|
|
|
|
السياسة الطائفية في العراق والتستر عليها تحت شعار الوحدة الوطنية |
|
|
2002 ان السطور اللاحقة التي تخوض في بعض الجوانب البغيضة للسياسة الطائفية في العراق هي محاولة لالقاء الضوء عليها ، وعرض موجز لهذه السياسة التي دفعت بالعراق بلدا وشعبا الى هاويات سحيقة ، ومتاهات حتى بات على الذين يتألمون لوضع العراقيين ، لا يدرون ما الذي اصاب هذا البلد العريق في القدم والحضارة ، والغني بثرواته الطبيعية والمائية وخصوبة اراضيه التي تعتبر من اخصب الاراضي في العالم ، والتي تحتضن رفات الامام علي بن ابي طالب في النجف وسيد الشهداء الحسين بن علي والعباس في كربلاء وموسى الكاظم وحفيده محمد الجواد في الكاظمين في بغداد وعلي الهادي وابنه حسن العسكري في سامراء. لكن ابناء العراق يعرفون اين تكمن العلة (( واليد التي في النار ، ليست كاليد التي في الماء)) كما يقول المثل العراقي الدارج ، فوقف ابناء العراق عراة وحيدين في مجابهة اولئك الحكام الذين مروا في تاريخ العراق تاركين بصماتهم التخريبية هنا وهناك في ربوع هذا الوطن الذي تلاقفته الايدي الطامعة لقمة دسمة تشبع مطامع حماة الذين تربعوا في عاصمة المنصور والرشيد في دار السلام في بغداد ، وسمحوا لانفسهم ان ينطقوا باسم الطائفة السنية ويمثلوها في الحكم ، ومارسوا ابشع انواع التمييز الطائفي ضد شيعة العراق وتحت مسميات شتى من الصاق تهمة الشعوبية بهم الى اخر قائمة الاتهامات التي طالت كل من ابى على نفسه السير في قافلة الموت والدمار التي ساروا فيها بخطى حثيثة الى النهاية المفجعة التي يعاني منها العراقيون قاطبة . والمتتبع لتاريخ الانظمة التي حكمت العراق والتي تنتمي الى عائلة الطغيان الكريهة يدرك الطبيعة الاستبدادية ، والاساليب الحديثة المبتكرة والفريدة من نوعها التي اداروا بها دفة الحكم ، حتى باتت مثالا يحتذى به اعضاء تلك العائلة البغيضة ، وصوروا للاخرين بان السياسة التي مارسوها ضد شيعة العراق ووضعهم على هامش الاحداث هي من اجل حماية البلد من التدخل والمطامع الاجنبية وخاصة ايران ، وكان شعار الوحدة العربية الذي رفعوه هو السيف المسلط على رقاب العراقيين ليذبحوا به كل من وقف في وجه تلك السياسة الرعناء بمن فيهم ابناء الطائفة السنية . ان السياسة الطائفية في العراق من الموضوعات الملحة التي تنتظر الحل العادل في عراق المستقبل ، ولشدة الحساسية من قبل الكثير للخوض في تفاصيل هذه السياسة الخبيثة والخوف من تناولها على الملا ، ما دفع بالباحث العراقي حسن العلوي ان يفرد عدة صفحات في مقدمة كتابه (( الشيعة والدولة القومية في العراق 1914 ـ 1990 )) شارحا الجوانب الايجابية لكتابة مثل هذه الدراسات والكتب التي تعالج خطورة السياسة الطائفية في العراق . يقول : ((ولم تحظ الظاهرة الطائفية الا بقليل من اهتمام الباحثين بسبب الاعتقاد المنتشر في الوسط الثقافي بان احدا يتورط في هذه الكتابة لا يستطيع ان يخرج منها دون تهمة . اذ جرى العرف على اعتبار الاسهام في ادانة التمييز الطائفي اسهاما في العمل الطائفي)) . ونحن ايضا على قناعة تامة بان المسالة الطائفية في العراق لم تحظ بالقدر الكافي من البحث والدراسات من لدن الاوساط العراقية والعربية المثقفة ، وتشخيص ابعاد هذه السياسة الخطيرة ، بحجة الخوف من تفتيت نسيج المجتمع العراقي والحرص على الوحدة الوطنية ، ومن المحاولات الجادة للتصدي للنهج الطائفي وتمذهب الدولة العراقية هو الجهد الكبير والملحوظ الذي بذله الاستاذ العلوي في كتابه الانف الذكر ، حيث يقول في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب (( وقد تكون مشكلة هذا الكتاب ان صدوره قد تاخر سبعين عاما )) . وقد حاول البعض من الكتاب والسياسيين العراقيين تبرير هذه السياسة الطائفية بانها من صنع نظام الحكم الحالي ، وان سياسة صدام الدموية طالت جميع مكونات الشعب العراقي ، وان هذه الحالة الشاذة مرهونة بزوال نظام الحكم ، وعلى الرغم من صحة مثل هذه التصريحات والكتابات في بعض الجوانب ، لكنها تمارس في الوقت ذاته تضليلا متعمدا لمدارك العامة من الناس ، والتاريخ العراقي المعاصر والحديث يثبت لنا بان سياسة التمييز الطائفي لم تكن وليدة سياسة صدام حسين على الرغم من بروزها على سطح الاحداث بشكل بارز وحاد ، بل تمتد جذورها الى بدايات تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ، وانها جاءت ملبية لطموحات المستعمر البريطاني الذي اعتمد في ادارة حكمه في العراق على تلك النخبة من الضباط السنة الذين خدموا في الجيش العثماني وتشربوا بمفاهيمها ، ليديروا دفة الحكم بذات السياسة الطائفية التي انتهجها الترك العثمانيون السنة التي ضربت اوتادها عميقا في مفاهيم تلك النخب الحاكمة ، وعلى الرغم من الويلات والكوارث التي لحقت بالعراق نتيجة تلك السياسات الشوفينية والطائفية المنهج والمسلك ، والتي مارستها انظمة الحكم المتعاقبة على حكم العراق باشكال متفاوتة ، وان لم تبد ملامحها واضحة للعيان للوهلة الاولى ، فلا يزال اصحاب الراي الذين ذكرناهم ينفخون في نفس البوق على صفحات الجرائد والمجلات محاولين بائسين تجميل الوجه القبيح لسياسة التمييز الطائفي ضد ابناء الطائفة الشيعية في العراق بحجج شتى ورمي اللوم كله على نظام صدام. اوجدت السياسة التركية العثمانية الطائفية شرخا كبيرا في جسد المسلمين العراقيين ، سواء في تطبيقها العملي في حكم العراق او من خلال اعلامها الذي مارس نوعا من غسيل الدماغ لرعاياه من المسلمين السنة . حيث يذكر المؤرخ المعروف الاستاذ عبد الرزاق الحسني في مقدمته لكتاب اصل الشيعة واصولها في طبعتها الرابعة عشر لمؤلفه سماحة الامام المصلح محمد الحسين آل كاشف الغطاء : (( وكنت ـ وانا اتجول في لواء الدليم ـ اسمع عن الشيعة وعن عاداتهم واوصافهم الخلقية ومصيرهم بعد الموت ما لا يكاد يخرج عن اساطير )) الف ليلة وليلة واحلام قمر الزمان وشهرزاد (( مع ان مساكن الشيعيين في الفرات الاوسط لا تبعد عن مساكن اخوانهم السنيين في لواء الدليم الا ببضعة اميال )) . (1) فمثل هذا التصور الفظيع في مخيلة العامة من الناس لابناء جلدتهم لم ياتي اعتباطا او في ليلة وضحاها ، بل انها حصيلة تراكمات لممارسة سياسة طائفية للترك العثمانيين استمرت لعدة قرون . بلغت السياسة الطائفية للترك العثمانيين حد اهمال مدن العتبات المقدسة في العراق ، وكانت مدينة النجف التي تضم رفات الامام علي بن ابي طالب تشكو من شحة المياه على الدوام دون ان يحرك العثمانيون ساكنا ، مما دفع الشاه اسماعيل الصفوي بعد الاحتلال الصفوي بان يامر في حدود عام 1527 بشق قناة لنقل الماء من الحلة الى النجف ، لكن هذا المشروع لم يحل شحة المياه في النجف . ولكي تكون الصورة اوضح ارى انه من المفيد ان نورد ما ذكره الباحث اسحاق نقاش في كتابه شيعة العراق : (( ويتجلى وضع النجف اليائس حينذاك في عريضة لربما ارسلها احد سكان المدينة الى الحاكم العثماني سنان باشا الذي احالها بدوره الى السلطان مراد الثالث ( توفي في 1594 ) . فلقد شكا صاحب العريضة مجهولة الهوية من تعرض المدينة الى هجمات العشائر المتكررة ومعاناتها بسبب النقص الحاد في الماء . وان افتقارها الى الامن والامدادات المنتظمة من الماء اجبر الناس على الرحيل عنها . ففي حين كانت هناك في الماضي ثلاث الاف دار ماهولة لم يبق فيها الا ثلاثون دارا في اواخر القرن السادس عشر . وكان من بين الذين بقوا خطيب الجمعة وامام صلاة الجماعة وسدنة الحضرة وخدامها مع قلة من الافراد الاخرين . وعلى ما يبدو ، مناشدة لشق قناة تنقل الماء الى النجف من الفرات ، واصلاح سور المدينة )) . فمن خلال هذه الرسالة نستشف الطبيعة الطائفية للعثمانيين الذين لم يظهروا الحد الادنى من الشعور بالمسئولية اتجاه رعاياه المسلمين الشيعة ، وبقيت مدينة النجف تشكو من قلة الماء ولم تعد اليها الحياة الا بشق قناة الهندية من الفرات التي مولت من دولة اوذة الشيعية في الهند . كما ولاحقت تهمة الشعوبية شيعة العراق ، لا (( لغاية في نفس يعقوب)) ، بل للتشكيك بعروبتهم (( فالشعوبية كما هو معروف مصطلح شاع منذ العصر العباسي اطلق على الاقوام غير العربية الذين دخلوا الاسلام واصطدموا مع المسلمين العرب حول شئون الحكم )) . بينما شيعة العراق الذين يقدر عددهم بـ 12 مليون نسمة من اصل عشرين مليون ، (2) تعود اصولهم الى الهجرات الاولى مع موجة الفتح الاسلامي ، وما تلتها من هجرة القبائل التي لم تنقطع الى اواخر القرن التاسع عشر ، وهم من بطون القبائل العربية في الجزيرة العربية كقبيلة ربيعة وبني اسد وبني ومالك والياسري والانصاري والعامري والزبيد والخزاعل والزيدي واقسام من الجبور والشمر وغيرها كثيرة (( وهذا لا يعني بانه لم تكن هناك قبائل عربية قبل الاسلام في العراق ، ومنها على سبيل المثال المناذرة في الحيرة التي تنتمي الى قبيلة لخم العربية ، وغيرها )) وحطت الرحال على ضفاف الفرات وقناة الهندية وفي المنتفق وفي مناطق الاهوار جنوب العراق ، وتشيعت فيما بعد ، بالاضافة الى القبائل التي قدمت مع الامام علي بن ابي طالب بعد نقل عاصمة الخلافة الاسلامية الى الكوفة ، وطبقة السادة منهم تنتسب الى اسرة الرسول محمد وعلي بن ابي طالب وزوجته فاطمة الزهراء بنت الرسول . فتصور مدى الخبث الذي ترمي اليه تلك الانظمة بالصاق تهمة الشعوبية بشيعة العراق لتوحي للاخرين بان هؤلاء ليسوا عراقيين وعربا ، بل ايرانيين ، لتبرر نفسها من الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها بحق العرب العراقيين الشيعة الذين رمى بالكثير منهم الى خارج الحدود ، الى ايران بتهمة التبعية الايرانية (( بغض النظر عن تهجير ما يقارب نصف مليون من الكرد الفيليين الشيعة بذات التهمة )) . وعلى الرغم من التناقضات والسياسات المختلفة الاوجه بين الانقلابيين الذين جاءوا الى دست الحكم سواء في العراق الملكي ام لاحقا في العراق الجمهوري باستثناء فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم القصيرة ، ظل هاجس تلك الانظمة من ان تكتسحهم الاكثرية الشيعية لو سمحوا بالقليل من الديمقراطية ، لذا كان التمييز الطائفي يمارس بحق الشيعة ضمن برنامج مدروس بعناية ودقة ، وانها ليست حالة طارئة مقرونة بطبيعة هذا النظام او ذاك ومزاج الحاكم ، وكان الغاية للوصول الى كرسي السلطة هو من اجل اضطهاد هذه الشريحة من ابناء العراق ، وللحوؤل بينهم وبين صنع القرار في سياسة العراق وخاصة الخارجية ، بينما لم يكن شيعة العراق ينظرون الى مجريات الامور بنفس المنظار الطائفي لهؤلاء الحكام ، فالزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان ينحدر من اب عربي وسني ولانه لم يتلوث بداء الطائفية حاول جاهدا القضاء على هذا المرض الخطير الذي ينخر جسم العراق ، فكانت الجماهير الشيعية هي السند والظهير لحكمه الذي تكالبت عليه تلك القوى الطائفية من الداخل وبمساعدة القوى الخارجية ، لانهم راوا في سياسته شيئا غير مالوف في حكم العراق ، ولم نلحظ بان حاول شيعة العراق النيل من الزعيم او حبك المؤامرات ضده لاستلام السلطة . ومما زاد من حنق تلك الانظمة على شيعة العراق هو عدم امكانيتهم من نزع فتوى من المراجع الشيعية العليا لضرب الحركة التحررية الكردية والقضاء عليها . وساعدت القوى الخارجية كبريطانيا ولاحقا الولايات المتحدة الامريكية بكل ما لديها من الامكانيات المخابراتية ووسائل اعلامها لوضع الحكم بيد الاقلية السنية في حكم العراق لتحافظ على مصالحها الحيوية في المنطقة وفي العراق على وجه التحديد ليستمر تدفق النفط اليها دون عرقلة تذكر ، ولادراك هذه القوى بان الاقليات لا تستطيع ان تحافظ على وجودها وديمومة سلطانها في البلدان المتنوعة الاعراق والاديان والمذاهب دون الرجوع والاعتماد عليها لتستمد منها قوتها والارتماء في احضانها . فلا ندري ايهما الذي يعمل في خدمة الاجنبي . هؤلاء الحكام ام شيعة العراق ؟ ومن هنا جاءت ايضا عدم استطاعة ايجاد حل مرض للمعضلة ، وتاخر العملية الديمقراطية في ا لعراق ، وتصاعد وتيرة الاضطهاد والقمع كلما طالب الشيعة بحقوقهم ومعاملتهم كمواطنين اسوة باخوانهم من الطائفة السنية ، دون تمييز وتصنيفهم الى درجات . ففي العهد الملكي وعلى مدى 38 عاما وخلال 59 وزارة لم يشغل الشيعة رئاسة الوزارة سوى خمس مرات امضوا فيها 23 شهرا فقط . (3) علما وكما ذكرنا فان غالبية الشعب العراقي هم من الطائفة الشيعية . وحين تم تشكيل اول حكومة مؤقتة في العراق التي عهد برئاستها الى شخصية عربية سنية هو عبد الرحمن النقيب لم تضم تلك الحكومة الا شيعيا واحدا ، بينما ضمت الوزارة يهوديا للمالية واخر مسيحي للصحة . ويقول الفكيكي : (( وقد حرص السعيد ( يقصد نوري السعيد رئيس الوزراء المزمن ) دائما على توثيق صلاته بالجيش وضباطه ورعايتهم لدعم نفوذه السياسي وحماية الهوية الطائفية للسلطة )) . (4) ومن ابرز رموز الطائفية ابان العهد الملكي هو ساطع الحصري الذي عمل كمنظر للقومية العربية ، ولا يحتاج اي باحث لجهد كبير ليلمس دوره التخريبي في بث المفاهيم التي كانت تتفق والمصالح التركية والبريطانية ، وقد وضع حجر الاساس لهذا البنيان المشوه الذي بنت عليها الحكومات اللاحقة هرم سياساتها التي شوهت منظر هذه البقعة الجغرافية التي شرعت اولى القوانين في العالم لخدمة الانسان (( شريعة حمورابي )) ليصبح العراق فيما بعد على يد هؤلاء الحكام ، الاول على لائحة الدول التي تخترق حقوق الانسان ، وموقف الحصري من الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري من اجل قصيدة تغنى بها في جمال الطبيعة في ايران بعد زيارته لها ، وفصله من وظيفته واتهامه بالشعوبية لها دلالتها الواضحة ، للهامش الذي يسمح به للمثقف الشيعي ان يدلو بارائه والبوح بها . لكن السياسة الطائفية انذاك كانت تمارس ضمن سياسة هادئة يبذل فيها جهد ملحوض كي لا تطفو الى السطح حيث النور الذي يكشف زيف الادعاءات والشعارات التي كان هؤلاء السياسيون يتبجحون بها لبناء مستقبل العراق المستقر والموحد . بينما عرف عن رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام عارف الذي استلم زمام السلطة بعد انقلابه الثاني على البعثيين في 18 تشرين الثاني عام 1963 ، احد اكبر رموز الطائفية في العراق الجمهوري وكان يمارس طائفيته بشكل علني وصارخ دون يابه لمشاعر الملايين من ابناء الشيعة ، (5) وبرز عبد السلام كحاكم طائفي لا ينازعه احد من قبل ، ففي احدى الاجتماعات لما يسمى بمجلس قيادة الثورة وكان جميع اعضائه قد حضروا مكان الاجتماع في القصر الجمهوري الا محسن الشيخ راضي وهو شيعي من النجف حيث كان الجميع ينتظرون قدومه لبدء الاجتماع ، فما كان من عارف الا ان بادر الحاضرين قائلا : (( لماذا ننتظر هذا العجمي ؟ دعونا نبدا الاجتماع )) . (6) وفي حادثة اخرى مشابه يذكر هاني الفكيكي عن عبد السلام : (( ونظرة عبد السلام الى الاكراد لم تكن افضل حالا من نظرته الى المسلمين الشيعة ، اذ كان يردد باستمرار كلمة ((الشعوبية )) بالمعنى والقصد اللذين كان يستعملهما بعض الطائفيين في محاربتهم لعرب العراق الشيعة ، واذكر اننا ، محسن الشيخ راضي وانا ، وصلنا مرة متاخرين الى جلسات مجلس قيادة الثورة فقال عبد السلام : جاء الروافض ، وكان يقصد بذلك اننا شيعيان )). (7) حرم شيعة العراق من التوظيف في المراكز العليا والحساسة في الجيش والوزارات فعلى سبيل المثال لم نلحظْ ان تسلم شيعي وزارة الداخلية او وزارة الدفاع وحتى رئاسة اركان الجيش لم يكن من الشيعة من تقلد هذا المنصب الا في فترات محدودة جدا وفي هذا الصدد يقول العقيد الركن احمد الزيدي ، (( من اهم المعضلات والافات التي تنخر في روح وعزيمة القوات المسلحة العراقية وركائزها الاساسية الطائفية ، فهي تمارس في الجيش بصورة تكاد تكون علنية ، ولا يحتاج الى جهد كبير لمعرفة المدى الذي وصل اليه التمييز الطائفي داخل القوات المسلحة ، فلقد ظلت القيادات الرئيسية داخل القوات المسلحة دوما بعيدة عن ايدي الضباط الشيعة في كل العهود ، كرئاسة اركان الجيش وقيادات الفرق والالوية الرئيسية والمناصب الهامة في وزارة الدفاع ، الا نادرا )) . (8) وعلى الرغم من ان نسبة الشيعة داخل القوات المسلحة وخاصة في الوحدات الفعالة تصل احيانا الى 85 % فان نسبة الضباط لا يتعدى 20 % . (( وفي مسح للدورتين 44 و 45 من الكلية العسكرية في عهد الاخوين عارف ، كانت الخارطة الاجتماعية للدورتين كما يلي : 20 % من التلاميذ الشيعة من مختلف المحافظات ، 45 % من الموصل ، 15 % من الرمادي ، 10 % من بغداد من مناطق السنة 10 % اكراد ومسيحيين ويزيديين وتركمان ، ولم يكن ذلك يتناسب مع حجم ابناء الطائفة الشيعية التي تشكل في مجموعها اكثر من 60 % من سكان العراق ، وفي مسح للدورتين 57 و 58 في حكم حزب البعث العراقي ، كانت النسبة مقاربة الى النسبة التي كان يتم القبول على ضوئها في عهد الاخوين عارف )) . (9) لم يسلم شيعة العراق من التمييز الطائفي حتى اولئك الذين انخرطوا في صفوف حزب البعث العراقي وعلى مستوى القيادة . يعترف الفكيكي في كتابه اوكار الهزيمة بانه لم يتجرا على مقابلة العالم الديني وامام الشيعة ومجتهدهم السيد محسن الحكيم عند زيارته الكاظمين في بغداد ، بطلب من الامام نفسه مقابلة اعضاء من الحكومة الجديدة اي انقلابيي شباط 1963 . يقول : (( كنا نخاف ان نتهم بالطائفية )) . فالى اي مدى كانت السياسة الطائفية تمارس من قبل السلطة ؟ لتجعل الشيعي وهو في موقع قيادي ان يهاب ممارسة مهامه او التعبير عن الظلم الذي يقع على ابناء جلدته وطائفته في ان . ولكي نفهم عقلية هذا الطائفي الكبير عبد السلام الذي مر بتاريخ العراق المعاصر مرور اسراب الجراد في الحقول ، ونقلا عن ((هديب الحاج حمود)) الذي كان وزيرا للزراعة ابان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ، وحسب العديد من المصادر التاريخية . في عشية ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ، اباح له عبد السلام : (( عند استلامنا السلطة علينا استئصال الكرد والمسيحيين والشيوعيين )) . فبهذه العقلية الظلامية حكم هؤلاء الحكام بلدا كالعراق الذي يعتبر البوابة الشرقية للعالم العربي ، والمخيبة لآمال الملايين من ابناء العراق بعد اغراقهم ببحار من الدماء بديماغوجية لم تقنع حتى الذين ساروا في ركاب تلك الرحلة الدموية ، فلا عجب ان تاتي مذكرات الكثير من هؤلاء القادة فيما بعد تنضح بالمرارة والياس من تلك السياسة الهوجاء ، لكن بعد فوات الاوان . وكذلك بالنسبة لاحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية بعد انقلاب 17 تموز 1968 الذي لم يحد عن النهج الطائفي المترسخ في ادارة حكم العراق لخدمة المصالح الغربية وارضاء لتركيا العضو الفعال في حلف الناتو . لكنه كان يمارس طائفيته بشكل مخفي ويتستر عليها على العكس من سلفه عبد السلام ، ويروي العقيد الركن احمد الزيدي عن طائفية البكر عشرات الامثلة في كتابه ((البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية)) ومنها باختصار : (( ذات مرة وفي احد شوارع بغداد انقذ احد الضباط امراة من سائق تاكسي يحاول اغتصابها ، فسمع البكر بهذه القصة فارسل على الضابط الشهم كي يثني عليه ويكرمه على عمله هذا ، وبالفعل احضر الضابط امامه ، سأله البكر ما اسمك؟ اجابه الضابط : سيدي اسمي علي. سأله من اي المحافظات انت ؟ اجابه الضابط : بانه من احدى المحافظات التي يقطنها اهل السنة . فقال البكر ، اعتقدت بانك شيعي عندما قلت لي بان اسمك علي ، ولكنني عرفت بانك لست منهم صدق حدسي ، فهؤلاء ـ يقصد الشيعة ـ لا يمكن ان يقوموا بعمل شريف كهذا ابدا لانهم لم يتربوا على الشرف والكرامة)) . هكذا رؤساء حكموا العراق !!! . وفي ظل انقلابيي 17 تموز وصل التمييز الطائفي وخاصة في القوات المسلحة لدرجة اضافة فقرة جديدة للاستمارة السرية التي يجب على الضابط ان يملاها كل ستة اشهر ، وهي الانتماء المذهبي ، اي ان يكتب الضابط هل هو شيعي ام سني ؟ بينما كانت الاستمارات من قبل تقتصر على حقل الديانة والقومية فقط . (10) اما بالنسبة الى وضع الجماهير الشيعية في عراق صدام حسين لا يماثله وضع على مدى تاريخ العراق ، غير عهد حكم بني امية على ايدي الجبروتين زياد ابن ابيه والحجاج بن يوسف الثقفي . دشن صدام حسين حكمه بشن الحرب على ايران الجارة المسلمة للعراق ، بحجة الخوف من تصدير الثورة ، اي ثورة الشعوب الايرانية التي قادها الامام الخميني ضد احد اعتى الانظمة رجعية وعمالة في المنطقة للغرب الا وهو نظام الشاه ، فكانت محرقة تلك الحرب المجنونة التي يصعب على العاقل تبريرها بحجج النظام الواهية تلتهم العراقيين والايرانيين على السواء ، لكن اللافتات السوداء التي كانت تتدلى من على اسطح منازل العراقيين ، وهي علامة التعزية بفقدان احد افراد الاسرة تملا شوارع العراق طولا وعرضا وفي كل الاتجاهات واينما ذهبت ، وخاصة في وسط وجنوب العراق حيث تواجد الطائفة الشيعية ، تلك الاعلام التي كانت تبوح وتكشف محاولات النظام لاخفاء بشاعة وجهه القبيح ، تحت شعار اعادة الاراضي والجزر العربية المغتصبة ، طنب الصغرى، وطنب الكبرى ، وابو موسى ، والمحمرة ، وعبادان والحق العراقي والعربي في شط العرب جنوب العراق ، الذي تنازل صدام بنفسه عن نصفها لشاه ايران في اتفاقية الجزائر المخزية عام 1975 لاجهاض الثورة الكردية . ولا ادري ، هل هناك من ينكر عراقية وعروبة شط العرب ؟ وكانت تلك اللافتات تنذر في ذات الوقت بالشؤم الذي سيلاحق العراقيين ، والذي توّجها في معركة ام الهزائم . وقد قام نظام صدام ارضاء لهواجسه التي تقلق مضجعه باعدام العالم الشيعي المعروف في الاوساط العلمية في العالم اجمع محمد باقر الصدر واخته بنت الهدى ، وطالت الاعدامات الالاف من خيرة ابناء وبنات هذه الطائفة المغلوبة على امرها بحجة الانتماء الى حزب الدعوة او الحزب الشيوعي العراقي او عدم المشاركة في قادسيته المشؤومة ، ولم يكتفِ النظام بهذا ، بل امتدت اصابع الغدر لتغتال العالم الشيعي محمد مهدي الحكيم في احد الفنادق في السودان ، وكذلك اغتال النظام في داخل العراق العالم الشيعي البارز اية الله محمد صادق الصدر مع اثنين من ابنائه ، وقتل سبعة عشر من ابناء واحفاد المرجع الشيعي الاعلى السيد محسن الحكيم داخل العراق وخارجه ، والقائمة تطول . وباشر النظام بمنع المراسيم الحسينية التي تنظمها الطائفة الشيعية في محرم احياءٍ لذكرى سبط الرسول الامام الحسين الذي استشهد في واقعة كربلاء على يد جيش يزيد بن معاوية ، وهذه المراسم ذات طابع ديني ، التي لم يتجرا احد في العهود الماضية على منعها ، مما يدل على الحقد الطائفي لهذا النظام ضد كل ما هو شيعي . وفي خلال انتفاضة اذار عام 1991 فقد نظام صدام السيطرة على اربع عشرة محافظة من اصل ثماني عشرة محافظة ، وقد وصف صدام المحافظات الاربع الباقية التي لم تشترك في الانتفاضة بالمحافظات البيضاء ، اي ان بمعنى ان باقي ابناء الشعب العراقي ، وهم الغالبية المطلقة دخلوا في لوائح النظام السوداء . (11) لم تقتصر السياسة الطائفية على رؤساء الدولة في العراق ووزرائهم ، بل تمارس بشكل مدروس ومبرمج من قبل النخبة الحاكمة ككل من اعلى سلطة في الدولة نزولا الى المسؤولين وكبار الضباط الذين ترتبط مصالحهم الطبقية والطائفية بمصالح الدكتاتور وعائلته . يذكر الكاتبين ( اندرو كوكبورن وباترك كوكبورن ) في كتابهم صدام الخارج من تحت الرماد (( فقد اكد لنا مصدر سري عراقي مطلع من اعلى المستويات في القوات المسلحة العراقية حينها ، بانه كان في الواقع ، مخططا دقيقا من قبل ضباط كبار للقيام بانقلاب عسكري منذ امد ، اثناء الحرب وبعدها ، لكن اعيق المتامرون من تنفيذ المخطط باندلاع الانتفاضة الشيعية (هكذا يسمونها) اعتقدوا بانه من المناسب ، في هذا الوقت بالذات ، الالتفاف حول صدام )) . وهذا يؤكد بان النهج الطائفي في العراق لم تكن وليدة سياسة صدام ، بل هناك خط مستقيم تسير عليه النخبة من الطائفة السنية ، للاستئثار بالحكم ، وبالنتيجة هي حماية المصالح الغربية التي هي مفتاح الامان لبقائها في السلطة ، فهؤلاء الضباط فضلوا البقاء والالتفاف حول صدام على ان يفلت زمام الحكم من ايديهم لتقع بيد الشعب لتنتخب من يخدم مصالحها ومصلحة الوطن ، وفي هذا الصدد يقول الاستاذ العلوي في كتابه الانف الذكر (( ففي بلد لم يعرف الاستقرار كانت الطائفية الظاهرة الوحيدة المستقرة . وفي بلد يفتقر الى التقاليد السياسية والدستورية كانت الطائفية تقليده الثابت ودستوره الدائم . وقد اخذت من القداسة لم ياخذه الدستور)). شاهد العالم اجمع من على شاشات التلفزيون الاسلوب الوحشي الذي تميز به النظام الدكتاتوري في العراق عن باقي اقرانه ، في قمع انتفاضة الشعب العراقي ضد نظامه الدموي الذي قل نظيره على مدى تاريخ البشرية ، والذي قتل خلالها اكثر من 300,000 الف انسان ، ومن خلال الاسلوب الهمجي لقمع الانتفاضة سقط عن وجه صدام اخر الاوراق التي كان يخفي بها وجهه البشع وكشف زيف شعاراته الرنانة التي يتبجح بها حول العروبة والوطن والعراقيين ( الاماجد ) . والا كيف نفسر رمي البنزين من المروحيات على الهاربين العزل من النساء والاطفال في حصار مدينة كربلاء من قبل الحرس الجمهوري ، ومن ثم اطلاق العيارات النارية الحارقة عليهم لتبيدهم حرقا ، وان تلك الجموع البشرية التي ابيدت لم تشترك في الانتفاضة ، فمثل هذا العمل الاجرامي لا ينبع الا من حقد طائفي كبير كان النظام يختزنه لساعة كهذه حيث اختلط (( الحابل بالنابل )) . (( والادهى من ذلك هو قيامهم بتسجيل اعمالهم الوحشية المقيتة على اشرطة فيديو وعرضها لغرض تشجيع وتقوية مؤيديهم واخافة مناهضيهم )) . (12) فاي سادية يتحلى بها هذا النظام ؟ يصور الفيلم الذي عرض في اذار من العام 1991 علي حسن المجيد ( علي كيمياوي ) ابن عم صدام ، يبدي القليل من الرحمة في معاملته للمسلمين الشيعة كالتي ابداها من قبل للاكراد ، يصدر اوامره لاحد قوّاد الطائرات المروحية العراقية وهو في طريقه لمهاجمة الثوار المستولين على جسر : (( لا تعود حتى تخبرني بانك قد احرقتهم عن اخرهم ، واذا لم تحرقهم فالافضل الا ترجع مطلقا )) . (13) كما لم نلاحظ ان تفوه نظام استبدادي مهما تكن درجة حقده على ابناء شعبه مثلما نفح اعلام صدام سمومه ضد الجماهير الشيعية في العراق بعد اخماده للانتفاضة ، بهذه الدرجة من السوقية في خمس مقالات على صفحات الجريدة الرسمية الناطقة بلسان حزبه، ماخوذا بنشوة (( النصر)) ناسيا بان هناك انتصارات اشد عارا من الهزائم ، وعلى الرغم من تهيبنا من ذكر مقتطفات من تلك الكتابات الرخيصة التي لم تحافظ على الحد الادنى من القيم والاخلاق التي من المفروض ان يتحلى به اي نظام مهما تكن درجة اجرامه وحقده ، لكني لا اجد مناصا من ايراد بعض الجمل لندرك معا اي نوع من الانظمة هذه التي ابتلى بها العراق والعراقيين واي بلاء ينتظرنا طالما بقي هذا الطاغوت متربعا على عرش الحكم . قال والكلام موجه الى حرائر العراقيات في جنوب العراق ويعني بالذات عرب الاهوار : (( تكشف المرأة عن عورتها وهي تقود المشحوف او عندما تترجل منه الى الماء الضحل )) وفي مكان اخر : (( وتتحول حالة الحقارة والضعة في الحياة الاجتماعية والممارسات الى سلوك متدن خطير عندما يتاح امامهم ما تستطيع النفس ان تفعله بدون وازع ضمير او حصانة تربوية )) . فليس غريبا ان نسمع مثل هكذا كلام ، الم ينطق سلفه احمد حسن البكر بكلام مشابه في حادثة الضابط الذي اشرنا اليه اعلاه ، ويسترسل في اظهار حقده وعجرفته حدا لا يستطيع اي انسانا سوي ان يهتدي الى الخيوط العنكبوتية التي تعشعش في تجاويف هذه العقلية الهمجية ، وقال ايضا : (( ان هذا النمط قد ابتلى بعقدة الجوع والمال ولا يسالون احدا من افراد عوائلهم نساء ورجالا واطفالا عن اي طريق يجمعون منه اموالهم ، والعياذ بالله ، وانما كل الذي يهمهم هو ان ياتي احد الى البيت في نهاية النهار وهو خالي اليدين من دراهم لا ترضي كبيرهم )) . فاي عقدة تتلبس هذا النظام باجمعه لحمل كل هذا الحقد والاستهتار بمشاعر واحاسيس الملايين من ابناء العراق . فهل تكفي الطائفية وحدها ؟ الى القول : (( وليس من الغرابة ان نجد غائط الحيوانات يعلق في جبهات اطفالهم النيام او نجد الجاموسة تبرك على احدهم وهو نائم فتقتله )) (14) . والحالة هذه نحن امام نظام لا ينتهج التمييز الطائفي في حكم العراق وحسب ، بل تتعداه الى حالة من الحقد والانتقام والتشفي وممارسة الابادة الجماعية بحق البشر وانتهاج سياسة الارض المحروقة بحق شيعة العراق ، وخاصة اذا ما تاملنا الوضع الماساوي الذي وصلت اليه مناطق الاهوار بعد تجفيفها بحجة مشروع النهر الثالث الذي طبلت له وسائل اعلامه بانه مشروع اروائي سيحل مشكلة المياه وسيعود بالفائدة العظمى على ابناء المنطقة ، بينما الحقائق على ارض الواقع تكشف لنا ابعاد الخطة الخبيثة التي خطط لها النظام ، للقضاء على الحياة في هذه المنطقة التي يعود تاريخها الى اكثر من خمسة الاف سنة وانطلقت منها اولى الحضارات في العالم ، حضارة سومر، وتعتبر الاهوار من المناطق المحمية في العالم بموجب القرارات الدولية بشان حماية البيئة ، وكانت الاهوار غنية بالحياة وتحتوي على قدر كبير من الثروة السمكية التي كانت مصدر الرزق الرئيسي لسكان الاهوار ، وفيها من الحيوانات والطيور النادرة في العالم، وكانت الاهوار تغطي اكثر من مائة الف كيلومتر مربع ، اما الان لم تبق منها ، ما يقدر بـ 1500 كم مربع حسب المصادر المطلعة بشؤون المنطقة ، فلم يكترث النظام لا بالنداءات من المنظمات الدولية ولا لحياة مئات الالوف من ابناء الاهوار الذين حرمهم من ابسط حقوق العيش ، فالهاجس الامني والحقد الطائفي هما اللذان كانا المهيمنان على التدابير الذي شرع النظام بتطبيقها ، فكانت النتيجة هجرة السكان من المنطقة هائمين على وجوهم امام خيارين كلاهما مرّ ، اما الى ايران كلاجئين والعيش على المعونات التي تقدمها الدولة المضيفة التي لا تخلو من الذل ، او العيش في المجمعات القسرية التي شيدها النظام ذات النظام الصارم التي اشبه بالمعتقلات الكبيرة والشبيه بتلك التي انشاها سابقا لسكان القرى والارياف الكردية بغية افراغ الريف الكردي من ساكنيه بعد عمليات الانفال السيئة الصيت . وصف تقرير اعدته رسالة العراق هذه السياسة . (( تتعرض ارياف الجنوب الى كارثة بسبب من السياسة الاروائية للدكتاتورية ذات الاهداف الامنية البغيضة والرامية الى افراغ الريف من ساكنيه وصل حد التحكم حتى بمياه الشرب )) (15) . ومن خلال التقرير المعد بعناية فائقة نلمح ايضا السياسة الطائفية تبرز بشكلها القبيح ، حيث عمد النظام لانشاء السدود الضخمة التي تستوعب عشرات المليارات من الامتار المكعبة كسد بادوش ( سد صدام حسين ) قرب ناحية فايدة التابعة لمحافظة الموصل وسد الثرثار المعروف والمربوط بقناة مع سد سامراء والسد العظيم شمال بعقوبة . والعارف بجغرافية العراق يدرك اهمية مواضع هذه السدود ومواقعها والعشرات غيرها والغاية التي انشئت من اجلها في تلك المناطق المختارة بعناية فائقة. وحسب الدراسات والتقارير عن مستقبل البشرية ، تشير بان منطقة الشرق الاوسط على جدول المناطق التي ستعاني من التصحر وقلة الماء في المستقبل المنظور ، وخاصة بعد اتمام مشروع الغاب التركي في عام 2005 الذي سيتحكم بنسب المياه المتدفقة من دجلة والفرات الى سورية والعراق ، لكن الاجراءات التي باشر النظام باتخاذها لمواجهة المشكلة المائية المقبلة ، لم يتخذ فيها جانب الحرص على مستقبل ابناء العراق بشكل عادل ، وجاءت اجراءاته مكملة للنهج الطائفي الذي يقطع فيه الاشواط تلو الاخرى بسرعة جنونية تجعل المراقب للشان العراقي يقف حائرا مشدوه الفكر لما يخبئه هذا النظام لمستقبل العراق وشيعتها ، فسياسته الاروائية ليست نزيه بالمرة وغير عادلة في توزيع المياه بالتساوي على مناطق العراق من خلال تلك السدود التي ستضر بالدرجة الاولى ابناء الطائفة الشيعية في الجنوب . ولا تزال السياسة الطائفية اللعينة مستمرة على قدم وساق في عراق صدام حسين ، وامام انظار العالم المتحضر والعالم العربي الذي يتباكى على شاشات التلفزيون وعلى صفحات الجرائد على الشعب العراقي نتيجة الحصار الظالم الذي تفرضه امريكا على شعب العراق ، اما حصار النظام الدكتاتوري لابناء شعبه وتجويعهم وتشريدهم وقتلهم عطشا ، فانه يتماشى والسياسة المرسومة للمنطقة وكي لا تختل الموازين التي خلقتها اوهام الخيال العنصري والطائفي ، لخوف لا مبرر له ، والحديث ذو شجون . (1) يعود هذا الراي الى الثلث الاول من القرن العشرين . (2) باستثناء الكرد الفيليين وسكان قضاء خانقين الكرد وما جاورها هم من الشيعة وقسم كبير من التركمان في محلة تسعين في كركوك وفي ضواحي المدينة وخاصة في طوزخورماتوا هم ايضا من الشيعة ، واذا استثنينا نفوس الكرد المسلمين السنة الذين يصل عددهم الى اكثر من 70 % من سنة العراق العرب فالنتيجة واضحة ولا يحتاج الى جهد كبير لمعرقة الخارطة المذهبية في العراق . (3) للاستزادة راجع لتاثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق للباحث العراقي حسن العلوي . (4) اوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي ـ هاني الفكيكي ص52 . (5) هناك مقولات متداولة على لسانه في الشارع العراقي ومنها على سبيل المثال ، حين سئل عن جدوى الحرب الدائرة انذاك في كوردستان ولم لا يحاول ايقاف هذا النزيف بين ابناء الشعب الواحد ، اجاب وبكل ما يملكه الرجل من صلافة ، وما يهمنا من تلك الحرب ؟ فوقودها هم (( عبد الزهرة وحمه )) ويعني بعبد الزهرة الشيعي وحمه هو الكردي . ولم ينسى العراقيين بعد مقولته الاخرى الشهيرة (( لا بد ان يحكم العراق المربع السني )) اي المحافظات السنية الاربع بغداد والرمادي والموصل وتكريت . (6) البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية ـ العقيد الركن احمد الزيدي ، ص83 . (7) اوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي ـ هاني الفكيكي ص273 . جاء في المنجد في اللغة لتعريف الروافض : الرافضة فرقة من اصحاب الشيعة والنسبة رافضي ، الفرقة من الروافض وهم الذين تركوا قائدهم في الحرب او سواها ومنه قولهم (( لا خير في الروافض )) انتهى . لكن شيعة العراق او الشيعة الجعفرية نسبة الى الامام جعفر الصادق او الشيعة الامامية وهو القول بامامة الائمة الاثني عشر ليست لها اية علاقة بفرقة الروافض ، ويقول في ذلك الامام المصلح محمد الحسين ال كاشف الغطاء (( يختص اسم الشيعة اليوم على اطلاقه بالامامية التي تمثل اكبر طائفة في المسلمين بعد طائفة السنة )) انتهى . ويرمي غلاة السنة بكلمة الروافض بمعنى الزناديق ، ويشير الباحث العراقي الراحل هادي العلوي وعلاء اللامي في بحثهم المعنون ((الجذور التاريخية للطائفية في العراق)) الى قول ماثور للمهدي العباسي (( ما فتشت رافضيا الا وجدته زنديقا )) الثقافة الجديدة العدد 275 اذار ـ نيسان 1997 . (8) البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية ـ العقيد الركن احمد الزيدي ص157 . (9) المصدر السابق ص159 . تجدر الاشارة الى ان نسيج الشعب الكردي يتكون من المسلمين السنة والشيعة والايزديين والكاكائية والشبك والعلويين وعل الهي ، والمسلمين السنة هم الغالبية ، فاذا استثنينا نفوس الكرد السنة والتركمان السنة من العراقيين العرب السنة ، فلا تزيد نسبة العرب العراقيين السنة اكثر من 22 الى 23 % . (10) راجع البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية . العقيد الركن احمد الزيدي . (11) ان هذا التصنيف الاسود والابيض الذي يعتمد على الولاء عند النظام العراقي المصاب بعمى الالوان والذي لا يعطي ولو هامشا بسيطا للالوان الاخرى ( اي بمعنى ، لو وياي لو ضدي ، بالهجة العراقية الدارجة ) يذكرني بما كان متداولا والى حد الان بين عناصر الامن والاستخبارات العراقية عند ذكرهم الانسان الكردي ، فبالنسبة للكردي المتعاون مع السلطة ضد ابناء شعبه كانوا يطلقون عليه الكلب الابيض ، وفي المقابل كان يطلق على هؤلاء لدى الجماهير الكردية بـ ( الجحوش ) اما بالنسبة للوطنيين الكرد وخاصة البيشمركة ( الفدائيين ) كان يطلق عليهم الكلب الاسود . 12 ـ صدام الخارج من تحت الرماد ـ اندرو كوكبورن وباتريك كوكبورن ترجمة علي عباس ص 58 . 13 ـ المصدر السابق . 14 ـ اقتبسنا هذه الامثلة من كتاب صدام وشيعة العراق من تاليف الدكتور سعيد السامرائي . 15 ـ للمزيد راجع (( تقرير عن ريف الناصرية والمنطقة الجنوبية )) ـ رسالة العراق ص 6 وما بعدها العدد 83 في تشرين الثاني نوفمبر 2001 . |
|