الجامعة العربيّة تُخرِّج "نجّارين" برُتْبة زُعَماء (!)
أمين الإمام* minimam8@hotmail.com نفي النفي إثبات... هذا إذا صحّت تلك المقولة، وتحوّلت إلى قاعدة ويقين (هذا هو الصحيح، فيما يبدو!). عموماً، ما يجب الانتباه إليه، يأتي في سياق الاهتمام الرائع، للإدارة الأمريكيّة "المُتبوِّشة"، بأخطر قضايانا العربيّة القوميّة، حين نفت رسميّاً - ممثَّلةً في شخص وزير خارجيتها "كولن باول" - ضلوعها في ممارسة الضغط على الحكومة التونسيّة، من أجل إصدار قرارها الفُجائي، بتأجيل القمّة العربيّة العاديّة، التي كان يجب أن تستضيفها يوم الاثنين 29 مارس 2004 (!). نعم، لا تخفي الإدارة الواشنطنيّة "الليكوديّة" روعة حضورها، كلّما ندخل منعرجاً حاسماً، من أزماتنا العربيّة المُزمِنة، من خلال خروج أحد كبار مسؤوليها، وهو ينفي ارتباطها بأي شيء يسبِّب الألم للشارع العربي. لهذا أدّت مستشارة الأمن القومي "كوندوليزا رايس"، نفس "فاصل النفي"، عبر مؤتمرٍ ما، في موقعٍ ما، تلاحقها فيه كاميراتٍ ما، لأيّ فضائيّة تعشق تصدير "الإمبرياليّة الجديدة"، المحشُّوَة بـ"كريمة الديمقراطيّة البراجماتيّة"، وذلك بخصوص اغتيال الشيخ أحمد ياسين (مؤسِّس حركة "حماس" الفلسطينيّة)، في يوم الاثنين الذي سبق اثنين تأجيل قمّة العرب (22/3/2004). نعم، تنفي إدارة الرئيس المُبجَّل جورج دبليو بوش، عدم معرفتها بقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي "أرييل شارون"، بشأن اغتيال "شيخ فلسطين"، مثلما تنفي ممارستها الضغط على حكومة زين العابدين بن علي، من أجل تأجيل القمّة العربيّة، بعد أسبوع بالتمام والكمال، من الجريمة التاريخيّة الأولى... وبين الجريمتين، يبقى الشارع العربي مشدوهاً، ومن ثمَّ غاضباً، وبعدها "مكموداً" و"مكدوداً"، بينما رؤساء حكوماته، ما يزالون يمارسون قدرتهم السحريّة، في الإبقاء على كراسيهم الحاكِمة راسخة وسادرة، في "ديمومة غرائبيّة" غبيّة، تسخر من كلّ شيء، في عقولكم وقلوبكم، من ماء المحيط إلى ماء الخليج، ومن دم الرباط إلى دم بغداد (!). [#]........................ قِيل، وقِيل، وقِيل. قِيل بأنّ القمّة التي تأجّلت، كانت ستكون الأنجح على الإطلاق (نجيد إطلاق وصفيّة النجاح بسهولة، على أيّ خيبة من خيباتنا!)، لأنّها كانت ستعيد تفصيل ثوب الجامعة العربيّة، حتّى يغدو عصريّاًً، من خلال مبادرة دول المقدِّمة (هُناك تقديم وتأخير في العروبة!)، لإصلاح ذلك الكيان الشكلي، الذي اعترفوا بـ"شكليّته وديكوريّته"، بعد مرور نصف قرن من الزمان، بالإضافة إلى إصلاح "الذات الحاكِمة"، من خلال الارتهان إلى قرار "ماما أمريكا"، بتجرُّع دواء "الديمقراطيّة البراجماتيّة"، لأنّه الأحلى والأطعم، ومن ثمَّ ارتداء ثوب "الشرق الأوسط الكبير"، مع ما تيسّر من ثوب وجاهة إضافي باسم الجامعة العربيّة (!). قِيل بأنّ قرار تأجيل القمّة، يأتي بسبب عصْف الخلافات "العربيّة-العربيّة"، إذْ خافت الإدارة التونسيّة من تفاقمها، فقرّرت فوراً إرجائها، إلى أجلٍ غير مُسمَّى... وقِيل بأنّ قرار التأجيل، إنّما هو قرارٌ سيادي، يختص بالحكومة التونسيّة وحدها، إذ من حقِّها إلغاء استضافتها لـ"حدثٍ كوني" كهذا (ينتظره العالم أجمع!)، في الوقت الذي تراه، وبالصيغة التي ترتضيها... وقِيل بأنّ كولن باول، قد نفى ضلوع "النقاء الأمريكي الحاكِم"، في ذلك التأجيل المُدهِش، وقِيل أيضاً أن الوزير الأمريكي الأسمر الحكيم، قد شرب بعد حديث النفي، كوباً كبيراً من الحليب النقي الصافي (!). قِيل، وقِيل، وقِيل. إنّها طريقة الشاعر المصري "الصوفي الفليلسوف"، د. محمّد أبو دومة، وهو يقول: قِيل لي: سايِر القافلة قُلت: لا علم لي بنباح الكلاب قِيل لي: كُنْ دليلاً، فكمْ في رفاقك صاروا أدِلَّة قُلت: أخطأت يا صاحبي في الحِساب قِيل لي: فاحذر الريح! قُلت: للبيتِ بابٌ... وبابٌ... وبابْ قِيل لي: أنت تُمسِك جمراً، فقُلت وشيكاً سيبكي عليها السحاب قِيل لي... قِيل لي... قِيل لي رُفِعَت ريشة الحرف جفّ الكِتاب! [#]........................ جامعتنا العربيّة، إن كانت "جامعة"، نجحت فقط في تخريج دفعات محدودة جدّاً، من الزعماء والوزراء العرب (خصوصاً في حقيبتي "الخارجيّة" و"الإعلام"!)، يُجيدون الإمساك بمطارقهم ومساميرهم القويّة، من أجل تثبيت مقاعد حُكْمِهم الطويل، كأنّهم "نجّارين" من الفئة "الكارتريّة" الأولى. أدوات النِجارة (... والشطارة) متوفِّرة بكثرة، بيد كلّ خريج ناجح، من جامعة العرب. فهذا مِنشارٌ قوي وصلب، يأكل في الطالع والنازل، ويقطع الرِقاب المُشْرئِبَّة للحقّ والحداثة والحُرِّيات (حاءاتُ ثلاثة من يطلبها يغدو حماراً!)، ولكم أن تدركوا أنّ الحداثة المعنيّة هُنا، ليست "عصرنة" الكتابات الأدبيّة، وإنّما "تِقانة" وتحديث شكل وأُطُر الدولة، من كافّة المناحي (وليصمُت تنظير الليبراليين العرب الجُدد، إن أجِدْتُم استيعاب ما سبق بدِقَّة!). وبخلاف المِنشار، هُناك مِطْرَقةٌ صلْبة لتفتيت إرادة الشعوب، وكمّاشةٌ لخلع "أضراس العقل" و"ألسنة الحقائق"، وغراءٌ لإلصاق وتكميم الأفواه، ومساميرَ لصناعة العروش والنعوش (من يصنع نعوشاً لغيره، لا يعرف بأنّه يدق مسماره الأخير لنعْشه الشخصي!). ليس ضروريّاً، معرفة أين ستُقام القمّة العربيّة "المُعدَّلة" المُقبِلة، وكيف ستكون نتيجة اللقاءات الثنائيّة، و"موضة القِمَم المُصغَّرة"، وإنّما المهم إيقاف مهمّة الجامعة العربيّة، في تخريج السادة "النجّارين"... ينبغي فقط تخريج الأسوياء الأنقياء (!). * كاتب صحافي سوداني minimam8@hotmail.com |