صهيب بن سنان
ولد في أحضان النعيم ....
فقد كان أبوه حاكم (( الأبلة)) و ولياً عليها لكسرى ... و كان من العرب الذين نزحوا إلى العراق قبل الإسلام بعهد طويل , و في قصره القائم على شاطئ الفرات , مما يلي الجزيرة و الموصل , عاش الطفل ناعماً سعيداً ..
و ذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الرومان ..... و أسر المغيرون أعداداً كثيرة و سبوا ذلك الغلام (( صهيب بن سنان )) ....
واقتنصه تجار الرقيق , و ينتهي الطواف الطويل إلى مكة , حيث بيع لعبد الله بن جدعان , بعد قضى طفةلته و شبابه في بلاد الرومان حتى أخذ لهجتهم و لسانهم .
و يعجب سيده بذكائه و نشاطه و إخلاصه , فيعتقه و يهيئ له فرصة الإتجار معه . و ذات يوم ....... ولندع صديقه (( عمار بن ياسر )) يحدثنا عن ذلك اليوم :
{ لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم , و رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ...
فقلت له : ماذا تريد..؟
فأجابني و ماذا تريد أنت .. ؟
قلت له : أريد أن أدخل على محمد , و أسمع ما يقول .
قال : و أنا أريد ذلك ..
فدخلنا على الرسول صلى الله عليه و سلم , فعرض علينا الإسلام فأسلمنا ... , ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا ثم خرجنا و نحن متخفيان }..!
أخذ (( صهيب )) مكانه في قافلة المؤمنين و أخذ مكاناً عالياً كذلك بين صفوف الباذلين و المفتدين..!! , و مكاناً عالياً كذلك بين صفوف الباذلين و المفتدين...
و إنه ليحدث صادقاً عن ولائه العظيم لمسؤلياته كمسلم بايع الرسول , و سار تحت راية الإسلام , فيقول :
[ لم يشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مشهداً قط , إلا كنت حاضره .....
و لم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها ....
و لم يسر سرية قط , إلا كنت حاضرها ...
و لا غزا غزاةً قط , أول الزمان و أخره , إ لا كنت فيها عن يمينه أو عن شماله .....
و ما خاف - المسلمون - أمامهم قط , إلا كنت أمامهم , و لا خافوا وراءهم إلا كنت وراءهم ......
و ما جعلت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيني و بين العدو أبداً حتى لقي ربه ].......!!!
هذه صورة باهرة لإيمان فذ , و ولاء عظيم ...
و لقد أفتتح أيام نضاله النبي وولائه العظيم بيوم هجرته , ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته و جميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة ... تخلى عن كل هذه الثروةو هي كل ما يملك في لحظة لم يجد فيها ترردد و لا نكوص. فعندما هم الرسول بالهجرة , علم صهيب بها , و كان المفروض أن يكون ثالث الثلاثة , هم الرسول ...وأبو بكر... و صهيب...
كانو القريشين قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول ...
ووقع صهيب في بغض فخاخهم , فعوق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول و صاحبه قد أتخذا سبيلهما على بركة الله ....
و حاور (( صهيب )) و داور , حتى أستطاع أن يفلت من شانئيه , و امتطى ظهر ناقته و انطلق يقطع بها الصحراء و ثباً ...
و كانت قريش قد أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.... و لم يكد صهيب يراهم و يواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلاً :
[ يا معشر قريش .......
لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً ........ و أيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتيثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء , فأقدموا إن شئتم.....
و إن شئتم دللتكم على مالي , و تتركونني و شأني]....
و لقد استماتوا لأنفسهم , و قبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له :
- أتيتنا صعلوكاً فقيراً , فكثر مالك عندنا , و بلغت بيننا ما بلغت , و الأن تنطلق بنفسك و بمالك ...؟؟
فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته , و تركوه و شأنه , و قفلو إلى مكة راجعين ....
و العجب أنهم صدقوا قوله من غير شك , و في غير حذر , لم يسألوه بينه ... بل و لم يستحلفوه على صدقه ...!! و هذا موقف يضفي على صهيب كثيراً من العظمة يستحقها كرجل صادق و أمين ...!!
و أستأنف (( صهيب )) هجرته وحيداً سعيداً , حتى أدرك الرسول عليه الصلاة و السلام في (( قباء )) ....
كان الرسول جاساً جالساً و حوله بعض أصحابه حين أهل عليهم (( صهيب )) , و لم يكد الرسول يراه حتى ناداه متهللاً :
[ ربح البيع يا أبا يحيى ..!!
ربح البيع يا أبا يحيى ]...!!
و آنئذ , نزلت الآية الكريمة : { و من الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضاة الله , و الله رؤوف بالعباد }....
أجل لقد أشترى صهيب نفسه المؤمنة بكل ثروته التي أنفق في جمعها شبابه ... و لم يحس في لحظة أنه المغبون .
فما المال , و الذهب , و ما الدنيا كلها , إذا بقي له إيمانه , و إذا بقيت لضميره سيادته .... و لمصيره إرادته ...؟؟
كان الرسول يحبه كثيراً .و قد كان جواداً معطاءً... نفق كل عطائه من بيت مال المسلمين في سبيل الله ,يعين محتاجا ً ... يغيث مكروباً ..(( و يطعم الطعام على حبه مسكيناً و يتيماً و أسيراً )).
حتى أثار سخاؤه المفرط انتباه (( عمر )) فقال له : أراك تطعم كثيراً حتى أنك لتسرف ...؟
فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول :[ خياركم من أطعم الطعام ] ....
و لئن كانت حياة (( صهيب )) مترعة بالمزيا و العظائم , فإن اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألقاً و عظمة فعندما اعتدي على أمير المؤمنين و هو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر و عندما أحس نهاية الأجل , فراح يلقي على أصحابه وصيته و كلماته الأخيرة قال :
[ و ليصل بالناس صهيب ]..........
لقد أختار عمر يومئذ ستة من الصحابة , و وكل إليهم أمر اختيار الخليفة الجديد ..
و خليفة المسلمين , هو الذي يؤمهم في صلواتهم ... ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين , و أختيار الخليفة الجديد , من يؤم المسلمين في الصلاة ..؟
إن عمر و خاصة في تلك اللحظات التي تأخذ روحة الطاهرة طريقها إلى الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار ... فإذا أختار , فلا أحد هناك أفر حظاً ممن يقع عليه الإختيار ...
و لقد أختار عمر صهيباً .......
اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد بأعباء مهمته ..
أختاره و هو يعلم أن في لسانه عجمة , فكان هذا الأختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح (( صهيب بن سنان ))...
من كتاب رجال حول الرسول لخالد محمد خالد