أناشيد من صمت المدينة الحزينة

(1)

وأسرعتَ مِن صمت المدينةِ تهاجر

وطيفٌ فى خيالك

نحو عالمٍ بعيد

يسابقك لتسافر

تصفرُ رياح الشتاء

من الأزقة مودعةً ذكرياتٌ

ركضت على هذهِ الشواطىءِ

لتعرف كل طيور العالم

رائحةَ ليمون هذا البيادر

لم يبقَ فىِ هذهِ المدينةِ

غير صمتِ المدينة

يشدُ بأحزانهِ

أشجارَ البرتقالِ السجينة

بدموعٍ تتساقطُ وتكابر

(2)

خذنى مطراً يتساقطُ

على قرميدِ قلبك الوحيدِ

خذنى وتراً فى جيتارٍ

يهز قصيدتىِ بلحنها الفريدِ

خذنى سفراًإلى سفرٍ فوقَ السحابِ

لمكانٍ بعيدٍ بعيدِ

خذنى أنشودةً يتصدعُ لترنَيمَها

معبدُ يأسىِ الرقيدِ

خذنى سوسنةً تعيدُ لقلبىِ

إبتسامىِ الشريدِ

(3)

بعُادُ المكانِ,بعادُ السفر

يطيرُ طائرُ الشوقِ من نافذتكَ البعيدة

ويسكنُ فى قلب أمك

ينقشع لإبتسامهِ غمامٌ فىِ المدينةِ

وألمٌ فى صدرِ همك

لنمضىِ فى الحياةِ ونسير

كما يحيا حولنَا الكثيرُ..الكثير

لتلدنا القصيدة ُمن رحمها

كما يلدُ تشرينَ الزهور

من قلبِ الصخورِ

لنتثبث بحبلها رغم الرماحِ

فى صدورنا

لنستأصل جذورَ الصمت

ونموتُ كما تموتُ الأشجارُ واقفةً

ولا نخشى صمت الموت

(4)

يا إبن أمى...

أنا فقط إنسان

أريدُ أن أرىَ للزمانِ ألواناً

غير هذه الألوان

أريدُ أن أعزفَ على جيتارِ الشعرِ

غير هذه الأحزان

أريدُ أن أحيا وأموت كريماً

فى كنف الأوطان

يا إبن أمى...

لأننى إنسان

آنفُ أن أكونَ إمعةً فى حاشية السلطان

آنف أن أفُقدَ قصيدتى عذريتها

لأثمُلَ من دمَها

وأغرسُ فى نهَدها السنِان

لأننى إنسان...

أريدُ أن أرىَ رحيلَ زبانية الشيطان

أريد أن أصحوُ من هذا الهذيان

فقد أنفتُ كل أشكالَ الهوان

وسئمتُ كل ألوانِ الطغيان

غادرتنا الطفولة الجميلة

بلا إستئذان

دونَ أنَ تتركَ فى أيدينا كأطفالِ العالمِ

الألعابَ والحلوىَ والهدايا والبالونات

لم تترك غير البنادق ورائحة البارود والدم

تعبقُ هذَا المكان

وتشتتَ حلمٌ صغيرٌ فىِ الحقولِ

لتهب رياحَ كانونَ وتكَسرَ هذهِ الأغصان

كيف يمكننى أن أحيا فى مكانٍ

قد جهله المكان؟

كيف يمكننى أن أقبعَ فى زمانٍ

قد نسيه الزمان؟

فشلومو قد يذبحنا فى الصباحِ

وقد يفجرنا فى المساء

فكل ذلك قد خرجَ عن طى الكتمان!!

كيف يمكننى أن أرى عدنان

يذبحُ غسان ويلقى به خلف القضبان

كيف يمكننى أن لاأحملَ مشاعرى

على كتفى لأفجرها كالبركان

لأننى إنسان...

آنفُ أن أنكَر أنى إنسان

بلا يدين وعينين ولسان

آنفُ أن أحيا فى مكانٍ

تهجرهُ العصافيرُ خوفَ النيران

(5)

أنت فيكَ حُلمٌ غادرنى

ذاتَ صباح لأقول..

يا أمى قد يمضى عنى القطار

يا أمىِ قد قارب أن ينتهى

هذا النهار

لكننىِ أمكثُ كأشجارِ الخريفِ

كما تنتظرُ سنابلَ الحقول الربيع

وكما تشتاقُ أمواج البحرِ

لطيور النورسِ وقت المسَاء

حتى إذا ما غاب عنى الأصدقاء

وإنطفأ بريقُ الزجاجُ المضاء

أشعرُ أن صمت المدينة

أطبقَ على صدرى

أسيرُ تحتَ أضواء الشوارعِ وحيداً

أقولُ:ذاك بيتُ صديقٍ سافر عنى

أقولُ:ذاك بيت رفيقٍ

بعُدَ حلمُه منَّى

ليبقى الحزنُ على أوتارى يغنى

يا سحابُ:خذنى ذات صبَحا

وإصعد بى جبلاً وسفَحا

لعلى أشعرُ أن المكانَ لم يعد

يضيقُ على هذا المكان

لأرى أن لى عنواناً غير هذا العنوان

وقتها سأدرك أن الله

لـم يرم بىِ فىِ غياهب النسيان

إهداء إلى أحمد

السبت 11-1-1997

عودة الى ديوان أناشيد من صمت المدينة الحزينة