وجهات نظر مختلفة في المفهوم السياسي
رسالة مفتوحة إلى السيد الوزير الأول المغربي
السيد
الوزير الأول،
لقد
كانت مدينة الدار البيضاء، ومن خلالها كل الوطن، عرضة لهجمات إجرامية يوم الجمعة
الماضي ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى وترتب عنها خسائر مادية جسيمة وستكون
آثارها ثقيلة، لا محالة، على الوضع العام للبلاد.
وقبل
التوجه إليكم بمضامين موضوع هذا الكتاب، اسمحوا لنا، السيد الوزير الأول قبل ذلك،
بتقديم أحر التعازي والمواساة إلى
أسر الضحايا ومتمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى منهم الذين نتقاسم
أناتهم ونشاطرهم وجدانيا في
ما لاقوه من آلام ومن حسرات.
السيد
الوزير الأول،
لقد
كان انتظار المغاربة، عقب الفاجعة، أن تنبري الحكومة إلى أصل المشكل إذا كانت جادة
في مواجهة أمر العنف ودلالته وأسبابه وشروطه الذاتية والموضوعية. إلا أن تصريحكم
الإعلامي وبعده خطابكم أمام مجلس النواب يوم الأربعاء 19 مايو 2003، جاء ليضاعف من
قلق الشعب المغربي وقواه الحية.
فبدل
تأمل ما وقع واتخاذه محطة للتقييم ومراجعة الذات، جاءت مضامين خطابكم لتؤكد على
"الاستمرارية" في نهج الحكومات السابقة إثر كل مأساة اجتماعية، بالتشديد على
المعالجة الأمنية وممارسة المغالطة في تحديد المسؤوليات.
السيد
الوزير الأول،
إن
آمال الشعب المغربي وقواه الحية خابت في معالجة الحكومة للأمر حتى الآن، ويتساءل ما
إذا بقي هناك أمل في تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
لقد
انتظر المغاربة، بعد زوال الصدمة، أن تتقدموا، باسم الحكومة، بنقد ذاتي، فتلتزموا
بالقطع مع أساليب الماضي في تزوير إرادة المواطنين بدل التشدق بديموقراطية الواجهة
والكل يعلم أنها ماكياج سياسي لا غير. وأن توسعوا مجال حقوق الإنسان وتوقفوا الردة
الجديدة عن الهامش المتاح التي ميزت الأيام الأخيرة، وذلك بإنصاف ضحايا الاختطاف
والتعذيب والاعتقال التعسفي ومتابعة المتورطين في هذه الأعمال المجرمة والحاطة من
الكرامة الإنسانية بدل ترديد شعارات في هذا الصدد لا يسندها
الواقع.
لقد
واصل القمع السياسي والهاجس الأمني دوره –على مدى عقود من الزمن- في الحيلولة دون
القوى الديموقراطية للقيام بواجبها في "تأطير كاف وسليم لمكونات مجتمعنا وتربيته"
كما جاء في خطابكم، ونعتقد أن المسؤولية هنا واضحة وهي -على غير ما تومئون إليه في
خطابكم- مسؤولية الدولة والحكومة بالأساس.
السيد
الوزير الأول،
لقد
نحوتم باللائمة في خطابكم على الهيئات السياسية والمنظمات غير الحكومية
الديموقراطية وبعض الصحف الوطنية وحملتموها جانبا من المسؤولية فيما وقع، لقيامها
بدورها في فضح الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي وفضح نهب الثروة الوطنية واختلاس
مآت الملايير من المال العام دون حسيب أو رقيب واتهمتموها بالدفع لليأس وما إلى
ذلك، وهذا لعمرنا، المأساة بعينها.
لأنه إذا لم يتم الانتباه إلى أحزمة البؤس ومدن الصفيح وعيش الناس هناك عيشة أقل ما
يقال عنها أنها لا إنسانية إذا لم يتم الانتباه إلى مآت الآلاف من العاطلين
واعتصاماتهم وآلاف العمال المشردين... إذا لم يتم الانتباه إلى الجهل والأمية
والإجرام والتسول والدعارة والمخدرات... وآثار كل هذه الظواهر الاجتماعية وغيرها...
فهذا معناه أنكم لم تستفيدوا أي شيء من درس 16 مايو الأسود. وسيكون حينها تخوفنا
على المصير والمآل مشروعا.
السيد
الوزير الأول،
باختصار،
فإن الوضع الاجتماعي المتأزم هو نتيجة لاختيارات اقتصادية وسياسية وثقافية، راكمت
كل شروط الأزمة على مدى عقود من تاريخنا السياسي الحديث وأعطت بذلك هذا الوضع
المغذي لليأس، هذا اليأس الذي هو أصل كل المصائب والمفروض فيما حدث بسببه أن يوجه
الوجهة الصحيحة بدل الاستنجاد بقانون مكافحة الإرهاب وغيره لكتم الأفواه وقطع
الألسنة.
إن
بلادنا اليوم هي في مفترق طرق، ولعل أقصرها للإفلات من الكارثة، هو الطريق إلى
ديموقراطية حقيقية تضع الحد للاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي
الفاحش؛ ديموقراطية حقيقية تعبر عن إرادة الشعب وسيادة الأمة من خلال دستور
ديموقراطي، يفصل بين السلطات ويؤسس لهيئات ومؤسسات تعكس حقيقة القوى الاجتماعية
وتعبيراتها السياسية عبر حرمة الاقتراع، ديموقراطية تضمن رقابة شعبية لا مفر
للإفلات معها من العقاب السياسي والاقتصادي لأي كان أوكان نفوذه، ديموقراطية تكفل
التوزيع العادل للثروات وتضمن الحرية والمساواة للمواطنين بغض النظر عن جنسهم
ومعتقدهم أو لونهم أو أي اعتبار آخر..
السيد
الوزير الأول،
بكلمة
واحدة، إنها الديموقراطية، ودونها الطوفان الذي لن يبقي ولن
يذر.
الموقعين 40 هيئة سياسية ونقابية وحقوقية ونسائية وشبيبية وجمعوية ديموقراطية بجهة الرباط