وداع....

----------------------------------------

 

قصة حُبٍ بَين عَاشقين ...بعيدة عَني قدر الإمكان
لا يهمني إن افترقا ... ولا يَعنيني إن اجتمعا
من منهما قد خسر الرهان .. ومن منهما ربح الامان َ
لكن ما علق بمخيلتي .. وما لبث أن احتل قلمي
هو ذاك القلب الذي عشق .... هو ذاك الحُب الذي غرق...
له سَأكتب ... وله سَألوم وأعتب ...

...

بعد تلك الليلة التي أعلنتَ فيها الرحيل
واختصرتَ طقوس الوداع الاخير
وافترقنا بقولك: " كوني بخير"
عدتُ وانا اشعر كأن المدينة خالية من الناس
لا أسمعُ الا وقع خطواتي ونبض قلبي
ولا ارى الا  شريطا طويلا من الذكريات
يمتد عبر المدى...
بمدى العمر الذي قضيناه معا !!

اقاوم الرغبة في البكاء
واستنشق هواء رغبة التحدي!
أنَّ ما حدث مجرد هراء
وبأنه مستحيل ان نفترق...

اترقب ان يرن الهاتف
ان تخبرني ان الرحلة قد الغيت...
فاشعر كأني مريض في غرفة الانتظار
وهناك من يخبره ان الطبيب الغى الموعد
ورحل في مهمة ...
فيتسائل في ذهول: "هل استطيع احتمال الالم"
فيدعو بالصبر الجميل...

لقد كان ليل طويل
تصورت انه لن ينتهي
والشمس بدأت تشرق
وانا ما ازال أتقلبُ
ذات اليمين وذات الشمال
مرة في برد الجفا

 
ومره في حر الشوق
وعيناي مغمضتان
ترفضان ان تعترفا بنهاية الحلم !

وقضيتُ اليوم في صلاة ودعاء
"ان يحفظك الله وان يـُـصبرني"
فانا لا املك الا ان أحبكَ
وارى في قيد حبك مصدر حريتي
اشعر انك قدري...


وفي المساء التالي كل انواع المشاعر تتصارع
مع قائمة الاسئلة
فكنت انتَ محوّر الحديث بين القلب والعقل
يقول عقلي:
" اعترفي انه يحبك ولكن ليس بالقدر الذي تحبينه
فحبك له يشبه حب الام لطفلها الوحيد تخاف عليه
و تفديه وترى حياتها في استمرار حياته...
وحرصك ِ عليه يشبه حرص الفقير
على فتات الخبز لانه ذاق مرارة الجوع...
وخوفك عليه كخوف التاجر على ضياع
راس ماله الذي افنى شبابه في جمعه...
اما هو فيراك أمـا ً متى ما شـبَّ تمرد على حضنها...
وحبه لكِ حب عاشق يرى في كل فتاة حبيبة وفتاة أحلامه...
علاقته بك كعلاقة المريض بالدواء...
وحرصه عليك, كحرص الخائفِ على مصباحه من الظلام  
فمتى  اشرقت الشمس اهمله..."

ثم اتسائل بعنف يكاد يـُـفجّـر راسي الصغير
" الى متى سيرحل بك الوهم ؟
اخشى ان تفيقي وانت في صحراء الندم
تحفرين بئر السراب وتنتظرين سحابة صيفٍ  ...
الى متى تقبلين فتات الحب وتقنعين بوعد الانتظار ! "
فينتفض قلبي مزمجرا ... يكاد يحطم الضلوع
لا تحاولي فلقد أعلنتُ استسلامي
ورفعتُ الراية البيضاء واعترفتُ بسلطانه علي
وايقنت انه سبب نبضي وانه دم شرايني
وانت بدون هذا النبض والدم لا تستطيعين ان تفكري...

وهكذا يمضي المساء
حوار يتلوه مداولة...
واستعراض ادلة...
واستدعاء شهود...
وتاجيل واستئناف ...
واعادة فتح القضية...

في غياب المتهم !

والقلب محامي الدفاع
وانا المجني عليها
امارس الصمت والبكاء
لصباحات مملة وطويلة
احاول الخروج من شرنقة التفكير بكَ
فأنتَ اصبحت جزءا ً من الهواء الذي اتنفسه
وبطل حكايات ويومي...
كل الاشياء تخلع على نفسها الحنين اليك
ثياب اللقاء ما تزال معلقة...  تترقب دخولك...
العطور واقفة لترحب بك ...
احاول ان أبدأ  يومي بدون ان تخطر على بالي
فتنتابني عاصفة البكاء... اغسل وجهي مرات ومرات
وانا اتسائل ما الذي كان عليّ  فعله ولم افعله لامنعك من الرحيل...
كنت دائما اصل الى جدار الصمت كلما تسابقنا في الحوار
ما جدوى التشبث بالوهم والاصرار على السراب
ونحن يقتلنا العطش ؟!

تتراقص الاشجار امام نافذتي تـُـطربها اهازيج الرياح
وتلوح باغصانها الى سحابة الصيف العابرة
ينقلني منظرها الى محطة القطارات
والايدي الملوحة بالوداع على امتداد الرصيف
والصمت سيد الموقف... الا من همسات وانين ...
لا يقطعه الا صوت القطار
وكأني ارى القطار يرحل بك وانا الوح بيدي
كم تمنيتُ  لو كان الوضع معكوسا !!
وتمنيت ان ارى في عينيك رجاءً  كالذي كان في عيني
كم تمنيتُ ان تمدّ يدك لتاخذني معك او تعود بي
فتذوب جبال الشك التي تراكمتْ  في غيابك
تمنيتُ ان ارى دمعةً واقفة في احداقك
وانت تلوح لي بالوداع...
امنيات فقط !

وها انا اقف وحدي احدث الريح
انها امنيات لا اظن انها خطرت في بالك
لم تكن  قبل اليوم تهمني قراءة الابراج ولا خطوط الفنجان
ولا خطوط يدي... ولكن في هذا اليوم اراني مـصـرّة
على البحث عن البرج المفقود والحظ الموعود في صحف الصباح...

اشرب قهوتي ساخنة
بعد ان كنا نشربها باردة...
يلهينا عنها شوق اللقاء
وحدقت في الفنجان
وتتبعت الخطوط السوداء
لعلها تقول لي  شيئاً
او توحي باشياء ...

وقلّـبت كفي ابحث عن مستقبلي معك
فاستيقظت الاسئلة المعلقة على مشانق الصمت
خرجت مشاعري في ثورة عارمة ضدك وضد ما تمارسه من ارهاب
يثير الفوضى في عروقي وتخرج مـُـحوّلة ً علامات الاستفهام
الى مطارق تدق بصوت عال صارخة " اريد جواب"  !!
فاشعر بالارهاق والاختناق .. اشعر بالغباء !

في هذا اليوم صحوت على حقيقة الفراق...
لقد كنت واضحا معي...
اختصرت مشاعرك في كلمتين
واوصيتني بنفسي خيرا في كلمتين
وانتهى وجودك من حياتي في كلمتين
وكان صمتي دفاعي ... واحتجاجي الوحيد!
لاول مرة اشعر بعدم جدوى الكلام !
وان البركان الذي يتفجر  لك حبا
اعتلت قمته ثلوج الشتاء
وان كل حفلات التوديع وانزال الاعلام
وابواق الفراق لا تعدو ان تكون تهريج
 

لعلها المرة الوحيدة التي اكتشف فيها حقيقة الوهم
واننا اصبحنا غريبين في محطة قطارات الفراق
احدهما اتجه شرقا والاخر غربا
في خطين متوازيين لن يلتقيا ابدا
هكذا شئت انت ولم اشئْ...

في هذا الصباح تفقدت وجهي الجديد
اكتشفت ابتسامتي انا ... ودمعتي انا
ورغبتي انا...ولوني انا...وذوقي انا
وعطري انا ... ومشاعري انا...

فحتضنت نفسي ورايت العالم من جديد بعيني انا...
وغضضت الطرف عن هذا الجرح الكبير الذي يـُـشوّه معالم وجداني
وتركته للزمن ليكفنه بالنسيان...
فهل سيحالفه الحظ بالنسيان ؟
ومن غيرك سيملأ المكان ؟
اسئله اتركها للزمان !

 


 

باحترام : علاء الدين

31.02.06

 

  جميع الحقوق محفوظة لـ  علاء الدين دياب
:: ©2008-2000 alaadin.200u.com All rights reserved ::