حقوق الإنسان والمزاج الغربي
طه يوسف حسن/جنيف tahayousif@hotmail.com هناك بعض للقضايا المصيرية التي تدخل إلى بيوتنا عنوة ومن دون استئذان مثل قضية حقوق الإنسان التي تؤثر سلباً أو ايجاباً على الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية . وقضية حقوق الإنسان أصبحت قضية عالمية تجاوزت الحدود الوطنية مثل قضية العولمة في التجارة العالمية , فمنظمات حقوق المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان مثل (هيومن رايتس وتش ) HUMAN RIGHTs watch و أمنستي إنترناشونال و ليباريشن LIBARATION أصبحت أقرب إلينا من حبل الوريد حيث تتابع بصفة يومية أي إخلالت أو إنتهاكات لحقوق الإنسان في أي بقعة في العالم لا سيما القارة الإفريقية الملتهبة بالصراعات والنزاعات . هذا لا يعني أن( القارة البيضاء ) أوربا و أمريكا في مأمن عن إنتهاكات حقوق الإنسان ولكن اختلال المعايير الدولية لحقوق الإنسان بسبب الضغوطات التي تمارسها دول الشمال (أمريكا ,كندا,أوربا) على المنظومة الدولية وبما فيها آلية حقوق الإنسان والتي تعتبر من أهم ثلاثة آليات بعد مجلس الأمن والجمعية العامة جعلت دول الشمال في مأمن من البند التاسع (بند العقوبات) الذي تقع تحت طائلته الدول المنتهكة لحقوق الأنسان والسودان ظل تحت مطرقة هذا البند إحدى عشر سنة منذ عام1992 حتى العام الماضي خرج منه بفضل مجهود المجموعة الإفريقية التي استردت عافيتها وقواها وأحكمت قرارها بأن تتضامن من أجل إسقاط قرار المجموعة الأوربية الذي ينص على إدانة السودان وهكذا فعلت المجموعة الإفريقية بالتضامن مع المجموعة العربية لإنتشال السودان من غياهب البند التاسع وخروج السودان من البند التاسع لم يكن بسبب شهادة براءته التي أعلنها السفير الصيني في الدورة السابقة ولا بسبب التحسينات التي طرأت على ملف حقوق الإنسان السوداني ولا حتى بسبب تعاونه اللا محدود مع المقرر الخاص لحقوق الإنسان ولكن بسب التجمعات والتكتلات الإقليمية التي دعمت موقف السودان بكل ما أوتيت من قوة وعلى رأسها المجموعة الإفريقية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية.وكذلك دخول السودان في عضوية نادي الدول التي لا تحترم الصكوك الدولية لحقوق الإنسان ليس لأنه من بين الدول الأكثر انتهاكا ًلحقوق الإنسان وإذا كان الأمر كذلك لكانت إسرائيل عصواً نشطاً في هذا النادي وروسيا التي أدينت أكثر من مرة بالقرار 58 عام 2000 والقرار 24 عام 2001 بسبب حرب الإبادة التي تمارسها على شعب الشيشان ولكن رغم هذه الإدانات لم تلتزم روسيا بتلك القرارات ولم تقع تحت طائلة البند التاسع لأنها من وجهاء القوم وأمريكا التي تنتهك حقوق الإنسان في وضح النهار تحت مظلة الحرب على الإرهاب لم تتجرأ أي دولة أو مجموعة من الدول بتقديم مشروع قرار ضدها والصين داست بأرجلها على جميع إتفاقيات حقوق الإنسان في في تعاملها مع شعب جزيرة التبت و...و.... والشاهد في هذا الصراع الأممي أن معايير حقوق الإنسان أصبح يتحكم فيها المزاج الغربي وإلا لماذا التزم الأمين العام كوفي عنان الصمت لأكثر من ستة أشهر لإختيار مفوض سامي لحقوق الإنسان خلفاً للبرازيلي سيرجيو فيرا دي ميللو الذي توفى في حادث تفجير مقر الأمم المتحدة ببغداد في19 أغسطس الماضي حيث أفصح أخيراً ومع إقتراب اجتماعات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان عن تعيين الكندية لويز أربور البالغة من العمر سبعة وخمسيبن عاماً ولا يفسر هذا الصمت بالصعوبة في عدم وجود مرشحين أكفاء مثل الباكستانية هينا جيلاني المقررة الخاصة للمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان ونائب المفوض السامي الحالي لحقوق الإنسان الأسيوي بيرتران رمشاران الذي تولى إدارة المفوضية بالإنابة طيلت فترة الصمت التي لازمت الأمين العام ولماذا لم يسمح للإيرلندية ماري روبنسون بالأستمرار في منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان والتي عرف عنها دفاعها المستميت عن معايير حقوق الإنسان دون إكتراث أو استجابة للضغوطات و الحسابات السياسية.ويبدو أن الأمين العام كوفي عنان بتعينه للسيدة أربور قد وفق بين تطلعات المدافعين عن حقوق الإنسان ومصالح الدول التي بإمكانها الإعتراض على هذا التعيين وفي مقدمتها الأمم المتحدة وتجنب الإرتضام برفض غربي.فإن التحدي الأكبر سيقع على عاتق الوفد الذي يمثل السودان في الدورة الحالية 60 التي المنعقد حالياً بجنيف بقصر الأمم المتحدة والتي ستستمر حتى 24 من أبريل القادم خصوصاً وأن السودان حديث عهد في نادي الدول الملتزمة بصكوك حقوق الإنسان الدولية على حسب المفهوم الغربي لتلك المعايير إضافة إلى تسويق منظمات حقوق الإنسان لقضية دارفور في البازار السياسي الأوربي والأمريكي ومن المؤسف فإنه في حالة صدور أي إدانة من لجان حقوق الإنسان ضد أي دولة من الدول فمن الصعب جدً تبرئتها إلا بجهد عظيم وبمساع جبارة كما حدث في ملف السودان ونيجيريا وكوبا حيث نجد أن كوبا لم تفلح في الخروج من مسلسل الإدانات منذ أكثر من ثلاثين عاماً وإيران ظلت تحت بند الإدانة 17 عاماً .فالمجموعة الإفريقية أصبحت ركن شديد يأوى إليه السودان بعد أن انتهجت استراتيجية راسخة برفضها التام للمزاج الغربي الذي يتحكم في معايير حقوق الإنسان رغم أن القارة السمراء غير مستقرة سياسياً وغير ملتزمة كلياً بمبادئ حقوق الإنسان ولكنها دائماً هي القربان الذي تقدمه دول الشمال في تلك المحفل وهي الترمومتر الشاخص لدرجة حرارة الإنتهاكات في العالم ولكن السياسة التي انتهجتها المجموع الإفريقية منذ العام الماضي أربكت حسابات المجموعة الأوربية حينما تقدمت الأخيرة بترشيح السفير الأسترالي مايكل سمث رئيساً للدورة 60 للجنة حقوق الإنسان والتي ستبدأ إجتماعاتها في منتصف هذا الشهر الجاري حيث اعترضت المجموعة الإفريقية لدى الجمعية العامة لحقوق الإنسان على طريقة الترشيح (الإختيار بالتزكية) وذلك رداً لإعتبارها بمخالفة المجموعة الأوربية التي اعترضت في العام الماضي على مرشحة المجموعة الإفريقية السفيرة الليبية نجاة الحجاجي وطالبة باجراء إنتخابات على غير العادة ورغم تعنت المجموعة الأوربية اختيرت مرشحة المجموعة الإفريقية رئيسة للدورة 59 بلإنتخاب وخوفاً من تعنت الرأي الأفريقي ورداً لإعتبار المجموعة الإفريقية تقدم رئيس المجموعة الأوربية السفير الألماني بالإعتذار للمجموعة الإفريقية . التكتلات الأقليمية أصبحت هي الملاذ الأمن والضامن من براغماتية مؤسسات الأمم المتحدة التي تسير وفق الأهواء السياسية من عصبة يحتمي بها خصوصاً وأن منظمة أمنست أنرنشونال. و ليباريشن INTERNATIONAL أعدت تقريراً تضمن انتهكات الحكومة وخروقاتها لقوانين حقوق الإنسان في إقليم دارفور وهناك تحرك من قبل الإتحاد الأوربي لتقديم مشروع إدانة للسودان كل هذه التحركات إن لم تقابل بمجهود عظيم سيرجع السودان إلى المربع الأول (البند التاسع) الذي ظل فيه كثيراً أو على أضعف الإيمان البند التاسع عشر بند التعاون الفني الذي ينص على تأهيل وتدريب الأجهزة الحكومية على كيفية التعامل مع قوانين حقوق الإنسان تحت إشراف المقرر الخاص باعتبار أن تلك الدولة لم ترتقي إلى مستوى التطبيق الفعلي للصكوك الدولية لحقوق الإنسان . نقلا عن سودانايل |