قصيدة لكل شىء

(1)

لا يمكنَنى أن أبكَى ألفَ عامٍ

على أطلالِ الصداقةِ

وأيامَى الحلوة السابقة

وأبوابُ المدارس التى فتحت لى

كراريسَ الحياة وعلمتنى

أن الصداقةَ تحفةً تتألقُ مع الزمن

فعندما يأتى صديقٌ إلى هنا

سيجد زراعىَ مفتوحتين كمنتجع سياحى

ترسو فيه طيورُ البجع والنوارس

(2)

ولدتُ منذ واحد وعشَرينَ عاماً

مع قلمى وفنى

وسأموتُ على جسد ورقتى التى إحتضنتنى

إن مسألة عشقى للكتابة

هى كعشق البدوى للصحراء

والقهوة السوداء

وعزف الربابة

(3)

لاأريدُ أن أكتبَ سيرتى الذاتية

فسيرتى تركتها نائمةً فى رسائل أحبابى

وقصائدَ أصحابى

تصحو عندما تصحو عصافير الصباح

وتنامُ عندما تنام سناجبُ الغابة

تراها وديعة وحالمة كلوحات بيكاسو

ومايكل أنجلو

وليوناردو دافنشى

وتراها صاخبة ولا تقبل التأجيل كأغنيات البيتلز.

(4)

ليست كتابةُ القصَيدة صناعة

كصنع الحلَوى والفطائر

فميلادُ القصيدةِ يصاحبُه مخاضٌ شديدٌ

يلمُ بوجدانِ الشاعر

وعقل الشاعر

وإحساسُ الشاعر

يتطلب نقلاً سريعاً إلى معمل

تحميض الكلمات

وترتيب سيناريو المشاعر

فألف مليون ثائر يترقبونَ

قصيدةُ الشاعر

ودمعةُ الشاعر وآهاتُ الشاعر

فمصيرُ شعبٍ قد يعلق

على شماعة قصيدةٍ

تأنفُ مِقصلةُ المجازر

(5)

لم أُحب يوماً فى حياتى

إنسانة غير أمى

ولو أحببتُ بكل معَانى الحب

لتساقطت الكَلمات من قلمى

كما يتساقطُ الزهرُ والياسمينُ فى سِلال الحب

قصائدى التى كتبتها عنه

هالةٌ نورانيةٌ أشعرتنَى كيف بالحبِ

يكونُ الإنسانُ إنسان

أقلتنى طائرتهُ من مجاهلِ أفريقيا

وغاباتِ الأمازون

إلى حدائق الأندلسِ وغوطة الشام

ومن عصر البداوة

إلى عصر الحضارة والسلام .

(6)

يعُجبنى فى الغرب اللا خوف من النظام

وعيون النظام

وأعوانِ النظام

فالحديثُ عنه فى بلادى

يشبه الإصابة بالزكام

والسخام أو الجذام

فهنا موزونٌ عندنا الكلام والنظر

ومستصغر الشرر

خوفاً على الناس من تعب الكلام

والإنفصام والضرر!!

(7)

عندما وجدتُ محطةَ السفر

قد أغلقت أبوابَها أمامى

معلناً القطار بصفيره موت آخرُ أحلامى

والرفاقُ يلوحون بأيديهم لى من بعيد

أحسستُ أن قدرى كتبَ لى

أن أكونَ وحيداً وأن أمضى وحيداً

فى بلدتى التى عنها لست غريباً

وصرتُ فيها بعد ذلكَ غريباً

لم يأتِ للأسف زميلاً واحداً ينقذنى

من هذا الحزن

ولا أباً ينتشلنى من اليم ويفتح لى أى حضن

كانت كل الرماح وجهت وحدها إلى صدرى دون سبب

لأسيرَ إلى المذبح كيسوع

لا أملكُ غير قلمى وما كتب..

(8)

لم ازل أحلُمُ بقربِ حبيبةٍ

تنزاحُ همومى وشجونى

حين تتلاقىَ عيونها بعيونى

تكونُ ربيعى وشتائى

ورومانسيتى وجنونى

تكونُ أقربُ من نفسى على نفسى

ومن شكى وخوفى وظنونى

(9)

الموسيقى هى سلاحى الوحيد تُرجعنى طفلاً صغيراً فى لحظات

وشاعراً راشداً فى آنٍ واحد

لغتها واحدة

وكلمتها واحدة

فهى لا تغش بأوراقِ اللعب

ولا تلعبُ بأوتارِ الأعصاب

وإن إختلفت أصواتها

كصلوات المعابد

(10)

من أين نرثىَ هذَا الوطن؟

من أين نرثَى هذا الطفل الباكى؟

والقوافلُ مضت كلهَا بلا ثمن

فكل الكلماتُ أرخص

أن تصفَ هذا الشجن

فعذراً إن كتبنا عنه

فلن يجدِ نفعاً غيرَ رائحة البارود

والسيفُ والكفن

(11)

من أين يكتبُ الشاعر؟

فى عالمٍ غابت عنهُ شمسُ المشاعر

فى وطنٍ هربت منه العصافيرُ

والجمالُ والجبالُ

وقمحُ البيادر

فى وطنٍ ما سمعنا عنه أو قرأنا عنه

غير فى أسطر الدفاتر

فى وطنٍ يخافُ القمرُ

أن يبدى هِلاله

والبحرُ زرقَته

والياسمين ُبياضه

والحب ما عادَ يطلُ حتى

من خلف الستائر

(12)

أنتَ لو نظرتَ الآنَ إلى الغرب

لأدركتَ ما معنى الجَمَال

لا توجه العينين إلى اليمينِ

ولا الجنوب ولا الشمال

أنت لو سِرتَ فى الشوارعِ وحيداً

إلى الحدائقِِ والحانات

والسماء الباسمة لأدركت الفرق

بينَ الحقيقة والخيال

أنت لو لعنتَ نظاماً أو أفراداً

أو بِلت على جدار وزارة

أو سُحبَ من فمك حبلُ الكلام والجدال

أبداً ما عرفت السعادة هناك

طعم الزوال

لنحيا هنا ونموت هنا

ونجد موتنا وحياتنا

أيضاً خيال!!

(13)

شعُبنا هو سابقُ الشعوب

لا فى المجدِ ولا فى الحضارة

بل فى الثرثرة

شعبنا جعل من أبطال الورق إبن الوليد

وأسامةَ وعنترة

شعبنا لا ترهبه أى مجزرة ولا ألف مجنزرة

فالدم متوفر وكثير والأفراد كُثر

والعظامُ إلتئمت بعد أن كانت مكسرة

شعبنا يحملُ فى اليمين غصناً

يسمى غصنَ زيتونٍ

وفى اليسارِ سكيناً

ويعبثُ بألعابِ المفرقعات الخطرة

حسب حالات الطقس وإتساع المستعمرة

(14)

منذ أن بقيتُ هنا

وأنا مصابٌ بالإكتئاب والصداع

لا أعرف الفرقَ بين الوجه والقناع

منذ ان ظللت هنا

وأنا لا أعرف أأسير فى سبيلى

أم أنا ماضى فى طريق الضياع

فقدرى أن أموت وأحيا

وأُبعثُ فى هذا الصراع

(15)

من أين الوصولُ إليك

يا أرضنا المقدسة ؟

أمن أفواهِ البنادق نعبُر

أم من فلول جيوشنا الهاربة

وأعلامنا المنكسة ؟

(16)

دع الشعرُ يجيب فالشعر

لغة الثائرين والعاشقين

دع الشعر يجيب

ماذا وكيف فعل المتخاذلين؟

دع الشعر ينام

فرُبَ الموت أرحم قرب الميتين

فقد يصحو الشعر ذات صباح

فى البيادر بين السنابل والياسمين

(17)

ما يفيدُ الشعرُ فى كلية الأسياخ

والحديد والأخشاب والباطون؟

ما تفعلُ أوراق الشعر جنب

أوراق الشواكل والدولار والمليون؟

أين يذهبُ العطف والنصب والجر

فى كلية لا تعرف غير الجزم!!

(18)

كيف يمكننى أن أكتبَ الشعرَ بالأرقام ؟

كيف يمكننى أن أصهرَ المَعادلات

فى بوتقة الشعر لتصير لوحةً من الكلام ؟

كيف يمكننى أن أحول هذا الضجيج

إلى موسيقى الحب وهديل الأحلام

كيف يمكننى أن أكون شاعراً

ناراً وثلجاً فى آنٍ واحد ؟

واحةً وصحراءاً فى آنٍ واحد ؟

رومانسياً وثورياً ؟

حكيماً ومجنوناً ؟

وفياً وخائناً لكل الأشعار التى كتبتها

لكل اللوحات فى طفولتى التى رسمتها

لكل القصائد التى حفظتها

أمام طموحى الزاهد!!.

عودة الى ديوان الشمس العذراء