هل تسمَع صهيلَ أحزانِىِ
(1)
فىِ كل عامٍ...
يصفرُ أمام أعينى
قطارُ السفر.
يقفُ عند المحطة ويحملُ معَه
أخاً لى,صديقاً لى ويمضىِ به
كما يمَضىِ السحابُ بالمطر.
فىِ كل عامٍ.
تطرقُ رياحُ الوداعِ
أبوابَ كآبتىِ
نوافذ رتابتىِ
وتتركنىِ أسيراً
فى متاهاتِ الضجر.
فى كل عامٍ...
أسمعُ أغنيات فراقٍ
يعزُف لحنُها
من جيتارٍ ممزق الوتر.
وحدَىِ أنا...
فى المحطةِ هنا...
أنتظرُ قطاراً سافرَ عنَى
لم يترك لى محطةً
لاعنواناً, لاأثر
أبكىِ بلا دموع
وحلمٌ فرَ منىِ بلا رجوع
وقلبٌ فى الظلامِ هوَى وإنكسر
لم يخلق قلبى يوماً
من حجر!!
تغادرُ أحلامهُ
تسافرُ أحلامهُ
وأحبابٌ تفرقوا
كما تغادرُ العصافيرُ
مساكن من شجر
(2)
كم وددتُ...
أن أتركَ كوخىِ القابع
فى غابات أحزانىِ
وأمضى مسافر
أرى جبالاً تسيُر جنبىِ
سنابلُ قمحٍ تلوحُ لـىِ
من الحقولِ مودعةً
ودموعُ برتقالٍ سالت
من أعين البيادر
كم وددتُ...
أن يحملنى السحابُ
من هذا الضبابُ ويمضى بى
إلى جزيرةٍ لا أعرفُ مكانها
إلى مدينةٍ لا أذكرُ عنوانها
لا أعرفُ وجوه سكانها
وأمكثُ فيها إلى الأبد
بلا إياب
كم وددتُ....
أن تصبحَ أحلامىِ حقيقةً
لاوهماً ,لاخيالاً,لاسراب
كم وددتُ وددتُ
كل الأمانى لم تجدِ غير الإنتظار
كل الأغانىِ لم تبن غير جسورِ إنتحار
(3)
غريبُ المكان أنا
أتوهُ فى كل شوارع الوطن.
غريبُ الزمانِ هنا
كل قصائدىِ التى أكتبها
إيقاعها ممزوجٌ بدمعٍ وشجن.
غريبُ الأصدقاءِ
أنتظرُ اللقاءِ
مالى مرفأٌ ولا شجن.
أنبأتنى الحياةُ,أنَ الحياَةَ مسرحٌ
لانهائى الأحداث والأدوار
وأننا دمىً بخيوطٍ
تحركها أيادىِ القدر والزمن.
(4)
كلُ ما أريدُ من هذا العالمِ
أن يسيرَ وحده
ويتركنا نسيرُ معاً.
ننفضُ عنا غبار الأيامِ
نتخطى دروب الألم.
أريدُ أن تكونَ إبن أمى
لأكونَ إبن أمك.
أزفُ فرحى بفرحك
أقشعُ غمامَ همَّى وهمَّك.
أريد أن تكونَ دوماً بقربى
لأشعرَ أن مشوارىِ ليس طويل.
أريدُ انَ تسيَرَ بجنبىِ
لأرى أن لا شىء مستحيل.
أريدُ أن أُحيىِ إسمكَ
فى ربوعِ قصائدى
بكل معانىِ الإِحساس.
أريدُ أن أرىَ من عينَيك
أنوارَ شموع معابد
وليالٍ قداس.
أريدُ وأريدُ لك
كل ما تحلمُ بهِ
أفئدةُ الناس.
فماذا تجدينى حياتى
إن غبتَ أنتَ..
إن رحلتَ أنتَ..
إن مِتَ أنتَ...
(5)
عُد بذاكرتك قليلاً للوراءِ
لتنظر كم كنا صغاراً
أطهاراً أبرياء
كانت الشمسُ تشرقُ
كل صباحٍ فى أعيننا
والنجومُ تشعُ لنا
كل مساءٍ
بأنوارٍ حمراءَ وبيضاءَ
والبحرُ تداعبُ أمواجهَ
رمالاً لهونا فوقهَا
بنينا منها أشياءاً وأشياءَ
وعرائسُ البحرِ
تقفُ على الصخورِ
وقت الغروبِ
وتعزفُ لنا ولطفولتنا
ألحانَ غناء
ومشاعرنا تحلقُ واحدةً
تلو الواحدة
فى فضاءٍ
لانهائى الأضواء
وقوس قزح يزدانُ كل صباحٍ
كلما رآنا نبتسمُ ألواناً وبهاء
والطرق تزدادُ إتساعاً
كلما سرنا فيها
والصداقة تعود شباباً
ونضاراً ووفاء
(6)
هنَا الزمانُ مالَه
إقامةً عندنا ولا مكان
أرصفةُ الشوارعِ الصامتة
تطلقُ مع رياحِ الشتاءِ
صفيرَ الأحزان
وبيوتنا التِى يطمرها النعاسُ
والضبابُ والجدران
هنا محظورٌ أن يسمَى
الإنسانُ إنسان
محظورٌ السيَر فِىِ الشوارع
عند الحانات
والكنائس
والمقاهى
وجدرانُ الجوامع
محظورٌ أن ترىَ الجبالَ
السهولَ الهضابَ الوديان
محظورٌ الأقترابُ من الماء
التحليقُ فى الفضاء
تنفسُ الهواء
دونَ أنَ تتركَ عنوان
فهنا يحيا المرءُ دون عينين
دون لسان
دون يدان وكيان
فالحزنُ يعزفُ ألفَ سيمفونيةٍ
لانهائية الألحان
والوقتُ عندنا لايهم
سواءَ كانَ آبَ, تشرينَ, كانونَ
حزيران
فكلهُ حزيران
وكله أحزان
فكُلُ طعمَ الأيامِ هنا
طعمها واحد
وكُل فصول العام عندنا
وجهُها واحد
وكل الوقائعِ التى تفرضُ
نفَسهَا أمرُها علينا سائد
فالموتُ هنا له طعمٌ ولونان
لونٌ موتٌ من الوقت
وآخر موتٌ خلفَه حياةٌ
بعدها لاموت.
15-10-1996