دار الإسلام ودار الكفر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد،
ملاحظة: حرصت على تنصيص الكلام الذي نقلته عن غيري
تعريف الدار:
الدّار لغةً اسم جامع للعرصة والبناء والمحلّة. وفي كلّيّات أبي البقاء: الدّار اسم
لما يشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقوف. وهي من دار يدور، وسمّيت بذلك لكثرة
حركات النّاس فيها واعتباراً بدورانها الّذي لها بالحائط، وجمعها أدور، ودور،
والكثير ديار، وهي المنازل المسكونة والمحالّ. وكلّ موضع حلّ به قوم فهو دارهم، ومن
هنا سمّيت البلدة داراً، والصّقع داراً. وقد تطلق الدّار على القبائل مجازاً.
ومعناها الاصطلاحيّ لا يختلف عن معناها اللّغويّ.[لسان العرب، غريب القرآن
للأصفهاني، المصباح المنير مادة: دار]
دار الإسلام :
دار الإسلام هي: كلّ بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرةً ويكون أمانها
بأمان المسلمين.[بدائع الصنائع 7/130 ، حاشية ابن عابدين 3/253 ، المدونة 2/22 ،
الشخصية الإسلامية 2/262]
وقال الشّافعيّة: هي كلّ أرض تظهر فيها أحكام الإسلام - ويراد بظهور أحكام
الإسلام: كلّ حكم من أحكامه، أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل ذمّة، أو
فتحها المسلمون، وأقرّوها بيد الكفّار، أو كانوا يسكنونها، ثمّ أجلاهم الكفّار
عنها.[حاشية البجيرمي 4/220 ، نهاية المحتاج 8/81]
وقال الزرقاني المالكي: «وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها
الصلاة وجوب السنن المؤكدة على المذهب وأما في المصر فواجب كفاية فلو اتفقوا على
تركه أثموا وقوتلوا عليه لأنه شعار الإسلام ومن العلامات المفرقة بين دار الإسلام
والكفر وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان
فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار» . [شرح الزرقاني 1/215]
دار الكفر:
دار الكفر هي: كلّ بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرةً ويكون أمانها بأمان
الكفار.[بدائع الصنائع 7/30 ، كشاف القناع 3/43 ، الإنصاف 4/121 ، المدونة 2/22 ،
الشخصية الإسلامية 2/262]
«فكل دار غلبت عليها أحكام المسلمين فدار الإسلام وإن غلب عليها أحكام الكفار فدار
الكفر ولا دار لغيرهما وقال الشيخ تقي الدين, وسئل عن ماردين هل هي دار حرب أو دار
إسلام؟ قال: هي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار الإسلام التي يجري عليها أحكام
الإسلام لكون جندها مسلمين, ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار, بل هي قسم ثالث
يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه. والأول
هو الذي ذكره القاضي والأصحاب والله أعلم» . [الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي
الحنبلي]
تحوّل دار
الإسلام إلى دار كفر :
قال الشّافعيّة: لا تصير دار الإسلام دار كفر بحال من الأحوال، وإن استولى
عليها الكفّار، وأجلوا المسلمين عنها، وأظهروا فيها أحكامهم [نهاية المحتاج 8/82 ،
أسنى المطالب 4/204] واستدلوا بحديث: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» [الدارقطني في
السنن والبيهقي في السنن عن عائذ بن عمرو، وقال عنه السيوطي في الجامع: حسن]
وقال المالكيّة، والحنابلة، وصاحبا أبي حنيفة (أبو يوسف، ومحمّد) : تصير دار
الإسلام دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها.[بدائع الصنائع 7-130، حاشية ابن عابدين
3-253، كشاف القناع 3-43، الإنصاف 4-121، المدونة 2-22]
قال ابن عابدين في الحاشية: «مطلب فيما تصير به دار الإسلام دار حرب وبالعكس
(قوله لا تصير دار الإسلام دار حرب إلخ) أي بأن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا أو
ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر أو نقض أهل الذمة العهد , وتغلبوا على
دارهم, ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب , إلا بهذه الشروط الثلاثة وقالا: بشرط
واحد لا غير وهو إظهار حكم الكفر وهو القياس, ويتفرع على كونها صارت دار حرب أن
الحدود والقود لا يجري فيها، وتنعكس الأحكام إذا صارت دار الحرب دار الإسلام فتأمل،
وفي شرح درر البحار قال بعض المتأخرين: إذا تحققت تلك الأمور الثلاثة في مصر
المسلمين, ثم حصل لأهله الأمان , ونصب فيه قاض مسلم ينفذ أحكام المسلمين عاد إلى
دار الإسلام فمن ظفر من الملاك الأقدمين بشيء من ماله بعينه , فهو له بلا شيء ومن
ظفر به بعدما باعه مسلم أو كافر من مسلم , أو ذمي أخذه بالثمن إن شاء ومن ظفر به
بعدما وهبه مسلم, أو كافر لمسلم أو ذمي وسلمه إليه أخذه بالقيمة إن شاء. ا هـ. قلت:
حاصله أنه لما صار دار حرب صار في حكم ما استولوا عليه في دارهم (قوله بإجراء أحكام
أهل الشرك) أي على الاشتهار وأن لا يحكم فيها بحكم أهل الإسلام, وظاهره أنه لو
أجريت أحكام المسلمين, وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب (قوله وباتصالها بدار
الحرب) بأن لا يتخلل بينهما بلدة من بلاد الإسلام وظاهره أن البحر ليس فاصلا , بل
قدمنا في باب استيلاء الكفار أن بحر الملح ملحق بدار الحرب , خلافا لما في فتاوى
قارئ الهداية. قلت: وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز
وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام لأنها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى , ولهم
قضاة على دينهم وبعضهم يعلنون بشتم الإسلام والمسلمين لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا
وبلاد الإسلام محيطة ببلادهم من كل جانب وإذا أراد ولي الأمر تنفيذ أحكامنا فيهم
نفذها (قوله بالأمان الأول) أي الذي كان ثابتا قبل استيلاء الكفار للمسلم بإسلامه
وللذمي بعقد الذمة.
ذكر في أول جامع الفصولين كل مصر فيه وال مسلم من جهة الكفار , يجوز منه إقامة
الجمع والأعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاء وتزويج الأيامى لاستيلاء المسلم عليهم
وأما طاعة الكفر فهي موادعة ومخادعة وأما في بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين
إقامة الجمع والأعياد , ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين ويجب عليهم طلب وال
مسلم اهـ وقدمنا نحوه في باب الجمعة عن البزازية (قوله وهذا) أي قوله حربي أو مرتد
إلى آخر الباب وقوله لمجيء بعضه أي المسألة الأولى فإنها ستجيء في الجنايات وقوله
ووضوح باقيه أي مسألة الدار وفي وضوحها نظر والله سبحانه أعلم» . [حاشية ابن عابدين
4/174]
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: « فنقول لا بد أولا من معرفة معنى الدارين
دار الإسلام ودار الكفر لتعرف الأحكام التي تختلف باختلافهما ومعرفة ذلك مبنية على
معرفة ما به تصير الدار دار إسلام أو دار كفر فنقول: لا خلاف بين أصحابنا في أن دار
الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها واختلفوا في دار الإسلام أنها بماذا
تصير دار الكفر قال أبو حنيفة إنها لا تصير دار الكفر إلا بثلاث شرائط أحدها ظهور
أحكام الكفر فيها والثاني أن تكون متاخمة لدار الكفر والثالث أن لا يبقى فيها مسلم
ولا ذمي آمنا بالأمان الأول وهو أمان المسلمين. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
إنها تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها. ووجه قولهما أن قولنا دار الإسلام ودار
الكفر إضافة دار إلى الإسلام وإلى الكفر وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر
لظهور الإسلام أو الكفر فيها كما تسمى الجنة دار السلام والنار دار البوار لوجود
السلامة في الجنة والبوار في النار وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما فإذا ظهرت
أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة ولهذا صارت الدار دار الإسلام
بظهور أحكام الإسلام فيها شريطة أخرى فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها
والله أعلم» . [بدائع الصنائع للكاساني 7/130]
فملخص ما ذهب
إليه الأحناف هو أن أبا حنيفة ذهب إلى أنّه لا تصير دار كفر إلاّ بثلاث شرائط:
أ - ظهور أحكام الكفر فيها.
ب - أن تكون متاخمةً لدار الكفر.
ج - أن لا يبقى فيها مسلم، ولا ذمّيّ آمناً بالأمان الأوّل، وهو أمان المسلمين.
فالشافعية لم يفصلوا في واقع تحول دار الإسلام إلى دار كفر واكتفوا بحديث:
«الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ففهموا منه أن مجرد وجود الإسلام في دار فإنه يجعلها
دار إسلام ولا يمكن أن تتحول إلى دار كفر لقدح ذلك في العلوية، مع أن الحديث لا
يفهم منه أن دار الإسلام لا يمكن أن تعلوها أحكام الكفر، فدار الإسلام (على فرض
بقاء تسميتها) قد علتها أحكام الكفر في تاريخ المسلمين، بل واحتلت من قبل الكفار
أنفسهم، وعاثوا فيها فساداً وظلماً وإجراماً وكفراً، ولذلك استدل الكثير من الفقهاء
بهذا الحديث على ولاية الطفل بين أب مسلم وأم كافرة، وفي التوريث وغيرها من الأحكام
ولم يتجاوزوه إلى غير ذلك من أحكام السياسة الشرعية.
على أن واقع الدار وإنزال الحكم عليها يقتضي معرفة أن وصف الدار بدار إسلام أو دار
كفر هو وصف للأحكام المطبقة فيها وليس وصفاً لأهلها، ولذلك اعتبر المسلمون البلاد
التي تحكم بالإسلام دار إسلام وإن كان جل أهلها من الكفار، بل إنهم قالوا بدار
البغي وهي دار المتأولة الذين خرجوا على الخليفة، فإنهم تكون أحكامهم صحيحة (على
تفصيل) حتى يحكم الله بينهم وبين الخليفة.
ولم يخرج وصف الفقهاء عامة لدار الكفر ودار الإسلام عن حديثي الرسول صلى الله عليه
وسلم وهما حديثا الباب:
الحديث الأول:
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً
على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال اغزوا
باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا
ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن
ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف
عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك
فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم
يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم
في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم
أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن
فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن
اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا
ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم
على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» [مسلم:
الجهاد والسير: 3261 ، الدارمي: السير: 2335 ، أحمد: 21952 ، ابن ماجه: الجهاد:
2849 ، أبو
داود: الجهاد: 2245 ، واللفظ لمسلم]
الحديث الثاني:
عن حميد قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
غزا قوما لم يغر حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح
فنزلنا خيبر ليلاً» [البخاري: الجهاد والسير: 2725 ، الدارمي: السير: 2337 ، أحمد:
13159 ، الترمذي: السير: 1543 وقال: حسن صحيح، مسلم: الصلاة: 575 ، واللفظ للبخاري]
ففي الحديث الأول الأمر بالتحول إلى دار المهاجرين وهي دار الإسلام آنذاك، وإن لم
يفعلوا يكونوا خارج سلطان الدولة الإسلامية، ولا يستحقوا التبعية لها وما يترتب
عليها من أحكام. وفي الحديث الثاني بين أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدخل
(بضم المثناة التحتية) الأرضين في سلطان الدولة وإن كان أهلها مسلمين، فلا فرق بين
المسلمين وغيرهم في الانضواء تحت حكم الدولة وسلطانها إلا أن الكفار يخيرون بالبقاء
على دينهم مع دفع الجزية على تفصيل الأحكام المتعلقة بهم.
ولا قيمة للاحتجاج بعدم تحول دار الإسلام إلى دار كفر مهما طرأ عليها من تغيير في
الأحكام والأهل -وهو رأي الشافعية الذي يحتج به- أقول: لا قيمة للاحتجاج بهذا الرأي
لأن العبرة في موضوع الدار هو أن تحكم بالإسلام سواء أكانت دار كفر، أم كانت دار
إسلام (حسب قول الشافعية) فما قيمة دار الإسلام التي تحكم بأحكام الكفر، وما قيمة
تسميتها بدار إسلام وبقاء تسميتها إلى يوم القيامة بهذا الاسم، في حين أنها تحكم
بأحكام الكفر، في الوقت الذي ألزم الله عباده بالحكم بما أنزل الله تعالى وفقاً
للطريقة الشرعية التي طبقها محمد عليه الصلاة والسلام وهي الدولة أي الكيان
التنفيذي الذي يطبق الأحكام الشرعية، ويحمل الإسلام دعوة إلى العالم.
وقد يقال: فما قيمة القول بعدم تحول دار الإسلام إلى دار كفر بعد أن كانت دار إسلام
إذن؟ أقول: قيمة ذلك في الأحكام الشرعية المترتبة على الدارين، واختلافهما، كأحكام
الهجرة، والربا، والتزوج، واللقطة، والإرث وغير ذلك، أما مسألة الحكم بما أنزل الله
فهي فرض لا جدال فيه سواء أكان العاملون لإقامة حكم الله يرون أن الدار التي يعملون
فيها دار كفر، أم كانوا يرون أنها دار إسلام ولا تتحول إلى دار كفر كما هو رأي
الشافعية.
وهل يفهم مسلم من قول الشافعية، الرضا ببقاء دار الإسلام تحت أحكام الكفر، وأنظمة
الكفر وقوانين الكفر، بحجة أنها دار إسلام ولا يمكن أن تصير دار كفر؟
أما واقع بلاد المسلمين اليوم، فهي تحكم بأحكام الكفر، وتطبق عليها قوانين الكفر،
ويتعامل الناس فيها وفق القوانين الوضعية، سواء في التجارة أم في العقوبات أم
القضاء أم غير ذلك.
والمسلمون مأمورون أن يحكموا شرع الله في حياتهم، وأن ينصبوا خليفة يبايعونه على
الكتاب والسنة، وأن تكون دولة الخلافة التي يقيمونها دولة وحدة للمسلمين لا تفرق
بينهم لجنس أو لون أو عرق أو غير ذلك.
والسعودية التي يحتج البعض بأنها دولة إسلامية، هي دولة مثلها مثل باقي دول الكفر
القائمة في بلاد المسلمين، صحيح أن أهلها مسلمون، ولكن هذا لا يجعل منها دولة
إسلامية، إذ لا قيمة للرعية في دينهم وتقواهم إن كانوا يحتكمون لقوانين الكفر.
والسعودية تحكم بالقانون المدني، والقانون الفرنسي التجاري، وتأخذ الحكومة سندات
الربا (ما يسمى بسندات الخزينة) من أصحاب الأموال وتعطيهم عليها فائضاً ربوياً، وهي
بادعائها أنها تطبق الحدود فإنها لا تطبق حدوداً وما تطبقه هو عقوبات جائرة ليس
فيها من الإسلام شيئ، فالنص الذي لا خلاف فيه على أن الزاني يجلد أو يرجم، وهم هناك
يقطعون رأسه، فأي حد زنا هذا الذي يطبق، وما هو الفرق بينه وبين تطبيق قتل الزاني
في أي بلد آخر. وهذه العقوبات لا تجبر إثماً لأن الحدود لا شرعية لها ما لم يقمها
الإمام الشرعي، وتكون في دار الإسلام.
وهي دولة وطنية ليست إسلامية، لأنها تفرق بين المسلمين فهذا مواطن وذاك أجنبي، بل
إنها تأخذ المكوس من المسلمين الذين يأتونها للحج (ولا تأخذ هذه المكوس من أهل
الخليج) .
والحاكم فيها ليس خليفة شرعياً للمسلمين، بل هو ملك للسعوديين، فمن أين لها أن تكون
دولة إسلامية.
إن الدولة الإسلامية دولة ذات طابع خاص مميز، لها أحكامها وتفصيلاتها، ولها دورها
العظيم في الغزو والجهاد وفتح البلاد بالإسلام، ويحرم عليها أن تترك الجهاد في سبيل
الله، وهي دولة المسلمين جميعاً، قبلتهم ومأواهم وملجؤهم، تنتصر لهم، وتدافع عنهم،
وتعمل لإدخال بلادهم في سلطانها.
أما هذه الدول القائمة في بلاد المسلمين فهي دول مسخ، ليس فيها من الإسلام إلا بعض
أسمائها، والإسلام منها براء.
أما موضوع الخروج على الحكام وتطبيق أحاديث المنابذة، فإن هذا من باب إنزال الحكم
على غير واقعه، فالأحاديث كلها خاصة بالأئمة الشرعيين والخلفاء الذين نصبتهم الأمة
ورضيت بهم، ولا يجوز إنزالها ومناقشتها على واقعنا اليوم، فالحاكم اليوم لا يعتد
بإسلامه أو كفره، لأنه حاكم غير شرعي وإن كان مسلماً وإن كان صواماً قواماً،
فالعبرة بالحكم بما أنزل الله وليست بشخص الحاكم، ونحن إن بحثنا واقع حاكم معين هل
هو كافر أم مسلم فذلك لتبيان واقعه، وهو حكم خاص به ويترتب عليه أحكام شرعية
كالسلام عليه ودفنه وإرثه وفصله عن زوجته وغير ذلك، فإن كان مسلماً وحكم بالكفر
فإنه يكون واجب الخلع والإزالة وإقامة حاكم شرعي مكانه.
لذا فإن الأحاديث التي وردت لا تنطبق على حالنا اليوم.
على أن الأحاديث التي وردت في المنابذة لم ترد كلها في الكفر البواح بل إن منها ما
جاء بالمعصية والإثم، فقد روى أحمد بسند صحيح: عن عمير بن هانئ أنه حدثه عن جنادة
بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك السمع
والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ولا تنازع الأمر أهله وإن رأيت أن
لك ما لم يأمروك بإثم بواحا» ووقع في الطبراني «إلا أن يكون معصية الله بواحاً» .
قال النووي: «المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة
الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من
قواعد الإسلام؛ فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم» [فتح
الباري، كتاب الفتن]
لذا فإن النقاش كما أرى يجب أن يتوجه إلى ما يلي:
هل توجد اليوم في بلاد المسلمين دولة إسلامية شرعية، تسقط التابعية لها الإثمَ
المترتب على عدم مبايعة خليفة؟
ما هي الطريق لإقامة حكم الله في الأرض ومبايعة خليفة؟
أما القول بأن بلاد المسلمين دار إسلام أو استنكاف وصف المدينة المنورة أو مكة
شرفها الله تعالى بأنهما دارا كفر، فإن هذا لا يغني شيئاً ما دامت كلاهما تحكم بغير
ما أنزل الله مثلهما مثل القدس والقاهرة وبغداد ودمشق وغيرها من بلاد المسلمين.
أقول ما قرأتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين
بقلم / أبو الحارث التميميّ