صفحات من كتاب تعليقة أصول التربية

صفحات من كتاب تعليقة أصول التربية

د. لطيفة حسين الكندري          د. بدر محمد ملك

صفحات من كتاب تعليقة أصول التربية 1

في آفاق التعليقة 1

المقدمة 2

 

في آفاق التعليقة

 

قال الله جل ثناؤه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)" (سورة الحجرات).

وقال تعالى:"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25}" (سورة إبراهيم).

قال الرسول e :"إنما العِلْمُ بالتّعلُّمِ، وإِنَّما الحِلْم بالتَّحلُّم، ومَنْ يتحرَّ الخيْرَ يُعْطَهُ، وَمنْ يَتَّقِ الشَّر يُوَقَّهُ"[1]. وقال "كلُّ امرىءٍ مُهيأ لمِا خُلِقَ لهُ"[2].

قال الشَّافِعِيّ رحمه الله: "من أراد الدُّنيا فعليه بالعِلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعِلم".

قال أرسطو "جذور التربية مرَّة، وثمارها لذيذة" (عبود، 2001 م، ص 528،  502).

قال سكنر عالم النفس الأمريكي: "التربية هي القَدر الذي يبقى، والأثر الذي يكون معنا بعد أن ننسى ما تعلمناه".

قال القرضاوي "الاتجاه الذي ساد العالم الإسلامي قروناً هو اتجاه التزمت والتشديد على المرأة وسوء الظن بها".                                                                                    

قال عبدالحليم أبو شقة (1999 م) "والدعوة إلى الرجوع للأصول من كتاب وسنة لمراجعة أوضاعنا ولتقويم مفاهيمنا وتصوراتنا التي ورثناها عن الأجداد سواء في مجال المرأة أو في غيرها من المجالات، دعوة إلى هدى" (ج1, ص 52).

قال غاندي "لا أريد لداري أن تحيط به الأسوار من كل جوانبه، وأن تسد نوافذه، أريد لثقافة البلاد كلها أن تهب على داري بحرية تامة، لكنى أرفض أن تقتلعني إحداها من الأرض".

قال ألفرد نورث وايتهد (1861م-1946م)– الفيلسوف البريطاني - "إن المجتمع الذي لا يُقدِّر العقول المثقفة النَّيرة مجتمع محكوم عليه بالإخفاق" (الثبيتي، 2000 م، ص 229).                                                                                                                                                                  

 

المقدمة

 

إن هذا الكتاب يسعى إلى التعريف بمبادئ التربية ومكوناتها مع مراعاة الأصالة والمعاصرة في العرض والتحليل والتعليق والترجمة. تعليقتنا هذه رحلة جديدة، وتجربة جادة لتأصيل العلوم الاجتماعية وهي لا تخلو من اجتهادات عديدة، ومناقشات متفرقة، وتلخيصات مفيدة، وأفكار مبتكرة، وتعليقات متنوعة، وتحقيقات هامة، ومراجع قيمة. لا يمكن الانتماء إلى سلك التربية والتعليم والتمكن من ناصية بعض فنون التربية بمجرد الإطلاع الموسَّع على الأدبيات التخصصية، ولكن لا بد من إدارك مفاهيم التربية الصحيحة ثم المجاهدة في تجسيدها على أرض الواقع.

أصول التربية Foundations of Education هي القواعد والروافد والأسس الكلِّية التي منها تستمد العملية التربوية أساسياتها النظرية، ونظمها الإدارية، وتطبيقاتها العملية مثل الأصول الاجتماعية والفلسفية والنفسية والدينية والتاريخية والإدارية.

يعيش العالم كله في ظل ظروف متقلبة لا تكاد تستقر أو تسفر عن وضعية ثابتة تتيح للمفكرين بناء سياق موحد للتنشئة الصالحة بل إن خطاب الصراع الثقافي في العالم يتجلى في العولمة ذلك المد المتدفق الذي يغرق فيه من لا يُحسن العوم في شلالاته الهادرة. من هنا تنبع أهمية الخوض في شأن التنشئة بغرض التعرف على قسماتها العامة والتعرض لمسائلها الهامة بدون التعمق كثيراً في إشكالاتها الفكرية المتجددة أحياناً، والجدلية دائماً.

إن الأصول تعني القواعد التي تستند إليها السياسات والأنشطة التربوية، ولا شك في أنها كثيرة وليس هناك من إجماع حول معظم التفاصيل المتصلة بتوصيفها كما أن الأصول متداخلة بعضها مع البعض الآخر ولكن بغرض التبسيط والدراسة يتم عرض كل أصل على حِدة.

إن ظاهرة ترابط العلوم وتداخلها Interdisciplinary تفرض على المربي أن يحيط علماً بأساسيات بعض العلوم الضرورية التي تخدم المجال التربوي فهو لا يستغني عن الإطلاع على مبادئ علم التاريخ لمعرفة أنماط التعليم وآراء المربين سابقاً ولا يستغني عن معرفة أساسيات الدين الإسلامي لأنه لا يمكن أن يقوم بعمله المنشود دون ذلك الإطلاع. وهكذا فإن ثقافة المربي وبرنامج إعداده بشكل علمي يجب أن يُدعّم بمعرفة طائفة من أصول العلوم الأخرى المتعلقة بالتربية.

إن الانفتاح الفكري على الثقافات العالمية يتطلب الالتزام بالاتزان والمرونة في التعامل مع الثقافات وفق التصور الإسلامي الذي يُرحِّب بالجديد النافع ولكن لا يذوب فيه وإنما يصوغه في منظومته المتميزة الخالدة. نحن نعيش في عصر العولمة Globalization أو ما يُسمى "بالقرية الكونية" وبحاجة إلى الانفتاح الواعي المتزن على ثمار العلوم أينما وُجدت ولكن دون أن ننسلخ من إسلامنا الذي فيه عزنا ورفعتنا. بدأت الكثير من الدعوات المخلصة في العمل على فهم العلوم الاجتماعية من منظور إسلامي في محاولة منهجية لتأصيل النافع منها وربطها بالمنابع المعرفية الإسلامية.

لقد كتبنا هذه التعليقة في ضوء الاعتبارات السابقة فتطرق الفصل الأول إلى بعض المفاهيم الأساسية في أصول التربية والتعليم ثم قدمنا في الفصل الثاني بياناً مجملاً لأهم الأصول التربوية وهي: الأصول التاريخية، والدينية، والسياسية، والإدارية، والفلسفية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، وفي الفصل الثالث استعرضنا أفكار نخبة من رواد التربية وجاء الفصل الرابع لذكر الخلاصة والنتائج وفتحنا المجال للقارئ الكريم كي يدلي بدلوه.

يهدف هذا الكتاب إلى التعريف بمفهوم التربية وأهدافها، وضرورتها، وصلتها بالعلوم الأخرى مع إبراز دور التربية في التغير الاجتماعي والتطور الحضاري. كما يهدف الكتاب إلى تنمية الاتجاهات السليمة نحو مهنة التدريس مع تقديم فكرة عامة عن الاتجاهات التربوية المعاصرة في موضوع إعداد وتدريب المعلم والمعلمة، واستعرضنا قسمات التعليم في العالم العربي من أجل تقديم تصورات لمواجهة التحديات.

لا شك أن التربية ليست مؤلفات نكتبها ولكنها حياة نعيشها من وحي استلهام واع للموروثات الثقافية وهذه بمجموعها تتطلب التدريب الدائم والمراجعة المستنيرة للمنهاج والضوابط والآليات والمخرجات. المربي المسلم في مسيس الحاجة إلى جملة أصول تدور كلها حول ثلاث فضائل تشكل معادلة عملية أساسية لتفعيل العمل التربوي وهذه الفضائل هي: فضيلة العلم، وفضيلة العبادة، وفضيلة العدل. تلك الدعائم الحضارية لا يمكن الاستغناء عنها أبداً في كدحنا وكفاحنا وسعينا المستمر في هذه الحياة لإقامة مجتمع العدل البشري المنشود. قال الحق سبحانه: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)" (سورة البقرة).

نأمل أن يحقق هذا الكتاب أهدافه في تنمية الوعي التربوي لجيلنا الجديد ثقافة وقناعة، في محيط الفرد والمدرسة والمجتمع، علماً وعملاً وتعليماً من أجل خدمة الأمة الإسلامية كي تشرق بشمس حضارتها وتتسع شأواً وشأناً بآفاق إسهاماتها.

الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي هَدى الُعقُولَ لِوَضْعِ الأُصُولِ لِلعارِفِين، وَبَعَثَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مِثالاً عَمَلِياً للمُعَلِّمِين والمتَعَلِّمِين، فَأَرْسَىَ فُنُونَ التََّفْكِيرِ، وَهَدَىَ إلى قَواَعِدِ التَعلْيمِ، وَرَسَمَ مَعاَلِمَ التَّرْبِيَةِ الَّرَشِيدَةِ لِتَكُوْنَ رَحْمَة لِلعَاَلَمِيْنَ، وَحُجْة إلَى يَومِ الدِّيْنِ.

د. لطيفة الكندري              د. بدر ملك

كلية التربية الأساسية - الكويت

 

 



1 (رواه الدار قطني في الإفراد انظر صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1 ص 461).

2 وفي رِواية "كلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" (انظر الألباني، صحيح الجامع الصغير، ج1، رقم الحديث: 4511، ص 830، والحديث رقم: 4561، ص 837).