نحن نعمل على فكرة إحياء وتطوير التعليقة في
المؤسسات التربوية. في كتابنا "تراثنا التربوي" وكتاب "تعليقة أصول التربية" بيان تفصيلي لهذا
المشروع مع تقديم لمحة تاريخية عن نشوء التعليقة. التعليقة
- جمعها تعليقات وتعاليق ونقصد بها مذكرة الطالب أو المعلم يُسجل فيها ما يتصل
بموضوع العلم الذي يدرسه. عرف المسلمون التعليقة منذ أكثر من ألف سنة واستخدموها
في تدوين العلوم العقلية والنقلية وفي مدارس النظامية والأزهر والمستنصرية ومع
مرور الزمن ولأسباب كثيرة غابت كلمة التعليقة وآدابها من الساحة العملية والعلمية
حتى غدت كلمة غريبة.
قال الخبير التربوي د. يوسف عبدالمعطي"اطلعتُ على كتاب: تراثنا التربوي, ننطلق منه ولا ننغلق فيه للأخ
الفاضل الدكتور بدر محمد ملك, والأخت الفاضلة الدكتورة لطيفة حسين الكندري, فأحسست
بسعادَةِ مَنْ بَحَثَ عَنْ أَمْرٍ عُمراً, ثم فُوجئ به أمامه! ... وتوقفت طويلاً
أمام: التعليقة التعليمية كوسيلة لإحياء وتطوير تراثنا التربوي وأشهد أن كتابكما
قَدَّم بهذا الأمر "فتحاً" جديداً. فاستخرج من التراث هذه الممارسة
فشرحها، وأوضحها، وأثراها بإضافات، وأصَّلها بمعايير، وقدَّم إضاءة تعين المتعلم،
وتوجهه لكيفية كتابتها, وأورد الفروق بينها وبين البحث الذي يتوجه لمعالجة موضوع
مفرد وعمل على إقناع المتعلم بما يعود عليه بالفعل حين يحرص على ممارستها نهجاً
يتخذه في تعلمه, إذكاءً لفكره, وتواصلا مع رواد العلم قبله, وتدوين أهم ما توصلوا
إليه مما يتصل بما يدرسه المتعلم وبحثاً في مناحي حياته وتجربته, وما يطلع عليه
حوله مما يؤيد ذلك, وهو في هذا التسجيل صادق أمين يسجل عثراته, وإنجازاته,
واستنتاجاته بل وحيرته وتساؤلاته فالتعليقة بذلك صديق مصاحب وعالم يلخص له جوهر
المسائل, ووقفة تمد البصر بين ما يدرسه وما يعيشه: إيجابا وسلبا, واقتناعا,
واستمرارا في البحث والتساؤل.
والتعليقة بكل ذلك سجل عقله, ورحلة فكره, في ما يقرأ
ويسمع, ويفسر مما أورده الآخرون عبر التراث, أو في تفسير أساتذته وتعليقاتهم على
ذلك ولكن الأكثر أهمية في كل ذلك هو وجوده هو نفسه في التعليقة التي تحمل رؤيته
وفكره فهو حاضر يقظ متابع حريص متسائل وليس مجرد متلقٍ. يعلم أن العقل هدية الله
إليه فيسعى جاهدا ليستثمرها ويعملها باحثا عن الحق.
إن هذا الفتح الذي وفقكم الله إليه, هو نقلة جديدة في
طرائق التربية وجسر حي يمتد بين التراث والواقع وتصل بإذن الله أطرافه إلى
المستقبل احتراما لعقل المتعلم, وتدريبا ليقظته وملاحظته, ورصده الواعي لما يمر به
من خبرات تعليمية. لكن أكثر الأمور أهمية هو منحه الحق في أن يخطئ ويراجع نفسه
ويسجل ذلك فقيمة "التعليقة" فيما تتضمنه من صدق وصراحة وتسجيل للرحلة
الباحثة عن الصواب وهي خلال ذلك تمر بأخطاء كثيرة يشرف المرء بتسجيلها ولا يخجل.
لو نجحنا في إشعار المتعلم بتقبلنا لذلك فإننا نكون قد قطعنا شوطا هاما, جزاكما
الله الخير. وحاليا أعيش مع الكتاب الذي ألوم نفسي أنني لم أعرفه قبلا فحرمت من
جهد وعمل علمي يعبر عن توجه أصيل نحو تربية تحمل إلى الدنيا هدي ربنا في انفتاح
وتفهم وجهد ودأب... وأشكر الحفيدة التي أهدتني نعمة التعرف عليكما, ووجدت من
خطوطها على صفحات الكتاب, وما سجلته في الهوامش بداية "تعليقة" لها سعدت
بها... رعاكما الله" (باختصار).
ولقد اعتبر د. سامي
محمد نصار في دراسة موجزة أن فكرة التعليقة كما طرحناها أصل من أصول التربية الإسلامية إذ كتب "وقرب
الامتحان تبدأ المفاوضات حول ما هو مقرر وما هو غير مقرر، وما قاله الأستاذ وما لم
يقله... وكأن التعليم صار عملية إعادة إنتاج لنفس الأفكار بل لنفس النصوص
بكلماتها، وبشكل سطحي لا يمس جوهر المتعلم عقلاً ... تذكرت كل هذا عندما قرأت ما
كتبه الأخ والزميل د. بدر ملك والأخت د. لطيفة الكندري عن "التعليقة"
باعثين بذلك أصلاً من أصول التربية الإسلامية نافضين عنه الغبار، دافعين به بحماسة
- تدعو إلى الإعجاب -
إلى مركز العملية التعليمية وقلبها في كلية التربية الأساسية التي تعنى بإعداد المعلم".
ولقد وجدت الفكرة حفاوة بالغة عند العديد من المؤسسات
التعليمية نسأل الله سبحانه أن يبارك في هذا المشروع.
قلنا أن من معاني التَّعليقة أنها مُذكرة
شخصية يكتبها الطَّالب على ضوء متطلبات المادة الدِّراسية التي يدرسها كما يُدون
(يُعلِّق) فيها أهم الأفكار التي يذكرها الأستاذ في الفصل وتتضمن أيضاً بعض آراء
الطَّالب وتلخيصاته المتعلقة بالمقرر الدِّراسي. التَّعليقة هي سعي منظم لتدوين
أهم محتويات المقرر الدراسي في مذكرة شخصية يعدها الطالب ويضيف إليها بعض تعاليقه.
لقد قمنا بتطبيق هذا المشروع في كلية التربية الأساسية وكانت فرصة عملية لنا
لتقييم طلابنا وطالباتنا من خلال منهج التعليقة إلى جانب استخدام الأساليب
المعروفة مثل الاختبارات وغيرها.
رغم أننا لم نطلع على دراسات تفصيلية تشرح التعليقة
من الناحية التعليمية في كليات
التربية إلا أنه من خلال دراساتنا المتواضعة وعملنا المستمر في حقل التعليم فإننا نود أن
نستعرض هنا التعليقة كفكرة من الأفكار التراثية القديمة وكيفية إحيائها وتطويرها لطلاب وطالبات كليات التربية وغيرهم
وذلك وفق الاحتياجات
التعليمية العصرية.
التعليقة التعليمية التي نقترحها ظهرت بداياتها في النصف الثاني من القرن
الهجري الثالث ثم انتشرت بصورة كبيرة مع ظهور المدارس في التاريخ الإسلامي
من قبل ألف سنة تقريبا إذ كان
الطلاب وغيرهم يقومون باستخدامها في مرحلة ما بعد مرحلة الكتاتيب أي أنها استخدمت
في مرحلة التخصص أو ما نسميه اليوم المراحل الدراسية المتوسطة والعليا.
من المؤكد أن عددا كبيرا من الطلاب
والمعلمين عملوا التعليقة في المدارس النظامية التي بناها أبو علي الحسن بن علي بن
إسحاق الطُّوسي المعروف بنظام الملك وهو أقوى وأشهر الوزراء في عصر السلاجقة في
زمن السلطانين: السلطان ألب أرسلان والسلطان ملكشاه، أي في القرن الخامس الهجري.
هذه الطريقة التعليمية ظهرت منذ فترة طويلة وتحت مسميات مختلفة مثل كلمة المدونة
والأمالي.
في الفترة الحديثة اختفت كلمة التعليقة
من الساحة التعليمية حتى أنه من الصعب العثور
على تعريف لهذه الكلمة في القواميس أو الموسوعات التربوية أو كتب تاريخ الفكر التربوي.
تشبه التعليقة
في بعض جوانبها الملف التعليمي Portfolio الذي يستخدم في التربية المعاصرة بشكل واسع وهو ملف يحتوي على عينات من إنتاج الطالب في المدرسة.
لقد كان طالب العلم
قديما يكتب ملخصا لما يسمعه من أستاذه ولما يدور من نقاش في مجالس العلم، وعلى
صفحات الكتب التي يطلع عليها وقد ينشر
هذه التعليقة أو على الأقل يحتفظ بها لمراجعة دروسه بعد الفراغ من الدراسة. يحتفظ
الطالب بتعليقته لينتفع بها ككتاب في مكتبته بعد أن يتم تحصيله. بعضهم كانت
تعليقته التي علقها من شيخة تعليقة صغيرة وبعضهم يعلق أكثر من أصحابه أو يختار
منهجا معينا في ترتيب وتقييد العلوم التي يتعلمها ويدونها في معلقته. التعليقة رغم
معاييرها العلمية المحدَّدَة فإنَّها تتَّسم
بالتَّنوع فلكل طالب تعليقة مُتميزة
فمنهم من يرجع للتَّعليقة
فيحفظها ومنهم من يكتفي بفهمها وهكذا.
واليوم وبعد تجربة أولية مع
معاينة لنتائج الملف التربوي في مراحل رياض الأطفال إلى المرحلة الجامعية وفي نطاق
الأسرة والمؤسسات الرسمية وغيرها فإننا نضع ضمن مقترحاتنا هنا أسس إعداد
"التعليقة التعليمية" من وحي تصوراتنا وممارساتنا في حقل التعليم كي يستفاد
منها كتجربة أولية في عملية
دراسة التراث التربوي بعد أن لمسنا نفعها في الميدان العملي. لا نشك أبدا في أن هذه التجربة تحتاج إلى تطوير وتعديل
حسب الظروف والامكانات وطبيعة الطلاب وطموحاتنا ولكننا هنا نود توجيه الأنظار نحو
ذخائر التراث على أمل استثمارها عمليا في واقعنا.
قلنا أن
التعليقة كما نقترحها تشبه في بعض جوانبها فكرة الملف التربوي الذي
يستخدمه الغربيون في المدارس اليوم. عرف بعضهم الملف التعليمي بأنه مادة مجموعة
لهدف واضح من عمل الطالب تحكي قصة جهود الطالب ونموه الثقافي في ميدان معين (Mcnergney & Herbert, 2001, P.
553). فهو ملف
له هدف واضح يجمع من عدة أنشطة على مر الزمن (Shores & Grace, 1998, 143). بعض المربين يعرف الملف التربوي بأنه مختارات من أنشطة الطالب
المتنوعة التي قام بها أثناء العام الدراسي (Cribb, 1999, P. 434 &Bennett). المتخصصون في
أصول التربية يرون أن
الملف التربوي قد يكون من إعداد المعلم
لمقرر من المقررات يوثق فيه أعماله
المهمة كي يعرض ملفه على
المؤسسات إذا أراد الحصول على العمل. كثير من كليات المعلمين والمعلمات يجعلون
الملف التربوي للمعلم من المتطلبات المهنية التي تساعد المعلمين على الحصول على
شهادة التخرج والترشيح للعمل في المؤسسات التعليمية القائمة على المنافسة (Parkay & Stanford, 2001, P. 63).
المادة المجموعة في الملف تتطرق إلى موضوع عام مثل تاريخ التربية أو
تطور الفكر التربوي أو موضوعات
تربوية عامة أو أي موضوع… يقوم المتعلم بالبحث فيه كل حسب المصادر المتاحة له ووقته وقدرته. لا توجد مواصفات معينة تفرض شروطها لإخراج وإعداد
وجمع الملف. مصادر الملف كثيرة ومتنوعة منها (الصور والرسومات - الجرائد والمجلات
- الكتب والموسوعات - برامج الحاسب الآلي - الخبرات الشخصية –عرض ومناقشة كتاب- تلخيص وقائع بعض المحاضرات أو
المؤتمرات أو حتى البرامج الثقافية في التلفزيون والإذاعة - الزيارات الميدانية
لمؤسسات تعليمية – مقابلات علمية مع العلماء والزملاء أو مراسلتهم ..).
المواد قد توضع في شريط سمعي أو فيديو أو شريط من أشرطة الحاسب الآلي أو تسلم للمعلم كملف أو بطاقات متنوعة أو حقيبة ورقية صغيرة أو كراسة تضم عمل الطالب. ليست هناك قاعدة واحدة لتصميم التعليقة التعليمية التي نقترحها إذ أنها مبنية على الإبداع والتميز واستغلال الإمكانات المتوفرة بحكمة والفرق بين عمل الأبحاث وتصميم الحقيبة أو الملف التعليمي أن البحث يكون عادة في موضوع كتابيِ محدد أما الملف التعليمي فإنه متنوع الموضوعات وإن كان في العموم حول أصل عام يتفق المعلم والمتعلم على اختياره مسبقا. مواد التعليقة تجمع بين مهارتي التصنيف والتأليف لأن المتعلم يجمع المعلومات وفي نفس الوقت يضيف إليها من خلال التعليقات والمناقشات. البحث العلمي هو فحص وتفتيش عن الحقائق المطلوبة وعرضها بأسلوب مُقْنع مفيد مبني على الأدلة.