الحرية لرياض الترك

 

محمد علي الأتاسي

 

رياض الترك في السجن من جديد! هل يصدّق المواطن العربي عينيه وأذنيه حين يقرأ أو يسمع أن رمزاً كبيراً للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان يُعتقل من جديد ويُساق الى الزنزانة الانفرادية التي أمضى فيها أكثر من سبعة عشر عاماً من دون محاكمة؟ هل صار العالم العربي أحد آخر سجون حرية الرأي في العالم؟ اعتقل رياض الترك في طرطوس، في الثالثة من بعد ظهر الأحد 2 أيلول ،2001 حين كان يُعالَج في عيادة أحد أطباء المدينة. من العيادة الى السجن، مضى المناضل الديموقراطي الكبير كأنه يدفع من حياته وصمته الثمن الأخير من أجل الحرية في العالم العربي. فهل صارت الدعوة الى الحرية والديموقراطية والدفاع عن المجتمع المدني جريمةً من جديد؟ وهل صار العمل لتحرير الوطن والمواطن من الخوف عبر إلغاء قانون الطوارىء... تهمةً أيضاً؟ لقد صار رياض الترك، اليوم، رمزاً حياً لقضية الحرية، ليس في سوريا فحسب، بل في العالم العربي المحروم بأسره بديهيات حقوق المواطن، وباتت المطالبة بإطلاقه مطالبةً بإطلاق المجتمعات العربية من قيود القمع التي كبّلتها طويلاً. ونحن، في "الملحق"، عندما نضم صوتنا الى أصوات المطالبين بالحرية لرياض الترك، وبالديموقراطية للعرب، فإنما نقوم بالحدّ الأدنى من واجبنا الأخلاقي. فـ"الملحق" الذي حظي بشرف أن يكون أول من أجرى حواراً صحافياً مع الترك غداة خروجه من السجن الطويل، والذي فتح صفحاته لهذا المناضل الديموقراطي الكبير، يطلق، اليوم، صرخته من أجل الحرية لرياض الترك، عسى أن تساهم في إيقاظ الحرية النائمة في كل أرض العرب.

 

ضـمـيـر فـي الـزنـزانـة


أعطى رياض الترك "ملحق النهار" بتاريخ 25/7/1998 أول مقابلة علنية له بعد إطلاق سراحه روى فيها بالتفصيل ظروف حياته في السجن والأساليب التي اتبعها وساعدته في الصمود. لكنه رفض الادلاء بأي تصريح سياسي وقال بالحرف: "لا أستطيع أن أتكلم لا عن الحاضر ولا عن المستقبل قبل أن استوعب الأوضاع السياسية الحالية، وأنا اعتبر نفسي عضوا في الحزب الشيوعي وأضع نفسي في تصرفه وفي تصرف التجمع الوطني الديموقراطي، لذلك ارجو ان لا تنسب اليّ اي قول عن الوضع الحالي. ليس خوفا من السلطة وانما من اجل ان اكون مسؤولا عن الكلمة التي اقولها".

ما هي الا أيام حتى اوضح الترك في اي اتجاه يريد ان يكون مسؤولا عن كلمته، فقال في مقابلة لجريدة "لوموند" الفرنسية: "اتكلم كالطفل الذي يبدأ باكتشاف العالم، والعالم تغير كثيرا. الوضع الحالي، لم افهمه بعد كفاية. لكن ما يصدمني، ربما اني اجد المجتمع صامتا".

تسلم رياض الترك من جديد مهامه كأمين اول للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي، ثم امضى عاما كاملا يتنقل في كل المحافظات السورية ويلتقي الناس ويتعرف على العالم. لكنه بقي كالطفل في نقائه وصفائه. بقي ولا كل الرجال في بأسه وجرأته في قول الحق.

كان لي شرف اجراء اول مقابلة صحافية سياسية مطولة معه نشرتها جريدة "الحياة" في 17/1/2000 ومنع عددها من دخول الأسواق السورية. يومذاك لم يكن أحد بعد قد رفع الصوت علناً في سوريا مطالبا بالديموقراطية، ولم تكن هناك بيانات ولا منتديات. كان هناك مناضلون كثر يقبعون في السجون.

حدد رياض الترك ملامح المخرج الديموقراطي للبلاد واعلن مطالب ستتكرر في كل البيانات التي سترى النور في ما بعد، من مثل الغاء حال الطوارئ واطلاق الحريات العامة واطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين والسماح بعودة المهجرين والمبعدين. قال رياض الترك: "بالمعنى العام لا اعتقد اننا نتمتع (او سنتمتع) في سوريا بحريتنا. اني حر بمعنى خروجي من السجن الصغير الى السجن الكبير. وعلينا جميعا ان نسعى الى فتح ابوابه ليس بحثا عن الحرية القصوى وانما سعيا الى استرداد الحريات العادية التي سُلبت من الناس... لا اعتبر اطلاقي منحة من السلطة او حالا من التسامح، اذ ان خروجي من السجن كان حقي والحقوق تُنتزع ولا تُستجدى. من حقي ان اكون حرا.

ومن حقي أن أصرح بما انا مقتنع به في كل القضايا السياسية والاجتماعية وسواها".
وردا على سؤالي له اذا كان يخشى اعادته الى السجن من جديد اجاب: "انا لن اتخلى عن حقي في ممارسة السياسة اياً تكن الظروف، واهلا بالسجن اذا كان ثمنا للتمسك بالرأي وحرية التصريح بالمعتقد. اني منذ العام ،1960 تاريخ اول تجربة فعلية لي في السجن، وانا اعيش اياما اضافية، وهذا ليس تبجحا على الاطلاق. السجن بالنسبة اليّ ضريبة لا بد من سدادها في مقابل الموقف السياسي، على الرغم من ان هذه الضريبة ليست شرعية وظالمة ومنافية لأبسط حقوق الانسان".

اما عن صمت المجتمع الذي كان سبق للترك ان صرح لجريدة "لوموند" انه يصدمه، فقد عدل المناضل قليلا من موقفه وقال متنبئا بما سيحدث بعد اشهر قليلة: "لم يبق للمجتمع الا الصمت ليعبر من خلاله عن وجوده وعن رفضه للوضع القائم. اذاً، الصمت هنا موقف، لكن هذا الصمت لا يمكن ان يدوم طويلا ولا بد للمجتمع من ان يفرز تعبيرات جديدة تنتمي الى عالم البيانات والمواقف العلنية والفعل".

وعن سؤالي له اذ كان يخاف الموت، اجاب: "انا انسان، مثلي مثل بقية البشر، احب الحياة. ولكن في حالات الاحتدام والصراع السياسي التي تنطوي على اخطار قد تؤدي الى الموت، في مثل هذه الحالات قد ينبري بعضهم للدفاع عن افكاره ومبادئه من دون اي خوف من الموت. في مثل هذه الحال انا لا اخاف الموت لأنه يحمل بعدا انسانيا ومبررا سياسيا. على سبيل المثال: لو انك رأيت سيارة تكاد تصدم طفلا، الا تشعر بأن من واجبك ان تبعده عنها، رغم انها قد تصدمك بانتشالك له فيعيش هو وتموت انت؟ هكذا هو الامر في عالم النضال السياسي: عند دفاعك عن افكارك وآرائك السياسية، يستطيع الجلادون ان يعتقلوك ويعذبوك ويمكن ان تفقد حياتك تحت التعذيب. ليس هناك عاقل لا يخاف الموت، وانا من جهتي اخافه، ولكن عندما تكون بيني وبين الموت قضية ويقف الموت حاجزا بيني وبينها، عندها اقتحمه".

لدى نشر تلك المقابلة، كنت اخال رياض الترك يقتحم الموت نتيجة ظروف البلد في تلك الفترة وكنت قلقا عليه اكثر من قلقي على نفسي. لكن احدا لم يزعج رياض الترك. لدى نشر تلك المقابلة كان الرئيس السوري حافظ الاسد لا يزال على قيد الحياة، لكنه لم يسمح لأحد في اجهزة الامن او سواها بالتعرض لرياض الترك، الذي امر هو باطلاق سراحه رغم استمرار الخلاف التاريخي بينهما. فكيف يُعتقل رياض الترك من جديد اليوم بعد كل الوعود المعسولة التي سمعناها عن التغيير والتحديث والانفتاح؟


مملكة الصمت

في اعقاب وفاة الرئيس حافظ الاسد وتمهيدا لوصول ابنه الدكتور بشار الاسد الى الحكم، تم تعديل الدستور السوري في جلسة مشهودة لمجلس الشعب خفض فيها عمر رئيس الجمهورية الى 34 سنة. لم يكن لرياض الترك اي خلاف شخصي او اي موقف معارض من الدكتور بشار الاسد لكنه مع ذلك اراد ان يسجل معارضته للطريقة التي تم فيها انتقال السلطة فصرح لجريدة "لوموند" انه لن يذهب للتصويت للدكتور بشار الاسد، ثم كتب الى "ملحق النهار" مقالته الشهيرة التي عنونها "مملكة الصمت"، والتي سبقت خطاب القسم الذي تكلم فيه الرئيس الجديد بشار الاسد عن ضرورة احترام الرأي الآخر. ومن الذي قاله في هذا السياق: "ان مشكلتنا ليست مع الدكتور بشار الأسد فالرجل لم يتبوأ في الماضي اي منصب رسمي قبل ترشيحه للرئاسة وفوزه في الاستفتاء، بل كان يزاول مهنته كطبيب ويمارس نشاطه الاجتماعي والثقافي وهواياته كباقي الشباب. اما اليوم فالمشكلة آتية من آلية وصوله الى السلطة عن طريق الوراثة"، واضاف في تبيان رؤيته للخروج بالبلاد من ازمتها: "ان جسر الهوة بين السلطة والمجتمع مهمة صعبة للغاية، ولن تتحقق الاّ في اطار حل سياسي يُنزل السلطة من عليائها وينزع عن رموزها صفة القداسة ويعيد الدولة الى المجتمع والمجتمع الى السياسة. ان مهمة كل سياسي ونقابي ومثقف وكاتب بما يملكه كل في مجاله من رأسمال رمزي وثقل معنوي، المساهمة في اخراج الناس من بحر الاكاذيب الى بر الحقيقة، وذلك بشتى الطرق السلمية كالنضال العلني والبيانات الموقعة والرأي الحر الفردي او الجماعي، الواضح والصريح. فمن غير الممكن ان تبقى سوريا مملكة الصمت، في وقت اصبح من المستحيل كم الافواه وخنق الكلمة الحرة. قد يتصور البعض ان النضال من اجل اقامة نظام وطني ديموقراطي بديل هو في ظل الاوضاع والتوازنات الراهنة نوع من انواع التطرف، او شكل من اشكال محاربة طواحين الهواء. لكن الوطن لم يكن قط طاحونة هواء، ونحن لسنا انتحاريين وعاشقي سجون. علمتنا السنون الطويلة بما فيها سنوات السجن المديدة، معنى الحياة والحرية ومعنى التمتع بهما والحفاظ عليهما، لكنها علمتنا ايضا ان حرية الشعوب لا تستجدى ولكن تنتزع انتزاعا".
انتهى كلام رياض الترك لكن وقعه لا يزال يملأ الآذان، ويوقظ النيام ويشحذ الهمم.
لا، لن ازيد الكثير اذا قلت شيئا بات يعرفه القاصي والداني: فمن وحي هذه الكلمات وُلد بيان
الـ99 مثقفا سوريا، وعلى طريقه مضى بيان الالف وبيان المحامين وغيرها من البيانات، وصولا الى المنتديات التي انتشرت في كل المدن السورية. نعم، من وحي هذه الكلمات ازهر ما يسمّى "ربيع دمشق".
لكن الترك لم يكن يؤمن يوما بأن هناك فصولاً وتقلبات مناخ في قضية الديموقراطية والحريات. كان يدرك ان هناك توازنات قوى متبدلة، لكنه كان يعرف ايضا ان لا مستقبل لسوريا بدون الديموقراطية واحترام حقوق الانسان. وفي ذروة هجوم السلطة المضاد على المنتديات، راح الترك يدعو الى المصالحة الوطنية ويعمل لها، لكن ضمن منطق رد المظالم الى اهلها. وفي هذا السياق جاءت مداخلته القيمة في منتدى جمال الاتاسي في اول ظهور علني له في سوريا. ورغم استفزاز البعثيين له، ظل الترك رجل حوار ومصالحة، ورغم الـ17 عاما التي امضاها في السجن بدون محاكمة، اعلن استعداده لطي صفحة الماضي وبداية عهد جديد تحت سقف الوطن والحرية. واذا كان البعض اخذ عليه انتقاده لما سمّاه النظام "الجمهوري الوراثي"، فان هذا لم يكن سوى تأكيد لمواقفه السابقة. لكنهم نسوا او تناسوا انه دعا الى التغيير من طريق التعاقد وانه قال في المحاضرة نفسها: "لكننا نسجل لخطاب القسم نكهته المختلفة ولغته الجديدة بالمقارنة مع اللغة السابقة، وايضا ذلك الاعتراف الواضح بوجود الازمة بعد طول انكار لها، وبوجود المعارضة السياسية بشكل غير مباشر من خلال الاعتراف بالرأي الآخر، وبالعجز عن مواجهة الازمة الشاملة بعصا سحرية... هذه المسائل تضمر الحاجة الى مساهمة الآخرين خارج الاطر السلطوية. نحن ندعم الاصلاح، او اي خطوة اصلاحية، لكن دعمنا هذا لا يكفي وحده لضمان مسيرة الاصلاح وجديتها، ما لم يدعم اهل الاصلاح انفسهم".
في النقاش الذي تلى محاضرة الترك في منتدى الاتاسي، حدث ما يشبه ثورة مصغرة وسقطت كل الحواجز وتدافع الناس على الكلام الحر الذي ظلوا يحرمون انفسهم منه او يحال بينهم وبينه. بعد المحاضرة اعلن النائب مأمون الحمصي اضرابه عن الطعام وصرح ان الخوف سقط عنه بعد سماعه رياض الترك، لكنهم لم يلبثوا ان ادخلوه السجن.
بعد المحاضرة اجرى رياض الترك مداخلة هاتفية على الهواء ضمن برنامج "بلا حدود" الذي كان يستضيف من بروكسيل داعية حقوق الانسان السوري نزار نيوف. ومن مدينة حمص تحدث رياض الترك مجددا عن المصالحة والحوار في حين ان بعضهم لم يلتقط من الحديث الا عبارة هامشية فُهم منها تعرضه للرئيس حافظ الاسد، ونسي هؤلاء او تناسوا ان رياض الترك، وفي حياة الرئيس الراحل، قال في مقابلة "الحياة" التي اتينا على ذكرها، عبارات اشد نقدا لتركيبة النظام وشخوصه، وأعمق مضموناً، لكن احدا لم يعتقله او حتى يزعجه. فالى اين يا ترى نحن سائرون؟ واين هو الاصلاح والتغيير الموعودان؟
احد الاصدقاء جاء الى منتدى جمال الاتاسي للمرة الاولى لسماع رياض الترك، ثم خرج بعد المحاضرة وهو يردد ان رياض الترك يعلمنا الكلام من جديد. وفي الاسبوع الماضي وبعد يومين على اعتقال الترك، عاد الصديق نفسه الى منتدى جمال الاتاسي لسماع محاضرة للاقتصادي السوري عارف دليله، وما ان ابتدأ النقاش وتدخل الحضور حتى صعق صديقي من هول المفاجأة فقد صار الجميع رياض الترك: يحيونه في بداية كل مداخلة ويتكلمون بلسانه وجرأته، ويدعون مثله الى المصالحة والحوار، لكن من باب رد المظالم الى اهلها. واولى المظالم التي ينتظر الجميع ردها هي اعتقال ضمير سوريا وصوتها الحر المناضل رياض الترك.


* * *

خذْ فسحة من الشمس

 

خلال سنوات طويلة كان ذكر اسم رياض الترك من المحرمات في سوريا، اما الانسان الماثل وراء الاسم فكان يقبع معزولا عن العالم الخارجي في زنزانة انفرادية في قبو احد فروع الامن السورية. عزلة لا تزيد ولا تقل عن 17 عاما امضاها ابو هشام في مكعب طول جداره متران لا فراش فيه ولا كراس. لا شيء سوى بطانيات وألبسة مهترئة جمعها ابو هشام من مرميات السجناء الملقاة في سلة القمامة داخل المرحاض الذي كان يسمح له بدخوله ثلاث مرات في اليوم.
في تلك الفترة كنت اسمع باسم رياض الترك يقال همسا، بخوف لكن باحترام.
اسمع به ولا اعرفه، اسمع به وازداد اعجابا برجل كان دائما الرقم الصعب والسجين الأعند في اي محاولة لتدجين الاصوات الحرة وقمعها واسكاتها في سوريا، منذ عهد اديب الشيشكلي مرورا بفترة الوحدة السورية - المصرية وصولا الى حقبة الثمانينات.
كنت مراهقا اعرف ان هناك سجونا وان هناك قمعا وان هناك قهرا، لكني كنت اعرف ايضا ان هناك من هو اقوى منها جميعا.
كنت اعرف ان هناك رياض الترك. واليه كتبت يومها السطور الآتية:
خذ فسحة من الشمس

وتألق في البعيد

لتبقى كما لا يريدون

وتبقى كما تريد.
خذ فسحة من الروح

وتجلى في حديثنا البسيط

خبزا للمعاني

وياسمينا يشق الحديد

وإذا السماء لاحت

على ركن سريرك العنيد

لاحظ في ترددها

شغف البلاد لفجرك

لاحظ حاضرنا الماضي

لاحظ غدك الأكيد.


لم اعرف يومها ان لا سرير في زنزانة رياض الترك، وان لا نوافذ ولا ضوء. لم اتصور ان رياض الترك بقي عشر سنين في دهاليز الاقبية من دون ان يرى الشمس، وانهم بعدما تدهورت صحته في شكل خطير، سمحوا له بالخروج للتنفس مرة واحدة يوميا في داخل فسحة سموية محاطة بالابنية العالية، يصل اليها الضوء ولا تصلها اشعة الشمس المباشرة.
مضت السبعة عشر عاما ونيف، واستبطن الناس خوفهم وتعودوا غياب رياض الترك، وخاله بعضهم قد مات، لكنه خرج علينا فجأة من عالمه السفلي الى العالم الخارجي. خرج لا كواحد من اهل الكهف ولكن كرجل عاقل ومتيقظ. عاد ليجد مجتمعا بأكمله نائما. عاد ليجد مجتمعا حاله كحال اهل الكهف. ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة رياض الترك في ايقاظ هذا المجتمع واخراجه من سباته الطويل.
عندما ذهبت الى لقائه في المرة الأولى، خلت أنى سألتقي إنسانا في حجم السنوات الـ17 التي تحطمت على صخرة صموده، مربوع القامة، قوي البنية، جلف الطبع، فاذا بي امام رجل ضئيل القامة، ضعيف البنية، لطيف الطبع، دمث الأخلاق، وأخيرا وليس آخرا رجل شديد البأس. ذهبت إلى لقائه ولم انقطع عنه بعدها ابدا. تعرفت فيه ومن خلاله، لكن في اسلوب مغاير، على عالم السجون الذي طالما شغلني. غادرت به ومن خلاله خوفي وقيودي. تركت به ومن خلاله سجني الذاتي إلى عالم رحب اسمه الحرية. الحرية مثلما علمني اياها رياض الترك.
كان خروج رياض الترك من السجن اشكاليا بالنسبة الى اصدقائه قبل اعدائه. فهو، في صمته كما في كلامه، يتحدى القهر والظلم ويفضح الخوف والخنوع المستبطن في نفوس الناس. حريته اشكالية لأنه يبرهن للجميع ان ارادة الانسان اقوى من كل القيود، وفي الاخص القيود الذاتية التي يكبل الناس انفسهم بها. خرج رياض الترك من السجن في 30/5/1998 وبدأ من جديد رحلته في كسر القيود.

 

 عودة إلى صفحة البداية