاتحة هي كلام محمد ودعاؤه إلى الله طالباً الهداية؟
(2) وألم يكن أكثر بلاغة أن يدعو: بك نستعين من أن يقول: وإيّاك نستعين ؟
(3) قال مفسّرو المسلمين إنّ المغضوب عليهم هم اليهود وإنّ الضالين هم النصارى. فكيف يصحّ هذا التفسير أو يتفق مع القرآن نفسه حيث يقول عن اليهودإنّعندهم التوراة فيها حكم الله وفيها هدى ونور (المائدة 5: 43 ، 44) والنصارى عندهم الإنجيل فيه هدى ونور (المائدة 5:46).
أليس منالأنسب أن يكون المغضوب عليهم والضالون هم المنافقين والكافرين؟
- تعليقات على سورة البقرة (2)
قالوا: آمنا
“وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ; (آية 14).
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفرٌ من أصحاب محمد. فقال عبد الله بن أُبيّ لأصحابه: انظروا كيف أردُّ هؤلاء السفهاء عنكم؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر وقال: مرحباً بالصديق سيد بني تميم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله له . ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحباً بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق، القوي في دين الله ثم أخذ بيد علي فقال: مرحباً بابن عم رسول الله وختنه . فقال له علي: اتقِ الله يا عبد الله، ولا تنافق، فإن المنافقين شرّ خليقة الله . فقال: مهلاً يا أبا الحسن، إني لا أقول هذا نفاقاً. والله إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم . ثم تفرّقوا. فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فأثنوا عليه خيراً. فقوله شياطينهم أي رؤساؤهم وكهنتهم (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول 2: 14).
ولا حاجة لوحيٍ في هذه العبارة، فهي تورد ما قالوه وتشرح حالهم، ويمكن لأي إنسان أن يصف حال أولئك المنافقين بمثل هذه العبارة القرآنية.
فإذا قيل إن في إسناد هذا الحديث كذاب هو السدي الصغير، وواهٍ هو أبو صالح، قلنا إن جميع كتب الحديث بما في ذلك البخاري ومسلم مطعونٌ فيها. واقرأ إن شئت طبقات المدلِّسين للسيوطي و الضعفاء والمتروكون للنَّسائي.
ما هو الرعد؟
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ; (آية 19).
قال محمد بن مسلم الطائفي: بلغني أن البرق مَلَكٌ له أربعة أوجه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد. فإذا رفرف بجناحيه فذلك البرق (تفسير الطبري لهذه الآية).
وقال ابن عباس إن الرعد مَلَكٌ من السماء معه مخاريقٌ من نار يسوق بها السحاب. وإذا ضرب السحاب أضاء، فذلك البرق (سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن في الرعد 13).
هذا هو تفسيرهم وكلام علمائهم، وهو ليس بحاجة إلى أي تعليق. فالقرآن والمفسرون، يخترعون غير ما يقوله الله، وما يرفضه العقل السليم.
سورة من مثله:
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَّزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ; (آية 23).
قال قسّ بن ساعدة أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى. ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول آجالاً؟ طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم بتطاوله. فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية (راجع ترجمة قس بن ساعدة في شعراء النصرانية قبل الإسلام، والبداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ الطبري، والكامل في التاريخ لابن الأثير).
لقد جاء القرآن بنفس نظم قس بن ساعدة، وقسُّ هذا سابقٌ للقرآن. وقد أورد ابن كثير أن محمداً كان يطلب من أبي بكر أن يُسمعه أشعار قس (البداية والنهاية ترجمة قس بن ساعدة).
وهناك العديد ممّن حاكوا القرآن بعده، أمثال المختار بن عبيد، والمعرّي، وابن المقفع وغيرهم. وممن كانوا قبل الإسلام: أمية بن أبي الصلت وورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل (راجع ترجماتهم في كتب السيرة والتاريخ الإسلامي).
بعوضة فما فوقها:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلَاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ; (آية 26).
(1) لما ضرب محمدٌ المَثَل بالذباب والعنكبوت، وذكر النحل والنمل، قال المعارضون: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة! إننا لا نعبد إلهاً يذكر هذه الأشياء . فقال محمد: إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً . فأجابهم من جنس أقوالهم، ولم يأتِ بجديد!
(2) كان ينبغي أن يقول بعوضة فما تحتها لا بعوضة فما فوقها فما تحتها هو الصحيح في مثل هذا الموقف. وقد حاول علماء المسلمين تفسير هذا، فقالوا فما فوقها أي دونها في الصِّغر!! (الطبري في تفسير البقرة 2: 26).
اعتراض الملائكة على الله:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ َوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ; (آية 30).
(1) تقول هذه العبارة إن الله استشار الملائكة قبل خَلْق آدم فاعترضوا عليه، وهو غير معقول! فإن الله غنيٌّ عن ذلك. ; يَا لَعُمْقِ غِنَى اللّهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الِاسْتِقْصَاءِ! لِأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ . لِأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الْأَبَدِ ; (رومية 11: 33-36) فالله غني عن الاستشارة، لأنه عالم بكل شيء.
(2) يعلّمنا كتاب الله أن الملائكة هم خدامه المعصومون عن الخطأ والزلل. أما عبارة القرآن فتفيد أن الملائكة اقترفوا أربع معاصٍ: (أ) أنهم اقترفوا الغَيْبة في حق من يجعله الله خليفةً بأن ذكروا عيوبه. (ب) في كلامهم العُجب وذكر محاسن النفس. (ج) قالوا ما قالوه من نسبة الإفساد والسفك رجماً بالظن، وإلا شاركوا الله في علم الغيب.
(4) فيه إنكار على الله فيما يفعله وهو من أعظم المعاصي (الرازي في تفسير البقرة 2: 30).
ولما رأى علماء المسلمين هذا الخطأ في القرآن قسّموا الملائكة إلى قسمين، قسم في السماء وقسم في الأرض، وقالوا إن الذي في الأرض هم الجن وهم أفسدوا. فإذا سلّمنا بصدق قولهم، فلا يصح أن الله يستشيرهم.
ولما رأوا أنه لا يجوز أن يتصف الملائكة بعلم الغيب، قالوا إن الله أخبرهم بما سيكون من بني آدم من سفك الدماء، أو إنهم لما رأوا أن آدم خُلق من أخلاط مركّبة علموا أنه يكون فيه الحقد والغضب، ومنهما يتولد الفساد وسفك الدماء. مع أن التوراة تخبرنا أن الله خلق آدم في البر والطهارة والقداسة منزَّهاً عن الحقد وباقي الرذائل.
سجود الملائكة لآدم:
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّاشّمَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ; (آيات 31 - 34).
وورد في الأعراف 7: 11 - 13 “ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّاَ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا .
وورد أيضاً في الحِجْر 15: 28 - 33 “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ; وكذلك ورد في الإسراء 17: 61 أن الملائكة سجدوا لآدم إلا إبليس.
(1) فنسب لله تعجيز الملائكة بطريق الاحتيال. ففي مبدأ الأمر علّم آدم الأسماء، ثم عرضهم على الملائكة فعجزوا عن التسمية، واعترفوا بالعجز.
(2) أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم، وحاشا لله أن يأمر بالسجود لغير ذاته. قال في التوراة: لا تسجد لإلهٍ آخر، لأن الرب اسمه غيور. إله غيور هو (خروج 34: 14).
(3) ولما استقبح علماء الإسلام ذلك قالوا إن سجود الملائكة كان لله، وآدم كان كالقِبلة لهم. ولكن هذا يشبه سلوك بني إسرائيل، لما عبدوا العجل وقالوا: إننا نعبد الله الذي يشير العجل إليه!
واعتذروا عن ذلك أيضاً بقولهم إن هذا سجود تكرمة وتفضيل، أو إنه امتحان للملائكة ليُظهر تواضعهم. ولكن حاشا لله أن يجعل له شريكاً في مُلكه لابتلاء الملائكة.
وأقام بعض علماء المسلمين أدلة عقلية ونقلية على أفضلية الملائكة على الأنبياء، ولكننا نقول: إن الملائكة أفضل من البشر، بالنظر إلى تمتعهم بمشاهدة أنوار القداسة الإلهية، ولأنهم في السماء محل الطهارة والقداسة. ولكن الذي خلُص بالفداء بالمسيح هو أفضل، لأن الله يدعوه ابناً له. وعلى كل حال فإذا كان البشر أفضل من الملائكة، أو أقل منهم درجة، فلا يجوز السجود لغير الله، ولا يصح أن يسجد الملائكة لآدم لأنهم أقل منه درجة، كما لا يجوز لآدم ولا لأحدٍ من ذريته أن يسجد للملائكة حتى لو كانوا أفضل منه.
فتلقَّى آدمُ من ربه كلماتٍ:
“فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ; (آية 37)
تُرى ما هي تلك الكلمات التي تلقّاها آدم من ربِّه بعد أن أزلَّه الشيطان فأخرجه مما كان فيه؟ حسناً نصح القرآن اصحابه: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالّزُبُرِ ; (النحل 16: 43 ، 44) فإن هذه الكلمات لم ترِد في القرآن، بل جاءت في زبُر (كتب) الأوَّلين، فقد جاء في التكوين 3: 15 أنه بعد سقوط آدم وحواء وعَدَهما الله بمجيء المسيح المخلِّص ودعاه نسل المرأة الذي يسحق رأس الحيَّة. هو المسيح ابن مريم الذي لم يسحق شخصٌ سواه رأسَ الحية (إبليس) فهو الوحيد الذي لم يخطئ أبداً. وفي المسيح نجد رحمة الله على العالمين، لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21).
(انظر تعليقنا على الأعراف 7: 26)
بنو إسرائيل والصاعقة:
“وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَحَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ; (آيات 55 - 57).
قال مفسرو المسلمين إن السبعين الذين اختارهم موسى للميقات هم الذين طلبوه. وقيل: عشرة آلاف من قوم موسى هم الذين طلبوا ذلك. وقيل: جاءت نار من السماء أحرقتهم، وقيل: صيحة، وقيل: جنود سمعوا بحسيسها فخرّوا صعقين ميتين يوماً وليلة، ثم بعثهم المولى وسخّر لهم السحاب يظلّلهم من الشمس حين كانوا في التيه. وكذلك ورد في النساء 4: 153 “أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ .
ومن طالع التوراة ظهر له أنه لم يطلب أحد من بني إسرائيل أن يرى الله جهرة، بل بالعكس طلبوا من موسى أن يكلّم هو الله، وأن يأذن لهم بأن يقفوا على بُعد لئلا يموتوا (خروج 20: 18 21) وقد استحسن الله طلبهم (تثنية 5: 23 32). ولكن القرآن قال إنهم علّقوا إيمانهم على هذه الرؤيا.
أما السبعون شخصاً المُشار إليهم في تفاسيرهم، فلم يطلب أحدٌ منهم أن يرى الله جهرة، بل إن الله هو الذي طلب من موسى أن يصعد إليه مع هارون وناداب وأبيهو وسبعين من شيوخ إسرائيل ليسجدوا من بعيد، ويقترب موسى وحده إلى الرب، فامتثلوا للأمر (خروج 24: 1 - 18).
فهنا أربعة أخطاء: (1) لم يطلب أحدٌ من بني إسرائيل أن يرى الله جهرة. (2) لم يمت أحد منهم بالصاعقة. (3) لم يبعث الله أحداً من الموت. (4) قالوا كان يظللهم بسحاب في التيه من الشمس، والتوراة تعلّمنا أن الله كان يهديهم في رحلاتهم بعمود سحابٍ في النهار وعمود نارٍ في الليل (خروج 40: 35 - 38 ومزمور 78: 14).
موسى والصخرة:
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ; (آية 60).
وورد في الأعراف 7: 160 “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَا نْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً .
قال المفسرون إنه كان حجراً طورياً مكعباً حمله معه، وكانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين، تسيل كل عين في جدول إلى سبط، وكانوا 600 ألف، وسعة المعسكر 12 ميلاً. أو كان حجراً أهبطه آدم من الجنة ووقع إلى شُعيب، فأعطاه لموسى مع العصا، أو كان الحجر الذي فرّ بثوبه لما وضعه عليه ليغتسل وبرّأه الله به عما رموه به من الادرة، فأشار إليه جبريل بحمله. وقيل كان الحجر من رخام، وكان ذراعاً في ذراع، والعصا عشرة أذرع في طول موسى من آس الجنة، وله شُعبتان تتقدان في الظلمة (الجلالين وابن كثير على البقرة 2: 60).
ففي عبارة القرآن خطئان: (1) قوله إن موسى ضرب الحجر، والصواب أن الصخرة انفجرت ماءً. ولكن كان يوجد في إيليم 12 عيناً طبيعية. وتقول التوراة في خروج 15: 27 ثم جاء بنو إسرائيل إلى إيليم، وهناك 12 عين ماء و70 نخلة. فنزلوا هناك عند الماء. ثم ارتحلوا من إيليم إلى برية سين، وهي بين إيليم وسينا، ومنها سافروا إلى رفيديم. وهناك ضرب موسى الصخرة في حوريب . فخلط محمد بين ال 12 عيناً الموجودة في إيليم وبين الصخرة التي في حوريب.
وما أكبر الفرق بين عبارة التوراة التي ذكرت الأمكنة التي سافروا إليها بالتفصيل، وما ذكره علماء المسلمين عن هذا الحجر المذكور في القرآن!
الصابئون:
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَِّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; (آية 62).
(1) قال سليمان: سألتُ محمداً عن أهل دينٍ كنت معهم، فذكرتُ من صلاتهم وعبادتهم. فقال محمد هذه العبارة المذكورة. ورُوي أنه لما قصّ سليمان على محمد قصة أصحابه، قال: هم في النار. فأظلمت عليه الأرض. ثم أورد بعد ذلك قوله إن الذين آمنوا.. إلى قوله ولا هم يحزنون . قال: فكأنما كُشف عني جبل (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 62).
فكان محمد يراعي ظروف الأحوال، ويجتهد في إرضاء الناس ومراعاة خواطرهم، فلا يصحّ أن يكون الوحي بهذه الصفة، بل أن هذا القول جدير بأن يلحق بالسياسة لا بالدين. أما أنبياء الله الصادقون فهم الذين يعلنون الحق ولا يتراجعون عنه مهما كانت الأسباب البشرية، لأن روح الله يتكلم فيهم.
(2) وردت هذه الآية مرة أخرى صحيحة لغوياً في الحج 22: 17 ووردت مرة ثالثة خاطئة لغوياً في المائدة 5: 69 حيث تقول: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ; (وصحتها: والصابئين) .
مسخ بعض اليهود قردة وخنازير:
“وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ; (آية 65).
وورد في المائدة 5: 60 “وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ; وورد في الأعراف 7: 163 “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ “وفي عدد 166 “فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ .
قال المفسرون إن بني إسرائيل كانوا بقرية بأرض أيلة، وحرّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت. فكان إذ دخل يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك، حتى لا يُرى الماء من كثرتها. فإذا مضى السبت تفرّقت الحيتان ولزمت قعر البحر فذلك معنى قوله إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم . فوسوس لهم الشيطان: أن اصطادوا يوم السبت، فاصطادوا وملّحوا وأكلوا وباعوا واشتروا، فمسخهم الله وجعلهم قردةً وخنازير (القرطبي في تفسير البقرة 65).
وحاشا لله أن يجرّب عباده على اقتراف المنكر، ويجعل الحيتان تأتي يوم السبت ولا تظهر في باقي الأيام. قال الإنجيل: إن الله لا يجرّب أحداً بالشرور، ولكن كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. (يعقوب 1: 13 ، 14) ومما يدل على ذلك أن الله لما أمطر على بني إسرائيل المن، أمرهم أن يلتقطوا يوم الجمعة ما يكفيهم ليوم السبت، لأنه حجب نزول المن يوم السبت (خروج 16).
قصة البقرة:
“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَِّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَاشّفَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاِقعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَِّينْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَا دَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ; (آيات 67 - 73).
(1) خاض مفسرو المسلمين في شرح هذه القصة، فقالوا إنه كان في بني إسرائيل شيخٌ موسِر، فقتل بنو أخيه ابنه طمعاً في ميراثه، وطرحوه على باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرةً. ورُويَ أن شيخاً صالحاً من بني إسرائيل كان له عِجْلة، فأتى بها الغيضة وقال لهم: إني أستودعكها لابني حتى يكبر، فشبَّت وكانت وحيدة بتلك الصفات، فساموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير (الكشاف في تفسير البقرة 2: 67).
(2) ومن تتبّع تاريخ بني إسرائيل بالتدقيق لا يجد أثراً لمثل هذه القصة، ولكن يظهر أنه أخذ طرفاً منها من الكتاب المقدس، فورد في تثنية 21: 1 - 9 “إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَمْتَلِكَهَا وَاقِعاً فِي الْحَقْلِ، لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ، يَخْرُجُ شُيُوخُكَ وَقُضَاتُكَ وَيَقِيسُونَ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَ الْقَتِيلِ. فَا لْمَدِينَةُ الْقُرْبَى مِنَ الْقَتِيلِ، يَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ عِجْلَةً مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يُحْرَثْ عَلَيْهَا، لَمْ تَجُرَّ بِالنِّيرِ. وَيَنْحَدِرُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بِالْعِجْلَةِ إِلَى وَادٍ دَائِمِ السَّيَلَانِ لَمْ يُحْرَثْ فِيهِ وَلَمْ يُزْرَعْ، وَيَكْسِرُونَ عُنُقَ الْعِجْلَةِ فِي الْوَادِي. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْكَهَنَةُ بَنُو لَاوِي - لِأَنَّهُ إِيَّاهُمُ اخْتَارَ الرَّبُّ إِل هُكَ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِ الرَّبِّ، وَحَسَبَ قَوْلِهِمْ تَكُونُ كُلُّ خُصُومَةٍ وَكُلُّ ضَرْبَةٍ - وَيَغْسِلُ جَمِيعُ شُيُوخِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الْقَرِيبِينَ مِنَ الْقَتِيلِ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعِجْلَةِ الْمَكْسُورَةِ الْعُنُقُِ فِي الْوَادِي، وَيَقُولُونَ: أَيْدِينَا لَمْ تَسْفِكْ ه ذَا الدَّمَ، وَأَعْيُنُنَا لَمْ تُبْصِرْ. اِغْفِرْ لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فَدَيْتَ يَا رَبُّ، وَلَا تَجْعَلْ دَمَ بَرِيءٍ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. فَيُغْفَرُ لَهُمُ الدَّمُ. فَتَنْزِعُ الدَّمَ الْبَرِيءَ مِنْ وَسَطِكَ إِذَا عَمِلْتَ الصَّالِحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ .
فإذا تأملنا في العبارتين لا نجد مناسبةً بينهما، فعبارة التوراة هي قانون، غايته إظهار بشاعة القتل ومعرفة القاتل بواسطة قضاة أقرب مدينة، وإنذار لمن يكتم الحقيقة. وقصة القرآن غير واضحة، فلا عجب إذاقال بنو إسرائيل لموسى لما طلب منهم البقرة: أتتَّخذنا هُزُواً؟ .
اليهود:
“وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّاوَإِذَا خَلَابَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ; (آية 76).
قال ابن زيد: كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا: أما تعلمون في التوراة كذا وكذا؟ قالوا بلى، قال: وهم يهود، فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم مالكم تخبرونهم بالذي أنزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم، أفلا تعقلون؟ وقد جاء في الحديث أن محمداً قال: لا يَدْخُلَنَّ عَلَيْنا قَصبَة المَدِينَةِ إلاَّ مُؤْمِنٌ فقال رؤساء اليهود، اذهبوا فقولوا آمنا، واكفروا إذا رجعتم، قال: فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر “وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ; (آل عمران 3: 72).
فالعبارة القرآنية حكاية عن حادثة وقعت لمحمد وليس فيها شيء من الوحي، وهي تدل على أن المسلمين كانوا يتعلّمون من أهل الكتاب كثيراً (الطبري في تفسير البقرة 2: 76).
تمنِّي الموت:
“قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ; (آية 94)
رُويَ أن اليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا. وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. فكذَّبهم محمد بهذه العبارة. وهذا التكذيب مجرد من الأدلة العقلية المنطقية. وبيان ذلك أن أبناء الله لا يتمنُّون الموت، بل يسلّمون الأمر لله، إن شاء أبقاهم لتمجيد اسمه وإذاعة حمده وشكره، وإن شاء نقلهم إلى دار النعيم. من الغرائب أن ابن عباس روى عن محمد أنه قال: لو تمنّوا الموت لغصَّ كل إنسان بريقه، وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات. وهو كلام غير معقول.
جبريل:
“قُلْ مَنْ كَانَ عَدُّواً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَّزَلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ; (آية 97).
كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة، وكان ممرّه إليها على مِدْراس اليهود، فكان يجلس إليهم ويسمع كلامهم. فقالوا يوماً: ما في أصحاب محمد أحبُّ إلينا منك، وإنّا لنطمع فيك. فقال عمر: والله ما آتيكم لحبِّكم، ولا أسألكم لأني شاكّ في ديني. وإنما أدخل إليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد. فقالوا: من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل. قالوا: ذلك عدوّنا. فقال عمر: من كان عدوّاً لله وملائكته ورسُله وجبريل وميكال فإن الله عدوّه . فلما سمع محمد بذلك قال: هكذا نزلت، وقال له: لقد وافقك ربك يا عمر (الطبري في تفسير البقرة 2: 97).
(1) كان من الأفضل أن يقول محمد إن عمر وافق ربّه، لا العكس.
(2) من هذه الحادثة نرى أن محمداً وأصحابه كانوا يلتقطون قصص الأنبياء وغيرها من أهل الكتاب، فقد كان عمر يقف عند حلقات اليهود يلتقط المعارف الدينية منهم.
(3) قال ابن عباس: أقبل اليهود على محمد، فقالوا: ياأبا القاسم، إنّا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنك نبي. فسألوه عما حرَّم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبي، وعن الرعد وصوته، وكيف تُذكّر المرأة وتُؤنَّث، وعمَّن يأتيه بخبر السماء، إلى أن قالوا: فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل. قالوا: ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا. لو قلت ميكال الذي ينزل بالرحمة والنبات والقَطر لكان خيراً. فقال: من كان عدوّاً، إلى آخره (سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن باب سورة الرعد آية 13).
وقد كان غرض اليهود من ذلك إرباكه والتهكم عليه، بأن يقول مرة إن الذي يأتيه بالوحي جبريل، ثم يغيّر قوله بأن يقول ميكائيل، وهكذا يدور بين نقضٍ وإثبات كما فعل في القِبلة.
السحر وسليمان:
“وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُِونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ; (آية 102).
قال مفسِّرو المسلمين إن الشياطين كتبوا السحر على لسان آصف (هذا ما علم آصفُ بن برخيا سليمانَ الملك) وكتبوه ودفنوه تحت كرسيه، وذلك حين نزع الله منه المُلك ولم يشعر بذلك. وقيل إن بني إسرائيل اشتغلوا بتعليم السِحر في زمانه فمنعهم سليمان من ذلك، وأخذ كتبهم ودفنها تحت سريره. فلما مات استخرجها الشياطين وقالوا للناس: إنما مَلَكَكُم سليمانُ بهذا، فتعلَّموه. وأنكر اليهود نبوّة سليمان، وقالوا إنما حصل له هذا المُلك وسُخِّرت الجنُّ والإنس له بسبب السِحر، فردّ عليهم القرآن بقوله: وما كفر سليمان .
وقال ابن عباس: إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس، عيّروهم وقالوا: هؤلاء الذين جعلتهم في الأرض واخترتهم وهم يعصونك، فقال الله: أو أنزلكم في الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتكم مثل ما ركبوا. قالوا: سبحانك، ما كان لنا أن نعصيك. قال الله: اختاروا مَلَكين من خياركم أُهبطهما إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة. فركّب الله فيهما الشهوة، واهبطهما إلى الأرض، وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق، ونهاهما عن الشِرك، والقتل بغير الحق، والزِنا، وشرب الخمر. فكانا يقضيان في النهار ويصعدان في الليل. فأتت إليهما امرأة من أجمل أهل فارس، فافتتنا بها، فحكما لها، بل عبدا الصنم حباً فيها. ولما رغبا الصعود إلى السماء لم تطاوعهما أجنحتهما، فتوجَّها إلى إدريس النبي وسألاه أن يشفع لهما، فخيّرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، وهما لغاية الآن معلّقان ببابل من شعورهما إلى قيام الساعة (القرطبي في تفسير البقرة 2: 102).
(1) الخطأ الأول في عبارة القرآن: أنه لم يكن في عهد النبي سليمان شياطين يعلّمون الناس السِحر، وأقبح من ذلك قوله إن الله أنزل على الملَكين السِّحر، يعني الغش. ولما رأى علماء المسلمين قُبْح هذا قال الطبري: إنه سبحانه علّم الملَكين السِحر ليجعلهما فتنة لعباده من بني آدم، ولكنهما كانا يخبران من جاء يتعلّم ذلك بأنهما فِتنة . وحاشا لله أن يضع عثرة للبشر بأن يقيم فيهم من يعلّمهم الضلال وهو القائل: “لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ ; (خروج 22: 18). وأمر في اللاويين 19: 27 برجم كل ساحر. ونهى عن السِحر بقوله: “لَا يُوجَدْ فِيكَ لَا سَاحِرٌ,,, وَلَا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانّاً أَوْ تَابِعَةً، وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى ; (تثنية 18: 10 و11).
ولا نتصوّر أنّ الله الذي أمر بإبادة الساحر، وملاشاة كل عمل غش وكذب يُنزل على الملَكين الأكاذيب والضلالات للتفريق بين المرء وزوجه، والإنجيل يعلّمنا أنه لما اهتدى الوثنيون إلى المسيحية واقتنعوا بصدقها، أحرقوا كتب سحرهم، وحسبوا أثمانها فوجدوها 50 ألفاً من الفضة (أعمال 19: 19) لأن صناعة السحر هي صناعة غشٍّ وتدليس.
(2) الملائكة معصومون من الخطية لأنهم خدَّام الله القائمون بطاعته. والقرآن هنا يفيد أنهم غير معصومين، مع أنه ورد فيه أيضاً ما يفيد عصمتهم “مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ; (التحريم 66: 6) وفي الأنبياء 21: 20 “يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ; وفي النحل 16: 50 “يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
غير أن مسألة هاروت وماروت شَوَّشَت عقول المسلمين فتارة قالوا بعصمة الملائكة، وأخرى نفوها عنهم. وهذه القصة مأخوذة من الخرافات الوثنية القديمة.
(3) لم يرد في التوراة أن اليهود نسبوا إلى سليمان الكفر وإنهم لم يؤمنوا به، بل كانوا متعلّقين به وكانت له منزلة رفيعة عندهم. والتوراة تشهد أن الله أعطى سليمان حكمة وفهماً كثيراً، وأن حكمته فاقت حكمة الجميع، وأنه تكلّم بثلاثة آلاف مَثَل، وكانت نشائده ألفاً وخمساً، وكان الملوك يأتون ليسمعوا حكمته (1 ملوك 4: 30 34) وزادت الثروة في مدته زيادة فائقة حتى كانت الفضة كالحجارة في الكثرة.
(4) من الأخطاء قوله إن الملَكين ظهرا ببابل، وسليمان كان في أورشليم. فكأنه ظن أن بابل هي أورشليم.
لا تقولوا: راعنا :
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا، وقولوا انظُرْنا، واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (آية 104).
كان المسلمون يقولون لمحمد: راعنا يا رسول الله (من المراعاة) أي ارعنا سمعك وانتبه لكلامنا. وكانت هذه اللفظة سبّاً قبيحاً بلغة اليهود، ومعناها عندهم اسمع لا سمعت! . وقيل من الرعونة إذا أرادوا أن يحمِّقوا إنساناً قالوا: راعنا، يعني أحمق. فلما سمعت اليهود هذه الكلمة من المسلمين، قالوا فيما بينهم: كنا نسبّ محمد سراً فأعلنوا به الآن . فكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم. فسمعها سعد بن معاذ، ففطن لها، وكان يعرف لغتهم. فقال لليهود: لئن سمعنا من أحدٍ منكم يقولها لمحمد لأضربنّ عنقه . فقالوا: أَوَلستم تقولونها؟ فكان ذلك موجباً لمحمد أن يقول: لا تقولوا راعنا، حتى لا يجد اليهود بذلك سبيلاً إلى شَتْمه (المنار في تفسير البقرة 2: 104).
فهذا لا يستلزم وحياً ولا إلهاماً، فإنه تنبيهٌ لأصحابه أن لا يخاطبوه بعبارة تحتمل سبّه. ومع ذلك قالوا إن سعد بن معاذ كان أول من عرف مكيدة اليهود وسبّهم. فلو كان محمد من الذين يوحي الله إليهم حقيقةً، لعرف من نفسه مكائد اليهود بدون سعد!
النسخ:
“مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ; (آية 106).
قالت العرب: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً. ما يقول إلا من تلقاء نفسه . وكان ذلك سبب ضياع ثقتهم به. وجاء في النحل 16: 101 “وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُأَعْلَمُ بِمَا يُنَّزِلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ “والحق أن كلام الله ثابت لا يتغيّر. قال المسيح: “إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ ; (متى 5: 18) فالعرب قالوا إن محمداً افترى على الله بقوله إنه ينسخ كلامه ويبدّل آياته.
وعن ابن عباس قال: كان ربما ينزل على محمد الوحي بالليل ونسيه بالنهار فأورد قوله ما ننسخ إلى آخره (الطبري في تفسير هذه الآية، وأسباب النزول للسيوطي في سبب نزولها). وعلى كل حال فلا يليق بالله أن يأمر بشيءٍ ثم ينهاهم عنه، فكلامه كذاته وصفاته لا يتغيّر. أما البشر فكلامهم يتغيّر لأن صفاتهم الضعف والجهل والعجز، ولذا أنكرت طائفةٌ من المسلمين إمكان وقوع النسخ في القرآن.
ومن الغرائب أن محمداً كان ينسى بالنهار ما يُوحَى إليه بالليل، فإن الله يعلّم الرسل والأنبياء الحكمة والفهم، ويحفظهم من الخطأ والنسيان. وبما أن محمداً كان ينسى فهو ليس منهم. وقوله إن الله على كل شيء قدير، بعد قوله إن الله ينسخ آياته ليس في محله، فكأنه قال إن الله قادر أن يغيّر ذاته وصفاته، مع أن قدرة الله لا تتعلَّق إلا بالممكنات لا بالواجبات، كما هو مقرَّر في علم الكلام.
وقد أجمع المسلمون على عدم امتناع النسيان من الأنبياء، ومع ذلك قال محمد: نما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث 1016). كما أنه نسي أيضاً في أمور مختصة بالمعاملات والعبادات، حتى قيل له في التوبة 9: 43 “عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ “قال المفسرون: اثنتان فعلهما محمد لم يُؤمر بشيء فيهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من أسارى بدر. وورد في الأنفال 8: 67 “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا “وورد في التحريم 66: 1 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ “وورد في الأحزاب 33: 37 “تَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ “وكذا نسيانه في الصلاة، فقام من ركعتين وسلم، حتى سألوه: أقصرتَ الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ .
معجزات محمد:
“أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ; (آية 108).
قال اليهود لمحمد: ائتنا بكتابٍ من السماء جملةً كما أتى موسى بالتوراة، أو فجِّرْ لنا أنهاراً، نتبعك ونصدّقك كما فعل موسى، فإنه ضرب الصخرة فانفجرت المياه . فقال لهم: أم تريدون أن تسألوا رسولكم؟ . وسألوه هذا السؤال مراراً وعجز عن إجابتهم (الطبري في تفسير البقرة 2: 108).
فكان يجب أن يأتيهم بمعجزةٍ واحدةٍ كما فعل موسى وغيره من الأنبياء الصادقين، ولكنه لم يفعل ذلك وأظهر عجزه بقوله: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سُئل موسى من قبل؟ . ولم يشكّ أحد من بني إسرائيل في موسى كما شكّ العرب في محمد، لأن محمداً لم يأتهم بمعجزة ولا ببرهان على صحّة دعواه، ولكنه اعتذر وشبّه نفسه بموسى. وشتَّان بينهما! فموسى فعل المعجزات الباهرة، فضرب المصريين عشر ضربات، وشقَّ البحر الأحمر وأغرق المصريين، وفجّر الصخرة ماءً، وكلّم الله تكليماً.
محاولة اليهود ردّ المسلمين:
“وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ ; (آية 109).
قال فنحاحي اليهودي لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، بعد وقعة اُحد: لو كنتم على الحق ما هربتم، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلاً منكم . فلم يرضيا، وتوجّها إلى محمد وأخبراه بذلك، فقال: أصبتما الخير وأفلحتما ثم قال ودّ كثير ..
فهذا ليس بوحيٍ، لأنه حكايةٌ عن أمر حصل لاثنين من أصحابه، وهما أخبراه بما حصل. ولا نستغرب قوله فاعفوا واصفحوا فقد أجمع المفسرون على أن هذه العبارة نُسخت بآية السيف (التوبة 9: 5) (الرازي في تفسير 2: 109).
النصارى واليهود:
“وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفوُنَ ; (آية 113).
لما قَدِم وفْدُ نجران على محمد أتاهم أحبار اليهود وتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيءٍ من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل. وقالت النصارى لليهود: ما أنتم على شيءٍ من الدين وكفروا بموسى والتوراة (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 113).
ولم نسمع أن النصارى كفروا بموسى، ولا أن أقوال الطوائف في حق بعضهم تُعدُّ وحياً. ومن المعلوم أن كل طائفة تقول وقت انفعالاتها ومناظراتها في الأخرى ما لا يجوز النطق به وقت التروّي. وما أحسن ما قاله الخازن: إن الإنجيل الذي تدين بصحته النصارى يحقِّق ما في التوراة من نبوة موسى وما فرض الله فيها على بني إسرائيل من الفرائض، وإن التوراة التي تدين بصحتها اليهود تحقق نبوة عيسى وما جاء به من عند ربه من الأحكام .
وغاية محمد من إيراد هذا الخبر أن يوضّح أن العرب قالوا عنه إنه ليس على شيء، كما قالت اليهود للمسيحيين إنهم ليسوا على شيء، وكما قال المسيحيون لليهود إنهم ليسوا على شيء. ثم قال إن الله يحكم بينهم يوم القيامة، وكان الأولى به أن يحكم بينهم ويوضّح الحق كما فعل المفسرون.
المسيحيون أعانوا بختنصَّر!
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ; (آية 114).
قال الطبري وابن كثير والقرطبي في تفسير هذه الآية إنها نزلت في المسيحيين لأنهم أعانوا بختنصر (يُقصد نبوخذ نصر) البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس لبغضهم لليهود. وطبعاً هذا خطأ تاريخي فاضح، لأن نبوخذ نصر هذا كان قبل المسيح بأكثر من 500 سنة.
تغيير القِبلة:
“وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ; (آية 115).
قال ابن عباس: لما هاجر محمد إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود. فاستقبلها بضعة عشر شهراً، وكان يحب قِبلة إبراهيم، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل: فولوا وجوهكم شطره. فارتاب في ذلك اليهود وقالوا: ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال: قل لله المشرق والمغرب. فأينما تُولّوا فثمَّ وجه الله. وورد في الحديث أنه لما تحوَّلت القِبلة إلى الكعبة ارتدَّ قومٌ إلى اليهودية وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه وترك قِبلة اليهود التي هي على حق، وقال حُيَيّ بن أخطب وأصحابه من اليهود للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس. إن كانت على هدى، فقد تحولتم عنه. وإن كانت على ضلالة، فقد دنتم الله بها، ومن مات عليها فقد مات على ضلاله . وكان قد مات قبل أن تُحوّل القِبلة إلى الكعبة أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانا من النقباء، ورجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى محمد فطيَّب خاطرهم. وقد ذكر القرآن هذه الحادثة في البقرة 142: “سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ “فطعن في الذين اعترضوا عليه، وقال إنهم سفهاء مع أنهم أوفر الناس عقلاً وفهماً. وقال في عدد 143 “وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ “فترى من هنا أن كثيرين تخلّفوا عن محمد لتقلُُّبه في العبادة التي هي أهم أركان الدين. ثم ورد في عدد 144 “فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; ثم قال: “فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ; عدد 150 (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 115).
لما رأى محمد أهل الكتاب يُصلّون صوب بيت المقدس، وكان يعتقد أن ديانتهم صحيحة، وكانت قِبلة العرب هي الكعبة، لم يحب أن يتبع العرب في قِبلتهم ويسير مسراهم، لأن العرب مشركون. فآثر أن يتبع قِبلة اليهود لأنهم أهل كتاب مُنزَل. ولكن لما رأى معارضة اليهود له، ورأى أن الاستمرار على قِبلتهم لا يخدم دعواه، اتَّبع الكعبة وهي قِبلة المشركين، وفضّلها على قِبلة أهل الكتاب، لأن معارضة المشركين ليست في قوة معارضة أهل الكتاب له، لأن أدلّتهم واهنة، فضلاً عن جهلهم. وعلى هذا ورد في عدد 144 “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
قال المفسرون إن محمداً وأصحابه كانوا يصلّون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحبّ أن يستقبل بيت المقدس، يسترضي بذلك اليهود. فصلّى إلى بيت المقدس بعد الهجرة 16 أو 17 شهراً. وكان يحب أن يتوجَّه إلى الكعبة لأن اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قِبلتنا . فقال محمد إنه قال لجبريل: وددت لو حوّلني الله إلى الكعبة . فقال جبريل: إنّما أنا عبدٌ مثلك وأنت كريمٌ على ربك، فسَلْ أنت ربَّك . فجعل ينظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القِبلة، فأنزل قد نرى تقلّب وجهك في السماء يعني تردُّد وجهك وصرْف نظرك إلى جهة السماء. ولما تحوَّلت القِبلة إلى الكعبة قالت اليهود: يا محمد، ما هو إلا شيء ابتدعتَه من تلقاء نفسك، فتارةً تصلي إلى بيت المقدس، وتارة إلى الكعبة. ولو ثبتَّ على قِبلتنا لكُنّا نرجو أن تكون صاحبنا .
واليهود معذورون في معارضته لأنهم رأوه في مبدأ الأمر يصلي جهة الكعبة، ثم اتّبع قِبلتهم، وبعد ذلك عاد إلى قِبلة المشركين. وكانت غايته من هذه التقلبات أن يتبعه اليهود. ولما خاب ظنه تركهم، وكذلك فعل مع المشركين، فمدح اللات والعُزَّى فقال عنهماتلك الغرانيق العلي وإنّ شفاعتهنَّ لتُرتجَى ولما رأى أن ذلك لا يساعده سحب كلامه. فلا عجب إذا لم يتبع اليهود قِبلته،فقال في البقرة 145 “وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ .
معجزات محمد:
“وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ; (آية 118).
قال رافع بن خزيمة لمحمد: إن كنت رسولاً من الله كما تقول، فقل لله فليكلِّمنا حتى نسمع كلامه، أو اصنع آيةً حتى نؤمن بك . فأجابه: إن اليهود سألوا موسى أن يريهم الله جهرةً. وهو خطأ، لأن اليهود لم يطلبوا هذا من موسى (الطبري تفسير البقرة 2: 118).
مقام إبراهيم:
“وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ; (آية 125).
روى البخاري وغيره عن عمر قال: وافقتُ ربي في ثلاث: قلتُ يا رسولَ اللهِ لو اتخذْتَ من مقام إبراهيم مُصلَّى فاقتبسها وأوردها في قرآنه!ى وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهنّ البَرُّ والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن فاقتبسها وأوردها في الأحزاب 33: 53. واجتمع على محمد نساؤه في الغيرة فقال عمر لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدّله أزواجاً خيراً منكنّ فاقتبسها وأوردها في التحريم 66: 5.(البخاري كتاب المناقب، باب مناقب عمر).
وفي رواية أنه لما مرّ عمر من مقام إبراهيم قال: يا رسول الله، أليس نقوم مقام خليل ربنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتَّخذه مُصلّى؟ فلم نلبث إلا يسيراً حتى نزلت (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 125).
(1) لا يجوز أن يُؤخذ كلام الوحي من أقوال الناس أو من رأيهم، وإلا فيلزم أن يكون عمر رسولاً ونبياً، وهو ليس كذلك.
(2) اتَّبع محمد رأي عمر في مسألة نسائه، فأشار عليه أن يمنع الناس عن الدخول عليهن فسمع له، وقال إن الله أوحى إليه بذلك. كما اتَّبع رأي عمر في غيرة نسائه من بعضهن. وكان الواجب على محمد أن يقتصر على إتِّباع رأي عمر في أموره الخاصة، ولا يورد ذلك في القرآن، فإنه لا يترتّب على نصيحة عمر عبادةٌ ولا حكمٌ.
إبراهيم والكعبة:
“وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَِهّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً,,, وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ; (آيات 125 - 127).
قالوا إن مقام إبراهيم هو الحجر الذي يصلي عنده الأئمة، وهو الذي قام إبراهيم عليه عند بناء البيت. وقيل كان عليه أثر أصابع رجليّ إبراهيم فاندرست بكثرة المسح. والمراد بقوله بيتي الكعبة، وإن الله استجاب دعاء إبراهيم بأن جعله بلداً آمِناً فلم يقصده جبّار إلا انهزم.
ولكن الحجّاج غزا مكة وخرَّب الكعبة، وخلع ابن الزبير من الخلافة. وادَّعوا أن إبراهيم بنى البيت، ولهم في ذلك أقوال غريبة. فقالوا إن الله بعث السكينة لتدُلَّه على موضع البيت، وهي ريحٌ خجوج لها رأسان تشبه الحية. والخجوج من الرياح هي الشديدة السريعة الهبوب، وقيل هي المقلوبة في هبوبها. وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فتبعها إبراهيم حيث أتت موضع البيت. فقال ابن عباس: بعث الله على قدر الكعبة، فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلِّها. إلى أن وقفت على موضع البيت، ونودى منها: يا إبراهيم، أنِ ابْنِ على قدر ظلِّها. لا تزِد ولا تُنقِص . وقيل إن الريح كنست له ما حول الكعبة حتى ظهر له أساس البيت الأول، وهذا هو معنى ما ورد في الحج 22: 26 “وَإِذْ بَّوَأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ “وكان إبراهيم يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة، وهذا معنى قوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 125 - 127).
والتوراة لا تُعلِّمنا أن إبراهيم توجَّه إلى الكعبة ولا إلى بلاد العرب، بل خرج مع أبيه تارح من أور الكلدانيين وأقاما في حاران، ثم تغرّب إلى كنعان، وأتى إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة، ثم انتقل من هناك إلى الجبل شرقيّ بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق، فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب . ثم توجّه إلى الجنوب، ثم تغرّب في أرض مصر، ثم سار من الجنوب بين بيت إيل وعاي إلى مكان المذبح الذي صنعه أولاً. ولما فارق لوطاً سكن في أرض كنعان. ولم يرِد في كتاب الله أنه توجه إلى الكعبة أو بنى البيت.
أية قِبلة؟
“سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ; (آية 142).
الخطاب لأهل الكتاب، فإنهم أكثروا الخوض في أمر القِبلة حين حُوّلت، وادّعت كل طائفة أنّ البر هو التوجّه إلى قِبلتها. فردّ محمد عليهم وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ. فهذا مثال الناسخ والمنسوخ، وهو من أعظم التناقض.
(راجع تعليقنا على البقرة 115).
الصفا والمروة:
“إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ; (آية 158).
قال المفسرون: كان على الصفا والمروة (وهما جبلان) صنمان يقال لهما أساف ونائلة، فكان أساف على الصفا ونائلة على المروة، وكان أهل الجاهلية يطوفون بين الصفا والمروة تعظيماً للصنمين. فلما جاء الإسلام وكُسرت الأصنام تحرَّج المسلمون عن السعي بين الصفا والمروة، فاستفهموا من محمد عن ذلك، فأذن لهم، بل قال إنه من شعائر الله.
قال ابن عباس: كانت الشياطين في الجاهلية تطوف الليل أجمع بين الصفا والمروة، وكان بينهما أصنام لهم. فلما جاء الإسلام قال المسلمون: يا رسول الله، لا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شيء كنا نصنعه في الجاهلية. فقال لهم: إنه من شعائر الله (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 158).
الرَّفَث إلى النساء:
“أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ; (آية 187).
كان في ابتداء الأمر بالصوم إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجِماع إلى أن يصلّي العِشاء الأخيرة، أو يرقد قبلها. فإذا صلّى أو رقد حُرِّم عليه ذلك كله إلى الليلة التالية. فواقع عمر بن الخطاب أهله بعدما صلّى العِشاء، فلما اغتسل لام نفسه، ثم أتى محمداً فقال: يا رسول الله، أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة. إني رجعتُ إلى أهلي بعدما صليتُ العشاء فوجدت رائحةً طيبة، فسوَّلَتْ لي نفسي، فجامعْتُ أهلي . وقام رجالٌ فاعترفوا بمثل ذلك. فقال محمد، مراعاة لعمر وأصحابه: أُحِل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (القرطبي في تفسير البقرة 2: 187) والرَّفث كلام يُستقبح لفظه مع ذكر الجماع ودواعيه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً.
والوحي الحقيقي يعلّمنا أن الصوم هو التذلل أمام الله بالخشوع، والحزن بسبب الخطايا، فلا محمل للتلذُّذ والتنعُّم بل هو مُنافٍ لذلك.
كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً، وصوم يوم عاشوراء. ثم نُسخ ذلك بفريضة صوم شهر رمضان. قال ابن عباس: أول ما نُسخ بعد الهجرة أمر القِبلة ثم الصوم . وعن عائشة قالت: يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان محمد يصومه في الجاهلية . وعلى هذا أخذ محمد الصوم من الجاهلية ومن المسيحيين، والدليل على ذلك قوله في عدد 183 “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .
قال المفسرون إن الصوم عبادة قديمة. قالوا إن صيام شهر رمضان كان واجباً على النصارى فصاموا رمضان زماناً، فربما وقع في الحر الشديد والبرد الشديد. وكان يشقُّ ذلك عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم، فجعلوه في فصل الربيع، ثم زادوا فيه عشرة أيام فصاموا أربعين يوماً.
فاعتدوا عليه:
“فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ; (آية 194).
أما المسيح فقال: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ ; (متى 5: 44). والقرآن مشحونٌ بما يحضُّ على قتل من خالف المسلمين في الدين، فإذا وُجدت آية قرآنية تأمر بمعروفٍ أو إحسانٍ نُسخت بما يحضّ المسلمين على القتال، كما قال علماء المسلمين الذين ألّفوا كتاب الناسخ والمنسوخ، مثل أبي القاسم هبة الله ابن سلامة أبي النصر وابن حزم وغيرهما، فقرروا أن عبارة القتال نَسَخت وألغت كل عبارات الرفق واللين. وعليه فالمعمول به هو قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ; (التوبة 9: 5) وهذه الآية نسخت 124 آية من القرآن تأمر بالعفو. وقوله في التوبة 29 “قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ; إلى أن قال “حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ “وورد في التوبة 73 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ “وورد في النساء 4: 89 “فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً “ولا يخفى أن محمداً أمر المسلمين بقتال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
الحج والعمرة:
“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ; (آية 196).
أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوفبعرفة،والطواف والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير. وأركان العُمرة أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق والتقصير، وهي مأخوذة من مشركي العرب في الجاهلية (جواد علي. المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام المجلد الخامس).
الحج:
“وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ; (آية 197).
كان بعض أهل الجاهلية يقف بعرفة وبعضهم بمزدلفة، وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وبعضهم في ذي الحجة، وكلٌّ يقول: إن الصواب فيما فعله. فقال محمد: لا شك أنّ الحج في ذي الحجة (عدد 197) قال: “تَزَّوَدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الّزَادِ التَّقْوَى “وسبب هذا أن بعض أهل اليمن كانوا يخرجون للحج من غير زاد، ويقولون: نحجّ بيت ربنا، أفلا يطعمنا؟ فإذا قَدِموا مكة سألوا الناس، وربما أفضى بهم الحال إلى السلب والنهب. فقال لهم محمد فتزوَّدوا وهو أمر بديهي لا يحتاج إلى وحي! (القرطبي في تفسير البقرة 2: 197).
الاتِّجار في المواسم:
“لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ; (آية 198).
كان العرب في الجاهلية يتّجرون في أسواق تسمّى عُكاظ ومجنة وذا الحجاز. وكانت لها مواسم، فكانوا يقيمون بعُكاظ 20 يوماً من ذي القِعدة، ثم ينتقلون إلى مجنة وهي عند عرفة فيقيمون بها 18 يوماً، 10 أيام من آخر ذي القِعدة، و 8 أيام من أول ذي الحجة، ثم يخرجون إلى عرفة. فلما جاء الإسلام تأثَّموا أن يتَّجروا في المواسم، فأجاز محمدٌ لهم ذلك.
وعن أبي إمامة التيمي قال: كنت أجري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون لي إنه ليس لك حج. فلقيت ابن عمر وسألته عن ذلك، فقال: إن لك حجاً. وجاء رجل إلى محمد فسأله عن مثل ذلك فسكت ولم يجبه، وأخيراً قال بالجواز. (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 198).
الإفاضة:
“ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ; (آية 199).
قال طاوس: كانوا في الجاهلية يدفعون عن عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد طلوعها. وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فأتى محمد فأخَّر الإفاضة من عرفة إلى ما بعد غروب الشمس، وقدم الإفاضة من المزدلفة إلى ما قبل طلوعها.
وثبير جبل بمكة. ومعنى قولهم: أشرق ثبير: ادخل أيها الجبل في الشروق، وهو نور الشمس. وقولهم كيما نغير أي ندفع للنحر. يقال أغار إذا أسرع ووقع في عَدْوه.
قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، وكانوا يقولون أشرق ثبير، فخالفهم محمد فأفاض قبل طلوع الشمس (الإفاضة الدفع بكثرة). قال أهل التفسير: كانت قريش، ومن دان بدينها، وهم الحمُس (سُمُّوا حمساً لتشدُّدهم في دينهم، والحماسة الشدة، وهم قريش وكنانة وخزاعة) يقفون بالمزدلفة (أي المشعر الحرام، وسُميت مزدلفة من الازدلاف، وهو الاقتراب لنزول الناس بها زُلف الليل، وقيل لاجتماع الناس بها. وتُسمّى المزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها بين المغرب والعِشاء) ويقولون نحن أهل الله، وقطّان حرمه، ولا نخلف الحرم ولا نخرج منه. ويتعاظمون أن يقفوا مع سائر الناس بعرفات. فإذا أفاض الناس من عرفات أفاض الحمُس من المزدلفة. فلما جاء محمد أمرهم أن يقفوا بعرفات مع سائر الناس، ثم يفيضوا منها إلى جمع، وهذا معنى قوله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس . وقيل المراد من هذه العبارة أن الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، وأراد بالناس الأمم السابقة (ابن كثير في تفسير البقرة 2: 199).
ذكر الله:
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ; (آية 200).
قال أهل التفسير: كانت العرب في الجاهلية إذا فرغوا من حجّهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، وقيل عند البيت، فيذكرون مفاخر آبائهم ومآثرهم وفضائلهم ومحاسنهم ومناقبهم، فيقول أحدهم: كان أبي كبير الجفنة رحب الفناء يُقري الضيف . ويتناشدون الأشعار في ذلك، ويتكلمون بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح، وغرضهم الشهرة والسُّمعة والرِّفعة بذكر مناقب سَلَفهم وآبائهم. فلما أتى محمدٌ أمرهم أن يذكروا الله. وفي عدد 200 قال فمِن الناس من يقول: ربَّنا آتِنا في الدنيا، وما له في الآخِرة من خَلاق يعني أن المشركين كانوا يسألون الله في حجّهم الدنيا ونعيمها. كانوا يقولون: اللهم أعطنا إبلاً وغنماً وبقراً وعبيداً وإماءً، وكان أحدهم يقوم فيقول: اللهم إن أبي كان عظيم الفثة كبير الجفنة كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيتَه. ولم يذكر الآخرة بشيء لعدم اعتقادهم بالبعث والنشور، فأتى محمد وأيّد العادة الجارية، وإنما استبدل ذكر الآباء بذكر الله. (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 200).
الغدر:
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ; (الآية 217).
بعث محمدٌ عبدَ الله بنَ جحش، وهو ابن عمته، في سَرِيّة في جمادي الآخرة، قبل قتال بدر بشهر. وأمّره على السَّرية، وكتب له كتاباً وقال له: سِرْ على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين. فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فسِرْ على بركة الله تعالى بمن معك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فارصد بها عِيراً لقريش لعلك تأتينا منها بخير . فمضى وأصحابه معه، وكانوا ثمانية رهط، ولم يتخلّف أحدٌ منهم إلى أن وصلوا في بطن نخلة بين مكة والطائف، وفي العير عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وهرقل بن عبد الله المخزوميان. فلما رأوا أصحاب محمد هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم. فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا، فاحلقوا رأس رجل منكم، وليتعرَّضْ لهم. فإذا رأوه محلوقاً أمِنوا. فحلقوا رأس عكاشة بن محصن، ثم أشرف عليهم. فلما رأوه أمِنوا. وكان ذلك في آخر يوم من جمادي الآخرة، وكانوا يرون أنه من رجب، فتشاور القوم فيهم وقالوا: متى تركتموهم هذه الليلة يدخلون الحرم ويمتنعون منكم. فأَجمعوا أمرهم في مواقعة القوم. فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهمٍ فقتله، فكان أول قتيل من المشركين، وأُسر الحكم بن كيسان وعثمان، وكانا أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل فأعجزهم. واستاق المسلمون العير والأسيرين حتى قدموا على محمد، فقالت قريش: قد استحلّ محمد الشهر الحرام وسفك الدماء وأخذ المال. وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين.
ولما سمع محمدٌ بذلك قال لعبد الله بن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام . ووقف العير والأسيرين ورفض أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظُم ذلك على أصحاب السَّرِيّة وكلّموه في ذلك فاستحلّ ما حصل، كما هو منطوق العبارة القرآنية، وأخذ العير فعزل منها الخُمس، وكان أول خُمسٍ في الإسلام، وأول غنيمة قُسِّمت، وقُسِّم الباقي على أصحاب السرية.
والكثير من أقوال القرآن هي لترضية خواطر أصحاب محمد، وموافقتهم على ما تميل إليه أنفسهم. ففي مبدأ الأمر تكدَّر محمد من غدر أصحابه وما أظهروا من الحيل التي احتالوا بها للفتك والسلب والنهب، حتى عيّرهم العرب. ولكن لما رأى كَدَر أصحاب السرية قال إن الله وافق على فعلهم. (السيرة النبوية لابن كثير سرية عبد الله بن جحش).
محمد شرب الخمر:
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ; (آية 219).
نهى محمد عن شرب الخمر، ثم جاء في حجة الوداع وشربها فقد جاء في كتب السيرة، في حديث رواه عبد الرحمن بن سليمان عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي طاف وهو شاكٍ (يقال شك الدابة: أي لزق عضده بجنبيها فعرجت) على بعير ومعه محجن (أي كل معوج الرأس كالصولجان) ، فلما مرَّ بالحجر استلمه بالمحجن، حتى إذا انقضى طوافه نزل فصلّى ركعتين ثم أتى السقاية (السقاية: هي ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء) فقال: اسقوني من هذا. فقال له العباس: ألا نسقيك مما يُصنع في البيوت؟ قال: لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس. فأتي بقدحٌٍ من النبيذ فذاقه، فقطّب، وقال: هلمُّوا فصبُّوا فيه الماء. ثم قال: زد فيه، مرة أو مرتين أو ثلاثاً. ثم قال: إذا صنع أحدٌ بكم هذا فاصنعوا به هكذا.
والحديث رواه يحيى بن اليمان عن الثوري عن منصور بن خالد عن سعيد عن ابن مسعود الأنصاري: أنّ النبي عطش وهو يطوف بالبيت، فأتي بنبيذٍ من السقاية، فشمّه، فقطب، ثم دعا بذَنوب من ماء زمزم، فصُبّ عليه ثم شربه، فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا. (العقد الفريد ابن عبد ربه باب احتجاج المحِلّين للنبيذ).
الشهوة:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ; (آية 222).
أجمع علماء المسلمين على جواز الاستمتاع بالمرأة الحائض بما فوق السرَّة ودون الرُّكبة، وجوَّز مضاجعتها وملامستها، وبنوا ذلك على ما رُوي عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، وأراد محمد أن يباشرها أمرها أن تتَّزر بإزار في فور حيضها (أي أول الحيض وبدؤه) ثم يباشرها. وأيُّكم يملك أَرْبَهُ كما كان محمد يملك أرْبه؟ (بسكون الراء وهو العضو، وبفتحها وهو الحاجة). وفي رواية قالت: كنت أغتسل أنا ومحمد من إناءٍ واحد، وكلانا جُنُب، وكان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض (صحيح مسلم. كتاب الحيض. باب مباشرة الحائض).
أما كلام الوحي الحقيقي في الإنجيل فيقول: “اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى الْأَرْضِ,,, فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ: الّزِنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، الْأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللّهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ ; (كولوسي 3: 2 - 6).
رخصة إتيان الدُّبُر:
“نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ; (آية 223).
قال ابن عباس: كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب. فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العالم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم. وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش يشرِّحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذّذون بهنّ مُقبِلات ومُدبِرات ومستلقيات. فلما قَدِم المهاجرون المدينة تزوّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب أن يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنّا كنا نُؤتَي على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني . حتى سَرَى أمرُهما، فبلغ ذلك محمداً فقال: نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنَّى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فنزلت رخصة في إتيان الدُّبُر (أسباب النزول للسيوطي. سبب نزول البقرة 223).
قوله على حرف الحرف الجانب، وحرف كل شيء جانبه. وقوله يشرّحون النساء يُقال شرح فلان جاريته إذا وطئها على قفاها. فمحمد شجَّع أصحابه على إرخاء العنان للشهوات البهيمية ولم يرضَ بعفاف أهل الكتاب. ولما كان محمد ساعياً في تكثير حزبه أتاهم بما يلائم أهواءهم.
قال ابن عباس: جاء عمر إلى محمد فقال هلكتُ. قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلْتُ رحليَ الليلة (هو كناية عن إتيان المرأة في غير المحل المعتاد، أو إنه أتاها في المحل المعتاد لكن من جهة ظهرها) فلم يرُدّ محمدٌ عليه. ثم قال: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم أي مقبلات مدبرات، فخلع محمد وعمر برقع الأدب، وكان الأَولى بمحمد أن يرشد عمراً إلى طهارة الله وقداسته.
واستدل ابن عمر بالآية على إباحة الوطء في الدُّبُر. وقال إنما نزلت رخصة فيه، (أخرجه البخاري وغيره، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري).
كيفية إرجاع المطلّقة:
“فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ; (آية 230).
جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى محمد وقالت: إني كنت عند رفاعة فطلّقني فبَتَّ طلاقي (أي قطعه، والبت القطع) ، فتزوجْتُ بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب (أي طرف الثوب، وهو كناية عن استرخاء الذكر). فتبسّم محمد وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا! حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته . شبّه لذة الجماع بالعسل وهو كناية عنه (مشكاة المصابيح تحقيق الإلباني حديث رقم 3295).
فانظر إلى هذا القانون. فلا يجوز للرجل أن يرجع إلى امرأته إلا إذا جامعت غيره، وكان الأقرب إلى العفّة والعقل والحكمة أن ترجع المرأة إلى زوجها الأول بدون أن يجامعها رجل آخر.
حزقيال النبي والعظام:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ; (آية 243).
قال مفسرو المسلمين: كانت قرية يقال لها دارودان وقع بها الطاعون، فخرج عشرة آلاف، وقيل سبعون ألفاً، وبقيت طائفة. فسلَّم الذين خرجوا وهلك أكثر من بقي بالقرية. غير أن الله أمات من هرب أيضاً ثم أحياهم، بأن مرّ عليهم حزقيل بن بوذي، وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل، وقد عريت عظامهم وتفرّقت أوصالهم، فتعجّب من ذلك. فأوحي إليه: نادِ فيهم أن قوموا بإذن الله، فنادى فقاموا يقولون: سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلا أنت (القرطبي في تفسير البقرة 2: 243). والغاية من هذه القصة تشجيع المسلمين على الجهاد والتعرّض للشهادة وحثّهم على الاستسلام للقضاء.
وقد جاءت القصة في سفر النبي حزقيال بالتوراة مختلفة، ففي عصر حزقيال النبي لم يهرب عشرة آلاف من بني إسرائيل من الطاعون كما قال القرآن، ولا الله أماتهم، ولا النبي حزقيال بعثهم من الموت. ولكن الله أمر حزقيال النبي أن ينزل في وسط بقعة كانت موقعاً لمعركة حربية ملآنة عظاماً ويتنبأ على العظام فتحيا، ويضع عليها الله عَصَباً ولحماً ويبسط عليها جلداً ويجعل فيها روحاً فتحيا: ففعل. وبينما هو يتنبأ كان صوتٌ وإذا رعشٌ، فتقاربت العظام وكُسيت بالعصب واللحم وبُسِط الجلد عليها وليس فيها روح. فأمره الله أن يتنبأ عليها ثانية، فتنبّأ فدخل فيها الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً . فأخبره الله أن هذه العظام هي كل بني إسرائيل يقولون: يبست عظامنا وهلك رجاؤنا فقال لهم: هكذا قال السيد الرب: “هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.,, وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ ; (حزقيال 37: 1 - 14).
وهدف هذه الرؤيا إنعاش بني إسرائيل وإحياء آمالهم بعد اليأس الذي استولى عليهم في السبي فيما بين النهرين، فشبّه حالتهم بالعظام اليابسة المبدَّدة في القبر. غير أن الله علّمهم من حزقيال 37 أنه على كل شيء قدير، يحيي الرفات ويرجعهم من سبيهم. والواجب الإيمان بمواعيده الصادقة.
طلب بني إسرائيل ملكاً:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ; (آية 246 ، 247).
يقول القرآن إن بني إسرائيل رغبوا أن يستلم ملكٌ زمام أمورهم، وسببه كما قال المفسرون أن العمالقة الذين كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين هاجموا بني إسرائيل فأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم وأسروا من أبناء الملوك 440 ، وهذا هو معنى قول القرآن وقد أُخرِجنا من ديارنا وأبنائنا . ونجد في هاتين الآيتين أربعة أخطاء:
(1) قوله إن الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى وصوابه بعد القضاة، فإن حكومة بني إسرائيل كانت من بعد موسى حكومة جمهورية يحكمها قضاة مدة 305 سنوات، وكان عددهم 14 قاضياً، آخرهم صموئيل النبي. ولما شاخ صموئيل جعل ابنيه قاضيين، فلم يسيرا سيرة مرضية، فاجتمع شيوخ إسرائيل وقالوا له: أنت شخت، وابناك لم يقتفيا آثارك، فاجعل لنا ملكاً كسائر الشعوب. فساء صموئيل هذا، فصلّى إلى الرب وطلب منه الإرشاد. فأمره الله أن يجيب طلبهم، وقال له: إنهم لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم . فولى عليهم صموئيلُ النبيُّ شاولَ، وكان شاباً حسناً، وكان أطول كل الشعب. وقد وردت كيفية مسحه وتوليته عليهم في 1 صموئيل 8 - 12.
فقول القرآن إن بني إسرائيل طلبوا من نبيّهم ملكاً بعد موسى، أي من بعد وفاته، كما في البيضاوي،خطأ صوابه: بعد صموئيل آخر قضاة بني إسرائيل.
(2) قولهم: أُخرجنا من ديارنا وأبنائنا خطأ، فإنه لم يكن قد حدث سبيُ بني إسرائيل، ولا أخرجهم أحدٌ من ديارهم، بل إنهم طلبوا الملك ليقضي لهم ويحارب حروبهم ويخرج أمامهم.
(3) قوله إن هذا الملك هو طالوت، خطأ صوابه شاول.
(4) قوله إن بني إسرائيل لم يكونوا راضين عنه، وإنهم قالوا أَنَّى يكون له المُلك ولم يُؤتَ سَعةً من المال خطأ، فالتوراة تقول إنه لما تعيَّن شاول ملكاً هتف كل الشعب: ليحي الملك. غير أن بعض اللئام قالوا: كيف يخلّصنا؟ فاحتقروه ولم يقدموا له هدية، فغضَّ شاول الطرف عنهم.
التابوت والسكينة:
“وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ; (آية 248).
تختلف أقوال المسلمين عن التابوت تماماً عما جاء بالتوراة. قالوا إن الله أنزل التابوت على آدم فيه صورة الأنبياء، وكان من خشب الشمشاد، طوله ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، فانتقل من آدم إلى أن وصل إلى موسى، ثم إلى صموئيل.
واختلفوا في السكينة، فقال علي بن أبي طالب هي ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجهٌ كوجه الإنسان. وقال مجاهد: هي شيء يشبه الهِرَّة له رأس كرأس الهرة وذَنَب كذَنَب الهرة. وله جناحان، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرّد وزبرجد، كانوا إذا سمعوا صوته تيقّنوا النصر. وقال ابن عباس: هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقال وهب: هي روح من الله تعالى تتكلم إذا اختلفوا في شيءٍ فتخبرهم ببيان ما يريدون. وقال قتادة والكلبي: هي فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربكم، ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا.
واختلفوا في تلك البقية التي ترك آل موسى وآل هارون، فقال ابن عباس: هي رضاض من الألواح وعصا موسى. وقيل عصا هارون وشيء من ألواح التوراة. وقيل كانت العلم والتوراة. وقيل كان فيه عصا موسى ونعلاه، وعصا هارون وعمامته. وقوله تحمله الملائكة قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت. وقال الحسن: كان التابوت مع الملائكة في السماء، فلما وُلِّي طالوتُ المُلك حملته الملائكة ووضعته بينهم، وقيل وضعته في دار طالوت، فأصبح في داره فأقرّوا بمُلكه (الرازي الطبري ابن كثير في تفسير البقرة 2: 248).
وسبب اضطراب أقوال المسلمين عن التابوت والسكينة وغيرها هو عدم اطلاعهم على نصوص كتاب الوحي الإلهي. وحقيقة الأمر هي أن الله أمر موسى عند طور سينا أن يصنع خيمة الاجتماع لتقديم الذبائح والعبادة فيها، قبل بناء هيكل سليمان بنحو 480 سنة. وسُميت خيمة لأنها كانت مصنوعة من ألواح، وسُميت خيمة الاجتماع لأن الله كان يجتمع بشعبه فيها، وتُسمّى أيضاً خيمة الشهادة ومسكن الشهادة، لأن لوحي الشهادة وُضعا فيها، وكانت منقوشة بنقوش بديعة، ومغشاة بالذهب وطولها ثلاثون ذراعاً وعرضها عشر أذرع وارتفاعها عشر أذرع. وكانت هذه الخيمة محاطة بدارٍ غير مسقوفة، مستطيلة الشكل، طولها مائة ذراع وعرضها خمسون ذراعاً.
ونجد في البقرة 2أربعة أخطاء:
(1) قوله إن التابوت تحمله الملائكة، ولم يرد في كتاب الله أن الملائكة حملت التابوت وأدخلته إلى بيت شاول علامةً على الملك، بل العلامة التي خصّه الله بها هي أنه لما مسحه صموئيل حلّ عليه روح الله وتغيّر عما كان عليه وهزم العمونيين.
(2) قوله فيه سكينة وصوابه شخنيا، وهي كلمة عبرية معناها الروح . أو هي مأخوذة من شاخونة ومعناها سكن، وكان اليهود يطلقون هذه اللفظة للدلالة على تجلّي الحضرة الإلهية بين الكروبيم والغطاء، وللدلالة على جلاله الأقدس.
(3) قوله فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون . والحقيقة هي إنه لم يكن فيه سوى لوحيّ العهد.
(4) عدم معرفته اسم النبي الذي مسح شاول، ولا يخفى أن اسمه صموئيل.
جدعون والمديانيون:
“فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ; (آية 249).
قال المفسرون إن الذين اغترفوا فقط هم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فإنهم لما وصلوا إلى النهر أُلقي عليهم العطش، فشرب منه الكل إلا هذا العدد القليل. وكان من اغترف منه غُرفة كما أمره الله كفَتْهُ لشربه وشرب دوابه وقويَ قلبه وصحَّ إيمانه وعبر النهر سالماً. والذين شربوا منه وخالفوا أمر الله اسودّت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا، وجبنوا، وبقوا على شط النهر. وقيل: جاوزوه كلهم، ولكن الذين شربوا لم يحضروا القتال، ولكن قاتل أولئك القليل (الرازي في تفسير البقرة 2: 249).
ونجد في الرواية القرآنية ثلاثة أخطاء:
(1) لم يأخذ شاول جيشه وكان أمامه نهر، فالذي فعل ذلك كان جدعون أحد قضاة بني إسرائيل، وكان قبل الملك طالوت (أي شاول) بمائتي سنة، هو الذي حشد جيشاً جراراً لمحاربة المديانيين. وقال الرب لجدعون: إن الشعب الذي معك كثير عليّ لأدفع المديانيين بيدهم، لئلا يفتخر إسرائيل قائلاً: يدي خلَّصتني. فنادِ في الشعب بأن يرجع كل من كان خائفاً . فرجع 22 ألفاً وبقي عشرة آلاف. وقال الرب لجدعون: لم يزل الشعب كثيراً. إنزل بهم إلى الماء، وكل من يَلَغُ بلسانه من الماء كما يَلَغُ الكلب فأوقِفْه وحده، وكذا كل من جثا على ركبتيه للشرب . وكان عدد الذين ولغوا بيدهم 300 رجلاً، وأما باقي الشعب فجثوا على ركبهم لشرب الماء. فقال الرب لجدعون: بالثلاث مئة رجل الذين ولغوا أُخلّصكم، وأدفع المديانيين ليدكم . وقد آتاه الله النصر (قضاة 7).
فطالوت (وصوابه شاول) لم ينزل بجيشٍ إلى نهرٍ ما، وإنما الذي نزل هو جدعون.
(2) اختار الله من جيش بني إسرائيل 300 نفراً فقط، لإظهار قوته، وليوضح لهم أنه هو مُؤتي النصر.
(3) لم يحارب جدعونُ ورجالُه جلياتَ، بل واقعة جليات مذكورة في 1 صموئيل 17 ، فإنه لما كان يصطف بنو إسرائيل والفلسطينيون للقتال كان جليات ينزل ويعيّر بني إسرائيل وديانتهم، فنزل داود وكان فتى، وأتاه بقوة رب الجنود، فضربه بالمقلاع، فارتزَّ في جبهته فسقط وقطع داود رأسه.
لقد خلط القرآن قصة جدعون مع المديانيين بقصة شاول وجليات.
أعظم آيات القرآن:
“ا للَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ; (آية 255).
يعتبر المسلمون هذه الآية أعظم آيات القرآن. وقد ورد في تفسير ابن كثير عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رجلٌ من الإنس فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني، فإن صرَعْتَني علّمتُك آيةً إذا قرأتَها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان؟ فصارعه فصرعه، فقال: إني أراك ضئيلاً شخيتاً (نحيف الجسم) كأن ذراعيك ذراعا كلب. أفهكذا أنتم أيها الجنّ كلكم، أم أنت من بينهم؟ فقال: إني بينهم لضليع فعاوِدْني. فصارعه، فصرعه الإنسي، فقال: تقرأ آية الكرسي، فإنه لا يقرأها أحدٌ إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خيخ (ضِراط) الحمار . فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ فقال: من عسى أن يكون إلا عمر! (ابن كثير في تفسير الآية).
ونحن نقول إن الوحي الصادق أبعد من أن تعلِّمه الشياطين. فالله لا يسمح للشياطين أن يحملوا كلامه للبشر.
إبراهيم ونمرود:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبَرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ; (آية 258).
أجمع علماء الإسلام على أن الذي حاجَّ إبراهيم هو نمرود بن كنعان الجبار، وكانت تلك المحاجّة من طغيان الملك. قال مجاهد: مَلَك الأرض أربعة: مؤمنان وكافران. فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصّر .
وقالوا: لما كسر إبراهيم الأصنام سجنه نمرود ثم أخرجه ليحرقه، فقال: مَنْ ربك الذي تدعونا إليه؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت . وقيل إن الناس أصابهم القحط على عهد نمرود وكان الناس يمتارون من عنده الطعام، فكان إذا أتاه أحد يمتار سأله: من ربك؟ فيقول أنت، فيُميره. فخرج إبراهيم إليه يمتار لأهله الطعام، فأتاه فقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت. قال: أنا أُحيي وأُميت. قال إبراهيم: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبُهت نمرود وردّه بغير طعام. فرجع إبراهيم إلى أهله، فمرّ على كثيب رمل أعفر، ووضع في متاعه فوجده أهله طعاماً.
وقد عاقب الله نمرود بأن فتح الله عليه باباً من البَعُوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام، ودخلت واحدةٌ منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة، فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عَتِيدَة لذلك، فبقى في البلاء أربعين يوماً. (القرطبي في تفسير البقرة 2: 258)
والتوراة تقول إن إبراهيم كان خليل الله وإنه أبو المؤمنين، وإن الله اصطفاه، ولكنها لم تقل إنه أُلقي في النار وإنه فعل المعجزات المنسوبة إليه هنا.
ولم يكن نمرود معاصراً لإبراهيم، بل كان سابقاً لإبراهيم بنحو 300 سنة، كما يقول سفر التكوين.
موت رجل مئة سنة:
“أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهَيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ َلَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَا نْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ; (آية 259).
اختلفوا في والذي مرَّ . فرُوي عن مجاهد أنه كان كافراً شكّ في البعث. وهذا قول ضعيف لقوله كم لبثْتَ والله لا يخاطب الكافر، ولقوله آيةً للناس وهذا لا يُقال في الكافر، وإنما يُقال في الأنبياء. وقال قتادة وعكرمة والضحاك والسدي: هو عُزَيرْ بن شرخيا، وإنه لما رجع إلى منزله كان شاباً وأولاده شيوخاً، فإذا حدّثهم بحديث قالوا حديث مائة سنة. ولما قال لهم أنا عُزير كذّبوه، فقرأ التوراة من الحفظ، ولم يحفظها أحدٌ قبله. فعرفوه بذلك، وقالوا هو ابن الله. وأمره الله أن ينظر إلى حماره كيف تفرَّقت عظامه، أو قال له انظر إليه سالماً كما ربطتَه حفظناه بلا ماءٍ وعلفٍ، كما حفظنا الطعام والشراب من التغيير. وقال وهب بن منبّه: هو إرميا بن حلقيا من سبط هارون.
واختلفوا في القرية فقيل هي بيت المقدس، وقيل هي ديرسابر أباد، في فارس. وقيل سلماباد قرية من نواحي جرجان، وقيل هي دير هرقل بين البصرة وعسكر مكرم (ابن كثير القرطبي الطبري في تفسير البقرة 2: 259).
ولو كان لهذه القصة أصل في كتب الوحي الإلهي لذَكَر اسم هذا الشخص، ووفَّر على المفسرين الظن والتخمين.
ومن تأمل في التوراة والإنجيل، لا يجد فيها شيئاً من ذلك، ولكن نجد لها أصلاً في كتب اليونان القديمة. وهي حكاية أبيمنيدس، الكاهن والشاعر اليوناني، وأدرجه البعض في سلك علماء اليونان السبعة عوضاً عن برياندر، وُلد في كريت في القرن السابع قبل المسيح، فروى قومه وهم وثنيون أنه نام نحو 57 سنة في مغارة، وفي أثنائها نزل عليه الوحي. فلما استيقظ (أو لما بُعث كما قال القرآن) انذهل من تغيُّر أحوال أهل وطنه، وقيل إنه عاش نحو 199 سنة. وفي سنة 569 ق م سافر إلى أثينا، بدعوةٍ من سكانها الذين تضايقوا من الحرب والطاعون، فأخبرهم أئمة ديانتهم أن سبب ذلك هو أنهم قتلوا أنصار سولون في هيكل آلهتهم، والواجب أن يكفّروا عن ذنبهم، فاستدعوا أبيمنيدس المشهور بالحكمة ًوالصلاح ليستعطف الآلهة، فأتى وقدّم الذبائح وأجرى الرسوم الدينية، فوقف الطاعون. ثم عاون سولون على تنقيح نظامات أثينا. ولما عزم على العودة إلى وطنه لم يرْضَ أن يقبل هدايا، ولم يطلب سوى غصن شجرة زيتون.
إبراهيم والذبيحة:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ; (آية 260).
مهما حاول المفسرون في الاعتذار عن شكّ إبراهيم في قدرة الله على إحياء الموتى، فعبارة القرآن ناطقة بوقوع الشكّ منه في قدرة الله، وإلا لما قال: رب أرني كيف تحيي الموتى. وعن أبي هريرة أنّ محمداً قال: نحن أحق بالشكّ من إبراهيم، إذا قال: ربي أرني كيف تحيي الموتى. قال: أوَلم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي. ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبتُ الداعي . قالوا لما نزلتهذه الآية الواردة في القرآن قال قوم: شكّ إبراهيم ولم يشكّ محمد فردّ ليتستَّروا به على شكوك محمد(ابن كثير في البقرة 2: 260).
قالوا: والأربعة الطيور التي قدمها إبراهيم هي أنه أخذ طاووساً وديكاً وحمامة وغراباً، وقيل نسراً بدل الحمامة. قال ابن عباس: وجعل كل طائرٍ أربعة أجزاء وجعلها على أربعة جبال، على كل جبلٍ رُبعاً من كل طائر، وقيل جزَّأها سبعة أجزاءٍ ووضعها على سبعة جبال وأمسك رؤوسهنّ بيده، ثم دعاهنّ: تعالين بإذن الله، فجعلت كل قطرة من دم طائر تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى، وكل عظم يطير إلى العظم الآخر، ثم أقبلت سعياً إلى رؤوسهن (ابن كثير في البقرة 2: 260).
وكتاب الله يعلّمنا أن إبراهيم لم يشكّ في قدرة الله، بل يُضرَب بإيمانه المثل، ولذا سُمّي أبو المؤمنين. ولما أمره الله أن يقدم ابنه وحيده ذبيحةً أطاع الأمر، مع أنه كان هَرِماً وامرأته متقدمة في السن، ولكنه آمن أن الله قادرٌ أن يقيم من الحجارة أولاداً له. ولما وعده الله أنه سيُكثر نسله ويكون كنجوم السماء في الكثرة آمن بالله، فوعده أن يعطيه أرض الميعاد، ثم أعطاه هذه العلامة وهي أن يأخذ عجلة ثلاثية وعنزة ثلاثية وكبشاً ثلاثياً ويمامةً وحمامة. فأخذها وشقَّها من الوسط، وأما الطير فلم يشقه. ثم غابت الشمس فصارت العتمة، وإذا تنّور دخانٍ ومصباح نارٍ يجوز بين تلك القطع (سفر التكوين 15). فهذه الذبيحة هي لتأييد العهد الذي عقده الله مع إبراهيم، فكانت العادة عند قطع عهد أن يذبحوا الذبيحة إشارة إلى أن من ينكث العهد يمزّقه سيف العدل الإلهي، فالله سبحانه تفضّل وأعطاه هذه العلامة لتأييد العهد وتثبيت إيمانه، وإنه سينجز ما وعده به.
وفي القصة أربعة أخطاء (1) في قوله إن إبراهيم طلب من الله أن يريه كيف يُحيي الموتى وإنه شكّ بالله. (2) في قوله إن الله أمر أن يأخذ أربعة طيور، والحقيقة خلاف ذلك (3) في قوله إن الطيور أتت سعياً. (4) في قوله إن الله أمر أن يضع كل جزءٍ منها على جبل.
وواضح أن الأحوال لم تساعد محمداً على تحرّي الحقائق، فلم يكن عصره عصر تمدّنٍ ومطابع، كما أن كُتَّابه كانوا يتصرَّفون فيما يُمليه عليهم. ذكر في السيرة للعراقي أن كتّابه كانوا اثنين وأربعين، منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، وهو أول من كتب له من قريش بمكة ثم ارتد، وصار يقول: كنت أصرف محمداً حيث أريد. كان يملي عليّ عزيز حكيم، فأكتب عليم حكيم فيقول: نعم، كلٌّ صواب . ويقول: اكتب كيف شئت . ولما فضحه هذا الكاتب أورد في القرآن قوله: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ; (الأعراف 7: 37). ولما كان يوم الفتح أمر محمدٌ بقتله، ففرَّ إلى عثمان بن عفان لأنه كان أخاه من الرضاعة (أرضعت أمُّه عثمانَ) فغيَّبه عثمان عنه، ثم جاء به بعد ما اطمأن الناس واستأمن له محمداً، فصمت محمد طويلاً ثم قال نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد لمن حوله: ما صمتُّ عنه إلا لتقتلوه .
(راجع تعليقنا على الأنعام 6: 93).
مداراة محمد لقومه:
“لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ; (آية 286).
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما أورد محمد قوله وإنْ تُبْدوا ما في أنفسِكم أو تُخْفوه يحاسِبْكم بهِ اللهُ (عدد 284) اشتدّ ذلك على أصحابه، فأتوا محمداً ثم جثوا على الرُّكب فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا. غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما فعلوا ذلك نسخها الله بقوله: لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول البقرة 2: 286).
فمن هنا ترى أن محمداً كان يتقلّب مع قومه ويدور معهم حسب ميولهم، وهو من أنواع السياسة، ليرضيهم. والله يرسل أنبياءه الصادقين ليعلّموا الناس إرادته الصالحة، مهما كانت ضد ميولهم وطباعهم.
- تعليقات على سورة آل عِمران (3)
أبو مريم:
“إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَا لْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ; (آية 35 ، 36).
خلط القرآن أبا موسى بأبي مريم، فقال إنّ عمران أبا موسى وهارون هو أبو مريم التي حملت الكلمة الإلهية. ومما يؤيّد خطأه هذا قوله في سورة مريم: يا أخت هارون (19: 28). مع أن بين موسى والمسيح نحو 1500 سنة.
ولما رأى علماء المسلمين هذا قالوا إن عمران المذكور في هذه العبارة هو غير والد موسى، ولكنهم أخطأوا، لأن الكتاب المقدس لا يذكر شيئاً عن ميلاد العذراء مريم، ولم يكن هناك مصدر يستقي منه محمد أخباره، ولكن كانت هناك بعض خرافات الغنوسيين الذين ملأوا الجزيرة العربية، وأيضاً المريميين الذين كانوا يُؤلِّهون العذراء مريم ويضعون حول ميلادها وحياتها كثيراً من المعجزات كما ورد في كتابي مولد العذراء وطفولية المخلّص و إنجيل الطفولية (راجع الطبري والقرطبي والرازي في تفسير آل عمران 3: 35 ، 36).
زكريا ومريم:
“فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ; (آية 37).
قالوا إنّ زكريا هو الذي كفل مريم ووضعها في محراب، وكان يغلق عليها سبعة أبواب. فإذا دخل عليها المحراب وجد عندها فاكهةً في غير وقتها: فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء. وقالوا كان يأتيها رزقُها من الجنَّة، فيقول زكريا: يا مريم أَنَّى لكِ هذا؟ فتقول هو من عند الله. تكلمت وهي صغيرة في المهد كما فعل ولدها عيسى. وقال محمد بن اسحق: أصابت بني إسرائيل أزمة حتى ضعُف زكريا عن حملها وكفالتها. فاقترعوا (على كفالتها) فوقعت القرعة على نجارٍ يقال له يوسف، فعرفت مريم في وجهه شدّةً، فقالت له: يا يوسف أحسِنْ بالله الظن فإنه سيرزقنا . فإذا أتاها بشيءٍ أنماه الله وزاده، فيدخل زكريا عليها فيقول يا مريم أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله .
فنقول: (1) من تتبَّع جدول نسب مريم العذراء يجد أنها من نسل داود، أي من النسل الملوكي، فقول القرآن إن زكريا كان يكفلها خطأ.
(2) أخطأ أيضاً في قوله إن الله كان يأتيها بفاكهةٍ في غير أوانها، من الجنة، فإن الجنة ليست محل أكل وشرب، ونعيمها لا يقوم بالملاذ المادية الجسدية، بل كل تنعماتها روحية.
(3) يخبرنا الكتاب المقدس أن القديسة مريم كانت مخطوبة ليوسف، فوُجدت حبلى من الروح القدس قبل أن يجتمعا، فظهر له الله في رؤيا وأخبره أن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس، وسيُدعى اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم (متى 1).
(4) كان الشرع اليهودي يحرّم وجود امرأة داخل الهيكل، ولكنهم يقولون إن مريم كانت مقيمة بالهيكل، وهذا خطأ لا يقع فيه من كان على علم بحقائق الشريعة اليهودية.
صمت زكريا:
“قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً ; (آية 41).
وورد في مريم 19: 10 “آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً .
قال المفسرون المسلمون: عقد لسانه عن تكليم الناس ثلاثة أيام مع إبقائه على قدرة التسبيح والذِّكر، لأنه قال في آخر الآية واذكر ربك كثيراً وسبّح بالعَشِيّ والإبْكار يعني في أيام مَنْعك من تكليم الناس (الطبري في تفسير آل عمران 3: 41).
ونتعلم من الإنجيل أنه لما أتى جبرائيل إلى زكريا وبشّره بولادة يوحنا المعمدان لم يصدّق كلامه لأنه كان هَرِماً وامرأته متقدمة في السن، فقال له: “أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللّهِ، وَأُرْسِلْتُ لِأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِه ذَا. وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتاً وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ه ذَا، لِأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلَامِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ ; (لوقا 1: 19 ، 20). فعجز عن الكلام إلى أن وُلد يوحنا. فلا يقول الإنجيل إنه طلب آية، وثانياً إن مدة صمته كانت نحو تسعة أشهر لا ثلاثة أيام.
معجزات المسيح:
“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ; (آيتا 45 ، 46). وكذا قوله “أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ اللَّهِ ; (آية 49). وكذلك “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ; (المائدة 5: 110).
(1) فقوله قالت الملائكة صوابه الملاك جبرائيل كما في الإنجيل. وقال البيضاوي: إن الملائكة كلّموها وبشّروها . غير أن بعض المفسرين قال: المراد بالملائكة جبريل كأنهم يخطّئون القرآن. وقالوا: وُلد بالمسيح من غير بعل ولا فحل.
ومعجزات المسيح كانت أسمى من عمل الطيور من الطين وتكليم الناس في المهد. ولو أن المسيح تكلّم في المهد أو خلق من الطين طيراً لاشتهر هذا عند اليهود وما كانوا رفضوا المسيح، ولاشتهر عندنا نحن المسيحيين، وما كنا لنترك هذه المعجزات الباهرة دون ذكرها. ولكن كما قلنا في تعليقنا على آل عمران 3، 36 إن محمداً كان يسمع أخباره من كتب الخرافات والحكايات الشعبية. ومن أراد أن يستزيد يرجع إلى القصص المذكورة في كتب التفسير(كابن كثير الرازي والبيضاوي في تفسير آل عمران45 - 49).
(2) كان المسيح يعمل المعجزات بقوته وقدرته لأنه كلمة الله الأزلي، والكلمة الأزلي هو الله، والقرآن أسند الخلق إلى المسيح، وهو لا يُسنَد إلا إلى الله.
متوفّيك ورافعك:
“إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; (آية 55).
اختلف مفسرو المسلمين في معنى متوفّيك . قال ابن عباس ومحمد بن اسحق: معناها مميتُك . وقال وهب: تُوُفّي ثلاث ساعاتٍ ثم رُفع إلى السماء . وقال محمد بن اسحق: تُوفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه . وقال الربيع بن أنس: إنه تعالى توفاه حين رفعه إلى السماء (ابن كثير في تفسير الآية).
قال الرازي: يوجد مشكل، وهو قول القرآن ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم . فإن كان الله قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة من إلقاء شبهه على غيره؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكينٍ في القتل من غير فائدة إليه؟ وثانياً: إذا ألقى شَبَهه على غيره، ثم أنه رُفع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا إنه هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى. فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى. وثالثاً: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها، وشدّة محبتهم للمسيح عليه السلام وغلوّهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً. فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمد ونبوّة عيسى، بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء. وكل ذلك باطل.
ثم ردّ الرازي على ذلك رداً ضعيفاً، بقوله: لو رفعه إلى السماء لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء، وثانياً إن تلاميذ المسيح كانوا يُزيلون التلبيس. وثالثاً: إن الحاضرين كانوا قليلين ودخول الشُّبهة إلى القليل جائزة (الرازي في تفسير الآية).
فالقرآن تارة يسلّم بموته، وأخرى ينكره. وذهب ابن عباس (ترجمان القرآن عندهم) إلى أن المسيح مات، والرازي يسلّم بأن المسيحيين أجمعوا بالتواتر على إنه صُلب. فالمعوّل عليه هو الإنجيل والتواتر. وعبارة القرآن تفيد أن الله يرضى بالغش والتدليس والتعمية والتلبيس. فإنه قال إن الله ألقى شبَهَه على غيره، وحاشا لله من ذلك.
المسيح وآدم:
“إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ; (آية 59).
- 1 - أجمع أهل التفسير على أن هذه العبارة قيلت في محاجّة نصارى وفد نجران. قال ابن عباس: إن رهطاً من أهل نجران قدموا على محمد، وكان فيهم السيد والعاقب. فقالوا لمحمد: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ تزعم أنه عبد الله . فقال محمد: أجل إنه عبد الله . فقالوا له: هل رأيت له مثلاً، أو أُنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده. فجاءه جبريل فقال له قل لهم إذا أتوك: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية). والظاهر أن مسيحيي نجران حاجوا محمداً وأفحموه فعجز عن الجواب. وقيل إنه قال لهم إن المسيح عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فغضبوا، وقالوا: يا محمد، هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟ فأتى بهذه العبارة المتقدمة.
- 2 اعتقاد المسيحيين في عصر محمد كان مثل اعتقادهم الآن، فالمسيح كلمة الله الأزلي، والخالق الرازق. وقد أفحم نصارى نجران محمداً حتى عجز عن الإجابة. ولكنه بعد التفكير والتروّي ومضيّ زمن قال إن مَثَل المسيح كمثَل آدم. وقد أخطأ أيضاً في هذا التمثيل، فإن آدم من التراب ترابي، والمسيح هو كلمة الله الأزلي وروح منه، وشتان بين الاثنين. وآدم عصى ربَّه وجرَّ البشر للخطأ، والمسيح لم يخطئ أبداً، وفتح أمام المؤمنين به أبواب الخلود قال الإنجيل: “صَارَ آدَمُ الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ الْأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً .,, الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ مِنَ الْأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الْإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ ; (1 كورنثوس 15: 45 ، 47). وقال يوحنا: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان . والقرآن ناطق في عدد 45 بأنه كلمة منه وفي النساء 4: 171 يقول: كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وهذا يعني أنه كان موجوداً قبل أن يُحبَل به.
- 3 - وهنا خطأ لغوي، فالأصحّ أن يُقال قال له كن فكان .
- 4 - خُلق آدم من تراب، أما المسيح فهو روح الله وكلمته.
- 5 - عصى آدم وغوى، أما المسيح فكان باراً تقياً.
- 6 - القرآن يقول إن الله نفخ في آدم نسمة الحياة. ولكن المسيح لم تُنفخ فيه هذه النسمة، بل كانت في مريم، ثم أنه (المائدة 110) نفخ في الطين فصار طيراً!
- 7 - ألم يكن من الأبلغ أن يقول: إن مثل مريم عند الله كمثل آدم، كلاً نفخنا فيه من روحنا .
حقه أم على قدر طاقتكم؟
“ا تَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ; (آية 102).
مع قوله “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ; (التغابن 64: 16) أي على قدر طاقتكم.
لما قال محمد اتقوا الله حق تقاته . سألوه: يا رسول الله: ما حق تقاته؟ فقال: حق تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفَر. فقالوا: يا رسول الله، ومن يطيق ذلك؟ فانزعجوا لنزولها انزعاجاً عظيماً. ثم أتى بعد مدة بعبارة تؤكد حكمها. وهي قوله: وجاهدوا في الله حق جهاده . فكان عليهم أعظم من الأولى. ومعناها: اعملوا لله حق عمله. فكادت عقولهم تذهل (الطبري في تفسير آل عمران 3: 102). فلما رأى محمد ذلك، وكان ذا سياسة، نسخها بالعبارة التي في التغابن وهي فاتقوا الله ما استطعتم فكان هذا تخفيفاً.
أخذ محمد أقوال النساء:
“وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ; (آية 140).
لما أبطأ محمد على النساء في وقعة أُحد، خرجن ليستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير. فقالت امرأة: ما فعل محمد؟ فقالا: حي. قالت: فلا أبالي. يتخذ الله من عباده الشهداء .
فأخذ محمد عبارتها وقال إنها وحي. فلم يقتصر على إيراد أقوال عمر في القرآن، بل أخذ أيضاً أقوال النساء (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
أخذ محمد أقوال الصحابة:
“وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ; (آل عمران 144).
قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك: لما نزل النبيُّ بأُحُد، أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل، وأن لا ينتقلوا عن ذلك سواء كان الأمر لهم أو عليهم، فلما وقفوا وحملوا على الكفار وهزموهم وقُتل صاحب لوائهم، حمل محمد مع أصحابه فهزموا أبا سفيان، فبادر قومٌ من الرماة إلى الغنيمة. وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفّار، فلما رأى تفرُّق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرّق جمعهم وكثُر القتل في المسلمين، ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي محمداً بحجر فكسر رباعيَّته وشجَّ وجهه، وأقبل يريد قتله، فذبَّ عنه مصعب بن عمير (وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أُحد) حتى قتله ابن قميئة، فظن أنه قتل محمداً، فقال: قد قتلت محمداً وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قُتل! ففشا في الناس خبر قتله، فهنالك قال بعض المسلمين: ليت عبد الله بن أُبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان . وقال قوم من المنافقين: لو كان نبياً لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم . فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: يا قوم، إن كان محمد قد قُتل فإن ربَّ محمد لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد محمد؟ قاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه . ثم قال: اللهم، إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء . ثم سلَّ سيفه فقاتل حتى قُتل. ومرَّ بعض المهاجرين بأنصاريٍّ يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قُتل؟ فقال: إن كان قد قُتل فقد بلغ، قاتلوا على دينكم . ولما شُجَّ وجه محمد وكُسرت رباعيته، احتمله طلحة بن عبد الله، ودافع عنه أبو بكر وعلي ونفر آخرون معهم. ثم أن محمداً جعل ينادي ويقول: إليَّ عبادَ الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم على هزيمتهم، فقالوا: يارسول الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا. أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولَّينا مُدْبرين . ومعنى الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسِّكين بعد خُلوِّهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوّه، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة وإلزام الحجة، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبداً (الرازي في تفسير آل عمران 3: 144).
هذا بالإضافة إلى أن هذه الآية كان قد قالها مصعب ابن عمير، حتى أن السيوطي يقول إن هذه الآية لم تُسمع إلا من مصعب، ثم بعد ذلك قال محمد إن الله أنزلها عليه (الإتقان في علوم القرآن - باب ما نزل من القرآن على لسان الصحابة).
مذهب التناسخ:
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ; (آية 169).
قال ابن عباس إن محمداً قال لأصحابه: لما أُصيب إخوانكم بأُحد جُعلت أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضرٍ ترِدُ أنهارَ الجنّة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش. فلما وجدوا طِيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون صنع الله لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكثوا عن الحرب. فقال الله: أنا أبلغهم عنكم. فقال: ولا تحسبنّ الخ (الطبري في تفسير هذه الآية).
راجع تعليقنا على النساء 4: 156.
معجزات محمد:
“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ; (آية 190).
قال ابن عباس: أتت قريش اليهود فقالوا: بم جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى؟ قالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى. فأتوا محمداً فقالوا: ادعُ لنا ربك يجعل الصفا ذهباً، فقال إن في خلق السموات... (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول آل عمران 3: 190).
وهو جواب عجز ومراوغة، فإنهم طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة كباقي الأنبياء الصادقين فلم يأتهم بذلك، بل حوَّل نظرهم إلى خلق السموات.
- أهل الكتاب مؤمنون:
“وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ; (آية 199).
قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل لمحمد في اليوم الذي مات فيه، فقال محمد لأصحابه: اخرجوا فصلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: من هو؟ فقال: النجاشي. فصلّى عليه وكبّر أربع تكبيرات واستغفر له. وقال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون: انظروا إلى هذا، يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط، وليس على دينه . فقال محمد: وإن من أهل الكتاب الخ. وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم (القرطبي في تفسير آل عمران 3: 199).
- تعليقات على سورة النساء (4)
ضياع نصوص:
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ; (آية 3).
رُوي عن جعفر الصادق أنه سُئل في هذه الآية، ما بال الجواب فيها بعيداً عن الشرط لا تربطه مناسبة؟ فكان رده لقد سقط من بين الشرط والجواب حمل بعير من القرآن .
وقدَّم المفسرون آراء عجيبة حول هذه الآية. وننقل هنا ما رواه الرازي:
- 1 - قال أهل التحقيق فانكحوا ما طاب لكم من النساء لا يتناول العبيد، وذلك لأن الخطاب يتناول إنساناً متى طابت له امرأة قدر على نكاحها، والعبد ليس كذلك بدليل أنه لا يتمكن من النكاح إلا بإذن مولاه، ويدل عليه القرآن والخبر. أما القرآن فقوله “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ; (النحل 16: 75) فقوله لا يقدر على شيء ينفي كونه مستقلاً بالنكاح. وأما الخبر فقوله أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر فثبت بما ذكرناه أن هذه الآية لا يندرج فيها العبد.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن نكاح الأربع مشروعٌ للأحرار دون العبيد. وقال مالك: يحلّ للعبد أن يتزوّج بالأربع وتمسّك بظاهر هذه الآية.
والجواب الذي يُعتمد عليه: أن الشافعي احتجّ على أن هذه الآية مختصَّة بالأحرار بوجهين آخرين سوى ما ذكرناه: أن القرآن قال بعد هذه الآية: فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم وهذا لا يكون إلا للأحرار، والثاني: أنه قال: فإنْ طبْنَ لكم عن شيءٍ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً . والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر، بل يكون لسيده.
- 2 - ذهب قومٌ إلى أنه يجوز التزوّج بأيِّ عددٍ أُريد، واحتجّوا بالقرآن والخبر. أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه: (1) أن قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء إطلاق في جميع الأعداد، بدليل أنه لا عدد إلا ويصبح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلاً. (2) أن قوله مثنى وثلاث ورباع لا يصلح تخصيصاً لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجْر مطلقاً.
فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء كان ذلك تنبيهاً على حصول الإذن في جميع الأعداد.
(3) أن الواو للجمع المطلق، فقوله مثنى وثلاث ورباع يفيد حل هذا المجموع. وهو يفيد تسعة، بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر، لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط، بل عن اثنين اثنين وكذا القول في البقية.
وأما الخبر فمن وجهين:
(1) ثبت بالتواتر أن النبي مات عن تسع. ثم إن الله أمرنا باتّباعه فقال فاتبعوه وأقل مراتب الأمر الإباحة.
(2) كان التزوج بأكثر من الأربع طريقة النبي، فكان ذلك سنَّة له، ثم إنه قال فمن رغب عن سُنَّتي فليس منّي فظاهر هذا الحديث يقتضي توجيه اللوم على من ترك التزوّج بأكثر من الأربعة، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز (الرازي في تفسير النساء 3).
ولكن بعض الفقهاء قرَّروا الحَصْر، وبنوه على الخبر، وهو ما رُوي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال الرسول: أمسك أربعاً وفارق باقيهن. وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة، فقال الرسول: أمسك أربعاً وفارق واحدة .
إلى أجلٍ مسمَّى !
“فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ; (آية 24).
رُوي عن سعيد بن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى وقال هذه قراءة أُبيّ بن كعب (كتاب المصاحف للساجستاني فصل مصحف أُبيّ). وأُبيّ هذا هو أحد الأربعة الذين أُخذ عنهم القرآن (البخاري باب جمع القرآن).
وهذه القراءة هي ما يستدل به الشيعة على إباحة زواج المتعة، وهو أن يتزوج الرجل بأيّ امرأةٍ لفترةٍ محدودة وبأجر محدّد دون عقد أو شهود (كتاب الفقه على المذاهب الخمسة الفقه الجعفري).
وإن كانت هذه القراءة صحيحة أو غير صحيحة. فهي تبين أن القرآن قد حُذف أو أُضيف إليه أشياء أثناء الجمع لأسباب يعلمها جامعوه.
ولا تتمنّوا
“وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ; (آية 32).
قال ابن عباس: أتت امرأةٌ للنبي، فقالت إنك تقول: للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا؟ إذا عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة (أسباب النزول للسيوطي في النساء 4: 32). وقال المثنى: لما نزلت للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنّا لنرجو أن نزيد على النساء في الثواب كما في الميراث. وقالت النساء: لهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث (الطبري تفسير النساء 4: 32). فقال لهم محمد: ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض .
فهذا القول هو أشبه بأقوال الساسة لا الأنبياء، فهو يحاول أن يحلّ مشكلة كان هو السبب فيها نتيجة تفرقته بين الناس على أساس النوع، فالرجل عنده أفضل من المرأة، والمرأة أفضل من العبد المسلم، والعبد المسلم أفضل من الجارية المسلمة، والجارية المسلمة أفضل من الرجل الكتابي (يهودي أو مسيحي). (راجع كتاب أحكام أهل الذمة ابن القيّم).
واضربوهنّ :
“الرِّجَالُ قَّوَامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ; (آية 34).
جاءت امرأة إلى محمد تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال: القصاص، فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية) ، فرجعت بغير قصاص.
وأخرج ابن جرير من طُرُقٍ عن الحسن، وفي بعضها أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل محمد بينهما القصاص، فنزلت فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ، ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضَى إليك وحيُه، وقُلْ ربِّ زِدْني عِلماً .وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى محمداً رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يارسول الله، إنه ضربني فأثّر في وجهي، فقال محمد ليس له ذلك. فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية).
فرض المنطق السليم على محمد أن يعاقب الرجل الذي اعتدى على زوجته. ولكن رغبته في إرضاء رجاله جعله يعكس المنطق السليم، معتمداً على ما جاءه من وحي .
لا تقربوا الصلاة :
“لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ; (آية 43).
روى أبو داود عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة فقدَّموني (والقول لعلي) إماماً فقرأت قل يا أيها الكافرون نحن نعبد ما تعبدون فبلغ ذلك محمداً فقال إن الله أنزل عليه لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4: 43).
وهذا القول لا يصل إلى درجة الوحي، فهو مجرد خبر. ولنفرض أن جاءك أُناس وقالوا: لقد ذهبنا للعمل ونحن سكارى فتشاجرنا مع رؤسائنا، فقلتَ لهم لا تذهبوا للعمل وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تفعلون. فهل هذا وحي؟
التيمُّم:
“فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ; (آية 43).
قال البخاري: عن عائشة، قالت خرجنا مع النبي في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر، ورسول الله واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبسْتِ رسول الله والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رأس رسول الله على فخذي. فقام رسول الله على غير ماءٍ حين أصبح، فأنزل الله آيةَ التيمُّم، فتيمموا. فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فوجدنا العقد تحته. وقد رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن اسماعيل، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك (ابن كثير في تفسير النساء 4: 43).
فهذا الأمر لا يخرج عن كونه مهادنة للناس من أجل خاطر عائشة، فكان كلما حدثت متاعب بسببها عمل جبريل على إرضاء الناس عليها.
علامَ يحسدون محمداً؟
“أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ; (آية 54).
قال ابن عباس: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أُوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة، وليس همُّه إلا النكاح، فأي مَلِك أفضل من هذا؟ فقال محمد: أم يحسدون الناس (أسباب النزول للواحدي سبب نزول النساء 4: 54). فقولهم لم يكن حسداً بل كان مجرد انتقاد، فإنهم رأوا أن صفات الأنبياء الصادقين غير منطبقةعلى صفاته، فردَّ عليهم موافقاً على ما قالوه فيه، مدَّعياً أن كثرة النساء من فضل الله.
غير أوليا لضرر :
“لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; (آية 95).
قال زيد بن ثابت: أملى عليَّ محمد: لا يستوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيلِ الله . فجاءهُ ابنُ أُم مكتومٍ وهو يُمِلُّها. قال: يارسولَ اللهِ، واللهِ لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدتُ. وكان أعمى فأنزلَ اللهُ على محمد وفخذُهُ على فخذي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فَخذِي. ثم سُرِّيَ عنه فأنزلَ اللهُ: غيرَ أُولِي الضرَرِ . وقال البَرَاء: لما نَزَلَتْ: لا يستوِي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ دعا محمد زيداً فكتبها. فجاء ابن أم مكتومٍ فَشَكا ضرارَتَهُ، فأنزلَ اللهُ غيرُ أُولِي الضَّرَرِ . وقال البَرَاء: لما نزلت: لا يستوي القاعدونَ من المؤمنينَ قال محمد: ادْعُوا فُلاناً. فجاءهُ ومعهُ الدَّواةُ والَّلوحُ أو الكَتِفُ، فقال: أكْتُبْ: لا يَستَوِي القاعدونَ من المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيل اللهِ، وخَلْفَ النبي ابنُ اُم مكتُومٍ، فقال يارسولَ اللهِ أنا ضَريرٌ. فنزَلَتْ مكانَها: لا يَستَوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ غيرُ أولي الضرر، والمجاهدونَ في سبيل الله . (أخرجه البخاري والسيوطي في أسباب نزول النساء 95).
ونحن نسأل: ألم يكن الله عارفاً بابن أم مكتوم وأمثاله من المعوَّقين، فيُنزل على محمد آية مُحكمة، لا تحتاج أن يكملها ابن أم مكتوم؟ وهل كانت التكملة في اللوح المحفوظ، أم هي من إنشاء الأعمى؟
خصيم الخائنين:
“وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ; (أي: مدافعاً عنهم) (آية 105).
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يُقال له طعمة، سرق درعاً من جار له يُقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرْقٍ في الجراب حتى انتهى إلى داره، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن المين، فالتُمِسَت الدرع من عند طعمة، فحلف بالله ما أخذها وما له به من علم، فاتَّبع أصحاب الدرع أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي، فأخذوها منه. فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمه. وشهد بذلك جماعة من اليهود. وجاء قوم طعمه وسألوا محمداً أن يجادل عن صاحبهم طعمه. فهمَّ محمد أن يقطع يد اليهودي بلا حق. وهرب طعمه لمكَّة وارتد بعد ذلك. ولما رأى محمد ما حدث قال إن الله أنزل عليه: ولا تكن للخائنين خصيماً (الكشاف في تفسير النساء 4: 105 ، 106).
قتلنا رسول الله :
“وَقَوْلِهِمْ ;(أي اليهود) ; إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ; (آية 157).
- 1 - لقد قوَّل القرآن اليهود ما لم يقُولُوه، فمن المفترض (عقلاً ومنطقياً) أن اليهود لم يقولوا إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله فلو أنهم اعتقدوا أنه رسول الله لما صلبوه وقتلوه.
- 2 - أليس من المنطقي أن الصلب يسبق القتل؟ فكان الأصوب أن يقول وما صلبوه وما قتلوه .
- 3 - صلب المسيح حادثة حقيقية مؤيَّدة بالنبوات والتواريخ والمؤرخين اليهود والرومان من أمثال فيلو ويوسيفوس فكيف ينكرها القرآن بعد 600 سنة من حدوثها، والبيّنة على من ادَّعى؟
- 4 - ناقض القرآن نفسه، فهو يقول ما قتلوه ولكنه يقول إني متوفِّيك (آل عمران 3: 55) ويقول فلما توفَّيتني (المائدة 5: 117) و يقول السلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت (مريم 19: 33).
- 5 - ونقول إن قتلوه ترجع لليهود. فلماذا ينكر المسلمون تاريخية الصليب؟ ولماذا لا يكون المعنى أن اليهود صلبوا المسيح فعلاً (تاريخياً). ولكن لم يصلبوه أثراً، أي لم تتحقق لهم النتيجة المرجوَّة من صلبه وهي اندثار دعوته. إن القرآن نفسه يعترف بقتل بعض الناس دون أن يعترف بوفاتهم، فيقول: “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ; (البقرة 2: 154).
(6) انظر تعليقنا على آل عمران 55
الوحي للأسباط:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ... ; (آية 163).
- 1 - نسب القرآن إلى الأسباط (أبناء يعقوب) وحياً. ونحن لا نعلم ما هو. والقرآن نفسه ينسب لهم في يوسف 12: 8 10 عدّة خطايا لا تخرج من مؤمنين، فما بالك بالأنبياء (وقد تحدثنا عما نُسب إليهم تفصيلاً في الجزء الأول من هذه السلسلة). فهل يُعقل أن الله يتَّخذ مثل هؤلاء أدواتٍ لتبليغ رسالته؟
- 2 - في الآية لم يُراعَ الترتيب التاريخي للأنبياء، فذكر المسيح قبل أيوب ويونس، ثم ذكر هارون وسليمان، ثم عاد لداود دون أي انسجام في ترتيب الأسماء.
- تعليقات على سورة المائدة (5)
جبريل والكلاب:
“يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ; (آية 4).
روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى محمد يستأذن عليه فأُذن له فلم يدخل، فقال: قد أذنّا لك. فقال جبريل: أجل. ولكنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب، قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمةً لها. ثم جئتُ إلى محمد فأخبرته، فأمرني بقتله. فأتى عاصم بن عدي وعويم بن ساعده وسعد بن خيثمة وقالوا له: إنَّا قومٌ نصيد بالكلاب وبالبُزاة، وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء، فماذا يحلّ لنا؟ فسكت، ثم قال: أُحلّ لكم... . قال: كلب الصيد وكلب الماشية، بعد أن قتل الجميع (الطبري في تفسير المائدة 5: 4).
نقول: (1) لو افترضنا أن هذا الرأي صحيح وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في الكهف 18: 18 ونقلِّبُهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه ؟ فكيف كانت الملائكة تقلّبهم في أثناء وجود الكلب؟
(2) كانت الكلاب في المدينة بل في بيت محمد قبل هذا الوقت، فكيف كان يأتيه جبريل بالوحي؟ إما أن الذي كان يأتيه قبل قَتل الكلاب غير جبريل، أو أن هذه الأمور كلها أوهام، فإن جبريل كان يأتي أنبياء العهد القديم والعهد الجديد ولم يأمر بقتل كلب ولا كلاب!
منصوبة أم مجرورة؟
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ; (آية 6).
في القرآن كثير من الاختلافات الناشئة عن القراءات. قال العلماء: تعارُض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين، وهذه الآية مثال لذلك. فقوله وأرجلكم قُرئت بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما، فحمل النصب على الغسل، والجر على مسح الخف. فالقراءات هي من أعظم الاختلافات والمناقضات، فإن المعنى ينعكس بها، وتترتَّب عليها أحكام متناقضة. ومع هذا فالقرآن مشحون منها. قال السيالكوتي وحسن جلبي في الحاشية على المواقف من الجزء الثاني: يوجد في القرآن من الاختلافات ما يزيد على اثني عشر ألفاً كما تسمع أصحاب القراءات يتلونها عليك (أنظر الفصل الرابع من القسم الأول من هذا الكتاب). (القرطبي في تفسير الآية).
الاثنا عشر نقيباً:
“وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الّزَكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَّزَرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ; (آية 12).
قال المفسرون إن الله عز وجل وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة (وصوابه إن الله وعد إبراهيم) وكان يسكنها الكنعانيون والجبارون، فأمر الله موسى أن يسير ببني إسرائيل للاستيلاء عليها، ووعده بالنصر، وأمره أن يأخذ من قومه اثني عشر نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء منهم على ما أُمروا به. فاختار موسى النّقباء وسار ببني إسرائيل حتى قربوا من أريحا، فبعث هؤلاء النقباء يتجسّسون له الأخبار. فلقيهم رجلٌ يُقال له عوج بن عنق، وكان طوله 3330 ذراعاً وثلث ذراع (هكذا نقله البغوي) وفيه نظر لأن آدم كان طوله (على ما ورد في الأحاديث الصحيحة) ستين ذراعاً. وكان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب من مائه، ويتناول الحوت من قعر البحر ويشويه في عين الشمس. ومن خرافاتهم أنه اقتلع الصخرة من الجبل على قدر عسكر موسى، وكانت فرسخاً في فرسخ، وحملها على رأسه ليطبقها عليهم، فبعث الله الهدهد فنقب الصخرة وقوّرها بمنقاره، فوقعت في عنق عوج فصرعته، فقتله موسى النبي. ولما لقي عوج النقباء عزم على طحنهم برجله، ولكن أخبرته امرأته أن يتركهم ليرجعوا ويخبروا قومهم بما رأوا، فرجعوا وأزعجوا قومهم ما عدا يوشع وكالب (الطبري في تفسير المائدة 5: 12).
وتذكر التوراة القصة في سفر العدد 13 فتقول: إن موسى أرسل اثني عشر رجلاً من بني إسرائيل ليتجسسوا أرض كنعان، فذهبوا إليها وتجسسوها، وأفادوا أنها أرض تفيض لبناً وعسلاً كناية عن خصبها. غير أن سكانها أشدَّاء ومدنها حصينة، فضعفت عزيمتهم. أما يشوع بن نون وكالب بن يفنة فسكّنا روع بني إسرائيل، ولكنهم زادوا هياجاً واضطراباً. وضرب الله عشرة من الذين أثبطوا همة الشعب بالوبأ.
بنو إسرائيل وأرض كنعان:
“قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ; (آية 22). وفي (عدد 24) “يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ .
قال المفسرون إن اليهود قالوا هذه المقالة لأن مذهبهم التجسيم، فكانوا يجوّزون الذهاب والمجيء على الله (أي أنهم يعتقدون أن لله جسماً، وهو افتراء محض عليهم).
قال بعض علماء الإسلام: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه موسى فهو فسق. وقال بعضهم: قالوهعلىوجه المجاز، والمعنى اذهب أنت، وربك معين لك . ولكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التفسير. وقال بعضهم: أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى. قالوا والأصح أنهم قالوا ذلك جهلاً منهم بالله وصفاته. وقد ورد قوله: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ; (الأنعام 6: 91) (الطبري القرطبي الرازي في تفسير الآية).
ونقول إن القول الحق الذي يغني عن هذا التأويل والتكلّف هو أن بني إسرائيل لم يقولوا لموسى لا ندخل أرض الموعد ما لم تُخرِج أهلها، ولم يقولوا فاذهب أنت وربك فقاتلا. نعم تذمّروا على موسى وقالوا له: ليتنا متنا في مصر أو في القفر . وقال بعضهم بإقامة رئيس لإرجاعهم إلى مصر، وكاد الله أن يلاشيهم. غير أن موسى صلى للرب صلاة طويلة بأن لا يؤاخذ بني إسرائيل على شرِّهم وعنادهم. وأمات الله الرجال العشرة الذين بثّوا الرعب (العدد أصحاح 13 ، 14).
قايين وهابيل:
لما قتل قايين أخاه هابيل، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سَوْأة أخيه. قال: “يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ; (آية 31).
روى ابن أبي حاتم لما أراد أن يقتله أخذ برأسه وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله. فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه. فأخذها وألقاها عليه فقتله. ثم جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن قابيل قتل هابيل، فقالت له: ويحك، وأي شيء يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك. فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم، فقال: مالك؟ فلم تردّ. فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبنيَّ منها براء.
فلما قتل قابيل هابيل تركه في العراء، ولم يدْرِ ما يصنع به، لأنه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض، فقصدته السِّباع لتأكله، فحمله قابيل على ظهره في جرابٍ أربعين يوماً، وقال ابن عباس سنة، حتى أرْوَح وأنْتَن. فأراد الله أن يُري قابيل سُنّته في موتى بني آدم في الدفن، فبعث غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة ثم ألقاه فيها وواراه بالتراب، وقابيل ينظر. فهذا معنى قوله فبعث الله غراباً (ابن كثير تفسير المائدة 5: 31).
أما قوله قابيل فصوابه قايين، ثم إن مراعاة القرآن للسجع مقدَّمةٌ عنده على الحقائق، فقال قابيل لأنه على وزن هابيل، كما قال طالوت لأنه على وزن جالوت.
وقول القرآن إن الغراب علّم قايين كيفية دفن أخيه مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. وهل نتصوّر أن قايين كان يجهل هذا الأمر وقد كان يرى مدة حياته الذبائح تُقدّم لله؟ وهل يُعقل أنه لم يرَ في مدة حياته الطويلة أن دفن الطير أو الحيوان في الأرض ومواراته في التراب يكون واقياً للإنسان من رائحته المنتنة الكريهة، وقد أتى الله الإنسان عقلاً به يعقل ويدرك؟ وكتاب الله لا يتكلم عن هذه الخرافة
القرآن مصدّق على التوراة والإنجيل:
“وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَا حْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ; (آيات 43 - 48).
قال الزمخشري: يحكم بها النبيون أي الأنبياء بين موسى والمسيح وهم ألف نبي (الكشاف في تفسير 5: 43). نقول: وهذا ظاهر البطلان، فالمدة بين المسيح وموسى ألف وستمائة عام، فكيف يكون فيها ألف نبي؟
وقال النسفي: لما بين يديه أي لِما تقدمه. وقوله مهيمناً عليه شاهداً عليه، لأنه يشهد له بالصحة والثبات. فالقرآن لم يقل ما صدّقته فصدّقوه، وما كذّبته فكذّبوه، وما سكتُّ عنه فلا تصدّقوه ولا تكذّبوه .
بل قال: من لم يحكم بالتوراة والإنجيل فهم الكافرون والظالمون والفاسقون .
وقال محمد: أنا أول من أُحيي أمر الله وكتابه أي التوراة والإنجيل (النسفي في تفسير المائدة 5: 43 48).
ومحمد هو الذي وضع التوراة على الوسادة وقال: آمنتُ بك وبمن أنزلك
(تفسير ابن كثير على المائدة 43 48 وسنن أبي داود حديث رقم 4449).
ولما كان حضّه لأهل الكتاب على إقامة شريعتهم يُغني عن القرآن وعن رسالته قال: لكلٍ جعلنا منكم شِرْعة ومِنهاجاً، ولو شاء لجعلكم أمةً واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . قال المفسرون: لكل أمة شريعة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة يحلّ الله عز وجل فيها ما يشاء. وكل عبارة دلّت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسُله واليوم الآخِر، وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه. وأما العبادات الدالة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبارات. فجائز، أن يتعبّد الله عباده في كل وقت بما يشاء. وقوله لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة، فلا يُلزِم أمةَ رسولٍ الاقتداءَ بشريعةِ رسولٍ آخر . (الخازن جزء أول).
ونحن نختلف مع هذا المبدأ، لأن طريقة الخلاص واحدة في التوراة والإنجيل، وفحواها واحد.
إن الصابئون:
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; (آية 69).
وورد في البقرة 2: 62 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ;، وكذلك في الحج 22: 17.
فهل الصابئون صحيحة أم الصابئين ؟ هنا ثلاث آيات بنفس النصّ تقريباً ووردت كلمة الصابئون في نفس الموقع الإعرابي في سورة المائدة والحج، ورغم ذلك رُفعت هنا ونُصبت في الموضعين الآخرين، فكيف رُفعت هنا وهي اسم إن ومعطوفة على منصوب؟
ما هي الطيبات؟
“لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ; (آية 87).
روى البخاري عن عبد الله قال: كنا نغزو مع النبي وليس معنا نساء، فقلنا له: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخَّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب، ثم قرأ لا تحرموا... (البخاري كتاب تفسير المائدة). فكما ترى أن محمداً كان يُبيح لأصحابه أشياء غريبة كهذا الحديث الذي أباح لهم فيه زواج المتعة، الذي قال عنه كثيرون إنه زنا. ثم تراه يقول لهم إن هذا هو طيّبات ما أحلّ الله.
أسئلة بلا إجابات:
“لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ; (آية 101).
لما رأى محمد أن أصحابه بدأوا يسألونه أسئلةً لا يجد عنده لها جواباً، خشي من ذلك فقال إن الله أنزل عليه قوله لا تسألوا... .
مائدة المسيح:
“إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَّزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَّوَلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَّزِلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ; (آيات 112 - 115).
ورد في الحديث أن محمداً قال: أُنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادَّخروا ورفعوا لغدٍ، فمُسخوا قردةً وخنازير . أخرجه الترمذي. وقال ابن عباس: إن عيسى قال لهم صوموا ثلاثين يوماً ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكموه، فصاموا. فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنّا لو عملنا عملاً لأحدٍ فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا المائدة. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم، فأكل منها آخرُ الناس كما أكل أوَّلُهم. وقيل نزلت سفرةٌ حمراء بين غمامتين فأكل منها 1300 من أهل الفاقة والمرض البرص والجذام والمقعَدين فشُفوا مما بهم، وغير ذلك (ابن كثير في تفسير المائدة 5: 112 - 115).
وحقيقة القول إنه لما أبصرت الجماهير معجزات المسيح الباهرة تبعه جمع كثير إلى بحيرة طبرية. وكان مع غلام خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخذها المسيح وباركها، فأكل منها خمسة آلاف شخص، وجمعوا مما بقي اثنتي عشرة قفة من الكِسر التي فضلت عن الآكلين (يوحنا 6: 1-15).
(1) فلم يطلب الرسل من المسيح أن يُنزّل عليهم مائدة من السماء ليأكلوا وتطمئن قلوبهم، ولم تنزل هذه المائدة وكان فيها اللحم والخبز.
(2) المائدة التي نزلت من السماء نزلت على الرسول بطرس، وكانت الغاية منها أن يعلّمه الله أن دعوة الإنجيل عامة (أعمال الرسل 10). هذا بالإضافة إلى أنها لم تكن مائدة حقيقية، بل كانت رؤيا رآها الرسول بطرس.
- تعليقات على سورة الأنعام (6)
يكتمون أو لا يكتمون؟
“ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ; (آيتا 22 ، 23).
قال عبد الرازق في تفسيره: جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء مختلفاً عليّ من القرآن . قال ابن عباس: هات ما اختلف عليك من ذلك . قال: أسمع القرآن يقول: ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين مع أنه ورد في النساء 4: 42 “يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَّوَى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; مع أنهم كتموا ففي العبارة الأولى قال إنهم كتموا، وفي العبارة الثانية قال إنهم لا يكتمون. فأجاب ابن عباس بما حاصله أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم (الطبري في الأنعام 6: 23 والرازي في النساء 4: 42).
أبو إبراهيم:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ; (آية 74).
والصواب أن أبا إبراهيم هو تارح (التكوين 11: 26). وقال محمد بن اسحق والكلبي والضحاك: اسم أبي إبراهيم وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة (ابن كثير في تفسير الأنعام 6: 74). والحقيقة هي تارح فقط، فإن الواجب أخذ هذه الأسماء من الأمة اليهودية ومن التوراة.
وقال أهل السيرة: آزر هو اسمٌ كان ينادي به إبراهيم أباه، بمعنى يا شيخ أو يا مخرِّف. وإن اسم أبي إبراهيم هو تارح. وقالوا إنه كان له اسمان، وغير ذلك كثير (قصص الأنبياء عبد الوهاب النجار فصل قصة إبراهيم).
ولا يُفهم من التوراة أن إبراهيم كان يعبد الأصنام، بل العكس. والدليل على ذلك قول التكوين 11: 31 : ; وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطاً بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعاً مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ “والظاهر أنهم هاجروا من وطنهم لأنهم تضايقوا من تمادي قومهم على عبادة الأصنام واقتراف الرذائل، فلو لم يكن تارح رجلاً تقياً يخاف الله لما ترك وطنه وهو عزيز عنده. ولو لم يكن تارح تقياً لما أطاع الأمر الإلهي. فطاعته من أقوى الأدلة على معرفته بالإله الحي الحقيقي.
إبراهيم والكواكب:
“فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ; (أي على إبراهيم) ; اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ; (آيات 76 - 78).
ولمفسّريهم في هذه الأقوال آراء شتى:
(1) فمنهم من قال إن إبراهيم قال هذا القول قبل البلوغ، أي في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه. واستدل أصحاب هذا من القول: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين . وهذا يدل على تحيُّر. وقيل إن كلامه هذا كان بعد بلوغه، وفسَّروا عبارة القرآن بأن إبراهيم أراد أن يعرّفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النجوم وعبادتها، بأن أراهم النقص الداخل عليها بسبب الأفول.
(2) قالوا إنه قال هذا القول على سبيل الاستفهام، وهو استفهامٌ استنكاري. وإسقاط حرف الاستفهام كثير في كلام العرب.
(3) إنه قال هذا على وجه الإحجاج، كأنه قال لهم: لو كان إلهاً كما تزعمون لما غاب.
وغير ذلك من الأوجه التي اعتذروا بها عن وقوع إبراهيم في عبادة الكواكب (الرازي في تفسير الأنعام 6: 76 - 78).
والقول الحق الذي يغني عن كثرة التفسير هو الوارد في التوراة، من أن إبراهيم كان يعبد الله، وكذلك كان والداه. وكانوا من شعب الله المعترفين بوحدانيته المطيعين لأوامره، فلا يقول إبراهيم الذي تربَّى في مخافة الله عن الكواكب إنها ربه، حتى وإن قصد إقناعهم ببُطلان معبودهم، فإنه توجد طرق كثيرة لإدراك المقصود بغير هذه الطريقة.
أسماء الأنبياء:
“وَوَهَبْنَا (لإبراهيم) ; لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ; (آيات 84 - 86).
المطّلع على الكتاب المقدس يرى أن محمداً يجهل أزمنة ظهور هؤلاء الأنبياء الكرام، ولذا قدّم المتأخر وأخّر المتقدّم، فكان ذكره لهم في غاية التشويش. هذا فضلاً عن أخطائه في أسمائهم فيحيى صوابه يوحنا، وإلياس صوابه إيليا، واليسع صوابه إليشع، ويونس صوابه يونان.
كاتب محمد:
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; (آية 93).
قالوا: المراد بالقسم الأول من هذه العبارة مسيلمة الكذّاب، والمراد بالقسم الثاني عبد الله بن أبي سَرْح الذي كان يكتب الوحي لمحمد، ثم ارتدّ ولَحِق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت المؤمنون 23: 12 “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ; دعاه النبي فأملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله “ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ; (المؤمنون 23: 14) عَجِب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: “تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ! ; (المؤمنون 14). فقال محمد: هكذا أُنزلت عليّ . فشكّ عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أُوحي إليّ كما أُوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلتُ كما قال. فارتدّ عن الإسلام ولحِق بالمشركين، فذلك قوله: ومن قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله رواه الكلبي عن ابن عباس. وذكره محمد بن إسحاق، قال: حدّثني شرحبيل قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح ومَنْ قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله ارتدّشّعن الإسلام، فلما دخل محمد مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خَطَل ومِقْيَس بن صُبَابة ولو وُجدوا تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمُّه عثمانَ، فغيّبه عثمان حتى أتى به إلى محمد بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمَت طويلاً ثم قال: نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد: ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه بعضُكم فيضربَ عُنُقَه . فقال رجل من الأنصار: فهلاّ أومأتَ إليَّ؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (القرطبي في تفسير الأنعام 6: 109).
ولقد كان عبد الله معذوراً في ترك محمد فإنه ساعد محمداً في أقواله، بل كان يأخذ جُملاً برُمّتها ويضعها في القرآن ويقول إنها وحي، فقال: إذا كان الوحي بهذه الصفة فأنا أكون نبياً أيضاً، لأنني ساعدته على تأليفه . وشهادة عبد الله مهمة لأنه كان كاتباً له، عاشره وعرف أسراره، وتأكد أن تأليف عبارات القرآن لم يكن بطريقةٍ خارقةٍ للعادة بل كان بطريقة عادية، وإلا لما أخذ محمد أقواله ووضعها في القرآن! كما أن أسلوب عبد الله يشبه أسلوب القرآن، فأين إعجاز القرآن؟!
معجزات محمد:
“وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ; (آية 109).
قالت قريش: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً، وتخبرنا أن عيسى كان يُحيي الموتى، وأن ثمود لهم الناقة. فأْتنا بآيةٍ حتى نصدّقك ونؤمن بك . فقال محمد: أي شيء تحبون؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، وابعث لنا بعض موتانا نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل، وأرِنا الملائكة يشهدون لك . قال محمد: إن فعلتُ بعضَ ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا: نعم. والله لئن فعلتَ لنتبعنَّك أجمعين . وسأل المسلمون محمداً أن يُنزِلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام محمد وجعل يدعو الله أن يجعل الصفا ذهباً. فجاءه جبريل فقال: ما شئت إن شئت أصبح ذهباً، ولكن إن لم يصدّقوك لنعذبنَّهم. وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال محمد: بل يتوب تائبهم . (الطبري في تفسير الأنعام 6: 109).
فجميع الأنبياء كانوا يعملون المعجزات الباهرة ثم يطلبون من الناس أن يصدِّقوا رسالتهم، ولم يقتفِ محمدٌ أثرهم. ولما طلبوا منه أن يعمل معجزةً كموسى أو عيسى أو غيرهما قال: إنكم لا تؤمنون .
- تعليقات على سورة الأعراف (7)
سقوط آدم:
من قارن بين ماورد في الأعراف 7: 20 - 23 وما ورد في التوراة عن سقوط آدم وجد أخطاءً كثيرة في القرآن. قال القرآن إن الشيطان قال: “مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ .
والتوراة تعلّمنا أن الشيطان اختلى بحواء واستفهم منها بمكره وغدره عن الشجرة ثم قال لحواء: إنكما إذا أكلتما منها تكونان كالله ذاته وتعرفان الخير والشر.
ومن أخطائه قوله إن الله قال لآدم وحواء: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وإنها أجابا: ربنَّا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . مع أن التوراة أفادت أنه لما أكل آدم وامرأته من الشجرة اختبئا. “فَنَادَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ؟ . فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لِأَنِّي عُرْيَانٌ فَا خْتَبَأْتُ . فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ ; (تكوين 3: 8 - 20).
ريشاً ولباس التقوى :
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ; (آية 26).
تُرى ما هو ذلك اللِّباس الذي يواري السوءات؟ وما هو الريش ولباس التقوى؟ إنه خيرٌ. إنه من آيات الله. ولكن القرآن لا يشرح لنا شيئاً عنه، مع أنه في غاية الأهمية لسَتْر الإنسان الذي أزلَّه الشيطانُ وعرَّاه وفضَحَه! ولكن حسناً نصح القرآن أصحابه: فا سْألوا أهل الذِّكر إن كنتُم لا تعلمون (النحل 16: 43). فإن سفر التكوين في التوراة يقول لنا إن آدم وحواء لم يُفلِحا في سَتْر نفسيهما وهما يَخْصِفان عليهما من ورق الجنَّة، فصنع الربُّ الإلهُ لآدمَ وامرأته أقمصةً مِن جلدٍ وألبسهما (تكوين 3: 21). إذاً كانت هناك ذبيحةٌ سُفك دمها وأُخِذ جِلْدُها لستر آدم وحواء. لقد فداهما الله بذبحٍ عظيم لأنّه بدون سَفْك دمٍ لا تحصل مغفرة (الصافات 37: 107 والعبرانيين 9: 22). وهذا رمزٌ للمسيح المخلِّص الآتي الذي هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29 ، 36). ويقول نبيُّ الله إشعياء في التوراة: فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر (إشعياء 61: 10).
(انظر تعليقنا على البقرة 2: 37).
يأمر بالفحشاء!
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ; (آية 28) مع أنه ورد في (الإسراء 17: 16) أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها . ولتبرير ذلك قال علماء الإسلام: الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني، بمعنى القضاء والقَدَر.
هود وعاد:
وَإِلَى عَادٍ (أرسلنا) ; أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ 66 قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ... قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَّزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَا نْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ; (آيات 65 و66 و 70 - 72).
قال مفسِّرو المسلمين كلاماً طويلاً في عاد وهود، وملخّص أقوالهم إن هوداً هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح. وقيل هو شالح بن أرفخشد بن سام بن عم أبي عاد. وكان قوم عاد يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هوداً فكذّبوه وازدادوا عتوّاً، فأمسك الله المطر عنهم ثلاث سنين حتى جَهِدَهم. وكان الناس حينئذ مُسْلمهم ومُشركهم إذا نزل بهم بلاءٌ توجّهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه، قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم. وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عماليق بن لاوذ بن سام، وسيدهم معاوية بن بكر. فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قِينتان له. فلما رأى ذهولهم بالله عما بُعثوا له أهمَّهُ ذلك واستحَى أن يكلّمهم فيه مخافة أن يظنّوا به ثقل مقامهم، فعلَّم القِينتين:
لا يا قيلُ ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا الغماما
فيسقي أرض عادٍ إن عاداً قد أمسوا ما يُبينون الكلاما
حتى غنّتا به، فأزعجهم ذلك. فقال مرثد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيّكم وتُبتم إلى الله سُقيتم . فقالوا لمعاوية: احبسه عنا. لا يَقْدُمنّ معنا مكة، فإنه قد اتّبع دين هود وترك ديننا . ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنتَ تسقيهم . فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء حمراء وسوداء، فناداه منادٍ من السماء: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك فقال: اخترت السوداء فإنها أكثرهنّ ماء، فخرجت على عاد من وادي المغيث، فاستبشروا بها وقالوا: هذا عارضٌ مُمطِرنا، فجاءتهم منها ريحٌ عقيم أهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله فيها حتى ماتوا (الطبري في تفسير الأعراف 7: 65 - 70).
قلنا: (1) ورد في تكوين 10: 22 أن أولاد سام هم عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، فالظاهر أن كلمة هود محرّفة عن لود.
(2) ولم يرد في التوراة أن هوداً أو لوداً كان نبياً، وإنه أُرسل إلى قومه. وكذلك لم يرد أن قومه هم عاد.
(3) لم يصرّح القرآن بالرجس الذي أنزله الله على قوم هود، ولو كان شيئاً حقيقياً لصرّح به.
غير أن المفسرين قالوا إن الله أمسك عنهم المطر ثلاث سنين لأنهم كذّبوا هوداً. والحق أن إيليا النبي هو الذي أمسك المطر عن بني إسرائيل مدة ثلاث سنين وستة أشهر في عهد الملك أخآب (1 ملوك 17 و18). فخلطوا إيليا بهود، واخترعوا أسماء وهمية لا أصل لها.
- صالح وثمود:
73 وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ (أي وأرسلنا) ; يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْو. َذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ,.. فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ; (آيات 73 و77 و78).
قال المفسرون: ثمود هو ابن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عابر. وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وقد عمَّر ثمود إعماراً طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً من أشرافهم فأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أيّة آيةٍ تريدون؟ قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فمن استُجيب له اتُّبع. فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم، ثم أشار أميرهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يُقال لها الكائبة، وقال له أَخرِج من هذه الصخرة ناقةً مخترجة جوفاء وَبْراء، فإن فعلت صدّقناك. فأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ ذلك لتؤمنُنّ، فقال نعم. فصلّى ودعا ربه، فتمخّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولداً مثلها في العِظم، ولذا سُمّيت ناقة الله لأنها لا من ذكر ولا من أنثى، فآمن به جندع في جماعة، ومنع الباقين من الإيمان ابن ذواب بن عمرو والحباب، صاحبا أوثانهم، ورباب بن صغر كاهنهم. فمكثت الناقة وولدها ترعى الشجر وترد الماء غباً، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاءوا حتى تملأ أوانيهم فيشربون ويدّخرون. وكانت تصيّف بظهر الوادي فتهرب منها بهائمهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقّ ذلك عليهم. وزيَّنت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها، فرقي ولدها جبلاً اسمه قارة، فرغا ثُلاثاً، فقال صالح: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رُغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غداً مصفرّة، وبعد غد محمرّة، واليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. فلما كان ضحوة اليوم الرابع تحنّطوا بالصبر وتكفّنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقطّعت قلوبهم فهلكوا (الرازي في تفسير الأعراف 7: 73).
ولم يرد في التوراة ولا في الإنجيل أن الله أرسل نبياً اسمه صالح إلى ثمود من قبائل العرب، فإن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا من الأمة الإسرائيلية في أرض اليهود، لأن الله فضّلها على العالمين بأن جعل منها الأنبياء والمرسلين. ودعواهم أن صالحاً من ذرّية سام يدل على عدم معرفةٍ بالأنساب والتواريخ، وأقدم تاريخ في الدنيا لمعرفة أنساب نوح وإبراهيم وغيرهما هو التوراة.
امرأة لوط:
“فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَا نْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ; (آيتا 83 ، 84).
فقوله من الغابرين أي الباقين الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، مع أن كتاب الله يعلّمنا أن الله أرسل ملاكين أخرجا لوطاً وامرأته وابنتيه خارج المدينة لشفقة الرب عليه، ونبّها عليهم أن لا ينظر أحد إلى ورائه، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً. وأما امرأته فنظرت من ورائه بسبب تعلُُّق قلبها بالمدينة، فصارت عمود ملح.
شُعَيْب ومَدْيَن:
“وَإِلَى مَدْيَنَ ;(أي وأرسلنا) ; أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ; (آية 85) إلى عدد 91.
قال ابن عباس وغيره: فتح الله على مدين باباً من جهنم فأرسل عليهمحراً شديداً، فأخذ بأنفسهم فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماءُ، فدخلوا في الأسراب ليهربوا فيها فوجدوها أشد حراً من الظاهر، فخرجوا هرباً من البرية، فبعث الله عليهم سحابة فيها ريح طيبة باردة فأظلَّتهم، وهي الظُلَّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً. فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم ناراً، ورجفت بهم الأرض من تحتهم فاحترقوا كاحتراق الجراد في المقلى . وقال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، فأما أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلَّة، وأما أهل مدين فأخذتهم الرَّجفة. صاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعاً . ووردت قصة أصحاب الأيكة هذه بالتفصيل في (الشعراء 26: 176 190) وأُشير إليها في (ص 38: 13 والحِجْر 15: 78 ، ق 50: 14) (الطبري في تفسير الأعراف 7: 91).
ثعبانٌ أم جان؟
; 107 فَأَلْقَى عَصَاهُ ;(أي موسى) ; فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ; (آية 107). مع أنه ورد في (النمل 27: 10) : وألقِ عصاك. فلما رآها تهتزُّ كأنها جانٌّ .
فقالوا: الجان الصغير من الحيّات، والثعبان الكبير منها. وقالوا لأن خلقها كخلق الثعبان العظيم، واهتزازها وخفَّتها كاهتزاز الجان وخفته. فترى أنهم يتصرفون في اللغة كيف شاءوا.
فرعون والسحرة وموسى:
“وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ; (آيات 113 - 116). “وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ; (آيات 120 - 125). وقد تكررت هذه القصة يونس 10: 80 ، 81 وفي طه 20: 60 97 وفي الشعراء وغيرها.
قال المفسرون المراد بالسحر العظيم هو أن السحرة ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال قد ملأت الوادي، ويقال إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقاً أيضاً وألقوها على الأرض، فلما أثَّر حرُّ الشمس فيها تحركت والتوى بعضُها على بعضٍ، حتى تخيّل للناس أنها حيّات. ويقال إن الأرض كانت سعتها ميلاً في ميل، فصارت كلها حيّات وأفاعي، ففزع الناس من ذلك حتى فزع موسى أيضاً فأوجس في نفسه خِيفةٍ موسى. قلنا لا تخف (طه 20: 67 ، 68) (المنار في تفسير الأعراف 7: 113 - 116).
(1) لم يقل السحرة لفرعون إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، وأنه أجاب سؤلهم. فإن مثل هذا لا يحدث، لأن فرعون كان ملكاً مستبداً يفعل بقومه كما يشاء، والذوق والأدب يقضيان بعدم إبرام شروط مع الملك. وانظر إلى عبارة التوراة فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك .
(2) لم يرد في التوراة أن موسى جزع وخاف من شعوذة السحرة وهو يعرف كذبها، هذا فضلاً عن بسالته وثقته في عناية الله به.
(3) لم يقل السحرة لموسى: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، وكذلك لم يقل لهم: ألقوا أنتم أولاً. بل إن الله أمره أن يطلب من فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وإذا سأل آيةً فافعل كذا وكذا.
(4) أخطأ القرآن في قوله إن السحرة آمنوا برب موسى، فإن التوراة صرّحت بأن الله قسّى قلب فرعون وقلوب عبيده ليُظهِر قوّته وقدرته. ولا نظن أن عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ويخالفون فرعون الملك المطاع، وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه.
(5) أخطأ في تهديد فرعون للسحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ ثم يصلبهم.
قتل فرعون للإسرائيليين:
“وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ; (آية 127).
وتعلمنا التوراة في الخروج 1: 16 أن قتل الذكور واستحياء البنات كان قبل ولادة موسى، فإنه لما رأى فرعون أن بني إسرائيل زادوا خشي من انضمامهم إلى أعدائه ، فنبّه على قابلتي العبرانيين بإماتة الذكور. فوُلد موسى في هذا الوقت فوضعته أمه في سَفَط من البَردي وألقته في النهر، فالتقطته ابنة فرعون. والقرآن يقول إن المصريين اشتكوا لفرعون من تصرّف موسى، فنبّه بقتل أبناء العبرانيين واستحياء نسائهم.
بنو إسرائيل ومصر:
ورد في آية 128 أن موسى حضّ قومه على الاعتصام بالصبر، وأخبرهم “إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “ثم قال لهم في عدد 129 “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُّوَكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ “فأجمع مفسِّرو المسلمين على أن هذه العبارة تقول إنه لما يهلك الله عدوهم (يعني فرعون وقومه) يجعل بني إسرائيل يخلفونهم في أرضهم، أي أرض مصر بعد هلاكهم، ويأخذونها. ولم يأخذ بنو إسرائيل أرض مصر مطلقاً، لا في زمن داود كما قال البيضاوي، ولا في زمن غيره. وقوله يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض منافٍ للحقيقة التاريخية. ولم يقل موسى لبني إسرائيل شيئاً من هذا.
الضربات على المصريين:
“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ; (آية 133).
(1) لم يذكر القرآن الضربات التي ضرب بها الله المصريين حسب ترتيب حدوثها.
(2) أخطأ في قوله الطوفان، فإن الله لم يرسل على المصريين طوفاناً فأغرقهم. والصواب أن الله ضرب المصريين بعشر ضربات لإطلاق بني إسرائيل، وهي حسب ترتيب حدوثها:
(1) تحويل الماء إلى دم (2) الضفادع (3) البعوض (4) الذباب (5) موت المواشي (6) الدمامل (7) البَرَد (8) الجراد (9) الظلام (10) موت الأبكار (الخروج 7 12). ولما كان لا يوجد طوفان أخذوا في تأويله فقال مجاهد: وعطاء الطوفان الموت . وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة أهل اليمن . وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عُذِّبوا به وقال مقاتل: الطوفان الماء طفا فوق حروثهم . وقال ابن عباس: الطوفان المطر (ابن كثير في تفسيرالأعراف 7: 132).
لوحا الوصايا:
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ; (آية 145). قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة. والمعنى: وكتبنا لموسى في ألواح التوراة تفاصيل كل شيء . وفي الحديث: كانت من سدر الجنة، طول اللوح اثنا عشر ذراعاً . وقال بعضهم: كانت الألواح من خشب، وقيل من زبرجد خضراء، وقيل من ياقوتة حمراء، وقيل من زمرد جاء بها جبريل من جنة عدن، وقيل أمره الله بقطع ألواح من صخرة صمّاء ليّنها له، فقطعها بيده ثم شقها بأصبعه. وسمع موسى صريف الأقلام.
واختلفوا في عدد الألواح، فقال ابن عباس: كانت سبعة ألواح، وقيل عشرة ألواح، وقيل تسعة، وقيل لوحان. والحق أن الله كتب الوصايا العشر على لوحين فقط من حجر.
العجل له خوار:
“وَا تَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً ; (آية 148). “وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85). “فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ 88 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ; (عددا 87 ، 88). ; قَالَ ;(أي موسى) ;فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ; (عددا 95 ، 96). وفي الأعراف (150) أن موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، قال: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
قوله له خُوار هو صوت البقر، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور أهل التفسير. وقيل إنه خار مرّة، وقيل كان يخور كثيراً، وكلما خار سجدوا له، وإذ سكت رفعوا رؤوسهم. أما السامري فاختلفوا فيه، فتارةً قالوا إنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة، يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط، وكان جاراً لموسى فآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. فهذا السامري قذف من تراب حافر فرس جبريل في فم العجل، فخار. فإن قلتَ كيف عرف السامريُّ جبريلَ ورآه دون سائر الناس؟ فالجواب إنهم قالوا إن أمه ولدته في السنة التي كان يُقتل فيها البنون، فوضعته في كهفٍ حذراً عليه من القتل، فبعث الله إليه جبريل ليربّيه لما قضى الله على يديه من الفتنة.
الوجه الثاني أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال: إن لهذا شأناً. فقبض القبضة من أصل تربة أثرٍ موطئه. فلما سأل موسى قال: قبضت قبضة في أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر، فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لِمَا يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه (الطبري في تفسير طه 20: 85 - 96 ، الرازي في تفسير الأعراف 7: 150).
فالأخطاء في النص الأصلي وأقوال المفسرين كثيرة:
(1) قوله إن العجل له خوار مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. ولا يخفى أن الله لا يساعد على الإشراك به، وهو منزّه عما يقولون.
(2) قوله إن السامري أضلّهم، مع أنه لم يكن في عصر موسى شيء يقال له سامرة ولا سامري، فهو من التخيُّلات البعيدة المستحيلة كما يدل عليه تاريخ بني إسرائيل بل تواريخ العالم قاطبة.
(3) أقبح من الغلطة السابقة قوله إن هذا السامري ألقى في فم العجل من تراب أثر فرس جبريل. فهل لجبريل فرس؟ وهل لفرسه أثر؟ لأنه ظنَّ أن جبريل إنسانٌ يركب فرساً.
(4) لم يجرّ موسى أخاه من رأسه كما يفعل السفهاء. إن القصة الحقيقية موجودة في الخروج 32: 1 - 35.
(5) ورد في كتاب يهودي يسمّى ترجوم يوناثان بن عزيا نفس هذه القصة، ولكن كان اليهود يقولون الربي يهوداه إسمائيل كان مختبئاً دخل العجل، وكان يخور لغش إسرائيل . فيبدو أن محمداً قد سمع هذه القصة من يهود عصره، ولما كان لا يعرف أن كلمة إسمائيل تعني ملك الموت بالعبرانية، ظن أنهم يقصدون السامرة، وخاصة أنه كان يعرف هذه البلدة نتيجة لأسفاره السابقة إلى الشام.
هل انكسر اللوحان:
“وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ; (آية 154).
قال الإمام الرازي: ظاهر هذا يدل على أن الألواح لم تتكسّر ولم يُرفع من التوراة شيء (في تفسير الأعراف 7: 154).
وتعلّمنا التوراة أن الرب قال لموسى: “انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الْأَّوَلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْأَّوَلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا ; (خروج 34: 1). هذا وقد ذُكر لفظ الألواح في كل موضع في القرآن بصيغة الجمع (لا بصيغة المثنَّى) وهو دليل على أنه كان يظن أن الألواح كانت أكثر من اثنين.
اختيار موسى سبعين رجلاً:
“وَا خْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ; (آية 155).
قال السُّدي: أمر الله موسى أن يأتيه في ناسٍ مِن بني إسرائيل يعتذرون إليه عن عبادة العجل، فامتثل الأمر. فلما ذهب بهم إلى ميقات ربه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً، فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم؟ رب لو شئتَ أهلكتَهم من قبل وإياي.
فعبارة القرآن تفيد أن موسى أخذ السبعين رجلاً بعد نزول الشريعة وبعد عمل العجل، والحقيقة هي أن موسى أصعد السبعين رجلاً قبل نزول اللوحين وقبل عمل العجل (خروج 24: 1).
محمد الأمي:
“وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ; (آيتا 156 ، 157).
يقول القرآن هنا إن موسى وقومه في ميقاتهم أخذتهم الرَّجْفةُ فأخذوا يصلّون ويقولون .. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنّا هُدْنا إليك . كان اليهود يشتقُّون اسمهم من الهُدى، والهدى كناية عن موسى ولقد آتينا موسى الهدى . أو يشتقّون الهدى من اسمهم، فموسى وقومه يطلبون من الله تسجيل يهوديتهم حسنةً لهم، فيجيبهم الله بقوله أولاً: إن الحسنة لأهل التقي والزكاة والإيمان، وهذه الحسنة ستُكتب للذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. فهل كان موسى وقومه ينتظرون ألفي سنة حتى تقوم لهم حسنةٌ بالإيمان بمحمد!! أمِن المعقول أن يجيب الله على دعاء موسى وقومه لربهم بأن الهداية ليست في الموسوية بل في اتِّباع محمد النبي الأمي ؟!! وأن يقول الله في ردّه على صلاة موسى إن محمداً مكتوبٌ في التوراة والإنجيل.. وأين كان الإنجيل في زمن موسى حتى يحدّث الله قومه به؟!
وكلمة الأمي الواردة في النصّ لا تعني (بحسب القرآن) عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، إنما تعني من ليس له كتاب مُنزَّل، فاليهود أتباع اسحاق بن إبراهيم هم كتابيون في حين أن العرب أبناء اسماعيل بن إبراهيم هم أميون . ودلَّ القرآن على هذا دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتِّباع الإسلام قل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ (آل عمران 3: 20) ثم يشير إلى تمنّي الأميين لمعرفة الكتاب: ومنهم أُميُّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ (البقرة 2: 78) ويفخر بأن بعثه الله رسولاً من غير الكتابيين فيقول: هو الذي بعث في الأُمّيين رسولاً منهم (الجمعة 62: 2). وقد عرَّف أهل الكتاب بأن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: قالوا ليس علينا في الأميين سبيل (آل عمران 3: 75). بهذا المعنى القرآني يجب أن نفهم قول القرآن عن أُمِّية محمد. فالأميون هم العرب أبناء إسماعيل، والكتابيون هم اليهود أبناء اسحاق، وبالتالي فإن أمّية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه إلى العرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم من الله كتاب مُنزَّل. (راجع تفسير ابن كثير للأعراف 7: 157 - ولم نعثر على تفسيرٍ إسلامي يشرح ذكر الإنجيل في هذا الموقف، ولكنهم جميعاً يصمتون عن هذا تماماً).
قطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً:
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً (آية 160). هذه الجملة خطأ، وصوابها اثني عشر سبطاً لأن مميَّز ما فوق العشرة مفرد، فما وجه جمعه هنا؟ وقد اعتذر المفسرون عن ذلك اعتذارات شتى فقالوا إنه يقصد اثنتي عشرة قبيلة، ولما كانت كل قبيلة أسباطاً فحذف قبيلة ووضع كلمة أسباطاً التي تساويها (راجع الرازي في تفسير الأعراف 7: 160).
القرية والحيتان:
اسكنوا هذه القرية (أي بيت المقدس) وكلوا منها حيث شئتُم، وقولوا حِطَّةٌ، وادخلوا الباب سُجّداً نغفر لكم خطيئتكم (آية 161)
أمرهم أن يطلبوا من الله أن يحط عنهم ذنوبهم، فبدَّل الذين ظلموا منهم هذا الكلام بأن قالوا حنطة في شعيرة . فأرسل الله عليهم عذاباً من السماء. ووردت هذه القصة أيضاً في سورة البقرة. ولم يرد في تاريخ بني إسرائيل شيء من هذا.
حاضرة البحر:
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرةَ البحرِ إذ يَعْدون في السبت إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبْتِهم شُرَّعاً، ويوم لا يَسْبِتون لا تأتيهم. كذلك نبلوهم بما كانوا يَفْسُقون.. فلما عَتَوْا عن ما نُهوا عنه قلنا لهم: كونوا قِردةً خاسئين (آيتا 163 و166).
اختلفوا في القرية، فقيل هي بين مصر والمدينة والمغرب، وقيل بين مدين والطور، وقال الزهيري هي طبرية الشام. ولهم أقوال غير هذه. فكانت تأتيهم الحيتان ظاهرةً على الماء كثيرة متتابعةً يتبع بعضها بعضاً.
قال أهل التفسير: إن اليهود أُمروا بيوم الجمعة فتركوه، واختاروا يوم السبت فابتُلوا به، وهو أن الله أمرهم بتعظيمه ونهاهم عن العمل فيه وحرّم عليهم فيه الصيد. فلما أراد أن يبتليهم كانت الحيتان تظهر لهم في يوم السبت، ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تُرَ إلا في السبت المقبل. فوسوس إليهم الشيطان إن اصطادوا، فاصطادوا. قال قتادة: لما عتوا عما نُهوا عنه مسخهم الله فصيّرهم قردة تتعاوى بعد ما كانوا رجالاً ونساء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 163). وحاشا لله أن يجرّب عباده بالشر، وهو يودّ أن الجميع يحفظون وصاياه. (راجع تعليقنا على ما أوردناه عن البقرة 2: 65).
من ظهورهم:
وإذْ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورِهِم ذُرِّيتهم وأشهدهم على أنفسهم (آية 172).
روى سعيد بن جبير لما خلق الله آدم، أخذ ذريته من ظهره مثل الذرّ، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام، وقال للآخرين ادخلوا النار ولا أبالي (الطبري في تفسير الأعراف 7: 172).
فهل هذا هو طريق الخلاص الذي عندهم؟
رفع الطور:
وإذْ نَتَقْنا الجبل فوقهم كأنه ظُلَّةٌ وظنوا أنه واقعٌ بهم (آية 171). وهو يشبه ما ورد في النساء 4: 154 ورَفَعْنا فوقهم الطُّورَ بميثاقهم .
قال الخازن (جزء 2) إن أصحاب الأخبار قالوا إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة، لما فيها من التكاليف الشاقة، أمر الله جبريل فرفع جبلاً عظيماً حتى صار على رؤوسهم كالظّلَّة. فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين، فسجد كل واحد منهم على خدّه وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفاً أن يسقط عليه، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر.
فهذه الأقوال من الخرافات القديمة اليهودية. أما كتاب الله فيعلّمنا أنه لما أنزل الله الشريعة على موسى بمرأى من بني إسرائيل، رأوا الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن، ففزعوا وارتعدوا ووقعت هيبة الله وموسى في قلوبهم (خروج 20: 18).
حبل حواء:
هو الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملاً خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون (آيتا 189 ، 190).
قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل، فقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعله بهيمة أو كلب؟ وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك وذكرته لآدم. ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة، فإن دعوتُ الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهّل عليك خروجه تسمّيه عبد الحرث. وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم، فيسمّيه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنْ سَرَّكما أن يعيش لكما ولد فسمِّياه عبد الحرث. فولدت، فسمَّياه عبد الحرث فعاش. قال محمد: لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سمِّيه عبد الحرث، فسمّته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فهذا معنى قول القرآن وجعلا له شركاء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 189 ، 190).
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟
- تعليقات على سورة الأنفال (8)
تصيب الذين ظلموا:
واتَّقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصّةً (آية 25).
- 1 - روى أحمد في مسنده إن الله ليعُذِّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكربين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، ولا ينكروخ. فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة والعامة(المنار في تفسير الأنفال 8: 25).
- 2 - ورد في الإسراء 17: 15 لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . فكيف تتفق هذه الآية مع ما جاء في الحديث؟
- 3 - علّمنا الله أن النفس التي تخطئ هي تموت، لأنه لا يوجد إنسان كامل حتى يزِر وازرة إنسانٍ آخر، ولكن الله بمحبته أرسل لنا المسيح الذي حمل كل أوزارنا وصالحنا مع الله إلى الأبد.
يعذبهم وأنت فيهم:
وإذْ قالوا اللهمَّ إنْ كان هذا هو الحقُّ من عندك فأَمطِر علينا حجارةً من السماء، أو ائْتِنا بعذابٍ أليم. وما كان الله ليُعذِّبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (آيتا 32 ، 33). (هذه الآية مكية بالرغم من وجودها في سورة مدنيّة الطبري).
- 1 - طلب أهل مكة من محمد أن يأتيهم بمعجزة فلم يفعل، فطلبوا منه أن يأتي بالخير لنفسه فلم يفعل. ولما يئس القوم منه. قالوا له: اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. فأورد محمد كلامهم وقال إن الله أنزله عليه. ثم قال لهم: وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم . ولما هاجر للمدينة وخشي أن ينكشف أمره قال: وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (الطبري في تفسير الآيتين 32 و33 والسيوطي والواحدي في سبب نزولهما).
- 2 - تعلمنا التوراة أن الخطية فعل شنيع، فالله قد عاقب اليهود لأن واحداً منهم أخطأ وخالف أمر الله (أنظر قصة عخان بن كرمى في يشوع 7). ولم يحاول أيُّ نبيٍّ أن يجد أعذاراً للكفَّار من قومه، خاصةً وأنهم طلبوا العذاب بأنفسهم.
أسرى النبي:
ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى (آية 67).
رُوي إنه جيء لمحمد بسبعين أسيراً، فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل، فاستشار فيهم أصحابه فقال له أبو بكر: دعهم. وأشار عليه عمر بقتلهم. فأخذ برأي أبي بكر. ولما رأى أن هذا الرأي ليس في صالحه، قال إن الله أنزل عليه هذه الآية (راجع أسباب نزول هذه الآية للواحدي والسيوطي).
- تعليقات على سورة التوبة (9)
آية السيف والبسملة:
تبدأ سورة التوبة دون بسملة، وقد أفرد علماء الإسلام لهذه القضية صفحات عدة، وفي النهاية لم يتفقوا على رأي. فقد قيل إن سورتي التوبة والأنفال سورة واحدة ولذا لم تُكتب بينهما بسملة. وعن مالك إنها كانت تعادل البقرة في الطول، وإن أولها لما سقط سقطت معه البسملة (الإتقان باب جمع القرآن وترتيبه، وباب عددسوره وآياته وكلماته وحروفه).
وقد كان محمد في مبدأ الأمر يأتي بكل ما يُشعِر باللطف لا العنف، والإحسان لا العدوان، ولكن لما قوي أمره وتمكّن من غايته ألغى ذلك بآية السيف (التوبة 5). قال ابن حزم: من الآيات المنسوخة قوله في البقرة 2: 192 فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم . وهذا من الأخبار التي معناها الأمر، تأويله: فاغفروا لهم واعفوا عنهم. ثم أخبار العفو منسوخة بآية السيف وهي: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (التوبة 9: 5) فلو كان المقصود إظهار الصرامة الكبرى لمن قاوم محمداً لقال ذلك في مبدأ الأمر، ولكنه لم يفعل ذلك.
وقد وردت آيات كثيرة يُؤخذ منها الرفق واللين واللطف، ولكنه نسخها، فصار القرآن كله قسوة شديدة. فمن ذلك ما ورد في النساء 4: 63 فأَعرِضْ عنهم وعِظْهُم . نُسخت بآية السيف المتقدمة، وورد فيها: ستجدون آخَرين يريدون أن يأمَنوكم ويأمَنوا قومهم (النساء 4: 91) نُسخت بآية السيف.
ومن طالع كتاب ابن حزم وغيره من الكتب الموضوعة في الناسخ والمنسوخ ظهر له أنه إذا وُجد في القرآن قول يحضّ على اللطف ومكارم الأخلاق نُسخ بآية السيف، فصار القرآن مبنيّاً على السيف فقط (راجع كتاب الحِكم الجديرة بالإذاعة في شرح حديث بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب الحنبلي).
فتنته بالنساء:
ومنهم مَن يقول ائْذَن لي ولا تَفْتنِّي (آية 49).
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن النبي قال: اغْزُوا تغنموا بنات الأصفر . فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء. فلما علم محمد بذلك قال: ومنهم من يقول ائْذن لي ولا تَفْتنِّي (السيوطي في سبب نزول هذه الآية).
نقول: هؤلاء الناس صادقون فيما قالوا، فإن الله لا يغري الناس بالنساء لكي يجاهدوا. فكان محمدٌ يأمر بأن يُذبح الرجالُ فقط، وتُؤخذَ النساءُ سبايا والأطفال عبيداً (السيوطي - أسباب نزول الآية).
استغفار إبراهيم لأبيه:
وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلاّ عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه.فلمّا تبيَّن له أنه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. إن إبراهيم لَأََّواهٌ حليم (آية 114).
قال علي ابن أبي طالب: لما أنزل الله خبراً عن إبراهيم أنه قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، سمعت رجلاً يستغفر لوالديه. فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أَوَلم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيتُ محمداً فذكرتُ ذلك له، فأنزل الله: قد كانت لكم أُسْوَةٌ حسنةٌ في إبراهيم...إلاّ قَوْلُ إبراهيمَ لأبيه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لك (الممتحنة 60: 4).
قال البخاري: رُوي عن أبي هريرة أن محمداً قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغيرة، فيقول إبراهيم: ألم أقُل لك لا تعْصَني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يارب إنك قد وعدتني أن لا تخزيني يوم يُبعَثون، فأيُّ خزيٍ أخزى من أبي؟ فيقول الله تبارك وتعالى: إني حرَّمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو ذيخٌ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيُلقى في النار (القترة غبرة يعلوها سواد والذيخ، هو ذَكَر الضباع والأنثى ذيخة). (الطبري في تفسير التوبة 9: 114).
قلنا: (1) حاشا لإبراهيم مما نُسب إليه من أنه وعد أباه أن يستغفر الله له، فإنه يعرف أنه لا تنفع بعد الموت شفاعة. ولما رأى محمد أن الاستغفار بعد الموت يكون موجباً لتمادي المشرك على إشراكه، تلافى الأمر وقال: اقتدوا بإبراهيم في كل شيء، ما عدا مسألة الاستغفار. مع أنه لم يقع من إبراهيم شيء من ذلك.
(2) لم يكن أبو إبراهيم مشركاً، بل أذعن لأمر الله وترك وطنه وعشيرته مع ابنه إبراهيم ولوط ابن أخيه امتثالاً لأمر الله، وفارقوا أهل وطنهم لانغماسهم في الشر والرذائل.
- تعليقات على سورة يونس (10)
موسى وفرعون:
ثم بعَثْنا من بَعْدهم موسى وهارون إلى فرعون وملإيْهِ بآياتنا، فاستكبروا (آية 75).
لم يُرسَل موسى ليدعو فرعون وقومه إلى ديانته، بل لإنقاذ بني إسرائيل من العبودية، وإخراجهم من أرض مصر.
أجئْتَنا لتَلْفِتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكونَ لكما الكبرياءُ في الأرض؟ (آية 78 - يعني تستوليان على أرض مصر - الجلالان في تفسير يونس 10: 78).
يعلمنا سفر الخروج 5: 1 5 أنه لما طلب موسى وهارون من فرعون أن يطلق بني إسرائيل قال فرعون: مَنْ هو الرب حتى أستمع لقوله فأُطلق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه. لماذا يا موسى وهارون تبطّلان الشعب من أعماله؟ اذهبا إلى أثقالكما . ولم يقل لهما: وتكون لكما الكبرياء في الأرض.
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوَّءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قِبلة (آية 87).
اختلف المفسرون في معنى هذه القِبلة ومعنى هذا الكلام، فقال بعضهم: كانت الكعبة قِبلة لموسى وهارون. وقيل: كانت القِبلة إلى جهة بيت المقدس. وقيل: إنه قصد أن يجعلوا بيوتهم قِبلة يصلّون إليها. وعلى كل حال لم يأمر الله موسى وأخاه أن يتبوّءا بيوتاً في مصر، بل أمر موسى بإخراج بني إسرائيل من أرض العبودية ليرثوا أرض الموعد (القرطبي في تفسير يونس 10: 87).
دعاء موسى على فرعون:
وقال موسى: ربَّنا إنك آتيتَ فرعون وملأَهُ زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليُضِلّوا عن سبيلك. ربنا اطمس على أموالهم واشدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يَرَوُا العذاب الأليم. قال: قد أُجيبت دعوتُكما فاستقيما ولا تتَّبعانِ سبيل الذين لا يعلمون (آيتا 88 ، 89).
قال المفسرون: الطّمس إزالة أثر الشيء بالمحو، ومعنى اطمس على أموالهم أزل صورها وهيئاتها. وقال أكثر المفسرين: مسخها وغيَّرها عن هيئتها. قال ابن عباس: إن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقرشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً. وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بكيس فيه شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منه البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة (ابن كثير في تفسير يونس 10: 88).
قلنا لم يرد أن موسى دعا على فرعون وقومه بهذه الدعوة وأن الله استجاب له، وأنه أزال صور أموالهم أو أهلكها. بل قالت التوراة إن موسى وهارون طلبا من فرعون أن يأذن بخروج بني إسرائيل من مصر، فاستعمل المراوغة والمخاتلة، فضربه الله ليُظهر قدرته، وليوضّح للمصريين أن أصنامهم لا تفيدهم شيئاً. ولكن أموال المصريين التي طمس الله عليها تعمِّر متاحف العالم، وهي غير مطموسة!.
إيمان فرعون:
وجاوَزْنا ببني إسرائيل البحر، فأَتْبَعهم فرعونُ وجنوده بَغْياً وعَدْواً، حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل، وأنا مِن المسلمين. الآن وقد عصَيْتُ قبْلُ وكنتُ من المفسِدين. فاليومَ ننجِّيك ببدنِك لتكون لمَن خلْفَك آيةً (آيات 90 92).
قال المفسرون: اجتمع يعقوب وبنوه وهم 72 وخرجوا مع موسى من مصر، وهم 600 ألف. وأدركهم فرعون وكان معه في عسكره 800 ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان، ولما دخلوا في البحر انطبق عليهم. فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص ظناً منه أنها تنجّيه.
ورُوي عن ابن عباس أن محمداً قال: لما أغرق الله فرعون قال آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل. قال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حمأة البحر فأَدُسُّه في فمه مخافة أن تدركه الرحمة. وفي رواية أخرى أن جبريل جعل يدسّ في فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلاّ الله فيرحمه الله، أو خشية أن يرحمه الله (الطبري في تفسير يونس 10: 90 92).
اعترض الإمام الرازي فقال: هل يصحُّ أن جبريل أخذ يملأ فم فرعون بالطين لئلا يتوب غضباً عليه؟ والجواب الأقرب أنه لايصحّ، لأن في تلك الحالةإما أن يُقال: هل التكليف كان ثابتاً أم لا؟ فإن كان ثابتاً، لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة. وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذٍ لا يبقىلهذاالذي نُسب إلى جبريل فائدة. ولومنعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر. وكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان؟ ولو قيل إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله، فهذا يبطله قول جبريل: وما نتنزَّلُ إلاّ بأمر ربك (مريم 19: 64). فرُدَّ على الإمام الرازي بأن هذا الحديث صحيح، وأن الله يحول بين المرء وقلبه وغير ذلك (الرازي في تفسير يونس 10: 90 92).
والتوراة تعلّمنا أن فرعون لم يؤمن بربِّ موسى حتى في الساعة الأخيرة، فإنه رأى بعينيه الضربات التي حلّت به وبقومه ولم يرقّ قلبه. ولم يؤمن، بل أرسل جنوده لإعادة بني إسرائيل إلى أرض مصر ليستعبدهم ويذلهم ثانية.
ويقول القرآن إن فرعون خُصَّ بمزية فقيل له: فاليوم ننجِّيك . ولما كانت نجاته منافية لقول القرآن إن الله استجاب دعاء موسى عليه بالبوار، فسَّروا عبارة فاليوم ننجيك بقولهم: ننقذك ممّا وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافياً، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل. ومعنى قوله ببدنك أي عارياً عن الروح، أو كاملاً سوياً، أو عرياناً من غير لباس، أو بدرعك، حتى يكون آيةً لبني إسرائيل، إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خُيِّل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى حين أخبرهم بغرقه (الرازي في تفسير الآية).
ولكن التوراة تعلّمنا أن الله أغرق كل الذين اقتفوا أثر بني إسرائيل ليردّوهم ثانية، ولم يميّز بين كبير ولا صغير، ولما رأى بنو إسرائيل هذا الخلاص العظيم سبّحوا الله وشكروه. ولم تُلْقَ جثة فرعون على الساحل وأُغرقت جثث غيره في البحر، بل كان الحكم على الكل على حد سواء، فإنه متى امتلأت الجثة غازات طَفَت من ذاتها على البحر.
ولم يرد خبر في التوراة عن غرق فرعون. وقد أيّدت التواريخ أن فرعون موسى لم يغرق، لأنه لم يخرج مع جيشه.
مُبَوَّأ صِدق:
ولقد بوَّأْنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ (آية 93).
المعنى أن الله بوَّأ بني إسرائيل منزلاً صالحاً مرضياً، فأجمع المفسرون على أن المراد بذلك مصر والشام، وقالوا إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت يد فرعون وقومه من ناطقٍ وصامتٍ وزرعٍ وغيره. وهذا منافٍ للوحي والتاريخ (تفسير الجلالين والطبري على الآية).
إكراه أو لا إكراه:
ولو شاء ربُّك لآمَنَ مَن في الأرض كلِّهم، أفأنت تُكرِه الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (آية 99).
قاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكون الدِّينُ كلّه لله (الأنفال 8: 39).
نقول: كيف تتفق آيات الإكراه وعدم الإكراه؟
في بداية دعوة محمد في مكة رأى أنه ليس من صالحه إعلان الحرب على خصومه. ولكن حينما استتبَّ له الأمر في المدينة أعلن هذه الحرب، حتى قال في الحديث أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (متفق عليه مشكاة المصابيح حديث رقم 12). وغاية ما اعتذر به المسلمون عن هذا قولهم إن بعض هذه الآيات ناسخ للآخر.
- تعليقات على سورة هود (11)
نوح وقومه:
وردت في سورة هود المجادلة التي جرت بين نوح وقومه: فقال الملأُ الذين كفروا من قومه: ما نراك إلاّ بشراً مثلنا، وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلُنا، باديَ الرأيِ، وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنُّكم كاذبين... (فقال نوح لهم) : ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله، ولا أعلمُ الغَيْبَ، ولا أقول إني مَلَكٌ (آيات 27 39).
لم يرد في التوراة خبرٌ عن هذه المجادلة، وإنما ورد أن نوحاً كان كارزاً للبر، يحضُّ قومه على الإقلاع عن المنكرات وترك الآثام والمفاسد.
ولا ورد في التوراة أن أراذل الناس تبعوا نوحاً، فلم يتبعه أراذلهم ولا أفاضلهم، ولذا أغرقهم الله بالطوفان. إنما يحكي محمد بعضاً مما كان يجادله به العرب، وذكر ما كان يردّ به عليهم، فذكر حكاية حاله مع قومه، وقوله لهم: إنما أنا بشرٌ مثلُكم (الكهف 18: 110) وغايته من ذلك أن يخبر قومه أنه قد حصل للأنبياء السالفين مثل ما حصل له، وأن الأَوْلَى الإقلاع عن معارضته ومقاومته لئلا يحلّ بهم مثل ما حلّ بقوم نوح، ومثل ما حلّ بغيرهم. ولكن شتان بين محمد ونوح، فقد حلّ بقوم نوح الطوفان، ولكن لم يحلّ بالعرب الذين قاوموه أو أبطنوا النفاق شيئاً من عقاب الله.
ابن نوح:
ونادى نوحٌ ابنَه وكان في مَعْزلٍ: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء. قال: لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلاّ من رحم. وحال بينهما الموجُ، فكان من المغْرَقين... ونادى نوحٌ ربَّه فقال: ربِّ، إن ابني من أهلي، وإنّ وعدَك الحقُّ، وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوحُ إنه ليس من أهلك. إنه عَمَلٌ غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علمٌ (آيات 42 46).
رمى القرآن زوجة نوح بالزنا، فقال في التحريم 66: 10 في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما . ولما وجد المفسرون أن هذا لا يليق بالأنبياء، حاولوا الخروج من المأزق بقولهم إنه ليس من أهلك الذين وعدتُك أن أنجّيهم، أو تعني أنه كافر فلا قرابة بينكما. واستقبحوا ما رمى به القرآن زوجة نوح، مع أن القرآن قال ذلك (الرازي في تفسير هود 11: 45).
وقالوا إن الذي غرق هو كنعان بن نوح. ولو سلّمنا بصحة هذا لما كان يجوز لنوح أن يتأوَّه ويقول إنه من أهلي وهو يعرف أن كل نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (البقرة 2: 286). وناهيك أن الله زجره. ونتعلم من التوراة أنه لما تحلّ بالأتقياء مصيبة يسلّمون الأمر لله. فهذا عالي الكاهن لما أخبره صموئيل بما يحلّ بولديه من القتل بسبب شرهما، وما يحلّ ببيته من البوار، لم يقل لله: إنهما من أهلي بل قال: هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل (1 صموئيل 3: 18) فسلّم لإرادة الرب.
والحق أنه لم يغرق أحدٌ من أولاد نوح بالطوفان، ولم يطلب نوحٌ هذه الطلبة. فكيف يهلك الله كنعان (كما قالوا) قبل أن يولد! وبعد الطوفان قال الله: وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث. وحام هو أبو كنعان (تكوين 9: 18).
البشرى لإبراهيم:
ولقد جاءت رسُلُنا إبراهيمَ بالبُشرى، قالوا: سلاماً قال: سلامٌ. فما لبث إن جاء بعجلٍ حنيذٍ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكِرَهُم وأوجس منهم خِيفَةً. قالوا: لا تخَفْ، إنّا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ. وامرأته قائمةٌ فضحكت. فبشّرناها بإسحق، ومن وراء إسحق يعقوب (آيات 69 71).
فأقبلت امرأتُه في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وجهَها وقالت: عجوزٌ عقيم (الذاريات 51: 29).
قال المفسّرون: ضحكت لأنهم لم يمدّوا أيديهم إلى الطعام ليأكلوا. وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقُرب العذاب منهم. وقيل: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثةٍ وهو بين خدمه وحشمه وخواصه. وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجُّباً من أن يكون لها ولدٌ على كِبر سنِّها وسنّ زوجها. فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير وتقدير.
وقيل: ضحكت بمعنى حاضت. وقال في المحكم ضحكت المرأة حاضت . وقال القرآن لما بُشِّرت أقبلت في صَرَّةٍ أي صيحة من الصَّرير، ولطمت وجهها.
واختلفوا في عدد الرسل، فقالوا: ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثني عشر مَلَكاً. وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك. وقال السدّي: كانوا أحد عشر مَلَكاً (الطبري في تفسير هود 69 71).
وتروي لنا التوراة القصة في (تكوين 18: 1 16) وتقول إن الرجال الثلاثة أكلوا، ثم سألوا إبراهيم عن سارة فقال: ها هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعّم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ فأعاد لها الوعد. وأنكرت سارة الضحك لأنها خافت.
وقصة التوراة تكشف خطأ القرآن:
- 1 - في قوله إن الرجال لم يأكلوا. والحقيقة أنهم أكلوا، ولم يخَفْ إبراهيم من شيء.
- 2 - إنهم بشّروه بابنٍ قبل أن يكلّموه عن قوم لوط.
- 3 - إن امرأته لم تُقبِل في صَرَّةٍ ولم تصكَّ وجهها، إذ لا يخفى أن من أعظم العار أن تصخب المرأة أو تصك وجهها، وعند زوجها ضيوفٌ من أفاضل الناس. والكتاب المقدس يضرب المثل بحشمة سارة وأدبها وطاعتها لزوجها.
- 4 - عبارة القرآن تفيد أنها كانت مع الضيوف تخدمهم، مع أن هذا خلاف عادات الشرقيين. وأنهم بشّروها بغلام، والحقيقة هي أنها كانت في الخِباء، لأنها من المخدَّرات. والرجال بشّروا إبراهيم فقط، وهي كانت تسمع من بُعد.
- 5 - لم يذكر القرآن عدد ضيوف إبراهيم.
التكفير عن الخطية:
وأَقَمَ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيّئات (آية 114).
روى الترمذي عن أبي اليسر قال: أتتني امرأةٌ تبتاع تمراً فقلت: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فدخلتْ معي في البيت فأهويْتُ عليها فقبَّلتُها. فأتيتُ أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ عمر فذكرتُ ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ النبي فذكرت ذلك له، فأطرق النبي ساعة حتى أوحى الله إليه أقِمِ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيِّئات، ذلك ذكرى للذاكرين . قال أبو اليسر: فأتيتُه فقرأها عليَّ النبي، فقال أصحابه: ألهذا خاصةً أمْ للناس عامةً؟ فقال: بل للناس عامة (القرطبي في تفسير هود 11: 114).
فوضع محمد قانوناً عمومياً للناس مقتضاه التكفير بالصلوات الخمس، وهذا منافٍ لقداسة الله وعدله، فإنه لا يمكن التكفير عن الخطية إلا بسفك الدم. إن الخطيئة هي أفظع وأشنع شيء أمام الله. قال المسيح: كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه (متى 5: 29) كما قال: متى فعلتُم كل ما أُمرتُم به فقولوا: إننا عبيدٌ بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا (لوقا 17: 10 و11). إن صلاة الإنسان وصومه لا يكفّران عن خطيته، لأنه إنما عمل الواجب عليه، ولا تكفير عن الخطية إلا بقبول ما عمله المسيح الفادي بعمله الكفاري على الصليب.
- تعليقات على سورة يوسف (12)
قصة يوسف:
إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً (آية 2).
لما قالت اليهود لمشركي مكة: سَلُوا محمداً عن أمر يعقوب وقصة يوسف،وكانت عند اليهود بالعبرانية، نزلت هذه السورة فيها قصة يوسف بالعربية لتفهمها العرب ويعرفوا معانيها. فقوله قرآناً من إطلاق الكل على الجزء. فالمسلمون يعترفون أن قصة يوسف مذكورة باللغة العبرية في الأصل، وأن القرآن ذكرها باللغة العربية ليفهمها العرب (الرازي في تفسير يوسف 12: 2).
ولكن نقول إنها كانت مترجمة إلى العربية قبل ظهور محمد بأجيال عديدة، وقد تصرّف محمد في هذه القصة تارة بالزيادة وأخرى بالحذف، فذكر في عدد (4) أن يوسف رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، وهذه العبارة مثل العبارة الواردة في تكوين 37: 9 11. لكنه حذف الحُلم المذكور قبل هذا فقال لإخوته إنهم كانوا حازمين حُزماً في الحقل: وإذا حزمتى قامت وانتصبت، فاحتاطت حُزمكم وسجدت لحزمتي فترك القرآن هذا ولم يذكر سوى الحلم الثاني.
يوسف وإخوته:
قالوا: يا أبانا مالك لا تأمَنَّا على يوسف وإنّا له لناصحون. أرسِلْهُ معنا غداً يرتعْ ويلعبْ وإنّا له لحافظون. قال: إني ليَحْزُنُني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون (آيات 11 13).
لم يطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم للّعب، ولا كان هو متردداً مخافة أن يأكله الذئب. فالحقيقة هي في تكوين 37: 12 42 أن إخوة يوسف توجّهوا إلى شكيم لرعي مواشيهم، فغابوا مدة. فطلب أبوهم مِن يوسف أن يذهب ليرى سلامة إخوته وسلامة الغنم. فتوجّه فلم يهتدِ إليهم، فاستفهم عنهم وعرف أنهم في دوثان، فتوجَّه إليهم. فلما أبصروه من بعيدٍ عزموا على قتله بأن يطرحوه في أحد الآبار، ويقولوا إن وحشاً رديئاً أكله. فأنقذه رأوبين من أيديهم، وقال: لا تسفكوا دماً. اطرحوه في هذه البئر (وكانت فارغة ليس فيها ماء) لينقذه ثم يردّه إلى أبيه. فلما وصل يوسف إليهم نزعوا قميصه الملون وطرحوه في البئر.
وقال القرآن إن أولاد يعقوب لعنوا أباهم لأنه كان يحب يوسف أكثر منهم، وقالوا: إن أبانا لفي ضلال مبين (يوسف 8).
وقد أورد الرازي شبهة قوية في هذه المسألة، لم يستطع الإجابة عليها، فقال:
(1) إن كان أولاد يعقوب مُقرِّين بكونه رسولاً، فكيف اعترضوا عليه وزيّفوا طريقته؟ وإن كانوا مكذِّبين لنبوته، فهذا يوجب كفرهم. وقال في الإجابة إنهم كانوا مؤمنين بنبوَّة أبيهم، إلا أنهم جوَّزوا منه الخطأ.
(2) إنهم نسبوا إلى أبيهم الضلال المبين وذلك مبالغة في الذمّ والطعن، مما يستوجب الكفر. وكان جواب الرازي: المراد الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا (الرازي في تفسير يوسف 12: 11 13).
لقد قال القرآن عن إخوة يوسف ما لم يقولوه، ولذا وقع مفسروه في هذا المأزق! ثم كيف تتَّفق أفعالهم تلك مع كونهم أنبياء كما يقول القرآن: وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ (النساء 4: 163).
ويقول القرآن إنهم لما رأوا أباهم يحب يوسف، اتفقوا على قتله وإلقائه في غيابة الجب ليلتقطه بعض السيارة. والحقيقة أنهم تداولوا بعد أن أرسل إسرائيل يوسف إلى إخوته. فهذه خمس أخطاء:
(6) نسب القرآن إلى إخوة يوسف الذين يصفهم بالنبوّة عدة أخطاء، منها أنهم سبّوا أباهم وضربوا أخاهم (الطبري في تفسير يوسف 12: 15).
بيع يوسف:
وجاءت سيَّارةٌ فأرسلوا واردَهم فأدلى دَلْوَهُ. قال: يا بُشرى! هذا غلامٌ. وأَسَرُّوهُ بضاعةً (آية 19).
في قراءة جاءت يا بشراي! . و واردهم هو الذي يتقدّم الرفقة إلى الماء والدلاء. يُقال: أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر، ودلوتها إذا أخرجتها. فقال الوارد: أبشروا .
والتوراة تقول: إن يهوذا أشار على إخوته أن يبيعوا يوسف وقال لهم إنه أخونا من لحمنا. ولما مرّت قافلة من المديانيين سحبوا أخاهم وباعوه. وعبارة القرآن تفيد أن رجال القافلة هم الذين سحبوه.
ويقول القرآن إن الذي اشتراه من مصر قال: نتَّخذه ولداً (آية 22). والحقيقة هي أنه كان عبداً غريب الجنس.
امرأة فوطيفار ويوسف:
ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرفَ عنه السُّوءَ والفحشاء. إنه من عبادنا المخْلَصين (آية 24).
قال المفسرون: إن همّ يوسف كان معصية، وإنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القُشيريّ أبو نصر، وابن الأنباريّ والنحاس والماورديّ وغيرهم. قال ابن عباس: حلّ الهِميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جُبير: أطلق تِكَّة سراويله. وقال مجاهد: حلّ سراويله. وقال مجاهد: حلّ السراويل حتى بلغ الإليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال: ذلك ليعلم أني لم أَخُنْهُ بالغَيْب (يوسف 52) قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: وما أبَرِّئُ نفسي (يوسف 53). قالوا: والانكفاف في مثل هذه الحالة دالّ على الإخلاص، وأعظم الثواب (القرطبي في تفسير يوسف 12: 24).
وأما تفسير قوله لولا أن رأى برهان ربِّهِ (آية 24) فقال قتادة وأكثر المفسرين: إن يوسف رأى صورة يعقوب وهو يقول له: يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء! . وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على أصبعه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مثل له يعقوب، فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله . وقال السدّي: نودي يا يوسف أتواقعها؟ إنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه. وإن واقعْتَها كمثله إذا وقع على الأرض، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُطاق، ومثلك إن واقعتها كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه (الكشاف في تفسير يوسف 12: 24).
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: البرهان الذي أرى يوسف هو ثلاث آيات من كتاب الله وإنَّ عليكم لَحَافِظِين، كِراماً كاتِبِين، يعلمون ما تفعلون (الانفطار 82: 10 12). وقوله: وما تكونُ في شأْنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ (يونس 10: 61). وقوله: أفمَنْ هو قائمٌ على كلِ نفسٍ بما كسَبَت (الرعد 13: 33). زاد غيره آية أخرى ولا تَقْرَبوا الزنا (الإسراء 17: 32). وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس في قوله لولا أن رأى آية من كتاب الله نهته مثلت له في الحائط (الإتقان للسيوطي فصل ما نزل على غير محمد).
نقول: (1) كيف نزلت هذه الآيات على يوسف؟ هل باللغة العربية؟ فكيف فهمها وهو عبراني؟! أم بالعبرانية؟ فكيف تتفق مع إنّا أنزلناه قرآناً عربياً ؟ (يوسف 12: 2). (2) كيف نزلت الآيات القرآنية ليوسف قبل مولد محمد؟
والكتاب المقدس يشهد أن يوسف منزّهٌ عن قوله هَمَّت به وهَمَّ بها . فورد في تكوين 39: 9 أنه لما طلبت امرأة فوطيفار من يوسف أن يضطجع معها، قال: إن سيدي سلّم كل شيء ليدي في هذا البيت، ولم يُمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟ وكانت تكلمه من يوم إلى آخر فلم يلتفت إليها.
مسك ثياب يوسف:
واسْتَبقا الباب، وقَدَّت قميصَه من دُبُرٍ. وألفيا سيّدها لدى الباب. قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجَن أو عذابٌ أليم؟ قال: هي راودتني عن نفسي. وشهد شاهد من أهلها: إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت، وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت، وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قُدّ من دُبُرٍ قال: إنه من كيدكنَّ. إن كيدكنّ عظيم.
يوسف أعرض عن هذا (آيات 25-29) يعني: اترك هذا الحديث ولا تذكره لأحدٍ حتى لا ينتشر بين الناس. أو: لا تكترث به، فقد بانت براءتك.
والتوراة تعلمنا خلاف هذا، ففي ذات يوم دخل يوسف البيت ليعمل عمله، ولم يكن أحد في البيت، فأمسكت بثوبه قائلة: اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب. فنادت أهل بيتها وقالت: جاء إلينا برجلٍ عبراني ليداعبنا . فأخبرت زوجها فحبسه (التكوين 39).
ومن هذا نرى:
- 1 - لم يجد فوطيفار زوجته ويوسف عند الباب.
- 2 - لم يقدّ قميصه لا من دُبُر ولا من قُبُل، لأنه ترك ثيابه في يدها وهرب.
- 3 - من الغرائب تبرئة فوطيفار ليوسف وتوبيخ امرأته، وتوسُّله إلى يوسف ألاّ يُشيع الفضيحة، فالرجل الذي يُثبِت على امرأته الفسق والخيانة لا يبقيها في بيته، ولا يستمر على اقتناء العبد ليكون أحبولةً لامرأته الشريرة، ولا يسجنه بعد ظهور براءته. فالحق هو ما ذُكر في التوراة لأنها هي الأصل، ولأنها توافق الذوق والعقل السليم.
نساء المدينة:
وقال نِسْوَةٌ في المدينة: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه. قد شغفها حباً. إنّا لنراها في ضلال مبين. فلما سمعت بمكرهنّ أرسلت إليهنّ وأعْتَدَت لهنّ متكأ. وأتت كل واحدةٍ منهنّ سكيناً وقالت: اخرج عليهنّ. فلما رأينه أكبَرْنه وقطَّعْن أيديَهنّ وقلن: حاش لله! ما هذا بشراً. إن هذا إلا مَلَكٌ كريم. قالت: فذلكُن الذي لُمْتُنَّني فيه، ولقد راودتُهُ عن نفسه فاستَعْصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليُسْجَننّ ولَيَكونشّمن الصاغرين (آيات 30 32).
يقول المفسرون: سمعت نِسْوةٌ من أشراف مصر أن امرأة العزيز تراود عبدها عن نفسه. فلما سمعت أنهنّ يلُمْنَها على محبته صنعت لهنّ وليمة بألوان الفواكه والأطعمة، ووضعت الوسائد ودعت النسوة وأعطت كل واحدة منهنّ سكّيناً، لأنه كانت عادتهنّ أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين. وقالت ليوسف اخرج عليهنّ. وكانت قد زيَّنته وخبَّأته في مكانٍ آخر. فلما رأته النسوة حِضْن منالفرح، وجعلن يقطّعن أيديهنّ بالسكاكين التي معهنّ وهنّ يحسبن أنهنّ يقطعن الأترج، ولم يجدن الألم لدهشتهنّ. وقال قتادة: أَبَنَّ أيديهنّ حتى ألقَيْنها. وقال وهب: مات جماعة منهنّ، وأن النساء قلن ليوسف: أطع مولاتك فيما دعتك إليه. وقيل: طلبت كل واحدة أن تخلو بهوكانت تقول له: يا يوسف اقضِ لي حاجتي فأناخيرٌ لك من سيدتك. فقال: يارب كانت واحدةً فصرن جماعة. فاختار يوسف السجن على المعصية (القرطبي في تفسير يوسف 12: 31).
ولكن التوراة تعلّمنا:
- 1 - لم تُقِم امرأة فوطيفار وليمةً لنساء أشراف المدينة وتعترف لهنّ بما اقترفت، فلا نتصوَّر أن تفضح نفسها.
- 2 - لا نتصور أنها تزيِّن يوسفَ ثم تدخِله عليهنّ لفتنتهنّ، ويطيعها يوسف مع صلاحه وتقواه.
- 3 - لا نتصور أن النساء يقطعن أيديهنّ ولا يشعرن لدهشتهنّ من جمال يوسف. ولو قال إنهنّ نسين طعامهنّ أو غير ذلك لكان مقبولاً. ولكن دعواه أن البعض قتلن أنفسهنّ ولم يشعرن هو من الأقوال المستحيلة.
- 4 - كيف يجوز سَجْنه بعد أن تأكد فوطيفار من براءته ونزاهته؟
- 5 - قوله ما هذا بشراً خطأ لغوي، صوابه: بشرٌ.
- 6 - يقول القرآن إن فوطيفار وبّخ امرأته، وترجّى يوسف أن لا يفضح أمره، ثم يقول بعد سطرين إن امرأته أشاعت هذا الخبر وهتكت نفسها بنفسها، واعترفت أنها هي الخاطئة وأنها معذورة بسبب جمال يوسف، وبعد هذا كله قال القرآن بحبس يوسف.
وقال المفسرون: إن امرأة فوطيفار قالت بعد ظهور براءة يوسف: سأحبسك مع السُّرّاق والسُّفّاك والأُبّاق، كما سُرق قلبي وأبق مني، وسُفك دمي بالفراق، فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك، كما منعني هنا كل ذلك. ومن لم يرضَ بمثلي في الحرير على السرير أميراً، حصل في الحصير على الحصير أسيراً .
حلما السارق والخباز:
ودخل معه السجن فَتَيان. قال أحدُهما: إني أراني أعصِر خمراً، وقال الآخَر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطيرُ منه. نبِّئْنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين. قال: لا يأتيكما طعامٌ تُرزَقانِهِ إلا نبَّأتُكما بتأويله قبل أن يأتيكما. ذلكما مما علّمني ربي...يا صاحِبَيِ السجن، أمّا أحدُكما فيسقي ربَّه خمراً، وأما الآخر فيُصلَب فتأكل الطير من رأسه. قُضيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان (آيات 36 و37 و41).
والحقيقة هي ما جاء في تكوين 40 ، فقد أذنب رئيس السقاة ورئيس الخبَّازين إلى فرعون، فحبسهما في المكان الذي كان يوسف مسجوناً فيه. وحلم كل منهما حلماً في ليلة واحدة فكدّرهما، فقصَّ رئيس السُّقاة حلمه على يوسف وقال له: كنتُ في حلمي وإذا كرمةٌ أمامي وفي الكرمة ثلاثة قضبان، وهي إذا أفرخت طلع زهرُها وأنضجت عناقيدها عنباً. وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذتُ العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت في يد فرعون. فقال له يوسف: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويردّك إلى مقامك. ثم قال رئيس الخبازين ليوسف: كنت أنا أيضاً في حلمي وإذا ثلاثة سلال حُوَّارَى (بيضاء) على رأسي، وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز، والطيور تأكله من السل عن رأسي. فأجاب يوسف: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام أيضاً يرفع فرعون رأسك عنك ويعلّقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك.
التماس يوسف:
وقال للذي ظنّ إنه ناجٍ منهما: اذكرني عند ربك. فأنساه الشيطان ذكر ربه. فلبث في السجن بضع سنين (آية 42).
قال أكثر المفسرين: إن الشيطان أنسى يوسف ذِكر ربه حتى ابتغى الفرج من غيره، واستعان بمخلوقٍ مثله في دفع الضرر. وتلك غفلةٌ عرضت ليوسف، بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة، فإنه ورد في الحديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقوله بضع سنين اختلفوا فيه، فقيل هو ما بين الثلاث إلى السبع، وقيل هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل هو ما دون العشر. وقال أكثر المفسرين إن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان يوسف لبث قبلها خمس سنين، فجملة ذلك 12 سنة. قال محمد: رحم الله يوسف، لولا كلمته التي قالها وهي اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث (الرازي في تفسير يوسف 12: 42).
ولكن التوراة تعلمنا أن يوسف قال لرئيس السقاة: حينما يصير لك خير تصنع إليّ إحساناً وتذكرني لفرعون، وتخرجني من السجن . وهذا الالتماس جائز في حد ذاته، بل واجب، لأن الله جعل لكل شيء سبباً. وأيُّ حرجٍ على يوسف في طلبه هذا الطلب العادل؟ والعاقل يرى أن سلوك يوسف هذا كان مرضياً لله فإنه من باب التوكّل على الله. وقد ورد في تكوين 39: 21 أن الرب كان مع يوسف وبسط إليه لطفاً وجعل نعمة له في عيني رئيس بيت السجن، فسلّم له كل شيء، لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب ينجحه .
حلم فرعون:
ذُكر في القرآن حلم فرعون، وهو ينقص عما في التوراة جملة أشياء. فلم يذكر أن البقرات التي رآها في الحلم كانت طالعةً من النهر، ولم يقل إن السبع سنابل كانت في ساق واحد. وقال إن رئيس السقاة طلب من فرعون أن يرسله إلى يوسف (كما في عدد 45) وإنه أرسله ففسّر له يوسف الحلم ثم رجع إلى الملك. وفي عدد (50) وقال الملِكُ ائْتوني به. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسْأله: ما بالُ النِّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ؟ إن ربّي بكيدهنّ عليم . وفي عدد (54) وقال الملك ائْتوني به استخلصْهُ لنفسي. فلما كلّمه قال: إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين .
وهذا يعني أنه لما أخبر الساقي الملك بتفسير الرؤيا، أمر الملك بإخراج يوسف من السجن، فأبى يوسف أن يخرج مع رسول الملك حتى تظهر براءته وكيد النساء، فجمع فرعون النساء وخاطبهن، فاعترفت امرأةُ العزيز أنها راودته عن نفسه وحدها، وغير ذلك من الكلام، ثم دعا فرعونُ يوسفَ فأجاب الطلب.
والحقيقة هي كما في التوراة، أنه لما حلم فرعون اعترف رئيس السُّقاة لسيده بتقصيره في عدم ذِكر يوسف، وأخبره بما حدث له مع رفيقه في السجن. فأرسل فرعون ودعا يوسف من السجن، فأبدل ثيابه ودخل على فرعون، فأخبره بأحلامه ففسّرها له، وأشار عليه بتخزين القمح أيام الرخاء والخصب، استعداداً لأيام القحط. ولما انذهل من حكمته ومهارته جعله وزير مصر الأول (أنظر تكوين 41).
وهنا نرى:
- 1 - ذهب رئيس السقاة إلى السجن واستفهم من يوسف عن تعبير حلمَي فرعون.
- 2 - لما أرسل فرعونُ إلى يوسف رفض يوسف أن يلبّي الدعوة مع أن يوسف هو الذي ترجَّى رئيس السقاة أن يتوسّط في إخراجه من السجن. ولا يُعقل أن يوسف يخالف أمر الملك ويُصِرّ على البقاء في السجن إلى أن يبرىء فرعون ساحته، مع أنه عبد أسير. قال محمد: لو لبثْتُ في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبْتُ الداعي (أي رسول الملك) (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة يوسف).
- 3 - ذكر يوسف تقطيع النساء أيديهن. وهذا غريب. فكيف يذكره وهو لم يصرّح بشيءٍ مما حصل له من ظلم إخوته؟ وأغرب من هذا قول القرآن إن فرعون جمع النساء واستفهم منهنّ عن حقيقة ما حدث.
- 4 - قال القرآن إن امرأة فوطيفار اعترفت بذنبها، وهو بعيد عقلاً. وهذه مسألة عرضٍ وشرف.
- 5 - كانت هذه المسألة قد نُسيت بمضي سنوات، وعبارة القرآن تفيد أنه مضى على يوسف في السجن سبع سنين أو 12 سنة.
افتراء على يوسف:
وما أُبرِّئ نفسي. إن النفس لَأَمَّارةٌ بالسوء (آية 53).
لما قال يوسف: لم أخُنْهُ بالغيب (آية 52). قال له جبريل: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: وما أُبرّئ نفسي . هذه هي رواية ابن عباس، وهو قول الأكثرين. والتوراة تعلمنا أنه منزّه عن أنه همّ بها. وكيف يساعده الله على الارتقاء وقلبه فاسد؟ والقرآن قال إنه لما نسي ذِكر ربه لبث في السجن جملة سنين (الطبري في تفسير هذه الآية).
طلب يوسف الرئاسة:
قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم (آية 55).
ونقول:
(1) ورد في الحديث قول محمد: يرحم الله أخي يوسف، لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخّر ذلك سنة . (القرطبي في تفسير الآية).
(2) مدح يوسف نفسه مع أن القرآن يقول: فلا تزكّوا أنفسكم (النجم 53: 33).
(3) والصواب هو ما ذُكر في التوراة (التكوين 41: 37 45). فإنه لما فسّر يوسف الحلم لفرعون، حسُن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟ ثم قال فرعون ليوسف: بعد ما أعلمك الله كل هذا، ليس بصيرٌ وحكيمٌ مثلك . وجعله على كل أرض مصر، وفوّض له الأمر.
مجيء إخوة يوسف:
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له مُنْكِرون، ولما جهّزهم بجهازهم قال: ائْتوني بأخٍ لكم من أبيكم. ألا ترَوْن إني أوفي الكَيْل وأنا خير المُنْزِلِين؟ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربونِ (آيات 58 60).
قال فخر الدين الرازي: هذا الكلام يضعف قول المفسرين إنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس، لأن مَن يتهمهم بأنهم جواسيس لا يليق به أن يقول لهم: ألا ترون إني أوفي الكيل وأنا خير المنزِلين (الرازي في تفسير هذه الآيات).
وهنا نرى:
(1) قال يوسف: ائتوني بأخٍ لكم، بدون استفهامٍ منهم.
(2) قوله: إني أوفي الكيل . والحق هو ما ورد في تكوين 42 أنه لما اشتد الجوع في كنعان وعرف يعقوب بوجود قمحٍ في مصر، أرسل أولاده ليشتروا قمحاً، فأتوا إلى يوسف وخرّوا له ساجدين. فتنكّر يوسف وقال لهم: أتيتم لتتجسَّسوا الأرض . وكانت غايته من ذلك أن يستدلّ منهم عما إذا كان أبوه وأخوه على قيد الحياة أم لا. فأجابوه: إننا اثنا عشر رجلاً بنو رجل واحد، والصغير عند أبينا اليوم، وواحد مفقود . فقال لهم: لا أصدّق كلامكم ما لم تأتوا بأخيكم، وإلا فأنتم جواسيس . وحبسهم ثلاثة أيام، ثم حجز شمعون إلى أن يأتوا بأخيهم، فتذكّروا يوسف وضيقة نفسه، وظنّوا أن يوسف لم يفهم كلامهم، فتحوَّل عنهم وبكى، وأمر أن تُملأ أوعيتهم قمحاً وتُردّ الفضة، وأن يُعطوا زاداً للطريق لأنه كلّفهم بمأمورية. فلا يتصوّر أحد إنهم يذهبون إلى أبيهم ويطلبون منه أن يُرسل أخاهم بنيامين بدون سبب. ولكن التوراة ذكرت سبب ذلك، وهو رغبتهم في تبرئة أنفسهم مما نُسب إليهم أنهم جواسيس، وشرعوا في إقامة البرهان على صدق كلامهم بإحضار أخيهم. ومن الأسباب الموجِبة لإحضار أخيهم بنيامين حجز يوسف لأخيهم شمعون. ولا يُفهَم من عبارة القرآن شيءٌ من ذلكفهي مقتضبة وموجزة.
شرُّ العين:
وقال: يا بَنِيَّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبوابٍ متفرّقةٍ، وما أُغني عنكم مِن الله مِن شيءٍ (آية 67).
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور والمفسرين: أمَرَهم أن يتفرّقوا في دخولهم المدينة لئلا يُصابوا بالعين،فإن العين حق . ووردت أحاديث كثيرة تثبت أن العين حق. وكان محمد يقول: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه (القرطبي في تفسير هذه الآية).
واعترض العقلاء اعتراضات جمّة على ذلك، فردّ أصحاب الوسوسة وقالوا: لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من عين العائن لتتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة .
والحق أنه لا يعتقد عاقل بالعين، ويعقوب كان من المتوكلين على الله. ولم يرد في التوراة شيء من هذا، بل ورد قول يعقوب لبنيه: والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخَر، وبنيامين (تك 43: 14).
مقابلة يوسف لإخوته:
ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه. قال: إني أنا أخوك فلا تَبْتَئِسْ بما كانوا يعملون. فلما جهَّزَهم بجِهازهم جعل السِّقاية في رَحْل أخيه. ثم أذَّن مُؤذِّنٌ: أيتها العير، إنكم لسارقون. قالوا وأقبَلوا عليهم: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صُوَاعَ المَلِكِ، ولِمَنْ جاء به حِمْلُ بعيرٍ (آيات 69 72).
قال القرآن إن يوسف عرَّف نفسه لأخيه دون باقي إخوته، والحقيقة هي أنهم لما وصلوا أكرمهم وأطعمهم واستفهم منهم عن سلامة أبيهم. ولما أزمعوا الرحيل أمر بوضع الطاس في فم عِدْل بنيامين. ولما انصرفوا أرسل وراءهم من فتَّش عِدالهم، ولما وجدوا الطاس في فم عِدل بنيامين أمر بالقبض عليه، وكانت غايته من ذلك أن يعرف: هل كانوا يبغضونه، أم غيَّرت الأيام طباعهم؟ فاستعطفه إخوته وقصّوا عليه حكايتهم المبكية، مما برهن تغيُّر قلوبهم. وأخيراً كشف لهم يوسف الأمر. (تكوين 44 ، 45).
سرقة يوسف:
قالوا: إنْ يَسْرِق فقد سَرَق أخٌ له مِن قَبُْل. فأَسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم. قال: أنتم شرٌّ مكاناً (آية 77).
يؤخذ من عبارة القرآن أن بنيامين سرق الصاع مثل أخيه يوسف، فإن المسلمين قالوا إن يوسف سرق صنم جدّه أبي أمه. وقيل سرق بيضةً أعطاها للفقراء، وقيل دجاجة. وقيل كان يخبىء الطعام ليتصدّق به، وغير ذلك (الكشاف في تفسير هذه الآية) وهو غير صحيح، فإن يوسف لم يسرق شيئاً. والحقيقة هي أنه لما وجد عبيدُ يوسف الطاسَ في عِدل بنيامين، مزّق إخوتُه ثيابهم، وتحدث يهوذا حديثاً مؤثراً جداً، وقال ليوسف: خذني عِوضاً عنه، لأني إذا صعدتُ إلى أبيه بدونه يموت والدي. وبذلك ظهرت محبتهم لبنيامين، وأن طباعهم تغيّرت عما كانوا عليه وقت يوسف. فتأثر يوسف من أقوالهم وتصرفاتهم وأمر بإخراج الحاضرين وبكى، وعرّفهم نفسه، وسكّن روعهم.
رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم:
يُستفاد من يوسف 80 82 أن إخوة يوسف تركوا بنيامين في مصر وتوجّهوا إلى أبيهم وأخبروه أن ابنه بنيامين سرق، وأن حاكم مصر حجزه عنده. فأرسلهم ثانية إلى مصر لشراء قمح.
والتوراة تختلف مع هذا، فإنهم لو رجعوا إلى أبيهم بغير أخيهم لما عاش والدُهم. والحق هو أن يوسف عرّف نفسه لإخوته، وأرسل المركبات واستدعى أباه إلى أرض مصر. ومن رغب في معرفة هذه القصة فعليه بمطالعة التوراة.
قميص يوسف:
اذهبوا بقميصي هذا فأَلْقوه على وجه أبي يأتِ بصيراً، وأْتوني بأهلكم أجمعين. ولما فَصَلَتِ العِيرُ قال أبوهم: إني لَأَجِدُ ريحَ يوسف لولا أن تُفنّدونِ. قالوا: تَاللهِ إنك لَفِي ضلالِك القديم. فلمّا أن جاء البشيرُ ألقاهُ على وجهَهُ فارتدَّ بصيراً (آيات 93 96).
قال الضحّاك: كان هذا القميص من نسيج الجنة وقال مجاهد: أمره جبريل أن يرسل إليه قميصه، وكان ذلك القميص قميص إبراهيم، وذلك إنه لما جُرِّد من ثيابه وأُلقي في النار عرياناً أتاه جبريل بقميصٍ من حرير الجنة، فألبسه إياه، فكان ذلك القميص عند إبراهيم. فلما مات ورثه إسحق، فلما مات ورثه يعقوب، فلما شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في قَصَبةٍ من فضَّة وسدّ رأسها وجعلها في عنق يوسف كالتعاويذ، لما كان يخاف عليه من العين، وكانت لا تفارقه. فلما أُلقي يوسف في البئر عُرياناً أتاه جبريل وأخرج له ذلك القميص وألبسه إياه. فلما كان هذا الوقت جاءه جبريل وأمره أن يرسل هذا القميص إلى أبيه، لأن فيه ريح الجنة، فلا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عُوفي في الوقت. فدفع يوسف ذلك القميص إلى إخوته وقال: اذهبوا بقميصي هذا وضعوه على وجه أبي. فلما فعلوا ذلك رُدَّ إليه بصره (القرطبي في تفسير يوسف 12: 93).
أما صواب قصة القميص فنقرأه في تكوين 37: 3 . كان يعقوب يحب يوسف فصنع له قميصاً ملوناً. ولما باع أولاد يعقوب أخاهم يوسف أخذوا هذا القميص الملوّن وذبحوا تيساً من المعز وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوه إلى أبيهم وقالوا: وجدنا هذا القميص، فحقِّقْه: أقميص ابنك هو؟ فقال: قميص ابني. وحشٌ رديءٌ أكله. فناح.
وفي تكوين 37: 35 أرسل يوسف لطلب أبيه عَجَلاتٍ وعشر حمير حاملة من خيرات مصر، وعشرة أُتُنٍ حاملةً حنطة وخبزاً وطعاماً لأبيه في الطريق. ولم يرسل إليه قميصاً.
ونسب القرآن إلى هذا القميص تفتيح عيني يعقوب!
- تعليق على سورة الرعد (13)
الرعد:
ويسبّح الرعد بحمده والملائكة من خِيفَته (آية 13).
قال ابن عباس: أقبلت اليهود إلى محمد فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: مَلَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوقه بها حيث يشاء الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يُسمع؟ قال: زجره السحاب حتى تنتهي حيث أُمرَت. قالوا: صدقت . أخرجه الترمذي (الرازي في تفسير هذه الآية).
والرعد كما لا يخفى تصادم الكهربائية بين السحاب وبين بعضه، أو بين السحاب والأرض.
- تعليقات على سورة الحِجْر (15)
خلق الجان:
والجانَّ خلقناه مِن قَبْلُ من نار السَّموم (آية 27).
وقالوا: الجان أبو الجن كما أن آدم أبو البشر. وفي الجن مسلمون وكافرون يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم. وأما الشياطين فليس منهم مسلمون ولا يموتون. ومعنى نار السَّموم نار جهنم. وقال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خُلق منها الجان. وهي تقدر أن تتولَّج في بواطن الحيوانات وتنفذ في منافذها الضيقة نفوذ الهواء المستنشَق (الرازي في تفسير هذه الآية). ولكن ذهب العقلاء إلى أنه إذا كان للجن أجسامٌ وأنهم يتوالدون دون أن نراهم، جاز أن يكن بحضرتنا جبالٌ وبلاد لا نراها، وأبواقٌ وطبولٌ لا نسمعها!
والحق هو ما ورد في التوراة من أنه لا يوجد سوى الملائكة الأخيار والملائكة الأشرار، أو أرواح طاهرة وأرواح شريرة. ولا وجود لشيء يُقال له جن.
تبشير إبراهيم:
إنّا نبشّرك (يعني إبراهيم) بغلام (آية 53).
مع أنه في هود 11: 74 يقول: إن الملائكة بشّروا امرأته ولكننا نعلم أن الإنباء بهلاك سدوم هو بخلاف البشارة بميلاد اسحق.
سبعة أبواب جهنم والصراط:
وإنّ جَهنَّم لَمَوْعِدُهم أجمعين، لها سبعةُ أبوابٍ، لكل بابٍ منهم جزءٌ مقسوم (آيتا 43 ، 44).
قال علي بن أبي طالب: تَدْرون كيف أبواب جهنم؟ ووضع إحدى يديه على الأخرى، أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض. قال ابن جريج: النار دركات، أوّلها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية . قال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين دخلوا النار يُعذَّبون فيها بقدر ذنوبهم، ثم يُخرَجون منها. وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشِرك، وفي السابعة المنافقون .
ويقول المسلمون إن الصراط ممدود على ظهر جهنم، يعبر عليه جميع الخلائق، المؤمن وغير المؤمن. ولذا ورد قوله: وإنْ منكم إلا واردُها، كان على ربك حَتْماً مَقْضياً (مريم 19: 71) يعني يدخل البَرُّ والفاجر في جهنم، ثم ينجّي الله الذين اتَّقوا. كان على ربك حتماً مقضياً أي كان ورود جهنم قضاء لازماً قضاه الله عليكم، وأوجبه. قال القرآن ثم ننجّي الذين اتَّقوا .
وقد أنكر المعتزلة هذا. وقالوا إن من كان أدقّ من الشعر وأحدّ من غرار السيف لا يمكن عقلاً العبور عليه. وإن أمكن العبور فلا يمكن إلا مع مشقّة عظيمة، ففيه تعذيب للمؤمنين. فردّوا على ذلك بأن القادر المختار يسهّل على المؤمنين (أنظر الطبري في مريم 19: 70 ، 71).
- تعليقات على سورة النحل (16)
عدم تحرّك الأرض:
وألقى في الأرض رواسيَ أن تميدَ بكم (آية 15). أي أنه ثبَّتها بالجبال كيلا تميل بكم وتضطرب.
ولكنه يقول: والأرضَ مدَدْناها وألقَيْنا فيها رواسيَ (الحِجْر 15: 19) ، وفي ق 50: 7 ، ونوح 71: 18 والله جعل لكم الأرض بساطاً مع أن الأرض متحرّكة وكرة مستديرة.
برج بابل:
قد مكر الذين مِن قَبْلهم، فأتى الله بُنيانهم مِن القواعد، فخَرَّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (آية 26).
قال المفسرون إن نمرود كنعان بنى صرحاً ببابل ليصعد إلى السماء ويقاتل أهلها. قال ابن عباس: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع . وقال غيره: كان طوله فرسخين، فهبّت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر، وخرّ عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته. ولما سقط تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلّموا يومئذ بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سُمّيت بابل. وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية (الطبري والقرطبي في تفسير الآية).
والتوراة تعلمنا (تكوين 11) أنه بعد الطوفان عزم الناس على بناء مدينةٍ في شنعار وبرجٍ عظيم، فبلبل الله لسانهم فتشتَّتوا، لأن غاية الله كانت أن يعمِّروا الأرض، ففرّقهم. ودُعيت هذه المدينة بابل.
يعلّمه بشر:
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشرٌ. لسانُ الذي يُلحِدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربيٌّ مُبين (آية 103).
قال عرب مكة إن محمداً يتعلم هذه القصص والأخبار من إنسانٍ آخر، وهو آدميّ مثله، وليس هو من عند الله كما يزعم. واختلفوا في ذلك الإنسان، من هو؟ فقد روى القرطبي عن ابن عباس: كان محمد يعلم قيناً بمكة اسمه بلعام، وكان نصرانياً، فكان المشركون يرون محمداً يدخل عليه ويخرجمن عنده، فكانوا يقولون: إنما يعلّمه بلعام . وقال عكرمة: كان محمد يُقرىء غلاماً لبني المغيرة اسمه يعيش، فكان يقرأ الكتب. فقالت قريش: إنما يعلّمه وقيل: كان محمد فيما بلغني كثيراًما يجلس عند المروة إلىغلام رومي نصراني، عبدٌ لبعض بني الحضرمي، اسه جبر. وكان يقرأ الكتب . وقال عبيد الله بن مسلمة: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما يسار، ويُكنى أبا فكيهة، ويُقال للآخر جبر، وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن التوراة والإنجيل بمكة. فمرّ بهما محمد وهما يقرآن، فوقف يستمع. وكان محمد إذا آذاه الكفار يقعد إليهما فيتروّح بكلامهما. فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما . وقال الفراء: قالت العرب إنما يتعلم محمد من عائش، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى كان نصرانياً وقد أسلم، وكان أعجمياً . وقيل: هو عداس غلام عتبة بن ربيعة (السيوطي في سبب نزول الآية).
قال البيضاوي: يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي، وقيل جبراً ويساراً، كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل: عاشا غلام حويطب بن عبد العزى، قد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سلمان الفارسي (الطبري والرازي في تفسير هذه الآية). فكان يأخذ من كل واحد كلاماً ويدوّنه. وكان هذا معلوماً عند أهل عصره حسب قوله وشهادته الصريحة، فلا عجب إذا جاءت الاختلافات والمتناقضات.
جواز الكفر باللسان:
مَن كفر بالله مِن بعد إيمانه، إلا مَن أُكرِهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان. ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله (آية 106).
نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه وأمه وغيرهم فعذّبوهم، وقتلوا أباه وأمه، وأما عمار فوافقهم وكفر بمحمد وقلبه كاره. فأتى عمارُ محمداً وهو يبكي فقال له محمد: كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان فجعل محمد يمسح عينيه وقال: إن عادوا فعُدْ لهم بما قلت (الرازي في تفسير هذه الآية). يعني يجوز الكفر باللسان إذا كان في القلب الإيمان.
وهذا تعليم فاسد، فهل يرضى الله بالشِرْك به باللسان؟ قال المسيح: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم... مَن ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدَّام أبي الذي في السموات (متى 10: 28 ، 33).
- تعليقات على سورة الإسراء (17)
الإسراء:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المَسْجِدِ الحرام إلى المسجد الأقصى (آية 1).
اختلف المفسرون فيما يتعلق بالإسراء فقالوا إنه كان من الكعبة أو من الحِجْر، أو من بيت أم هانئ.
وقال محمد: بينما كنت نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العِشاء، أُسري بي . فارتدّ كثير من قريش ورأوا أن هذا من أضغاث الأحلام، أو الأوهام. ومن أقواله في الحديث إن الصلاة كانت خمسين، فتوسّط لدى الله وجعلها خمسة وقت الإسراء (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
وقد أورد الرازي عدة شبهات حول أحاديث الإسراء والمعراج:
- 1 - الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحدّ غير معقولة. وصعود الجرم الثقيل إلى السموات غير معقول. وصعوده إلى السموات يوجب انخراق الأفلاك، وذلك محال.
- 2 - هذا المعنى لو صحّ لكان أعظم من سائر المعجزات. وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلّوا به على صدقه في ادّعاء النبوّة. فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون عبثاً، وذلك لا يليق بالحكيم.
- 3 - تمسّكوا بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فِتْنةً للناس (الإسراء 60). وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس لأن كثيراً ممن تبع محمداً لما سمع هذا الكلام كذَّبه وكفر به، فكان حديث المعراج سبباً لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآها في المنام.
- 4 - اشتمل حديث المعراج على أشياء بعيدة منها ما روي من شق بطنه وتطهيره بماء زمزم وهو بعيد، لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الباطلة والأخلاق المذمومة. ومنها ما روي من ركوب البُراق وهو بعيد، لأن الله لما سيّره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأيّ حاجةٍ إلى البراق. ومنها ما رُوي أنه تعالى أوجب خمسين صلاة ثم إن محمداً لم يزل يتردد بين الله وبين موسى إلى أن أعاد الخمسين إلى خمس بسبب شفقة موسى. قال القاضي: وهذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وإنه يوجب البداء وذلك على الله محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما لا يجوز قبوله، فكان مردوداً (الرازي في تفسير الإسراء 17: 1).
وبالإضافة إلى كل ما قاله المفسرون عن هذه القصة، فهي باطلة من أصلها لأن بيت المقدس (هيكل سليمان أو المسجد الأقصى) كان قد هُدم عام 70م ولم يُبْنَ إلا في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، بعد محمد بنحو مئة عام. فبعد أن بدأت دولة الأمويين بحكم معاوية، آلت الخلافة لعبد الملك بن مروان عام 65 ه (684م) فنالت مدينة القدس عنايةً كبرى في عهده. وبعد أن زارها بعث إلى وُلاته في أرجاء العالم الإسلامي يقول إن الله وجَّهه لبناء قبَّة الصخرة والمسجد الأقصى، وأنه لا يريد أن ينفذ هذا الأمر إلا إذا إمرته الرعية. فجاءته الرسائل من أنحاء العالم الإسلامي تحبِّذ الأمر، وتقول إن عليه أن يمضي في ما عزم عليه. ويقول كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمؤلفه قاضي القضاء مجيد السيد الحنبلي (وقد كتبه سنة 90ه) إن عبد الملك بن مروان جدَّ في بناء القبة والمسجد الأقصى ليصرف الناس عن الحج إلى مكة وقت سيطرة عبد الله بن الزبير على الحجاز.
وجمع عبد الملك بن مروان أمهر رجال الهندسة والبناء والزخرفة فأقاموا نموذجاً لقبة الصخرة عُرض على الخليفة ، فشاور أعوانه وأقرّوه وتمّ تنفيذه. (عن كتاب القدس ومعاركنا الكبرى لمحمد صبيح).
وقصة المعراج هذه أُخذت من كتب الفرس ومن خرافاتهم القديمة، فإنها مذكورة في كتبهم 400 سنة قبل الهجرة في كتاب يسمى ارتيوراف نامك (معراج).
أمرنا مُترَفيها ففسقوا:
وإذا أرَدْنا أن نهلك قريةً أمرنا مُتْرَفيها ففسَقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمَّرْناها تدميراً (آية 16).
مع أنه يقول في الأنعام 6: 131 ذلك أن لم يكن ربُّك مهلكَ القرى بظلمٍ وأهلها غافلون .
فكيف يأمرنا الله بالفسق لكي تكون له ذريعة لإهلاك الناس مع أن هناك من لم يخطئ فيهم؟
سبع سماوات:
تُسبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ (آية 44).
وكذلك ورد في المؤمنين 23: 17 ولقد خَلَقْنا فوقَكم سَبْعَ طرائِقَ وفي فصّلت 41: 12 فقَضاهُنَّ سَبْعَ سمواتٍ في يومين وفي الطلاق 65: 12 اللهُ الذي خلق سَبْعَ سمواتٍ، ومن الأرضِ مِثْلَهُنّ وفي المَلك 67: 3 الذي خَلق سبْعَ سمواتٍ طِباقاً وفي نوح 71: 15 ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طِباقاً .
والظاهر أن محمداً حسب السماء الدنيا هي المركز، ويليها كوكب القمر، ثم كوكب عطارد، ثم كوكب الزهرة، ثم كوكب الشمس، ثم المريخ، ثم كوكب المُشتَرَى، ثم كوكب زُحَل. أما كوكب الثوابت فهو المعبَّر عنه في القرآن بالكرسي، وقال علماؤهم: وكوكب الأطلس هو الذي عبَّر عنه بالعرش المجيد . فدعواه أن السموات سبع وأن الأرض سبع هو حسب طريقة بطليموس التي أظهرت الاكتشافات الفلكية خطأها.
- أشراف قريش ومحمد:
وقالوا: لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكونُ لك جَنَّةٌ من نخيلٍ وعنب، فتُفجِّر الأنهارَ خلالها تفجيراً، أو تُسقِطَ السماءَ كما زعَمْتَ علينا كِسَفاً، أو تأتي بالله والملائكة قَبِيلاً، أو يكونَ لك بيتٌ من زُخْرفٍ، أو تَرْقَى في السماء. ولن نؤمنَ لِرُقِيِّك حتى تُنَزِّلَ علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي، هل كنتُ إلا بشراً رسولاً؟ (آيات 90 93).
قال ابن عباس إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبّهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك. فجاءهم محمد سريعاً، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء. وكان حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنّا بُعثنا إليك لنُعذَر فيك، وإنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمتَ الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفّهت الأحلام، وشتمْتَ الآلهة، وفرَّقت الجماعة، وما بقيَ من قبيحٍ إلاّ وقد جئتَه فيما بيننا وبينك. فإن كنتَ جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تريد الشرفَ سوَّدناك علينا. وإن كان هذا الذي بك رئى تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردّه، بذلْنا لك أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، ونُعذَر فيك . (وكانوا يسمّون التابع من الجن الرئى) فقال محمد: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً . قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشدّ عَيْشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجّر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قُصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صَدوقاً، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل؟ فإن صدَقوك صدّقناك. فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلت به . قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جناتٍ وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضةً يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس . فقال: ما بُعثتُ بهذا . قالوا: فأسقِط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل . وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم. ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل. ثم سألوكأن تعمل ماتُخوِّفهم به من العذاب فلم تفعل. فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتَّخذ إلى السماء مَرْقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخةٍ منشورة معك، ونفرٍ من الملائكة . وفي رواية وأربعةٍ من الملائكة يشهدون لك بما تقول . فانصرف محمد إلى أهله حزيناً (الطبري في تفسير هذه الآيات).
ومن تأمل في أقوال أشراف العرب رأى أنها مبنيّة على حكمة وفطنة، فإنهم عقلاء الأمة. لقد طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزةٍ يؤيّد بها دعوته، فعجز عن ذلك واعتراه الغم. فلو فعل شيئاً مما نسبه إليه أصحابه من انشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه وغير ذلك لاحتجَّ بها عند عقلاء قومه، ولكنه لم يدَّع بشيء من هذا، فأفحمه العرب، وانصرف والغم ملء فؤاده. وهم معذورون إذا قاوموه فإن الله لم يؤيده بمعجزة كما فعل مع الأنبياء الصادقين. وليس ذلك فقط، بل إنه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه. روى البخاري أن محمداً سأل جبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فقال: وما نتنزّل إلا بأمر ربك (مريم 19: 64). وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً. ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ 15 ليلة لا يعطيه الله في ذلك وحياً.
تسع آيات موسى:
ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّنات، فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم، فقال له فرعون: إني لأظنُّك يا موسى مسحوراً. قال: لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلاّ ربُّ السموات والأرض بَصَائِرَ، وإني لأظنك يا فرعون مَثْبوراً. فأراد أن يَسْتَفِزَّهُم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً، وقلنا من بعده لبني إسرائيل، اسكنوا الأرض (آيات 101 104).
قال ابن عباس: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلَّها، وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . وقيل: عوض فلق البحر واليد السنون ونقص من الثمرات وقيل: الطمي والبحر بدل السنين والنقص. قيل: كان الرجل منهم مع أهله في الفراش وقد صارا حجرين، والمرأة تخبز وقد صارت حجراً . ورُوي أن يهودياً قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقُل نبي، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين . فسألناه عن معنى قوله: ولقد آتينا موسى تسع آيات فقال: لا تشرِكوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا، ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسرقوا، ولا تقذفوا المحصَّنات، ولا تفرقوا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت (الطبري في تفسير الإسراء 101).
قلنا: (1) إن الضربات التي ضرب بها الله المصريين هي عشر (خروج أصحاحات 7 12). هذا خلاف المعجزات التي صنعها موسى، منها وضع يده في عبّه وصيرورتها برصاء، وصيرورة العصا حية، وفَلْق البحر الأحمر، ونزول المنّ والسلوى، وضرب الصخرة بعصاه فخرج الماء منها، وابتلاع الأرض لدوثان ورفيقيه، وصعوده إلى الجبل وغيره.
(2) وإذا كان مراده بالتسع آيات الوصايا التي أنزلها الله، فنقول إنها عشر، مذكورة في سفر الخروج 20.
وقد ذكر القرآن أن موسى وفرعون تشاتَماً، مع أن موسى لم يشتم فرعون، كما أن فرعون لم يلعن موسى. ولا يُعقل أن موسى المشهور بالحلم والوداعة يتطاول على ملكٍ مستبد.
(3) قوله فأراد فرعون أن يستفزّهم من الأرض أي يُخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر، فأغرقه ربنا، وأمر بني إسرائيل أن يسكنوا أرض مصر. مع أن مُنية بني إسرائيل كانت الخروج من مصر، أرض العبودية، ولم يَرْضَ فرعون أن يُخرجهم إلا رغماً عن أنفه، فإن الله أخرجهم بيدٍ قوية وذراعٍ رفيعة، كما قالت التوراة.
- تعليقات على سورة الكهف (18)
أصحاب الكهف:
أَمْ حسِبْتَ أن أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً، إذْ أوى الفتيةُ إلى الكهف، فقالوا: ربنا آتِنا من لدُنك رحمة وهيِّىء لنا من أمرنا رشَداً. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً، ثم بعثناهم لنعلم أيَّ الحزبين أَحْصَى لِما لبثوا أمداً. نحن نقصُّ عليك نبأَهم بالحقِّ، إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزِدْناهم هُدى... وتحسَبهم أَيْقاظاً وهم رقودٌ ونُقلِّبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبُهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد .. وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم. قال قائل منهم: كم لبِثتُم؟ قالوا: لبِثنا يوماً أو بعض يوم. قالوا: ربُّكم أَعْلمُ بما لبِثتم، فابعثوا أحدَكم بورقِكم هذه إلى المدينة فلينظر أيُّها أزكى طعاماً فليأْتِكم برزقٍ منه ... سيقولون ثلاثةٌ رابعُهم كلبهم، ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم، رَجْماً بالغيب. ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم... ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً (آيات 9 - 25).
شرح المفسرون هذه القصة شرحاً مطوّلاً ملخّصه أن أهل الإنجيل عظمت فيهم الخطايا، وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام، وفيهم بقايا على دين المسيح. وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم دقيانوس ملك الروم عبد الأصنام، وقتل كل من رفض عبادتها. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها فسوس اضطهد المسيحيين وقطّعهم إرباً إرباً، فلما عظمت الفتنة. ورأى الفتية ذلك فحزنوا وصلّوا وصاموا. فلما طلب منهم الملك أن يعبدوا آلهته قال أكبرهم: إن لنا إلهاً عظمته ملء السموات والأرض. لن ندعو من دونه إلهاً أبداً. وأما الطواغيت فلن نعبدها أبداً . فنزع ثيابهم وأعطاهم مهلة. ثم سافر دقيانوس إلى مدينة أخرى، فهرب الفتية إلى كهف قريب من المدينة، وتبعهم كلب. وقال ابن عباس: هربوا من دقيانوس وكانوا سبعة، فمرّوا براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم، وتبعهم الكلب. وكانوا يرسلون أحدهم إلى المدينة ليشتروا لهم الطعام. ولما رجع دقيانوس واستفهم عنهم أمر أن يُسدَّ الكهفُ عليهم ليموتوا جوعاً وعطشاً، ويكون كهفهم قبراً لهم. وقد توفى الله روحهم وفاة نوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم. ووضع أحد الناس كوم رصاص على كهفهم يشرح قصتهم. وناموا ثلثمائة سنة وسعاً، كما قال القرآن. فمات دقيانوس وتولى ملكٌ بعد آخر. وكان من الملوك الصالحين بيدروس، فجعل يدعو الناس إلى الحق، فانقسموا إلى قسمين: أهل الباطل وأهل الحق، فكثر أصحاب الباطل، فأراد الله أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف آيةً، فاتفق أن راعياً فتح باب الكهف، فأيقظ الله الفتية، فخرج أحدهم يشتري لهم طعاماً بالنقود التي كانت عندهم. ولما أبرز النقود استغربها الناس وظنوا أنه وجد كنزاً، فأمسكوه ثم اطّلعوا على حقيقة الأمر، وأن الله جعلهم آيةً لتأييد أنصار الحق ولخذلان أنصار الباطل. قال ابن عباس: اسم كلبهم قطمير، وليس في الجنة دواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعم (الرازي، ابن كثير، الطبري في تفسير الكهف 18: 9 22).
ونقول: (1) حقيقة هذه الحادثة أنه لما تولّى دقلديانوس حكم روما اضطهد المسيحيين وأذاقهم العذاب، ولا سيما الذين كانوا في الإسكندرية. فارتدّ كثير منهم. غير أن الأمناء احتملوا النار ولا العار، وهرب كثير إلى الجبال والكهوف وماتوا جوعاً. ومن الذين التجأوا إلى الكهوف شاب اسمه أنبا بولا، أول عابد متوحِّد، فعاش في كهف 90 سنة، وكان النخل يظلل مغارته، وكان يشرب من ينبوع ماء قريب منها.
(2) هناك قصة تشبه قصة القرآن وردت في كتاب بعنوان قصة السبعة النيام وهي من خرافات اليونان القديمة.
(3) واضح من هذا أن القرآن يتبع المشهور من الروايات. ومن العرض السابق لقصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن ندرك أنه لا يسجل الحقيقة التاريخية، بل يتبع في رواياته المشهور في بيئته. فلم يقطع القرآن بعدد الفتية الذين لبثوا في الكهف، ولا الفترة الزمنية التي مكثوها فيه، لا لشيء إلا لأن ذلك لم يكن مقطوعاً به في البيئة العربية حينذاك، بل كانت الروايات مختلفة متضاربة غير جازمة. قال الإمام النيسابوري في سبب نزول هذه الآيات إن قريشاً أرسلت من يأتيهم بخبر محمد من أهل الكتاب في المدينة: هل محمدٌ نبي أم مُدَّعي نبوّة؟ فلما أتى مندوب قريش المدينة وقابل يهودها، قالوا: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإن حديثهم عجب. وسَلوه عن رجلٍ طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان خبره؟ وسَلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي، وإلا فهو متقوِّل. وعندما سُئل محمد هذه الأسئلة ردّ بما كان معلوماً عنده من إجابات غير مقطوعة ولا جازمة، فلم يكن متوقَّعاً من محمد أن يفوق علمه علم أساتذته. ولذلك وقفت إجابات القرآن عند حد قالوا ربُّكم أعلمُ بما لبثتُم قُلْ ربّي أعلمُ بِعِدَّتهم . (آيتا 19 ، 22)
(4) عندما انقطع الوحي عن محمد قال له جبريل إنه لا يدخل بيتاً فيه كلب. (راجع التعليق على المائدة 4). فإن صدق هذا فكيف تمَّ تقليب أهل الكهف وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؟
ماذا منع الإيمان؟
وما مَنَعَ الناسَ أن يؤمنوا إذْ جاءهمُ الهُدى ويستغفروا ربهم إلاّ أن تأتيهم سُنَّةُ الأوَّلِين أو يأتيهم العذاب قُبُلاَ (أي عياناً) (آية 55).
تحصر هذه الآية المانع من الإيمان في أحد هذين السببين، مع أنه قال: وما منع الناس أن يؤمنوا إذْ جاءهمُ الهُدى إلاّ أن قالوا: أَبَعَثَ الله بشراً رسولاً؟ (الإسراء 17: 94). وهذا سبب ثالث. وأجاب مفسرو المسلمين أن الحصر الأول هو حقيقي، لأن الله هو المانع في الحقيقة، ومعنى الآية الثانية هو استغراب بَعْثه بشراً، فهو مانع عادي غير حقيقي.
موسى والخضر:
وإذْ قال موسى لفتاهُ لا أبرحُ حتى أبلُغَ مَجْمعَ البَحْرَيْن، أو أمضِي حُقُباً (أي دهراً طويلاً). فلما بلغا مجمع بينِهَما نسيَا حوتَهما، فاتخذ سبيلَه في البحر سَرَباً (أي مسلكاً). فلما جاوزا قال لفتاه: آتِنا غداءنا. لقد لَقِينا من سفرنا هذا نَصَباً. قال: أرأيت إذْ أوينا إلى الصخرةِ فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطانُ أن أذكره، واتَّخذ سبيله في البحر عَجَباً. قال: ذلك ما كنا نبغِ. فارتدّا على آثارهما قصَصاً (أي رجعا يتبعان الذي جاءا منه). فوجداعبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدُنّا علماً (هو الخضر). قال له موسى: هل أَتَّبعك على أن تعلّمنِ مما عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تُحِط به خُبْراً. قال: ستجدني إن شاء اللهُ صابراً ولا أعصِي لك أمراً. قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتى أُحدِثَ لك منه ذِكراً. فانطلقا حتى إذا ركِبا في السفينة خَرَقَها. قال: أَخَرَقْتَها لتُغرِق أهلها؟ لقد جئتَ شيئاً إمْراً. قال: ألم أقُل إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: لا تؤاخذني بما نسيتُ ولا ترهقني من أمري عُسْراً. فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله. قال: أَقتلتَ نفساً زكيَّة بغير نفسٍ؟ لقد جئتَ شيئاً نُكراً. قال: ألم أقُل لك إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تُصاحبني، قد بلغتَ من لدُني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأَبَوْا أن يُضَيِّفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه. قال: لو شئتَ لاتَّخذت عليه أجْراً. قال: هذا فِراقٌ بيني وبينِك. سأُنبِّئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأردتُ أن أَعيبها، وكان وراءهم مَلِكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غَصْباً. وأما الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن، فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فأردنا أن يُبْدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْماً. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنزٌ لهما، وكان أبوهما صالحاً، فأراد ربُّك أن يبلغا أشُدَّهما ويستخرجا كنزَهما رحمةً مِن ربّك وما فعلتُه عن أمري. ذلك تأويل ما لم تسطِعْ عليه صبراً (آيات 60 82).
وهذا يعني:
(1) أن الخضر خرق السفينة حتى لا يأخذها الملك نهباً.
(2) إنه رأى غلاماً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين لئلا يضل والديه.
(3) كان الجدار لرجل صالح له ولدان، وكان تحت الجدار كنز فأخفاه إلى أن يبلغ هذان الولدان، فإن الله يحفظ أبناء العبد الصالح.
ورد في الحديث أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسُئل: أي الناس أعلم؟ فقال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يارب، فكيف لي به؟ قال: فخذ معك حوتاً فاجعله في مكتل، فحيث فقدت الحوت فهو هناك. وقيل إن موسى خطب في الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأُعجب منها، فقيل له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بل أَعْلم منك عبدنا الخضر، وهو بمجمع البحرين. وكان الخضر في أيام أفريدون، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر. وبقى إلى أيام موسى (تفسير الكشاف على هذه الآيات).
ولا نعرف أساساً لهذه القصة الخرافية، فإن موسى لم يدَّعِ أنه أعلم أهل عصره:
(1) نعم إنه كان علاّمة، إلا أنه كان حليماً متواضعاً كما تشهد التوراة.
(2) الخضر اسم أو لقب عربي، وموسى كان إسرائيلياً. ولا مناسبة بينهما. وكذلك قولهم إن ذا القرنين كان معاصراً لموسى مع أن بينهما مئات السنين. ومن الغرائب تفضيلهم الخضر على موسى.
ذو القرنين والشمس:
ويسألونك عن ذي القرنين، قُل: سأتلو عليكم منه ذِكراً. إنّا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيءٍ سبباً. فأَتْبع سبباً. حتى إذا بلغ مَغْرب الشمس وجدها تَغْرُبُ في عينٍ حِمئة، ووجد عندها قوماً. قلنا: ياذا القرنين، إما أن تُعذِّب وإما أن تتَّخذ فيهم حُسْناً (آيات 83 86).
حتى إذا بلغ بين السدَّيْن وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا: ياذا القرنين، إن يأجوج ومأجوج مُفْسِدون في الأرض (آيتا 93 و94).
(1) ورد في الحديث عن ابن عباس قال: إن الشمس تغرب في عينٍ حمئة، وإنه سأل كعباً فقال له إنها تغرب في طينة سوداء (تفسير الطبري على الكهف 86).
(2) جعل محمدٌ الاسكندرَ الأكبرَ نبياً، لأن الله لا يخاطب إلا نبياً. (كما يقولون). والحقيقة هي أنه كان ملكاً فاتحاً للبلاد سافكاً للدماء، عابداً للوثن.
(3) قال إن أمة صالحة أخبرت ذا القرنين أن بين هذين الجبلين خَلْقاً أشباه البهائم، يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيَّات والعقارب، وطلبت منه أن يجعل بينها وبينهم سدّاً. فطلب منهم أن يأتوه بزُبَر الحديد يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس، وكان عرضه خمسين ذراعاً وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخاً. قال: هذا (السدّ) رحمةٌ من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء (آية 98).
- تعليقات على سورة مريم (19)
خوف زكريا:
وإني خِفْت الموالي (من يخلفونه) من ورائي (آية 5). أي بعد موتي، والموالي هم بنو العم، وقيل العصبة، وقيل جميع الورثة. والمعنى أن زكريا طلب من الله أن يرزقه بولد يرثه، لأنه خاف الموالي.
و يعلّمنا الإنجيل أن زكريا وامرأته كانا بارّين، وسلّما الأمر لله، ولم يخشيا أحداً.
مريم والنخلة:
فأجاءها المخاضُ إلى جذع النخلة. قالت: يا ليتني مِتُّ قبلَ وكنتُ نَسْياً منسيّاً. فناداها من تحتها: ألاّ تحزني، قد جعل ربُّك تحتك سَرِيّاً، وهُزّي إليكِ بجذع النخلة تُساقِطْ عليك رُطباً جنياً، فكُلي واشربي وقَرّي عيناً، فإمّا ترينَّ من البشر أحداً فقولي: إني نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسيّاً (آيات 23 26).
قالوا إن وجع الولادة ألجأ القديسة مريم إلى الاستناد على نخلةٍ لتستمسك بها من شدة الطلق ووجع الولادة، فناداها جبريل (وقيل عيسى) بأن لا تحزني. وضرب برِجْله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة وجرت، وقيل: كان هناك نهرٌ يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله. وحنَّت النخلة اليابسة فأورقت وأثمرت وأرطبت، فأتاها الله بالأكل والشرب. وقيل معنى تحتك أي تحت أمرك، إن أمرتيه أن يجري جرى، وإن أمرتيه بالإمساك أمسك. وأضربت عن كلام الناس لأن عيسى تكلم عنها (ابن كثير في تفسير هذه الآيات).
فالقرآن نسب ما حصل لهاجر أم إسماعيل إلى مريم، فإن هاجر أخذت إسماعيل وتاهت في برية بئر سبع. ولما فرغ الماء من القِربة طرحت الولد تحت شجرة وبعُدت قليلاً عنه، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد. وبكت، فأرسل الله إليها ملاكاً شجعها وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الغلام.
ولم يأتِ المخاضُ مريمَ تحت جذع النخلة، فإنها ولدت المسيح في بيت لحم ولم تكن في البرية. ولم تهزّ مريمُ جذع نخلة ولا غيرها، ولم يضرب ملاكٌ ولا غيره برجله، وكذلك لم تنذر لله السكوت.
أخت هارون:
يا أختَ هارونَ، ما كان أبوك امرأَ سوءٍ، وما كانت أمُّك بَغِيّاً (آية 28). ثم توهّم أن المسيح كلمهم وهو طفل قائلاً: والسلام عليَّ يوم وُلِدتُ ويوم أموت، ويوم أُبعَث حياً (آية 33).
ولما كان قوله يا أخت هارون من أعظم الأخطاء قال علماء المسلمين مرّة إنه كان أخا مريم لأبيها. وقيل إنه كان أمثل رجل في بني إسرائيل. وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله. وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقاً فشبّهوها به (الرازي في تفسير مريم 19: 28).
ومما يؤكد هذه الغلطة ادعاؤه أن مريم هي بنت عمرام، وما درى أن مريم بنت عمرام هي أخت موسى، أما مريم التي هنا فهي من ذرية داود.
حديث المسيح في المهد:
فأشارت إليه (إلى المسيح) قالوا: كيف نكلِّم من كان في المهد صبياً؟ قال: إني عبدُ اللهِ آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أين ما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً (آيات 29 32).
هذا هو حديث المسيح في المهد كما صوّره القرآن، غير أن الإمام الرازي اعترض على هذه الرواية القرآنية بقوله: اليهود والنصارى يُنكرون أن عيسى تكلم في زمان الطفولة، واحتجّوا عليه بأن هذا من الوقائع العجيبة التي تتوافر الدعاوى على نقلها، فلو وُجدت لنُقلت بالتواتر. ولو كان ذلك لعرفه النصارى، لاسيما وهم من أشد الناس غلواً فيه، حتى زعموا كونه إلهاً. ولا شك أن الكلام في الطفولة من المناقب العظيمة والفضائل التامة، فلما لم تعرفه النصارى، مع شدة الحب وكمال البحث عن أحواله، علمنا أنه لم يوجد (الرازي في تفسير مريم 19: 29).
الأصنام وإبراهيم:
قال: أَراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئِن لم تنتهِ لأرجُمنّك واهجُرني مَلِيّاً. قال: سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي (آيتا 46 و47).
تقدم في تعليقنا على الأنعام 6: 74 أن أبا إبراهيم كان تقياً، والكتاب يقول إنه أخذ ابنه إبراهيم، ولوطاً ابن أخيه، وتركوا بلادهم، وانفصلا عن قومهما خوفاً من التنجُّس برذائلهم. وقلنا إن إبراهيم كان يعرف أن الاستغفار للشقي أو للكافر لا ينفع.
كما أن القرآن أخطأ في الكلام على إبراهيم أيضاً، فورد في الأنبياء 21: 57-63 وتَاللهِ لَأَكيدنَّ أصنامَكم بعد أن تُوَلّوا مُدْبرين. فجعلهم جُذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون. قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لمن الظالمين. قالوا: سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم. قالوا: فَأْتوا به على أعين الناس لعلَّهم يشهدون. قالوا: أَأَنت فعلتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون .
وورد في الحديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتين منهنّ في ذات الله: قوله إني سقيم وقوله فعله كبيرُهم هذا وقوله لسارة هذه أختي (ابن كثير في تفسير الأنبياء 21: 63). وادّعوا أن أبا إبراهيم أخبره أن يخرج معهم إلى عيدهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض وقال: إني سقيم. وثانياً لما كسّر الأصنام ادّعى أن الصنم الكبير هو الذي كسرها، وهما غلطتان. ومن أغلاطه ادعاؤه في الأنبياء 21: 68 و69 قالوا: حرِّقوه وانصروا آلهتَكم إن كنتُم فاعلين. قُلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . والحقيقة هي أن إبراهيم لم يُلقَ في النار بل الفتية الثلاثة شدرخ وميشخ وعبد نغو، لأنهم لم يسجدوا لتمثال نبوخذنصر، وليس لأنهم كسروا الأصنام، فأمر نبوخذنصر بإلقائهم في أتون النار فلم يصِبْهم ضرر (دانيال 3).
إسماعيل:
واذكر في الكتابِ إسماعيلَ،إنه كان صادقَ الوعدِ وكان رسولاً نبياً (آية 54).
وتعلمنا التوراة في تكوين 16: 12 أن إسماعيل يكون وحشياً، يده على كل واحد، ويد كلواحد عليه. والقرآن جعله رسولاً ونبياً، وادّعوا أنه أُرسل إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن، ولم يُسمع أن الله أرسل رسولاً إلى العرب. وأين نبواته ورسائله؟
إدريس:
واذكر في الكتابِ إدريسَ، إنه كان صِدِّيقاً نبيّاً، ورفعناه مكاناً عليّاً (آيتا 56 و57).
قال مفسّرو المسلمين إن المراد به أخنوخ، وسُمّي إدريس لكثرة درسه الكتب، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وإنه أول من خطّ بالقلم، وأول من خاط الثياب، وكانوا قبلاً يلبسون الجلود. رُفع إلى السماء الرابعة، ورآه محمد ليلة المعراج.
فإذا كان المقصود أخنوخ فيكون قد أخطأ اسمه. وما نسبوه إليه فهو خطأ أيضاً.
احتباس جبريل:
وما نَتَنَزَّلُ إلّا بأمرِ ربِّكَ (آية 64).
قيل احتبس جبريل عن محمد حين سأله اليهود عن أمر الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال: أخبركم غداً. ولم يقل إن شاء الله، حتى شق، ثم نزل جبريل بعد أيام. فقال له محمد: أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك. فقال له جبريل: وإني كنت أَشْوق إليك ولكني عبدٌ مأمور، إذا بُعثت نزلت، وإذا حُبست احتبست. فنزل قوله: وما نتنزل إلا بأمر ربك (أسباب نزول هذه الآية للسيوطي).
والحقيقة هي أن اليهود كانوا يوقفون محمداً في المسائل فكان يعجز عن الإجابة إلى أن يستفهم من هذا وذاك، ثم يقول إن جبريل علَّمه. وحاشا لجبريل أن يلقّنه الأخطاء أو يتأخر عليه ليفضحه.
ورودهم جهنم:
وإنْ منكُم إلاّ واردُها. كان على ربّك حَتْماً مَقْضياً (آية 71).
لقد حكم هذا النص على العالمين بورودهم جهنم، بارَّهم وفاجرهم، تقيَّهم وعاصيهم، مُوحِّدهم ومُشرِكهم، ولم يقل بصدورهم عنها! جاء في تفسير هذه الآية وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاءً مقضياً. وقد قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب (الطبري في تفسير الآية).
جاء في مسند الدرامي عن عبد الله بن مسعود أن محمداً قال: يرِدُ الناسُ النارَ ثم يصدرون منها بأعمالهم، فمنهم كلمح البصر، ثم كالريح، ثم كحُضْر الفرس، ثم كالراكب المُجِدّ في رَحْله، ثم كشدّ الرجل في مشيته (عن تفسير القرطبي لهذه الآية). وفي تفسير الطبري: حدثنا أبو كريب، قال ثنا بن يمان، عن مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، قال: كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه، قال: يا ليت أمي لم تلدني. فقيل: وما يُبكيك ياأبا ميسرة؟ قال: أَخبرنا أَنّا واردوها، ولم يُخبرنا أَنّا صادرون عنها .
حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل، عن قيس، قال: بكى عبد الله بن رُواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيكِ؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيتُ. قال ابن رواحة: إني قد علمتُ أني وارد النار فما أدري أناجٍ منها أنا أم لا (راجع الطبري والقرطبي والكشاف في تفسير الآية).
إذاً لابد أن كل شخص يدخل النار ثم يخرج منها حسب أعماله. ولو شاء ربُّكَ لَجَعَل الناسَ أُمةً واحدةً، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربُّك ولذلك خلقهم. وتمَّتْ كلمةُ ربِّك: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّم مِن الجِنَّةِ والناسِ أجمعين (هود 11: 118 و119).
- تعليقات على سورة طه (20)
جئت لتُخرِجنا:
قال (فرعون) : أجئتَنا لتُخرِجنا من أرضِنا بسِحْرِك ياموسى؟ (آية 57).
هذا غير معقول، فكتاب الله يعلّمنا أن موسى لم يأتِ لمصر ليُخرج فرعون وقومه منها، بل جاء ليُخرِج بني إسرائيل، لأن مصر كانت أرض عبودية لهم.
إن هذان:
قالوا: إن هذان لساحران (آية 63).
الأصحُّ أن يقول إن هذين لساحران. وقد حاول المفسرون تبرير هذا الخطأ فزادوه إبهاماً (الرازي في تفسير هذه الآية).
أضلَّهم السامري:
قال: فإِنّا قد فتنَّا قومَك من بعدِك وأضلَّهم السامري (آية 85).
نسب القرآن ضلال اليهود وعبادتهم العجل إلى الله، لأنه هو الذي فتنهم. وجاء القرآن بالسامري من حيث لا ندري، فلم تكن السامرة موجودة على خريطة العالم إلا بعد خروج اليهود بأكثر من أربع مائة عام.
أثر حافر جبريل:
قال بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا به، فقبضْتُ قبضةً من أثر الرسول فنبذتُها (آية 96).
وعن ابن جريج قال: لما قتل فرعون الولدان قالت أمُّ السامريّ: لو نحيتُه عني حتى لا أرى موته، فجعلَتْه في غار. فأتى جبريل فجعل أصبعه في فم السامريّ وأخذ يُرضِعه لبناً وعسلاً، فلم يزل يأتي إليه حتى عرفه، فمن هنا معرفته إياه حين قال: قبضت قبضةً مِن أثر الرسول.
وعن ابن عباس قال: لما قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار وتكسَّرت، رأى السامريّ أثر فرس جبريل، فأخذ تراباً من أثر حافره. ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها وقال: كن عِجْلاً جسداً له خُوار . فكان. (الطبري في تفسير طه 20: 96).
- تعليقات على سورة الأنبياء (21)
داود وسليمان والغنم:
وداودُ وسليمانُ إذْ يحكمان في الحَرْث إذْ نَفَشَت فيه غنمُ القوم، وكنّا لحكمهم شاهدين. ففهَّمْناها سليمانَ، وكلاًّ آتينا حُكماً وعِلماً، وسخَّرْنا مع داودَ الجبالَ يسبِّحْن والطيرَ وكنّا فاعلين (آيتا 78 ، 79).
قال ابن عباس وغيره إن رجلين دخلا على داود، أحدُهما صاحب زرعٍ، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع: إن غنم هذا دخلت زرعي ليلاً فوقعَتْ فيه فأفسدَتْه فلم تُبقِ منه شيئاً. فأعطاه رقاب الغنم بالزرع. فخرجا، فمرّا على سليمان فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه. فقال سليمان: لو رأيتُ أمركما لقضيتُ بغير هذا. ويُروى أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين . فأُخبر بذلك داود فدعا سليمان واستفهم منه عن الأرفق بالفريقين، قال: أدفع الغنم للمزارع ينتفع بدرّها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الأرض مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أُكل دُفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه . فقال داود: القضاء ما قضيت . وكان عمر سليمان يوم حكم إحدى عشرة سنة (الكشاف، ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين).
ولا يعقل أن سليماناً كان يتعقب أحكام والده، ووالده من الرجال المدرَّبين. هذا فضلاً عمّا خصّه الله به من الوحي الإلهي. وكيف يعجز عن الحكم في هذه القضية ويرضى بتغير الحكم أمام رعيته؟ ولكن هذا خَلْطُ أبشالوم بسليمان. جاء في 2 صموئيل 15: 1 6 أن أبشالوم لما دبَّر للانقلاب الفاشل ضد والده، كان يستميل رجال بني إسرائيل، ويقول: من يجعلني قاضياً في الأرض، لأُنصف المظلوم؟ وكان يقبّل ويكرم طرفي النزاع. فاستمال الأفئدة، وثار على والده.
وقال القرآن إن الجبال تسبّح مع داود! فقال ابن عباس: كان يفهم تسبيح الحجر والشجر . وقيل: كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير .
الريح والشياطين وسليمان:
ولسليمانَ الريحَ عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنّا بكل شيءٍ عالمين. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك، وكنا لهم حافظين (آيتا 81 ، 82).
قالوا: يعني أن الله سخّر الريح تجري بأمره، وكانت الشياطين يدخلون تحت الماء فيُخرِجون له من قعر البحر الجواهر، ويعملون عملاً دون ذلك، أي دون الغواص، وهو اختراع الصنائع العجيبة. وكان الله يحفظ العمل لئلا يفسده الشياطين، الذين دأبهم إفساد ما يعملون! (القرطبي في تفسير هذه الآية). ولا يخفى أن الشياطين أرواحٌ شريرة لا شغل لها سوى إغراء الناس على اقتراف كل منكر. ولا نتصور أنهم يخترعون ما ينفع الإنسان. ومن الخطأ قوله إن الله سخّر الريح لسليمان، وإنها تجري بأمره، كأن الله أشرك سليمان في مُلكه، وهو لا يليق بحكمته وقدرته!
ذو الكِفْل:
تقول آية 85 إن هناك نبياً اسمه ذو الكِفْل . ولم يهتدِ مفسّروهم إلى حقيقة هذا النبي، فذهب بعضهم إلى أنه إلياس، وغيرهم إلى أنه يوشع، وغيرهم إلى أنه زكريا، وقيل إنه نبي من بني إسرائيل، وأن الله أوحى لملِكٍ أني أريد قبض روحك، فاعرض ملُكك على بني إسرائيل، فمن تكفَّل أن يصلي الليل ولا يفتر، ويصوم النهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه. ففعل ذلك. فقام شاب فقال: أنا أتكفّل لك بهذا . فتكفَّل ووفَّى. فشكر الله له ونبأه فسُمِّي ذو الكِفْل (الرازي في تفسير هذه الآية).
حَصَب جهنم:
إنكم وما تعبدون مِن دونِ الله حَصَبُ جَهنم، أنتم لها واردون (آية 98).
قال مفسرو المسلمين إن محمداً لما تلا هذه الآية، سأله عبد الله بن الزبعري: ألم تقل إن اليهود عبدوا عُزَيْراً، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة، والصابئين الكواكب؟ فهل هؤلاء وقود النار؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
وقد اعتذر الرازي عن ذلك بقوله إنه كان يخاطب العرب فقط، بدليل قوله إنكم .
ولكن القرآن في مواضع كثيرة استخدم نفس اللفظ للجميع، فقال في مريم 19: 71 وإنْ منكم إلا واردها فهل يعني العرب فقط؟ ثم إن العرب كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب والنجوم. فهل كل هذه في النار؟
وقد اعتذر الرازي بقوله إن لفظ ما تستخدم لغير العاقل. نقول جاء في القرآن ونفسٍ وما سوَّاها، فألْهَمها فجورَها وتقواها (الشمس 91: 8). فهل ما هنا لغير العاقل.
- تعليقات على سورة الحج (22)
قال الشيخ أبو القاسم هبة الله: سورة الحج من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها ليليّاً ونهاريّاً، ومكيّاً ومدنيّاً، وسَفَرياً وحَضَرياً، وحَرْبياً وسِلْمياً، وناسخاً ومنسوخاً ومتشابهاً. والعدد فيها مختلف، فعدّها الشاميون 74 آية، وعدّها المدنيون 76 والبصريون 75 والمكيون 77 وعدّها الكوفيون 78 .
ألف أم خمسون ألفاً:
وإن يوماً عند ربّك كألفِ سنةٍ ممّا تَعُدُّون (آية 47).
وقال: يُدَبِّر الأمرَ من السماء إلى الأرضِ ثم يعْرُجُ إليه في يومٍ كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تَعُدُّون (السجدة 32: 5). مع أنه ورد تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج 70: 4).
ولما سُئل ابن عباس عنهما توقّف. قال أبو عبيد سأل رجل ابن عباس عن يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه. الله أعلم بهما. ما أدري ما هي، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . فقال ابن أبي مليكة: فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب، فسُئل عن ذلك فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما حضرت مِن ابن عباس؟ فأخبرته. فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قداتّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني (القرطبي في تفسير السجدة 32: 5 الرازي في تفسير المعارج70: 4).
ألقى الشيطان:
وما أرسلنا مِن قبلِك مِن رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنَّى (أيإذا قرأ، أو إذا جال في نفسه ما يهواه) ألقى الشيطان في أمنيته. فينسَخ الله ما يُلقي الشيطانُ، ثمّ يُحْكِم الله آياته (آية 52).
تمنَّى محمد أن ينزِّل الله عليه ما يقرِّب قومَه إليه. ولما كان في ناديهم قرأ سورة النجم 53 فلما بلغ مناة الثالثة الأخرى قال: تلك الغرانيقُ العُلى وإن شفاعتهنّ لتُرتجَى (النجم 53: 20). ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها. ولما رأى غلطه اغتمّ وقال إن الله عزّاه بهذه العبارة، مع أنها افتراء على الله وعلى أنبيائه ورسُله. وقد أشار إلى هذه الحادثة في الزمر 39: 45 فقال وإذا ذُكر اللهُ وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخِرة. وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون . فقالوا إنها قيلت في قراءة النجم عند الكعبة، وفرحهم عندما ذكر محمدٌ أصنامهم. وكذلك قوله في الإسراء 17: 73 وإنْ كادوا لَيَفْتِنونك عن الذي أَوحيْنا إليك لتفتريَ علينا غيره، وإذاً لاتَّخذوك خليلاً (الرازي في تفسير الحج 22: 52 الطبري في تفسير الزمر 39: 45).
- تعليق على سورة المؤمنون (23)
يتساءلون ولا يتساءلون؟
فإذا نُفِخ في الصُّورِ فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون (آية 101).
مع أنه ورد وأقْبَل بعضُهم على بعضٍ يتساءلون (الصافات 37: 27) ففي العبارة الأولى قال إنهم لا يتساءلون، وفي العبارة الثانية قال إنهم يتساءلون، وهذا هو التناقض. فقال علماؤهم: نفي المسألة فيما قبل النفخة الثانية في الصور، وإثباتها بعد ذلك.
- تعليقان على سورة الفرقان (25)
أساطير الأولين:
وقالوا: أساطيرُ الأوَّلين اكْتَتَبَها فهي تُمَلى عليه بُكرةً وأصيلاً. قل: أنزله الذي يعلم السرَّ في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً (آيتا 5 ، 6).
اتَّهم المشركون محمداً بورود أساطير الأولين في القرآن. ومن يدقِّق النظر فيها لا يجد نفياً لهذا الاتهام، أو محاولة للدفاع والرد، إنما يجدونه ينفي فقط أن تكون هذه الأساطير من عند محمد، يكتبها أو تُملى عليه، فيؤكد أنها وإن كانت أساطير فهي من عند الله!!
وقد تعجّب الإمام فخر الدين الرازي مِن ردّ القرآن وموقفه في هذه القضية، فتساءل: كيف يكون قول القرآن: قُل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إجابةً عن اتهام المشركين للقرآن بأنه أساطير الأولين ؟ (الرازي في تفسير هذه الآية). وذلك لأن المتبادَر إلى الذهن، والذي كان يتوقّعه الرازي وغيره، أن يكون ردّ القرآن نفياً لهذه التهمة لا تأكيدها.
أصحاب الرَّسّ:
وعاداً وثمُوداً وأصحابَ الرَّسِّ، وقروناً بين ذلك كثيراً (آية 38).
قال مفسرو المسلمين: أصحاب الرَّسّ قومٌ كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم شُعيباً فكذّبوه. فبينما هم حول الرَّسّ (وهي البئر غير المطوية) انهارت فخسف بهم وبديارهم. وقيل: الرَّسّ قرية بجهة اليمامة، كان فيها بقايا ثمود، فبُعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا. وقيل: الأخدود، وقيل: بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار. وقيل: هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي، ابتلاهم الله بطيرٍ عظيم كان فيها من كل لون، وسمّوها عنقاء لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يُقال له فتخ أو دمخ، وتنقضُّ على صِبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد، ولذلك سمّيت مغرباً، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة. ثم أنهم قتلوه فأُهلكوا. وقيل هم قومٌ كذّبوا نبيَّهم ورسُّوه أي دسّوه في بئر (الرازي في تفسير هذه الآية).
لما كان العرب يقاومون محمداً ويضايقونه في مبدأ أمره أتاهم بقصصٍ أنذرهم فيها أنهم إذا تمادوا على مقاومته أتتهم الصاعقة أو الصَّيْحة، أي يصيح بهم جبريل فيهلكهم، أو الخسف أو الطمس أو المسخ أو الجدب أو الوباء أو البرد أو الحر. ولما تقوّى وزاد بطشه أرهبهم بالسيف والسلب والنهب.
- تعليقات على سورة النمل (27)
سليمان والجن والطيور:
ووَرِث سليمانُ داودَ وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا منطقَ الطير وأُوتينا من كل شيء إنّ هذا لهُو الفضل المبين. وحُشِر لسليمانَ جنودُهُ من الجنّ والإنس والطير، فهم يُوزَعون. حتى إذا أَتَوْا على وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنَّكم سليمانُ وجنودُهُ وهم لا يشعرون. فتبسَّم ضاحكاً من قولها وقال: ربِّ أَوْزِعْني أن أشكر نعمتك عليَّ وعلى والديَّ (آيات 16 19).
قال المفسرون: صاح ورشان عند سليمان، فسأل سليمان: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: ليت الخلق لم يُخلقوا. وصاح طاووس، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كما تدين تُدان. وصاح هدهد فسأل: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول استغفروا ربكم يا مذنبون. وصاح طيطوي فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كل حيّ ميت وكل جديد بالٍ. وصاح خطاف فسأل: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول سبحان ربي الدائم. (اختصرنا العبارات فيما يأتي) قال والغراب يدعو على العشار، والحدأة تقول: كل شيء هالكٌ إلاّ وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغاء تقول: ويل لمن كانت الدنيا همَّه. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان.
وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول الرحمن على العرش استوى (القرطبي في تفسير النمل 27: 16).
(1) لقد خصّ الله الإنسان فقط بالنطق والعقل والبيان، وعليه يكون سليمان كذب على الناس والطيور، أو يكون ما نُسب إليه هو الكذب.
(2) هل كانت الطيور والحشرات في عصره تعقل وتدرك، ثم جرّدها الله من العقل الآن؟ إن الذي نَسَب إليها الإدراك هو الذي غلط.
(3) لم يكن لسليمان جنود من الجنّ، بل كانت جنوده من بني إسرائيل فقط.
الهدهد وملكة سَبأ:
وتفقَّد الطير فقال: مالي لا أرى الهدهد، أمْ كان من الغائبين؟ لأعذِّبنَّه عذاباً شديداً أو لأذْبَحنَّهُ أو لَيَأتيني بسُلطان مبين. فمكث غيرَ بعيدٍ. فقال: أحطتُ بما لم تُحِط به، وجئتُك من سبإ بنبإ يقين. إني وجدتُ امرأةً تملكهم، وأُوتيَتْ مِن كل شيءٍ، ولها عرشٌ عظيم. وجدتُها وقومَها يسجدون للشمس مِن دون الله (20 - 24). وذكر القرآنُ أن سليمانَ أرسل جواباً على يد الهدهد يدعو الملكةوقومَها إلى الإيمان، وأنها استشارت قومها فسلَّموا لها الأمر، فأرسلت هديةً، ثم أمر سليمانُ عفريتاً من الجن يأتي بعرشها قبل أن تصل إليه، فأتاه به. ثم أتت إليه فأراها إياه فأسلمت (آيات 20 45).
وحقيقة هذه الحادثة هي ما ورد في (1 ملوك 10: 1 13) أن ملكة سبأ سمعت بعظمة سليمان ونعمة الله عليه، فأتت بموكبٍ عظيم إلى أورشليم بهدايا عظيمة أهدتها لسليمان وامتحنته بمسائل، فاندهشت من حكمته ومن نظامه، وترتيب مأكله ومشربه، وحسدت رجاله على سماع حكمته كل ساعة. وقالت: لم أصدِّق ما بلغني إلا بعد أن شاهدت بعيني، ولم يبلغني نصف ما رأيت . وأهداها الملك سليمان هدايا جمّة فانصرفت إلى وطنها. فلا أرسل سليمان عفريتاً من الجن سرق عرشها، ولا أتاه هدهدٌ بأخبارها ويبدو أن ذلك الهدهد أعلم من سليمان!
الجسَّاسة:
وإذا وقع القولُ عليهم أخرجنا لهم دابّةً من الأرضِ تكلِّمهم أن الناسَ كانوا بآياتِنا لا يوقِنون (آية 82).
قال علي بن أبي طالب إن الدابة لها ريش وزغب وحافر، وليس لها ذنَب، ولها لحِية، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً وما خرج ثلثها (رواه ابن أبي حاتم). وقال ابن جريج إن أبا الزبير وصف الدابة بقوله إن رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيّل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هرّ، وذنَبها ذنَب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين إثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمنٌ إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه، ولا يبقى كافرٌ إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسْودّ بها وجهه، حتى أن الناس يتبايعون في الأسواق: بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت يجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم من كافرهم، ثم تقول لهم الدابة: يا فلان أبشِر، أنت من أهل الجنة، ويا فلان، أنت من أهل النار (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
نقول: تتبّع محمدٌ ما اشتهر من الخرافات والأساطير التي أُغرم بها العرب، فكان يروي لهم عن دوابٍ ذات أشكالٍ غريبة تتكلم وتدير الكون وتقسم الناس هكذا.
- تعليقان على سورة القصص (28)
امرأة فرعون وموسى:
وقالت امرأةُ فرعون: قرّةُ عينٍ لي ولك. لا تقتلوه عسى أن ينفعَنا أو نتَّخذَه ولداً، وهم لا يشعرون (آية 9).
وتخبرنا التوراة أن ابنةَ فرعون نزلت إلى نهر النيل لتغتسل، لأنهم كانوا يعتبرون النيل إلهاً يطهّرهم من النجاسة. فرأت سفطاً بين الحَلْفاء ففتحته، وإذا صبي يبكي، فاتَّخذته ابنة فرعون ابناً لها فليست هي امرأة فرعون، بل ابنة فرعون.
موسى وصداق امرأته:
قال: إني أريد أن أُنكِحك إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأْجُرَني ثماني حِججٍ، فإن أتممْتَ عشْراً فمن عندك، وما أريد أن أَشُقّ عليك. ستجدني إن شاء اللهُ مِن الصالحين (آية 27).
وتعلّمنا التوراة أنه لما فعل موسى عملاً جميلاً مع بنات كاهن مديان وكنّ سبعاً لا اثنتين، أعطاه إحداهنّ زوجةً بدون أن يخدمه ثماني سنوات ولا عشراً. والذي خدم حماه على امرأته هو يعقوب، خدمه سبع سنين.
- تعليقان على سورة العنكبوت (29)
عمر نوح:
ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، فلبِثَ فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (آية 14).
قال ابن عباس: بُعث نوح لأربعين سنة، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً،وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس، فكان عمره ألفاً وخمسين عاماً (ابن كثير في تفسير هذه الآية). ولكن عمر نوح هو 950 سنة كما في التوراة لا غير، فلم يلبث ألف سنةإلا خمسين، يعني غير المدة التي عاشها بعد الطوفان.
هامان وقارون وفرعون:
وقارونُ وفرعونُ وهامانُ، ولقد جاءهم موسى بالبَّيِنات (آية 39).
جعل القرآن هامان وزيراً لفرعون فيجملة سور. والحقيقة أنه كان وزيراً للملك أحشويروش، وكانت مملكة هذا الملك تمتد من الهند إلى كوش.
وفي نفس الآية ورد أن موسى أُرسل إلى قارون وفرعون وهامان، وأن الأرض خسفت بقارون.
والحقيقة هي أن قورح وداثان وأبيرام ثاروا على موسى، وكادوا أن يحدثوا انقلاباً، ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم (سفر العدد 16).
- تعليق على سورة الروم (30)
غُلبت الرومُ في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون في بضع سنين (آيات 1 4).
قال المسلمون إن هذه الآية نبوّة تنبأ بها محمد وتحققت بالفعل. ولكن من يتأملها يجد أنها قراءة مستقبلية، كما يفعل العسكريون اليوم، فإن محمداً كان يعلم قوة الرومان، وكان ينظر للأمر كرجل عسكري، فرأى أن من الممكن أن يفوز الرومان بعد فترة. هذا بالإضافة إلى أن بعض المسلمين قرأها غَلبت ويُغلبون والبعض غُلبت ويَغلبون. ومن يقارن بين هذه النبوّة ونبوّة حزقيال النبي عن مدينة صور، يجد أن احتمال أن يفوز الروم على الفرس هو 50 % لأن الروم أقوياء، وكان من الممكن أن يفوزوا في حربهم ضد الفرس، كما حدث قبلاً. ولكن من يراجع تاريخ مدينة صور في الموسوعة البريطانية، يجده مطابقاً تماماً لما تنبأ به حزقيال، مع أن حزقيال قاله في وقت كانت صور فيه مدينة قوية جداً بتجارتها وثروتها (حزقيال 27: 27). فكلام القرآن متوقَّع الحدوث، بينما كلام حزقيال غير متوقَّع الحدوث، لدرجة أن العلماء حددوا أن نسبة تحقيق نبوة حزقيال هو 1\75 مليون!
- تعليق على سورة لقمان (31)
لقمان الحكيم:
اتخذ محمدٌ شخصيةً خيالية من الجاهلية ليجعل منها نبياً حكيماً يعظ ابنه. ولقمان هذا هو المعروف بالمعمري، والذي قالوا إنه عاش عمراً بلغ عمر سبعة نسور! وكان العرب يضربون الأمثال بطول حياة النسور. وقال الطبري إن لقمان من قبيلة عاد وإنه أول من عاقب الزنا بالرجم، وإنه رجم زوجته وعشيقها. كما أنه أول من عاقب السرقة بقطع اليد، وكان ملكاً على اليمن، وكان مشهوراً بالحكمة.
- تعليقان على سورة السجدة (32)
يوم ألف أو خمسون ألف سنة:
يدبِّر الأمرَ من السماءِ إلى الأرضِ، ثم يَعْرُجُ إليه في يومٍ كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تَعُدُّون (آية 5).
يعني مسافة ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة، فيكون مقدار نزوله إلى الأرض ثم صعوده إلى السماء استغرق ألف سنة، لو ساره أحدٌ من بني آدم. ولكن جبريل ينزل ويصعد في مقدار يوم من أيام الدنيا وأقل من ذلك. وقيل: معنى هذه العبارة هو أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج إليه، أي يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا في يومٍ كان مقداره ألف سنة. تَعْرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج 70: 4). فقالوا إن الخمسين ألف سنة هي مدة المسافة بين الأرض وسدرة المنتهى، التي هي مقام جبريل. وقيل: إن المراد في العبارتين يوم القيامة. أما ابن عباس فقال: أيامٌ سمّاها الله تعالى لا أدري ما هي، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم, يعني أنها من الطلاسم المجهولة (القرطبي في تفسير السجدة 32: 5 الرازي في تفسير المعارج 70: 4).
التوراة هدى
ولقد آتينا موسى الكتابَ فلا تكن في مِرْيةٍ من لقائه، وجعلناه هدى لبني إسرائيل، وجعلنا منهم أئمَّةً يَهْدون بأمرنا لمَّا صَبَروا وكانوا بآياتنا يوقِنون. إن ربَّك هو يفصِل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (آيات 23 25).
المراد بالكتاب التوراة. فلا تكن في شك من تلقّي موسى الكتاب، أو لقائك موسى ليلة المعراج، أو من لقاء موسى ربَّه يوم الآخرة. وجعلنا الكتاب المنزَل على موسى لقومه هدى، وإن أئمتهم يدعون الناس إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه. وقوله بآياتنا أي التوراة يعلّمون علماً لا يخالجه شك. وقوله يفصل بينهم يوم القيامة أي بين الأنبياء وأممهم، أو بين المؤمنين والمشركين . والمعنى ظاهر وصريح فإذا كانت التوراة فُقدت قبل عصر محمد فكيف يقول إنها هُدَى، وكيف يُمعنون فيها النظر وهي مفقودة؟
- تعليقات على سورة الأحزاب (33)
ضاع منها:
عن در بن حبيس قال: قال لي أُبيّ بن كعب كم تُعد سورة الأحزاب؟ قلت اثنتين وسبعين آية أو ثلاثاً وسبعين. قال: إنها (أي سورة الأحزاب) كانت لتعدل سورة البقرة وإنّا كنا نقرأ فيها آية الرجم. قلت: وما آية الرجم؟ قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم (الإتقان للسيوطي. باب الناسخ والمنسوخ).
هذا كلام أئمتهم، وهم يُقرّون بحذف وضياع كثير من القرآن. فهل الله ليس قادراً على حفظ كلامه؟ فلو كان القرآن من عند الله ما ضاع منه حرف، فلله وعد في كتابه السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول (متى 24: 35).
طاعة الكافرين:
يا أيها النبيُّ اتّقِ الله ولا تُطِعِ الكافرين والمنافقين (آية 1).
لما هاجر محمد إلى المدينة كان يحب إسلام اليهود، فكان يلين لهم جانبه، ويكرم صغيرهم وكبيرهم، وإذا أتى منهم قبيحٌ تجاوز عنه، وكان يسمع منهم.
ورُوي أن أهل قريش بعثوا لمحمد وفداً وهو في المدينة قالوا له: قل إن لآلهتنا شفاعةً، وندعك وربك. فشقّ ذلك على النبي، فقد مال محمد ليرضي قومه، فنهره الله بقوله: اتّق الله ولا تطع الكافرين .
محمد يأخذ زوجة زيد:
وإذْ تقولُ للذي أنعم اللهُ عليه وأنعمْتَ عليه: أمسِكْ عليك زوجَك، واتّقِ الله، وتخفي في نفسك ما الله مُبْديه، وتخشى الناسَ واللهُ أحقّ أن تخشاه. فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوَّجناكَها، لكيلا يكون على المؤمنين حَرجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قَضَوْا منهنّ وطراً. وكان أمر الله مفعولاً (آية 37).
قالها في زينب، وذلك أن محمداً أتى زيداً ذات يوم لحاجةٍ، فأبصر زينب في درعٍ وخمارٍ، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنُها. فقال: سبحان الله مقلِّب القلوب، وانصرف. فلما جاء زيدٌ ذكرت له ذلك، ففطن زيدٌ وأتى محمداً فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي. فقال له: ما لك؟ أَرَابك منها شيء؟ قال: لا والله. ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عليَّ بشرفها، وتؤذيني بلسانها. فقال له محمد: أمسك عليك زوجك واتّق الله في أمرها (أي لا تفارقها). غير أن محمداً قال بعد ذلك إن الله عاقبه وقال له: لِمَ قلتَ أمسِكْ عليك زوجك؟ هل خفتَ من لائمة الناس أن يقولوا: أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها؟ فلا تخشَ الناس يا محمد.
قال أنس: كانت زينب تفتخر على أزواج محمد. تقول: زوّجكنَّ آباؤكن وزوّجني الله من فوق سبع سموات. وكانت تقول لمحمد: إني لأدل عليك بثلاث، ما من امرأة من نسائك تدل بهنّ، جدّي وجدّك واحد، وإني أنكحنيك الله في السماء، وإن السفير جبريل (الطبقات الكبرى ابن سعد ح 8 باب زوجات محمد).
امرأة تهب نفسها لمحمد:
وامرأةً مؤمنةً إن وهبَتْ نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين (آية 50).
أخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي: أن أم شُرَيْك الدوسية عرضت نفسها على النبي وكانت جميلة، فقبلها. فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسَها لرجلٍ خير! قالت أم شريك: فأنا تلك. فسمّاها محمد مؤمنة فقال: وامرأةً مؤمنةً الخ . فلما قال محمد هذا قالت عائشة: إن الله يسارع لك في هواك (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
تخيير محمد في أمر نسائه:
تُرجِي من تشاءُ منهنّ وتؤوي إليك من تشاء، ومَن ابتغيتَ ممن عزلت، فلا جُناح عليك. ذلك أدنى أن تَقَرَّ أعينُهنّ ولا يحزنّ ويرضَيْن بما آتيتهنّ كلهنّ (آية 51). (أرجَى أي أخَّر).
قال الحسن: معنى هذه العبارة أن الله فوّض له أن يترك نكاح من شاء من نسائه، وينكح من شاء منهن وأخرج الشيخان عن عائشة أنها كانت تقول: أَمَا تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ (أي لرجل آخر) فقال محمد هذه العبارة، فقالت عائشة: أرى ربك يسارع لك في هواك . وقد آوى محمد إليه من نسائه عائشة وحفصة وأم سلَمَة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء، وأرجى من نسائه خمساً: أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء (الكشاف في تفسير هذه الآية).
فإذا طعِمْتُم فانتشروا:
يا أيها الذين آمنوا، لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُؤذَن لكم إلى طعامٍ غيرَ ناظرين إِناه. ولكن إذا دُعيتم فادخلوا، فإذا طعِمْتُم فانتشروا، ولا مُسْتَئْنِسين لحديثٍ. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم، والله لا يستحي من الحق (آية 53).
أقام محمد وليمةً ليلة زواجه بزينب، ودعا القوم وأطعمهم، وكان يتمنَّى أن ينصرفوا لانشغال باله بالعروس، فتهيّأ للقيام، فقام البعض. ثم تهيأ للقيام ثانية فبقي البعض، وتهيأ ثالثة للقيام فانصرفوا. فدخل بيته، فتبعه أنس، فمنعه بإلقاء الحجاب، وقال: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُؤذَن لكم . نعم الذوق واجب، ولكن لا يجوز أن يشتغل الوحي بمثل هذه الأمور! وهل هذا كان في اللوح المحفوظ! (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول الأحزاب 53).
ولا تنكحوا أزواجه من بعده:
وما كان لكم أن تُؤْذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً. إن ذلكم كان عند الله عظيماً (آية 53).
صرَّح هنا بعدم جواز اقتران أحدٌ بإحدى نسائه، وأتى طلحة إحدى زوجات محمد، فكلَّمها، وهو ابن عمِّها. فقال محمد: لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك فقال: إنها ابنة عمي. والله ما قلتُ لها منكراً ولا قالت لي . فقال محمد: ليس أحدٌ أغْيَر من الله، وإنه ليس أحد أغْيَر مني . فمضى، ثم قال: إذا مات محمد لأتزوجنَّ عائشة من بعده . فقال: ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
- تعليق على سورة سبأ (34)
فضل داود وسليمان:
ولقد آتينا داودَ منّا فضلاً. يا جبال أوِّبي معه والطيرَ، وأَلَنَّا لَهُ الحديد أنِ أعمل سابغاتٍ وقدِّرْ في السَّرْد واعملوا صالحاً، إني بما تعملون بصير. ولسليمانَ الريحَ غُدُوَّها شهرٌ ورَوَاحها شهرٌ، وأسَلْناله عيْنَ القِطر، ومِن الجنّمَن يعمل بين يديه بإذن ربه، ومَن يَزِغْ منهم عن أمرنا نُذِقْه من عذاب السّعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجِفَانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ. اعملوا آل داود شكراً، وقليلٌ من عباديَ الشَّكورُ. فلما قضينا عليه الموتَ ما دلَّهم على موته إلاّ دابةُ الأرض، تأكل مِنْسَأته. فلما خرَّ تبيَّنتِ الجِنّ أنْ لو كانوا يعلمون الغَيْبَ ما لبثوا في العذاب المهين (آيات 10 14).
معنى هذه الأقوال:
- 1 - آتى اللهُ داودَ تأويبَ الجبال والطير، فكانت الجبالُ تُرَجِّع التسبيح أو النوحة على الذنب، بخلق صوت مثل صوته فيها.
- 2 - ألان الله لداود الحديد بأن جعله في يده كالشمع، يصوغه كيف يشاء من غير إحماءٍ وطَرْق، فعمل منه دروعاً.
- 3 - تسخير الرياح لسليمان فكانت تسير به كل يوم مسيرة شهرين، قيل كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر، وبينهما مسيرة شهر. ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع. وقيل إنه كان يتغدَّى بالري ويتعشّى بسمرقند.
- 4 - إذابة النحاس له كجري الماء، وكان بأرض اليمن.
- 5 - أمر الله الجن أن يعملوا له قصوراً حصينة ومساكن وتماثيل الملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات، وصحون كالحياض التي يُجمع فيها الماء.
- 6 - لم يعرف أحد بموت سليمان إلا دابة الأرض (أي الأرضة) فإنها أكلت عصاه. فقال مفسرو المسلمين إن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى، فمات قبل تمامه، فوصّى به إلى سليمان، فاستعمل الجنَّ فيه فلم يتم بعد إذ دنا أجله، وأعلم به، فأراد أن يُعمّي عليهم موته ليُتِمّوه. فدعاهم فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب، فقام يصلي متكئاً على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها، فبقى كذلك حتى أكلتها الأرْضة، فخرَّ. ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت يوماً وليلة مقداراً، فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة. (ابن كثير في تفسير هذه الآيات).
فهذه ست أخطاء:
- 1 - لم تسبِّح الجبال والطير، وإنما لسان حالها ناطق بحكمة الله وقدرته.
- 2 - لم يُسمع أن داود كان حداداً وأن الله ألاَنَ له الحديد.
- 3 - لم يسمع أحد أن سليمان كان يطير على الرياح، وأنه كان ينتقل من مكانٍ إلى آخر في طرفة عين.
- 4 - لم يسمع تليين النحاس لسليمان أو أنه كان بأرض اليمن، فإنه كان في أورشليم.
- 5 - الذين بنوا الهيكل هم البناؤون لا الجن، فإن الجنَّ اسمٌ بلا مسمّى.
- 6 - لم يكن موت سليمان بهذه الطريقة.
- تعليقان على سورة فاطر (35)
من تراب أم من صلصال، أم من طين لازب؟
ورد في عدة سور من القرآن أن الله خلق الإنسان من تراب. والله خلقكم من تراب (آية 31). وكذلك في الروم والحج والكهف. ولقد خلقنا الإنسان مِن صلصالٍ مِن حمأٍ مسنون (الحجر 15: 26). إنّا خلقناكم مِن طين لازب (الصافات 37: 11). خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخار (الرحمن 55: 14). فقالوا سبب هذا الاختلاف وقوع الخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتّى.
التوراة بيّنات:
جاءتهم رسُلهم بالبيِّنات وبالزُّبُر وبالكتاب المنير (آية 25).
قال المفسرون إن الأنبياء أتوا بالمعجزات الدالة على نبوَّتهم. قوله وبالزبر أي بالصُّحف، وقوله بالكتاب المنير أي التوراة والإنجيل والزبور. وذكر الكتاب بعد الزبر تأكيداً. هو الحق مصدقاً لما بين يديه (آية 31) (الجلالان في تفسير فاطر 25 ، 31).
فهل يصدِّق على شيء مفقود أو ملفّق؟
- تعليق على سورة يس (36)
الرسولان والقرية:
واضرب لهم مثلاً أصحابَ القرية إذ جاءها المرسَلون، إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما فعزَّزْنا بثالثٍ فقالوا إنّا إليكم مرسَلون (آيتا 13 ، 14) (حتى عدد 27).
قالوا إن عيسى أرسل إلى أنطاكية اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيباً النجار يرعى، فسألهما فأخبراه. فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص. وكان له ولدٌ مريض فمسحاه فبرأ، فآمن حبيب وفشا الخبر، فشُفي على حديثهما خلقٌ. وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إلهٌ سوى آلهتنا؟ قالا: من أوجدك وآلهتك؟ قال: انتظرا حتى أنظر في أمركما. فحبسهما. ثم بعث عيسى شمعونَ، فدخل متنكراً وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به، فقال له يوماً: سمعتُ أنك حبستَ رجلين، فهل سمعت ما يقولانه؟ قال: لا. فدعاهما فقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا الله الذي خلق كل شيء. فقال صِفَاه وأوجِزا. قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك. فدعا بغلامٍ مطموس العينين، فدعَوَا الله حتى انشقّ له بصر، وأخذا بُنْدُقَتَيْن فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مُقلتين. فقال شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا حتى يكون لك وله الشرف؟ قال: ليس لي عنك سر. إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع. فإنْ قَدِر إلهُكما على إحياء ميتٍ آمنّا به . فدعوا بغلام مات منذ سبعة أيام فقام، وقال: إني أُدخلت في ستة أودية من النار، وإني أحذّركم ما أنتم فيه، فآمِنوا. وقال: فُتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسناً يشفع لهؤلاء الثلاثة. قال الملك: من هم؟ قال شمعون وهذان. فلما رأى شمعون أن قوله أثّر فيه نصحه فآمن في جمع، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا (القرطبي في تفسير هاتين الآيتين).
وكتاب الله يعلمنا أن المسيح أرسل رسُله اثنين اثنين ليبشّروا بالإنجيل، فعملوا الآيات والمعجزات الباهرة، وأنبأهم بأنهم سيُسجَنون، ولكن لم يرد في الإنجيل أن اثنين حُبسا، وأن المسيح أرسل شمعون على الملك بهذه الحيلة.
- تعليقان على سورة الصافات (37)
يسألون أو لا يسألون؟
قالوا: من أسباب تناقض القرآن لبعضه اختلاف الموضع كقوله وقِفُوهم إنهم مسئولون (آية 24) أي احبسوهم. فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسَلين (الأعراف 7: 6). مع أنه ورد فيومئذٍ لا يُسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانّ (الرحمن 55: 39).
قال الحليمي: تحمل العبارات الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه، ولكن حمله غيره على اختلاف الأماكن، لأن في القيامة مواقف كثيرة، ففي موضعٍ يُسألون وفي آخر لا يُسألون.
إبراهيم والكواكب وابنه:
جاء في آيات 88-103 أن إبراهيم نظر في الكواكب، وأنه سقيم، وأنهم ألقوه في النار، وأنه رأى في المنام أنه يذبح ابنه. ولكن التوراة تقول إن إيمان إبراهيم كان حقيقياً فلم ينظر إلى الكواكب، ولم يرَ في الرؤيا أنه يذبح ابنه، بل إن الله أمره بذلك.
تعليقات على سورة ص (38)
داود النبي:
وهل أتاك نبأُ الخصمِ إذْ تسوَّروا المحراب إذْ دخلوا على داودَ ففزِع منهم. قالوا: لا تخَفْ. خصمان بَغَى بعضُنا على بعضٍ، فاحكُم بيننا بالحق ولا تُشطِط، واهدنا إلى سواءِ الصِّراط. إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة، فقال أَكْفِلْنِيها وعزَّني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخُلطاء لَيَبْغِي بعضُهم على بعضٍ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليلٌ ما هُمْ. وظنّ داود أَنَّما فتنَّاه، فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب (آيات 21 24). (راجع تفسير هذه الآيات في الرازي والطبري والقرطبي والكشاف).
هذا يشتمل على أخطاء شتى، منها قوله إن الخصم تسوّروا المحراب ودخلوا على داود، ومنها أنهم استفتوه في مسألة مُبهمة. ومن اطّلع على ما ورد في التوراة في هذه القضية ظهرت له الأخطاء (راجع 2 صموئيل 12: 1 15).
سليمان والخيل:
ووهبْنا لداودَ سليمانَ نِعْم العبدُ إنه أوَّاب، إذْ عُرض عليه بالعَشِيّ الصافِناتُ الجِياد، فقال: إني أحببتُ حبَّ الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. رُدُّوها عليَّ. فطفِقَ مَسْحاً بالسُّوق والأعناق. ولقد فتنَّا سليمانَ وأَلْقيْنا على كرسيِّهِ جسداً ثم أناب. قال: ربِّ اغفر لي وهَبْ لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بعدي، إنك أنت الوهَّاب. فسخَّرنا له الريحَ تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب، والشياطينَ كلَّ بَنَّاءٍ وغَوَّاصٍ وآخرين مُقرَّنين في الأصفاد (آيات 38: 30 38).
الصافن من الخيل هو الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو مِن الصفات المحمودة في الخيل. يعني أن سليمان استعرض الخيل حتى غربت الشمس، وغفل عن صلاة العصر، يمسح يده بأعناقها وسوقها حباً فيها، وإنه قال لأطوفنّ على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس، ولم يقل إن شاء الله. فطاف عليهنّ فلم تحمل إلا امرأةٌ جاءت بشق رجل. قال محمد: فوالذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرساناً . وقيل: وُلد له ابن فأجمعت الشياطين على قتله، فكان يغدوه في السحاب، فما شعر به إلا أنه أُلقي على كرسيه ميتاً، فتنبَّه على خطيئته بأنه لم يتوكّل على الله. وقيل غير ذلك (طبقات ابن سعد ح 8 باب تفسير الآيات التي في ذكر أزواج النبي).
ولم يرد في التوراة أن الخيل أشغلت سليمان عن ذكر ربه، ولا أن امرأته جاءت بشق رجل، أو أنه رُزق بولد أماتته الشياطين.
خُذْ بيدِك ضِغْثاً:
وخُذْ بيدِكَ ضِغْثاً فاضْرِب به ولا تحنَثْ (آية 44).
يعني أن امرأة أيوب ذهبت لحاجةٍ وأبطأت، فحلف إنْ بَرِىءَ ليضربنَّها مائة سوط، فحلّل الله يمينه بأن أخذ ضِغْثاً، وهي حزمةٌ صغيرة من الحشيش بها مائة عود ليضربها بها ضربة واحدة فلا تقع يمينه. وهذه القصة من خرافات اليهود (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
تعليقان على سورة غافر (40)
اقتلوا أبناء الذين آمنوا:
ولقد أرسلنا موسى بآياتِنا وسلطانٍ مُبين، إلى فرعونَ وهامانَ وقارونَ فقالوا: ساحرٌ كذّاب. فلما جاءهم بالحقِّ من عندنا قالوا: اقتلوا أبناءَ الذين آمنوا معه واستَحْيوا نساءهم (آيات 23 25).
وضع القرآن فرعون مع هامان مع أنه كان بعد فرعون بأكثر من خمسمائة عام، وفي نفس الآية وضع قارون، وهو شخص لا وجود له. ثم يختتم هذه الآيات بقصة المذبحة التي أمر فرعون فيها بقتل أطفال اليهود. بالرغم من أن هذه المذبحة كانت عند ولادة موسى. ولكي يعتذر المسلمون عن ذلك قالوا إن هناك أكثر من مذبحة وقعت في عهد فرعون لليهود.
ياهامان، ابْنِ لي:
وقال فرعونُ يا هامانُ ابْنِ ليصَرْحاً لعلّي أبْلُغُ الأسباب، أسبابَ السمواتِ فأَطَّلِعَ إلى إله موسى (آيتا 36 ، 37).
أورد الفخر الرازي عدة شبهات حول هذه الآيات، فقال إن هذا القول المنسوب لفرعونيحتمل أحدأمرين: إما أن فرعون قاله أم لا. فإن لم يكن قد قاله يكون القرآن كاذباً. وإن كان قاله ففيه وجهان: إما يكون فرعون عاقلاً أو مجنوناً. فلو كان مجنوناً فكيف يرسل الله إليه رسولاً؟ وإن كان عاقلاً، فكيف لم يعلم أنه ليس في قدرة البشر (آنذاك) وضع بناء يكون أعلى من الجبل العالي. ويعلم أيضاً أنك لو نظرت للسماء من فوق جبل لن يختلف كثيراً عن النظر من على الأرض. فإذا كانت هذه الأشياء بديهية امتنع أن يقصد العاقل إقامة بناءٍ يصعد منه إلى السماء. وإذا كان فساد هذا الرأي واضحاً امتنع إسناده إلى فرعون.
ويقول الرازي أيضاً: لقد أجمع الباحثون في تواريخ بني إسرائيل والفراعنة أن هامان ما كان موجوداً في زمان موسى وفرعون، وإنما جاء بعدهما بنحو ألف سنة. فالقول إن هامان كان موجوداً في زمان فرعون خطأ في التاريخ. وليس لأحدٍ أن يقول إن وجود شخص آخر يسمّى بهامان بعد زمان فرعون لا يمنع وجود شخص آخر بهذا الاسم في زمانه، لأن هذا الشخص المسمّى هامان وزير فرعون لم يكن شخصاً خسيساً غير معروف بل كان وزير فرعون. ومثل هذا الشخص لا يكون مجهول الوصف، فلو كان موجوداً لعُرِفت أخباره. فمثل هذا كالذي يقول إن أبي حنيفة كان موجوداً في زمن محمد.
ثم يجيب الرازي بقوله إن تواريخ موسى وفرعون طال بها العهد واضطربت بها الأحوال فلم يبق على أهل التواريخ اعتماد في هذا الباب (الرازي في تفسير الآيتين).
نقول إن الرازي ظن أن المؤرّخين يعتمدون في بحثهم على كلام أشخاصٍ أيّاً كانوا، ولذا حدث اضطرابٌ في كلامهم. ولكن المؤرخين يعتمدون على الآثار والحفريات التي سجلتها الأحجار لتبقى شاهدةً على صدق كلمة الله، ولتقوم بفضح كل كذّاب.
وليس من الإعجاز في شيء أن يجمع القرآن قصة برج بابل وفرعون وموسى في آيةٍ واحدة!
تعليق على سورة فُصِّلت (41)
السماء أولاً أم الأرض:
قُل: أَئِنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أنداداً. ذلك ربُّ العالمين. وجعل فيها رواسيَ من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرضِ: ائْتِيا طوْعاً أو كرْهاً، قالتا أتينا طائعين، فقضاهُنّ سبع سمواتٍ في يومين (آيات 9 12).
وقال في النازعات 79: 27 ، 30 أَمِ السماءُ بناها... والأرضَ بعد ذلك دحاها فيُفهم من فُصِّلت أنه خلق الأرض أولاً ثم السماء، ويُستفاد من النازعات أنه خلق السماء أولاً ثم الأرض. فقال علماؤهم إنه خلق الأرض في يومين غير مدحوّة، ثم خلق السموات فسواهنّ في يومين، ثم دحى الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين، فتلك أربعة أيام (الرازي في تفسير فُصِّلت 9 11).
ومن طالع الأصحاح الأول من سفر التكوين وجد أن الله خلق السموات والأرض وبعد خرابها عملها واعاد نظامها في ستة أيام العمل في اليوم الأول قال ليكن النور، وفي الثاني الجَلَد، وفي الثالث الأرض وجعلها تنبت العشب، وفي الرابع الشمس، وفي الخامس الطيور والزحافات، وفي السادس البهائم والوحوش والإنسان.
تعليق على سورة الجاثية (45)
التوراة حكم ونبوة:
ولقد آتَيْنا بني إسرائيل الكتابَ والحُكم والنبوّة، ورزقناهم من الطيبات، وفضّلناهم على العالمين، وآتيناهم بيّناتٍ من الأمر، فما اختلفوا إلا بعد ما جاءهمُ العِلم بَغْياً بينهم. إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (آيتا 16 ، 17).
فقوله الكتاب يعني التوراة وقوله الحُكم أي معرفة أحكام الله (كما قال الخازن). وقال النسفي: الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن المُلك كان فيهم، وإنما اختلفوا لبغْيٍ حدث بينهم، أي لعداوةٍ وحسدٍ بينهم، لأن مقصودهم كان طلب الرياسة والتقدم . فلم يقل إن التوراة فُقدت بل كانت موجودة، وإنما هو الاختلاف الناشىء عن حب الرياسة كالمشاهَد الآن، فإن كل طائفةٍ تنابذ الأخرى طمعاً في الرياسة، وتؤيّد طريقتها ومذهبها من التوراة. وهذا الاختلاف يكون من أقوى الأسباب لصيانة التوراة وحفظها.
تعليقان على سورة الأحقاف (46)
التوراة إمام ورحمة:
وإذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديم، ومِن قَبْلِهِ كتابُ موسى إماماً ورحمةً، وهذا كتابٌ مصدِّقٌ لساناً عربياً لينذرَ الذين ظلموا، وبُشرى للمحسنين (آيتا 46: 11 ، 12).
قال النسفي: كتاب موسى أي التوراة، ومعنى إماماً قدوة يؤتمّ به في دين الله وشرائعه كما يؤتمّ بالإمام. وقوله رحمة أي لمن آمن به وعمل بما فيه. وقوله كتاب مصدِّق أي أن القرآن مصدق لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب .
فهل سمعتم أو رأيتم شخصاً يصف كتاباً مفقوداً بهذه الأوصاف؟
الجن ينذرون قومهم:
قالوا يا قومَنا إنّا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مُصدِّقاً لما بين يديه (آية 30).
قال الخازن: يعني من الكتب الإلهية المنزّلة من السماء، وذلك أن كتب الأنبياء كانت مشتملة على الدعوة إلى التوحيد وتصديق الأنبياء والإيمان بالمعاد والحشر والنشر. جاء القرآن كذلك، فذلك هو تصديقه لما بين يديه من الكتب (الجلالان في تفسير هاتين الآيتين).
تعليق على سورة محمد (47)
جنة المسلمين:
فيها أنهارٌ مِن ماءٍ غير آسِن، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّر طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفَّى، ولهم فيها من كل الثمرات (آية 15).
وقال عن المتَّقين إنهم على سُرُرٍ موضونة، متَّكئين عليها مُتقابلين، يطوف عليهم وِلْدان مُخلَّدون بأكوابٍ وأباريقَ وكأسٍ من مَعين، لا يُصدَّعون عنها ولا يُنزِفون، وفاكهةٍ مما يتخيَّرون، ولحمِ طيرٍ مما يشتهون، وحورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون... وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سِدْرٍ مخْضود، وطلْحٍ منضود، وظلٍ ممدود، وماءٍ مسكوب، وفاكهةٍ كثيرة لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ، وفُرُشٍ مرفوعةٍ. إنّا أنشأناهنَّ إنشاءً، فجعلناهنَّ أبكاراً، عُرُباً أتراباً (الواقعة 56: 15 37). وقال: فيهِنّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لم يطمِثهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ (الرحمن 55: 56).
فجنَّة المسلمين فيها حدائق من شجر نبق لا شوك فيه، وشجر موز منتظم الثمر، وفي ظلٍّ ممتدٍّ عليهم، وماءٍ منصبٍّ بين أيديهم، وفاكهةٍ كثيرةِ الأجناس لا تنقطع، ولا يمنعهم أحد من تناولها، ونساءٍ جالسات على الأرائك أنشأهنَّ اللهُ إنشاءً جديداً، فجعلهنَّ أبكاراً، مُتحبِّباتٍ لأزواجهن، كلهن من سنٍّ واحدة، وقد قصرْنَ عيونهن على أزواجهن لم يطمثهن أو يمسسهنّ قبلهم إنس ولا جان، كأنهن الياقوت واللؤلؤ في حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائها.
أما وعد المسيح فهو بيت الله وهناك التسبيح والتقديس، بيت منزّهة عن الأكل والشرب والشهوات. لأنهم في القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء (متى 22: 29 ، 30).
الإسلام يسوّغ لأتباعه الاقتران بأربع وكل ما ملكت أيْمانهم (النساء 4: 3) أما المسيح فقال: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟... ويكون الاثنان جسداً واحداً. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان . وقال لليهود: موسى أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم من أجل قساوة قلوبكم وإنه لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنا (متى 19: 4 9) يعني أن الله خلق آدم وخلق له حواء واحدة، فلم يخلق امرأتين ولا ثلاثة لآدم، وهو برهان مقنع. وفي الإسلام إذا قال الرجل لامرأته ثلاث مرات: أنت طالق، فلا تحلّ له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره (البقرة 2: 230).
ولا نستغرب هذه الأفكار إذا نظرنا إلى سيرة واضع شريعة الإسلام، وقد رماه أهل عصره بأن ليس همُّه إلا النكاح، فقال للمعترضين عليه: أم يحسُدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (النساء 4: 54 راجع تعليقنا هناك). وكانت له نحو 16 زوجة، وسوّغ لنفسه أن ينكح كل من وهبته نفسها (الأحزاب 33: 50). وحلّل لنفسه من يهواها (التحريم 66: 1). ولم يستقبح أخذ امرأة زيد الذي تبنّاه.
أما المسيح فهو منزّه عن كل خطية وشبه الخطية. وقد شهد أعداؤه بأنّه قدوس طاهر، ومحمد قال: كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد، غير عيسى بن مريم . وقال القرآن: وإني سمّيتها مريم، وإني اُعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم (آل عمران 3: 36). فالمسيح طاهر قدوس وهكذا يجب أن يكون تابعوه.
تعليق على سورة الرحمن (55)
هل يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان؟
مَرَج البحريْن يلتقيان، بينهما برْزخٌ لا يبغِيان، فبأيِّ آلاء ربكما تكذّبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمَرْجان (آيات 55: 19 23).
ومن كلٍ تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها (فاطر 35: 12).
أخطأ القرآن في تقرير أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الماء المالح لا من العذب، ثم يقرر أنهما يخرجان من الاثنين معاً يخرج منهما أي العذب والمالح. وفي آية فاطر قرر نفس المعنى إذ قال ومن كلٍ (أي من البحرين) تأكلون لحماً طرياً وهذا صواب، لكنه أضاف وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها أي اللؤلؤ والمرجان.
تعليق على سورة التحريم (66)
محمد يغدر بحفصة:
يا أيُّها النبيُّ لِمَ تحرّمُ ما أحلَّ الله لك؟ تبتغي مرضاة أزواجك والله غفورٌ رحيم (آية 1).
قال المفسرون إن محمداً كان يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة استأذنت محمداً في زيارة أبيها، فأذن لها. فلما خرجت أرسل محمدٌ إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة وخلا بها. فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً، فجلست عند الباب. فخرج محمدٌ ووجهه يقطر عرقاً، وحفصة تبكي. فقال: ما يبكيك؟ قالت: إنما أذنتَ لي من أجل هذا. أدخلْتَ أَمَتَك بيتي ووقعتَ عليها في يومي وعلى فراشي. أما رأيتَ لي حُرمة وحقاً؟ ما كنتَ تصنع هذا بامرأةٍ منهن. فقال محمد: أليس هي جاريتي، قد أحلّها الله لي؟ اسكتي فهي عليَّ حرام. ألتمس بذلك رضاكِ، فلا تخبري بهذا امرأةً منهن . فلما خرج محمدٌ قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشّرك أن محمداً قد حرّم عليه أمتَه مارية، وقد أراحنا الله منها . وأخبرتعائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج محمد. فغضبت عائشة، فلم تزل بمحمد حتى حلف أن لا يقربها. ثم نكث وعده بأن قال إن الله قال له: لِمَ تحرّم ما أحلَّ الله لك؟ (السيرة الحلبية باب ذكر أزواجه وسراريه ح 3).
وكان محمد مغرماً بحب عائشة،فأرسل فيأول تزوُّجه بها بنات الأنصار يلعبْنَ معها، لأنها كانت صغيرة. وإذا شربت عائشة من الإناء يأخذه فيضع فمه على موضع فمها ويشرب، إشارةً إلى مزيد حبها، وإذا تعرَّقت عَرْقاً (وهو العظم الذي عليه اللحم) أخذه فوضع فمه على موضع فمها، وكان يتكئ في حِجْرها ويُقبِّلها وهو صائم (رواه الشيخان). وروى أصحاب السُّنن أنه كان يقبّل نساءه وهو صائم، ووقف لعائشة يسترها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون بالحِراب وهي متكئة على منكبه، فسألها: أما شبعتِ أما شبعتِ؟ فتقول: لا لا! (رواه الترمذي). وقال علماء المسلمين إنه كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار والليل وهنَّ إحدى عشرة. قال قتادة بن دعامة لأنَس بن مالك: أَوَكَان يطيق الدوران عليهن؟ فقال أنس: كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين (وفي رواية أربعين) رجلاً من رجال الجنة . وورد في الحديث: قال محمد أُعطيت قوة أربعين رجلاً من أهل الجنة في البطش والجماع . ورووا أن الرجل من أهل الجنة ليُعطَى مائة قوة في الأكل والشرب والجماع والشهوة. وذكر ابن العربي: إنه كان له القوة في الوطء، الزيادة الظاهرة على الخلق. وروى ابن سعد عن أنَس أنه طاف على نسائه التسع في الليلة. وقال محمد: أتاني جبريل بِقِدْرٍ فأكلتُ منها، فأُعطِيتُ قوة أربعين رجلاً من رجال الجنة . وشكا محمد إلى جبريل قلة الجِماع، فتبسَّم جبريل حتى تلألأ مجلس محمد من بريق ثنايا جبريل، فقال له: أين أنت من أكل الهريسة؟ (صحيح مسلم باب فضل عائشة طبقات ابن سعد، باب ذكر زوجاته، فضل عائشة إحياء علوم الدين باب النكاح).
تعليق على سورة نوح (71)
وَدّ وسُواع ويَغُوث ويَعُوق ونَسْر:
وقالوا لا تَذَرُنّ آلهتَكم ولا تذرُنّ وَدّاً ولا سُوَاعاً ولا يَغوثَ ويَعوقَ ونَسْراً (آية 23).
زعم القرآن أن حواراً دار بين نوح وقومه، حذّرهم فيه نوح من عبادة غير الله. وأصرّ قومه على عبادة الأصنام وحذّروا من ترك أصنامهم الخمسة وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً . وقد وقع القرآن في خلط تاريخي، فقد نسب أصنام العرب في شبه الجزيرة والتي كانوا يعبدها قومه إلى قوم نوح، فهذه الأصنام الخمسة كان يعبدها قوم محمد. فكيف عبدها قوم نوح؟ ولقد أوقع القرآن المفسرين في مأزقٍ عسير الخروج منه أعسر وأصعب! قال أحدهم إن هذه الأصنام كانت تُعبد في قوم نوح قبل أن يعبدها العرب، وانتقلت بعد ذلك من قوم نوح إلى شبه الجزيرة العربية، فاتّخذها قوم محمد آلهة يتقربون بها إلى الله !
ثم وضح كيفية الانتقال هذه، فقال: ويحتمل أن تكون قد انتقلت إلى ديارهم عن طريق الطوفان الذي أغرق البلاد والعباد . وقد علَّق الرازي على هذا الكلام بقوله إن نقل نوحٍ للأصنام إلى ديار العرب عمل لا يجيزه عقل، فكيف ينقل نوح أصناماً معه في السفينة بعد أن ظل طيلة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً حسب رواية القرآن يحاربها؟ وهل يقبل عقل أن يكون نوح سبباً لإضلال قوم وهداية آخرين؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
كما فات المفسرين أن انتقال الأصنام إلى العرب عن طريق الطوفان أمرٌ لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت المادة التي صُنعت منها الأصنام غير قابلة للتحلل في الماء، ولاسيما أن فترة غرق تلك الأصنام كانت طويلة جداً. ولو فرضنا إمكانية انتقالها عن طريق الطوفان، فكيف عرف العرب أسماء هذه الأصنام؟ فهل كُتب على كل صنمٍ اسمه؟ وهل كُتبت باللغة العربية التي بدونها يصبح الوصول إلى حقيقة أسمائها أمراً بعيد المنال في أمَّة أمِّية؟
وقد أورد القرطبي قصة أخرى حول هذه الأصنام عن محمد بن كعب قال: كان لآدم خمس بنين هم ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا. وكانوا عُبَّاداً فمات واحد منهم فحزنوا عليه. فقال الشيطان: أنا أصوّر لكم مثله. إذا نظرتم إليه ذكرتموه . فقالوا له: افعل. فصوّره في المسجد من صُفْر ورصاص. ثم مات آخر فصوّروه، حتى ماتوا كلهم فصوّروهم. واندثرت أخبارهم بمرور الوقت وترك الناس عبادة الله. فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئاً؟ فقالوا: وما نعبد؟ قال: آلهتكم وآلهة آبائكم. ألا ترونها في مُصلاكم؟ فعبدوها من دون الله، حتى بعث الله نوحاً فقالوا: لا تذرنَّ آلهتكم ولا تذرنّ وَداً... (القرطبي في تفسير الآية).
نقول لقد فات المفسر أن وجود الأنبياء والصالحين في بني إسرائيل لم ينقطع من أول آدم حتى ملاخي آخر أنبياء العهد القديم، وحتى فترة انقطاع الرسل وقت السبي. نعم كان هناك رجال صالحون كعزرا ونحميا وغيرهم، فلم يكن هناك اندثار لأخبار النبوّة كما قال. ثم من قال إن هذه الأسماء هي أسماءٌ لأولاد آدم؟
تعليق على سورة الجن (72)
الجن يعلمون الغيب؟
وأنَّهُ كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رَهَقاً، وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً، وأنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشُهُباً، وأنّا كنا نقعد منها مقاعدَ للسَّمْع، فمن يستمع الآن يجد له شِهاباً رَصَداً (آيات 6 9).
يؤكد القرآن أن الجن كان لديهم القدرة على الاستماع إلى غيب السماء، وأنهم يذهبون بها إلى الكهان. لكن بعد أن أُرسل محمد أصبحت غير قادرة، لأن السماء مُلئت حرساً شديداً وشهباً ولأنها جعلت (أي السماء) رجوماً للشياطين . لكن القرآن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب. ففي قصة سليمان قال: فلما خرَّ تبيَّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (سبأ 34: 14) بعد أن فارق سليمان الحياة!
وعلَّق الإمام الرازي على قصة الجن بقوله: .. ومن الناس من طعن في هذه من وجوه:
(1) كيف يجوز لهؤلاء الجن أن يشاهدوا واحداً وألفاً من جنسهم يسترقون السمع فيحترقون، ثم إنهم مع ذلك يعودون لمثل صنيعهم؟
(2) اطلّع الملائكة على الأحوال المستقبلية والتي كان الشياطين يأخذونها منهم، إما لأنهم طالعوها في اللوح المحفوظ، أو لأنهم تلقنوها من وحي الله إليهم، وعلى التقدير فلم يسكتوا عن ذكرها حتى لا يتمكن الجن من الوقوف عليها.
(3) الشياطين مخلوقون من نار، والنار لا تحرق النار بل تقوّيها، فكيف يُعقل أن يُقال إن الشياطين زُجروا عن استرقاق السمع بهذه الشهب؟
(4) إن كان قذف الشياطين لأجل ظهور النبوّة المحمدية، فلماذا دام بعد وفاة النبي؟
(5) لو كان يمكن لهؤلاء الشياطين أن ينقلوا أخبار الملائكة من المغيبات إلى الكهنة، فلماذا لا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار حتى يتوصل الكفار إلى اللحاق بهم؟
(6) لماذا لم يمنعهم الله ابتداءً من الصعود إلى السماء حتى لا يحتاج في دفعهم إلى هذه الشهب؟ (الرازي في تفسير الملك 67: 5).
تعليق على سورة البلد (90)
يقسم أو لا يقسم؟
لا أُقسم بهذا البلد (آية 1).
يقول هنا إنه أُخبر ألاّ يقسم، لكنه أقسم به في قوله: وهذا البلدِ الأمينِ (التين 95: 3). فلم يذكروا وجهاً شافياً للاعتذار عن هذا التناقض.
تعليقات على سورة الإخلاص (112)
قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُواً أحد (112: 1 4).
يتفق المسيحيون مع المسلمين في ما جاء بهذه السورة. ولو أننا كنا نصوغها بصورة جديدة: قل هو الله أحد، الله الصمد، ما وُلد ولا ولدْ، وما له كفو أحد للأسباب التالية:
(1) في لم يلد ولم يولد خطأ زمني، فلا يمكن أن كائناً يلد قبل أن يولد!
(2) لم يلد ولم يولد تنفي الميلاد في الماضي فقط. أما ما وُلِد ولا وَلَدْ فتشمل كل زمان ومكان.
(3) ثم أليس اقتراحنا أبلغ، علاوة على أنه أصحّ؟!
ونحن المسيحيين نفضّل أن نتلو كلمات هذه السورة مصحَّحة. فالله بالمعنى الحرفي ما وُلد، ولا وَلَدْ!
تعليق على سورتي الفلق والناس (113 ، 114)
المعوَّذتان لسحر محمد:
قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم محمداً، فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطةَ محمد وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها. وكان الذي تولّى ذلك لُبيد بن الأعصم اليهودي، ثم دسَّها في بئرٍ لبني زُريق يقال لها ذروان . فمرض محمد وانتثر شعر رأسه، وكان يظن أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن، وجعل يدور ولا يدري ما عراه، وكان يتخيّل أنه فعل الشيء وما فعله. فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملاكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال طب (أي سُحر) قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: وبِمَ طبَّه؟ قال: بمشطٍ ومشاطة. قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان (والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليه الماء). فانتبه محمد ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا هو مشاطة رأسه، وأسنان مشطه، وإذا وترٌ معقّد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فقرأ المعوَّذتين وفيهما إحدى عشرة آية. فكان كلما قرأ آيةً انحلّت عقدة، فقام كأنما نشط من عقال. وجعل جبريل يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن حاسدٍ. وعين الله تشفيك . فقالوا: يا رسول الله، أَوَلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أُثير على الناس شراً (صحيح البخاري كتاب الطب باب السحر).
ولنا هذه الملاحظات:
(1) لقد أثّر فيه السحر وكان يغيِّب عقله، فهل يبعُد عليه أن ينسى أو يخلط؟ والقرآن يقول سنقرئك فلا تنسى (الأعلى 87: 6).
(2) ماذا يكون حال النبي الذي سحره أحد اليهود حتى أمرضه وأثَّر فيه؟ إن القوي هو الذي يؤثر في الضعيف. فهل اليهودي أقوى من محمد حتى سحره؟ ثم إن المؤثِّر الحقيقي في كل شيء هو الله، ولو كان محمد نبياً لحافظ الله عليه لأنه خصَّه بالوحي والنبوَّة.
(3) كان بمحمد داء، وبما أن عقله كان مشحوناً بالاعتقادات في الجن والعين والسحر، ظن أن اليهود سحروه.
(4) لا نتصوّر أن ملائكة الله يعتقدون بالسحر وهو من الأكاذيب، فإذاً يكون محمد قد توهّم فيعقله وجود ملاكين عندقدميه. ومن المعلوم أن سحرة مصر مع براعتهم وحكمتهم لم يقدروا أن يقفوا أمام النبي موسى، لأن السحر كذب، بل لم يقدروا أن يمسوا موسى بضرر، مع أنه كان فييدهم قوة الحكومة وسطوتها. ولكن قوة الله كانت مع النبي موسى فعجزوا أمامه
للمزيد من الكتب راجع الصفحة الأساسية
تم بعون الله
ولله كل المجد إلى الأبد بيسوع المسيح الرب