أهمية السفر :

بدأ الكتاب المقدس بسفر التكوين الذى أعلن حب الله اللانهائى تجاه الإنسان ، اذ خلق لأجله كل شئ وأودعه سلطاناً ووهبه كرامة هذا قدرها .. لكن سرعان ما تبدل المنظر وتشوهت الصورة وظهر الإنسان الخارج من الفردوس مطروداً، مهاناً ، يحمل على كتفيه جريمة عصيان مرة ، يخاف من لقاء الله ، ويهرب من وجه العدالة الألهة ..

لكن شكراً لله الذى لم يترك الإنسان يعيش فى هذه الصورة التى بعثتها الخطية بل ختم كتابه بسفر الرؤيا مقدماً لنا صورة مبهجة : باباً فى السماء مفتوحاً ، وفردوساً أبدياً ينتظر البشرية ، وأحضاناً إلهية تركض مسرعة تجاه البشر ، وقيثارات سماوية وفرحاً وعرساً سماوياً من أجل الإنسان !

يا له من سفر مبهج ولذيذ ، يليق بكل مؤمن أن يمسك به ويحفظه فى قلبه ، ويسطره فى أحشائه ويلهج فيه ليلاً ونهاراً، فهو سفر الرجاء ، سفر النصرة ، سفر التسبيح ، سفر السماء !

[1] سفر الرجاء :

من يلهج فى سفر الرؤيا يتكشف حقيقية العبادة المسيحية ، أنها ليست مجرد واجبات تنفذ أو طقوس تؤدى ، أو أوامر ونواه تراعى .. لكنه يرى خلال هذه كله أيد إلهية خفية تسرع نحوه لتستقبله وتحوطه وتنشله وترتفع به نحو السماويات ليعيش شريكاً فى المجد الأبدى ّ

من يتذوق سفر الرؤيا تتحول اصوامه مهما كثرت ، وصلواته مهما طالت ، وسجوده مهما زاد ، وزهده .. وحرمانه.. وتركه .. وآلمه .. وصلبه كل يوم ، إلى فرح وبهجة وسرور لا ينطق به . اذ خلال هذه السفر يهيم فى الحب الذى يربط الخالق بخليقته ، والمنتصرين بالمجاهدين ، والسمائيين بالبشرين ، عنذئذ ينسى كل آلم وكل ضيق من أجل هذا الحب الخالد !

[2] سفر النصرة :

وحينما تدخل النفس فى سفر الرؤيا كعروس تزور جنة عريسها ترى فيه فردوساً مبدعاً ومجداً مذهلاً معداً لأجلها .

هناك تصادق عريسها وتصطحب خدامه السمائيين وتهيم فى جو السماويات فى عذوبة وحلاوة .. عندئذ لا تخاف دهاء عدوها " أبليس " ولا تضرب منه اذ تدرك قوة عريسها وتخطيطاته وتدابيره ومقاصده تجاهها .

[3] سفر التسبيح :

واذ يختلس القلب وقتاً هارباً من الأصوات الخارجية والداخلية ، ليدخل مع العريس فى داخل السفر فى هدوء وصمت.. هناك يسمع أصوات تسبيح وترنيم ! فيتعلم لغة السماء : لغة الحب والفرح .. لغة التسبيح غير المنقطع .

والجميل أنه لا يسمع تسابيح غريبة بل يحسن أنه سبق أن تعلمها فى بين أمه "الكنيسة" اذ يسمع " تسبحة موسى، وتسبحة الحمل،وتسبحة الثلاث التقديسات.."وهذه وغيرها لا تكف الكنيسة عن أن تدرب كل قلب على اللهج بها كما سنرى.

[4] سفر السماء :

وعندما ينسى القلب كل ما يدور حوله وينسحب من بين كنوز العالم ليدخل إلى سفر الرؤيا يبهر مما يرى فيه من كنوز.. يرى أمجاداً سماوية قدر ما تحتمل الألفاظ من أن تعبر : يرى حجارة كريمة وأكاليل ذهب وثياب بيضاء.. فيربض القلب هناك ولا يقبل أن ينحط مرة أخرى إلى الأرضيات. يبيع كل لآلئه ليقتنى اللؤلؤة الكثيرة الثمن .

Text Box: 1 


السفر الحافل بالتطويبات فـتـقـرأ بين سطوره طوبى للذى يـقـرأ والذين يسمعون   رؤ 1 : 3

 

طوبى للأموات الذين يموتون في الرب

رؤ 14 : 13

طوبى لمن يسهر و يحفظ ثيابه

رؤ 16 : 15

طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف

رؤ 19 : 9

مبارك و مقدس من له نصيب في القيامة الاولى

رؤ 20 : 6

طوبى لمن يحفظ اقوال نبوة هذا الكتاب

رؤ 22 : 7

طوبى للذين يصنعون وصاياه

رؤ 22 : 14

كاتب السفر :

أجمعت الكنيسة الأولى على أن كاتب السفر هو القديس يوحنا الحبيب الأنجيلى ويظهر صحة ذلك من :

(1)   ما ورد فى كتابات الكنيسة الأولى اذ نسبت السفر إلية .

(2)   أنه هو الرسول الذى كان معتبراً فى كنائس آسيا الصغرى المذكورة فى السفر .

(3)     يؤكد لنا التاريخ أن يوحنا الحبيب نفاه الأمبراطور دومتيانوس إلى جزيرة بطمس التى شاهد فيها الرسول رؤياه (9:1).

(4) بالرغم من إختلاف موضوع هذا السفر عن إنجيل يوحنا ،لكن وردت ألفاظ خاصة بالسفرين دون غيرها مثل "الكلمة ، الحمل ، الغلبة .. " وتكررت فيهما كلمة " الحق " .

(5) ذكر الرسول إسمه صراحة أربع مرات فى هذا السفر ولم يخف إسمه ، وذلك لأنه يتحدث عن نبوات. فمن أجل الثقة فيها يلزم معرفة الكاتب الذى أوحى إليه بها الله ، أما الأنجيل والرسائل الثلاث فلم يذكر إسمه فيها إتضاعاً .

مكان كتابيه :

فى جزيرة صغيرة على بعد حوالى 25 ميلاً من شواطئ آسيا الصغرى ( تركيا الحديثة ) تسمى بطمس أو بتمو، وتدعى حالياً " بتينو " ، كتبها الرسول وهو منفى (9:1).

وترى قلة من العلماء أنه سجل رؤياه التى رآها فى المنفى عندما عاد إلى أفسس. ألا أن هذا الرأى لا يستند على دليل، خاصة وأنه أمر بكتابة ما يراه بغير تأخير (10:1،11) .

ويوجد فى هذه الجزيرة كهف يقول عنه سكانه أنه مسكن الرسول أثناء نفيه.

زمان كتابيه : ترى الأغلبية أنها كتبت بعد خراب أورشليم حوالى سنة 95م ويقول القديس ايريناؤس عن هذه الرؤيا أنها أعلنت فى نهاية حكم دومتيانوس .

أهتمام الكنيسة به :

بالرغم مما أثاره بعض الهراطقة مثل مرقيون من جهة قانونية هذا السفر ، لكننا نجد الكنيسة منذ القرون الأولى تعطيه اهتماماً خاصاً لذلك قام بعض الأباء بتفسيره أو كتابة مقالات عنه منهم : الشهيد يوستينوس ، أيريناؤس ، ايبوليطس ، ميلتون ، فيكتوريانوس ، ديوناسيوس الأسكندرى ، ميثوديوس ، باسليوس الكبير ، غريغوريوس النزينزى، كيرلس الكبير ، جناديوس ..

صعوبته : يعتبر سفر الرؤيا أمراً عسيراً للأسباب :

[1] بكونه سفر نبوى (رؤ7:22) وهو الوحيد نبوى فى العهد الجديد .

[2] يتنبأ عن حقائق روحية سماوية ، لا يُعبر عنها بلغة بشرية، لهذا جاءت فى أعداد ورموز وألوان وتشبيهات.

Text Box: 2[3] تحدث عن أمور لا شأن للمؤمن أن يدرك دقائق أسرارها ، ولا غنى له عن التعرف عليها فلو عرف الأزمنة أو الأوقات لأصابه الخمول أو اليأس ولو لم يعرف ما سيتعرض له من ضيقات أثناء جهاده لأصابه يأس وقنوط.

لهذا يقدم لنا سفر الرؤيا الأحداث بالقدر الذى به يلتهب القلب غيرة ويمتلئ رجاء دون أن يبحث عن أزمنة أو أوقات أو يهتم بمجرد حب الأستطلاع للحوادث المقبلة .

(4) حملت كلماته معان عميقة ، وقف آباء الكنيسة فى دهش أمامها !

فقد كتب القديس ايرونيموس إلى الأب بولينوس أسقف نولا يقول ( أن أسرار سفر الرؤيا كثيرة قدر ألفاظها . فكل لفظ يحمل فى طياته سراً. وهذا قليل بالنسبة لسمو شرف هذا السفر ، حتى ليحسب كل مديح له قليلاً . لأن كل كلمة فيه تحمل معان كثيرة . واننى أمتدح فيه ما أفهمه وما لا أفهمه ) .

ويقول عنه البابا ديوناسيوس الأسكندرى ( مع أنه يحمل فكراً يفوق أدراكى الأ أننى أجد فيه الحاوى لفهم سرى عجيب فى أمور كثيرة ..

وبالرغم من عجزى عن فهمه غير أننى لا أزال أومن أن هناك معان عميقة وراء كلماته . فاننى لا أقيس عباراته ولا أحكم عليها حسب قدرة ادراكى بل أتقبلها بالإيمان وببساطة . أنظر إليها أنها حلوة ولذيذة لفهمى. فلا أرفض ما لا أفهمه بل بالأكثر أقف مندهشاً أمامه .. )

مفتاح السفر :

فى هذا السفر يرافق الروح القدس النفس البسرية فى طريق الأبدية كاشفاً لحواسها الداخلية أن ترى وتسمع وتتلامس وتـتـقـوى حتى تبلغ إلى العرس الخالد !

[1] فيبدأ باظهار " باب مفتوح فى السماء " لنصعد إليه بالرب يسوع الحمل القائم كأنه مذبوح .. وماذا نرى !

[2] نرى أولاً " حال الكنائس السبع " التى تكشف عن مقدار الضعف البشرى وقوة عمل النعمة فى الكنيسة .. وهنا يتقدم الرب يسوع ليعلن أنه هو العلاج الوحيد لكل ضعف فينا .

[3] ثم يرتفع بها كما بجناحين حمامة تجاه الأبدية فى طريق الصليب .. طريق الألم .. لنرى الخروف يفتح "الختوم السبع " معلنا عن حالة حرب دائمة بين الله المهتم بأولاده والشيطان الذى لا يكف عن محاربة أولاد الله .

[4] ونسمع " الابواق السبعة " معلنه انذرات الله تجاه البشر حتى لا يقبلوا أضاليل إبليس بل يكونوا مرتبطين بالرب، كما تعلن عن قوة المرأة الملتحفة بالشمس ضد عدوها التنين ومن يثيره " الوحش البحرى والوحش البرى " .

[5] وترى " الضربات السبع " لتأديب الأشرار لعلهم يتوبون ، كاشفاً عن الخراب الذى يحدق بالزانية وعشاقها ..

وفى كل مرة تتكشف النفس على مرارة تعم البشرية ، أو ضيق ينتاب المؤمنين ، للحال يظهر شخص الرب يسوع فى صورة أو أخرى يشجع ويعزى ويقوى أولاده حتى يتمموا جهادهم بسلام .

[6] وأخيراً يدخل الروح بالنفس إلى " أورشليم السماوية " لترى وتُبهر مما لأبد أن يكون من أجلها .. ما أعده الله للبشر ، كما ترى بعينيها إبليس عدو البشرية منطرحاً فى البحيرة المتقدة بالنار .

  أقسام السفر

أولاً : الكنائس السبع

1 ـ 3

ثانيا : الرؤى النبوية

4 ـ 20

ثالثاً : مجد أورشليم الساوية

21 ـ 22

ملاحظة هامة :

Text Box: 3كثيرون شوهوا سفر الرؤيا بتحويل تفسيرة إلى البحث عن تفاصيل حوادث مقبلة وأمور ليس لنا أن نبحث فيها تاركين المعانى الروحية السامية التى يريد الرب أن يعلنها لنا لنحيا بها وننمو روحياً ، لا أن نقيم من أنفسنا أنبياء لنرى أو نعلن ما يمس حياة الإنسان وخلاصة ، حتى لا نسمع ذلك التوبيخ " أعلمونا المستقبلات ، أخبروا بالآيات فيما بعد فنعرف أنكم آلهة " (أش22:41،23) .