شبهات شيطانية حول العهد الجديد
سِلْسِلَةُ هِدَايَةِ المؤمنين للحق المبين
العدد الثالث
1 - متى جُمعت أسفار العهد الجديد؟
ثبت أن كتب العهد الجديد جُمعت قبل موت يوحنا الرسول، فاطّلع وصدّق عليها لأن الله أطال في حياته بعنايته الإلهية لهذه الغاية المهمة0 وإذا قيل إنه طرأ عليها تغيير أو تبديل، قلنا إن أئمة المسيحيين حافظوا عليها من جيل إلى آخر بغاية الاهتمام، وهم بمنزلة سبط لاوي الذي أفرزه الله للمحافظة على الشريعة وإقامة شعائرها، فكان أئمة الدين المسيحي منقطعين لتفسيرها وشرحها والوعظ منها، وكانوا شديدي الحرص عليها لأنها الواسطة لخلاص أنفسهم، وتمتّعهم بالأمجاد السماوية, فلا عجب إذا ترجموها وتناقلوها بالسند القوي المتصل من جيل إلى آخر,
لقد كُتبت الكتب الإلهية لطوائف وأمم شتى في أنحاء الدنيا، وتُرجمت بلغاتهم، لأن الله ألهم المسيحيين الأولين معرفة اللغات بمعجزة باهرة كما قيل: وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلّمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أعمال 2: 4), فكانت الكتب المقدسة تُتلى عليهم في كنائسهم, وهذا بخلاف كتب الأدباء أو الشعراء، فإنها كانت قاصرة على أناس مخصوصين، ولم تُقرأ على العامة, أما كتب العهد الجديد فكانت تُتلى في معظم بلاد الدنيا,
ولم يتيسر للمسلمين نشر قرآنهم بمثل هذا القدر، لأنهم رأوا عدم جواز ترجمته، فكان ذلك من أعظم الموانع في انتشاره، بخلاف الكتب المقدسة التي انتشرت انتشاراً عظيماً بحيث كان يتعذر ويستحيل إدخال شيء فيها من التغيير أو التبديل, لأنه كيف يحدث تواطؤ بين الملل العديدة المنتشرة في أنحاء الدنيا على تغيير كتابهم الذي يحضّهم على الأمانة والصدق والحق؟ بل ورد فيه صريحاً أن من يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب, وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوَّة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة (رؤيا 22: 18 و19), فمن يقبل على نفسه الضربات واللعنات؟
وكان اليهود الذين اشتهروا بعداوة المسيحيين في ذلك الجيل واقفين لهم بالمرصاد، بحيث لو أتوا بزور أو كذب في الأناجيل لشنّعوا عليهم, بل كيف كان يقبل المسيحيون ما كان كذباً أو زوراً؟ فكلام الرسل منزّه عن شوائب التحريف والتبديل,
ولنذكر أسماء بعض الذين ظهروا في القرون الأربعة المسيحية الأولى واستشهدوا بالكتب المقدسة وتكلموا عنها، مما يدل على متانة السند المتصل لكتب العهد الجديد:
استشهاد الرسل بكلام بعضهم:
كان الرسل يستشهدون بكتب بعضهم بعضاً، معترفين بأنها وحي إلهي, فقال بولس الرسول في 1تيموثاوس 5: 18 : الفاعل مستحق أجرته ولم تُذكر هذه العبارة إلا في لوقا 10: 7 مما يدل على أن إنجيل لوقا كان منتشراً وقت كتابة الرسول بولس هذه الرسالة, وقال الرسول يعقوب: فإن كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب: تحب قريبك كنفسك، فحسناً تفعلون (2: 8), وهو يقتبس ما ورد في متى 22: 39, وقال بطرس الرسول: كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً، متكلّماً فيها عن هذه الأمور، التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرّفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم (2بطرس 3: 15 و16),
وبما أن الله خصَّ الرسل بقوّة المعجزات، فقد ميَّزوا بين الكتب الموحى بها من غيرها، فكانوا يستشهدون بكتب بعضهم كاستشهادهم بكتب أنبياء العهد القديم, أما الذين كانوا معاصرين لهم:
فنذكر منهم بعض رجال القرن الأول:
(1) برنابا: كان عاملًا مع بولس (أعمال 13: 2 و3 و46 و47 و1كورنثوس 9: 6) ويُسمّى رسولًا أيضاً (أعمال 14: 14) وألّف رسالة كانت لها منزلة كبرى عند القدماء ولا تزال موجودة، استشهد فيها بإنجيل متى ونقل عنه بقوله مكتوب , وكان اليهود يستعملون هذه الكلمة عند الاستشهاد بالكتب المقدسة, واستشهد بكثير من أقوال العهد الجديد، وذكر عجائب المسيح، واختياره 12 تلميذاً، وجَلْده ولطمه والاستهزاء به والاقتراع على لباسه، وقيامته في أول الأسبوع، وصعوده إلى السماء، وغير ذلك,
(2) أكليمندس: أسقف روما وكان عاملاً مع الرسول بولس (فيلبي 4: 3) وكتب رسالة إلى كنيسة كورنثوس استشهد فيها بكثير من أقوال المسيح الواردة في الإنجيل، ومن رسائل الرسل, ويُظن أنه عُيِّن أسقفاً على روما سنة 91م وتوفي سنة 100م في السنة الثالثة من حكم الامبراطور تراجان,
(3) هرماس: كان معاصراً لبولس الرسول، وذكر اسمه في رومية 16: 14, كتب ثلاثة مجلدات في أواخر القرن الأول استشهد فيها بكثير من كتب العهد الجديد, وكانت له منزلة كبرى عند القدماء,
(4) اغناطيوس: كان أسقف أنطاكية في سنة 70م واستُشهد في سنة 107م، وكتب جملة رسائل لاتزال موجودة، استشهد فيها بالأناجيل ورسائل الرسل,
(5) بوليكاربوس: كان تلميذ يوحنا، رسمه أسقفاً على إزمير، واجتمع بكثير من الذين رأوا المسيح، ومات شهيداً في سنة 166م وبقيت من مؤلفاته رسالة استشهد فيها بنحو أربعين آية من العهد الجديد، ذكر فيها اتضاع المسيح وتعليمه وآلامه وموته على الصليب، وقيامته وصعوده, وأشار فيها إلى ما كابده بولس وغيره من الرسل من الأتعاب في الكرازة والتبشير، وكان يتكلم عن تعاليم المسيح، وينقل عن يوحنا وغيره من الذين عاينوا الرب,
ومن رجال القرن الثاني:
(6) بابياس: أسقف هيرابوليس في آسيا، نبغ بين سنة 110 و116م، واجتمع ببوليكاربوس، وربما اجتمع بيوحنا الرسول, واستشهد في مؤلفاته بالأناجيل الأربعة وبرسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وأعمال الرسل والرؤيا,
(7) جستن الشهيد: وُلد في إحدى مدن السامرة في فلسطين سنة 89م وآمن بالمسيحية سنة 133م واشتهر في سنة 140م إلى أن استُشهد سنة 168, وكتب جملة كتب دفاعاً عن المسيحية، منها رسالة للامبراطور تيطس أنطونيوس بيوس، ورسالة للامبراطور ماركوس أنطونيوس ولأعضاء مجلس الشيوخ في روما ولسكانها, وله محاورة مع تريفو اليهودي باقية إلى الآن تُظهر تبحّره في فلسفة فيثوغورس وأفلاطون، وأنه رأى أن الأسلم التمسّك بالمسيحية, وتكلم عن الأناجيل الأربعة، وقال إن المسيحيين كانوا يتعبدون بتلاوتها في معابدهم، وتكلم عن رسائل بولس وبطرس ويوحنا وسفر الرؤيا, ولشهادته منزلة رفيعة لأنها شهادة فيلسوف علّامة,
(8) المسيحيون في فرنسا: في سنة 170 في عهد ماركوس أنطونيوس قاسى المسيحيون في فرنسا اضطهادات أليمة، ولا سيما في ليون وويانة فأرسلوا إلى إخوانهم في آسيا رسائل تشرح ما يقاسونه، أشاروا فيها إلى إنجيل لوقا ويوحنا وأعمال الرسل ورسائل بولس إلى رومية وأفسس وفيلبي وتيموثاوس الأولى وبطرس الأولى ويوحنا والرؤيا, وحافظ أوسابيوس على معظمها, ونبغ في ذلك العصر مليتو أسقف ساردس وألَّف 13 كتاباً وصلنا بعضها, ومن مؤلفاته تفسير الرؤيا,
(9) إيريناوس: صار أسقفاً على ليون في سنة 170 ، وشهادته جليلة لأنه كان تلميذ يوحنا الرسولي، واجتمع بكثير ممن رأوا الرسل, ومؤلفاته كثيرة بقي منها خمسة كتب، دحض فيها ضلالات المضلين، وهي تدل على سعة اطلاعه على كتب الوثنيين وبدع المضلين، وتمكنه من معرفة كتب العهد القديم والجديد, واستشهد بجميع كتب العهد الجديد، ماعدا رسالة بولس إلى فليمون ورسالة يوحنا الثالثة ورسالة يهوذا، لعدم اشتمالها على ما يؤيد به مطلوبه, واستشهاداته مطوَّلة، وهي تدل على أن الكتب الموجودة بيننا الآن هي ذات الكتب التي كانت موجودة في عصره,
(10) أثيناغوروس: نبغ في سنة 180م وكان من فلاسفة أثينا، وهو من مشاهير الكتَّاب, وألَّف رسالة دفاعاً عن المسيحيين قدَّمها للإمبراطور ماركوس أنطونيوس، وألّف رسالة عن قيامة الموتى استشهد فيها بالكتب المقدسة، وكذلك ثاوفيلس أسقف أنطاكية في سنة 181 وألف ثلاثة كتب، وأكليمندس الاسكندري، وترتليان وغيرهم,
ومن رجال القرنين الثالث والرابع:
أما العلماء الذين ظهروا في القرن الثالث فهم كثيرون، منهم أوريجانوس الذي وُلد في مصر سنة 184 وتوفي سنة 253 ، واشتهر بالتقوى والفضيلة، حتى كان فلاسفة الوثنيين يعرضون مؤلفاتهم عليه لتنقيحها وتهذيبها, وفسر الكتب المقدسة، وله مواعظ, وقِسْ على ذلك ديونيسيوس أسقف نيو قيصرية وغيرهم,
ومن القرن الرابع أوسابيوس المؤرخ أسقف قيصرية، الذي مات سنة 340 ، وهيلاريوس سنة 366 وغيرهم,
وملخص الكلام أنه وصل إلينا من مؤلفات أولئك الأئمة الأفاضل نحو خمسين مؤلَّفاً من مؤلَّفاتهم التي تبلغ نحو مائة، منها تفاسير على الكتب المقدسة، ومنها في مواضيع شتى مؤيدة بآيات كثيرة من معظم الكتب المقدسة, وكان أولئك الشهود في أزمنة متنوعة وفي ممالك شتى، فنبغ أكلمندس في روما، وأغناطيوس في أنطاكية، وبوليكاربوس في إزمير، وجستن الشهيد في سوريا، وإيريناوس في فرنسا، وأثيناغورس في أثينا، وثيوفيلوس في أنطاكية، وأكليمندس وأوريجانوس في الإسكندرية، وترتليان في قرطاجنة، وأوغسطين في هيبو (وكلاهما في شمال أفريقيا) وأوسابيوس في قيصرية, وهذا يدل على انتشار الديانة المسيحية، وعلى أنه كان لا يمكن تواطؤهم على شيء، وأن ما شهدوا به هو الحق, وقد قارن علماء المسيحيين نحو 686 نسخة من كتب العهد الجديد خلاف التراجم والاقتباسات والاستشهادات، فوُجدت متوافقة, وهذا يدل على تنزّه الكتب المقدسة عن التحريف والتبديل، وسلامتها من شائبة الزيادة والنقصان, وأجمع الجميع أن كتب العهد الجديد كانت متواترة بينهم,
قال المعترض الغير مؤمن: اختلف العلماء في زمن كتابة الأناجيل، لأن القدماء الأوَّلين صدَّقوا الكتابات الواهية ودوّنوها، فاقتفى أثرهم الذين أتوا بعدهم ,
وللرد نقول بنعمة الله : عدم تحديد زمن كتابة كل إنجيل بالتدقيق، لايقدح فيها, والمعترض يعترف أنه مع حداثة عهد القرآن فقد اختلفوا في زمن كتابة سوره اختلافاً كبيراً، فتارة قالوا هذه السورة مَكية وأخرى مدنية, والمكي هو ما أتى به قبل الهجرة، والمدني ما أتى به بعدها، سواء قاله بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع، أم بسَفَر من الأسفار, واختلفوا حتى في سورة الفاتحة، فقالوا إنها نزلت بمكة من كنز تحت العرش، وقيل إنها مدنية، وقيل إن إبليس رنّ حين أُنزلت, وذهب بعضهم إلى أنها نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة, وقيل نزلت نصفين نصفها بمكة ونصفها بالمدينة, وقس على ذلك اختلافهم في سورة النساء، ويونس، والرعد، والحج، والفرقان، ويس، وص، والحجرات، والرحمن، والحديد، والصف، والجمعة، والتغابن، والملك، والانسان، والمطففين، والأعلى، والفجر، والبلد، والليل، والقدر,
هذا بالرغم من وجود فرق كبير بين الإنجيل والقرآن: (1) فالقرآن حديث عهد بخلاف الإنجيل (2) اختلاف المسلمين هو في ذات كل جزء من أجزاء القرآن، بل في ذات الآيات, أما الاختلاف الذي حصل في زمن كتابة الإنجيل فهو عن المجموع كله، وليس عن أصحاح ولا عن آية, ومع ذلك لم يقل أحد إن هذا أخلّ بالقرآن وكان موجباً لرفضه,
2 - سلامة العهد الجديد تاريخياً
كلمة الإنجيل معرّبة عن الكلمة اليونانية إفانجيليون ومعناها البشارة أو الخبر السار , والسبب في إطلاق هذا الاسم عليه أنه يعلن للملأ محبة اللّه العظيمة للخطاة وموت المسيح كفارةً عنهم، حتى لا يهلك كل من يؤمن به منهم إيماناً حقيقياً، بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3: 16),
وقبل الرد على الدعوى بحدوث تحريف في الإنجيل، نقول: إنه من الممكن لأي إنسان أن يتّهم آخر بما يشاء من تُهم، لكن إذا لم يستطع إثباتها بأدلة مقنعة، يكون اتهامه باطلًا, فمن الواجب على القائلين بحدوث تحريف في الإنجيل أن يذكروا (1) الآيات التي أصابها التحريف، وكيف كانت قبل تحريفها, (2) أسماء الذين قاموا بالتحريف، ومتى قاموا به، وما هي غايتهم من وراء تصرفهم هذا, () كيف استطاع هؤلاء الأشخاص أن يقوموا بالتحريف، مع العلم أنه كان يوجد منذ القرن الثاني آلاف النسخ من الإنجيل في بلاد متفرقة وبلغات متعددة، الأمر الذي يتعذّر معه إجراء تحريف فيها جميعاً, (4) وأخيراً أن يذكروا الطريقة التي لجأ إليها المحرِّفون ليُخْفوا التحريف المزعوم، حتى لم يستطع اكتشافه إلا المعترضون، وذلك بعد مئات السنين من حدوثه!
وبما أن المعترضين اكتفوا بالّاتهام دون ذكر الأدلة التي تثبته، يكون اتهامهم باطلًا,
ومن جانبنا نورد هنا خمسة أدلةّ تبرهن سلامة الإنجيل من الناحية التاريخية,
أولًا - عدم اعتراض الذين عاصروا المسيح أو الذين جاءوا بعدهم في القرون الأولى على شيء مما ورد في الإنجيل,
1 - كان الإنجيل قد أخذ في الانتشار شفوياً بعد صعود المسيح إلى السماء بعشرة أيام فحسب، وذلك بين سكان أورشليم الذين عاصروا المسيح وعرفوا كل شيء عنه (أعمال 2: 7-11) دون أن ينهض واحد منهم، مهما كان شأنه، لمناقضة شيء مما جاء فيه, وبعد ذلك انتشر الإنجيل في مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات في كثير من بلاد الشرق والغرب بلغات سكانها, وكان معظم هؤلاء بسبب انتشار الثقافة اليونانية وقتئذ بينهم، لا يقبلون الأخبار إلا بعد فحصها وتمحيصها من كل الوجوه (اقرأ مثلًا أعمال 19: 8-12 و17-34), وبالرجوع إلى التاريخ لا نرى واحداً من هؤلاء أيضاً قد اتّهم المبشرين بالإنجيل بتحريفٍ أو تزويرٍ ما,
2 - رغم أن اليهود و الوثنيين كانوا يتهكّمون منذ القرن الأول على عبادة المسيحيين وعقائدهم، لروحانيتها وسموها فوق الإدراك البشري، إلا أنهم لم يتّهموهم على الإطلاق بأنهم حذفوا شيئاً من إنجيلهم، أو أضافوا إليه شيئاً آخر,
3 - لم يكن للفلاسفة الذين اعتنقوا المسيحية في القرون الأولى، واشتهروا بالبحث والمناقشة رأي واحد في عقائد المسيحية فانقسموا وقتئذٍ إلى فرقٍ متعددة، لاختلافهم في شرح بعض آيات الإنجيل, وكان كل فريق منهم يناصب الفريق الآخر العداء، ويحاول إسناد شتى التُّهم إليه, ومع ذلك لم يسند فريق منهم إلى غيره جريمة إجراء تزوير في الإنجيل الذي يعتمد عليه في البحث والمناقشة,
ثانياً - نُشر الإنجيل كتابةً دون تنقيح بين الناس الذين عاصروا المسيح، وتُرجم إلى لغات متعددة ابتداءً من القرن الثاني,
1 - وبعد نشر الإنجيل شفوياً في كثير من بلاد الشرق والغرب كما ذكرنا، أخذ ُُيُرسَل تباعاً ابتداء من منتصف القرن الأول مكتوباً في كتب، بواسطة أشخاص عرفوا كل شيء عن المسيح، إما في هيئة سيرة تفصيلية له (كما فعل متى ومرقس ولوقا ويوحنا) أو في هيئة شرح لمبادئه وتعاليمه (كما فعل بولس وبطرس ويعقوب وغيرهم) دون أن يقابل بعضهم ما كتبه على ما كتبه البعض الآخر, الأمر الذي يدل على نزاهة الأشخاص المذكورين وعدم وجود أي تواطؤ بينهم، وقيام كلٍ منهم بكتابة الإنجيل بالاستقلال عن صاحبه,
2 - فضلًا عن ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص كانوا يختلفون أحدهم عن الآخر اختلافاً كبيراً لا يسمح لهم بالاتفاق على أمرٍ ما، إلا إذا كان هذا الأمر حقيقة ملموسة لديهم جميعاً, فمتّى كان محاسباً حريصاً، ومرقس شاباً متحمساً، ولوقا طبيباً مدققاً، ويوحنا شيخاً رزيناً هادئاً، وبولس كان فيلسوفاً متعمقّاً، وبطرس كان جريئاً جسوراً، ويعقوب كان خبيراً محنّكاً, وبينما كان لوقا الطبيب يونانياً يتمتع بدرجة عظيمة من الثقافة وحرية الفكر، كان معظم الآخرين من اليهود، واليهود متزمّتون دينياً، لا يميلون بطبيعتهم للدراسة أو التأليف, كما أنه لم يكن يخطر ببال واحدٍ من هؤلاء جميعاً أن ما كتبه عن المسيح سيكون كتاب المسيحية المقدس الذي سيتناقله الناس في كل العصور والبلاد، حتى كان يجوز الظن بأن واحداً منهم لجأ في كتابته إلى شيء من الموضوعات المستحدثة، أو أضاف إلى سيرة المسيح شيئاً أو حذف منها شيئاً آخر، لتجيء حسب نظره ملائمةً لطبائع البشر جميعاً, بل كان الغرض الوحيد أمامهم أن يدوّنوا سيرة المسيح وتعاليمه كما عرفوها، وذلك لفائدة الذين لم يسمعوا عنها من معاصريهم,
وبعد ذلك كُتب الإنجيل في آلاف النسخ، كما تُرجم إلى لغات متعددة ابتداءً من القرن الثاني، لفائدة الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود والوثنيين، الذين كانوا يتكلمون بهذه اللغات في البلاد المختلفة، وليُتلى في اجتماعات العبادة لديهم, فكان كثيرون يحفظون ما جاء فيه عن ظهر قلب، كما شهد يوستينوس وترتليان في القرن الثاني,
وكتابة الإنجيل في آلاف النسخ، وترجمته إلى لغات متعددة، وانتشاره في بلاد مختلفة، وحفظ كثيرين ما جاء به عن ظهر قلب - كل ذلك يجعل إجراء أي تحريف في كل نسخة أمراً مستحيلًا,
ثالثاً - كتابة الإنجيل على ورق البردي أو جلد الغزال,
لم يُكتب الإنجيل على أحجار أو عظام، كما كانت تُكتب الحوادث والسير القديمة (حتى كان يجوز الظن أن بعض هذه المواد قد تآكل أو ضاع) بل كتبوه في كتب من ورق البردي وجلد الغزال بكل دقة وعناية, ثم نسخه الذين أتوا بعدهم على ورق البردي وجلد الغزال أيضاً، كما كان يفعل اليونان والرومان قديماً بكتبهم الهامة، الأمر الذي لا يدع مجالًا للظن بضياع جزء من الإنجيل وكتابة غيره عوضاً عنه,
رابعاً - عدم حرق النسخ الأصلية للإنجيل
لم يتعمد أحدٌ أن يحرق أو يتلف النسخة الأصلية من الإنجيل كما حدث مع بعض الكتب القديمة التي أراد فريق من الناس أن يُخفوا شيئاً مما جاء فيها لغرضٍ في نفوسهم، حتى كان يُظنّ أن الإنجيل الذي عندنا الآن ليس هو الإنجيل الحقيقي, بل إن هذه النسخ ظلت موجودة كما هي، ونُقلت عنها ابتداءً من القرن الثاني نسخٌ كثيرة لا تزال باقية إلى الآن,
خامساً - محافظة المسيحيين القدماء حتى على الأناجيل المزيفة ونشرها,
فضلًا عما تقدم، فإن المسيحيين الأولين، لثقتهم المطلقة في صدق الإنجيل الذي بين أيديهم، لم يحرقوا حتى الكتب التي ألّفها أصحاب البدع عن المسيح، في الفترة الواقعة بين أواخر القرن الثاني وأواخر القرن الرابع (لترويج بِدعهم، وأطلقوا على كل منها زوراً وبهتانا اسم الإنجيل ) بل أبقاها هؤلاء المسيحيون كما هي, وليس هذا فحسب، بل وأيضاً طبعوها ونشروها بلغات كثيرة، مراعاةً لمبدأ حرية الرأي، ليفسحوا المجال أمام الناس في كل العصور للمقارنة بين ما جاء في هذه الكتب، وبين ما جاء في الإنجيل الذي في أيديهم، الأمر الذي يدل على أمانتهم ونزاهتهم وعدم جواز اتّهامهم بإجراء أي تحريف في الأناجيل,
3 - هل ضاعت رسائل من الإنجيل؟
قال المعترض الغير مؤمن: هناك 11 رسالة منسوبة للمسيح ضيّعها المسيحيون، كما ضيعوا 9 رسائل منسوبة ليوحنا، ورسالتين منسوبتين لكل من: أندراوس ومتى وفيلبس، وإنجيلًا منسوباً لبرثلماوس، وإنجيل توما وأربعة من أعماله، وإنجيل يعقوب ورسالتين له، وإنجيل متياس وعملين له , وذكر المعترض مجموعة كتب قال إن المسيحيين ضيّعوها، وعزاها لأسماء لم نعثر لها على أثر,
وللرد نقول بنعمة الله :
(1) تأمر المسيحية بالبحث والتفتيش, قال المسيح (له المجد): فتّشوا الكتب (يوحنا 5: 39) وقال يوحنا امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم (1يوحنا 4: 1), يعني: استعمِلوا عقولكم للتمييز بين الهُدى والضلالة,
(2) تحذرنا المسيحية من قبول تعاليم ملتوية، فحذر الرسول بولس أهل غلاطية من قبول تعاليم غير التي علّمهم إياها، فقال: إن كان أحدٌ يبشّركم بغير ما قبلتم، فَلْيكن أناثيما (1: 8 و9) (أي محروماً من الله), وقال: تمسَّك بصورة الكلام الصحيح (2تيموثاوس 1: 13) أي الألفاظ والحروف, قال الله: إن كان أحد يزيد على هذا (كتاب الله) يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب (رؤيا 22: 18 و19), أما محمد فقال: إذا حُدِّثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكرونه، قلتُه أو لم أقلْهُ، فصدقوا به، فإني أقول ما يُعْرَف ولا يُنكر, وإذا حُدِّثتم عني بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذّبوا به، فإني لا أقول ما يُنكر ولا يُعرف (رواه الترمذي), فكانت هذه القاعدة سبباً في دخول الأحاديث الملفَّقة التي تُعدّ بمئات الألوف,
(3) لم يذكر المسيحيون الأولون من عصر الرسل أسماء أيٍّ من هذه الكتب في مؤلفاتهم العديدة، لا في مؤلفات أكلمندس أسقف روما ولا أغناطيوس ولا بوليكاربوس ولا هرماس، وتاريخ مؤلفاتهم من سنة 70-108م, وكذلك لم تُذكر في الجداول التي دُوّنت فيها أسماء الكتب المقدسة,
ولما كانت الكنائس المسيحية منتشرة في أنحاء الدنيا رأى الأئمة الأعلام كتابة جداول بأسماء الكتب المقدسة, فأول جدول بالضبط والتدقيق جدول أوريجانوس, ومع أن هذا الرجل كان بحراً زاخراً في العلوم، إلا أنه سافر كثيراً، وأقام في ضواحي اليهودية يتحرى ويستقصي من الكنائس وغيرها عن الكتب المقدسة، إلى أن أدرك منشوده, ونبغ أوريجانوس بعد يوحنا الرسول بمائة سنة, وقد ذكر يوسابيوس في تاريخه الجدول الذي حرره أوريجانوس فذكر فيه الأربع بشائر وأعمال الرسل ورسائل بولس الأربع عشرة ورسالتي بطرس وثلاث رسائل يوحنا وكتاب الرؤيا, وهو الموجود عندنا اليوم, ولم يأت للكتب المفتعلة بذكر، وهذا يدل على أن المسيحيين لم يعرفوا سوى كتبهم الموحى بها,
(4) ذكر المؤرخ يوسابيوس (الذي اشتهر بتحري الحوادث الكنائسية بعد أوريجانوس بمائة سنة في تاريخه) جدولاً بالكتب الموجودة في العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي عندنا الآن,
(5) كتب أثناسيوس (المشهور بما قاساه من العذاب في تأييد لاهوت المسيح الكلمة الأزلي) جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي عندنا الآن,
(6) كتب كيرلس جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا, وكان أثناسيوس وكيرلس معاصرَيْن ليوسابيوس,
(7) التأم مجمع الأساقفة في لاودكية، ومن قراراته أنه كتب جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا الآن,
(8) بعد التئام هذا المجلس بسنين قليلة كتب أسقف سالاميس في جزيرة قبرص كتاباً ضد البدع، كتب فيه جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا تماماً,
(9) وفي ذات العصر كتب غريغوريوس النازيانزي أسقف الأستانة قصيدة ذكر فيها أسماء كتب العهد الجديد,
(10) في هذا العصر كتب إيرونيموس الذي ترجم التوراة إلى اللاتينية جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب الموجودة عندنا، كما حرر روفينوس وأوغسطينوس جدولًا مماثلًا بأسماء كتب العهد الجديد,
(11) حرر المجلس الذي التأم في قرطاجنة (وكان أوغسطين حاضراً فيه) جدولاً بكتب العهد الجديد، وهو يطابق الموجود عندنا الآن,
(12) وصف ديونيسيوس الأريوباغي الكتب المقدسة بما يطابق حالها الآن,
(13) كان جميع الأئمة المقيمين في آسيا وأفريقيا وأوربا يستشهدون بالكتب المقدسة في مؤلفاتهم ويحجُّون بها أخصامهم في مجادلاتهم,
(14) كان جميع المسيحيين يتعبدون بتلاوتها في كنائسهم، كما كان اليهود يتعبدون بتلاوة التوراة في مجامعهم, فيقول بولس الرسول: ومتى قُرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تُقرأ أيضاً في كنيسة اللاودكيين، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضاً (كولوسي 4: 16), وشهد يوستين الشهيد في أوائل الجيل الثاني المسيحي أنه جرت عادة المسيحيين أن يجتمعوا في يوم الأحد للتعبُّد بتلاوة رسائل الرسل وأقوال الأنبياء, وقال ترتليان إن المسيحيين يجتمعون لقراءة الكتب المقدسة في يوم الأحد ويرتلون المزامير, وقِسْ على ذلك شهادة كبريان وديونسيوس وغيرهما من قدماء المؤلفين, وقرر مجلس لاودكية ومجلس قرطاجنة عدم جواز تلاوة غير الكتب الإلهية,
(15) تُرجمت الكتب المقدسة إلى لغات شتى,
(16) كُتبت عليها التفاسير والشروحات,
(17) لم يذكر أعداء الديانة المسيحية (الذين كان دأبهم إيراد الآيات من الأربعة الأناجيل للتهكم عليها أو تحريف معناها) شيئاً من هذه الكتب المفتعلة, ولو كانوا يعلمون بوجودها، وأن المسيحيين يعوّلون عليها، لساعدتهم على أغراضهم السيئة,
(18) ظهرت بعض هذه الكتب المفتعلة في أواخر القرن الثاني، وظهر أغلبها في القرن الثالث, وفي حال ظهورها رفضها المسيحيون وكذبوها,
فلم يسمع أحد عن رسالة أبجر أمير الرها و رسالة يسوع المسيح إلا في الجيل الرابع، عندما أذاعها يوسابيوس, وأما رسالة بولس الرسول إلى لاودكية فقال العلامة جونس إن أحد الرهبان لفقها قبل الإصلاح، وبناها على بعض آيات من رسائله الصحيحة، فهي حديثة عهد، ولم تكتب باليونانية لغة الرسول, أما رسائله الست إلى سنيكا وثماني رسائل هذا الفيلسوف إليه، فلم يسمع بها أحد إلا في القرن الرابع, وقد ذكرها إيرونيموس وأوغسطين ونبَّها على أنها مفتعلة, أما إنجيل ولادة مريم فوُجد في القرن الثالث، وكان يعتقد به كثير من أصحاب البدع والضلالات، واشتهر بالأقوال المتناقضة، وهو يشبه إنجيل يعقوب, ومؤلفها هو أحد اليهود اليونانيين، فدحضها قدماء المسيحيين وأئمتهم, أما إنجيلا الطفولية المنسوبان إلى توما فكان يعتقد بهما المرقيونيون, أما إنجيل نيقوديموس المسمى أيضاً أعمال بيلاطس فلفقه لوسياس شارينوس في أوائل القرن الرابع، واشتهر بأنه لفق أيضاً أعمال بطرس وبولس وأندراوس وغيرهم من الرسل, أما كتاب عقائد الرسل فلم يُسَمّ بهذا الاسم لأن الرسل هم الذين كتبوه، بل لأنه يشتمل على عقائدهم، وعلى أقوال كيرلس الذي كان أسقفاً في أورشليم في القرن الرابع, أما أعمال بولس وتكلا فألّفه أحد القسس المسيحيين في أوائل القرن الثاني، واعترف بأن الباعث الذي حمله على ذلك إعجابه ببولس, ولكنهم جردوه عن وظيفته, وأغلب الكتب التي ذكرها المعترض لا وجود لها, ومع ذلك فظهرت بعد انتشار الديانة المسيحية في أنحاء الدنيا,
قال أوريجانوس: تتمسك الكنائس المسيحية بأربعة أناجيل فقط, أما أصحاب البدع فعندهم أناجيل كثيرة مثل إنجيل المصريين وتوما, ونحن نطالعها لكي لا نُرمَى بالجهل، ولأن الذين يتمسكون بها توهَّموا أنهم أُوتوا علماً عظيماً , وقال أمبروز: إننا نقرأها لا لأننا نقبلها، فإننا نرفضها رفضاً باتاً, وإنما نقرأها لنعرف ما فيها ,
الأدلة الداخلية على بطلانها:
(1) هذه الكتب المفتعلة تحاول تأييد تعليم منافٍ للحق, فهي مثلاً تعلّم قداسة ذخائر القديسين , جاء في إنجيل طفولية المسيح أنه لما أتى المجوس من المشرق إلى أورشليم، حسب نبوة زردشت، وقدموا هداياهم، أعطتهم القديسة مريم بعض الأقماط التي كان الطفل ملفوفاً فيها على سبيل التبرُّك، فوقعت هذه العطية عندهم موقعاً عظيماً,
ولما كان البعض يميل إلى رفع القديسة مريم فوق رتبتها، ولم يجدوا في كتاب الله ما يؤيد رأيهم، لفّقوا إنجيل ولادة مريم وقالوا فيه إن الملائكة أنبأوا عن ولادتها، ونسبوا إليها في إنجيل يعقوب وفي إنجيل الطفولية معجزات فعلتها بنفسها أو بمساعدة الطفل يسوع، وغير ذلك مما كانت تجهله أهل القرون الأولى، وإنما ظهرت هذه البدع في القرنين الرابع أو الخامس,
(2) من تحرَّى وتروَّى بإخلاص في البشائر الأربع انذهل من ذكر الأحداث ببساطة بدون تصنُّع ولا تكلّف ولا زخرفة، فذُكرت الأمور حسب طبيعتها, ولم يتردد الرسل عن ذكر أي شيء حتى وإن كان لايلائم أميالهم وأقوالهم، ممّا يدل على أن الحوادث التي ذكروها هي من وحي الله, هذا بخلاف الكتب المفتعلة، فإنها مشحونة بالحوادث التافهة الفارغة مما يدل على بطلانها,
ذكر في إنجيل ولادة مريم أن المسيح صعد بدون مساعدة أحد على دَرْج الهيكل بمعجزة لما كان عمره ثلاث سنين، وكان ارتفاع كل درجة نصف ذراع, وإن الملائكة كانت تخدم مريم في طفوليتها, وكذلك ذُكر في الإنجيل المنسوب إلى يعقوب الأصغر محاورة فارغة بين والدة مريم وخادمتها، وورد أن الملائكة كانت تخدم مريم، وذكرت مداولة بين الكهنة بخصوص عمل ستر الهيكل, وذكر إنجيل توما قصصاً فارغة عن طفولية المسيح وتربيته، ونُسبت إليه معجزات انتقام عند تعلُّمه الأبجدية! وعُزي في إنجيل مريم وطفولية المسيح وتوما معجزات فارغة إلى مريم وللمسيح في طفوليته، مثل مساعدة مريم ليوسف في حرفته، فإذا أخطأ أصلحت خطأه في صناعته, مع أن الغاية من المعجزة تأييد الرسالة والتعليم وغير ذلك من الأمور الجليلة,
(3) ذكر في هذه الكتب المفتعلة أشياء لم تحصل إلا بعد عصر المؤلف المنسوب إليه هذا الكتاب، فذكر فيه: طوباك يا أبجر لأنك آمنت بي مع أنك لم ترني، لأنه مكتوب عني: لكي لا يؤمن الذين رأوني ويؤمن الذين لم يروني , يشير بهذا إلى قول المسيح لتوما: طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يوحنا 20: 29), ولا يخفى أن يوحنا الرسول كتب إنجيله بعد أن مات كل الذين نُسبت إليهم هذه الكتب, وورد في إنجيل نيقوديموس أن اليهود خاطبوا بيلاطس بكلمة سموّكم وهذه كلمة لم يعرفها اليهود، ولم تكن مستعملة وقتها, وذكر فيها أن المسيح أشار بعلامة الصليب على آدم وجميع القديسين في جهنم قبل إنقاذهم، مع أن علامة الصليب لم تشتهر إلا في القرن الرابع,
(4) أسلوب كتابة الرسل في الإنجيل هو من أقوى الأدلة على صحتها, وإذا نظرنا إلى أسلوب الكتب المفتعلة نراه منافياً لطريقة وكيفية تدوين الوحي الإلهي الصحيح,
(أ) فالأسماء التي ذُكرت في إنجيل نيقوديموس بدعوى أنها أسماء يهود ليست أسماء يهود، بل هي أسماء يونانية ورومانية وغيرها، مما يدل على كذب هذه الكتب, (ب) وإنجيل نيقوديموس الموجود الآن، ليس باللغة اليونانية (لغة الوحي) بل باللاتينية, (ج) والرسائل المنسوبة إلى بولس الرسول ليس عليها مسحة أقوال الرسول الإلهية، بل هي مجرد تحيات، فافتتحت الرسالة إلى سنيكا بقوله: أتمنى رفاهيتكم وخيركم يا أخي , وخُتمت الرسالة الخامسة إلى سنيكا بقوله: أودعكم في أمان الله أيها الأستاذ الأكرم , وهي منافية لطريقة بولس، بل هي منافية لأسلوب كتابة ذلك العصر، ولم تجر على ألسنة الناس إلا بعد عصر الرسول بولس بجملة مئات من السنين,
(5) نسب إلى الرسل أشياء منافية للتواريخ المقدسة وغيرها، ففي رسالة أبجر الملك اعترف بأن المسيح هو الله، ثم طلب منه الإقامة في مدينته ليتخلص من مكائد اليهود، فهذا تناقض، لأنه إذا اعتقد بأن المسيح هو الله فيكون قادراً على كل شيء, وذكر في المكاتبات التي ادَّعوا حصولها بين بولس وسنيكا أن بولس كان في روما، ثم قال إنه لم يكن فيها، وتشكى من غيابه في الرسالة الخامسة إلى الثامنة, وذكرت في هذه الرسائل أسماء قناصل روما محرَّفة، ومرة قيل إن بولس حذر سنيكا من التفوُّه بالديانة المسيحية أمام نيرون، وهذا منافٍ لما اشتهر به بولس من الغيرة الدينية, وفي إنجيل نيقوديموس قيل إن بيلاطس ذكر تاريخ بني إسرائيل، وفي مكان آخر إنه كان يجهله,
ولا يخفى أن أسماء الأشخاص والبلدان والحكام والأمراء والشعوب المذكورة في كتب العهد الجديد أيدها المؤرخون المعاصرون لها، سواء كانوا من المسيحيين أو من أعدائهم، مما يدل على صحة الإنجيل, ولكن مما يدل على كذب الكتب المفتعلة اشتمالها على أغلاط فاحشة في الأسماء، وروايات كاذبة مباينة لروايات المؤلفين الذين كانوا معاصرين لمؤلفي هذه الكتب الوهمية,
3 - هل تحتاج الأسفار التاريخية إلى إلهام؟
قال المعترض الغير مؤمن: لا مانع من أن يكون الإلهام في رسائل الرسل، أما كتب التواريخ (مثل الأناجيل وسفر الأعمال) فلو أنكرنا إلهامها لا يضرنا ذلك بشيء، بل تحصل فائدة, وإن سلمنا أن شهادة الرسل في بيان الحالات التاريخية كغيرهم من باقي الناس كما قال المسيح (له المجد): وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء (يوحنا 15: 27) لا يضرنا ذلك بشيء، وتكون شهادتهم في هذه الحالات كشهادة غيرهم من الناس, ولا يضر ذلك الديانة المسيحية في شيء ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) أوضحنا أن الكتب التاريخية المقدسة هي بوحي إلهي، ومن تأملها في العهدين القديم والجديد وجد أنها مصدر بركة روحية له نافعة للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهِّباً لكل عمل صالح (2تيموثاوس 3: 16 و17),
وليس المقصود مما ذُكر في هذه الكتب التاريخية أن يكون فقط عبرة لنا، لكنها أيضاً توضح لنا صفات الله وكمالاته، فهي مرآة عنايته ونعمته، تعرّفنا بمقاصد الله ومجده وملائكته وأسراره التي تودّ الملائكة الاطلاع عليها, فالإلهام الإلهي لازم لها,
(2) استشهد المسيح بها، وبذات ألفاظها, وهذا شهادة بصحَّتها وضرورتها ووحيها,
(3) تفضَّل الله علينا بالأسفار التاريخية لتكشف لنا أعماق قلب الإنسان وخفاياه، الأمر الذي تفرَّد الله بمعرفته، وهي مثل سيفٍ ذي حدين, وكما أنها تخبرنا عن الدنيا لما كانت خاوية خالية، كذلك تنبئنا عن خفايا العالم غير المنظور,
(4) مما يدل على أن هذه الكتب التاريخية هي بإلهام الله، أنها ذكرت لنا تداخل الملائكة في أحوال الدنيا، وفي جماعة المؤمنين، وفي السماء, فهل خطر ببال أمة أو ببال شعرائها وعلمائها وفلاسفتها وحكمائها أن يصفوا الملائكة بما هم عليه في الواقع؟ أما الكتاب المقدس فأوضح لنا أن الملائكة هم في السماء وعلى الأرض، وأمام الله ومع الناس، وأنهم يقومون بأعمال الرحمة أو النقمة، وهم يقفون أمام الله يسبّحونه ليلاً ونهاراً, ومع ذلك فهم خدَّام لأصغر المؤمنين، يساعدونهم في ضيقاتهم وسياحاتهم وسجونهم وأمراضهم, وأخيراً يأتون في اليوم الأخير في سحاب السماء مع المسيح لجمع مختاري الله من أربعة أرياح الدنيا,
(5) مع أن تواريخ الكتاب المقدس تتكلم عن الماضي، إلا أنها تشير إلى المسيح وصفاته، كما في حمل الذبيحة والتحرر من مصر، وعمود النار والمن والصخرة التي كانت المسيح (1كورنثوس 10: 4) وجميع الذبائح, والدليل على ذلك كلام بولس على هاجر وسارة وهارون وملكي صادق, فإذا وُجد كلام يحتاج إلى الوحي الإلهي كانت هذه الكتب التاريخية، فلا توجد أدنى مناسبة بينها وبين الكتب التاريخية العادية, وإذا كان الإلهام ضرورياً لكشف الأمور التي فوق معرفة البشر، كخلق العالم والنور، وارتفاع الجبال، وقضاء الله وقدره، وكشف خفايا قلب الإنسان، فكم بالحري يلزم الإلهام الإلهي لذكر هذه التواريخ، حتى تشير إلى المسيح وصفاته، والفداء العجيب الذي تمّ بآلامه وموته وقيامته وأمجاده؟
(6) التاريخ المقدس منزَّه عن الخطأ، وهذا يستلزم الإلهام، لأن البشر يخطئون في أقوالهم وكتاباتهم، فيثبت إذن أن الكتب التاريخية المقدسة كُتبت بإلهام الروح القدس,
الفصل الثاني
شبهات شيطانية حول الأناجيل الأربعة
1 - شبهات شيطانية حول إنجيل متى
2 - شبهات شيطانية حول إنجيل مرقس
3 - شبهات شيطانية حول إنجيل لوقا
4 - شبهات شيطانية حول إنجيل يوحنا
1 - شبهات شيطانية حول إنجيل متى
قال المعترض الغير مؤمن: كُتب إنجيل متى بالعبرانية، وفُقد بسبب تحريف الفرق المسيحية, والموجود الآن ترجمته، ولا نعلم اسم مترجمه ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان وحي إنجيل متى باللغة اليونانية:
(1) لأنها كانت اللغة المتداولة في عصر المسيح ورسله, ولما كانت غاية الله إعلان مشيئته وإرادته، كان لا يُعقل أن يوحى بلغة غير متداولة لئلا تضيع الفائدة المقصودة,
(2) كان متى عشاراً قبل دعوته للرسالة، فكان عارفاً باليونانية، لأنه لا يمكن أن يؤدي واجبات وظيفته بدون معرفتها,
(3) كتب جميع الرسل الأناجيل والرسائل باللغة اليونانية للمسيحيين، سواء كانوا من اليهود أو الأمم، وعلى هذا القياس كُتب إنجيل متى باللغة اليونانية,
(4) يوجد توافق في كثير من عباراته وعبارات باقي الأناجيل, ولو جاء بغير هذه اللغة لما وُجد هذا التوافق,
والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: كتب متى إنجيله باللغة العبرية , غير أن بابياس لم يقل إنه رأى بعينيه هذا الإنجيل باللغة العبرية، بل: كان إنجيل متى متداولاً بين الناس باللغة اليونانية قبل عصره , فقولهم إنه كُتب باللغة العبرية مجرد ظن وتخمين، بخلاف البيانات الدالة على أنه كُتب باللغة اليونانية, ومن تتبَّع العبارات التي استشهد بها مِنْ كتب العهد القديم يرى أنها مأخوذة من الترجمة السبعينية، أي من اللغة اليونانية, فلو كان كُتب باللغة العبرية لَجاَءَت الآيات الواردة فيه من التوراة العبرية, ولو سلّمنا جدلاً أن هذا الإنجيل كُتب باللغة العبرية لقلنا إن الرسول كتبه باللغة اليونانية أيضاً، فكان موجوداً باللغتين اليونانية والعبرية معاً, والمؤرخ يوسيفوس كتب حروف اليهود باللغة العبرية واللغة اليونانية معاً، لتعم الفائدة, وعلى كل حال فقد كان هذا الإنجيل متداولاً بين المسيحيين في القرن الأول بعد المسيح,
مع هذا نسأل: ما هو العيب في أن يكون إنجيل متى قد كُتب بالعبرية ثم تُرجم لليونانية؟ إن الكتب المقدسة الموحى بها من الله لا تضيع معانيها وطلاوتها إذا تُرجمت إلى اللغات الأخرى,
وقال إيريناوس في سنة 178م إن متى نشر أيضاً إنجيلاً بين العبرانيين بلغتهم، وهذه العبارة تفيد أنه زيادة على إنجيله باللغة اليونانية، نشر هذا الإنجيل بالعبري لإفادة العبرانيين,
وقال أوريجانوس في سنة 230م: بلغني من التقاليد المأثورة عن الأربعة الأناجيل التي تتمسك بها كل الكنائس تحت السماء، أن الإنجيل الأول وحيٌ لمتّى الذي كان عشاراً وبعد ذلك صار رسولاً ليسوع المسيح، الذي نشره للمؤمنين في اليهودية بأحرف عبرية , فهذه الشهادة تدل على أن إنجيله كان باللغة اليونانية لإفادة جميع المسيحيين، ثم نشره بالعبري لإفادة اليهود,
فينتج مما تقدم أن إنجيل متى كُتب باللغة اليونانية، على أنه لا مانع أن يكون قد كُتب بالعبرية، ثم تُرجم لليونانية، فهذا لا يضرّ الوحي بشيء,
وقال المعترض الغير مؤمن: لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى ,
وللرد نقول بنعمة الله : أشار برنابا (الذي كان رفيقاً لبولس) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حبل مريم العجيب، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح, وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحّة إنجيل متى, واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول, كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو إنجيل متى، واستشهدوا بأقواله الإلهية، وسلَّمه السلف إلى الخلف,
وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب اتفاق الأناجيل الأربعة وتكلم عليه هيجسيبوس، وهو من العلماء الذين نبغوا في سنة 173م، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد الذي نبغ في سنة 140م، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا, وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم,
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف اتفاق البشيرين ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله وغيرهم,
وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل بسبب القول: وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني, فقام وتبعه (متى 9: 9), فقال فستوس: كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم، ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء, فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم, وفي القرن الرابع زاد هذا الانجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا,
قال المعترض الغير مؤمن: قال نورتون إن الأصحاحين الأولين من إنجيل متى ليسا منه ,
وللرد نقول بنعمة الله : أنكر الذين لا يؤمنون أن المسيح وُلد من مريم العذراء بطريقة معجزية هذين الأصحاحين، لأنهما يشتملان على نسب المسيح حسب الجسد، واتخاذه الجسد من مريم العذراء بطريقة معجزية, والقرآن يقول إن المسيح حُبل به من الروح القدس بدون واسطة بشرية، فمن أنكر أو كذَّب متى 1 و2 يكذّب القرآن أيضاً,
وإليك الأدلة المؤيِّدة لذلك:
(1) يدل أول أصحاح 3 على أنه مرتبط بكلام سابق, فهو ليس بدء كلام بل هو متصل بكلام يسبقه, وزد على هذا أن متى استشهد في أصحاحي 1 و2 بالنبوات، وهي طريقته المعهودة, فإذا قلنا إن إنجيله خالٍ من نسب المسيح كان ذلك نقصاً، لأنه كتب إنجيله للمسيحيين من أصل يهودي، وكلام الله منزّه عن النقص,
(2) جاء متى 1 و2 في جميع النسخ القديمة بدون استثناء، مثل نسخة الفاتيكان ونسخة كامبردج ونسخة كودكس، وتاريخ هذه النسخ هو قبل الجيل الخامس، فهي منذ 1500 سنة, وكذلك نسخة الباشيتو، وكذلك النسخة الايطالية القديمة والنسخة القبطية، وغيرها من النسخ القديمة,
(3) تكلم علماء الدين الأقدمون على هذين الأصحاحين، فتكلم أكليمندس الإسكندري سنة 194م عن نسب المسيح المذكور في متى 1 ولوقا 3 , وقال هيجسيبوس سنة 173 عبارة ذكرها يوسابيوس إن الإمبراطور دوميتيان فتش عن ذرية داود، فأُحضر أمامه اثنان منهم, قال المؤرخ: لأنه خاف من مجىء المسيح كما جزع وخاف هيرودس قبله , فأشار بهذا الكلام إلى متى 2 الذي يقول إن هيرودس جزع وفزع من المسيح, وذكر يوستين الشهيد (سنة 140) كل الحوادث المذكورة في هذين الأصحاحين، بل ذكر ذات عبارات البشير, وقال إغناطيوس (سنة 107) في رسالته إلى أهل أفسس: وُلد المسيح بمعجزة من مريم العذراء , وذكر ظهور النجم الذي دلَّ على مولده, ولايخفى أن إغناطيوس تُوفي بعد البشير يوحنا بست سنين، فشهادته لها منزلة رفيعة عند العلماء, وهناك شهادات إيريناوس وباقي الآباء الذين أتوا بعد ذلك، والجميع مسلّمون بها, وهناك شهادات أعداء الديانة المسيحية، ومنهم الإمبراطور يوليان الذي كان في منتصف القرن الرابع، وبوقيري الذي كان في القرن الثالث, ومع أن مؤلفاتهم فُقدت، إلا أن أئمة الدين المسيحي ذكروا اعتراضاتهم في أثناء الرد عليها، وأشار جميعهم إلى ميلاد المسيح كما هو مذكور في متى 1 و2,
وقد أقام علماء الدين المسيحي البراهين على صحة كل حادثة ذُكرت في هذين الأصحاحين,
شبهات شيطانية
على سلسلة نسب المسيح
بين إنجيلي متى ولوقا
متى 1: 1-17
انظر تعليقنا على لوقا 3: 23-38
قبل أن نورد سلسلة اعتراضات المعترضين على سلسلة نسب المسيح، نقدم الملاحظات العامة التالية:
1 - كان اليهود مولعين بسلسلة أنسابهم ولعاً كبيراً، ليثبتوا أنهم من شعب الله المختار، وليكون لهم الحق في الأرض بالميراث، وليتمكن الكاهن من ممارسة عمله الديني باعتباره من سبط لاوي, وبلغ من شدة تدقيقهم أنهم احتفظوا بسلسلة كاملة مكتوبة لأنسابهم، ورذلوا كل من لم يجدوا اسمه مكتوباً فيها (عزرا 2: 62), ومن هذا يتضح أنه لو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح كما ذكرها متى ولوقا، لهاجمها اليهود منذ القرن المسيحي الأول، لأن المسيحيين لم يكتفوا بأن ينسبوا للمسيح كهنوتاً، ولا منحوه أرضاً، لكنهم قالوا إنه المسيح الآتي المنتظر مخلّص العالم, ولو كان هناك أي خطأ لهبَّ اليهود لكشفه فوراً, وهذه النقطة من أقوى البراهين على أن سلسلة نسب المسيح في متى ولوقا، كما هي عندنا، صحيحة تماماً, فالصَّمت عن المهاجمة دليل الصحّة,
2 - هناك حقيقة تحيّر القارئ اليوم، ولكنها كانت عادية للغاية عند اليهود، وهي أن الشخص الواحد كان يمكن أن يحمل اسم أبوين، وينتمي إلى سبطين، أحدهما بالميلاد الطبيعي، والثاني بالمصاهرة, فقد كان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته, ونجد هذا في أماكن كثيرة في العهد القديم، فيقول: ومن بني الكهنة، بنو حبايا، بنو هقّوص، بنو برزلاي الذي أخذ امرأة من بنات برزلاي الجلعادي، وتسمَّى باسمهم (عزرا 2: 61, قارن نحميا 7: 63), وحدث الأمر نفسه مع يائير بن حصرون الذي تزوج من ابنه ماكير أحد رؤساء منسّى، فسمُّوه يائير بن منسّى (1أخبار 2: 21 و22 و7: 14, قارن العدد 32: 40), وقارئ اليوم يتحيَّر في ذلك، ولكن قارئ التوراة من اليهود لم يكن يجد في ذلك ما يحيّر، لأنه يعرف عادات قومه، وعلى المعترض اليوم أن يدرس ويتروَّى قبل أن يهاجم ويعترض,
3 - رجع البشير متى بتسلسل المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وقسم سلسلة النسب إلى ثلاثة أقسام، كل قسم منها يحتوي على 14 اسماً والأقسام الثلاثة هي للآباء، ثم الملوك، ثم نسل الملوك, واعتبر البشير متى أن داود واحد من الآباء، كما اعتبره واحداً من الملوك, ونسب متى المسيح إلى إبراهيم، لأنه كتب إنجيله لليهود,
أما البشير لوقا فقد رجع بتسلسل المسيح إلى العذراء مريم، وقال إن يوسف هو ابن هالي (والد مريم) (لوقا 3: 23), فأطلق على يوسف اسم والد زوجته, ونسب لوقا المسيح إلى آدم، فالله, وقال لوقا إن المسيح على ما كان يُظنّ كان ابن يوسف خطيب مريم العذراء,
4 - لم تكن هناك مشكلة بالمرة للمؤرخ اليهودي أن يُسقط بعض الأسماء من سلسلة النسب، دون أن يمسّ الإغفال تسلسل النسب, لذلك نرى أن متى أسقط أسماء ثلاثة ملوك من سلسلة نسبه، بين يورام وعزيا، هم: أخزيا ويوآش وأمصيا, وهكذا فعل عزرا في سفره (عزرا 7: 1 - 5),
5 - سلسلة النسب كما نراها في متى ولوقا تخدم الهدف الذي لأجله كُتب الإنجيلان، فهي ترينا أن المسيح هو نسل المرأة، الموعود به في تكوين 3: 15 ، فنرى أسماء ثامار الفلسطينية، وراحاب الأمورية، وراعوث الموآبية، ومريم العذراء اليهودية - فالمسيح ابن الإنسان و نسل المرأة ينتمي للبشر جميعاً، هو مخلّص الجميع, ومن جدود المسيح ملوكٌ ورعاة غنم وساكنو خيام، فهو ابن آدم الذي يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون,
والآن لندرس اعتراضات المعترضين في نور الملاحظات الخمس السالفة, ونرجو من القارئ الكريم أن يراجع تعليقاتنا على لوقا 3: 23-38,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 11 ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل - في هذه الآيات ثلاث مشاكل: (1) إن يوشيا لم يكن أبا يكنيا، بل كان جدّ هذا الأمير (كما في 1أخبار 3: 15 و) وأولاد يوشيا هم يوحنان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم، وابنا يهوياقيم يكنيا وصدقيا, (2) لم يكن ليكنيا إخوة، أو بالحري لم تُذكر له إخوة, (3) مات يوشيا قبل سبي بابل بعشرين سنة، فلا يصح أن يكون يكنيا وإخوته وُلدوا عند سبي بابل ,
وللرد نقول بنعمة الله : تزول كل هذه المشاكل بالقراءة التي وُجدت في نسخ كثيرة بخط اليد، وهي قراءة باللغة اليونانية نورد ترجمتها، وهي: ويوشيا ولد يهوياقيم (أو يواقيم), ويواقيم ولد يكنيا (انظر قراءات كريسباغ) فإن يوشيا كان أبا يهوياقيم (الذي يسمي أيضا ألياقيم ويواقيم), وإخوته يوحانان وصدقيا وشلوم (1أخبار 3: 15), ويواقيم كان أبا يكنيا عند سبي بابل الأول، لأن بني إسرائيل سُبُوا ثلاث مرات إلى بابل، فكان أول سبي في السنة الرابعة من حكم يواقيم بن يوشيا في سنة 598 ق,م, ففي هذه السنة استولى نبوخذنصر على أورشليم وسبى كثيرين وأتى بهم إلى بابل, والسبي الثاني حصل في عهد يكنيا بن يواقيم، فانه بعد أن حكم ثلاثة أشهر سُبي في سنة 597 وحُمل إلى بابل مع كثير من وجهاء الأمة الإسرائيلية, والسبي الثالث حصل في حكم صدقيا في سنة 586 ق,م ولهذا قال كالمت: يجب قراءة (الآية 11) هكذا: يوشيا ولد يواقيم وإخوته، ويواقيم ولد يكنيا عند سبي بابل الأول، ويكنيا ولد شألتئيل بعد سبي بابل , والقرينة الدالة على صحة القراءة المتقدمة المذكورة قول متى 14 جيلاً , فإنه لايصح أن يذكر 41 جيلاً ويقول إنها 42 جيلاً, وهاك جدولاً ببيان الأربعة عشر جيلاً أو الاثنين والأربعين جيلاً:
1 ابراهيم 1 سليمان 1 يكنيا
2 اسحق 2 رحبعام 2 شألتئيل
3 يعقوب 3 أبيا 3 زربابل
4 يهوذا 4 آسا 4 أبيهود
5 فارص 5 يهوشافاط 5 ألياقيم
6 حصرون 6 يورام 6 عازور
7 أرام 7عزيا 7 صادوق
8 عميناداب 8 يوثام 8 أخيم
9 نحشون 9 آحاز 9 ألود
10 سلمون 10 حزقيا 10 اليعازر
11 بوعز 11 منسى 11 متّان
12 عوبيد 12 أمون 12 يعقوب
13 يسى 13 يوشيا 13 يوسف
14 داود 14 يواقيم 14 يسوع
ولعل القارىء الكريم يرى أن استشكال المعنى على المعترض سببه التقديم والتأخير,
ويمكن أن نقول إن البشير متى حذف يهواقيم لأنه كان آلة في يد ملك مصر (كما في 2أخبار 36: 4) ولأنه مثل يوآش لم يُدفَن في قبور الملوك بل طُرح على أسوار أورشليم (إرميا 22: 19 و36: 30), ويجوز أن نقول إن يوشيا ولد يكنيا لأنه جدُّه,
قال المعترض الغير مؤمن: الزمان من يهوذا إلى سلمون قريب من 300 سنة، ومن سلمون إلى داود 400 سنة, وكتب متى في زمان الأول سبعة أجيال، وفي الزمان الثاني خمسة أجيال, وهذا غلط بداهة، لأن أعمار الذين كانوا في الزمان الأول كانت أطول من أعمار الذين كانوا في الزمان الثاني ,
وللرد نقول بنعمة الله : تواريخ الدول والأمم تكذِّب دعوى المعترض، فمدة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي هي 29 سنة, ولكن عدد رجال دولة بني أميّة 14 ، أولهم معاوية وآخرهم مروان، ومدتهم 89 سنة، وهي ألف شهر تقريباً، وهي أكثر من مدة الخلفاء الراشدين, فكان يلزم حسب القاعدة التي قرّرها أن يكون المتأخّرون أقصر أعماراً وتعميراً في الأرض، لا العكس, والدولة الفاطمية عمرت في الأرض أكثر من الدولة الأموية وغيرها، فكانت مدة حكمها 205 سنة وعدد خلفائها 14 ، فكانت مدتهم ضعف مدة الدولة الأموية تقريباً، مع أن هذه الدولة حديثة عهد بالنسبة إلى الخلفاء الراشدين وبالنسبة إلى الدولة الأموية,
فالمعترض وضع قانوناً مخالفاً للحقيقة والواقع، وعليه أن يعرف أن أعمار الناس بعد الطوفان هي مثل أعمارهم الآن، بل ربما كانت أعمارهم الآن أطول بالنسبة إلى تقدم العلوم الطبية,
قال المعترض الغير مؤمن: الأجيال في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة التي ذكرها متى هي 18 لا 14 ، كما يظهر من 1أخبار 3, وورد في متى 1: 8 أن يورام ولد عزيا، وفي هذا خطأين: الأول أنه يُعلم منه أن عزيا ابن يورام، وهو ليس كذلك لأنه ابن أخزيا بن يوآش بن أمصيا، والثلاثة كانوا من الملوك المشهورين وأحوالهم مذكورة في 2ملوك 8 و12 و14 ، 2أخبار 22 و24 و25 ، ولا سبب لإسقاط هذه الأجيال سوى الغلط ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) حذف متى أسماء أخزيا ويوآش وأمصيا، لأن يورام خلف أخزيا من عائلة أخآب الوثنية, وكانت زوجة أخآب (إيزابل), فان حذف أسماء هؤلاء الثلاثة كان عقاباً لبيت يورام المذنب إلى الجيل الرابع، لأن الله قال: أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ , فحذف متى أسماء هؤلاء الثلاثة ملوك يدل أنه كان يكتب بإلهام الحكيم العليم,
(2) يجوز أن نقول إن البشير اختصر في الأنساب لتكون أعلق بالأذهان، وهي طريقة معهودة, واستشهد بعضهم على صحة ذلك بقصيدة سامرية حُذفت فيها جملة جدود, ولما سرد عزرا نسب نفسه ليبرهن على أنه من نسل هارون أسقط ستة أجيال (عزرا 7: 1-5 بالمقارنة بأخبار الأول 6: 3-15) فكانت غايته الاختصار وسرعة الوصول إلى المطلوب, والمسلمون يقولون إن محمد هو ابن هاشم، والحقيقة أنه ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وورد في الحديث أنه قال عن نفسه: أنا ابن الذبيحَيْن أي أنه ابن عبد الله وإسمعيل بن إبراهيم,
(3) يجوز أن نقول إنه لم يذكرهم لأن يوآش لم يُدفن في قبور الملوك (2أخبار 24: 25)، ومات الاثنان الآخران مقتولين, هذا مع ملاحظة خطية جدّهم يورام لأنه خلفهم من عائلة أخآب الوثنية,
فيتضح من كل ما تقدم أن الله لاحظ في حذف الملوك الثلاثة: قداسته وحكمته الفائقة, فعلينا أن نبحث في الأشياء التي نجهلها بالتواضع، مقرّين بضعفنا وجهلنا وعجزنا، لا أن نتكبر وندّعي الدعاوي الطويلة العريضة، ونكذّب الوحي الإلهي، ونسدّ آذاننا عن سماع الحق,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 12 أن زربابل ابن شألتئيل، وهو غلط، لأنه ابن فدايا، وابن الأخ لشألتئيل كما في 1أخبار 3: 17 و19 ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد في عزرا 3: 2 و5: 2 وفي نحميا 12: 1 وفي حجي 1: 1 أن زربابل هو ابن شألتئيل, و كذلك قال يوسيفوس, واذا قيل إنه ورد في 1أخبار 3: 19 أن زربابل هو ابن فدايا، قلنا: إن اليهود ينسبون ابن الابن إلى جدّه, ورد في تكوين 29: 25 أن لابان هو ابن ناحور وهو في الحقيقة ابن بتوئيل بن ناحور (تكوين 24: 47),
هذا إذا كانت الآيتان 1أخبار 3: 17 و19 تفيدان أن فدايا هو ابن شألتئيل, ولكن إذا فُهم منهما أن شألتئيل وفدايا كانا أخوين، فيكون زربابل حسب الشريعة اللاوية ابن أحدهما الطبيعي، وابن الآخر بالمصاهرة, فإذا نظرنا إلى قول متى إن زربابل هو ابن شألتئيل وجدناه صحيحاً من كل وجه، فهو موافق لباقي الكتب المقدسة، وموافق للتاريخ,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 13 أن أبيهود ابن زربابل - وهو غلط لأن زربابل كان له خمسة بنين كما في 1أخبار 3: 19 ، وليس فيهم أحد يحمل هذا الاسم ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت عادة اليهود أن يسمّوا الشخص بأسماء متنوعة، وهي عادة جارية عند العرب وغيرهم, لكن انتشرت هذه العادة بين اليهود بنوع خصوصي وقت السبي، والدليل على ذلك ما ورد في دانيال 1: 6 و7, (قابل بين 2صموئيل 3: 3 و1أخبار 3: 1), وذكر البشير متى النسب من زربابل إلى المسيح من الجداول المحفوظة عند اليهود,
وقد كان اليهود حريصين على حفظ جداول أنسابهم بالدقة الكبرى لأن مصلحتهم كانت تستلزم ذلك, وكانت السجلات محفوظة في أورشليم, وكان الكهنة بعد كل حرب يجدّدون جداول أنسابهم ليحققوا مَن مِن نساء الكهنة سُبيت ومن منهن لا تليق أن تكون زوجة للكاهن, وقال يوسيفوس: كانت توجد جداول بنسب اليهود مدة 2000 سنة وحُفظت لغاية خراب أورشليم، وكان بعض الأمراء في السبي يذكرون أن نسبهم يتصل إلى داود، وكان البعض يبرهنون على أن نسبهم يتصل بصموئيل النبي, ويرجع حرص اليهود على حفظ أنسابهم لتباهيهم بأصلهم، وحفظاً لحقوقهم في تقسيم الأراضي، وللمحافظة على وظائفهم, قال يوسيفوس في أوائل تاريخه إنه وجد نسبه في السجلات العمومية المحفوظة عند الأمة اليهودية، فكم بالحري يكون حرص اليهود على المحافظة على السجلات العمومية بحفظ أنساب ملوكهم، وقد كان المسيح من نسل الملوك كما يُعلم من جداول نسبه, فلو خالف البشير متى سجلات اليهود عن ملوكهم لتعرَّضوا له بالرد، ولكن لم يعترض أحد عليه لأنه ذكر الحقائق المقررة المقبولة عند الجميع,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 1: 16 يعقوب ولد يوسف رجل مريم، التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح , ويطلق اسم المسيح على كل حاكم يهودي، صالحاً كان أو فاجراً, ورد في مزمور 18: 50 برج خلاصٍ لملكه، والصانع رحمةً لمسيحه، لداود ونسله إلى الأبد , وأطلق مزمور 132: 10 لفظة المسيح على داود، وهو من الأنبياء والملوك الصالحين, وورد في 1صموئيل 24: 6 قول داود في حق شاول: حاشا لي من قِبَل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي بمسيح الرب، فأمدّ يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو وكذلك ورد في آية 10 لا أمدّ يدي إلى سيدي، لأنه مسيح الرب هو , وكذلك ورد في 1صموئيل 26 وفي 2صموئيل 1: 14, بل أطلقت كلمة مسيح في إشعياء 45: 1 على الملوك والوثنيين هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أطلق اليهود ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لفظة المسيح هي فعيل بمعنى مفعول، يعني ممسوح, وقد كان الإسرائيليون يمسحون أنبياءهم لتكريسهم وتخصيصهم لعملهم المهم، وهو دعوة الناس إلى الحق (1ملوك 19: 16) وكانوا يُسمُّون مسحاء (1أخبار 16: 22 ومزمور 105: 15),
(2) كانوا يمسحون الكهنة من أولاد هارون، بل هارون ذاته (خروج 40: 15 وعدد 3: 3) ثم اقتصروا على مسح رؤساء الكهنة (خروج 29: 29 ولاويين 16: 32),
(3)كانوا يمسحون الملوك لأنهم أولياء الأمور، والملك هو خليفة الله في أرضه (1صموئيل 9: 16 و10: 1 و1ملوك 1: 34 و39) وقد مسح داود ثلاث مرات، وسُمي كورش مسيح الرب لإطلاقه اليهود من السبي,
(4) كانت الأشياء تُمسح بزيت لتكريسها لخدمة الله، فقد مَسَح يعقوب العمود في بيت إيل (تكوين 31: 13) ومُسحت الخيمة والأواني المقدسة (خروج 30: 26-28),
فمن هنا يتضح جواز إطلاق مسيح الرب على الملك، لأن الكتاب المقدس يعلمنا أن الواجب أن تخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتَّبة من الله، حتى أن من يقاوم الملك يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة (انظر رومية 13: 1-8),
(5) أما المسيح يسوع فسُمِّي بالمسيح لأنه مُسح بالروح القدس (لوقا 4: 18 ويوحنا 1: 32 و33 وأعمال 4: 27 و10: 38) وشتان بينه وبين غيره, وهو يسمى المسيا الموعود به، وهذا الاسم لا يشاركه فيه أحد من المخلوقات, ونضرب لذلك مثالاً فنقول إن لفظة عظيم وعادل وعالِم تُطلَق على الله، إلا أنه يجوز إطلاقها على من اتّصف بصفة العظمة والعدالة والعلِم من المخلوقات, ولكن متى أُطلقت على الله كان لها معنى آخر, فكذلك لفظة المسيح يجوز إطلاقها على الأنبياء والكهنة والملوك والقضاة، لأنهم مُسحوا بالزيت علامة تكريسهم للخدمة, ولكن متى أُطلقت على المسيح أفادت معنى آخر، هو أنه الكلمة الأزلي الذي تجسد ومُسح بالروح القدس، وعمل المعجزات الباهرة، وتألم وصُلب وقُبر، وقام، وصعد إلى السماء, ولايصح إطلاق المسيح بهذا المعنى على غيره، بل قد صار عَلَماً عليه خاصاً به , ومتى أُطلقت هذه اللفظة انصرف الذهن إلى هذا الشخص العظيم,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 17 فجميع الأجيال من إبرهيم إلى داود 14 جيلاً, ومن سبي بابل إلى المسيح 14 جيلاً , ويُعلم منها أن بيان نسب المسيح يشتمل على ثلاثة أقسام، كل قسم منها يشتمل على أربعة عشر جيلاً, وهو غلط، لأن القسم الأول ينتهي بداود، وإذا كان داود داخلاً في هذا القسم يكون خارجاً من القسم الثاني، ويبتدىء القسم الثاني لا محالة من سليمان، وينتهي بيكنيا, وإذا دخل يكنيا في القسم الثاني كان خارجاً من القسم الثالث, ويبتدىء القسم الثالث من شألتئيل وينتهي بالمسيح، وفي هذا القسم لا يوجد إلا 13 جيلاً, وحصلت اعتراضات على ذلك، وللعلماء المسيحيين اعتذارات باردة لا يُلتفت اليها ,
وللرد نقول بنعمة الله : نرجو أن يراجع القارىء تعليقنا على متى 1: 12,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 1: 19 أن يوسف أراد تخلية مريم سراً بسبب حبَلها، حتى كلَّمه الملاك في متى 1: 20 مع أن الملاك كان قد أعلن لمريم قبل ذلك أنها ستحبل (لوقا 1: 26 و27), فيكون أن هذين النصَّين متناقضان ,
وللرد نقول بنعمة الله : النصان صحيحان, ظهر الملاك لمريم، ثم ظهر ليوسف, ولم تكن مريم قد أخبرت يوسف بإعلان الملاك لها، لأنها كانت تعلم أن كلماتها وحدها لن تقنع يوسف بأن حَبَلها هو من الروح القدس, ثم أنها كانت تعرف أنها بريئة، وأن الله قد شرَّفها أن تكون أم المخلّص, فلتنتظر حتى تعلن السماء براءتها ليوسف ولغيره,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 22 و23 وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا , والمراد بالنبي هو إشعياء عند علمائهم، فانه ورد في إشعياء 7: 14 يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل ,
وهذا غلط بوجوه, الأول: كلمة العذراء التي ترجمها متَّى ومترجم كتاب إشعياء بالعذراء، هي عَلْمَه مؤنث علم، والهاء فيه للتأنيث, ومعناه عند علماء اليهود المرأة الشابة، سواء كانت عذراء أو كانت غير عذراء , وجاء هذا اللفظ في الأمثال 30 ومعناه المرأة الشابة التي تزوجت , وفُسر هذا اللفظ في كلام إشعياء بالمرأة الشابة، في الترجمات اليونانية الثلاث في ترجمة سنة 129 وسنة 175 وسنة 200, وكلام متى ظاهر, وقال فري في بيان اللغات العبرية إنه بمعنى العذراء والمرأة الشابة, وحَمْله على العذراء خاصة يحتاج إلى دليل,
وللرد نقول بنعمة الله : لما كان اليهود غير مؤمنين بأن يسوع هو المسيح كلمة الله الأزلي، حاولوا تفسير النبوات لكي لا تصدق عليه رغم وضوحها,
على أن مثل هذه الأدلة لا يصح أن يُخاطب بها إلا اليهودي، أو الكافر، فكلاهما لا يعترف بولادة المسيح من عذراء، بخلاف المسلمين الذين يؤمنون أن الله فضّل مريم على نساء العالمين، فورد في آل عمران 3: 42 وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك، واصطفاك على نساء العالمين وورد في التحريم 66: 12 ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه، وكانت من القانتين وورد في المؤمنين 23: 50 وجعلنا ابن مريم وأمه آية , والقرآن ذاته شنّع في اليهود لافترائهم على مريم، فقال في النساء 4: 156 وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً , والدليل على أنها كانت عذراء ما ورد في مريم 19: 20 قالت (أي للملاك) أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، ولم أك بغيّا؟ وفي عدد 21 قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مقضيّاً , فالقرآن شاهد بأن مريم حبلت بالمسيح من الروح القدس، وأن الله فضّلها على نساء العالمين، وأنها حبلت بالمسيح وهي عذراء بكر لم تعرف رجلاً, وكان الواجب على المعترض أن لا يتمسك بالاعتراضات الفارغة التي يستند عليها أعداء المسيح ومريم,
قال المعترض الغير مؤمن: ما سمى أحد المسيح بعمانوئيل، لا أبوه ولا أمه، بل سمياه يسوع, وكان الملاك قد قال لأبيه في الرؤيا: وتدعو اسمه يسوع كما في إنجيل متى، وقال جبريل لأمه: ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع كما في إنجيل لوقا (وهنا حذف المعترض باقي كلام الملاك، وهو قوله: هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى وقوله الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله ), ولم يدّع المسيح في أي وقت أن اسمه عمانوئيل ,
وللرد نقول بنعمة الله : معنى كلمة عمانوئيل الله معنا , و قال متى البشير، بوحي الروح القدس، إن المراد بها هو المسيح، وهي لاشك تدل عليه دلالة المطابقة، فان اللفظ موافق للمعنى، فان الكلمة الأزلي اتخذ طبيعتنا وصار إنساناً, في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ,,, والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً (يوحنا1: 1 و14), قال الرسول (1تيموثاوس 3: 16): عظيم هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد , وقد صرّح المسيح بذلك في جميع تعاليمه, قال في يوحنا 5: 17-24 إنه معادل لله في أعماله وقوته وقدرته وذاته، وأوضح أزليته في يوحنا 8: 25 ، وقال إن الآب فيه وهو في الآب (يوحنا 10: 38), فالكلمة الأزلي، المسيح، اتخذ الجسد, وبعبارة أخرى إنه عمانوئيل أي الله معنا ,
وقد تنبأ النبي إشعياء بهذه النبوّة قبل مولد المسيح بنحو 740 سنة, وتوجدنبوات تختص بالمسيح حرفياً، كما توجد حوادث كثيرة تنبىء عن المسيح وعمله، ورُمز إلى المسيح بأشخاص، فرُمز إليه بداود ملك يهوذا، ولذا تكلم عنه الأنبياء بعد موته بمدة طويلة (هوشع 3: 5 وإرميا 30: 9 وحزقيال 34: 23 و24 و37: 25), فلما سرد متى تاريخ المسيح ذكر تتميم النبوات التي وردت عنه، فذكر أولاً نسَبَه الشرعي من داود وإبراهيم حسب الكتب المقدسة، ثم ذكر أنه كان لابد أن يولد من عذراء حسب نبوة إشعياء، وأنه كان لابد أن يولد في بيت لحم اليهودية حسب نبوة ميخا، ثم استشهد بقوله إن راحيل تبكي على أولادها في الرامة، حسب نبوة إرميا، وإنه كان لابد أن يُدعى من مصر حسب نبوة هوشع، ويسكن في الناصرة ليتم ما قيل إنه سيُدعى ناصرياً, وكانت يد الله ظاهرة بنوع جلي في جميع هذه الحوادث، تحقيقاً لنبوات الأنبياء, ولقد أصاب البشير في تطبيقها على المسيح، فإن الروح القدس الذي أوحى بهذه النبوات في العهد القديم، أوحى أيضاً بتفسيرها في العهد الجديد، فكان الكلام مبنياً على الوحي الإلهي,
قال المعترض الغير مؤمن: من قارن متى 2 بلوقا 2 وجد اختلافاً: يُعلم من قول متى أن أبوي المسيح بعد ولادته كانا يقيمان في بيت لحم، ويُفهم أن هذه الإقامة كانت لمدة تقرب من سنتين، ثم ذهبا إلى مصر وأقاما فيها إلى موت هيرودس، ثم ذهبا وأقاما في الناصرة, ويُعلم من كلام لوقا أن أبوي المسيح ذهبا إلى أورشليم بعد تمام مدة نفاس مريم، ولما قدَّما الذبيحة رجعا إلي الناصرة وأقاما فيها، وكانا يذهبان منها إلى أورشليم في أيام العيد, ولما كان عمر المسيح 12 سنة أقام ثلاثة أيام في أورشليم بدون إطلاع أبويه, وعليه فلا سبيل لمجيء المجوس إلى بيت لحم, ولو أنهم جاءوا فسيجيئون للناصرة, وكذا لا سبيل إلى سفر أبويه إلى مصر، لأن يوسف لم يسافر من أرض اليهودية إلى مصر ولا إلى غيرها ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) التناقض هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب، بحيث يقتضي صدق إحداهما كذب الآخرى، كقولنا زيد إنسان - زيد ليس بإنسان , أما في ما ذُكر فلا اختلاف ولا تناقض بين قول البشيرين متى ولوقا, فعدم ذِكْر لوقا سفر يوسف إلى مصر لا يدل على أن يوسف لم يسافر إليها, غاية الأمر أنه اقتصر على ذكر شيء دون آخر, ويتحقق التناقض إذا قال أحد البشيرين إن المسيح سافر إلى مصر وقال الآخر إنه لم يسافر إليها, ولو اتفق البشيران في الكليات والجزئيات لاتّهمهما الملحدون بالتواطؤ، ولكن تنوُّع طريقة كل واحد في التعبير عن الحوادث التي شاهدها تدل على صدقهم,
وترتيب حوادث ولادة المسيح (أ) سفر يوسف ومريم من الناصرة إلى بيت لحم (ب) ولادة الطفل (ج) تقديمه في الهيكل (د) زيارة المجوس (ه-) الهروب إلى مصر (و) عودتهم إلى الناصرة وإقامتهم فيها,
(2) لو كان الكاتب واحداً وحصل منه اختلاف في سرد القصة بتقديم أو تأخير أو حذف أو زيادة، لكان يُؤاخذ على عمله، ويُرمى كتابه بالتحريف والاضطراب في الفكر, وكتاب الله منزّه عن ذلك, أما ونحن نقرأ ذات القصة يرويها متى ولوقا، فإننا نتوقع أن نجدها كما جاءت في الإنجيل, وهذا دليل صدقها,
فمن طالع متى 2 ولوقا 2 رأى الفحوى واحداً, فإذا رأى اثنان من الأنبياء شيئاً واحداً، لابد أن يحدث تنوّع في طرق التعبير, كما أنه إذا ذكر مؤرخان أو أكثر بعض الوقائع أو الحوادث حصل تنوع من نقص أو زيادة، أو تقديم أو تأخير أو إسهاب أو إيجاز, والذي نعتقده أن الله ألهم الرسل تدوين أقوال المسيح وأعماله وعصمهم عن الخطأ، وكان الواحد منهم بمنزلة قلم في يد الروح القدس، ولو أن الروح القدس لم يبتلع شخصيتهما,
قال المعترض الغير مؤمن: يُعلم من كلام متى أن سكان أورشليم وهيرودس لم يعرفوا بولادة المسيح قبل مجيء المجوس, ويُعلم من كلام لوقا أنه لما ذهب والدا المسيح إلى أورشليم بعد التطهير لتقديم الذبيحة، فسمعان الذي كان رجلاً تقياً ممتلئاً من الروح القدس أُوحي إليه أن لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، فأتى بالروح إلى الهيكل وأخذ الصبي على ذراعيه وقال: أطلق عبدك بسلام لأن عينيّ أبصرتا خلاصك، نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل, وحنّة النبية التقية وقفت تسبح الرب وتكلمت مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم, فلو كان هيرودس وسكان أورشليم معاندين للمسيح لما أخبر سمعان وحنة النبية بهذا الخبر ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال متى إنه لما أتى المجوس إلى أورشليم استفهموا عن ملك اليهود الذي وُلد حديثاً، فلما سمع هيرودس اضطرب وجميع أورشليم معه، وهو أمر طبيعي لأنه خاف على ضياع ملكه, فقول المعترض إنه لا يصح أن يكون هو ورجال دولته وأعيان مملكته معاندين هو خلاف المعهود في طباع البشر, فلا عجب إذا فزع لأنه ظن أن المسيح أتى ليأخذ مملكته, وأما النبي فأوحى إليه الله عن ميلاد المسيح وكذلك حنة النبية, ولم يذكر الإنجيل أن حنة أشاعت هذا الخبر، بل قال إنها وقفت تسبح الله، وتكلمت مع الأتقياء المنتظرين فداءً في أورشليم, وهو لا يستلزم أن الملك سمع بهذا الخبر، فالله أوحى لكلٍّ من سمعان وحنة,
فإذا كان قصد المعترض أن الله أوحى إلى الملك وجميع أورشليم كذلك، لزم أن يكون جميع الناس أنبياء، وهو غريب, ولو سلّمنا له بأن خبر افتقاد الله لشعبه شاع في الهيكل، فلا يلزم من هذا أن الملك ورجال دولته كانوا عارفين به, ولو عرفوا به لما التفتوا إليه، لأنه كان أمراً دينياً لا يهم أرباب السياسة, ولكن لما أتى المجوس وقالوا إنه وُلد ملك، اضطرب هيرودس وجزع,
قال المعترضالغير مؤمن: وردت في متى 2: 1-10 قصة مجيء المجوس إلى أورشليم برؤية نجم المسيح في المشرق، وقيادة النجم لهم بأن تقدَّمهم حتى جاء ووقف فوق الصبي, وهذا غلط، لأن حركات الكواكب السيارة، وكذا الحركة الصادقة لبعض ذوات الأذناب هي من المغرب إلى المشرق، فعلى هاتين الصورتين يظهر كذبها، لأن بيت لحم تقع جنوب أورشليم, نعم إن دائرة حركة بعض ذوات الأذناب تميل من الشمال إلى الجنوب ميلاً ما، لكن هذه الحركة بطيئة جداً من حركة الأرض فلا يمكن أن تُحَس هذه الحركة إلا بعد مدة، وفي المسافة القليلة لا تحس بالقدر المعتدّ به، بل مَشْي الإنسان يكون أسرع كثيراً من حركته, فلا مجال لهذا الاحتمال، ولأنه خلاف علم الضوء أن يرى وقوف الكوكب أولاً ثم يقف المتحرك، بل يقف المتحرك أولا ثم يُرى وقوفه ,
وللرد نقول بنعمة الله : بما أن الإنجيل قال إن المجوس جاءوا من المشرق، فلا تكون أورشليم شمالهم ولا جنوبهم,
أما هؤلاء المجوس فكانوا حكماء يرصدون النجوم والكواكب، وكان اليهود يعتقدون بوجود أنبياء في مملكة سبا، من ذرية إبراهيم من زوجته قطورة، وقيل إن أصلهم من اليهود، وقيل غير ذلك, وقد كان بلعام من جبال المشرق (عدد 22: 5 و23: 7), فظهور أمثال المجوس من المشرق ليس بأمر غريب، وقد أقام الله كورش وأثنى عليه (إشعياء 41: 2 و46: 11),
أما قوله نجمه فليس معناه الكواكب السيارة كما توهَّم المعترض، بل هي حادثة جوية ذات أنوار ساطعة, فإذا ثبت أن المجوس كانوا من اليهود المغتربين في الشتات، فلابد أنهم عرفوا بعض النبوات المختصة بالمسيح، ولا بدّ أنهم اعتقدوا أن هذا الحادث الفلكي هو الكوكب الذي ذكره بلعام في سفر العدد 24: 17, وإذا كانوا من غير اليهود، فلا بدّ أنهم عرفوا من اليهود وقت الشتات، شيئاً عن الفادي المنتظر، فإن اليهود كانوا يعرفون قرب مجيء المسيح (دانيال 9: 25-27) وكانوا يعتقدون أنه سيجيء ملكاً ينقذهم من عبودية الرومان, فلا عجب إذا انتشر هذا في كثير من الممالك، ولا سيما أن كثيرين من اليهود كانوا ساكنين في مصر وروما واليونان، وتوجّه كثير منهم إلى بلاد الشرق، وكانوا يحملون كتبهم معهم حيثما توجهوا, وقال سويتون (أحد مؤرخي روما): كان من المقرر في أذهان سكان الشرق أنه لابدّ من ظهور واحد من اليهودية تكون مملكته عمومية، وأن ذلك كان قَدَراً مقضياً به , وقال تاسيتوس (وهو من مؤرخي روما أيضاً): كان كثيرون يعتقدون أنه ورد في كتب كهنتهم القديمة أنه سينتصر الشرق، ويخرج واحد من اليهودية ويملك الدنيا , وذكر يوسيفوس وفيلو (وهما من مؤرخي اليهود) أن الناس كانوا ينتظرون مجيء منقذ عظيم, وذُكر في كتب الفرس عن زرادشت أنه سيأتي ثلاثة منقذين، اثنان من الأنبياء، أما الثالث وهو زفس، فهو أعظم من الاثنين، ويهزم أهريمان، ويقيم الموتى, فلذلك أتى المجوس إلى أورشليم، وبالاستفهام من أئمة الدين استدلوا أنه يولد في بيت لحم اليهودية، فتوجهوا إليها وقدموا له الهدايا التي لا تليق إلا بالملوك (تكوين 43: 11 ومزمور 72: 15 و1ملوك 10: 2 و10),
وقال الفلكي كبلر إنه في ذلك الوقت حصل اقتران بين المشترى وزُحل، وحصلت حادثة فلكية, ثم أيَّد ذلك العلامة أدلر (من علماء برلين), وقد كشفت الدراسات الفلكية الحديثة خطأ المعترض,
قال المعترض الغير مؤمن: متى 2: 6 تخالف ميخا 5: 2, تقول آية إنجيل متى إن رؤساء اليهود قالوا إن المسيح يولد في بيت لحم اليهودية، واستشهدوا بأقوال النبوة: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لَسْتِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل , ويقول ميخا: أما أنت يابيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل ,
وللرد نقول بنعمة الله : اقتبس الرسول متى قول أئمة اليهود، وهو ليس مسؤولاً عن مطابقته لأصل أقوال النبي أم لا, والمنصف إذا دقق النظر وجد المعنى واحداً، وهو أن المسيح شرَّف تلك الجهة الصغيرة, فالنبي قال بالاستفهام الإنكاري: وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا , بمعنى وأنت لست الصغرى وهو مثل قوله فمن يهدي من أضلّ الله؟ يعني: لا يمكن أن يهدي أحدٌ من أضلَّه الله, وعلى كل حال فالنبي روى مقالهم,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 2: 17 و18 حينئذ تمّ ما قيل في إرميا النبي القائل: صوتٌ سُمع في الرامة، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثير, راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين , وهذا أيضاً غلط وتحريف من الإنجيل، لأن هذا المضمون وقع في إرميا 31: 15 , ومَنْ طالع الآيات التي قبلها وبعدها علم أن هذا المضمون ليس في حادثة هيرودس، بل في حادثة بختنصر التي وقعت في عهد إرميا، فقُتل ألوف من بني إسرائيل، وأُسر ألوف منهم، وأُجلوا إلى بابل, ولما كان فيهم كثير من آل راحيل أيضاً تألمت روحها في عالم البرزخ، فوعد الله أن يُرجع أولادها من أرض العدو إلى تخومهم,
وللرد نقول بنعمة الله : عبّر البشير متى عن قتل الأطفال في بيت لحم بأقوال إرميا النبي، وكانت غاية إرميا النبي في الأصل الإعراب عن التوجّع لما حصل للأمة الإسرائيلية وما حلّ بها من القتل والسبي, وبيان ذلك أنه لما استولى نبوخذنصَّر على أورشليم قتل وجهاءها وأعيانها، وقلع عين ملكها بعد أن قتل ابنيه أمامه، وجمع الأسرى في الرامة ومنهم إرميا النبي, وكان الجميع مكبّلين بالأغلال والسلاسل, ولما سُبُوا من الأوطان وكانوا مزمعين على السفر الأليم، أخذ النبي يتفجع على هذه الحالة ويبكي ويستبكي, ولا شك أن قول النبي إرميا تحقق وتمّ في هذه الحادثة المحزنة أيضاً, ولا يخفى أن راحيل كانت قد ماتت قبل السبي, ومن أنواع البلاغة أن نسَبَ النبي إليها البكاء والنحيب على أولادها وقت السبي، ونسب إليها البكاء على أولادها وقت حادثة بيت لحم، فإن ذبح أطفال بيت لحم هو بمنزلة ذبح أولادها، لأنها مدفونة هناك (تكوين 35: 19) وسكان بيت لحم هم من ذرية زوجها وأختها، فهم أولادها, وعبارة متى هى من أبلغ الأقوال، فقوله: راحيل تبكي على أولادها هو جملة خبرية لفظاً، وأُريد بها إنشاء التحسُّر على ذبح الأطفال, وهذا معهود في اللغة العربية وغيرها، فيجوز للإنسان أن يندب بهذه الصورة، حتى يدعو الشاعر الشجر للبكاء:
أيا شجر الخابور ما لك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريق؟
فكيف لا يجوز نداء الأم لتبكي على أولادها؟
أما قوله إن الأموات يظهر لهم في عالم البرزخ حال أقاربهم، قلنا إن المسيحية لا تؤمن بمثل هذا,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 2: 19 أن هيرودس الملك مات لما كان المسيح طفلاً في مصر، بينما يؤكد لوقا 23: 8 أن هيرودس كان حيّاً بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة، وأن المسيح مثُل أمامه للمحاكمة - فكيف تنكرون هذا التناقض؟
وللرد نقول بنعمة الله : لو رجعت إلى لوقا 3: 1 لاسترحت من الاعتراض! فإن هيرودس الذي مات أثناء طفولة المسيح هو هيرودس الكبير، الذي حكم فلسطين بتفويض من الرومان, ولما مات انقسمت مملكته إلى أربعة أقسام، فحكم ابنه هيرودس أنتيباس على الجليل (لوقا 3: 1) وهو المعروف برئيس الربع (متى 14: 1), وهذا هو هيرودس الذي حاكم المسيح (لوقا 23: 6 و7 قارن لوقا 3: 1), وهو نفسه هيرودس الذي يتحدث عنه سفر الأعمال 4: 27,
وهناك هيرودس آخر، هو هيرودس أغريباس المذكور في أعمال 12: 1 و23, وقد ذكر هذا المؤرخ اليهودي يوسيفوس، والمؤرخ الروماني تاسيتوس,
ولا يصعب على المعترض أن يدرك أن عدة أشخاص يمكن أن يحملوا نفس الأسم، خصوصاً وأن الحفيد يحمل اسم جده,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى2: 23 وأتى وسكن في مدينة يُقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعَى ناصرياً , وهذا غلط، ولا يوجد في كتاب من كتب الأنبياء, وينكر اليهود هذا الخبر أشد الإنكار، ويعتقدون أنه لم يقم نبي من الجليل فضلاً عن الناصرة كما في يوحنا 7: 52, وقال الكاثوليك إن اليهود ضيّعوا هذه الكتب قصداً وإن فم الذهب قال إن اليهود ضيَّعوا كتباً من غفلتهم ولعدم ديانتهم ومزقوا بعضاً وأحرقوا البعض الآخر ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1)لم يخصّ البشير متّى بالذكر نبياً بعينه في 1: 22 و2: 15 و17 بل قال بالأنبياء بصيغة الجمع, وقال العلامة إيرونيموس: نقل متى البشير أقوال الأنبياء بالمعنى فقط , فإن كلمة الناصري تفيد الاحتقار، وكان الإسرائيليون يزدرون بالجليليين عموماً وبالناصريين خصوصاً, فلفظة ناصري هي كلمة احتقار تُطلق على الدنيء، وكان اليهود يسمّون اللص الشقي ابن ناصر , واستعمل مؤرخو اليهود هذه اللفظة في المسيح، فقال المؤرخ اليهودي آبار بينال إن القرن الصغير (دانيال 7: 8) هو ابن ناصر، يعني يسوع الناصري, وكثيراً ما يطلق اليهود وأعداء المسيحيين لفظة ناصري على المسيح ازدراءً به وتهكماً عليه، فكانت إقامته في الناصرة من أسباب ازدراء أهل وطنه به ورفضهم إياه, فلما قال فيلبس لنثنائيل: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة قال له نثنائيل: أَمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ (يوحنا 1: 46), ولما دافع نيقوديموس أحد أئمة اليهود عن يسوع، قال له أعضاء مجلس الأمة: فتش وانظر، إنه لم يقم نبي من الجليل (يوحنا 7: 52) وبما أن الأنبياء تنبأوا في محال كثيرة (مزمور 22: 6 و59: 9 و10 وإشعياء 52 و53 وزكريا 11: 12 و13) أن المسيا يُحتقر ويُرفض ويُزدرى به، كانت نبواتهم هذه بمثابة قولهم إنه ناصري , وعلى هذا لما قام المسيح في الناصرة قال إن نبوات الأنبياء قد تحقَّقت (لوقا 4: 21), فكما أن النسب يكون للشرف، كذلك يكون للضِّعة، بالنسبة إلى رفعة أو ضعة البلاد التي يُنسب إليها الإنسان, وقولنا ناصري هو بمنزلة محتقر كعِرْقٍ من أرضٍ يابسة لا صورة له ولا جمال (إشعياء 53: 2),
أما قول فم الذهب إن اليهود ضيَّعوا كتبهم لمعاكسة المسيحيين وإنهم مزقوا بعضها وأحرقوا بعضها فهو افتراء محض، فكتبهم التي يتعبدون بتلاوتها لغاية الآن تشهد للمسيح، وتوضّح صفاته وكمالاته وآلامه موته وصلبه وعمل الفداء العجيب، بل أوضحت بالدقة وقت تجسّده ومكانه، بحيث لو لم يكن الإنجيل بيننا لعرفنا فحواه من التوراة, فلو مزقوا شيئاً أو أحرقوه لظهر اختلاف بين الإنجيل والتوراة، مع أنه لا يوجد أدنى اختلاف في التعاليم الجوهرية, والفرق بين اليهود والمسيحيين هو أن اليهود لا يزالون ينتظرون مجيء المسيح، أما المسيحيون فيعتقدون أنه أتى,
(2) ويجوز أن متى نقل أقوال الأنبياء بالمعنى, وقوله ناصري من جوامع الكلام، يشتمل على معانٍ كثيرة جداً لا تقوم مقامها الألفاظ الكثيرة, والنقل بالمعنى جائز كما قرروه في أصول الفقه، فيجوز نقل الأحاديث بطرق كثيرة فيجوز (أ) أن يُروى الحديث بلفظه (ب) يجوز أن يُروى بغير لفظه, (ج-) يحذف الراوي بعض لفظ الخبر (د) أن يزيد الراوي على ما سمعه (ه-) أن يحتمل الخبر معنيين متنافيين فاقتصر الراوي على إحدهما (و) أن يكون الخبر ظاهراً في شيء فيحمله الراوي على غير ظاهره، إما بصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه أو بأن يصرفه عن الوجوب إلى الندب، أو من التحريم إلى الكراهة, فمتى نقل بالمعنى أقوال الأنبياء وهو جائز,
فيتضح مما تقدم (1) أن الأنبياء تنبأوا عن المسيح بأنه يُحتقر ويُرذل، وهو مثل قوله ناصري , (2) لا نتعجب من اليهود إذا أنكروا النبوات عن المسيح، فإنهم لا يؤمنون به، وهم الذين قتلوا أنبياءهم ورجموهم, (3) نقل متى أقوال الأنبياء بالمعنى,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 3: 1 وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية ولما كان في آخر أصحاح 2 ذكر حكم أرخيلاوس لليهود بعد موت أبيه، وانصراف يوسف مع مريم والمسيح إلى نواحي الجليل وإقامته في ناصرة، يكون المشار إليه بلفظ تلك هذه المذكورات، فيكون معنى هذه الآية: لما حكم أرخيلاوس، وانصرف يوسف النجار إلى نواحي الجليل، جاء يوحنا المعمدان , وهذا غلط لأن وعظ يوحنا كان بعد 28 سنة من الأمور المذكورة ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1)يعود إسم الإشارة إلى أقرب مذكور كما هو مقرّر في علوم اللغة, ولكن التعسف جعل المعترض يعود إلى أبعد مذكور, والمتبادر إلى الذهن هو أن مراد البشير بقوله تلك الأيام هو أيام سكن المسيح في الناصرة وهو أقرب مذكور، لأنه قال: وأتى وسكن في مدينة يُقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعى ناصرياً ثم قال: وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان ,
(2) الكلام مُسَاق على يوسف وسكن المسيح في الناصرة، لأنه هو المقصود بالذات, وإنما ذكر أرخيلاوس ليوضح بدء إقامة المسيح في الناصرة، وأنه أقام فيها سنين عديدة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 3: 2 توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات وهي كلمات يوحنا المعمدان وكررها المسيح (متى 4: 17), وملكوت السموات إشارة إلى مملكة الإسلام (انظر متى 13: 31 و32) ,
وللرد نقول بنعمة الله : يجب لفهم معنى ملكوت السموات أو ملكوت الله أن نراجع المواضع التي وردت فيها هذه العبارة، ففي متى 12: 28 قال المسيح (له المجد): ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله وفي مرقس 9: 1 قال لتلاميذه: الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة , وفي مواضع أخرى يصرح أن هذا الملكوت يبدأ به في حياته، ثم يمتد بعد موته ويكمل بعد مجيئه ثانية ليدين المسكونة بالعدل ويحكم بالحق والإنصاف (دانيال 7: 13 و14 ورؤيا 11: 15), وأما في الوقت الحاضر فملكوت الله آخذ في الامتداد يومياً بواسطة الكرازة بالإنجيل ودعوة الناس للدخول فيه (متى 28: 8-20), وليس ملكوت السموات نظير ممالك العالم (يوحنا 18: 36) وهو لا يأتي بأبَّهة عالمية (لوقا 17: 20) وأعضاؤه هم المساكين بالروح (متى 5: 3) لا المتكبرين ولا عظماء هذا الدهر, ولا يقدر أحد أن يدخل هذا الملكوت ما لم يولد من جديد ولادة روحية (يوحنا 3: 3 و5) ومن المستحيل أن يدخل إليه الأشرار (1كورنثوس 6: 9 و10 وغلاطية 5: 20 و21 وأفسس 5: 5) ولهذه البراهين والأدلة لا معنى لقول المعترض,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 3: 14 أن المسيح أتى إلى يوحنا ليعتمد منه، فمنعه يوحنا قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ! ثم اعتمد المسيح وصعد من الماء، فنزل عليه الروح مثل حمامة, وورد في يوحنا 1: 33 وأنا لم أكن أعرفه (وعرفتُه بنزول الروح مثل حمامةٍ ونارٍ), وفي متى 11: 3 لما سمع يوحنا بأعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه يسألونه: أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ , في الأول عرف يوحنا قبل نزول الروح، وفي الثاني عرفه بعد نزول الروح، وفي الثالث لم يعرفه بعد نزول الروح ,
وللرد نقول بنعمة الله : قول يوحنا لم أكن أعرفه معناه أنه لم يكن يعرفه قبل نزول الروح القدس أي قبل سماع الصوت من السماء هذا هو ابني الحبيب , وكل إنسان له أحوال، فله حالة قبل المعرفة وحالة بعدها، بعد أن تكون قد ظهرت له الأدلة بصحة الدين, وكذلك للأنبياء حالات قبل الوحي وبعده, فالله المعلم الحقيقي أوحى إلى يوحنا بأن المسيح هو الموعود به، فشرح حاله قبل هذه المعرفة بقوله وأنا لم أكن أعرفه , ثم قال: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ ,
وإذ تقرر ذلك فلا تناقض، فإنه يلزم في التناقض اتحاد الزمان والمكان, ولا اتحاد هنا في الزمان,
أما إرسال يوحنا التلميذين إلى المسيح فهو لكي يوقفهما على الحقائق بنفسيهما، ليصدّقا بالعيان، ولاسيما إن يوحنا كان مسجوناً وقتئذ ولم تتيسّر له مشاهدة المعجزات الباهرة التي صنعها المسيح، فلذا قال لهما المسيح: اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران: العُمي يبصرون، والعرج يمشون، والبُرْص يُطهَّرون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبشَّرون , فيصدقون بعد رؤية المعجزات الباهرة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 3: 15 قول المسيح للمعمدان بخصوص معمودية المسيح اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر , وهذا يعني أن بعض الفرائض الدينية لا فائدة منها ولا معنى روحي لها ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) كان الغرض من معمودية يوحنا المعمدان إعلان توبة قومية تشترك فيها الأمة الإسرائيلية كلها، للدخول في حياة جديدة، وبدء ملكوت جديد, وقد رأى المسيح أن يعتمد من يوحنا، لا لأنه خاطئ يتوب، لكن لأنه يمثّل الأمة التي يريد لها التوبة, فهو ابن الإنسان الذي يريد أن يخلّصنا,
وعند مراجعة تاريخ بني إسرائيل نرى أن الأتقياء الصالحين اشتركوا مع الخطاة الضالين أوقات التذلل والتوبة القومية, هكذا فعل دانيال بالرغم من شدة صلاحه (دانيال 9: 4),
ولما رأى المسيح أن معمودية يوحنا فرضٌ يهودي في عصره لم يختلف عن قومه في هذا الواجب، ليشجع التائبين، وكأنه يقول: لا أعفي نفسي من القيام بكل ما يطلبه الله من بني إسرائيل في الواجبات العمومية,
(2) وكان الغرض من معمودية المسيح هو افتتاح خدمته رسمياً, ولم يكن قبول المسيح المعمودية على شواطئ الأردن أصعب من قبوله فداءنا على الصليب, لقد شارك المسيح الناس في ممارسة فريضة دينية هامة,
قال المعترض الغير مؤمن: اختلف البشيرون في رواية خبر الصوت الذي سُمع من السماء وقت نزول الروح القدس على المسيح، فقال متى 3: 17 هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت , وقال مرقس 1: 11 أنت ابني الحبيب الذي به سُررت وقال لوقا 3: 22 أنت ابني الحبيب الذي بك سُررت ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يجرؤ أحد على القول إن جوهر العبارات مختلف، لأن المعنى المقصود فيهما واحد, على أننا لا ننكر وجود اختلاف في الأسلوب, فبحسب الوارد في مرقس الكلام موجَّه إلى المسيح, ولكن حسب الوارد في متى العبارة مقولة عنه، ويُرجّح عندنا أن مرقس أورد نص كلام الأب كما هو, أما متى فقد جاء بخلاصته, وللإيضاح نضرب مثلاً: فلنتصور عدداً من الناخبين أجمعوا على انتخاب ممثل لهم فدوَّن أحدهم محضر الجلسة: أجمع الناخبون على انتخاب فلان، وصاحوا مشيرين إليه: أنت هو الرجل الجدير بالثقة , وجاء آخر بخلاصة المحضر نفسه فقال: حاز فلان ثقة جميع الناخبين، وقالوا عنه: هذا هو الرجل الجدير بالثقة , فهل يمكن في حال كهذه اتّهام التقريرين بالتناقض؟
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 4: 5 ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وفي آية 8 ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً وفي آية 12 وانصرف المسيح إلى الجليل وفي آية 13 وترك الناصرة وأتى فسكن في كفر ناحوم التي عند البحر , وورد في لوقا 4: 5 ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وفي آية 9 ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل وفي آية 14 ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وفي آية 15 وكان يعلّم في مجامعهم وفي آية 16 وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربّى ,
وللرد نقول بنعمة الله : أخذ المعترض شطراً من بعض آيات، ولكنه ترك باقي الكلام، الذي يبرهن أن المسيح توجَّه إلى كفر ناحوم، ففي لوقا 4: 31 ذكر أن المسيح انحدر إلى كفر ناحوم، وعليه فلا يوجد أدنى تناقض ولا اختلاف، فإن متى ولوقا قالا إن المسيح توجَّه إلى الجليل ثم ترك الناصرة لما رفضته ثم أتى إلى كفر ناحوم,
أما من جهة تجربة المسيح فذكر متى: (1) تحويل الحجارة خبزاً (2) طلبه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل (3) أن يسجد للمجرّب (4) أن يطرح نفسه من جناح الهيكل, فمتى ذكر التجارب بحسب ترتيب الزمان، أما لوقا فراعى ترتيب المكان، وذكر التجربتين اللتين حصلتا في البريّة أولاً، فإن طلب تحويل الحجارة خبزاً وطلب السجود للمجرّب كانا في البرية,
قال المعترض الغير مؤمن: من قارن بين متى 4: 18-22 ومرقس 1: 16-20 ويوحنا 1: 35-46 وجد ثلاثة اختلافات في دعوة التلاميذ, (1) قال متى ومرقس إن المسيح دعا بطرس وأندراوس ويوحنا عند بحر الجليل فتبعوه، أما يوحنا فقال إن المسيح رأى غير هؤلاء عند عبر الأردن (2) يُفهم من متى ومرقس أنه رأى أولاً بطرس وأندراوس على بحر الجليل، وبعد هنيهة لقي يعقوب ويوحنا على هذا البحر, وقال يوحنا إن يوحنا وأندراوس لقياه أولاً بقرب عبر الأردن، ثم قاد أندراوس أخاه بطرس للمسيح, وفي الغد لما أراد المسيح التوجه إلى الجليل رأى فيلبس ثم جاء نثنائيل بهداية فيلبس ولم يذكر يعقوب (3) ذكر متى ومرقس أنه لما لقي المسيح التلاميذ كانوا يشتغلون بإلقاء الشبكة وبإصلاحها، ويوحنا لم يذكر الشبكة بل ذكر أن يوحنا واندراوس سمعا وصف المسيح ليوحنا وجاءا للمسيح، ثم جاء بطرس بهداية أخيه ,
وللرد نقول بنعمة الله : ذكر يوحنا في إنجيله أول مقابلة بين المسيح للتلاميذ، أما مرقس ولوقا فذكرا حادثة جاءت بعد ذلك هي دعوة المسيح للتلاميذ ليكونوا رسلاً, والدليل على ذلك (1) اختلاف المكان، فيوحنا ذكر ما حصل في بيت عبرا في عبر الأردن، أما متى ومرقس فذكرا ما كان عند بحر الجليل,
(2) مما يدل على أن هذه أول مرة سمعوا فيها المسيح قول يوحنا وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه، فنظر إلى يسوع ,,, فتبعا يسوع ,
(3) مما يدل على أنها غير الدعوة الرسولية قول يوحنا في آية 39 إنهما مكثا عنده ذلك اليوم، يعني أنهما عادا ثانية إلى أشغالهما الاعتيادية,
(4) الدعوة المذكورة في متى ومرقس هي الدعوة الرسولية، والدليل على ذلك قول المسيح لهما: هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس ,
(5) يسلم المعترض أن يوحنا قال إنه لما كلمهم لم يكونوا مشتغلين بشباكهم, والحاصل أن متى ومرقس ذكرا دعوة المسيح للرسل ليكونوا رسلاً لتعليم الناس، أما يوحنا فذكر أول اجتماعه ببعضهم في مكان غير المكان الذي دعاهم فيه المسيح، وحينئذ فلا يوجد تناقض، لأنه يلزم من التناقض اتحاد الزمان والمكان وغيره,
قال المعترض الغير مؤمن: يقول متى 5: 1 و2 إن المسيح ألقى موعظته الأولى من على جبل، بينما يقول لوقا 6: 17 و20 إنها أُلقيت في سهلٍ ,
وللرد نقول بنعمة الله : هاتان عظتان أُلقيتا في مناسبتين مختلفتين، ولو أن بعض أفكارهما متشابهة, ولا يمكن أن يجزم أحدٌ بأن أيّاً منهما هي عظة المسيح الأولى,
قال المعترض الغير مؤمن: كيف يقول المسيح: طوبى للحزانى (متى 5: 4) بينما يطالب بولس المؤمنين بالفرح في فيلبي 4: 4؟
وللرد نقول بنعمة الله : طوبى لمن يحزن على خطاياه، فينال الفرح الناتج عن الغفران الذي يهبه الله للتائبين, نبدأ بالحزن الذي يتبعه الفرح,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 5: 9 طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون وورد في متى 10: 34 ما جئتُ لألقي سلاماً بل سيفاً , فبين الكلامين اختلاف ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على متى 10: 34
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 16 فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات , ولكن جاء في متى 6: 1 احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم, وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات , وهذا يعني أن المسيح يقول في موعظة واحدة إنه يجب أن يضيء نورنا حتى يرى الناس أعمالنا الحسنة, ويقول أيضاً إنه يجب علينا أن نعمل الصالحات سراً حتى لا يرانا الناس, فكيف يمكننا التوفيق بين هذين القولين؟
وللرد نقول بنعمة الله : ما جاء في متى 5: 16 وما قبله يحرض فيه المسيح تلاميذه على الأعمال الصالحة، معلّماً إياهم أنهم جاهزون لخدمة الله والناس، مشبِّهاً إياهم بملح الأرض ونور العالم, فالمواهب المعطاة لهم يجب استثمارها وعدم إهمالها, فبصفتهم ملحاً كانت لهم قوة الشفاء والتطهير، وبصفتهم نوراً وجب عليهم أن يكونوا قادة ومرشدين, وفي متى 6: 1 يشير المسيح إلى الباعث الذي منه يجب أن تصدر الأعمال الصالحة, فيعلِّمنا أن أعمالنا لكي تكون مرضيَّة عند الله ينبغي أن يكون الباعث عليها روح التواضع والإخلاص، لا روح العُجْب وحب الظهور, ويجب أن يكون الغرض الموضوع أمامنا مجد الله وخير الآخرين, وفي متى 5: 16 يقول المسيح اعملوا أعمالاً صالحة حتى يراها الناس فيتمجد اسم أبيكم السماوي الإله العظيم وفي متى 6: 1 يقول لا تعملوا الأعمال الصالحة وغرض قلوبكم اكتساب مدح الناس، إذ في حالة كهذه تضيع قيمتها أمام الله ,
وبالإجمال نقول إن المسيح في إحدى الآيتين يدلّنا على الأعمال الصالحة، وفي الأخرى يحذرنا من إتيان الأعمال الصالحة عن باعث سيء,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 17-19 لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل, فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل , ولكن جاء في غلاطية 4: 10 و11 أتحفظون أياماًوشهوراً وأوقاتاً وسنين؟ أخاف عليكم أن أكون قد تعبْتُ فيكم عبثاً , فيقول بولس إن الناموس الخاص بحفظ الأيام والشهور والأوقات والسنين لا علاقة له بَعْد بالمؤمنين، والمسيح يقول: لا يسقط حرف واحد من الناموس ,
وللرد نقول بنعمة الله : أمدَّنا الكتاب المقدس بالمعلومات اللازمة لملاشاة الصعوبة الظاهرية, فيعلمنا أن لله ناموساً صالحاً مقدساً ثابتاً إلى الأبد، هو الناموس الأخلاقي, فقول المسيح: لا تسقط نقطة واحدة أو حرف واحد من الناموس قصد به الناموس الأخلاقي, كما أن بولس نفسه يثبت في رسالة غلاطية أن ناموس الله الأخلاقي لا يُنقَض, وعلى القارئ أن يدرس غلاطية 5: 19-21 ليرى أنه لا يمكن أن يُستفاد من كلام بولس بُطلان التمييز بين الخير والشر (قابل رومية 3: 31), هذا الناموس يديننا لأننا لم نحفظه, وليس معنى خلاصنا أن الناموس قد أصبح ميتاً لكوننا في عهد النعمة، فإن نائبنا الرب يسوع المسيح قد وفّاه إلى التمام, ويجب أن نذكر أيضاً أن بعض النواميس الواردة في العهد القديم كان المقصود بها شعب إسرائيل دون سواهم، وكانت ثابتة في تدبير العهد القديم فقط, ونجد في أسفار العهد القديم إشارات ومواعيد تثبت هذه الحقيقة (قارن إرميا 31: 31-34), وقد أورد كتبة العهد الجديد فصولاً عديدة تفيد هذه الحقيقة المجيدة وهي تحريرنا من عبودية الناموس الطقسي (قارن أعمال 15: 7-11 وكولوسي 2: 2-16 و17 وأفسس 2: 15)
سلسلة الآيات هذه تتفق مع ما جاء في رسالة غلاطية حيث يوبخ بولس المؤمنين المتزعزعين على تمسّكهم بالفروض القديمة التي تقضي بضرورة حفظ الأيام والشهور والأوقات والسنين, فما يُستفاد من تعليم بولس هو أن تلك الفرائض كان يجب حفظها طالما كان الناموس المختصّ بها سارياً، أي في العهد القديم, ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه (غلاطية 4: 4) وإذ ذاك بَطُل عهد الناموس، وتوقفت الفرائض الطقسية التي أعطاها الله بواسطة موسى, فالكتاب بجملته يفيد ويؤكد أن الناموس الطقسي كان سارياً إلى وقت مجيء المسيح فقط, إن الفصلين صادقان, فبولس يتكلم عن الناموس الطقسي، والمسيح يشير إلى الناموس الأخلاقي,
قال المعترض الغير مؤمن: أعلن المسيح في متى 5: 17 انه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله, ولكن يناقض هذا قول العبرانيين 7: 18 فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها ,
وللرد نقول بنعمة الله : تقدم الموعظة على الجبل (التي اقتبس منها متى 5: 17) مثلاً بعد آخر يبرهن أن المسيح أكمل الناموس والأنبياء ولم ينقضهما, ولا زلنا نحن المسيحيين نحترمهما ونقرأهما في عبادتنا بالكنائس,
أما ما جاء في العبرانيين 7: 18 فيتحدث عن أحد أجزاء الشريعة التي بطلت بعد تحقيق الغرض منها، مثل الذبائح التي طالبت شريعة موسى بها, فهذه كانت تشير إلى حاجة البشر لذبيحة المسيح الكفارية، فلما تمت الذبيحة على الصليب لم تعد هناك حاجة للذبائح التي طالبت شريعة موسى بها,
لقد كانت أجزاء الشريعة التي بطلت مثل الشيك على البنك، تبطل قيمته بعد صرف المبلغ من البنك, ونحن لا نقول إن البنك ألغى الشيك، بل أكرمه بأن دفع قيمته,
ولم يكن ناموس موسى للعالم كله، ولكنه كان عهداً بين الله وبني اسرائيل, أما ما به من مبادئ فأزلي دائم, فالمبادئ دائمة، لكن تفاصيلها تناسب عصرها وظروفها,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 22 من قال لأخيه: رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم , ولكن المسيح قال للفريسين إنهم حمقى (متى 23: 17) وقالها بولس لأهل كورنثوس (15: 36) ولأهل غلاطية (3: 1) ,
وللرد نقول بنعمة الله : ليس المهم في الكلمة التي تُقال، بل في روح قولها, الذي ينهانا المسيح عنه هو قولة الغضب لإذلال الناس والسخرية منهم والإقلال من شأنهم, ولكن كلمة التوبيخ الذي يريد الصالح العام، بدافع الرغبة في الإصلاح، هي كلمة لازمة, كان المسيح وبولس يصفان مستمعيهما، لا بهدف تفشيلهم، بل لإبعادهم عن تصرفات الحماقة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 39 وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر, بل من لطمك على خدّك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً ولكن جاء في لوقا 22: 36 فأقول لكم الآن: من له كيس فليأخذه ومذود كذلك, ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتري سيفاً , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : من يدَّعي وجود تناقض بين هاتين الآيتين يرى افتقاره الكلي إلى الفهم الروحي, في متى 5: 39 يقول يسوع ما معناه إذا وقع عليك اعتداء فتحمَّلْهُ بكل صبر، ولا تقابلْهُ بالنقمة , هذه العبارة المقتبسة من موعظة الجبل تسبق مباشرة أمر يسوع لتلاميذه بمحبة الأعداء, فيسوع بقوله لا تقاوموا الشر يشير إلى إحدى الطرق التي بها نُظهر المحبة للأعداء, فإذا وقع علينا ظلم يجب أن نقابله بالمحبة لا بالنقمة, فبدلاً من أن نسيء إلى من يعتدي علينا يجب أن نخدمه بحسب حاجته، إظهاراً للمحبة,
وهنا يسأل سائل إذا سطا على بيتنا لصّ، ألا يجوز أن نستغيث برجال الشرطة أم نترك أمتعتنا للنهب؟ وردّاً على هذا نقول إن في مثل هذه الأحوال يجب أن ننقاد بروح المحبة والرأفة لا بروح الحقد والانتقام, إذا أضرم عدو ناراً في بيتنا مثلاً، فمحبتنا لذوينا توجب علينا إخماد النار, وعملٌ كهذا تقضي به حتى محبتنا لأعدائنا, لأننا إن قصّرنا في إخماد النار يزداد الشر الذي قصده العدو, والخلاصة أن المسيح يقصد تعليم هذا المبدأ اغلب الشر بالخير (رومية 12: 21),
إن محبتنا للص تجعلنا نوقفه عن السرقة، ومحبتنا للكاذب تجعلنا نوقفه عن الكذب، ومحبتنا للدكتاتور تجعلنا نوقفه عن دكتاتوريته,
كما أن محبتنا للمسروق تجعلنا نحميه من أن يسرقه اللصوص، ومحبتنا للمخدوع تجعلنا نحميه من الذي يكذب عليه، ومحبتنا للمظلوم تجعلنا نحميه من الذي يظلمه, والمحبة إيجابية فعّالة,
نحتاج إذاً إلى روح تمييز لنعرف كيف لا نقاوم الشر، وكيف نقاوم الشر، فإن الطريقة التي بها نظهر المحبة للأعداء يكون الحكم فيها بحسب الظرف الواقع,
قال المعترض الغير مؤمن: في متى 5: 48 يطالبنا المسيح أن نكون كاملين, وهكذا يطالب الرسول بولس في فيلبي 3: 15 ولكن بولس في فيلبي 3: 11 و12 يقول إنه لم يصل للكمال ,
وللرد نقول بنعمة الله : الكمال المطلوب هو كمال النيّة في طاعة الله، إذ يريد الإنسان بكل قلبه وإرادته أن يطيع, والكمال الذي لا يبلغه الإنسان هو كمال النضوج المسيحي، فكلما بلغ درجة من الكمال وجد درجة أعلى لم يبلغها بعد, فعلينا بكل النية أن نسعى وراء الكمال، عالمين أننا لم نبلغ القمة بعد، ونظل طول عمرنا نتقدم للأمام,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 6: 7 و8 وحينما تصلّون لا تكرّروا الكلام باطلاً كالأمم، فإنهم يظنّون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم, فلا تتشبَّهوا بهم, لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه , ولكن جاء في متى 18: 1 ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُملّ , يقول أحد الفصلين: صلوا بالإيجاز، ويقول الآخر: صلوا على الدوام وبلا انقطاع ,
وللرد نقول بنعمة الله : يكفي قليل من التأمل للدلالة على عدم تناقض القولين، فمتى يتكلم عن صلاة ظاهرية قاصرة على مجرد كلام, وقد زعم الأمم أن قيمة الصلاة في عدد كلماتها وكثرتها، ولذا كانوا يكررون أقوالاً وعبارات كثيرة بطريقة ميكانيكية دون أن تعبّر أقوالهم عن معانٍ في قلوبهم، فوبَّخ المسيح صلاةً كهذه بأسلوب صارم للغاية,
ولكن توجد في الوقت نفسه صلاة مستمرة مقبولة عند الله ومرضيّة أمامه، وهي صراخ القلب إليه باشتياق وإخلاص, وصاحب هذه الصلاة لا يفشل إذا أبطأ الرب في الإجابة, على أن المؤمن عند عدم استجابة صلاته سريعاً معرَّض لخطر الشك في استماع الله له فيكفّ عن الصلاة, ولذا يحثّنا المسيح في لوقا 18: 5-7 على الاستمرار في الصلاة حتى ولو ظهر كأن أبواب السماء موصدة في وجوهنا, والخلاصة أن المسيح يوبخ صلاة الأمم المطوَّلة المجرَّدة من المعنى وما يشابهها, ومن الجهة الأخرى يحضّ على اللجاجة في الصلاة الصادرة من قلب واثق مخلص,
ويحسن بنا أن نذكر أن بولس في 1تسالونيكي 5: 17 يحض على المواظبة على الصلاة قائلاً: صلّوا بلا انقطاع وكأنه يقول: لتكن حياتكم بالجملة حياة صلاة، ولتكن لكم دائماً شركة دائمة مع الله, عند أول وهلة يظهر قول كهذا مناقضاً لتعليم يسوع عن بطلان كثرة الكلام (متى 6: 7) ألا يعلم الله كل احتياجاتنا؟ فلماذا إذن نستمر في تكرار الطلب والتضرع إليه؟ الرد هو أن المسيح يعلّمنا أنه من الخطأ أن نظن أن كثرة الكلام تزيد الله علماً باحتياجاتنا، فمن هذا القبيل لا حاجة إلى الكلام مطلقاً، لأن الله يعلم كل احتياجاتنا قبل أن نعرفها نحن, ولكن في 1تسالونيكي 5: 17 يتكلم بولس عن حالة القلب، فيحضّنا أن نحيا دائماً في جوّ الصلاة، فنفتكر عن الله وننشغل به كما يفعل الطفل من جهة أبويه, فيجب أن نرغب على الدوام في بَسْط كل مسائلنا ومشاكلنا أمامه، والانقياد على الدوام بكلمته وروحه,
فنرى إذاً أن هذين الفصلين لا يتضمَّنان أقوالاً متناقضة، بل يؤيدان حقيقتين مهمتين: أولاهما أن الصلاة يجب أن لا تكون ميكانيكية على أساس الظن أن فاعليتها تتوقف على كثرة الكلام, والثانية أن حياة المسيحي يجب أن تكون حياة صلاة غير منقطعة وشركة دائمة مع الله,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 6: 13 ولا تُدْخلنا في تجربة لكن نجِّنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين , وجملة لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد إلحاقية، ولا توجد في التراجم اللاتينية ولا في غيرها ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه التسبحة ثابتة في نسخ عديدة قديمة, ومما يدل على إنها أصلية وليست ملحقة: (1) كان اليهود يختمون صلواتهم بجملة تسبيحات تشبه الصلاة الربانية, قال آدم كلارك: ثبت عندي أنها أصلية لقدمها , (2) لأنها ثابتة في نسخ عديدة,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 6: 18 فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية , قال آدم كلارك إنها زائدة، وإن كرسباخ ووتستين وبنجل أسقطوها من المتن ,
وللرد نقول بنعمة الله : في أول متى 6 تكلم المسيح عن الصدقة والصلاة والصوم، فقال: فمتى صنعت صدقةً فلا تصوِّتْ قدامك بالبوق إلى أن قال فلا تعرِّفْ شمالك ما تفعل يمينك , ثم قال في آية 4 لكي تكون صدقتك في الخفاء, فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية , ثم تكلم عن الصلاة فقال في آية 6 ومتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلّ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية, ثم تكلم عن الصوم وقال في آيتي 17 و18 وأما أنت فمتى صُمْت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية , فترى من هنا أن الكلام كله جرى على نسق واحد بديع، بحيث لو حذفت كلمة علانية من العبارة الثالثة لدلَّت عليها العبارتان السابقتان, فسياق الكلام يستلزم وجودها لفظاً أو تقديراً, ولا ننكر أن هذه اللفظة المذكورة في آية 18 لم تثبت في بعض النسخ، ولكنها ثبتت في غيرها، وسياق الكلام يدل عليها,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 6: 31 فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟ ولكن جاء في 2تسالونيكي 3: 12 فمثل هؤلاء نوصيهم ونعظهم بربنا يسوع المسيح أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم , يظهر هنا كأن المسيح يعلّم عدم التبصّر أو عدم التدبّر، بينما بولس يلوم على هذا ,
وللرد نقول بنعمة الله : هل يقصد السيد في متى 6: 31-34 أن يعلّمنا الكسل والإهمال والإسراف؟ كلا على الاطلاق، وإنما يوصينا أن لا نشغل قلوبنا بهموم هذه الحياة, وهذا ما نستفيده من فصول شتى في العهدين القديم والجديد, تأمل مزمور 127: 2 باطل هو لكم أن تبكروا إلى القيام، مؤخّرين الجلوس، آكلين خبز الأتعاب, لكنه يعطي حبيبه نوماً ومزمور 5: 22 ألقِ على الرب همّك فهو يعولك, لا يدع الصديق يتزعزع إلى الأبد , وفيلبي 4: 6 لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله ,
ثم إن 2تسالونيكي 3: 12 لا يعلّم الطمع أو البخل أو اشتهاء الأشياء الأرضية، بل يحرّض المؤمنين على الاجتهاد في العمل حتى لا تحل الفاقة بهم، فيصبحوا عالةً على الآخرين, فنرى أن هاتين الآيتين تتكلمان عن وجهين لموضوع واحد, فيسوع ينهى عن اشتهاء الأشياء الأرضية والسعي وراءها، وبولس ينهى عن التقاعد والكسل,
ونجد توحيداً لهاتين الوجهتين في تعليم بولس في 1 كورنثوس 7: 29-31, فعلى المؤمنين أن يعملوا باجتهاد دون أن يكونوا مستعبَدين لأشغالهم, فعلى كل مؤمن أن يتمم عمله بحسب الدعوة التي تلقّاها من الله، ذاكراً أن وطنه في السموات (فيلبي 3: 20 و21), فعلينا إذن أن نعمل لاكتساب معيشتنا، وأن نتذكر في الوقت نفسه أن الله يمدّنا بكل ما نحتاج إليه, ويجب على كل مؤمن أن يرى صدق هذين المبدأين في حياته العملية,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 7: 14 ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه , وورد في 11: 29 و30 احملوا نيري عليكم وتعلَّموا منّي، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم، لأن نيري هيِّن وحملي خفيف , وفي هذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) المسيحية منزهة عن الفرائض الثقيلة، لأنها ديانة روحية لا تقوم بالأعمال الخارجية,
(2) إنها مناسبة للعقل والقلب والروح والأخلاق الشريفة,
(3) إنها تعلم الإنسان أن يترك الخطية والشرور، التي هي سبب البلايا, فهي صعبة بالنظر إلى قداستها، فالمسيحي يصلب الجسد وشهواته, ومع ذلك فهي خفيفة سهلة لأن الباعث الأصلي فيها هو المحبة, فإذا وُجدت المحبة في المسيحي رأى لذةً في طاعة الأوامر وترك الخطايا بسهولة، وهان على المحب كل شيء , فنير المسيح هيّن وخفيف، وهذا لا ينافي أن الطريق المؤدي إلى الحياة هو صعب وكرب، ولاسيما على الذين فضّلوا محبة العالم وانغمسوا في الرذائل,
اعتراض على متى 8
انظر تعليقنا على مرقس 4: 35-41
قال المعترض الغير مؤمن: يقول متى 8: 5-13 إن قائد المئة جاء إلى المسيح بنفسه، بينما يذكر لوقا 7: 1-10 أن قائد المئة أرسل شيوخ اليهود يحملون رسالته للمسيح, وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : يقول متى إن قائد المئة طلب من المسيح، لأنه طلب ذلك بواسطة شيوخ اليهود، ولا مانع من أن يكون قد جاء للمسيح بعد أن أرسل شيوخ اليهود، فلما أبطأوا عليه توجَّه بذاته, فاقتصر متى على ذكر قائد المئة لأنه الطالب الحقيقي، أما لوقا فذكر ما كان من مساعي أئمة اليهود، لأنهم أول من فاتح المسيح في شفاء الغلام, ومن الأمور القانونية المقرّرة أن ما يفعله الإنسان بواسطة غيره يُنسب إليه فعله، لأنه يكون السبب فيه، وما يعمله الوكيل يُنسب إلى موكله, كما أن تلاميذ المسيح عمَّدوا الناس، وعُزي العماد للمسيح (يوحنا 4: 1),
قال المعترض الغير مؤمن: وصف المسيح نفسه دائماً بأنه ابن الانسان , جاء هذا اللقب عنه في متى 30 مرة، وفي مرقس 15 مرة، وفي لوقا 25 مرة، وفي يوحنا 12 مرة, وقد قال المسيح (له المجد): للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار, وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه (متى 8: 20), وهذا يعني أن المسيح كان إنساناً عادياً، وليس هو الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال المسيح (له المجد) عن نفسه إنه ابن الإنسان ليس لأنه كان إنساناً عادياً، لكن لأنه اتخذ جسد إنسان، وكان في هذا الجسد رفيقاً للإنسان ومحباً ومعلماً له، كما سيكون فيما بعد ملكاً على الإنسان, ومما يدل على أن ابن الإنسان هو ابن الله الأزلي، أنه عُرف بهذا اللقب من قبل ميلاده, فقد ظهر لدانيال النبي في هيئة ابن الإنسان سنة 500 ق,م, فقال دانيال: كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان، أتى وجاء إلى قديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعَّبد له كل الشعوب والأمم والألسنة, سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض (دانيال 7: 13 و14),
قال دانيال النبي عن المسيح إنه ابن إنسان ، ولم يقل إنه ابن الإنسان بأل التعريف، لأن النبي لم ينظر إلى المسيح في علاقته مع الناس بل كان ينظر إليه من حيث المظهر العام الذي كان يبدو به في الرؤيا، والذي كان عتيداً أن يبدو به بالتجسد، في يوم من الأيام,
وقوله قديم الأيام هو الله في أزليته، وابن الإنسان هو أقنوم الابن في المركز الناسوتي الذي كان عتيداً أن يأخذه، ولذلك اقتضى الأمر، وهذا هو مركزه أن يُقال عنه إنه اقترب إلى قديم الأيام للتمييز بين الابن في ناسوته الحادث، والله أو اللاهوت في أزليته التي لا بدء لها، وهذه نبوّة عن مجيء المسيح في آخر الدهور، لتسلُّم زمام الملك في العالم, ومن البديهي أنه وحده هو الذي يحقّ له أن يقوم بهذه المهمّة، بوصفه ابن الإنسان الظاهر في الجسد، لأنه بهذا الوصف هو القائم بإتمام مشيئة الله بين الناس، ولأن محاسبة الله (في جوهره غير المدرَك) للناس، تكون موضع اعتراض منهم، لانه تعالى من هذه الناحية لم يشاركهم في طبيعتهم البشرية التي يتعرضون بسببها للخطأ، لكن لا يكون هناك اعتراض إذا قام بهذه المهمة الله المتأنس أو ابن الإنسان, وقد أشار له المجد إلى هذه الحقيقة فقال: لأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً، لأنه ابن الإنسان (يوحنا 5: 22 و27),
فضلاً عن ذلك، فقد أطلق السيد المسيح على نفسه لقب ابن الإنسان بمعنى ابن الله مرات متعددة أمام رؤساء اليهود الذين اجتمعوا لمحاكمته، فقد قال لهم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء (متى 26: 64) مشيراً بذلك إلى أنه المقصود بابن الإنسان الذي تتعبد له كل الشعوب، والذي تنبأ عنه دانيال النبي من قبل, ومما يدل على أن رؤساء الكهنة فهموا قَصْد المسيح من إطلاق لقب ابن الإنسان على نفسه، أنهم عندما سمعوا قوله هذا، مزَّق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: قد جدّف , وهذا دليل واضح على أن المراد ب- ابن الإنسان هو ابن الله بعينه,
ويقصد بالاصطلاح ابن الله الله مُعلَناً في كمال ذاته وصفاته, والاصطلاح ابن الإنسان يراد به الإنسان معلَناً في كمال الصفات التي خلقه بها الله أولاً, وبما أن الإنسان خُلق في أول الأمر على صورة الله في البر وقداسة الحق، لذلك فإن ابن الإنسان أو الإنسان الكامل أو المسيح يكون هو صورة الله في الإنسان، أو هو الله ظاهراً في الإنسان، لأن صورة الله ليست في الواقع سوى ذاته، إذ أنه ليس له صورة بعيداً عنها, وقد تبدو هذه الحقيقة غريبة في نظر بعض الناس، لكنها تتفق مع الحق الإلهي كل الاتفاق, ويُراد بالاصطلاح ابن الله أقنوم الابن في علاقته مع الله أو اللاهوت، كما يُراد بالاصطلاح ابن الإنسان أقنوم الابن في علاقته مع الإنسان, فإذا ذكرنا أن الإنسان في نظرنا ليس هو الهيكل البشري الخارجي، بل هو مجموعة صفات الإنسانية السامية (لأننا نقول عمَّن تتوافر فيه هذه الصفات إنه إنسان أو الإنسان ، وعمَّن لا تتوافر فيه هذه الصفات إنه ليس إنساناً )، اتضح لنا أن الشخص الجدير بأن يُدعى الإنسان أو الإنسان الكامل، أو ابن الإنسان ، هو المسيح وحده، وذلك للأسباب الآتية:
(أ) لم يُولد المسيح بالتناسل الطبيعي مثل الناس، بل وُلد من عذراء، فلا يصح أن يُقال عنه إنه ابن آدم مثل أحد الناس, وإن كان لا بد من إسناد شخصه من جهة الناسوت إلى بشر كابن، فإنه لا يُدعى ابن آدم بل ابن مريم أو نسل المرأة (تكوين 3: 15),
(ب) لا يُقصد بكلمة الإنسان الرجل وحده، بل يُقصد بها الرجل والمرأة على السواء، لأنها تدل على الإنسان عامة، أو ابن الإنسانية وممثّلها، بوصفه المتأنس منها ليأخذ بناصرها,
(ج) أخيراً نقول: كما أن هناك أبناء كثيرين لله، ولكن المسيح وحده هو ابن الله ، كذلك هناك أبناء كثيرون للناس، لكن المسيح وحده هو ابن الإنسان , ولذلك هو وحده أطلق هذا اللقب على نفسه, وتدل كل القرائن على أنه قصد به المعلِن لله أو الله معلَناً ، لأنه أعلن أنه بوصفه ابن الإنسان يغفر الخطايا (مرقس 2: 7) ويمنح الخلاص والسلام (لوقا 7: 50) ويعطي الأموات بالخطية حياة روحية أبدية (يوحنا 5: 25) ويجازي كل واحد حسب أعماله (متى 16: 27) وغير ذلك من الأعمال التي لا يقوم بها إلا الله, ومما يثبت صدق هذه الحقيقة أن اليهود استنتجوا من كلام المسيح أن للقب ابن الإنسان معنى غير المعنى التي يتبادر إلى الذهن، فسألوه مرة في حيرة: من هو هذا ابن الإنسان!؟ (يوحنا 12: 34), وما كان للحيرة أن تجد مجالاً إلى نفوسهم، لو كانوا قد علموا أن ابن الإنسان هو بعينه ابن الله فهو رب السبت أيضاً (مرقس 2: 28),
قال المعترض الغير مؤمن: في إنجيل متى 8: 18-22 طلب كاتبٌ أن يتبع المسيح، واستأذن رجل آخر لدفن أبيه، ثم جاء ذكر معجزات باهرة أخرى، ثم قصة التجلي في أصحاح 17, أما لوقا فذكر الطلب والاستئذان في أصحاح 9 بعد قصة التجلي ,
وللرد نقول بنعمة الله : راعى كل من متى ولوقا ترتيباً في ذكر معجزات المسيح وتعليمه حسب ما ساقه إليهما الروح القدس، فراعى أحدهما الزمان، والآخر المكان كما يُعلم من سياق الكلام, نعم لو أثبت أحدهما شيئاً ونفاه الآخر لعُّد تناقضاً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 8 أولاً شفاء الأبرص بعد الموعظة على الجبل، ثم شفاء عبد قائد المئة بعد دخوله كفر ناحوم، ثم شفاء حماة بطرس, ولكن ذكر في لوقا 4 أولاً شفاء حماة بطرس، ثم في لوقا 5 شفاء الأبرص، ثم في لوقا 7 شفاء عبد قائد المئة, فأحد البيانين غلط ,
وللرد نقول بنعمة الله : لو ذكر لوقا الآيات في مكان واحد لكان الاعتراض معقولا، ولكنه ذكرها في محال متنوعة لمناسبات مختلفة, ولا يخفى أن بعض الرسل كان يراعي في سرد معجزات المسيح الترتيب التاريخي، والآخر يراعي المكان، والآخر مناسبات الأقوال، بما لا يخرج عن التوافق والتطابق, وكان البعض يراعي نتائج المعجزة وتأثيرها على السامعين وما ترتَّب عليها من هداية الأنفس، فيقدمها على غيرها من المعجزات,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 8: 28 أنه لما جاء المسيح إلى العبر إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور، وورد في مرقس 5: 2 ولوقا 8: 27 أنه استقبله من القبور إنسان به روح نجس, واحد أو اثنان؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : اقتصر مرقس ولوقا على ذكر المجنون الذي كان أشد هياجاً وعربدة, ولنفرض أن شخصين توجها إلى مستشفى الأمراض العقلية وبعد خروجهما رويا ما شاهداه، ونسجا على منوال متى ولوقا بأن اقتصر أحدهما على ذكر واحد وصرف النظر عن الآخر، بينما الراوي الثاني ذكر الاثنين, فهل يجوز أن نقول إن كلامهما متناقض؟ كلا! لكن لو قال أحدهما إنه لم يكن هناك غير مجنون واحد لكان تناقضاً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 8: 31 و32 أن المسيح أهلك قطيع خنازير سمح للشيطان بدخوله فيه، فاندفع إلى البحر ومات, لماذا يؤذي المسيح أصحاب الخنازير بإهلاك الثروة الحيوانية؟
وللرد نقول بنعمة الله : (1) للمسيح الحق أن يستخدم الوسائل الرمزية لإعلان حقه, لقد لعن شجرة تين فيبست (متى 21: 20) ليدين النفاق, وهنا أدان النجاسة, فقد اعتبر الناس في ذلك العصر الخنازير رمزاً للشهوات والفساد، كما نعتبر الثعلب في زمننا رمزاً للمكر والخداع, وقد نظر اليهود للخنازير نظرة احتقار، بسبب الضرر الصحي من أكل لحومها، والضرر الطقسي حسبما علَّمت شريعة موسى، ثم لشراستها، وكانوا يشّبهون السكير المتمرّغ في الوحل بالخنزير القذر,
(2) لما وجدت الخنازير نفسها تحت سلطة الشياطين اندفعت للهلاك تحت تأثير الفزع والخوف، فأهلكت نفسها, فلا يكون المسيح هو الذي أهلكها,
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في متى 9 قصة المجنون الأخرس، وفي متى 10 إعطاء المسيح تلاميذه قدرة على إخراج الشياطين وشفاء المرضى وإرسالهم، ثم ذكر آيات أخرى، وذكر قصة التجلي في أصحاح 17 , وكتب لوقا أولاً في أصحاح 9 إعطاء المسيح لتلاميذه قدرة على المعجزات، ثم قصة التجلي, وفي هذا الأصحاح وفي أصحاح 10 وأول أصحاح 11 ذكر معجزات آخرى، ثم ذكر معجزة المجنون الأخرس ,
وللرد نقول بنعمة الله : راعى أحد البشيرين المعجزات التي صنعها المسيح لليهود، فذكرها أولاً، وأخّر الأقوال التعليمية عنها كما فعل متى, والآخر قدم التعاليم والخطابات الإلهية على المعجزات, وبصرف النظر عن ذلك، فالمسيح صنع معجزات كثيرة قبل التجلي وبعده، وأخرج شياطين من أكثر من مجنون أخرس,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 9: 9 أن الذي دعاه المسيح عند مكان الجباية هو متى، وورد في مرقس 2: 14 أن اسمه لاوي بن حلفي، وورد في لوقا 5: 27 أن اسمه لاوي ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) تدل القرائن التي ذكرها كل منهم على أن الشخص واحد، فكل منهم ذكر وظيفته المشهور بها، وقال إنه كان جالساً عند مكان الجباية، وإن المسيح دعاه ليتبعه، واختاره ليكون من التلاميذ فترك كل شيء وتبعه,
(2) كثيراً ما يُسمى الشخص باسمين، فبطرس يُسمَّى سمعان ويُسمَّى صفا, وقد غيَّر شاول الطرسوسي اسمه إلى بولس عندما صار مسيحياً, والمعهود بيننا أنه إذا انتقل الإنسان من حالة إلى أخرى غيّر اسمه إشارة إلى رفض الحالة السابقة,
(3) اقتصر بعض التلاميذ على ذكر اسمه بدون ذكر اسم أبيه، اكتفاءً بذكر صناعته وظروفه الخصوصية، وهي هنا قوله إنه كان جالساً عند مكان الجباية, ثم أن حلفى أبا يعقوب هو غير والد لاوي,
اعتراض على متى 9: 13
انظر تعليقنا على مرقس 2: 17
قال المعترض الغير مؤمن: بين متى 9: 18 ومرقس 5: 23 في قصة ابنة الرئيس اختلاف، فالأول قال إن الرئيس قال للمسيح: ابنتي ماتت، والثاني قال إن ابنتي على آخر نَسَمة ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال إنجيل متى إن يايرس قال للمسيح إنها ماتت , ولكن إنجيل مرقس يقول إن يايرس قال: ابنتي الصغيرة على آخر نسمة , ويصف إنجيل لوقا حالتها بأنها كانت في حال الموت (لوقا 8: 42) والحقيقة هي أنه عندما ترك يايرس بيته كانت على وشك الموت، وعندما وصل إلى المكان الذي كان المسيح فيه لم يكن يدري إن كانت ابنته حية أو ماتت, فوصفها مرة بأنها ماتت ومرة أخرى بأنها على وشك الموت، فقال: ابنتي الصغيرة على آخر نسمة, ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتُشفى فتحيا , وكلمة لتشفى لأنها مريضة، وكلمة لتحيا لأنها ماتت, فالرجل لم يكن متأكداً من حالة ابنته، فتحدث مرة عن خطورة حالتها وطلب شفاءها، ومرة أخرى تحدث عن موتها,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 10: 2-4 : وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي: الأول سمعان الذي يُقال له بطرسوأندراوس أخوه, يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه, فيلبّس وبرثلماوس, توما ومتى العشار, يعقوب بن حلفى ولباوس الملقب تداوس, سمعان القانوي ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه , ولو صحّ أن المسيح هو خاتمة الأنبياء والمرسلين فلا يكون تلاميذه أنبياء، والأمر ليس كذلك عندهم، لأن التلاميذ أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيليين في زعمهم, ويكفي شاهداً في فضلهم ملاحظة حال يهوذا الاسخريوطي الذي كان واحداً من هؤلاء الحضرات، ممتلئاً بالروح القدس! ,
وللرد نقول بنعمة الله : تحققت كل نبوات الأنبياء الذين تنبأوا عن مولد المسيح وزمانه ومكانه وأعماله ومعجزاته وآلامه وصلبه وقيامته وصعوده, تمّت كلها بظهور المسيح الذي اتخذ التلاميذ رسلاً له، لينشروا بشرى الخلاص، فكانوا نوراً للناس، والمسيح قال لهم: مَنْ قبِلَكم فقد قَبِلَني، ومَنْ رفضكم فقد رفضني , وبذلك خُتمت النبوة،ولم يأت نبي ولا ولي بعد المسيح ورسله, بل إن المسيح حذر تلاميذه ممن يدَّعي النبوة والرسالة بعده، وقال لهم: يأتي بعدي الأنبياء الكذبة (انظر متى 24: 11),
أما قوله: ويكفي شاهداً في فضلهم ملاحظة حال يهوذا الاسخريوطي , قلنا: وجود منافق في زمرة أبرار لا يقدح في عدالتهم ونزاهتهم وصلاحهم، والمسيح كان يعرف حقيقة يهوذا، ولكنه قال: دع الزوان ينمو مع الحنطة إلى أن يأتي وقت الحصاد، فيجمع الزوان للنار ويُدخِل الحنطة في المخازن, فكذلك الحال مع كنيسة الله، ففي أعضائها البر والفاجر والصالح والطالح إلى أن يأتي يوم الفصل, ومع ذلك فلما أظهر يهوذا الخيانة نخسه ضميره على خيانته، وتأكد أنه أسلم القدوس لأجل الأثمة، فلم يسعه سوى الانتحار,
قال المعترض الغير مؤمن: الذي يراجع متى 10: 2-4 و مرقس 3: 16-19 ولوقا 6: 13-16 يجد أنهم اتفقوا في أسماء 11 من التلاميذ، هم بطرس وأندراوس ويعقوب بن زبدي ويوحنا وفيلبس وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان ويهوذا الاسخريوطي، واختلفوا في اسم الثاني عشر, قال متى لباوس الملقب تداوس وقال مرقس تداوس وقال لوقا يهوذا أخو يعقوب ,
وللرد نقول بنعمة الله : ذكر متى لباوس وسمعان القانوي ولكن لوقا أورد بدلاً من هذين يهوذا أخا يعقوب وسمعان الغيور, على أن سمعان الغيور هو نفسه سمعان القانوي, وكلمة قانوي هي اللفظة العبرانية لكلمة غيور , وإذ ذاك تزول أول عقدة,
ولا بد أن يكون لباوس هو يهوذا أخا يعقوب، إذ يظهر أنه كان له أكثر من اسم واحد, فعلاوة على اسم يهوذا الذي كان يُعرف به وقتئذ، كانيُطلق عليه أحياناً اسم لباوس وتداوس، ومعناهما واحد, وكانت العادة في ذلك العصر تسمية الشخص باسمين، كما نرى في مسألة بطرس: فاسمه الأصلي سمعان، ودعاه المسيح صفا وبطرس, فإظهار تناقض في قائمة أسماء الرسل لا ينشأ إلا عن تسرُّع المعترض,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 10: 5 و6 أن المسيح أوصى تلاميذه الاثني عشر أن يبشّروا خراف بيت إسرائيل الضالة, وفي متى 15: 24 قال: لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة , مع أن المسيح قال في مرقس 16: 15 اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : القانون الذي وضعه المسيح لرسله هو أن يكرزوا أولاً لبني إسرائيل، وبعدئذ يكرزون للجميع, والكتاب ناطق من أوله إلى آخره بأن الواجب العناية بأهل بيت الإيمان أولاً، ثم التبشير لغيرهم, فلا تناقض، وإنما فيه تقديم بيت إسرائيل على غيرهم,
والسبب في إعطاء الأولوية لبني إسرائيل هو أن التلاميذ كانوا في رحلة تبشيرية تدريبية، فكان من الحكمة إرسالهم إلى من يعرفون لغتهم وعاداتهم ويتفقون معهم في معتقداتهم, وعلى هذا كان البدء في خدمتهم بين اليهود، الذين يَسْهل على التلاميذ الاتصال بهم, ولما أكمل تلاميذ المسيح تدريبهم كلفهم المسيح بالمهمة الكاملة وهي تبشير العالم أجمع,
وهناك حكمة أن نبدأ بمن نعرفه، دون أن ننتهي به، بل نمتد منه إلى من لا نعرفه، ولذلك كانت نصيحة المسيح لتلاميذه قبل صعوده: ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً، في أورشليم، وفي كل اليهودية، والسامرة، وإلى أقصى الأرض (أعمال 1: 8),
لا تناقض بين الأمرين، بل الثانيمبنيّ على الأول ويكمله, نبدأ ببني إسرائيل المعروفين، ونكمل الكرازة للأمم غير المعروفين,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 10: 10 ولوقا 9: 3 أن المسيح منع تلاميذه عن أخذ العصا، وجاء في مرقس 6: 8 أنه سمح لهم بأخذ العصا ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لنورد عبارة البشير متى من عدد 9 ليظهر المعنى, قال: لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم (10) ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا , ولنورد عبارة مرقس من عدد 8 لنفهم الحقيقة من سياق الكلام: وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال ولا يلبسوا ثوبين ,
(2) الصعوبة التي تظهر عند مقابلة هذين الفصلين هي أن المسيح حسب ما جاء في متى منع التلاميذ من أخذ عصا، بينما الوارد في مرقس يفيد أنه أذن لهم بأخذ العصا, وأيضاً متى يرى أنه أوصاهم أن لا يأخذوا أحذية، بينما في مرقس سمح لهم أن يلبسوا أحذية, على أن التوفيق بين هاتين العبارتين يأتي من مقابلة النهيين المستعملين فيهما, فالنهي الوارد في متى هو قوله لا تقتنوا أما النهي الوارد في مرقس فهو أن لا يحملوا بمعنى أننا نرى في متى أنه ينهاهم عن شراء أشياء جديدة، أما في مرقس فيريهم ما يجب أن يأخذوه في سفرتهم, فكأنه بحسب الوارد في مرقس يقول لهم: اذهبوا كما أنتم أو بما معكم الآن، بمعنى أنه كانت معهم عصا فسَمَح لهم بأخذها، ولكن لم يسمح لهم بشراء أخرى, وكانوا أيضاً لابسين أحذية فأمرهم أن يكتفوا بها ولا يشتروا غيرها - ومن هنا نرى أن الفصلين لا يتناقضان بل يوضح أحدهما الآخر,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد قول المسيح في متى 10: 19 و20 فمتى أسلموكم، فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم , وورد في لوقا 12: 11 و12 ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون، لأن الروح القدس يعلّمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه , وكذلك ورد هذا القول في مرقس 13: 11 , فالمسيح وعد لمريديه أن الشيء الذي يقولونه عند الحكام يكون بإلهام الروح القدس، وهذا غلط, فورد في الأعمال 23: 1-5 فتفرَّس بولس في المجمع وقال أيها الرجال الإخوة، إني بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم فأمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه، حينئذ قال له بولس: سيضربك الله أيها الحائط المبيض, أفأنت جالس تحكم عليّ حسب الناموس، وأنت تأمر بضربي مخالفاً للناموس؟ فقال الواقفون: أتشتم رئيس كهنة الله؟ فقال بولس: لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة، لأنه مكتوب: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً ,
فلو كان القول المذكور صادقاً لما غلط الرسول بولس, فغلط بولس دليل على عدم صدق القول المذكور, هل يغلط الروح القدس؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : من تتبع تاريخ الرسل ظهر له أنهم جعلوا كل اعتمادهم على الله في وقت الاضطهاد, فلم يكن الرسل أثرياء ولا أقوياء، وإنما كان الروح القدس يؤازرهم، فكانت أسلحتهم روحية، وهي الحث على التوبة والإيمان والمحبة والقداسة والفضيلة والتقوى, ولو لم يكن الروح القدس حالاً فيهم لما تيسَّر لهم هداية الألوف إلى الحق، فقد كان الروح القدس هو الناطق على ألسنتهم والعامل فيهم والمقوي لهم، وهو الذي أنجحهم وجرَّأهم على الوقوف أمام الملوك، وقوَّاهم على احتمال الشدائد والضيقات، بل هو الذي أفرح أفئدتهم وقت الاضطهادات فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمه (أعمال 5: 41),
انظر تعليقنا على أعمال 23: 5
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 10: 23 ومتى طردوكم من هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى، فإني الحق أقول لكم: لا تكمّلون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان قال المسيح (له المجد) هذا لتلاميذه وهو يرسلهم للكرازة للمدن الإسرائيلية, ولكن هذا منقوض بقول المسيح في متى 24: 14 ويُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادةً لجميع الأمم, ثم يأتي المنتهى ,
وللرد نقول بنعمة الله : هناك عدة تفسيرات لما يظهر أنه تناقض:
1 - يقصد المسيح في متى 10: 23 أنه في هروب التلاميذ من مدينة إلى أخرى لا يكونون قد زاروا كل مدن إسرائيل حتى تخرب أورشليم ويبطل النظام اليهودي - فيكون المسيح قد جاء بالعقاب والدمار على المدينة التي صلبته,
2 - مجيء ابن الإنسان في متى 10: 23 له عدة معانٍ: انتصار قضية المسيح، أو خراب أورشليم، أو حلول الروح القدس يوم الخمسين، أو تثبيت دعائم كنيسته ونظامه في العالم,
3 - يقصد المسيح أنهم قبل أن يزوروا كل مدن إسرائيل كارزين بالإنجيل يقوم المسيح من قبره، ويأتي إلى تلاميذه بالسلام والفرح,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 10: 34 أن المسيح قال: لا تظنّوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض, ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً , وجاء في لوقا 12: 51 أن المسيح قال: أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض؟ كلا أقول لكم! بل انقساماً، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت منقسمين، ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة , وهذا يتناقض مع قوله: سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم (يوحنا 14: 27) ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم تكن الانقسامات هي هدف المسيح، لكنها كانت النتيجة الواقعية التي أعقبت ظهوره بين البشر, وبما أن إرادة الله الصالحة كانت تعمل في عالم مختل النظام، وكانت ضد إرادة الإنسان الشرير، فقد كانت النتيجة الحتميّة لذلك حدوث التفرقة والانقسام,
عندما آمن البعض بالمسيح رفضهم أفراد عائلتهم، فنشأ الانقسام عن ذلك, وحيثما كرز المسيحيون بأخبار إنجيله المفرحة قامت الاضطهادات ضدهم، فإن المسيح أرسلهم كحملان وسط ذئاب,
والمقصود أن من يتبع المسيح يجب أن يقف إلى جانب المسيح، وهذا يعني أنه سيعادي من يرفضون المسيح, لقد أبغض الخطاة المسيح، ولا بد أنهم يبغضون تلاميذ المسيح، فإن صاحب العين المريضة يكره النور, إنهم الذئاب الذين يريدون هلاك الغنم!
والسيف المقصود هنا هو سيف المسيح على الشيطان، أو سيف الاضطهاد من أعداء المسيح يهاجم تلاميذ المسيح,
على أن أولاد الله يجدون سلام الله الكامل وسط اضطهاد الأعداء (يوحنا 14: 27 و16: 33),
اعتراض على متى 11: 3
انظر تعليقنا على متى 3: 14
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 11: 10 وفي مرقس 1: 2 وفي لوقا 7: 27 أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك وهو مستشهد به من ملاخي 3: 1 هأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي , فقوله أمام وجهك لا يوجد في كلام ملاخي, وفي ملاخي بضمير المتكلم، بينما في الأناجيل بصيغة الخطاب ,
وللرد نقول بنعمة الله : لو تأمل المنصف في عبارة ملاخي لم يجد فرقاً، فالنبي قصد أن الله سيرسل أمام المسيح من يهيئ الطريق، فاقتبس الرسل عبارة النبي وأن المقصود منها المسيح, على أنه يجوز النقل بالمعنى, وقد ذكر البشيرون عبارة النبي بالمعنى، وهم مساوون لدرجته في الوحي والإرشاد وفهم معاني كلام الله, (انظر تعليقنا على متى 2: 23),
اعتراض على متى 11: 14
انظر تعليقنا على متى 17: 11 ولوقا 1: 17 ويوحنا 1: 20
اعتراض على متى 11: 18
انظر تعليقنا على مرقس 1: 6
اعتراض على متى 11: 29 و30
انظر تعليقنا على متى 7: 14
اعتراض على متى 12: 3
انظر تعليقنا على مرقس 2: 25 و26
قال المعترض الغير مؤمن: يوجد تناقض بين قول المسيح في متى 12: 4 إنه يمكث في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبين الحساب المعمول بين موته وقيامته على أساس الاعتقاد أنه صُلب بعد ظهر يوم الجمعة وأُقيم صباح الأحد, فإذا حسبنا مدة بقاء جسد المسيح في القبر على هذا الأساس، نحكم بوجوده في القبر ساعات قليلة من ظهر الجمعة، ثم السبت التالي بليلته، ثم جزءاً من يوم الأحد وهو الكائن بين غروب الشمس يوم السبت وبدء يوم القيامة, وعلى هذا يكون جسد المسيح قد بقي في القبر جزءاً من يوم الجمعة، وكل يوم السبت، وجزءاً من يوم الأحد ,
وللرد نقول بنعمة الله : نلفت النظر لثلاث حقائق: (1) كان اليهود كسائر الشرقيين يعتبرون بدء اليوم من غروب الشمس, (2) وكانت عادتهم أن يطلقوا الكل على الجزء، فيُطلق اليوم على جزئه, (3) ومعنى اليوم عندهم هو المساء والصباح، أو الليل والنهار, فمقدار الزمان المعبَّر عنه هنا بثلاثة أيام وثلاث ليال (الذي كان في الحقيقة يوماً كاملاً، وجزءاً من يومين آخرين، وليلتين كاملتين) سُمِّي في أستير 4: 16 بثلاثة أيام وثلاث ليالٍ, لا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً ثم ورد في 5: 1 وفي اليوم الثالث وقفت أستير في دار بيت الملك الداخلية وحصل الفرج في هذا اليوم, ومع ذلك فقيل عن هذه المدة ثلاثة أيام,
وورد في 1صموئيل 30: 2 لأنه لم يأكل خبزاً ولا شرب ماء في ثلاثة أيام وثلاث ليال , والحقيقة هي أن المدة لم تكن ثلاثة أيام بل أقل من ذلك، فإنه في اليوم الثالث أكل, وكذلك ورد في 2أخبار 10: 5 ارجعوا إليّ بعد ثلاثة أيام ثم أورد في آية 12 فجاء الشعب إلى يربعام في اليوم الثالث فلم تمض ثلاثة أيام كاملة بل مضى جزء منها، وفهم السامعون قصده, وورد في تكوين 42: 17 و18 إطلاق ثلاثة أيام على جزءٍ صغيرٍ منها، لأن يوسف كلّم إخوته في أواخر اليوم الأول، واعتُبر يوماً كاملاً، ثم مضى يوم واحد وكلمهم في اليوم الذي بعده، فاعتبروا ذلك ثلاثة أيام, وإذا توفي إنسان قبل غروب الشمس بنصف ساعة حُسب له هذا اليوم كاملاً، مع أنه يكون قد مضى النهار بتمامه ولم يبق منه سوى نصف ساعة فقط,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 12: 31 و32 لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يُغفَر للناس, وأما من قال كلمةً على الروح القدس فلن يُغفر له، لا في هذا العالم، ولا في الآتي , ولكن جاء في أعمال 13: 39 وبهذا يتبرَّر كل من يؤمن مِنْ كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى , فالمسيح يتكلم عن وجود خطية لا غفران لها، مع ورود فصول شتى في الكتاب تثبت المعنى المتضمن في أعمال 13: 39 إن كل الذين يؤمنون بالمسيح ينالون مغفرة لكل خطاياهم ,
وللرد نقولبنعمة الله : وَعْد الإنجيل بوجود غفران لجميع الخطايا وعدٌ شامل بحيث لا يمكن استثناء خطية واحدة، فالشرط المقدَّم هو هذا: آمن بالمسيح تنل غفراناً لكل خطاياك بلا استثناء ,
غير أن الخطية التي لا غفران لها (حسب قول المسيح الوارد هنا) هي الخطية التي تجعل صاحبها لا يؤمن بالمسيح ولا يريد أن يُقبِل إليه, والرب يصف هذه الخطية بأنها تجديف على الروح القدس , ولا يخفى أن الروح القدس هو الأقنوم الإلهي الذي يُجري فينا التجديد، فمن يجدّف على الروح القدس لا يُفسح المجال لعمله فيه, فلا يمكن إذاً أن يؤمن بالمسيح، وبالتالي لا يمكن أن ينال غفراناً لخطاياه, والمسيح يقول احذر من مقاومة ذلك الأقنوم الذي يسعى في تجديدك، لأنك إذا لم تتجدد بالروح القدس لا تنال غفراناً لخطاياك, وفي هذه الحال لا يمكن أن تتوب, ولا مغفرة بغير توبة,
فنرى مما تقدم أن الآيتين غير متناقضتين، فالمعنى المتضمن في متى 12: 31 و32 لا ينفي أن كل من آمن بيسوع يجد مغفرة تامة شاملة لكل خطاياه, ثم نجد خطية التجديف على الروح القدس موضَّحة في مرقس 3: 22-30 حيث نرى أعداء المسيح ينسبون إلى الشيطان تلك القوة العجيبة المجيدة التي شهدت ضمائرهم أنها من الله, هذه هي الخطية التي قال عنها المسيح إنها تجديف على الروح القدس، وإن صاحبها ليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية, هذه العبارة إذا ترجمناها حرفياً من الأصل اليوناني يكون نصُّها هكذا: مقيَّد بخطيةٍ أبدية , وخطية كهذه تمنع التوبة والإيمان بالمسيح,
وأهم نقطة في هذا البحث هي أن كل من يتوب عن خطاياه ويلتجئ إلى المسيح ملتمساً المغفرة لا يمكن أن يكون قد وقع في خطية التجديف على الروح القدس، إذ قال المسيح (له المجد) في يوحنا 6: 37 من يُقبِل إليَّ لا أخرجه خارجاً ,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 12: 35 الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرج الصالحات , فقال هورن إن لفظة القلب إلحاقية، وإنها مأخوذة من لوقا 6: 45 ,
وللرد نقول بنعمة الله : قابل علماء المسيحيين مئات من نسخ الإنجيل بعضها ببعض، فوجدوا كلمة القلب مدوَّنة في كثير من هذه النسخ, ولكن ذهب بعضهم إلى أنها وردت تفسيراً للكنز، فإن كنز الإنسان هو قلبه، وعلى هذا تكون من المدرج الذي يراد به التفسير لا غير, وعلى كل حال فهي قراءة صحيحة,
اعتراض على متى 12: 39 و40
انظر تعليقنا على متى 12: 4
قال المعترض الغير مؤمن: يُعلَم من متى 15: 22 أن المرأة التي استغاثت بالمسيح لشفاء ابنتها كانت كنعانية، وفي إنجيل مرقس 7: 26 إنها كانت أممية، وجنسها فينيقية سورية ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت البلاد التي تشتمل على صور وصيدا في يد الكنعانيين، وكانت تسمى كنعان, عِلْماً بأن الفينيقيين تناسلوا من الكنعانيين, وكانت البلاد التي تشتمل على صور تُسمى فينيقية أو فينيقية سورية، ثم استولى عليها إسكندر ذو القرنين، فصارت تابعة لليونان, وكانت تلك المدن في عصر المسيح يونانية، وكانت تلك المرأة أممية تحت حكومة اليونان ولغتها يونانية، فكانت فينيقية سورية مولداً، وأصلها من ذرّية الكنعانيين,
اعتراض على متى 15: 30
انظر تعليقنا على مرقس 7: 32
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 16: 18 و19 وأنا أقول لك أيضاً: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها, وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات وفي آية 23 قال له المسيح: اذهب عني ياشيطان, أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس , ومَنْ كان بهذه الصفات لا يكون مالكاً لمفاتيح السموات ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) عيّن المسيح رسله ليكونوا دعاةً وهداةً، وخوّلهم قوّةً على عمل المعجزات الباهرة، من شفاء المرضى وإقامة الموتى، وأمرهم أن يبشروا الناس ويهدوهم إلى الحياة الأبدية، وأن يقبلوا في الكنيسة المنظورة من يرون قبوله مناسباً، وأن يرفضوا من يستوجب الرفض, ولما كان بطرس وغيره من الرسل سبباً في هداية النفوس، قال له: أعطيك مفاتيح ملكوت السموات (أي الكنيسة), وهي استعارة لطيفة, فإنه لما كانت الضلالة من أعظم العوائق للناس عن الانضمام إلى الكنيسة، وكان التعليم والإرشاد أعظم واسطة في الهداية والدخول في السماء، كان أول من قام بذلك بطرس الرسول، فإنه أول من كرز لليهود حتى آمن على يده 3000 نفس في يوم واحد، فقال المسيح (له المجد) له: أعطيك مفاتيح السماء ,
(2) قول المسيح أعطيك مفاتيح مأخوذٌ عن عادة لليهود، فإذا نبغ أحد رجالهم في العلم أعطوه مفتاح خزانة الكتب في الهيكل، ولوح كتابة، تصريحاً له ليعلّم، ويفسر الكتب المقدسة، ويفتي, فاستعار المسيح المفاتيح إشارة إلى أن بطرس سيكون من أعظم المعلمين الذين يُهتدى بهم, وكان المفتاح عند اليونان علامة الرتبة الكهنوتية، فكان الكاهن يعلق مفتاحاً على كتفه, وإعطاء الإنسان المفتاح علامة على أن المعطي يثق بالشخص الذي أعطاه هذا المفتاح, وورد في إشعياء 22: 22 وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه، فيفتح وليس من يغلق، ويغلق وليس من يفتح , فإعطاء بطرس مفتاح ملكوت السموات هو تخويله سلطة لتوطيدها وحفظها, وقد تم هذا كما في سفر أعمال الرسل,
(3) لا يخفى أن الهادي الحقيقي هو الله، وإنما جُعل الأنبياء والرسل واسطة في الهداية، فهي استعارة لطيفة, ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهُل عليه الوصول إليه، والله هو الفتاح العليم، يعني أنه يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده, وقول الإنجيل ملكوت السموات أي الكنيسة، وقوله لن تقوى عليها أبواب الجحيم أي لا يقدر أحد أن يمسها بضرر، لأن الله يكلأها بعنايته,
(4) أما زجر المسيح لبطرس بقوله: يا شيطان فيعني وسوسة الشيطان, فإنه لما كان المسيح يتكلم عن وجوب موته، قال له بطرس: حاشاك يارب وهو لا يعلم أن خلاص البشر متوقّف على صلبه وموته، فكانت مقاومته من وسوسة الشيطان الذي لا يريد الخير لأحد,
فبطرس، وهو من كبار الرسل، بشريّ قابل للسقوط، إلا في التعليم والإلهام، ولا سيما بعد حلول الروح القدس,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 16: 27 و28 فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله, الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته , وهذا غلط لأن كلاً من القائمين هناك ذاقوا الموت، ومضى على ذلك أزيد من 1900 سنة، وما رأى أحدٌ منهم ابن الله آتياً في ملكوته في مجد أبيه مع الملائكة مُجازياً كلاً على حسب عمله ,
وللرد نقول بنعمة الله : استُعملت العبارة مجيء ابن الإنسان في الكتب المقدسة بمعنى حقيقي ومعنى مجازي، فتُطلق حقيقة على أول مجيء المسيح الكلمة الأزلي بالجسد (1يوحنا 5: 20 و2يوحنا 7), واستُعملت بالمعنى الحقيقي عن مجيئه في اليوم الأخير فيبعث الموتى من القبور ويدين العالم بالبر (أعمال 1: 11 و3: 20 و21 و1تسالونيكي 4: 15 و2تيموثاوس 4: 1),
وهناك معنى مجازي (1) على الكرازة بالإنجيل، فإنه في هذه الحالة يُقال إن ابن الإنسان أتى (يوحنا 15: 22 وأفسس 2: 17), (2) متى تأيدت كنيسته أو ملكوته بقوة في العالم (متى 16: 28), (3) متى منح المؤمنين روحه القدوس وإمارات مجيئه (يوحنا 14: 18 و23 و28), (4) متى عاقب الأشرار الذين يرفضون إنجيله (2تسالونيكي 2: 8) (5) متى دعانا بعنايته الإلهية من هذا العالم بالموت تمهيداً لدينونة اليوم الأخير (متى 24 : 42),
ولا يخفى أن المجيء هو تمثيل لظهور معجزات اقتداره، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصه,
وجاء في الفجر 89: 22 و23 وجاء ربك والملك صفاً صفاً , قال المفسرون وجاء ربك أي: ظهرت آيات قدرته وآثار قهره، مثل ذلك بما يظهر عند حضور الملك من آثار هيبته وسياسته, وقالوا: ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله محال، فلابد من تأويل قوله وجاء ربك فقيل: جاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء, وقيل: جاء أمر ربك وقضاؤه, وقيل: وجاء دلائل ربك، فجعل مجيئها مجيئاً له تفخيماً لتلك الآيات,
فمعنى قوله سوف يأتي ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته هو يوم الدينونة، والقرينة المعينة للمراد قوله: وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله , ولما كان هذا بعيداً عن البشرية، شجعهم المسيح وقوّى آمالهم بقوله: إن ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته وهو مثل ما ورد في مرقس 9: 1 إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة , (ومثل قوله في لوقا 9: 27), وقد تم وتحقق ما أنبأ به،فبعد أن كانت الكنيسة، المعبّر عنها بملكوت الله وملكوت السموات، ضعيفة ومزدرى بها، تقوّت ونمت وأصبحت زاهرة، وشاهد جميع الرسل امتدادها وانتشارها في يوم الخمسين، لما انضم إلى عضويتها جملة ألوف, وليس ذلك فقط، بل إن بعض الرسل ولا سيما يوحنا رأى ما حلّ بالأمة اليهودية من البلاء والشتات في الدنيا، ورأى خراب الهيكل وأورشليم كما تنبأ المسيح قبلها بأربعين سنة، وشاهدوا أيضاً انتشار المسيحية في آسيا وروما وبلاد اليونان وفي أشهر ممالك ذلك العصر، فلم يذوقوا الموت حتى رأوا اتساع مملكة المسيح الروحية فإنه ملك روحي يملك على الأفئدة بالمحبة,
وقد عبّر المسيح عن الكنيسة بملكوت الله أو ملكوت السموات، إشارة إلى ما ورد في نبوة دانيال 7: 13 و14 وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعَّبد له كل الشعوب والأمم والألسنة , ومجيئه الثاني ليدين العالم,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد): إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء (متى 17: 11), وهذه نبوة عن مجيء محمد ,
وللرد نقول بنعمة الله : إذا قرأنا العدد التالي نجد أن إيليا قد أتى, فيقول متى 17: 12 إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا, كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم, حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان , نعم إن يوحنا غير إيليا في شخصه، لأن التناسخ ليس من تعاليم الكتاب المقدس، لهذا لما سُئل يوحنا إن كان هو إيليا أم لا، أجاب: لست أنا , وإنما كان يوحنا سابِقَ المسيح الذي يُعِدّ الطريق أمامه بروح إيليا وقوته (لوقا1: 17) كما أنبأ جبرائيل أباه زكريا (لوقا1: 19), كما تنبأ ملاخي أيضاً (ملاخي 4: 5) كان يوحنا المعمدان إيليا النبي لأن كليهما عاشا بكيفية واحدة (قابل 3: 4 مع 1ملوك 1: 1-24),
اعتراض على متى 18: 1
انظر تعليقنا على متى 6: 7 و8
قال المعترض الغير مؤمن: يؤخذ من متى 19 و21 أن المسيح ارتحل من أريحا وجاء إلى أورشليم، ويُعلم من يوحنا 11 و12 أنه ارتحل من أفرايم وجاء إلى قرية بيت عنيا، وبات فيها، ثم جاء إلى أورشليم ,
وللرد نقول بنعمة الله : الآيات الواردة في متى 19: 1 و20: 17 و29 و21: 1 ويوحنا 10: 40 و11: 17 و54 و12: 1 تشير إلى أن سفريات المسيح كانت في أوقات مختلفة، فإنه لما سافر من الجليل توجّه إلى أورشليم وحضر عيد المظال، ثم سافر إلى بيرية بعد الأردن، ومنها سافر إلى بيت عنيا فأقام لعازر من الموت، ثم توجه إلى أورشليم على طريق أريحا فشفى الأعميين، ثم زار زكا، وتوجّه إلى بيت عنيا قبل عيد الفصح بستة أيام, فبعض الآيات المذكورة تشير إلى بعض السفريات، والبعض الآخر تشير إلى باقي سفرياته,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) لأحد الشباب، حسب متى 19: 16 لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحدٌ صالحاً إلا واحد وهو الله , وهذا يعني أن المسيح ليس هو الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : قول المسيح: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحدٌ صالحاً إلا واحد وهو الله لا ينفي الصلاح أو اللاهوت عن المسيح، فقد خاطب الشاب على أساس اعتقاده فيه، لأنه لم يكن يعتقد أن المسيح هو الله بل كان يعتقد أنه أحد معلمي الدين (الذين اعتاد اليهود أن يُسندوا إليهم الصلاح والفضيلة جزافاً) فانتهز المسيح هذه الفرصة، كما انتهز غيرها، وأجاب سائله بالإجابة التي تصحّح اعتقاده في هؤلاء المعلّمين, وكأنه يقول له: إن كنت تظن أني مجرد معلّم، فاعلم أنه ليس هناك معلم صالح على الإطلاق، إذ أن جميع الناس إن لم يكونوا خطاة بأفعالهم، فهم خطاة بطبيعتهم وأفكارهم, فليس هناك كائن يستحق أن يُقال عنه إنه صالح سوى الله وحده, أما المسيح، من جهة ما هو في ذاته، فهو صالح كل الصلاح، فقد قال عن نفسه: أنا الراعي الصالح (يوحنا 10: 11) كما شهد بذلك تلاميذه الذين عاشوا معه وعرفوه, فقال بطرس عنه إنه: لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر (1بطرس 2: 22), وقال بولس عنه إنه قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات (عبرانين 7: 26), لا بل إن أعداءه أيضاً لم يجدوا فيه علّة واحدة، فعندما سألهم مرة: من منكم يبكتني على خطية؟ (يوحنا 8: 46) لم يستطع واحد منهم أن يذكر له خطية واحدة,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) لشاب غني: إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا,, إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبِعْ أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني (متى 19: 17 و21), ألا يعني هذا أننا نحصل على الخلاص بالأعمال الصالحة وليس بالإيمان بالمسيح؟ ثم هل يعني قول المسيح إن كل غني يجب أن يبيع أملاكه قبل أن يكون مستحقاً لاتّباع المسيح؟
وللرد نقول بنعمة الله : (1) انظر تعليقنا على يعقوب 2: 14-26,
(2) لو أن المعترض استمر في قراءة متى 19 لوجد أن الشاب الغني الذي قال المسيح (له المجد) له هذه الكلمات قال إنه حفظ الوصايا، ولكنه لم يحصل على الخلاص, وقال المسيح (له المجد) تعليقاً على ذلك: مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله (آية 24), فأعلن المسيح بهذه الكلمات للشاب الغني أنه لم يحفظ حتى الوصية الأولى التي تقول: لا يكن لك آلهة أخرى أمامي (خروج 20: 3) لأنه فضَّل أمواله على الله، فاعتبره عابد وثن,
وقد أوضح المسيح له أهمية الإيمان به، عندما طُلب منه أن يتبعه, ولا يقدر أحد أن يتبع المسيح إلا إن هو وضع ثقته فيه, فإذا وضع الثقة في المسيح قدر أن يطيع وصايا الله,
(3) والمسيح كطبيب للنفوس يعرف المرض الروحي الذي يصيب النفس البشرية, وعندما رأى المسيح الشاب الغني عرف أن ما يعطله عن اتِّباع المسيح ودخول ملكوت الله هو حبُّه الزائد للمال, ولذلك قدّم له نصيحته أن يبيع كل ما يملكه ويعطيه للفقراء, ولم يقدم المسيح هذه النصيحة لكل من جاء إليه, فالنصيحة ببيع ما يملك الإنسان ليعطيه للفقراء هي نصيحة للشاب الغني، بسبب حالته الروحية خاصةً,
ليس الغِنَى عيباً، فقد كان إبراهيم خليل الله غنياً، وهكذا كان فليمون الذي كتب له بولس رسالته، لكن العيب هو في موقف الإنسان من الغِنى, هذا الموقف والاتجاه الفكري هو الذي يجلب على الإنسان الشر أو يمنحه الخير، فليست حياة الإنسان من أمواله (لوقا 12: 15),
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 20: 1-16 مَثَل صاحب الكرم الذي خرج خمس مرات ليجد فعلةً يرسلهم للعمل في كرمه, وهذا يثبت نبوة محمد، فالفعلة الذين اشتغلوا من الصباح هم اليهود، والذين اشتغلوا من الظهر هم النصارى، والذين اشتغلوا إلى المساء هم المسلمون ,
وللرد نقول بنعمة الله : الذي فسر هذا المثل بهذه الكيفية هو محمد نفسه كما في البخاري وغيره,
و المساء المشار إليه في عدد 8 هو الوقت الذي ذُكر في متى 19: 28 أي وقت التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده , فالمساء هو آخر الدهور الذي فيه يأتي المسيح على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ليدين الأرض (متى 24: 30 و31 ورؤيا 1: 7 و20: 11-15), يظهر صحة تفسير المساء بما ذكرناه من مقدمة المَثَل وخاتمته، لأنه يبدأ بتعليل السبب الذي من أجله يكون الأولون آخِرين والآخِرون أولين، وينتهي بهذه النتيجة,
والآن قد أقبل المساء وكادت تغرب شمس الدهر الحاضر، وكلٌّ من النصارى والمسلمين ينتظرون رجوع المسيح ثانية، ويتوقعون حدوث ذلك قريباً جداً, ومتى جاء يملك على كل الأرض إلى ما شاء الله، ويدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2 تيموثاوس 4: 1),
قال المعترض الغير مؤمن: في مثل صاحب الكرم الذي استأجر فعلة لكرمه (متى 20: 1-14) أعطى ديناراً للكل، سواء الذين اشتغلوا من أول النهار، أو الذين جاءوا في الساعة 11, فهل أجر الكل سيتساوى في الملكوت؟ أليس هذا ظلماً؟
وللرد نقول بنعمة الله : كلا, فقد قيل: يجازي كل واحد بحسب أعماله (متى 16: 27), ونفس هذه العبارة وردت في مزمور 62: 12 ورومية 2: 5-7, وقال السيد المسيح ها أنا آتي سريعاً لأجازي كل واحد كما يكون عمله (رؤيا 22: 12),
ولما كانت أعمال الناس تختلف، لذلك مجازاتهم تختلف إنْ خيراً أو شراً (جامعة 12: 14) و حسب ما هو مكتوب في سفر أعمالهم (رؤيا 20: 12), الأبرار يختلفون في المكافأة, والأشرار يختلفون في العقوبة, فقد قيل عن الأبرار: لأن نجماً يمتاز عن نجمٍ في المجد (1كورنثوس 15: 41), وأما عن الأشرار فقال الرب عن المدينة الرافضة لكلمة الله الحق أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة (متى 10: 15), إذن هناك حالة أكثر احتمالاً من حالة أخرى من جهة العقوبة, وقال الرب لبيلاطس: الذي أسلمني إليك له خطية أعظم (يوحنا 19: 11),
واختلاف العقوبة والثواب أمر يناسب العدل الإلهي,
إذن ما معنى أن الكل أخذوا ديناراً، بالتساوي؟
إنما يتساوون في دخول الملكوت، وليس في الدرجة, الكل يدخل الملكوت، حتى الذي تاب في آخر لحظة من حياته, ولكن داخل الملكوت كل واحد ينال حسب عمله, الذي أعطى مائة، والذي أعطى ستين، والذي أعطى ثلاثين، كل واحد حسب عمله,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 20: 20 أن أم ابني زبدي طلبت من المسيح أن يُجلس ابنيها واحداً عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته، وفي مرقس 10: 35 أن ابني زبدي طلبا هذا الطلب ,
وللرد نقول بنعمة الله : من القواعد المقرّرة أن من فعل شيئاً بواسطة غيره نُسب إليه فعله، فالابنان طلبا هذا الطلب بواسطة والدتهما، فنُسِب الطلب إليهما, أو يُحتمل أن والدتهما طلبت هذا الطلب أولاً، ومن شدة تشوّقهما للحصول عليه أعاداهُ ثانيةً بنفسيهما، فذكر متى طلب الوالدة، وذكر مرقس طلبهما,
انظر تعليقنا على متى 27: 5,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 20: 22 و23 قول المسيح لستما تعلمان ما تطلبان, أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟ قالا له: نستطيع, فقال لهما: أما كأسي فتشربانها، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان , وقوله بالصبغة التي أصطبغ بها إلحاقي وكذا قوله وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان , فأسقطهما كريسباخ من المتن, وقال آدم كلارك الشيء نفسه ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال كلارك إن القواعد التي وضعها المحققون للقراءات الصحيحة لا تدل على وجود هذه الكلمات، ولكنهم:
(1) أثبتوها لوجودها في نسخ كثيرة,
(2) هذه العبارة مرادفة للعبارة التي قبلها وهي قوله: أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟ فإنها مثل قوله وإن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها , والصبغة أو العماد بين اليهود كان يُصنع في البرد القارص بأن يجعل الشخص الذي يراد عماده في الماء مدة، فكان رمزه إلى أقصى موت, أما لفظة الكأس فكانت كناية عن المصائب والنوائب, فمن هنا ترى أن معنى الكأس والصبغة واحد، فهي تفسير المرادف، وقد نبَّه آدم كلارك أن معنى العبارتين واحد,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 20: 30 أن أعميين كانا جالسين ففتح أعينهما، وقال في مرقس 10: 46 ولوقا 18: 35 إنه وجد أعمى واحداً إسمه بارتيماوس ففتح عينيه, ويقول متى ومرقس إن المسيح شفى الأعمى خارج أريحا، بينما يقول لوقا إنه شفاه عندما اقترب من أريحا ,
وللرد نقول بنعمة الله : العبارات الواردة في البشائر الثلاث عن شفاء المسيح أعميي أريحا في سفرته الأخيرة إلى أورشليم غير متفقة في بعض التفاصيل, فبحسب ما جاء في متى شفى المسيح الأعميين عند خروجه من المدينة، أما مرقس فيذكر أعمى واحداً اسمه بارتيماوس، ويقول أيضاً إن المسيح شفاه وهو خارج من المدينة, أما لوقا فيروي أن المعجزة حصلت عند اقتراب المسيح من المدينة, وهو أيضاً يتكلم عن شفاء أعمى واحد,
وإشارة متى إلى شفاء أعميين، بينما مرقس ولوقا يذكران شفاء أعمى واحد، لا تنشئ صعوبة في القضية, فالقولان إن المسيح شفى أعميين، وإنه شفى أعمى واحداً غير متناقضين، كما أن القولين اليوم نزل بَرَد و اليوم نزل مطر وبَرَد غير متناقضين, كل ما في الأمر أن إحدى العبارتين أوفى من الأخرى, فيتضح إذن أن المسيح شفى في أريحا أعميين على الأقل، ذكر مرقس منهما اسم الأعمى الذي يتكلم عن شفائه، الأمر الذي يحمل على الاستنتاج أن بارتيماوس هذا عاش جملةسنين بعد شفائه وكان معروفاً للمسيحيين الأُوَل، ولذا كان ذكر اسمه أمراً طبيعياً,
ولكن كيف يمكننا التوفيق بين قول لوقا إن المعجزة حصلت عند اقتراب المسيح من المدينة، وقول متى ومرقس إنها حصلت عند خروجه منها؟
من المحتمل أن المسيح شفى أعمى واحداً عند اقترابه من المدينة، وشفى أعميين آخرين عند خروجه منها, فقد جاء في يوحنا 20: 30 أن المسيح عمل معجزات لم تُدوَّن, فيكون أن لوقا أورد معجزة غير التي كتب عنها متى ومرقس، ويكون المسيح قد شفى ثلاثة عميان في أريحا,
ويوجد حل آخر قد حاز قبولاً لدى كثيرين: لوقا 18: 35 يقول لما اقترب من أريحا كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي فيُرجَّح أن بارتيماوس هو الذي كان جالساً يستعطي, فرواية لوقا لا تفيد حتماً أن المعجزة تمت قبل دخول المسيح المدينة, فلو لم يكن لدينا إلا ما جاء في لوقا، لَجازَ لنا أن نستنتج هكذا, أما وقد جاء في متى ومرقس ما يُظهر أن المعجزة تمت عند خروج المسيح من المدينة، فعلينا إذن أن ننظر في القضية نظراً دقيقاً، فنرى أن رواية لوقا لا تنفي إمكانية حصول الشفاء بعد دخول المسيح المدينة أو عند خروجه منها، لأن لوقا يفيد فقط أن الأعمى كان جالساً يستعطي عندما اقترب المسيح من المدينة، ولا يقول صريحاً إن الشفاء تم في تلك اللحظة عينها، أي قبل دخول المسيح المدينة, نعم إن لوقا يذكر الشفاء قبل أن يذكر اجتياز المسيح إلى أريحا وخروجه منها, وهو إذ يذكر اسم الأعمى يشير إلى شفائه، مع أن هذا حصل بعد حين (أي عند خروج المسيح من المدينة), فمن المحتمل أن بارتيماوس اجتاز مع الجمع إلى أريحا عند دخول المسيح وأتباعه إليها، ثم انضم إليه أعمى آخر وصرخا معاً إلى المسيح, وكثيراً ما نجد في الكتب التاريخية حوادث يسبق ترتيب تفصيلاتها موضعه الأصلي، كما نرى في هذه القضية, ويؤيد هذا ما جاء في لوقا 3: 19-23 حيث نرى أن لوقا يتكلم عن سَجْن يوحنا ثم يتكلم بعد هذا على معمودية المسيح التي حصلت قبل سجن يوحنا,
وأمامنا حل آخر، وهو أن متى أورد خلاصة ما حصل في أريحا, وحباً في الإيجاز بدلاً من أن يقول إن المسيح شفى أعمى عند دخوله إلى المدينة، وشفى أعمى آخر عند خروجه منها، يقتصر على ذكر شفاء أعميين كانا جالسَيْن على جانب الطريق، ولا يرى من اللازم إيراد زمان ومكان المعجزة بالتفصيل, وهذا الحل يلاشي التناقض الظاهري,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 21: 2 أن المسيح أرسل تلميذين إلى القرية ليأتيا بأتان وجحش وركب عليهما، وورد في الأناجيل الثلاثة الأخرى أنهما أتيا بالجحش وركب عليه ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) هاك نص متى 21: 2 اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطاً وجحشاً معها، فحُلّاهما وأْتياني بهما , فلا مانع من أنهما أتيا بالجحش وأمه، وركب على أحدهما, وتمت بذلك نبوة زكريا 9: 9 التي تقول إن المسيح سيأتي جالساً على أتان, وقد ركب إبراهيم الخليل على أتان لما كان متوجهاً ليقدم ابنه ذبيحة، وركب موسى الأتان لما توجه إلى مصر، وكذلك سيركب المسيح على أتان, وفرشوا ثيابهم، فإنه جرت عادة الإسرائيليين أنهم إذا ملّكوا ملكاً فرشوا ثيابهم أمامه كما فعلوا مع الملك ياهو (2ملوك 9: 13) فكذلك فعلوا مع المسيح، لأن الكتاب يشهد أنهم كانوا يعتبرونه نبياً عظيماً, وقول البشير متى إنه ركب على كلٍّ منهما، مراده إنه ركب على كلٍ منهما بالتناوب,
(2) قد يُثنَّى الضمير ويعود على أحد المذكورَيْن، كقول القرآن يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (الرحمان 55: 22), وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب, و جعل القمر فيهن نوراً (نوح 71: 16) أي في إحداهن, ولمن خاف مقام ربه جنتان (الرحمان 55: 46) وإن المعنى جنة واحدة, وكذلك ورد فيه إطلاق المثنى على الجمع وإطلاق الجمع على المفرد وعلى المثنى أيضاً,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 21: 19 و20 أن المسيح نظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط، فقال لها: لا يكن منك ثمرٌ بعد إلى الأبد, فيبست التينة في الحال, فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: كيف يبست التينة في الحال؟ وورد في مرقس 11: 13-15 فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً, فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين, فأجاب يسوع وقال لها: لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد, وكان تلاميذه يسمعون، وجاءوا إلى أورشليم , وفي آية 20 ، 21 وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول، فتذكر بطرس وقال له: يا سيدي انظر، التينة التي لعنتها قد يبست ,
في العبارتين اختلاف، وفضلاً على ذلك فليس للمسيح حق أن يأكل من شجرة التين من غير إذن مالكها، ولم يكن من المعقول أن يدعو عليها فيوجب الضرر على مالكها، وأنه يغضب عليها لعدم الثمرة في غير أوانها, ثم إنه لو كان إلهاً كما يدّعي المسيحيون لَعَرف أنها بغير ثمر ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لم تكن هذه الشجرة ملكاً خصوصياً لأحد، بل كانت لعموم الناس، فكان مباحاً لأبناء السبيل أن يأكلوا منها بلا مانع، فكان للمسيح حقٌ أن يأكل منها حسب نصوص الشريعة اليهودية (تثنية 23: 25), انظر تعليقنا على مرقس 2: 23,
(2) ولما كان عليها ورق أخضر اتخذ المسيح ذلك علامة على وجود باكورة تين، فإن التين في أرض فلسطين يثمر باكورة التين عند ظهور الورق، وأحياناً تطلع الثمار قبل النضج العام بأيام كثيرة، وهو المعروف عند العامة في الشام بالديفور, وقوله: ولم يكن وقت التين أي وقت جَنْيه العمومي، ولكنه كان وقت باكورة التين,
(3) هذه التينة مثل المرائي الذي يتظاهر بالتقوى وهو مجرَّد منها، فعليه علامات القداسة وقلبه ملآن بالنجاسة, وهي تشير إلى الأمة اليهودية التي خصّها الله بالنواميس والشرائع والأنبياء، ومع ذلك كانت مجرّدة من الإيمان والمحبة والتواضع، ورفضت المسيح ولم تذعن لأوامره، ولم تأت بثمر، بل ارتكنت على أنها شعب الله, فلهذا قال المسيح (له المجد) للشجرة: لايكن فيك ثمر ليعلّم الناس أن الأهم هو الثمر,
(4) ولَعْن التينة نبوّة على مستقبل الأمة اليهودية في ذلك الوقت، وإنذار للناس في كل عصر بأنهم إن لم يأتوا بأثمار القداسة والتقوى، حلّت بهم دينونة الله العادلة, والقول يبست في الحال إشارة إلى خراب مدينة أورشليم وعقاب الأمة اليهودية، وقد كانت آيات المسيح كلها مبنية على الرحمة، ولكنه علّم تلاميذه أنه شديد العقاب، وإن كان رحيماً,
(5) لم يكن المسيح جاهلاً بأمر هذه الشجرة، كيف لا وهو الذي يعرف خفايا كل إنسان، حتى أخبر السامرية مثلاً بكل ما فعلت, ولكنه تصرّف بهذه الكيفية ليعرّف الرسل بالعقاب الذي يحل بالمنافقين، وفي نفس الوقت يحل بالتينة التي أظهرت بأوراقها الخضراء أنها تحمل باكورة التين دون أن تحمله فعلاً,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 21: 40 و41 بعد رواية مثل غارس الكرم فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ قالوا له: أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً ردياً، ويسلّم الكرم إلى كرامين آخرين، يعطونه الأثمار في أوقاتها وفي لوقا 20: 15 و16 بعد رواية المثل قال: فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك هؤلاء الكرامين، ويعطي الكرم لآخرين, فلما سمعوا قالوا: حاشا , ففي العبارتين اختلاف، لأن الأولى تقول إنهم قالوا إنه يهلكهم، والثانية تقول إنهم أنكروا ذلك ,
وللرد نقول بنعمة الله : أوضح المسيح أنهم استوجبوا دينونة الله العادلة، فقال: إنسان غرس كرماً وأحاطه بسياج وسلمّه للكرامين وسافر, ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره، فجلدوا بعض عبيده، ورجموا البعض الآخر, وأرسل إليهم ثانيةً ففعلوا بهم كذلك, وأخيراً أرسل ابنه فقتلوه, فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟ قالوا: يهلكهم ويسلّم الكرم لغيرهم, فالبشير متى قال: إن أئمة الأمة اليهودية شهدوا على أنفسهم أنهم استوجبوا العقاب لعنادهم وقتلهم الأنبياء، ورفضهم الكلمة الأزلية، ابنه الحبيب، مع أنهم كان يجب أن يأتوا بأثمار القداسة، لأن الله خصّهم بمراحمه, فلما أورد المسيح لهم المقدمات المنطقية، لم يسعهم سوى التسليم بصدق النتيجة, ففي متى ذكر كلامهم، وهو النتيجة الطبيعية لذات المقدمات، أما في لوقا فذكر النتيجة مع المقدمات، وهو المعروف في المنطق بمتصل النتائج، وسُمي بذلك لوصل نتائجه بمقدماته, وفي الحالتين سلَّم أئمة اليهود بهذه النتيجة الطبيعية, وفي لوقا قال: فلما سمعوا (أي لما فهموا) أن هذا الكلام عليهم، قالوا: حاشا, والنفي هنا لا ينصبّ على النتيجة، وحاولوا تبرئة أنفسهم مما نُسب إليهم من قتل الأنبياء ورفضهم,
قال المعترض الغير مؤمن: تنبأ المسيح في مثل الكرامين الأردياء بمجيء محمد وقوة بطشه متى 21: 33-44 ومرقس 12: 1-11 ولوقا 20: 9-18 ,
وللرد نقول بنعمة الله : هل يسلم المعترض بما جاء في المثل من أن رب البيت هو الله، وأن ابنه هو المسيح، وأنه تكلم عن نفسه كأن اليهود قتلوه؟
ومادام المسيح قائل هذه الأقوال، كان يجب عليه أن يسلمّ بها ويقر أن المسيح ابن الله، وأنه مات عن خطايا العالم,
وبعد إرسال الابن لم يُرسَل رسولٌ آخر, كان الرسول الأخير هو الابن، فليس من المعقول أنه بعد ما أرسل الابن يرجع فيرسل العبيد,
عدا ذلك فإن المسيح اقتبس هنا خبر الحجر الذي رفضه البناؤون (مزمور 118: 21 و22) وقال بطرس إن صاحب سفر المزامير قصد بالحجر الذي رفضه البناؤون المسيح نفسه، حيث يقول: فليكن معلوماً عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم صحيحاً, هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية (أعمال 4: 10 و11 و1بطرس 2: 4-8), وعليه فالبناؤون كانوا يهود عصره,
وقال المسيح (له المجد) المثل خطاباً لليهود ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمّة تعمل أثماره (متى 21: 43), والعهد الجديد يبيّن أنه يُعطى للذين يؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً، الذين هم جنس مختار وكهنوت ملوكي، أمّة مقدسة شعب اقتناء وقال لهم: لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب، الذين قبلاً لم تكونوا شعباً وأما الآن فأنتم شعب الله، الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون (1 بطرس 2: 9 و10), وهنا تلميح لطيف إلى الأثمار التي يطلبها رب البيت من الأمة التي تتولى الكرم، ألا وهي الكنيسة المسيحية، والكرم ملكوت الله (متى 21: 43 يشرح عدد 41), وعليه فقد ثبت أن الحجر الذي رفضه البناؤون هو المسيح نفسه, وأما مقاومة المسيح وعدم الرضوخ له فهما سبب سخط الله وحلول نقمته على أعدائه, وقد تم شيء من ذلك عند خراب أورشليم وتمثيل الرومان باليهود تمثيلاً فظيعاً (سنة 70م) بعد صلب المسيح بنحو أربعين سنة,
وظن بعض المسلمين أن المراد برب البيت المشار إليه في المثل هو محمد، ولكن هذا لا يمكن إثباته، لأن المسيح (في عدد 37 بحسب ما جاء في المثل) كان ابن رب البيت، وليس المسيح ابن محمد, وعليه فلا يمكن تطبيق هذا المثل على ما زعمه المسلمون وإثبات دعواهم إلا بثلاثة أشياء, الأول تحريف المثل، الثاني إغفال القرينة وسياق الكلام، والثالث إغفال النصوص الكثيرة الواردة في أسفار العهد القديم والعهد الجديد,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 24: 2 قول المسيح : الحق أقول لكم، إنه لا يُترك ههنا حجرٌ على حجرٍ لا يُنقَض , غير أن عمر بن الخطاب بنى المسجد مكان هيكل سليمان، فيكون كلام الإنجيل غلطاً, وبما أنه مذكور في مرقس 13: 2 ولوقا 21: 6 فيكون ثلاثة أغلاط، باعتبار الأناجيل الثلاثة ,
وللرد نقول بنعمة الله : تنبأ المسيح عن خراب الهيكل لما كانت الأحوال حسنة، ولم يكن هناك ما يدل على الخراب, أما الهيكل فكان فخر الأمة الإسرائيلية، ومع ذلك تمّ ما أنبأ به المسيح وذلك بعد أربعين سنة، فإن جيش روما استولى على أورشليم سنة 70م، وقد ذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي خراب أورشليم بالتفصيل التام، وكان الرومان قد أسروه وبقي معهم وقت الحصار, وبما أنه كان يهودياً، بل من كهنة اليهود، كان طبعاً لا يروي شيئاً من شأنه تأييد نبوات المسيح,
قال يوسيفوس: لما استولى عساكر روما على المدينة، أصدر تيطس أمراً بأن يخربوها كلها، ماعدا ثلاثة أبراج, أما باقي السور فهُدم تماماً من جدرانه، بحيث لم يبق منه أثر يدل على أنه كان مسكوناً , وقال مايمونيدس (مؤرخ يهودي) إن أحد ضباط جيش تيطس حرث أساس الهيكل - وكان ذلك بعناية إلهية، فإن تيطس كان يتمنى بقاء الهيكل، وكثيراً ما أرسل يوسيفوس إلى اليهود لإغرائهم على ترك العناد وزيَّن لهم التسليم وحفظ المدينة والهيكل, غير أن المسيح كان قد تنبأ عن خراب الهيكل، وكان ذلك قضاءً مقضيّاً, واليهود أنفسهم أحرقوا أولاً أروقة الهيكل، ثم قذف أحد عساكر روما من تلقاء ذاته شعلة نار في المنفذ الذهبي، فاشتعلت النيران، فأصدر تيطس أمراً بإطفاء النيران، ولكن لم يلتفت أحد إلى أوامره من شدة الاضطراب، فهجم العساكر على الهيكل، ولم يثنهم وعد ولا وعيد، فإن مقتهم لليهود حملهم على التخريب, وقال يوسيفوس: أُحرق الهيكل على غير رغبة القيصر ,
فترى من ذلك أن نبوّة المسيح تمت بنوع غريب، وصارت أورشليم مدوسةً من الأمم، إلى أن يتم وقتهم, وفشل اليهود المرة بعد الأخرى في أن يستردّوها, وقد صرح يوليان المرتد امبراطور روما لليهود ببناء مدينتهم وهيكلهم، بل حثَّهم على ذلك، ووعدهم بالعودة إلى وطنهم العزيز, وكانت غايته من ذلك تكذيب ما ورد في الإنجيل، فإنه كان ارتد وصار من ألدّ أعداء الديانة المسيحية، وكان مغرماً بالعبادة الوثنية، فكانت غيرة اليهود مثل غيرته، وشرعوا في وضع أساس الهيكل، ولكن لم يتيسر لهم مع مساعدة هذا الامبراطور تتميم هذا العمل, قال أحد المؤرخين الوثنيين إن ناراً مخيفة انبعثت من الأرض وأحرقت العمال، وتعذَّر عليهم الدنوّ من الأساسات، وأضربوا عن العمل, وعلى كل حال فسواء حصلت هذه المعجزات الباهرة أو لم تحصل، فالنتيجة واحدة، وهي أنه لم يُبْن الهيكل، وتمت أقوال النبوّة,
أما قول المعترض إن عمر بنى جامعاً محل الهيكل، فنقول إنه لا يوجد دليل على أن جامع عمر هو في موضع الهيكل، وذلك أن الرومان خربوا أورشليم والهيكل وحرثوها حرثاً، بل أن أدريان أصدر أمراً بأن تحرث بالملح لكي لا تُزرع، فضاعت آثار الهيكل ومعالمه، ولم يهتد أحدٌ إلى موقعه الأصلي, ولو فرضنا أن عمر بن الخطاب بنى جامعه مكان هيكل سليمان لكان ذلك من أقوى الأدلة على صدق أقوال النبوة، فإن المسيح قال عن الهيكل إنه سيخرب وأن أورشليم تكون مداسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم (لوقا 21: 24), فبناء عمر لجامعه مكان الهيكل هو أعظم دليل على أن الأمم داست أورشليم، وأن بناء الهيكل نُقض ولم يُترك فيه حجرٌ على حجرٍ,
قال المعترض الغير مؤمن: عمل المسيح المعجزات لا يدل على نبوَّته فضلاً عن ألوهيته، فقد جاء في متى 24: 24 قول المسيح سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون أياتٍ عظيمة وعجائب، حتى يُضِلّوا لو أمكن المختارين أيضاً وورد في 2تسالونيكي 2: 9 الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة ,
وللرد نقول بنعمة الله : المعجزة هي أمر خارق للعادة، داعية إلى الخير والسعادة، مقرونة بدعوى النبوة، قُصد بها صدق من ادّعى أنه رسول من الله,
ويلزم أن تكون المعجزة ظاهرة أمام العيان، بحيث لا يختلف فيها اثنان, فإذا قال أحد إن جبريل أتاه ليلاً وأصعده إلى السماء مثلاً فلا تُقبل دعواه، لأنه ربما كان ذلك من الخيالات التي كثيراً ما تطرأ على الإنسان في المنام, أما فتح أعين العميان وإحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه أمام الجماهير الكثيرة من الأعداء والأصدقاء، فهي المعجزة لأنها خارقة للقوانين الطبيعية,
ويلزم أن تكون المعجزة نافعة ومفيدة، فكلام الحصى والرمان والعنب وأكفة الباب وحيطان البيت والشجرة ليست بمعجزة، فإنه لا فائدة للإنسان منها,
ويلزم في المعجزة الإجماع والتواتر، وقد توفرت شروط صحة المعجزة في آيات المسيح، فأتى بالأمور الخارقة للعادة، فكان يأتي إليه الكثيرون من الوجهاء والعظماء ويستغيثون بكرمه ليشفي أولادهم من الأمراض أو يقيم أحباءهم من الموت,
وشهد القرآن لمعجزات المسيح، فورد في آل عمران 3: 49 إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين , وكذلك ورد في سورة المائدة 5: 110 إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك، إذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد وكهلاً, وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني، وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني، وإذ تخرج الموتى بإذني ,
وقد حذر المسيح رسله من الأنبياء الكذبة الذين يأتونهم بالحيل والمكائد، وتنبأ أنه سيظهر البعض بتلك السمات الكاذبة, وقد ظهروا فعلاً، فقال يوسيفوس: ظهر كثيرون ممن ادّعوا الوحي الإلهي وأضلوا كثيرين، وقادوهم إلى البراري، وادعوا أن الله سيعتقهم من نير روما، وإن نبياً كاذباً أغرى نحو ثلاثين ألف نفر فخرجوا معه إلى البرية فلاشاهم فيلكس عن آخرهم, وبعد صلب المسيح ظهر سيمون الساحر، وأغرى سكان السامرة بأنه قوة الله العليا، وادّعى أنه ابن الله, كما ظهر دوسيثوس السامري وادعى أنه هو المسيح الذي تنبأ عنه موسى، كما ظهر بعد صلب المسيح باثنتي عشرة سنة نبي كاذب اسمه نادوس أغرى كثيرين أن يأخذوا ثيابهم ويقتفوا أثره إلى نهر الأردن بدعوى أنه سيفلقه ليعبروا منه، وقال يوسيفوس إنه أضل كثيرين، وتم بذلك قول المسيح, ثم ظهر بعد ذلك بسنين قليلة أنبياء كذبة كثيرون في عهد نيرون، وكان لا يمضي يوم بدون أن يقتل الحكام واحداً منهم (تاريخ يوسيفوس الكتاب 20 فصل 4 و7),
وقول المسيح إن المضلين يدّعون بعمل آيات كذبة، هو كما فعل سحرة المصريين, وكل من يفهم ويدرك يمكنه أن يميّز بين المعجزات الصادقة من الكاذبة، فالمعجزات هي من أقوى الأدلة على صدق النبوة، وإنما الواجب الاحتراس من الكذبة الذين يحتالون بالخداع لإضلال الناس,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 24: 34 عن علامات نهاية الزمان قول المسيح: الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله , وقد مضى ذلك الجيل، ومضت أجيال عديدة، ولم ينته العالم ,
وللرد نقول بنعمة الله : تحدث المسيح في متى 24 ومرقس 13 عن ثلاثة أمور: رجوعه ثانية, وخراب أورشليم، ونهاية العالم, وليس عن نهاية العالم فقط, وقوله: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله المقصود به تحقيق نبوّته عن نهاية العالم عندما يبدأ الله بتنفيذ مشيئته من جهة خراب أورشليم الثاني , فضلاَ على أنه قد تم ذلك خراب أورشليم الأول، إذ خربت أورشليم سنة 70م وتشتت اليهود في أرجاء الأرض, ولم يكن ذلك الجيل قد مضى بعد,
ومن نبوات المسيح في هذا الأصحاح عن خراب أورشليم الثاني ونهاية العالم، قوله: فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس (ليفهم القارئ) فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً,,, وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام, وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت (متى 24: 15-20), فهذا سيتم في نهاية العالم عند ظهور النبي الكذاب في أورشليم….
ومن أقواله في تلك المناسبة، التي تمت أيضاً في ذلك الجيل: يسلّمونكم إلى ضيق، ويقتلونكم, وتكونون مُبْغَضين من جميع الأمم لأجل اسمي, وحينئذ يعثر كثيرون ويسلّمون بعضهم بعضاً (متى 24: 9 و10), وأيضاً قوله: حينئذ يكون اثنان في الحقل، يُؤخذ الواحد ويُترك الآخر, إثنتان تطحنان على الرحى، تؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى (متى 24: 24 و41),
إذن الأصحاح فيه معلومات على عن ثلاثة أمور: رجوعه ثانية, وخراب أورشليم، ونهاية العالم, وعبارة مجيء ابن الإنسان تعني مجيئه الثاني في نهاية الزمان, كما قال: طوبى لأولئك العبيد، الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين, كونوا أنتم مستعدين، لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان, طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا (لوقا 12: 37 و40 و43), وقوله أيضاً لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً (مرقس 13: 36),
اعتراض على متى 24: 36
انظر تعليقنا على لوقا 21: 33 و34
قال المعترض الغير مؤمن: من طالع قصة المرأة التي أفرغت قارورة الطيب على المسيح في متى 26: 7-13 ومرقس 14: 3-9 ويوحنا 12: 3-8 وجد فيها اختلافات: (1) صرّح مرقس أن هذا الأمر كان قبل الفصح بيومين، وقال يوحنا كان قبل الفصح بستة أيام, (2) جعل متى ومرقس الحادثة في بيت سمعان الأبرص، وجعلها يوحنا في بيت مريم, (3) قال متى ومرقس إنها سكبت الطيب على رأس المسيح، وقال يوحنا إنها سكبته على قدميه, (4) وقال مرقس إن الذين اعترضوا كانوا من الحاضرين، وقال متى إن المعترضين هم التلاميذ، وقال يوحنا إن المعترض كان يهوذا, (5) قال متى إن ثمن الطيب كثير، وقال مرقس إنه اكثر من 300 دينار، وقال يوحنا إنه 300 دينار ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لم يقل متى ولا مرقس إن هذه الحادثة حصلت قبل الفصح بيومين ولا بستة أيام، وإنما قالا إنه قبل الفصح بيومين عقد أئمة اليهود مجلساً للمداولة والمشاورة في كيفية قتل المسيح، ثم ذكرا قصة سكب قارورة الطيب, وتوصّلا بها إلى ذكر يهوذا الإسخريوطي، لأنه يُحتمل أن حادثة سكب قارورة الطيب كانت من الأسباب التي حملته على تسليم سيده, وكذلك لا يُؤخذ من عبارة يوحنا أنه قبل الفصح بستة أيام حصلت هذه الحادثة، بل قال قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا فصنعوا له وليمة عشاء , فهذه العبارة تفيد أنه أتى إلى بيت عنيا قبل الفصح بستة أيام، وأُقيمت الوليمة بعد أن أقام هناك أياماً,
(2) لم يقل يوحنا إن الوليمة كانت في بيت مريم، بل قال: فصنعوا له هناك عشاء ,
(3) كانت عادة اليهود أن يسكبوا الطيب على الرأس أو الشعر، فاقتصر متى ومرقس على ذكر هذه العادة, أما يوحنا الرسول فضرب عنها صفحاً اعتماداً على شهرتها ومعرفة الناس لها، وذكر مسح القدمين لغرابته، ودلالته على تواضعها، وعلى منزلة المسيح الرفيعة عندها, فبعد أن دهنت رأسه دهنت قدميه ومسحتهما بشعرها,
(4) قول مرقس أناساً من الحاضرين يشمل التلاميذ لأنه جنس عام، وكلمة التلاميذ تشمل يهوذا، لأنه كان واحداً منهم, فعلى هذا يكون يهوذا من الحاضرين، وواحداً من التلاميذ, وحينئذ فلا تناقض مطلقاً, فإذا أُريد بكلمة التلاميذ يهوذا خاصة، يكون من إطلاق الجمع على الواحد, وإذا أُريد الجمع، فلا مانع من أن يكون بعض التلاميذ اشتركوا مع يهوذا في التذمر على المرأة عن خلوص نية، وظنوا أنها أتت شيئاً غير مناسب, أما تذمر يهوذا فكان عن سوء نية، لأن الكتاب المقدس يشهد على شراهته وأنه كان سارقاً,
(5) قال متى إن ثمن الطيب كثير، لأن 300 ديناراً هو أجر عامل لمدة سنة, وقال مرقس إن ثمنه أكثر من 300 دينار، لأن الأسعار غير محدَّدة، ويمكن أن يباع الشيء بأثمان مختلفة حسب قانون العرض والطلب, أما يوحنا فاقتبس نص كلمات يهوذا الإسخريوطي,
قال المعترض الغير مؤمن: يوجد اختلاف بين ما ورد في متى 26: 21-25 وما ورد في يوحنا 13: 21-27 ,
وللرد نقول بنعمة الله : هاك ما ورد في متى 26: 21-26 : إن واحداً منكم يسلّمني، فحزنوا جداً وابتدأ كل واحد منهم يقول: هل أنا هو يارب؟ فأجاب: الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمّني,,, فسأل: هل أنا هو يا سيدي؟ قال له: أنت قلت , وورد في يوحنا 13: 21-27 : إن واحداً منكم يسلمني، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون فيمن قال عنه ,,, فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له: ياسيد من هو؟ أجاب يسوع: هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه, فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا ,
ومن هذا نرى:
(1) قال المسيح (له المجد) إن واحداً منكم يسلمّني,
(2) يُفهم من الروايتين أنهم انذهلوا وتحيروا، وأخذوا يتساءلون عن الشخص الذي يتجاسر على ذلك,
(3) تصريحه بأن يهوذا هو الذي أضمر له السوء,
(4) لما استفهم أحد التلاميذ من المسيح عن الشخص الذي قصد أن يسلّمه قال (بحيث لم يسمعه سوى السائل): الذي أغمس اللقمة وأعطيه , ثم غمس اللقمة وأعطاها له, وهو لا ينافي ما ذُكر في إنجيل متى من أن يهوذا استفهم منه بعد ذلك عن مسلّمه فقال له: أنت هو ,
اعتراض على متى 26: 28
انظر تعليقنا على لوقا 22: 17
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 26: 48-50 أن يهوذا كان قد قال لليهود: الذي أُقَبِّله هو هو أمسكوه , فتقدم وقال: السلام يا سيدي , وقبّله, فأمسكوه, وورد في يوحنا 18: 2-8 وكان يهوذا مسلّمه يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه، فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري, قال لهم يسوع: أنا هو, وكان يهوذا مسلّمه أيضاً واقفاً معهم, فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض, فسألهم أيضاً: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري, أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو, فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون , وبين القصتين تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) من تأمل القصتين رأى أن يوحنا الرسول لم يذكر تقبيل يهوذا لسيده، اعتماداً على فهم السامع، لأنه لما كان يهوذا تلميذاً للمسيح كان لابد أن يسلّم عليه ويقبّله، ويؤدي له الاحترام الواجب على التلميذ نحو أستاذه, وهذا أمر معلوم، سواء ذكره يوحنا أم لا, وإنما المهم هو أنه غدر بسيده, ولما قبّله قال لهم المسيح: من تطلبون؟ فوقعت هيبته الإلهية، هيبة القداسة والحق والعدالة في أفئدتهم، وسقطوا على الأرض,
(2) إنه قال لهم: أنا هو، لئلا يمسّوا تلاميذه بضرر فإنه هو الحافظ, ولا يوجد أدنى اختلاف في رواية هذه الأخبار المهمة, نعم يكون هناك تناقض لو قال أحدهم إن يهوذا قبّل المسيح، ثم قال الآخر إنه لم يقبّله,وكذلك لو قال الآخر إنهم سقطوا من هيبته المقدسة، وقال الآخر لم يحصل شيء من ذلك, ولكن لم يحصل شيء من هذا، فالله أوحى إلى كل رسول أن يروي ما رآه، وألهم كل واحد أن يقول حسب طريقته، فإن لكل نبي نَفَساً وروحاً لا يشاركه فيه الآخر,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 26: 64 من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء , وهذا غلط لأن اليهود لم تره قط جالساً عن يمين القوة ولا آتياً على سحاب السماء، لا قبل موته ولا بعده ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه الآية الشريفة هي القول الفصل الذي قاله المسيح عن ذاته وماهيته ومجيئه، فاليهود كانوا يتوهّمون أن المسيح يكون ملكاً جباراً ينقذهم من نير روما ويرفعهم إلى ذُرى المجد الدنيوي, أما المسيح فقال إنه يأتي في السحاب إشارة إلى النقمة التي تحل بهم لانحرافهم عن الحق, وقد استعمل هذه العبارة للدلالة على البلايا التي تحل باليهود كأمة (متى 24: 30),
أما قوله: تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء فهو مقتبس من نبوات دانيال في كلامه عن مجيء المسيح، وبيان ذلك أنه لما استفهم رئيس الكهنة من المسيح عما إذا كان هو المسيح، أجابه بالإيجاب، وأوضح له أنه هو المراد بنبوات دانيال, وقد كان الجميع يعرفون أن نبوات دانيال تشير إلى مجيء المسيح في ملكوته, والمسيح ذاته أطلق عبارات هذه النبوة على ذاته قبل التجلي (متى 16: 28),
وأطلق هذه النبوة على نفسه مرة أخرى لما تنبأ على خراب أورشليم، فقال إن ابن الإنسان يأتي على سحاب السماء بقوة ومجد كثير (متى 24: 30), وفي 26: 64 لما كان اليهود يحاكمونه قال: إنهم سيبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء , كأنه يقول: مع أني في أعينكم محتقر ومرذول ومُهان، ولم تصدقوني لما قلت إني المسيا، إلا أن دعواي صحيحة، لأنها مبنيّة على أساسٍ حقيقي، والدليل على ذلك أنكم ستبصرون ابن الإنسان (أي المسيا) آتياً، ولكن ليس بالكيفية التي انتظرتم بها مجيئه، بل يأتي في سحاب السماء، وستحل بكم النقمة التي ظننتم حلولها بأعدائكم,
ومما يدل على أن اليهود فهموا ما قصده المسيح، أنهم استشاطوا غيظاً، حتى مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: إنه قد جدّف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه, ماذا ترون؟ فأجابوا: إنه مستوجب الموت, حينئذ بصقوا في وجهه , وسبب ذلك هو أنه هدم آمالهم الجسدية الدنيوية,
قال المعترض الغير مؤمن: اختلف الإنجيليون الأربعة في إنكار بطرس عدة اختلافات,
ورد في إنجيل متى 26: 69-75 أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار، فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي, فأنكر قدام الجميع قائلاً: لست أدري ما تقولين, ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى، فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري, فأنكر أيضاً بقَسَم: إني لستُ أعرف الرجل, وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم، فإن لغتك تظهرك, فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف الرجل, وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في مرقس 14: 66-72 وبينما كان بطرس في الدار أسفل، جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة, فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري, فأنكر قائلاً: لست أدري ولا أفهم ما تقولين, وخرج خارجاً إلى الدهليز فصاح الديك، فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين: إن هذا منهم، فأنكر أيضاً, وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً، ولغتك تشبه لغتهم, فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه, وصاح الديك ثانية، فتذكر بطرس القول الذي قاله يسوع: إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في لوقا 22: 54-61 وأما بطرس فتبعه من بعيد, ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً، جلس بطرس بينهم، فرأته جارية جالسة عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه، فأنكره قائلاً: لست أعرفه يا امرأة, وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم, فقال بطرس: يا إنسان! لست أنا, ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً: بالحق إن هذا أيضاً كان معه، لأنه جليلي أيضاً, فقال بطرس يا إنسان! لست أعرف ما تقول، وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك، فالتفت الرب ونظر إلى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب: كيف قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات ,
وورد في يوحنا 18: 16 و17 أما بطرس فكان واقفاً خارجاً، فخرج التلميذ الآخرالذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوَّابة فأدخل بطرس, فقالت الجارية البوَّابة لبطرس: ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟ قال ذاك: لست أنا , وفي آية 25 وسمعان بطرس كان يصطلي، فقالوا له:ألست أنت أيضاً من تلاميذه؟ فأنكر ذاك وقال: لست أنا , فقال واحد من عبيد رئيس الكهنة: أما رأيتُك أنا معه في البستان؟ فأنكر بطرس أيضاً, وللوقت صاح الديك ,
وهذه الاختلافات هي:
(1) يُفهم من رواية متى ومرقس أن جاريتين والرجال القيام كلَّموا بطرس، أما لوقا فقال إنهم جارية ورجلان,
(2) كان بطرس وقت سؤال الجارية في ساحة الدار حسب رواية متى، وفي وسط الدار على رواية لوقا، وأسفل الدار على رواية مرقس، وداخل الدار على رواية يوحنا,
(3) اختلفوا في الأسئلة الموجَّهة لبطرس,
(4) كان صياح الديك بعد إنكار بطرس ثلاث مرات على رواية متى ولوقا ويوحنا، وكان صياحه مرة بعد إنكار بطرس الأول، ومرة أخرى بعد إنكاره مرتين، على رواية مرقس,
(5) قال متى ولوقا إن المسيح قال: قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات , وقال مرقس إنه قال: قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات ,
(6) جواب بطرس للجارية حسب رواية متى لست أدري ما تقولين وعلى رواية يوحنا أجاب بالسلب فقط، وعلى رواية مرقس لست أدري ما تقولين وعلى رواية لوقا لست أعرف يا امرأة ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) اتفق الإنجيليون على عدد مرات إنكار بطرس لسيده، وأجمعوا على أن إنكاره كان قبل أن يصيح الديك, وتمت بذلك نبوة المسيح أن بطرس سينكره ثلاث مرات، وقبل صياح الديك,
لقد قال المسيح (له المجد) العبارتين: قال إن بطرس سينكره قبل أن يصيح ديك، وإنه ينكره قبل أن يصيح الديك مرتين, وذكر متى إحدى العبارتين، وذكر مرقس العبارة الأخرى, ومما يجدر ذكره أن لوقا ويوحنا أوردا قول المسيح بنفس الصيغة الواردة في متى, وقبل الجزم بأن أحد البشيرين يناقض البقية يجب أن نأتي بالدليل على أن المسيح لم يقل هذه العبارة إلا مرة واحدة، وإلا فلا تناقض,
فيصح أن نتصور ما يأتي: أنذر المسيح بطرس أنه قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات, ولما كان بطرس سريع التأثر ثار لما سمع هذا، وكأنه يقول: هل أنا أنكر سيدي؟ إن هذا مُحال! ولو اضطُررت أن أموت لا أنكرك , وعندئذ كرر المسيح الإنذار، وأضاف تفصيلاً آخر بقوله: يا بطرس، قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات, ويترجح جداً أنه قد تُبودلت عبارات كثيرة بين بطرس وسيده بصدد هذه النقطة الخطيرة, ولا شك أن المسيح قال لبطرس نفس العبارة الواردة في متى ولوقا ويوحنا، والعبارة الواردة في مرقس أيضاً,
ولنورد حلاً آخر، وهو أن متى ولوقا ويوحنا أوردوا إعلان المسيح لبطرس أنه سينكره بصيغة عامة، أما مرقس (فكما هي عادته) أورد العبارة بالتدقيق, وكما نراه في روايات أخرى يورد تفصيلات دقيقة لا نراها في بقية البشائر، هكذا أيضاً أورد في هذه القضية لفظة دقيقة لم يوردها غيره, وعلاوة على هذا يجب أن نتذكر أن بشارة مرقس (كما يفيد التقليد) كُتبت تحت إشراف بطرس, ولذا نرى فيها أسلوب بطرس ولهجته، وإذ ذاك لا نستغرب عندما نجد أن العبارة المقولة لبطرس واردة في هذه البشارة بدقة أكثر من سواها,
(2) اقتصر لوقا البشير على ذكر المرة التي أنكر فيها بطرس سيده صراحة وبشدة، لأنها كانت أهم من المرة الأولى, وهذا لا ينافي أن جاريتين سألتاه مرتين, أما متى ومرقس فذكرا الحالتين, وعليه فلا اختلاف، فإن الاختلاف لا يتحققإلا إذا نفى الواحد ما أثبته الآخر, وهنا اقتصر لوقا على ذكر الأهم، وأما الآخرون فذكروا كل شيء بالتفصيل,
(3) قال لوقا إن رجلين سألاه عن نسبته إلى سيده، وقال متى ومرقس إن الرجال سألوه، فعبارتهما تتضمن أن رجلين سألاه نيابةً عن باقي الجمهور، فلا نتصوَّر أن الجمهور سألوا بطرس مرة واحدة,
(4) قال متى: إنه كان خارجاً في الدار، وقال مرقس: في الدار أسفل، وقال لوقا: في وسط الدار، وقال يوحنا: إنه كان واقفاً عند الباب خارجاً، فخرج التلميذ وكلَّم البوَّابة فأدخل بطرس (آية 16), فلا يوجد اختلاف, بطرس كان حسب قول متى خارجاً في الدار، أي ليس في الدار الفوقاني الذي كان فيه المسيح والمجلس, ومما يدل على أنه كان في صحن الدار قول متى إنه لما ضايق اليهود بطرس خرج إلى الدهليز ، فهذا يدل على أنه كان في الدار, ولم يقل البشير إن بطرس كان خارج الدار، بل خارجاً في الدار أي خارجاً عن المخادع, وبما أنه كان في المحل التحتاني (أي صحن الدار) فيصح أن يُطلق عليه أسفل الدار, ولايخفى أن معنى صحن الدار هو أسفله، وهو لا ينافي أنه كان جالساً في وسطه يستدفيء على النار, وقصد الرسل أنه لم يكن في الدور المرتفع الفوقاني الذي كان فيه المجلس، بل كان في مكان الخدم، وهو الصحيح,
(5) من تأمل الأسئلة الموجَّهة لبطرس وجدها واحدة، ففي متى قالت الجارية: وأنت كنت مع يسوع الجليلي , ثم قالت أخرى: وهذا كان مع يسوع الناصري , وقال القيام (أي الحراس): أنت أيضاً منهم فإن لغتك تظهرك , هذه هي رواية متى,
أما مرقس فذكر أن الجارية قالت: أنت كنت مع يسوع الناصري , ثم رأته ثانية وقالت للحاضرين: إن هذا منهم , وقال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم , وقس على ذلك ماورد في إنجيل لوقا ويوحنا، فإنه لا يختلف عن ذلك في شيء ما,
(6) أنكر بطرس المسيح ثلاث مرات قبل صياح الديك، غير أن بعضهم ذكر أن الديك صاح مرتين واقتصر البعض الآخر على ذكر صياح الديك مرة، وسبب ذلك هو أن الديوك تصيح مرتين، مرة عند قدوم الصبح ومرة عند طلوع النهار, وبما أنه يندر من يسمع صياحه أول مرة، ضرب بعض البشيرين عنه صفحاً, والمهم هو الصياح الثاني وقد ذكره جميع البشيرين، وهذا لاينافي أنه صاح قبلها,
(7) إجابات بطرس واضحة متشابهة لا فرق بينها, وبما أن كثيرين من الخدم والحاضرين أخذوا يعنفونه ويضايقونه، فزع وتلعثم في الكلام، وهو يبرئ نفسه بأساليب متنوعة في الوضوح والخفاء، فتارة ينكر، وأخرى يحلف ليتخلّص من ظلم اليهود, وكان ينتقل من مكان لآخر ليواري نفسه ويتخلص من مأزقه,
(8) وهكذا يتضح عدم وجود اختلاف في أقوال البشيرين، فكل واحد منهم ذكر أقوال الوحي الإلهي بحسب روحه ونَفَسه، فإن الوحي لا يبتلع شخصية الإنسان, فالله يوحي للنبي أو الرسول المعاني والأحكام، ويكون في يد الله بمنزلة القلم في يد الكاتب، فتُحفظ شخصيته، ويظهر في كتابته ما اختص به من القوى العقلية وطرق الفكر والتصوّر, وهذا هو سبب تنوّع طرق تعبير الأنبياء, وكلامنا هنا هو عن الأنبياء أو الرسل بصيغة الجمع, أما إذا اختلف رسول أو نبي في أقواله وعباراته، فهذا هو الذي يُؤاخذ عليه، لأنه ناقض نفسه
قال المعترض الغير مؤمن: يؤخذ من إنجيل متى 27: 3 أن رؤساء الكهنة اشتروا الحقل بالثلاثين من الفضة التي ردَّها يهوذا، ويُعلم من أعمال الرسل 1: 18 أن يهوذا كان اشترى الحقل بها، فإنه قيل: وهذا معلوم في جميع سكان أورشليم ,
وللرد نقول بنعمة الله : نص أعمال 1: 18 فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم , فنسب إليه الاقتناء لأنه كان السبب فيه, وكثيراً ما يُنسب إلى الإنسان الفعل لأنه السبب فيه، فنُسب إلى الملك بناء القصر مع أنه ليس هو الباني حقيقة، ولكنه يأمر به,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 27: 3 أنه حُكم على المسيح وأنه دين، وهو غلط، لأن رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب دفعوه إلى بيلاطس البنطي ,
وللرد نقول بنعمة الله : مَن طالع متى 27: 67 يرى أن الكهنة والشيوخ والرؤساء والمجمع أتوا بشهادات زور عليه، حتى مزّق رئيس الكهنة ثيابه، لأنه ادّعى على المسيح أنه مجدف, وبصقوا في وجهه ولكموه ولطموه، وحكموا عليه بالموت, فهم الذين حكموا عليه حتى تعذّر على الوالي إطلاق سبيله بعد ذلك، مع أنه كان يميل إلى إطلاقه، فوافقهم حسماً للدسائس والفتن، وطمعاً في محبتهم له,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 27: 3 أن يهوذا ردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ في الهيكل، وهو غلط لأنهم كانوا في هذا الوقت عند بيلاطس يشتكون على المسيح ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد في متى 27: 5: فطرح الفضة في الهيكل وانصرف أي أنه أوردها في خزينة الهيكل باسم أئمة الدين، سواء كانوا حاضرين أم غائبين,
قال المعترض الغير مؤمن: سياق العبارة في متى 27: 3-11 يدل على أن الفقرة كلها أجنبية على النص ,
وللرد نقول بنعمة الله : الكلام مرتبط ببعضه، فإنه ذكر في الآيتين السابقتين ما كان من اليهود في اضطهاد المسيح، وتسليمهم إياه للحاكم, وفي آية 3-10 ذكر أنه لما رأى يهوذا ما حصل لسيده ندم وتأسف وانتحر, وذكر في آية 11 وقوف المسيح أمام الوالي، وهكذا روى الوقائع بحسب زمان حدوثها,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 27: 5 أن يهوذا انتحر صباح الليلة التي أسلم فيها المسيح, وغير معقول أن يندم على فعله في هذه المدة القليلة ويخنق نفسه، لأنه كان عالماً قبل التسليم أن اليهود يقتلونه ,
وللرد نقول بنعمة الله : لو قال الكتاب المقدس إنه لبث أسبوعاً يتحسر ويتأسف على غدره وخيانته، لاستبعدنا انتحاره، ولكنه لما رأى أنه خان سيده الذي لم ير منه مدة معاشرته سوى اللطف والمحبة والرحمة والإحسان والسماحة والآيات الباهرة، انتحر من شدة تحسّره ونخسات الضمير,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل متى 27: 5 أن يهوذا الاسخريوطي مضى وخنق نفسه ولكن ورد في أعمال 1: 18 وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها ,
وللرد نقول بنعمة الله : ذكر متى مجرد خبر انتحاره، فقال إنه شنق نفسه، واقتصر على ذلك لأن غايته هي مجرّد إفادة المطالع خبراً من الأخبار, أما في أعمال الرسل فالمقام كان مقام تنفير من ذلك العمل الوخيم، فأوضح أنه مات أشنع ميتة وأفظعها, فإذا طالع الإنسان حال المنتحرين، ونظر ما يؤول إليه الخائن المنتحر، عَدَل عن الانتحار ولم يَرْض لنفسه انشقاق البطن وخروج أمعائه منها,
ذكر متى مجرد انتحار يهوذا وشنق نفسه، وذكر أعمال الرسل الأمر بتفصيل، فإنه علق نفسه وشنقها على طرف هوة في وادي هنوم، فانقطع الحبل به فسقط,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 27: 9 حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمَّن الذي ثمنوه من بني إسرائيل , ولفظ إرميا غلط، فإن العبارة المستشهَد بها هي من زكريا، والأغلب أن عبارة متى كانت بدون ذكر اسم النبي ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) من اصطلاحات علماء اليهود القديمة أنهم كانوا يقسمون الكتب المقدسة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول شريعة موسى، وكانوا يسمونها الشريعة , والقسم الثاني المزامير ، والقسم الثالث قسم الأنبياء ويُسَمَّى إرميا، من إطلاق إسم سفر من الجزء على الكل, وسبب تسمية قسم الأنبياء إرميا أنهم ذكروا نبواته أول الأنبياء على هذا الترتيب: إرميا وحزقيال وإشعياء، ثم نبوات الأنبياء الصغار الإثنى عشر, فقول متى: تمّ ما قيل بإرميا النبي يشمل زكريا, والعبارة التي استشهد بها هي واردة في زكريا 11: 12 و13,
(2) قُرىء في هذا المكان زكريا لأنه جرت العادة أن يكتبوا كلمة إرميا باللغة اليونانية ايريو وكلمة زكريا زيريو ، وربما نشأ هذا الاختلاف عن ذلك,
(3) ذهب البعض إلى أن إرميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات، وأن زكريا نقل عنه, فاستشهاد البشير متى بإرميا هو في محله على أي حالة كانت,
ومعنى عبارة زكريا هو أن الله أمره أن يتوجَّه إلى اليهود بشيراً ونذيراً، فنبذوا كلامه وازدروا به, وطلب منهم أن يعطوه ثمنه أي قيمة أتعابه، أو يلبوا دعوته، ولكنهم ازدروا به وبوظيفته وبالله الذي أرسله بأن أعطوه ثلاثين من الفضة (وهي ثمن العبد والرق), فأمره الله أن يلقي هذا الثمن إلى الفخاري, وعلى هذا المثال سلكوا مع المسيح، فإنه لما أتى رفضوه وأظهروا ازدراءهم به، بأن ثمَّنوه بثمن عبد، فألقى هذا الثمن في الهيكل, وأخذه الكهنة واشتروا به حقل الفخاري وهو لا قيمة له، وهذا يدل على استخفافهم به ورفضهم دعوته,
قال المعترض الغير مؤمن: يُفهم من كلام متى ومرقس أن الذين استهزأوا بالمسيح وألبسوه اللباس كانوا جند بيلاطس لا هيرودس، ويُعلم من كلام لوقا خلاف ذلك, وورد في متى 27: 27 و28 أن عسكر الوالي ألبسوه رداءً قرمزياً، وفي مرقس 15: 16 و17 ألبسه العسكر أرجواناً، وفي لوقا 23: 11 فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأوا به، وألبسه لباساً لامعاً ورده إلى بيلاطس ,
وللرد نقول بنعمة الله : احتقره عساكر بيلاطس، وكذلك هيرودس وعساكره، لأن حكمة المسيح اقتضت أن لا يشفي غليل هيرودس بعمل معجزة أمامه، لأن غايته كانت التفرّج، لا الوقوف على الحق, واقتصر لوقا على ذكر ما حصل له من الازدراء, وعلى كل حال فلا منافاة بين أقوال الرسل، لأنه لم يقل أحدهم إنه حصلت له إهانة وقال الآخر حصل له تبجيل وتكريم، بل أجمع جميعهم على حصول الإهانة له,
ويذكر متى أن لون رداء المسيح كان قرمزياً، ويذكر مرقس أنه كان من قماش الأرجوان، ويصف لوقا الرداء الأرجواني القرمزي بأنه كان لامعاً,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 27: 34 أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب، ولما ذاق لم يرد أن يشرب , وورد في آية 48 ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه , وورد في مرقس 15: 23 وأعطوه خمراً ممزوجاً بمرٍّ ليشرب فلم يقبل , وورد في آية 36 فركض واحد وملأ أسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه، وفي لوقا 23: 36 والجند استهزأوا به، وهم يأتون ويقدمون له خلاً وفي يوحنا 19: 28-30 إن المسيح قال: أنا عطشان، وكان إناءٌ موضوعاًمملوءاً خلاً، فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه، فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أُكمل ,
وللرد نقول بنعمة الله : قُدِّم الخل للمسيح مرتين، في الأولى قدموا له خلاً ممزوجاً بمر، فإنه كانت عادتهم أن يقدموا لمن حُكم عليه بالإعدام هذا الخل الممزوج بالمر ليغيّبه عن الوعي، لتخفيف آلامه, فالمسيح رفض ذلك، لأنه أراد أن يكون يقظاً، ينطق بكلماته السبع على الصليب، ولأنه أتى ليتألم ويحمل في جسده العقاب الذي كنا نستوجبه بسبب خطايانا, أما في المرة الثانية فعطش من شدة الألم على الصليب، فأعطوه خلاً من مشروب العساكر فشربه,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 27: 35 ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة , فقال آدم كلارك إن قوله لكي يتم بالنبي اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة يجب حذفها لأنها ليست في المتن، وهي مأخوذة من إنجيل يوحنا 19: 24 ,
وللرد نقول بنعمة الله : ثبت في النسخ المعتبرة والقراءات الصحيحة ورود هذه العبارة النبوية، وهي في الأصل في مزمور 22: 18, نعم لم توجد في بعض النسخ, فإذا سلمنا جدلاً أنها لم تكن موجودة في الأصل، فهي من المدرج الجائز الذي قُصد به التفسير, هي واردة في إنجيل يوحنا وقد تمت فعلاً في شخص المسيح، فإن تصرف العساكر كان متمماً لقول النبي داود,
قال المعترض الغير مؤمن: العنوان الذي كتبه بيلاطس ووضعه على الصليب في الأناجيل الأربعة مختلف، ففي متى 27: 37 يسوع ملك اليهود وفي مرقس 15: 26 ملك اليهود وفي لوقا 23: 38 هذا هو ملك اليهود وفي يوحنا 19: 19 يسوع الناصري ملك اليهود , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : ذكر جميع البشيرين كلمة ملك اليهود ، لأنه هو موضوع اتهام اليهود، فإنهم اتخذوا ذلك حجة في صلبه, أما كونه ناصرياً، أو أنه سُمي يسوع أي المخلص، فلم يتخذوه سبباً في صلب المسيح، ولكن الدعوة المهمة هي ادعاء المُلك, فلو ضرب أحد البشيرين عنه صفحاً لساغ الاعتراض,
وكان أول معترض بهذا الاعتراض شخص من الكفرة اسمه توماس بين، وهو أمريكي مؤلف كتاب حقوق الإنسان , فردّ عليه أحد العلماء قائلاً: إن الخلاف الموجود في الأناجيل لفظي، ناشيء عن كتابة هذا العنوان بالعبرية واليونانية واللاتينية, ومع أن معناها واحد إلا أن الترجمة لا تسلم من الاختلاف اللفظي, فإذا فرضنا أن المقادير قضت عليك بأن يشنقك روبسبير وكتب فوق المشنقة باللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية توماس بين الأمريكي مؤلف حقوق الإنسان , وشاهد أربعة أشخاص إنفاذ الحكم بالإعدام، ورووا هذه الحادثة، وكتبوا ملخص تاريخك بعد وفاتك بعشرين سنة، فقال أحدهم إن توماس شُنق، وكان عنوان المشنقة هذا هو توماس بين مؤلف حقوق الإنسان وقال الثاني كان عنوانها مؤلف حقوق الإنسان وقال الثالث كان عنوانها هذا هو مؤلف حقوق الإنسان وقال الرابع كان عنوانها توماس بين الأمريكي مؤلف حقوق الإنسان - فهل يرتاب أحد في صحة تأليفهم لتاريخك؟ لا نظن ذلك, فكذلك الحال هنا فإن الله يخاطبنا حسب الطرق المصطلح عليها بين الناس ,
ومن هنا يتضح أن دأب المعترض نقل اعتراضات الكفرة وغض الطرف عن الردود عليها,
قال المعترض الغير مؤمن: قال متى 27: 44 ومرقس 15: 32 إن اللصين اللذين صُلبا معه كانا يعيّرانه، وقال لوقا إن أحدهما عيّره وأما الآخر فزجر رفيقه وقال ليسوع: اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك , فقال له يسوع: إنك اليوم تكون معي في الفردوس (لوقا 23: 42 و43), وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : اشترك اللصان أول الأمر في التعيير، ولكن لما اقتنع أحدهما بما رآه في يسوع المسيح من الوداعة والحلم، وتذكر ما صنعه من المعجزات الباهرة، اعترف بذنبه وأقرّ بقوة المسيح له المجد, ولكن قال بعض العلماء: اشتهر في اللغة العبرية إقامة الجمع مقام المفرد، وجرى البشير متى على هذه الطريقة، فقال في موضع آخر كما هو مكتوب في الأنبياء، ومراده نبي واحد,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 27: 46 ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي، إيلي، لما شبقتني، أي إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ وفي مرقس 15: 34 إلُوي إلوي لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني وفي لوقا 23: 46 ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : لما كان المسيح على الصليب صرخ مرتين، المرة الأولى كان صراخ التوجع من آلام الصلب، والمرة الثانية صراخ تسليم الروح, ففي المرة الأولى ذكر الآية الواردة في مزمور22: 1 وهي إلهي إلهي لماذا تركتني؟ لأنه كان إنساناً مثلنا في كل شيء، ماعدا الخطية, فلما جلدوه وضربوه واستهزأوا به وعيّروه، تألم من ذلك كإنسان, ومما زاد توجّعه وتألمه أنه حمل خطايانا على جسده, قال إشعياء النبي في 53: 4 ، 5 لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل أثامنا, تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا , وصار ذبيحة عن خطايانا كما في غلاطية 3: 13 وفي 2كورنثوس 5: 21 لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطيةً لأجلنا (أي ذبيحة خطية) لنصير نحن برّ الله فيه , فشدة آلام المسيح ناشئة عن وضع خطايانا عليه، فهذا هو صراخ التوجّع، وقد ذكره متى ومرقس، بل قالا أيضاً إنه صرخ مرة ثانية وأسلم الروح, أما لوقا فذكر توجّعه وتألمه (وهو لا ينافي أنه صرخ في أثناء ذلك) ثم قال لوقا إنه قبل أن أسلم الروح صرخ قائلاً: في يديك أستودع روحي ,
انظر تعليقنا على يوحنا 20: 17
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 27: 51-53 وإذا حجاب الهيكل قد انشقّ إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين , وقال نورتن إن هذه الحكاية كاذبة، والغالب أنها كانت رائجة بين اليهود بعد ما صارت أورشليم خراباً, فلعل أحداً كتبها في حاشية النسخة العبرية لإنجيل متى، وأدخلها الكاتب في المتن ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه الأقوال ثابتة في متن جميع النسخ القديمة، فإنكارها هو إنكار للحقائق الثابتة بالإجماع والتواتر والأسانيد الثابتة الصحيحة, ولا نتعجب إذا لم يصدق الكفرة هذه الأقوال لأنهم يرفضون المعجزات عموماً, ولكننا نتعجب من الأمة اليهودية التي قاومت المسيح وكفرت به رغم ما أجراه بينهم من معجزات,
(1) جاء المسيح إلى هذا العالم للفداء العظيم الذي لا يمكن حصوله إلا بتقديم نفسه ذبيحة عن الخطيئة، فصَلْبه كان لا بد منه,
(2) كان بيلاطس مقتنعاً ببراءة المسيح، وبذل الجهد لإقناع الأمة اليهودية ببراءته، ولكنهم هاجوا وماجوا، فلبّى طلبهم لتسكين الثورة,
(3) خشي بيلاطس أن يسمع امبراطور روما أنه دافع عن شخص ادَّعى المُلك، فيتهمه بعدم الولاء له، فرأى بيلاطس أن الأوْلى أن يتلافى الأمور، ويُرضي الجمهور ويسلّم لهم يسوع, وكثيراً ما يغض ولاة الأمور الطرف عن الحق والعدل والاستقامة والصدق، مراعاةً لمقتضيات السياسة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 27: 51-53 قيام الموتى القديسين وآيات عظيمة, فلو حدثت هذه فعلاً لآمن كثيرٌ من الرومان واليهود ,
وللرد نقول بنعمة الله : لو كان عمل المعجزات والآيات كافياً وحده في هداية الأنفس إلى الحق، لاهتدى فرعون وقومه إلى الحق وآمنوا بالإله الحي بسبب معجزات النبي موسى, ومع أن بني إسرائيل رأوا قوة الله القاهرة، إلا أنهم تركوه واتخذوا العجل إلهاً لهم, ومع أن المسيح كان يفتح أعين العميان ويشفي الأكمه ويقيم الموتى، إلا أن اليهود رفضوه وصلبوه,
ولا يخفى أن إقامة الموتى وتفتيح أعين العميان وشفاء المرضى بمجرد كلمة واحدة، وتسكين العواصف وغيرها من الآيات البينات، هي أعظم من انشقاق حجاب الهيكل وتشقيق الصخور وقيام الموتى من القبور, فالمعجزات ليست هي الواسطة الوحيدة في هداية الأنفس، بل الهدى هو هدى الرحمن,
اعتراضات على قصة القيامة
متى 28: 1-15 ومرقس 16: 1-11 ولوقا 24: 1-12 ويوحنا 20: 1-18
قد لا توجد في الكتاب قضية يشير إليها الملحدون لإثبات التناقض فيه أكثر من قضية قيامة المسيح بحسب الوارد عنها في البشائر الأربع:
لم ترد في أية بشارة على حِدة خلاصة شاملة لكل الحقائق المختصّة بقضية القيامة, متى يقول إن مريم المجدلية جاءت مع المريمات الأخريات إلى قبر المسيح في صباح ذلك اليوم العظيم, ومرقس يذكر بهذا الصدد مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة, ولوقا أورد أسماء مريم المجدلية ويونّا ومريم أم يعقوب, أما يوحنا فلا يذكر بهذا الصدد إلا اسم مريم المجدلية فقط, فهل نجد هنا تناقضاً؟ كلا! فالبشائر الأربع متفقة في إيراد اسم المجدلية, ثم إن مرقس ولوقا أوردا اسم مريم أم يعقوب التي يشير إليها متى بمريم الأخرى (متى 27: 56) بمعنى أن اسم مريم هذه قد ورد في ثلاث بشائر, إذاً يوجد اتفاق تام بين كل ما جاء في البشائر عن النساء اللاتي أتين إلى القبر, ولا ننكر أن مرقس انفرد بذكر سالومة بينهن، كما انفرد لوقا بذكر يونّا, ولكن هذا لا يدل على أن مرقس ولوقا متناقضان, كل ما في الأمر أن قول هذا يكمل قول ذاك, فسالومة كانت بين النساء في ذلك الصباح كما كانت يونّا أيضاً, ومع أن يوحنا لا يذكر إلا مريم المجدلية، إلا أنه يشير في كلامه إلى مصاحبة بعض رفيقات لها، إذ يقول إنها لما وجدت القبر فارغاً ركضت إلى بطرس ويوحنا وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه (يوحنا 20: 2), فقولها: لسنا نعلم بصيغة الجمع يبيّن أنها لم تذهب وحدها,
وقد قال البعض بوجود تناقض بين يوحنا ومرقس في تعيين وقت ذهاب النساء إلى القبر, فمرقس يقول إنهن أتين عند طلوع الشمس، بينما يقول يوحنا إن مريم المجدلية جاءت إلى القبر والظلام باقٍ, ولكن لا تناقض بينهما، لأن يوحنا يتكلم عن وقت بدء السير إلى القبر، بينما مرقس يشير إلى وقت الوصول إليه, وبدهي أنه كان لا بد لأولئك النساء من قطع مسافة قبل الوصول إلى القبر، سواء كنَّ مقيمات في أورشليم أو في بيت عنيا التي تبعُد عنها قليلاً, فعندما بدأنَ في السير كان الظلام باقياً، ولكن عند وصولهن إلى القبر الواقع شمال أورشليم كانت الشمس على وشك الطلوع,
على أن النقطة التي كثر فيها البحث أكثر من سواها في هذا الموضوع هي الإشارة إلى الملاكين اللذين ظهرا للنساء وأخبراهنَّ عن القيامة, فمتى ومرقس يقولان إن ملاكاً واحداً كلّم النساء، بينما لوقا ويوحنا يذكران أن ملاكين كانا عند القبر وزفَّا بشارة القيامة إلى أولئك النساء, فيقول الملحدون إن هذا تناقض ظاهر, ولكن القارئ المدقق يرى خطأ قولهم هذا, هل متى ومرقس يقولان إنه لم يكن عند القبر إلا ملاك واحد؟ كلَّا, لأن إشارتهما إلى ملاك واحد لا تمنع إمكانية وجود ملاكين أو أكثر عند القبر, ولنتأمل فيما حدث عند ميلاد المسيح، إذ ظهر ملاك واحد للرعاة, وفي الحال ظهر معه جمهور من الجند السماوي, وربما كان سبب ذكر متى ملاكاً واحداً أن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه (متى 28: 2), فهو يخص بالإشارة هذا الملاك، وهو الذي كلم النساء, ولما كانت مأمورية الملاك هذه على جانب عظيم من الأهمية، ذكر متى هذا الملاك فقط، دون أن يعلّق أهمية على وجود سواه من الملائكة عند القبر, كما أن عدم إشارة مرقس إلى وجود ملاك آخر قد يكون راجعاً إلى اهتمامه بالملاك الذي حمل بشرى قيامة المسيح, ولعل ما كان مهماً في نظره هو أن النساء لم يتلقَّيْن هذه البشرى من أحد الرسل، بل من ملاك مرسَل من الله, فسواء كان عند القبر ملاك واحد أو ملاكان، هذا أمر ثانوي, ولا يخفى أن عدم الإشارة إلى وجود شخص ما في ظرف معيَّن لا ينفي وجوده, فلنفرض مثلاً أنك قد حظيت بالمثول بين يدي رئيس الدولة، وكان رئيس الوزراء ساعتئذ حاضراً, وعند رجوعك إلى البيت قد تقول لأهلك: رأيت رئيس الدولة، وقال لي كذا وكذا, وبعد قليل قد تقابل صديقاً لك وتقول له: رأيت هذا الصباح رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وقالا لي كذا وكذا, وإذا قابلت صديقاً آخر تقول له: اُتيحت لي رؤية رئيس الدولة ورئيس الوزراء هذا الصباح، فقال لي رئيس الدولة كذا وكذا, فهل يجرؤ أحدٌ على اتّهامك بالتناقض في هذه الأقوال الثلاثة؟
وعليه يجب أن نعامل الكتاب المقدس عند الحكم على ما جاء به بمبدأ العدل الذي نطلبه لأنفسنا، فنجده خالياً من كل تناقض, فمن المحتمل في قضية القيامة أن أحد الملاكين هو الذي نطق بالبشارة, ومن المحتمل أيضاً أن الثاني كان يردّد كلام الأول تأييداً له, وكيفما كانت الحال، فالبشيرون لهم الحق أن يشيروا إلى أحدهما أو كليهما معاً,
ثم يوجد في موضوع القيامة نقطة أخرى قيل بوجود تناقض فيها، وهي قول يوحنا إن المسيح ظهر لمريم المجدلية عند القبر بعد رجوعها من عند بطرس ويوحنا، اللذين أخبرتهما بعدم وجود جسد السيد, بينما متى يقول إن المسيح ظهر للنساء وهن عائدات من القبر إلى الرسل حاملات بشرى القيامة من الملاك, ولا حاجة إلى الاسترسال في شرح نقطة ظاهرة كهذه, فعند رجوع مريم من القبر لتخبر التلاميذ بعدم وجود جسد الرب، دخلت باقي النساء القبر حيث رأين الملاكين اللذين أسمعاهنَّ بشرى القيامة, وفيما هن راكضات إلى التلاميذ بهذه البشرى رجعت مريم إلى القبر، وهناك ظهر لها الرب المقام,
وقد يعترض معترض على ما جاء في متى 28: 8 ومرقس 16: 8 حيث يقول متى إن النساء خرجن من القبر وركضن ليخبرن التلاميذ, بينما يقول مرقس إنهن لم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات, فمتى يقول إنهن حملن إلى التلاميذ بشرى الملاكين، ومرقس يقول إنهن لم يقلن لأحدٍ شيئاً, أما حل هذه العقدة المزعومة فسهل جداً:
إن إشارة مرقس تفيد وصف حالة النساء وهن راجعات، فلم يقفن في بيوت المعارف والأصدقاء ليخبرنهم بما رأين وسمعن، إذ كنّ مرتعدات,
ولا ريب في أن مرقس لم يقصد بإشارته هذه أن ينفي إخبارهن للتلاميذ, لأنه في مرقس 16: 7 يقول إن الملاك قال لهن: اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل , فإن كانت هؤلاء النساء لم يخبرن التلاميذ يكون هذا عصياناً منهن لأمر الرب, الأمر الذي لا يمكن صدوره من نساء تقيات أمثالهن!
قال المعترض الغير مؤمن: يُعلم من إنجيل متى 28: 1-7 أن مريم المجدلية ومريم الأخرى لما وصلتا إلى القبر نزل ملاك الرب ودحرج الحجر عن القبر وجلس عليه، وقال: لا تخافا أنتما,, اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه , وفي مرقس 16: 1-5 إنهما وسالومة لما وصلن إلى القبر رأين أن الحجر قد دُحرج ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين, وفي لوقا 24: 1-4 إنهن لما وصلن وجدن الحجر مدحرجاً، فدخلن ولم يجدن جسد المسيح، فصرن محتارات، فإذا رجلان وقفا بهنّ بثياب برّاقة, وهذا تناقض
وللرد نقول بنعمة الله : تفيد عبارة متى أن الملاك كان قد دحرج الحجر قبل مجيء مريم المجدلية ومريم الأخرى، فإنهما لما أتتا إلى القبر حدثت زلزلة عظيمة، لأن ملاك الرب كان قد نزل من السماء ودحرج الحجر عن الباب، فجزع الحراس, وهذا مثل ما ورد في مرقس ولوقا,
أما من جهة النساء فذكر لوقا أنه أتت نساء أخريات، واقتصر بعض البشيرين على ذكر البعض لشهرتهنّ، مثل مريم المجدلية لأنها كانت أول من بادر بتبليغ الرسل,
أما اقتصار البعض على ذكر ملاك واحد دون الآخر فلأنه هو الذي خاطبهم وكلمهم، إذ لا يُعقل أن يتكلم الملاكان في آن واحد ذات الكلام عينه,
أما قول بعض البشيرين إنه رجل لابس ثياباً بيضاء، وفي محل آخر يقول إنه ملاك، قلنا إن الملاك يتشكل بشكل الإنسان, والملائكة هم أجساد لطيفة قادرة على التشكّل بصور مختلفة، فرآهم الرسل كذلك,
قال المعترض الغير مؤمن: هناك تناقض بين متى 28: 8 ومرقس 16: 8, يقول متى 28: 8 إن النسوة خرجن من القبر بسرعة ليخبرن التلاميذ، بينما يقول مرقس 16: 8 إن النسوة هربن خائفات، ولم يقلن لأحد شيئاً,
وللرد نقول بنعمة الله : يصف مرقس مشاعر النسوة وهن راجعات من القبر، فلم يتوقفن عند بيوت الأصدقاء لإفادتهم بما رأين و سمعن، لأنهن كنّ خائفات ولا يقول مرقس إن النسوة لم يخبرن التلاميذ، ففي مرقس 16: 7 يقول إن الملاك أمرهنّ بإخبار التلاميذ وبطرس أن المسيح سبقهم إلى الجليل, ولو لم تخبر النسوة التلاميذ ببشارة الملاك لكان هذا عصياناً منهن، وهذا غير معقول، فالنسوة كنّ طائعات محبّات للمسيح و للتلاميذ، و لا بد أنهن أبلغن رسالة الملاك,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 28: 9 و10 أن الملاك لما أخبر المرأتين أنه قد قام من الأموات، ورجعتا، لاقاهما المسيح في الطريق وسلم عليهما، وقال: اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني , ويُعلم من لوقا 24: 9-11 أنهن لما سمعن من الرجلين رجعن وأخبرن الأحد عشر وسائر التلاميذ بهذا كله فلم يصدقوهن, وقال يوحنا 20: 14 إن المسيح لقي مريم عند القبر ,
وللرد نقول بنعمة الله : لاقاهن المسيح لما تركن القبر المرة الثانية، فإنهن أتين أول مرة، ثم بادرن وأخبرن التلاميذ، ثم عُدْن ثانية, فالمسيح ظهر أولاً لمريم المجدلية لما كانت وحدها (يوحنا 20: 14) ثم ظهر لباقي النساء كما قال متى,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 28: 10 و16 و17 فقال لهما يسوع لا تخافا, اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني,,, وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع, ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكّوا ,
ولكن جاء في يوحنا 20: 19 ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: سلام لكم ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه الفصول تتضمن ظهور الرب لتلاميذه بعد قيامته, والنقطة الوحيدة التي قد يجد فيها القارئ شيئاً من الصعوبة هي عدم إشارة متى إلى ظهور الرب للتلاميذ في أورشليم, ولكن هل نفى متى هذه الحقيقة؟ كلَّا, ولو أننا لا نعلم سبب إغفاله ذكر ظهور الرب في أورشليم بعد قيامته, ولكن واضح تماماً أنه لا تناقض من هذا القبيل بينه وبين يوحنا, كل ما في الأمر أن رواية يوحنا أوفى من روايته,
2 - شبهات شيطانية حول إنجيل مرقس
مقدمة لإنجيل مرقس
قال المعترض الغير مؤمن: قال إيريناوس إن مرقس، تلميذ بطرس ومترجمه، كتب بعد موت بطرس وبولس الأشياء التي وعظ بها بطرس , وقال لاردنر: أظن أن مرقس لم يكتب إنجيله قبل سنة 63 أو سنة 64 لأنه لا يُتخيَّل وجه معقول لقيام بطرس في الروم قبل هذا , وهو مثل ما قال إيريناوس, وقال باسينج موافقاً لإيريناوس إن مرقس كتب إنجيله في سنة 66, فثبت أن بطرس لم يرَ إنجيل مرقس يقيناً, أما رواية رؤية بطرس لهذا الإنجيل فضعيفة لا يُعتدّ بها ,
وللرد نقول بنعمة الله : أجمعت التقاليد الصحيحة على أن مرقس البشير كان تلميذ بطرس وترجمانه، والإنجيل ناطق بأنه كانت توجد علاقة وثيقة بين الرسول بطرس وبين عائلة البشير مرقس، حتى أنه لما أطلق ملاك الله بطرس من السجن توجَّه إلى بيت مريم أم مرقس، فإن الرسل كانوا مجتمعين في بيتها يقدمون الصلوات والابتهالات لله (أعمال 12: 12), قال بابياس: لما كان مرقس البشير ترجمان بطرس الرسول، كتب ما سمعه منه عند إلقاء عظاته، بدون مراعاة زمن حصول الحوادث في تاريخ المسيح, ولكنه أخذ عن بطرس الأقوال التي يلقيها حسب مقتضيات الأحوال , وقد ذكر يوسابيوس في تاريخه الكنسي شهادة إيريناوس بهذا الصدد، وكذلك شهادة أكليمندس أسقف الإسكندرية وشهادة أوريجانوس, ويوجد غير هذا شهادات ترتليان وجيروم, ومع أنه يوجد بعض اختلاف في أمور جزئية، إلا أنهم أجمعوا على أمرين: (1) إن مرقس كان رفيق بطرس وبينهما علاقة خصوصية، و (2) إن مرقس هو الذي كتب هذا الإنجيل بإلهام الروح القدس، وكان بولس الرسول يثق به (كولوسي 4: 10 و2تيموثاوس 4: 11),
أما من جهة تاريخ تدوين هذا الإنجيل، فأجمع جميع المؤرخين القدماء على أنه كتبه في روما، وأنه كان ترجمان بطرس الرسول وناقل قوله، وأنه أملاه عليه, ومع هذا فذهب البعض إلى أنه دوّنه بعد وفاة بطرس, وعلى كل حال فإن مرقس كان بشيراً ملهماً بالروح القدس، أنه كتب من سنة 56 إلى سنة 65م, ويُفهم من ذات أقوال الإنجيل أنه كُتب بعد تشتت الرسل بين الأمم، فإنه قال في 16: 20 إنهم كرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم ويثبّت الكلام بالآيات التابعة , ولا يخفى أن الرسل لم يتركوا اليهودية قبل سنة 50م، فالأرجح أن تاريخ كتابته هو بين سنة 60 ، 63م، فيكون بطرس الرسول اطلع عليه,
وقد أجمع جميع قدماء المؤرخين على أن بطرس كان يكرز في روما، فطلب المسيحيون من مرقس أن يدوّن كرازته، ففعل ذلك وسلّمه لهم, ومن الأدلة الداخلية المؤيدة أنه كُتب باطلاع بطرس، هو أننا نجد في هذا الإنجيل تواضع بطرس ظاهراً للعيان، فأوضح ضعفه البشري وسقوطه وغضَّ الطرف عن مناقبه، وإذا تكلم عن مرتبته لم يجعل لها أهمية,
اعتراض على مرقس 1: 2
انظر تعليقنا على متى 11: 10
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 1: 6 أن يوحنا كان يأكل جراداً وعسلاً برياً، وورد في متى 11: 18 أنه كان لا يأكل ولا يشرب - وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يوجد تناقض، فقد قضى يوحنا حياة تقشّف وزُهد، فكان يقتصر على أكل الجراد والعسل البري، وهذا ليس أكلاً وشُرباً اعتياديين، فإن المسيح قال عن يوحنا: ماذا خرجتم لتنظروا؟ أإنساناً لابساً ثياباً ناعمة؟ (لوقا 7: 24) يعني أن يوحنا ليس من أصحاب الترف، فصحَّ أن يُطلق عليه إنه لا يأكل ولا يشرب كناية عن التقشّف والزهد، فلا يُعقل أن إنساناً يعيش بدون أكل ولا شرب مطلقاً، فلا نفسّر هذا حرفياً,
قال المعترض الغير مؤمن: يقول الإنجيل: يأتي بعدي من هو أقوى منّي، الذي لستُ أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه (مرقس 1: 7), والإنجيل كلام المسيح، وهذه الآية من الإنجيل فهي من كلام المسيح, وعليه يكون المسيح قد أنبأ بمجيء نبي بعده أفضل منه بكثير ,
وللرد نقول بنعمة الله : تقول آية 6 إن صاحب هذه الكلمات هو يوحنا المعمدان لا يسوع, وقال المعمدان في يوحنا 1: 26-34 إن الآتي بعده هو المسيح, وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم, هذا هو الذي قلتُ عنه يأتي بعدي، رجلٌ صار قدامي، لأنه كان قبلي (يوحنا 1: 29 و30 أنظر متى 3: 11-14 ولوقا 3: 16 و17),
فإذا قيل إن يسوع كان معاصراً ليوحنا، فلا يصح أن يقول عنه إنه يأتي بعده، نقول: وإن كان معاصراً له، إلا أن المسيح لم يبدأ خدمته إلا بعد سَجْن يوحنا وانتهاء خدمته، لأن هيرودس ملك اليهود أمر بقطع رأسه (مرقس 1: 14 ومتى 4: 12 و17),
اعتراض على مرقس 1: 11
انظر تعليقنا على متى 3: 17
قال المعترض الغيرمؤمن: جاء في مرقس 1: 12 و13 وللوقت أخرجه الروح إلى البرية, وكان هناك في البرية أربعين يوماً يُجرَّب من الشيطان, وكان مع الوحوش وصارت الملائكة تخدمه , وهذا يعني أن المسيح صرف في البرية أربعين يوماً بعد معموديته, لكن جاء في يوحنا 2: 1 و2 وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أمّ يسوع هناك, ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس , وهذا يعني أنه بعد المعمودية ذهب المسيح مباشرة إلى قانا الجليل ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يقل يوحنا إن المسيح رجع إلى الجليل بعد المعمودية تواً, نعم يوحنا 2: 1 يشير إلى اليوم الثالث، ولكنه اليوم الثالث بعد رجوع المسيح إلى الجليل، لا اليوم الثالث بعد معموديته (لاحظ يوحنا 1: 43)حيث يُقال وفي الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل , فواضح إذن أن اليوم الثالث هذا لا دَخْل له بالمعمودية, إن بشارة يوحنا لا تذكر معمودية المسيح ولا تجربته، لأنها لا تكرر ما سبق أن ذكره البشيرون الأولون, وربما قصد يوحنا باليوم الثالث اليوم الثالث من الأسبوع، أي يوم الثلاثاء, وعلى كل حال فإن معمودية المسيح وتجربته كانت قبل الحوادث المشار إليها في يوحنا 1: 29 وما بعده,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مرقس 1: 14 وبعد ما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله , وجاء في يوحنا 3: 22-24 وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية، ومكث معهم هناك وكان يعمد، وكان يوحنا أيضاً يعمد في عين نون بقرب ساليم، لأنه كان هناك مياه كثيرة، وكانوا يأتون ويعتمدون, لأن يوحنا لم يكن قد أُلقي بعد في السجن , مرقس يضع بدء خدمة يسوع بعد سجن يوحنا المعمدان، بينما يوحنا يضعها قبل ذلك ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يتعرض مرقس للكلام على أعمال المسيح قبل سجن يوحنا, ولكنه في الوقت نفسه لا ينفي بتاتاً أن يسوع كرز وعلّم كثيراً قبل تلك الحادثة, فمرقس بقوله في 1: 14 بعد ما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل لا ينفي أن يسوع كان في الجليل قبل ذلك وكان يعلِّم هناك, ولا شك أن خدمة المسيح الجهارية لم تبتدئ إلا بعد أن أُرغم يوحنا بوضعه في السجن على الانسحاب من ميدان العمل، ويترجح أنه بسبب هذا لا يشير البتة أحد البشيرين الثلاثة الأُول إلى شيء من أعمال وأقوال يسوع قبل سَجْن يوحنا, وبشارة يوحنا كُتبت بعد البشائر الأخرى بزمن، بغرض تكميل بقية البشائر، ولهذا ذكرت الحوادث والأقوال التي لم ترد في سواها, فما نراه وارداً في يوحنا لا يناقض البشائر الأخرى بل يكملها,
إن الادّعاء بوجود تناقض في هذه القضية يستلزم الإتيان بعبارة من متى أو مرقس أو لوقا تفيد أن المسيح لم يكرز مطلقاً قبل سَجْن يوحنا, ولكن لا نجد مطلقاً عبارة كهذه, فمن العبث إذاً القول بوجود تناقض في هذه المسألة,
اعتراض على مرقس 1: 16-20
انظر تعليقنا على متى 4: 18-22
قال المعترض الغير مؤمن: يتضح من مرقس 1: 21 و29 أن بطرس كان يسكن في كفرناحوم، لكن يوحنا 1: 44 يقول إنه كان يسكن في بيت صيدا ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان بطرس وأخوه من بيت صيدا، بلدهم الأصلية، لكنهما غيّرا محل سكنهما إلى كفرناحوم بعد ذلك,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 2: 17 قال لهم يسوع: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى, لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة , وورد كذلك في متى 9: 13 : لأني لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاةً إلى التوبة , فقال آدم كلارك إن بعضهم ذهب إلى أن لفظة إلى التوبة هي ملحقة ,
وللرد نقول بنعمة الله : جاءت هذه اللفظة في نسخ كثيرة معتبرة، وأيّدها كثيرون من أئمة الدين المسيحيين، فأثبتها أوريجانوس وباسيليوس وإيرونيموس وأوغسطينوس وأمبروسيوس وبرنابا وغيرهم, وذكر كلارك أسماء الأفاضل الذين أجمعوا على إثبات هذه اللفظة,
وقرينة الكلام تدل على ورودها، فإن المسيح أتى ليدعو الخطاة إلى التوبة، لا إلى فتح البلاد وشن الغارات، ولم يأت ليدعوهم إلى الولائم الفاخرة والشهوات الحيوانية! ومما يؤيد ذلك ما ورد في إنجيل لوقا 5: 32 لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة , وبما أن المعترض مسلِّم بصحة هذه العبارة الواردة في إنجيل لوقا، وكانت العبارتان الواردتان في إنجيلي متى ومرقس مثلها، فتكونان صحيحتين,
قال المعترض الغير مؤمن: كان تلاميذ المسيح وهم سائرون بين الزروع، إذا جاعوا يقطفون السنابل ويأكلون (مرقس 2: 23), وهذا سرقة، لأنهم أخذوا من مال غيرهم دون علمه وإذنه ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يكن ذلك سرقة، لأن الشريعة كانت تصرح به، فيقول سفر التثنية: إذا دخلت كرْم صاحبك، فكُلْ عنباً حسب شهوة نفسك شبعتك، ولكن في وعائك لا تجعل, إذا دخلت زرع صاحبك فاقطف سنابل بيدك, ولكن منجلاً لا ترفع على زرع صاحبك (تثنية 23: 24 و25), إذن كان مصرَّحاً في الشريعة اليهودية وفي العادات اليهودية المألوفة أن السائر إذا جاع يقطف من السنابل، ولكن لا يأخذ معه منها,
وهذا ما فعله التلاميذ: لما جاعوا قطفوا وأكلوا (متى 12: 1), ولذلك لم يوجّه الفريسيون إليهم اللوم على ذلك، وإنما على أنهم فعلوا هذا في يوم سبت (متى 12: 2), فوجّهوا إليهم تهمة كسر السبت فقط وليس السرقة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مرقس 2: 25 و26 فقال لهم: أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه؟ كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة، وأعطى الذين كانوا معه أيضاً؟ لكن يُفهم من 1صموئيل 21: 1-5 أن داود كان منفرداً، وكذلك ورد في متى 12: 3 ولوقا 6: 4 مثل ذلك, وجاء اسم رئيس الكهنة في سفر صموئيل أخيمالك بينما جاء في إنجيل مرقس أن اسمه أبياثار ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لما هرب داود من شاول لم يكن وحده، بل كان معه بعض رجاله (1صموئيل 21: 1-5) والقول الوارد في صموئيل يؤيد قول البشيرين متى ومرقس ولوقا, ويستخدم الاسم واللقب الجديد عن ذات الشخص بعد ذلك,
(2) حصلت هذه الحادثة في أيام أبياثار الذي صار بعد ذلك رئيس كهنة, فإذا تكلمنا مثلاً عن بولس الرسول فلا نسميه باسمه السابق شاول بل نراعي ما سُمِّي به في باقي حياته واشتهر به,
(3) أبياثار هو ابن أخيمالك، وكان مشاركاً لوالده في وظيفته,
(4) تخلى أبياثار عن شاول والتصق بداود، فكان داود ملكاً وأبياثار كاهناً,
اعتراض على مرقس 3: 16-19
انظر تعليقنا على متى 10: 2-4
اعتراض على مرقس 3: 22-30
انظر تعليقنا على متى 12: 31 و32
قال المعترض الغير مؤمن: يظهر من إنجيل مرقس 4: 35-41 أنه بعد أن علمَّ المسيح الجمع بالأمثلة الباهرة حدث هيجان واضطراب في البحر, ويظهر من متى 8 أنه حدث هيجان البحر بعد وعظ المسيح على الجبل، وضرب الأمثلة في متى 13, فأحد القولين غلط، لأن التقديم والتأخير في توقيت الحوادث ممَّن يدَّعون أنهم يكتبون بالإلهام بمنزلة التناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : ذكر متى البشير معجزات المسيح وجمعها مع بعضها مرة واحدة، فذكر من معجزاته تسكين الأمواج واضطراب البحر، وشفاء المجنونين والمفلوج، وإقامة بنت الرئيس من الموت، وتفتيح أعين الأعميين، وشفاء الأخرس المجنون, ثم شرع في ذكر تعاليمه، وساق الكلام عليها إلى أصحاح 13 ، وذكر فيه الأمثلة والأقوال الإلهية, فأين التناقض؟
أما البشير مرقس فراعى زمان حصول أعمال المسيح,
وإذا كان التقديم والتأخير في سرد الحوادث هو بمنزلة التناقض، فسُوَر القرآن غير مرتّبة بحسب النزول، فأول الوحي (في قولهم) اقرأ باسم ربك الذي خلق ولكنها في سورة العلق، ورقمها 96! وكنا نود لو كان القرآن مرتباً حسب الحوادث التي حصلت لمحمد، فكان يذكر دعوته لقومه أولاً، ثم ما كان منهم من الإعراض والتهكم، ثم ما حصل له من الهجرة والمعراج، وما فعله من الغزوات وغير ذلك, وعلى هذه القاعدة لا يكون موحى به, أما الأناجيل فتبدأ بنسب المسيح حسب الجسد وولادته والحوادث المرتبطة بها، ومعجزاته وتعاليمه الباهرة، ورفض اليهود إياه، وصلبه وقيامته بغاية الترتيب والبساطة, وكذلك التوراة التي ذكرت فيها قصص الأنبياء بحسب التسلسل التاريخي,
اعتراض على مرقس 5: 20
انظر تعليقنا على متى 8: 28
اعتراض على مرقس 5: 23
انظر تعليقنا على متى 9: 18
اعتراض على مرقس 6: 8
انظر تعليقنا على متى 10: 10
قال المعترض الغير مؤمن: يظهر من مرقس 6: 17 أن هيرودس كان يعتقد بصلاح يوحنا، وكان راضياً عنه ويسمع وعظه، ولم يقتله إلا لإرضاء هيروديا, ويظهر من لوقا 3: 19 أنه لم يظلم يوحنا لإرضاء هيروديا بل لإرضاء نفسه، لأنه لم يكن راضياً عن الشرور التي كان يفعلها, وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : لنورد عبارات الأصل:
ورد في مرقس 6: 17 لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه، إذ كان قد تزوّج بها, لأن يوحنا كان يقول لهيرودس: لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك! فحنقت هيروديا عليه وأرادت أن تقتله ولم تقدر , ولكن في يوم مولد هيرودس رقصت إبنة هيروديا، فانشرح الملك، ووعد أن يعطيها كل ما طلبت، فأغرَتْها والدتُها على أن تطلب رأس يوحنا,
وعبارة لوقا 3: 19 أما هيرودس فإذ توبخ من يوحنا لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه، ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها، زاد هذا أيضاً على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن ,
فالبشيران يشهدان بفسق هيرودس، وأن يوحنا كان أعظم موبّخ له على شرّه، لأنه كان يوضح له عدم جواز أخذ امرأة أخيه, أما تظاهره بمراعاة يوحنا فقال الرسل إنه كان يخشى حدوث فتنة في الأمة، لأن يوحنا كان صاحب منزلة عظيمة, فتظاهره كان مراوغةً، أو كما يقولون سياسة , وقد قال المسيح (له المجد) عنه: قولوا لهذا الثعلب (لوقا 13: 32), ولو كان هيرودس يحترم يوحنا ويسمع له (كما قال المعترض الغير مؤمن) لكان يُقلع عن الفسق، ولَماَ قتله,
قال المؤرخ يوسيفوس إن هيرودس أخذ هيروديا لما كان مسافراً إلى روما، ونزل في بيت أخيه، فعشق امرأته، واتفق معها على أن يترك زوجته إبنة أرتياس ملك بترية، واتفقت هيروديا معه على ترك قرينها, فيظهر من هذا أنه كان عائشاً معها في الفسق، فأظهر يوحنا بسالةً في زجره وتوبيخه, وأجمع المؤرخون على أنه كان منغمساً في الفجور، ومنهمكاً في الخلاعة,
قال المعترض الغير مؤمن: الذي يقارن مرقس 6: 32 و45 و53 يجد أن بيت صيدا تقع في مكان يختلف عما نقرأ عنه في لوقا 9: 10 - 17 ,
وللرد نقول بنعمة الله : هناك مدينتان تحملان اسم بيت صيدا إحداهما شرق بحر الجليل والأخرى غربه, صَدَق كل من مرقس ولوقا,
اعتراض على مرقس 7: 26
انظر تعليقنا على متى 15: 22
اعتراض على مرقس 9: 1
انظر تعليقنا على متى 16: 27 و28
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مرقس 10: 25 مرور جمل من ثقب إبرة، أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله , فهل من المعقول أن يصعب دخول الأغنياء ويسهل دخول الفقراء؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تتحدث الآية عن كل الأغنياء، فهناك أغنياء قديسون، لكن المسيح قال هذه الآية تعليقاً على تصرف الشاب الغني، الذي عاقه المال عن أن يتبع الرب، ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة, ولم يقل الرب إن دخول الأغنياء إلى الملكوت أمر مستحيل، وإنما أمر عسير, ولم يذكر الرب كل الأغنياء، إنما قال: ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله (مرقس 10: 24) لأن هناك عيباً معيناً، وهو الاتكال على المال، وليس على الله، ويتطور الأمر من الاتكال على المال، إلى محبة المال وعبادته، بحيث يصير منافساً لله, وهكذا قال الرب: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين, لا تقدرون أن تخدموا الله والمال (متى 6: 24) فالذين يجعلون المال منافساً لله في قلوبهم يصعب دخولهم الملكوت, وهذا ما حدث مع الشاب الغني, كان يستطيع أن ينفذ كل الوصايا منذ حداثته، ما عدا المال، إذ كان لا يستغني عنه,
وهناك عيب يمنع دخول الأغنياء إلى الملكوت وهو: البخل في إنفاق المال، وبالتالي قسوة القلب على الفقراء، ومثال ذلك الغني الذي عاصر لعازر المسكين، الذي كان يشتهي الفتات الساقط من مائدة الغني, وكان الغني لا يشفق على هذا المسكين، وفي قسوته ترك الكلاب تلحس قروح المسكين (لوقا 16: 19-21),
ومع ذلك يمكن للغني أن يَخْلص ويدخل الملكوت، إن كان يملك المال ولا يسمح للمال أن يملكه، ولا يجعل محبة المال تدخل إلى قلبه، لتمنعه عن محبة الله ومحبة القريب, وهكذا ينفق المال في أعمال الخير,
ويعطينا الكتاب المقدس أمثلة لأغنياء قديسين، مثل أيوب، الذي كان أغنى بني المشرق في أيامه، وقد شرح الكتاب غناه بالتفصيل، سواء قبل التجربة (أيوب 1: 2 و3) أو بعدها (أيوب 42: 12), ومع ذلك شهد له الرب نفسه أنه ليس مثله في الأرض, رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر (أيوب 1: 8 و2: 3), وكان أباً للفقراء، وعيوناً للعمي وأرجلاً للعرج، أنقذ المسكين والمستغيث، واليتيم ولا معين له, وجعل قلب الأرملة يُسر (أيوب 29: 12-16),
ليس الغِنى عائقاً أمام الملكوت، إنما العائق هو القلب, والمشكلة هي: هل القلب يخضع لمحبة الغنى، ويصبح ثقيلاً عليه أن يدفع من أمواله، حتى العشور، ويكنز المال بلا هدف، فيصير المال صنماً أمامه يعوقه عن محبة الله؟ أما الغني الذي يستخدم ماله لأعمال البر في محبةٍ، فليس هو النوع الذي يقصده المسيح,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 10: 29 و30 الحق أقول لكم، ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أباً أو أولاداً أو حقولًا لأجلي و لأجل الإنجيل، إلا و يأخذ مائة ضعف، الآن في هذا الزمان: بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولًا، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية وورد في لوقا 18: 29 و30 ليس أحد ترك بيتاً أو والدين (إلى آخره) إلا و يأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية , وهو غلط، لأنه إذا ترك الإنسان امرأة فلا يحصل على مائة امرأة في هذا الزمان، لأن المسيحية لا تسمح بالتزوج بأزيد من واحدة, وإن كان المراد بها المؤمنات بدون زواج، يكون الأمر أفحش وأفسد, على أن لا معنى لقوله : أو حقولاً مع اضطهادات ,
وللرد نقول بنعمة الله : علَّم المسيح بهذه الأقوال ليوضح أن الله يكلأ تلاميذه بعنايته ويقيهم من شر من يتآمر عليهم للإضرار بهم، فكأنه قال لهم: لو تآمر اليهود والأمم للإضرار بكم، فعنايتي الشاملة تحيط بكم بحيث لا يعوزكم شيء ضروري, فمن ترك شيئاً لأجل المسيح يجد بين المسيحيين الحقيقيين اقرباء روحيين، يحبونه كمحبة الآباء و الأمهات والأخوات, ولكن لم يقل الإنجيل: إذا ترك امرأة يجد امرأة أخرى، فالإنجيل كتاب طهارة وقداسة,
اعتراض على مرقس 10: 35
انظر تعليقنا على متى 20: 20
اعتراض على مرقس 10: 46
انظر تعليقنا على متى 20: 30
اعتراض على مرقس 11: 1-11
انظر تعليقنا على متى 21: 2
اعتراض على مرقس 11: 13-15
انظر تعليقنا على متى 21: 19 و20
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 11 أن مباحثة اليهود والمسيح كانت في اليوم الثالث من وصوله إلى أورشليم، وفي متى 21 أنها كانت في اليوم الثاني، فأحدهما غلط ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يرد في مرقس لفظة اليوم الثالث مطلقاً, وكذلك لم يرد في متى لفظة اليوم الثاني , وعبارة متى تحتمل أن المسيح تناظر مع اليهود في اليوم الثالث، فإنها عامة غير مقيَّدة بشيء,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 11: 23 لأني الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر، ولايشك في قلبه بل يؤمن أن مايقول يكون، فمهما قال يكون له , وورد في مرقس 16: 17 و18 وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يُخرجون الشياطين باسمه، ويتكلّمون بألسنة جديدة, يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون , وورد في يوحنا 14: 12 الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي , وقوله: من قال لهذا الجبل عام لا يختص بشخص دون شخص وزمان دون زمان، بل لا يختص بالمؤمن بالمسيح أيضاً, وكذا قوله تتبع المؤمنين عام لا يختص بالرسل ولا بالطبقة الأولى، وكذا قوله من يؤمن بي عام لا يختص بشخص وبزمان، وتخصيص هذه الأمور بالطبقة الأولى لا دليل عليه غير الادّعاء البحت ,
وللرد نقول بنعمة الله : خاطب المسيح تلاميذه بهذه العبارة لأن بطرس لما رأى التينة يبست تعجب من قوة المسيح القادرة، فقال المسيح (له المجد) له: إذا كان لكم إيمان , وورد في إنجيل متى 17: 19 و20 أنه لما تعذر على التلاميذ إخراج شيطان من رجل، سألوه: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فأجاب: لعدم إيمانكم , ثم قال لهم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل فينتقل , يعني أن الأمور التي تظهر لكم متعذّرة ومستحيلة تكون سهلة بالإيمان, فمن هنا نرى أن الخطاب كان موجّهاً إلى التلاميذ خاصة، وليس إلى عموم المؤمنين, ولا شك أن التلاميذ اختُصُّوا بامتيازات عظمى، كالوحي الإلهي، وعمل المعجزات:
(1) أخرجوا الشياطين، فورد في إنجيل لوقا 10: 17 أن الشياطين كانت تخضع لهم باسم المسيح، وورد في أعمال 5: 12-16 أنه جرت على أيديهم آيات وعجائب كثيرة، فكان الناس يحملون المرضى خارجاً في الشوارع ويضعونهم على فُرُش وأسرَّة، حتى إذا جاء بطرس يخيّم ولو ظله على أحد منهم، وكان الناس يأتون حاملين مرضى ومعذّبين من أرواح نجسة فيبرأون جميعهم, وورد في أعمال 8: 7 أن الرسل كانوا يُخرجون الأرواح النجسة من الناس، وشفوا المفلوجين والعُرج, وورد في أعمال 16: 18 أن بولس الرسول أخرج روحاً نجسة من امرأة, وفي أعمال 19: 11 و12 وكان الله يصنع على يدي بولس قوات غير المعتادة، حتى كان يؤتى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة منهم , وأقام الموتى أيضاً,
(2) كانوا يتكلمون بلغات متنوعة فورد في أعمال 2: 4 أن الروح القدس حل على الجميع فتكلموا بألسنة أخرى، وفي أعمال 10: 46 أنهم كانوا يتكلمون بجملة لغات، وفي أعمال 19: 6 أنه لما وضع بولس يديه عليهم ابتدأوا يتكلمون بلغات متنوعة,
(3) لما وصل بولس إلى مالطة أوقد أهلها ناراً لبولس ليستدفيء، فنشبت أفعى في يده، فنفضها إلى النار ولم يصبه أدنى ضرر، فانذهل سكان الجزيرة (أعمال 28: 1-6),
(4) قال المسيح (له المجد): وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم , وقد تحقق ذلك، فلم يَرْوِ أحدٌ من المتقدّمين ولا من المتأخرين بأن السم أثّر في أحد من الرسل,
أما قوله: ويعمل أعمالاً أعظم منها فنقول إنها كانت أعظم بالنظر إلى آثارها، فإنها أثرت في البشر تأثيراً عظيماً، فغيَّرت الأخلاق والطباع والعادات، وكانت سبباً في هداية النفوس من الضلالة, وكانت أعمال المسيح قاصرة على اليهودية، ولم يرها إلا القليل، أما أعمال الرسل فشهدتها الأمم الكثيرة، ونشأ عن وعظهم ومعجزاتهم أن اهتدى ألوف اليهود والوثنيين إلى المسيحية، فانتشرت دعوتهم في أنحاء الممالك، وفي يوم واحد آمن بواسطتهم نحو ثلاثة آلاف نفس (أعمال 2: 41), ولا ينكر أحد أن ذلك كان بقوة المسيح، فهو الذي أرسل إليهم الروح القدس، وجعل كلامهم مؤثراً في النفوس والقلوب,
اعتراض على مرقس 12: 1-11
انظر تعليقنا على متى 21: 43 و44
اعتراض على مرقس 13: 11
انظر تعليقنا على متى 10: 19 و20
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في مرقس 13: 32 وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب , ولكن جاء في يوحنا 21: 17 قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني؟ فقال له: يا رب، أنت تعلم كل شيء, أنت تعرف أني أحبك, قال له يسوع ارع غنمي , تنسب الآية الثانية إلى المسيح العلم المطلق، لكن الأولى تفيد أنه لم يعرف يوم وساعة مجيئه في مجده ,
وللرد نقول بنعمة الله : على القارئ أن يلاحظ الوقت الذي فيه قيلت كل من العبارتين, لما قال بطرس للمسيح يا رب، أنت تعلم كل شيء كان المسيح قد اجتاز الموت والدفن والقيامة, أما قول المسيح عن نفسه إنه لا يعرف وقت مجيئه الثاني فهذا كان في خلال مدة اتضاعه، أي قبل موته ونصرة قيامته, وهذا هو مفتاح القضية, فالكتاب يفرِّق بين حالتي المسيح قبل قيامته وبعدها, ففي الحالة الأولى، حالة اتضاعه قد أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، ووُجد في الهيئة كإنسان، ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (انظر فيلبي 2: 7 و8), أما بعد قيامته فقد تغيَّرت حالته إذ رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم (فيلبي 2: ),
وعند درس كل الفصول المختصة بهذا الموضوع يتضح أن المسيح، مع أنه في أثناء اتضاعه كانت له كل الخواص والصفات الإلهية، قد تخلّى طوعاً عن حقوقه وامتيازاته ككونه الله، ولم يكن يستعملها إلا في أحوال مخصوصة, فكان له العلم المطلق، ولكن إذ كان قد أخلى نفسه وأخذ صورة عبد لم يستخدم علمه هذا إلا في أوقات معينة, وعليه فقوله عن نفسه إنه لم يعرف وقت مجيئه الثاني يصوِّر لنا عمق تواضعه الفائق الذي لم يدَعْه يُظهِر خواصّه الإلهية, وقد بلغ تواضعه هذا أقصاه عندما عُلّق على الصليب، وكأنه ضعيف عاجز، مع أنه قال عن نفسه: أضع نفسي لآخذها أيضاً, ليس أحدٌ يأخذها منّي، بل أضعها أنا من ذاتي, لي سلطانٌ أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً (يوحنا 10: 17 و18),
انظر تعليقنا على لوقا 21: 33 و34
اعتراض على مرقس 14: 3-9
انظر تعليقنا على متى 26: 7-13
اعتراض على مرقس 14: 22 و23
انظر تعليقنا على لوقا 22: 17
اعتراض على إنكار بطرس مرقس 14: 66-72
انظر تعليقنا على متى 26: 69-75
اعتراض على مرقس 15: 16 و17
انظر تعليقنا على متى 27: 27 و28
اعتراض على مرقس 15: 23
انظر تعليقنا على متى 27: 34
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مرقس 15: 25 أنهم صلبوا المسيح في الساعة الثالثة، وورد في يوحنا 19: 14 أنه كان عند بيلاطس في الساعة السادسة, ويُفهم أيضاً من الأناجيل الثلاثة الأولى أن المسيح كان في الساعة السادسة على الصليب، ويُفهم من إنجيل يوحنا أنه كان في هذا الوقت في حضور بيلاطس البنطي ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لم تقل الأناجيل الثلاثة الأولى ذلك، لكن جميعهم أجمعوا على أن الأرض أظلمت في الساعة السادسة,
(2) ورد في مرقس 15: 25 أنه صُلب نحو الساعة الثالثة، وفي يوحنا 19: 14 أنه كان في الساعة السادسة, وقال بعض المفسّرين إن مرقس يقصد أن الحكم بالصلب صدر في الساعة الثالثة، وتمَّ في الجلجثة، وهي خارج أورشليم, وبين المكان الذي حُوكم فيه المسيح والمكان الذي صُلب فيه مسافة طويلة يحتاج قطعها إلى ثلاث ساعات , ومما يدل على ذلك قوله إنه في الساعة السادسة أظلمت الدنيا , وهو يدل على أن الصلب تم فعلاً في الساعة السادسة, وإذ تقرر ذلك فلا منافاة بين قولي البشيرين,
(3) وقال بعض المفسرين إنه بما أن يوحنا الإنجيلي كان مقيماً في آسيا الصغرى، جرى في الحساب على الطريقة الرومانية الرسمية، فإنهم كانوا يحسبون اليوم من منتصف الليل, فالساعة السادسة التي أشار إليها هي بعد منتصف الليل (أي صباحاً) فصرف نحو ثلاث ساعات في إجراء ما يلزم للصلب، فيكون الصلب في الساعة التاسعة قبل الظهر، وهي الساعة الثالثة التي ذكرها البشير مرقس، وعليه فلا اختلاف مطلقاً,
اعتراض على مرقس 15: 26
انظر تعليقنا على متى 27: 37
اعتراض على مرقس 15: 32
انظر تعليقنا على متى 27: 44
اعتراض على مرقس 15: 34
انظر تعليقنا على متى 27: 46
اعتراضات على قصة القيامة مرقس 16: 1-11
انظر تعليقنا على متى 28: 1-15
قال المعترض الغير مؤمن: يُعلم من مرقس 16: 2 أن النساء أتيْنَ إلى القبر إذ طلعت الشمس، ومن يوحنا 20: 1 أن الظلام كان باقياً وكانت المرأة واحدة ,
وللرد نقول بنعمة الله : هاك عبارة البشير مرقس: باكراً جداً في أول الأسبوع أتيْنَ إلى القبر إذ طلعت الشمس وعبارة البشير يوحنا هي وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق ,
(1) قال يوحنا إن مريم المجدلية أتت أولاً لما كان الظلام باقياً، أي في الفجر، وقال البشير مرقس أتت النساء باكراً جداً , وهنا لا يوجد تناقض لاختلاف الزمن، فمريم المجدلية أتت والظلام باق، والنساء أتيْنَ إذ طلعت الشمس,
(2) لا يوجد تناقض لاختلاف الموضوع، ففي مكان قال إن مريم المجدلية سبقت غيرها، وفي مكان آخر قال إن النساء أتين, فالتناقض يتحقق إذا قال أحد البشيرين إن مريم المجدلية أتت والظلام باق، وقال البشير الآخر: لم تأت مريم المجدلية والظلام باق، أو لو قال أحد البشيرين إن النساء أتين عند طلوع الشمس، وقال الآخر لم تأت عند طلوع الشمس, ولكن لم يحصل شيء من ذلك، فكلامهم في غاية الموافقة والمطابقة, على أنه لو فرضنا أن العبارتين تفيدان شيئاً واحداً، فيكون يوحنا اقتصر على ذكر مريم المجدلية لحديثها مع المسيح,
قال المعترض الغير مؤمن: قال جيروم إن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكّون في مرقس 16 ، وقال غيره إن مرقس 16: 9-20 دخيل على النصّ ,
وللرد نقول بنعمة الله : قوله إن العلماء يشكّون في الأصحاح الأخير من إنجيل مرقس هو افتراء محض, غاية الأمر أن غريغوريوس أسقف نسّا في كبدوكية قال إن إنجيل مرقس ينتهي بقوله : كنّ خائفات (مرقس 16: 8), وغضّ الطرف عن آيات 9-20 ، لأنه لم يجدها في بعض نسخ الفاتيكان, ومن المؤكد أنها كانت موجودة في نسخ كريسباخ ، ولكنها كانت مكتوبة بين قوسين, أما الأدلة المؤيدة لصحتها فهي:
(1) آيات 9-20 موجودة في النسخة الإسكندرية, وفي النسخ السريانية القديمة، وفي النسخ العربية، واللاتينية، و تناقلها أوغسطين وأمبروز ولاون أسقف روما الملقّب بالجليل القدر، كما أنها موجودة في نسخة بيزا و هي موجودة في تفاسير ثيوفيلاكتس اليونانية,
(2) استشهد إيريناوس الذي كان في القرن الثاني بمرقس 16: 19 وأصحاح 16 يحتوي على عشرين آية فقط, وهذا الدليل هو من أهم الأدلة وأقواها على صحتها,
(3) شهد هيبوليتوس من علماء أوائل القرن الثالث بتأييد هذه الآيات,
اعتراض على مرقس 16: 15
انظر تعليقنا على متى 10: 5 و6
3 - شبهات شيطانية حول إنجيل لوقا
قال المعترض الغير مؤمن: إن عدم إلهام لوقا يظهر مما قاله في مقدمة إنجيله: إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقَّنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبَّعتُ كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس (لوقا 1: 1-4) وقال إيريناوس: إن الأشياء التي تعلّمها لوقا من الرسل أبلغها إلينا , وقال جيروم: لم يكن بولس المصدر الوحيد للوقا (بولس لم تحصل له صحبة جسمانية بالمسيح) بل تعلم الإنجيل منه ومن الرسل الآخرين أيضاً ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) قال البشير لوقا هذه الآية بصفته من الرسل، الذين حلّ فيهم روح الله, فقوله: رأيت أن أكتب معناه أن الروح القدس ألهمه ليكتب تاريخ الفادي وميلاده ومعجزاته وآلامه وموته وقيامته، ليكون أساساً يبني المؤمنون عليه إيمانهم, ومع أن الله ألهم هذا الرسول بالروح القدس، إلا أنه لم يغضّ الطرف عما به من القُوى العقلية، فتحرَّى الحق، وترأس الروح القدس على هذه القُوى، وأرشدها وصانها من الزلل,
وغاية الله هي أن يجعلنا أن نستعمل عقولنا في الأمور الدينية، وهو يطلب منا أن نبحث في الأمور بالتحرّي والتروّي ومعرفة البيّنات, وقوله: كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة يقصد به الاثني عشر، والسبعين تلميذاً، الذين أرسلهم المسيح للكرازة,
(2) أجمع أئمة المسيحيين القدماء والمتأخرين على أن إنجيل لوقا هو بوحي إلهي، مثل إنجيل متى ومرقس ويوحنا، ولم يشك أحد في صحته, فلو كان بدون وحي إلهي لنبذه أئمة الدين، لأنّهم كانوا أحرص الناس على ديانتهم، وهم من العلماء المتضلّعين,
(3) اعتبر الرسل بطرس وبولس ويوحنا هذا الإنجيل من الكتب الموحى بها، لأنه كان متداولاً في عصرهم, فلو كان غير إلهامي لما صادقوا على التعبُّد به وهم أعمدة الدين وأركانه، وقولهم الفصل,
(4) أجمع أئمة الدين القدماء على أن بولس رأى هذا الإنجيل وصدَّق عليه واعتبره مقدمة بشارته وخلاصتها، فهو كرسائله,
(5) إنّ عليه مسحة الوحي الإلهي كغيره من الكتب المقدسة، فمع بساطته ونزاهته فهو سامٍ فوق الطاقة البشرية,
(6) موافقته لباقي الأناجيل وعدم مناقضته لها في شيء، ما يدل على أنّ مصدرها واحد، وهو الله,
(7) وهناك أدلة على إلهام لوقا، فهو من السبعين تلميذاً الذين أرسلهم الرب ليكرزوا في اليهودية، والدليل على ذلك إختصاصه بذكر السبعين تلميذاً (لوقا 10: 1-20), كما كان من المائة وعشرين تلميذاً الذين حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين (أعمال 1: 15 و2: 1-4), وذهب كثير من المحققين إلى أنه كان أحد الاثنين اللذين قابلهما الرب في الطريق إلى عمواس يوم قيامته (لوقا 24: 13-35) فقال إن إحدهما كان كليوباس كما في آية 18 ، ولم يذكر الشخص الآخر، لأنه هو لوقا, وشهد بولس الرسول أنه كان عاملاً معه في الكرازة والبشارة (فليمون 24) وذكره بأحسن الذكر (كولوسي 4: 14), ورافق بولس الرسول لما سافر أولاً إلى مكدونية (أعمال 16: 8-40), ورافقه من بلاد اليونان إلى أورشليم، ومنها سافر معه إلى روما ولبث معه سنتين مدة سجنه، فأقام معه أكثر من خمس سنين (أعمال 20 و27 و28),
(8) وبصرف النظر عن جميع هذه البينات الدالة على أن لوقا كان واحداً من الرسل العاملين، نقول إن الله خص الرسل بأنهم كانوا يضعون أيديهم على المؤمنين فيحل عليهم الروح القدس, هكذا فعل بطرس (أعمال 19: 6 و7 و1كورنثوس 12: 28 ورومية 1: 11 و15: 29) وكان سيلا رفيق بولس نبياً (أعمال 15: 32) وكان الأنبياء كثيرين في الكنيسة الأولى، وسافر كثير منهم من أورشليم إلى أنطاكية (أعمال 11: 27) وكان يهوذا وسيلا نبيين في أورشليم، وأغابوس في اليهودية (أعمال 11: 28) وكان لفيلبس الإنجيلي أربع بنات عذارى يتنبأن في قيصرية (أعمال 21: 9 و10) وكان في كنيسة أنطاكية كثيرون أنبياء ومعلمون، منهم لوقا (أعمال 13: 1 و2), فهل نتصور أن لوقا الإنجيلي الذي كان عاملاً مع بولس وكان رفيقاً له يكتب بدون وحي الروح القدس، مع أن الرسل كانوا يمنحون هذه الموهبة الجليلة للمؤمنين وكانوا يعملون آيات وعجائب؟
فينتج من كل ما تقدم أن لوقا كتب إنجيله بإلهام الروح القدس، وأنه لا مانع إذا كان روح الله أرشده إلى الأخذ من الرسل الملهمين بالروح القدس أيضاً، لأن الإلهام لا ينافي استعمال الرسول قواه العقلية من التحري والتروي,
قال المعترض الغير مؤمن: نفهم أن أليصابات من سبط لاوي كما جاء في لوقا 1: 5 ولكن يبدو أنها من سبط يهوذا مثل نسيبتها مريم، كما نجد في لوقا 1: 27 و36 ,
وللرد نقول بنعمة الله : القول إن أليصابات نسيبة مريم، ومريم العذراء من سبط يهوذا ، فتكون أليصابات من سبط يهوذا قول خطأ, أليصابات من سبط لاوي، والتزاوج كان يحدث بين الأسباط، فقد تزوج هارون من سبط يهوذا (قارن خروج 6: 23 و1أخبار 2: 10),
قال المعترض الغير مؤمن: في لوقا 1: 17 قال إن يوحنا المعمدان جاء بروح إيليا وقوته، وجاء في متى 11: 14 إن إيليا هذا هو المزمع أن يأتي, فهل تقمَّصت روح إيليا يوحنا؟ وهل يعلّم الإنجيل بتقمص الأرواح؟
وللرد نقول بنعمة الله : مجيء يوحنا بروح إيليا، معناه أنه أتى بأسلوب إيليا وطريقته ومنهجه وروحه في العمل:
1 - كان إيليا ناسكاً، وكذلك كان يوحنا المعمدان, كان إيليا أشعر يتمنطق بمنطقة من جلد على حقويه (2ملوك 1: 8), ويوحنا كان لباسه من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد (متى 3: 4), إيليا كان يسكن البرية في جبل الكرمل (1ملوك 18: 19 و42) أو في مغارة بجبل حوريب (1ملوك 19: 9)، أو في علية (1ملوك 17: 19) أو عند نهر كريث (1ملوك 17: 3), ويوحنا المعمدان كان في البرية (متى 3: 1 ولوقا 3: 2) وإلى جوار نهر الأردن, وكان صوتُ صارخٍ في البرية (مرقس 1: 3),
2 - بدأ إيليا بحياة الوحدة والتأمل، واختاره الله للخدمة والنبوة, وهكذا عاش يوحنا حياة الوحدة في البرية، ثم الكرازة بالتوبة,
3 - كان إيليا شجاعاً حازماً في الحق، يقتل أنبياء البعل (1ملوك 18: 40)، ويُنزل ناراً من السماء فتأكل الخمسين (2ملوك 1: 10), وكان يوحنا المعمدان شديداً في توبيخ الخطاة, وكان يقول: قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة, فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً، تُقطع وتُلقى في النار (لوقا 3: 9),
4 - وبخ إيليا أخآب الملك وقال له: أنت مكدر إسرائيل، أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم (1ملوك 18: 18) ثم وبخه وأنذره لقتله نابوت اليزرعيلي (1ملوك 21: 20-36), ووبَّخ يوحنا المعمدان الملك هيرودس وقال له: لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك (مرقس 6: 18), إذن يوحنا كان بنفس روح إيليا وأسلوبه,
وعبارة روح إيليا تذكرنا بطلبة أليشع من معلّمه إيليا قبل صعوده إلى السماء، وهي: ليكن نصيب اثنين من روحك عليّ (2ملوك 2: 9), وكان له كذلك, فلما صنع معجزات بنفس قوة إيليا، ورآه بنو الأنبياء، قالوا: استقرت روح إيليا على أليشع, فجاءوا للقائه وسجدوا له (2ملوك 2: 14 و15),
فإن كان الأمر مسألة تقمُّص، فما معنى عبارة إثنين من روح إيليا ؟ هل إيليا له روحان؟ وهل تقمَّصت روحه في أليشع قبل تقمصها في يوحنا؟!
إنما هي ضعف القوة التي كانت في إيليا، حلّت على أليشع, ونفس القوة كانت في يوحنا,
أما تقمص الأرواح، فلا تؤمن به المسيحية، لأن الروح عندما تخرج من الجسد، لا ترجع إليه مرة أخرى أو إلى جسد آخر, إنما إن كانت بارة تذهب إلى الفردوس، كروح اللص التائب، وإن كانت شريرة تذهب إلى الجحيم، كروح الغني الذي عاصر لعازر,
انظر تعليقنا على متى 17: 11 ويوحنا 1: 21
اعتراض على لوقا 1: 26 و27
انظر تعليقنا على متى 1: 19
قال المعترض الغير مؤمن: ارتاب بعضهم في لوقا 1 و2 ، كما أن مرقيون رئيس فرقة المرقيونية حذفهما ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لم يشك فيهما سوى فرقة ضالة لا تعتقد بأن المسيح حُبل به من الروح القدس بدون واسطة بشرية, وهما موجودان في جميع النسخ القديمة بلا استثناء, وزد على هذا أن أصحاح 1 مرتبط بأصحاح 2 وأصحاح 2 مرتبط بأصحاح 3 بحيث لا يمكن الفصل بينها، ولو بدأ الإنجيل بأصحاح 3 اختلّ المعنى,
(2) ابتدع مرقيون القول إن المسيح مجرد إنسان، وإنه لم يولد من مريم العذراء بل ظهر رجلاً كاملاً, ورفض مرقيون كتب موسى والأنبياء والمزامير، ولم يقبل من العهد الجديد سوى إنجيل واحد، وعشراً من رسائل بولس الرسول، وأخذ يتصرّف فيها حسب مذهبه, فقام لدحض ضلالته كثير من العلماء، ولاسيما ترتليان, وكل متديِّن مؤمن يعلم أن نبوات التوراة تحدثت عن ميلاد المسيح من عذراء (إشعياء 7: 14) وأن الإنجيل روى تحقيق تلك النبوات كما حدثت، ومن ذلك لوقا أصحاح 1 ، 2,
قال المعترض الغير مؤمن: يتعارض ما جاء في متى 2 مع ما جاء في لوقا 2, ورد في لوقا 2: 1 و2 في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة, وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سوريا , وهذا غلط، لأن المراد بكل المسكونة إما أن يكون جميع ممالك سلطنة روما، وهو الظاهر، أو جميع مملكة يهوذا, ولم يصرح أحد من قدماء المؤرخين اليونانيين الذين كانوا معاصرين للوقا أو متقدمين عليه قليلاً في تاريخه هذا الاكتتاب الذي سبق ولادة المسيح, وإذا ذكره أحد الذين كانوا بعد لوقا بمدة مديدة فلا سند لقوله، لأنه ناقل عنه, وبصرف النظر عن ذلك، فكان كيرينيوس والي سورية بعد ولادة المسيح بخمس عشرة سنة ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على متى 2
والمراد بقوله كل المسكونة هو أرض اليهودية، وقد استُعملت هذه العبارة في لوقا 21: 26 لتدل على أرض اليهودية, ومن الاصطلاحات المرعية هو أن الكاتب يستعمل كل المسكونة و كل العالم للدلالة على كل وطنه وكل بلاده, وعلى هذا القياس أطلق المؤرخ بوليبياس كل المسكونة على المملكة الرومانية (كتاب 6 ف 8) وكذلك استعمل بلوتارك مثل هذه العبارة للدلالة على مملكة روما، فإنّ الله يخاطبنا بالعبارات المصطلح عليها بيننا لنفهمها، فقال عن أرض اليهودية كل المسكونة ,
وبصرف النظر عن ذلك فكلمة كل تدل على التكثير والمبالغة، كما هو في الكتب العلمية واللغوية, قال في الكليات : قد تكون كل للتكثير والمبالغة دون الإحاطة وكمال التعميم,
اعتراض على سلسة نسب المسيح في لوقا:
نرجو الرجوع إلى تعليقنا على متى 1: 1-17
مع الملاحظات التالية:
قال المعترض الغير مؤمن: بمقارنة نسب المسيح الذي في إنجيل متى بالبيان الذي في إنجيل لوقا، نجد ستة اختلافات: (1) يقول متى إن يوسف ابن يعقوب، ويقول لوقا إنّه ابن هالي, (2) يقول متى إنّ المسيح من ذرية سليمان بن داود، ويقول لوقا إنه من أولاد ناثان بن داود, (3) يقول متى إن آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل ملوك ومشهورون، ويقول لوقا إنهم ليسوا ملوكاً ولا مشهورين غير داود وناثان, (4) يقول متى إنّ شألتيئيل ابن يكنيا، ويقول لوقا إنه ابن نيري, (5) يقول متى إنّ ابن زربابل هو أبيهود، ويقول لوقا إنه ريسا، (6) يقول متى إن من داود إلى المسيح ستة وعشرين جيلاً، ويقول لوقا إنها واحد وأربعون جيلاً ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لما ذكر متى سلسلة نسب المسيح ذكرها على طريقة تنازلية من إبراهيم إلى يوسف خطيب العذراء مريم، فقال: إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب إلخ, ولكن لوقا ذكر نسب المسيح على كيفية تصاعدية، أي من المخلص الكريم إلى الله ذاته,
(2) تكلم متى على الأولاد الحقيقيين، أي الذين تناسلوا من آبائهم مباشرة، وعلى الأولاد الغير الحقيقيين، أي الذين نُسبوا إلى الآباء بواسطة أحد الأقرباء أو الأنسباء, وإن كانت عبارة لوقا عمومية، يصح إطلاقها على الأولاد الحقيقيين, ومما يدل على ذلك قوله: ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي بن متثات , فمن تأمل عبارات لوقا وجدها غير عبارات متى, وبما أن العبرانيين لا يُدخلون النساء في جداول نسبهم، فإذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب، واعتبروه ابن والد قرينته (أي: ابناً لحميه), وعلى هذا كان المسيح حسب هذه العادة المرعية المتبعة ابن يوسف، كما كان ابن هالي, وإذا قيل: لماذا قال متى إن يوسف ابن يعقوب، وقال لوقا إنه ابن هالي؟ قلنا إن البشير متى نظر إلى والده الحقيقي،فقال إنه ابن يعقوب, ولوقا نظر إلى إنه الابن الشرعي لهالي ووارثه الحقيقي، بالمصاهرة,
فمريم ابنة هالي، ويوسف هو ابن يعقوب, ولما لم يكن لهالي إبن، نُسب إليه يوسف, ويوسف ومريم من عائلة واحدة، فإن كلاً منهما تناسل من زربابل, فيوسف من أبيهود ابنه الأكبر كما في متى 1: 13 ، ومريم من ذرية ريسا ابنه الأصغر كما في لوقا 3: 27,
(3) ردّاً على الاعتراض الثاني والرابع نقول إن لوقا ومتى قالا إن المسيح تناسل من شألتيئيل وزربابل، وهما كما لا يخفى تناسلا من سليمان مباشرة, ومع أن لوقا قال إن شألتئيل كان ابن نيري الذي تناسل من ناثان أخ سليمان الأكبر (كما في 1أخبار 3: 5) فالمراد بذلك أنه تزوج ابنة ناثان, وبما أن نيري مات بلا عقب من الذكور، اتحد فرعا عائلة ناثان وعائلة سليمان في شخص زربابل، باقتران شألتئيل رئيس عائلة سليمان الشرعية بابنة نيري، الذي كان رئيس عائلة ناثان, فمتّى الإنجيلي ذكر أب شألتئيل الحقيقي وهو يكنيا، ولوقا ذكر والده الشرعي بالمصاهرة وهو نيري,
(4) ورداً على الاعتراض الخامس، وهو قوله إن ابن زربابل هو أبيهود، بينما يقول لوقا إنه ريسا, نقول: يُعلم من 1أخبار 3 ومن لوقا أيضاً أن ابن زربابل هو رفايا، ولكنه سُمّي في لوقا باسم ريسا, وذكر متى أبيهود وهو المعروف في أخبار الأيام بعوبديا، وفي لوقا بيهوذا, والمشابهة قوية بين هذه الأسماء كما لا يخفى على المتأمل، ولا سيما في الأصل العبري,
(5) وبما أن متى كتب إنجيله لليهود، جرى في النسب على الطريقة التي كانت مشهورة عندهم, وبما أن لوقا البشير كتب إنجيله لليونان جرى في النسب على المصطلح عليه عندهم,
(6) كان اليهود يحافظون على جداول نسبهم بغاية الدقة والضبط، وكان العلماء والمحققون يظنون في مبدأ الأمر أنه يوجد تناقض بين إنجيلي متى و لوقا في نسب المسيح، ولكن ظهر أنه لا يوجد تناقض ولا اختلاف، بل أن هذه هي الطريقة المتَّبعة عند الأمة اليهودية، وأن بعض الأمم المجاورة لها نسجت على منوالها في تحرير النسب,
فإذا لم ينجب الزوج وزوجته نسلاً، تبنَّيا ابناً أو ابنة, وإذا لم ينجب الوالدان ولداً، وكانت لهما ابنة زوّجاها لرجلٍ اتخذاه لهما ولداً، وتبنّيا أيضاً أولاد ابنتهما, ومما يوضح ما تقدم أنه لما لم يكن لسارة ابن، أعطت هاجر لرجلها فأنجبت هاجر ولداً تبنّته سارة, كذلك فعلت راحيل وليئة، فإنهما حصلتا على أولاد بأن أعطت كلٌّ منهما جاريتها لرجلها,
ومن الأمثلة الواردة في الكتب المقدسة الدالة على تبنّي الأب لأولاد ابنته ما ورد في 1أخبار 2: 21 إن ماكير (المكني بأبي جلعاد) أعطى ابنته لحصرون، فاتخذها وهو ابن ستين سنة، فولدت له سجوب, وسجوب ولد يائير، وكان له 23 مدينة في أرض جلعاد, ولا شك أن هذه الأرض كانت ملك ماكير وعقاره، فإنه كان متشوِّقاً لأن يكون له ابن وارث, وحصل يائير على جملة مدن، فصارت أملاكه ستين مدينة, وعوضاً عن درج ذرّية يائير في عشيرة يهوذا لتناسلهم من حصرون، قيل عنهم إنهم أولاد ماكير أبي جلعاد, بل يؤخذ من سفر العدد 32: 41 أن يائير هذا الذي كان في الواقع ابن سجوب بن حصرون بن يهوذا يُسَّمى في سفر العدد يائير بن منسى ، لأن جدّه الذي كان تبنّاه كان ماكير بن منسى، فورث عقاراته,
وكذلك ورد في سفر 1أخبار 2: 34 أن شيشان من سبط يهوذا، إذ لم يكن له بنون بل بنات أعطى ابنته ليرحع عبده المصري (ولابد أنه أعتقه) فأنجب عتاي, غير أن هذه الذرية لم تُنسب إلى يرحع المصري، بل إلى شيشان وصارت إسرائيلية وليست مصرية، وأخذت مكان شيشان في النسب والامتيازات, وكذلك ورد في أستير 2: 7 أن مردخاي اتخذ أستير لنفسه ابنة وقت سبي بني إسرائيل, ولو كان لمردخاي عقارات وأملاك لتبنّى ابناً عوضاً عنها, وكذلك اتخذت ابنة فرعون موسى ابناً لها (خروج 2: 10),
وكذلك ورد في سفر راعوث 4: 17 بأنه وُلد ابن لنعمي، مع أنه كان في الحقيقة ابن راعوث من بوعز, وكان بوعز أبوه من أقرباء نعمي الأبعدين، فإن نعمي كانت زوجة أبيمالك، وكان بوعز ذا قرابة بعيدة له, وكذلك نقرأ عن حيرام البارع في الصناعة أنه كان ابن أرملة من سبط نفتالي (1ملوك 7: 14) ولكن ورد في 2أخبار 2: 14 أنه ابن امرأة من بنات دان,
قال المعترض الغير مؤمن: لم تكن أوراق النسب محفوظة عند اليهود، وانتثرت برياح الحوادث, وقد أخطأ متى ولوقا في ذكر النسب ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان العبرانيون أحرص الناس على حفظ نسبهم، كما يتضح من التكوين 5 و10, ولما زاد عددهم في مصر زادوا حرصاً واهتماماً بحفظ جداول نسبهم، لبقاء كل سبط على حاله, وفُوِّض للكتبة (وهم علماؤهم الذين يدوّنون حوادثهم ويفسرون كتبهم المقدسة) حفظ جداول الأنساب, وبعد ذلك أُحيل هذا الأمر على اللاويين (1أخبار 23: 4 و2أخبار 19: 8-11 و34: 13), وكان الكتبة يؤخذون من سبط لاوي، فكان اللاويون منقطعين لتلاوة الكلمة الإلهية وتفسيرها، وفُوِّض لهم حفظ جداول النسب، فكانوا يضعون هذه الجداول في الهيكل, ولما عادوا من السبي اهتموا بإعادة مجدهم العظيم، وكتب وقتئذ سفر الأيام الأول، وهو يشتمل على جداول النسب, ومن قارنه بما ورد في تكوين 5 والنسب الذي ذكره متى 1 ولوقا 3 ظهر له تحقيق النبوات في المسيح, قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير: كان اليهود يحافظون على نَسَب رؤساء كهنتهم مدة ألفي سنة، وكان الكهنة في اليهودية، وفي مصر وبابل أحرص الناس على حفظ جداول نسَبهم, ولما عادوا من السبي حرموا الكاهن الذي عجز عن إبراز جدول نسبه من وظيفته ,
كان متى ولوقا يعرفان النسب حق المعرفة، فذكر متى جداول النسب من إبراهيم إلى المسيح مدة ألفي سنة تقريباً، أما لوقا فذكرالنسب من آدم إلى المسيح أي مدة أربعة آلاف سنة, وكان اليهود مولعين بحفظ أنسابهم إلى حد فائق، لأنهم كانوا يتباهون بالانتساب, وقال جيروم إنهم كانوا يعرفون أنسابهم من آدم إلى زربابل كمعرفة الإنسان اسمه، فكانت معرفة الأنساب ضرورية بديهية,
قال المعترض الغير مؤمن: كتب متى نسب يوسف، وكتب لوقا نسب مريم، ويكون يوسف من أقارب هالي ولا يكون لهالي إبن، فنُسبت القرابة إليه، وإن المسيح يكون على هذا التقدير من أولاد ناثان لا من أولاد سليمان ,
وللرد نقول بنعمة الله : بعد أن ذكر متى جدول نسب يوسف، أوحى الله إلى لوقا أن يوضح نسب مريم، ليبيّن لنا أن المسيح تناسل حسب الجسد من داود، ليس من جهة يوسف خطيب مريم فقط، بل من جهة مريم أمه الحقيقية, نعم لا يُنكر أن يوسف ومريم هما من ذرية داود، ليس من جهة الشرع فقط (أي من جهة أبيه) بل من ذرية داود بواسطة أمه طبعاً وحقيقة, وبما أنه ليس لمريم أخ كانت هي الوارثة، واعتُبر زوجها حسب الشريعة اليهودية من عائلة أبيها فكان يوسف ابن يعقوب طبعاً وحقيقة، وابن هالي شرعاً بالمصاهرة,
وتوهم عبارة المعترض أن ناثان ليس من أولاد داود، مع أنه من أولاده, ولا يخفى أن عائلة سليمان وناثان اجتمعا في شألتئيل وزربابل، ثم افترقا ثم اجتمعا باقتران يوسف ومريم,
والحاصل أن يوسف كان ابن هالي الشرعي ووارثه، مع أنه كان ابن يعقوب الطبيعي الحقيقي، فيكون متان تناسل من سليمان واقترن باستا، ومنها خلف يعقوب, وبعد وفاة متان اقترن متثات الذي كان من سبط يهوذا ولكنه من عائلة أخرى، بأرمل متان، فولد هالي, فكان يعقوب وهالي من أم واحدة, ومات هالي بدون عقب، فتزوج أخوه أرملته، وخلف يوسف، فكان ابن هالي الشرعي,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في لوقا 1 أن زوجة زكريا كانت من بنات هارون، ومريم كانت قريبة لزوجة زكريا، وهذه كانت من بنات هارون قطعاً، فتكون من بنات هارون أيضاً ,
وللرد نقول بنعمة الله : إن مجرد قرابة أليصابات التي من سبط لاوي إلى مريم التي من سبط يهوذا لا يدل على أن مريم كانت من سبطها، فإنه كان يجوز للأسباط الاقتران بأسباط أخرى، والدليل على ذلك أن هارون ذاته اقترن بزوجة من سبط يهوذا (انظر خروج 6: 23 و1أخبار 2: 10), فاقترانه بها لم يُخرجه عن سبطه, وقد قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم: أليصابات نسيبتك هي حبلى (لوقا 1: 36) فالقرابة هي قرابة نسب,
قال المعترض الغير مؤمن: لو كانت مريم بنت هالي لظهر هذا الأمر للقدماء ,
وللرد نقول بنعمة الله : أوضحنا أن الأناجيل كانت مشهورة عند المسيحيين في الجيل الأول، وكانت متداولة بينهم يتعبّدون بتلاوتها في معابدهم، بل كانت منتشرة بين أعداء المسيحية، سواء كانوا من الوثنيين أو اليهود في القرن الأول، هو برهان كاف على صحة جدول النَّسب وتنزُّهه عن التحريف والتناقض، ولا سيما أن اليهود والوثنيين كانوا بالمرصاد للمسيحيين, فلو وجدوا خطئاً لشنَّعوا فيهم, لقد قالوا إن يسوع ليس هو المسيح، ولكنهم كانوا مسلِّمين أن يسوع من ذرية داود، ولم يطعنوا في ذلك,
أما ادعاؤه بأن أقوال متى ولوقا تدل على أن النسب هو ليوسف فهو في غير محله، فمتى يقول: يعقوب ولد يوسف أما لوقا فيقول: وهو على ما كان يُظن ابن يوسف , فلفظة ولد ليست مثل قوله إبن ,
قال المعترض الغير مؤمن: لم يكن إنجيل متى مشهوراً في عهد لوقا، فكيف نتصوّر أن يكتب لوقا نسَب المسيح بحيث يخالف متى ولا يزيد حرفاً للتوضيح؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) كتب متى الإنجيلي إنجيله لليهود بالطريقة الجارية عندهم، ولوقا كتب لليونانيين بالطريقة المفهومة عندهم, (2) لما رأى لوقا أنّ متى كتب نسب المسيح من جهة يوسف، تعيَّن عليه أن يذكر سلسلة المسيح من جهة مريم، حتى يكون النسب مستوفياً, (3) الذي أرشد متى ولوقا للكتابة هو الروح القدس الذي أوحى لكليهما، ليجيء النسب متكاملاً,
قال المعترض الغير مؤمن: لو تأمل أحد في كتب المسيحيين لاعترف بأن المسيح ليس هو المسيح، فإن يهوياقيم بن يوشيا لما أحرق الصحف التي كتبها باروخ من فم إرميا النبي، نزل الوحي إلى إرميا (36: 30) قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: لا يكون له جالس على كرسي داود مع أنه ذُكر في إنجيل لوقا 1: 32 عن المسيح أن سيعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ,
وللرد نقول بنعمة الله : نورد ما جاء في إنجيل لوقا 1: 30 فقال لها الملاك (أي جبرائيل) لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله, وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع, هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى, ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه, ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية , ثم قال الملاك: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله (لوقا 1: 35),
فمن قارن بين أقوال النبي إرميا وهذه البشارة السامية، لا يرى ارتباطاً ولا علاقة بين القولين، فإن الله أزال المُلك من إسرائيل لانغماسهم في الشرور، وسلّط عليهم الملوك الأجانب, وتمت هذه النبوة لما أخذ نبوخذنصر ملك بابل يهوياقيم العاتي وقيده بسلاسل نحاس، وسباه إلى بابل، وفعل كذلك بابنه, ثم أتى عليهم ملك الكلدانيين وقتل في الأمة وسبى من بقي، وتم بذلك قول النبي إرميا (2أخبار 36),
وملكوت المسيح ليس أرضياً وليس من هذا العالم، لكنه ملكوت روحي يقوم بالمحبة والطهارة والسلام, هذه هي المملكة الباقية التي لا تزول (كما قال الملاك جبرائيل) فلا يمكن لقلاقل الدنيا أن تمسَّها بسوء، فممالك الدنيا تزول فتقوم مملكة وتسقط أخرى، ولكن مملكة المسيح باقية إلى الأبد, وحسبنا برهاناً ما نشاهده بأعيننا، فإن المسيح يملك في الشرق والغرب والشمال والجنوب على أفئدة المسيحيين بالمحبة، وتمّت هذه النبوات من أنه يكون من نسل داود حسب الجسد، وهذا هو معنى قوله إنه يجلس على كرسي داود، فشُبهت مملكة المسيح الثابتة الروحية بمملكة داود تقريباً لأذهان الأمة الإسرائيلية,
ولا مانع من أن يكون المشبَّه أقوى من المشبَّه به، كقولنا إن نور الله كمشكاة فيها مصباح (النور 24: 35) ففي التشبيه بالمحسوس تقريبٌ للأذهان, ومما يدل على صدق هذه النبوة أنه صار للمسيحية ألفا سنة وهي في النمو والزيادة، بحيث لم تقْوَ ولن تقوى عليها أبواب الجحيم, وهذا من أعظم الأدلة على صدق كلام الوحي والنبوّة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في لوقا 2: 52 أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس وهذا يدل أنه لم يكن الله, فإن كان ولا بدّ من تجسّد الله، فلماذا لم يظهر في العالم رجلاً كامل النمو، بدلاً من ولادته من امرأة، ومروره في أدوار الطفولة والصبوّة التي لم يفعل فيها شيئاً مذكوراً ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) انظر تعليقنا على غلاطية 4: 4
(2) النمو والتقدم هما السُّنة التي وضعها الله للأفراد والمجتمعات، فكان من البديهي أن يظهر المسيح (وقد رضي أن يكون إنساناً) طفلاً يتدرج في النمو قامة وعقلاً، وتتدرج معه الجماعة المحيطة به يقظة ووعياً، تتهيأ بسببهما لقبول المسيح والاستماع إليه,و هذا ما قيل عنه بوصفه ابن الإنسان في لوقا 2: 52,
(3) لم يكن غرض الله من التجسّد مجرَّد إعلان ذاته لنا ، بل الاتحاد الجوهري بنا، ليكون الرأس الفعلي الحقيقي لجنسنا (عوضاً عن آدم الأرضي الذي بانتسابنا إليه وتوالدنا منه، قد ورثنا الطبيعة الخاطئة وورثنا معهاقضاء الموت الأبدي)، حتى نستطيع بدورنا أن نتحّد بالله اتحاداً عملياً حقيقياً,
فلو كان قد ظهر في العالم رجلاً كامل النمو، دون أن يأخذ جسداً من جنسنا، لكان قد ظل غريباً عنا، وبالتبعية لما كان رأساً لنا، ولما كانت لنا نحن صلة فعلية به, لكن بتفضُّله بالولادة من جنسنا اتحد بنا، وبحكم مركزه صار رأسنا ووليَّنا، فأمكننا أن نتحد به اتحاد الأغصان بالكرمة، وبذلك تحققت أغراضه السامية من التجسّد,
اعتراض على لوقا 3: 19
انظر تعليقنا على مرقس 6: 17
اعتراض على لوقا 3: 22
انظر تعليقنا على متى 3: 17
اعتراض على تجارب المسيح لوقا 4: 1-13
انظر تعليقنا على متى 4: 1-11
اعتراض على لوقا 5: 27
انظر تعليقنا على متى 9: 9
اعتراض على لوقا 6: 4
انظر تعليقنا على مرقس 2: 25 و26
اعتراض على لوقا 6: 13-16
انظر تعليقنا على متى 10: 2-4
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل لوقا 6: 40 ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه , هذا في الظاهر غلط لأنه صار ألوف من التلاميذ أفضل من معلميهم بعد الكمال ,
وللرد نقول بنعمة الله : وجَّه المسيح هذا القول لقادة الدين اليهود المصابين بالعمى الروحي، وقصده أن يوضح لهم أنه لا يتوقع أن أتباعهم يكونون أفضل منهم, وبما أنهم عميان، كان أتباعهم مثلهم، لأن المسيح في الآية التي قبلها قال: هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أَمَا يسقط الاثنان في حفرة؟ ليس التلميذ أفضل من معلمه , وأن الواجب عليهم أن يتعلموا الحقائق الإلهية وتعاليم الإنجيل حتى لا يكونوا قادة عميان للناس, وكل من وقف على الحقائق الإلهية وبلغ فيها مبلغاً كاملاً، واتحد قلبه مع الله واستقامت أمياله وعواطفه، وتطهرت طباعه وتحسنت أخلاقه، لا بد أن يكون قدوساً طاهراً منفصلاً عن الخطاة مثل سيده يسوع المسيح، وإن كان لا يبلغ شأو سيده, فالتلميذ الذي يفهم قوانين معلمه ويرى مثاله وقدوته يسير في خطواته، فلذا كان المعلم مسؤولاً عن نفسه وعن غيره,
فالمعلم إذا كان أعمى القلب جرَّ غيره إلى عماه, فهل يظن المعترض أن أمثال هؤلاء يكونون أعظم من معلميهم؟ حاشا وكلا,
اعتراض على لوقا 7: 1-10
انظر تعليقنا على متى 8: 5-13
اعتراض على لوقا 7: 27
انظر تعليقنا على متى 11: 10
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في لوقا 7: 31 ثم قال الرب: فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل، وماذا يشبهون؟ فقال آدم كلارك: إن لفظة قال الرب زيدت، وأخرجها بعضهم من المتن ,
وللرد نقول بنعمة الله : سواء ثبت في بعض النسخ قال الرب أو لم يثبت، فالعبارة هي من أقوال المسيح على كل حال, ولا ننكر أن بعضهم قرأ: فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل بدون قال الرب فهي قراءة,
وإذا ثبت أنها زائدة فهي من قبيل المدرَج، وفي القرآن والحديث ما يشبه هذا, قال السيوطي ظهر له نوع سادس (يعني خلاف الموضوع كقراءات الخزاعي وغيرها) يشبه من أنواع الحديث المدرج، وهو ما يزيد في القراءات على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبي وقاص: وله أخ أو أخت من أم والأصل هو وله أخ أو أخت سورة النساء 4: 12 بدون لفظة من أم, ومن ذلك أيضاً قراءة ابن عباس: ليس عليكم جُناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج أخرجها البخاري, ولا يخفى أن الأصل هو بدون كلمة في مواسم الحج فهي زائدة كما في البقرة 2: 198, قال ابن الجزري: ربما كانوا يُدخلون التفسير في القراءات، إيضاحاً وبياناً , وذهب بعضهم إلى أن بعض الصحابة كان يجيز القراءة بالمعنى، وأفرد السيوطي للمدرج تأليفاً مستقلاً,
اعتراض على لوقا 8: 27
انظر تعليقنا على متى 8: 28
اعتراض على لوقا 9
انظر تعليقنا على متى 8: 18-22
اعتراض على لوقا 9: 3
انظر تعليقنا على متى 10: 10
اعتراض على لوقا 9: 27
انظر تعليقنا على متى 16: 27،28
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في لوقا 9: 54-56 فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا، قالا: يارب، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا؟ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلِّص , وهذا منسوخ بما جاء في 2تسالونيكي 2: 8 وحينئذ سيُستَعْلَن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه , كما أن هناك تناقضاً بين لوقا 9: 54-56 وبين ما جاء في لوقا 12: 49 جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا لو اضطرمت , كما أن كريسباخ أسقط الجزء الأخير من هذه الآيات وهو قوله: لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلِّص
وللرد نقول بنعمة الله : (1) راجع تعليقنا على متى 5: 9,
(2) لقد جاء المسيح ليخلص الخطاة، إلا أن هذا لا ينافي أنه يبيد أعمال الشيطان وعمل الإثم، فإنه قدوس, فلا منافاة بين القولين، ولا ناسخ ولا منسوخ,
(3) هذه العبارة ثابتة في نسخٍ قديمة معتبرة، ولا يخفى أنه من اصطلاحات الكتاب المقدس المرعية تسمية المسيح بابن الإنسان، بالنظر إلى تجسّده, فالكتاب المقدس يفسر بعضه, قال الرسول بولس: قارنين الروحيات بالروحيات (1كورنثوس 2: 13), والغاية من تجسده هي خلاص الإنسان وفداؤه من الخطية ونتائجها,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في لوقا 11: 51 أن دم جميع الأنبياء منذ إنشاء العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا، يُطلب من اليهود , وورد في حزقيال 18: 20 أنه لا يؤخذ إنسان بذنب آخر, وورد في التوراة أن الأبناء يؤخذون بذنوب الآباء إلى ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال ,
وللرد نقول بنعمة الله : أنذر المسيح بني إسرائيل من التمادي في المعاصي والإصرار على رفض كلامه، الذي هو كلام الحياة الأبدية، وأن الله سيدينهم على عدم الإيمان، وذكّرهم بما فعلوه بالأنبياء من القتل والرجم والنشر، وأن الله سيطالبهم كافة بما فعلوا, لقد فعل المسيح أمامهم المعجزات الباهرة، من إحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه والأعمى، ومع ذلك رفضوه, فكان يحقّ له والحالة هذه أن ينذرهم ويحذّرهم من المسؤولية الكبرى التي تقع على رؤوسهم، لأن رفضهم إياه هو رفضٌ لجميع الأنبياء، لأنهم تنبّأوا عنه وشهدوا له,
أما أن خطاياهم تعمّ أولادهم، فنقتبس الأنفال 8: 25 واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصةً ,
اعتراض على لوقا 12: 11 و12
انظر تعليقنا على متى 10: 19 و20
اعتراض على لوقا 12: 49
انظر تعليقنا على لوقا 9: 54-56
اعتراض على لوقا 12: 51
انظر تعليقنا على إشعياء 9: 6 ومتى 10: 34
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في لوقا 16: 1-13 مثَل الوكيل الظالم, كيف مدح المسيح هذا الوكيل وهو ظالم؟ وجاء به قول المسيح: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم , فهل المال الذي نقتنيه من الظلم يقبله الله؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يمدح المسيح كل تصرفات الوكيل الظالم، بل مدح حكمته فقط, فتقول الآية المذكورة فمدح السيد وكيل الظلم، لأنه بحكمةٍ صنع لأن هذا الرجل استعد لما يأتي عليه في المستقبل قبل أن يخرج من وكالته, وهذا الاستعداد يرمز في مثل وكيل الظلم لاستعدادنا للأبدية قبل أن نخرج من هذا العالم, والرب بهذا المثل يبكّتنا بالحكمة التي عند أهل العالم، فإن كان أهل العالم (على الرغم من خطاياهم) لهم مثل هذه الحكمة، فإن أبناء الله ينبغي أن يكونوا حكماء أيضاً, لذلك بعد مدحه لوكيل الظلم على حكمته، قال مباشرة: لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم (لوقا 1: 8),
وهناك نقطة هامة جداً نلاحظها في تفسير الأمثال، هي أن هناك نقطة تشبيه محددة، لا نخرج عنها إلى التعميم, فمثلاً إن امتدحنا الأسد، لا نمتدح فيه الوحشية والافتراس، إنما القوة والشجاعة, وإذا شبهنا إنساناً بالأسد، فلا نقصد أنه حيوان من ذوات الأربع، وإنما نمتدحه على شجاعته وقوته, كذلك في مثل وكيل الظلم ينصبّ المديح على نقطة واحدة محددة هي الحكمة في الاستعداد للمستقبل، وليس كل صفاته الأخرى,
وليس المقصود بمال الظلم المال الحرام الذي يقتنيه الإنسان من الظلم أو من أية خطية أخرى، فهذا لا يقبله الله، لأنه يقول: لا تُدخل أجرة زانية إلى بيت الرب إلهك (تثنية 23: 18), فالله لا يقبل عمل الخير، الذي يأتي عن طريق الشر ,
فمال الظلم ليس المال الذي تقتنيه من الظلم، إنما الذي تقع في خطية الظلم إن استبقيته معك, لقد أعطاك الله مالاً، وأعطاك معه وصية أن تدفع العشور, فالعشور ليست ملكك, إنها ملك للرب وللكنيسة وللفقراء, فإذا لم تدفعها تكون قد ظلمت مستحقّيها، وسلبتهم باستبقائها معك، وتكون مال ظلم تحتفظ به, إذ يقول الرب أيسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني, فقلتم بِمَ سلبناك؟ في العشور والتقدمة (ملاخي 3: 8),
ويمكن أن نقول هذا عن كل مال مكنوز عندك بلا منفعة، بينما يحتاج إليه الفقراء، ويقعون في مشاكل بسبب احتياجهم,
فاصنع لك أصدقاء بمال الظلم هذا, اعطه للمحتاجين إليه، وسدّ به أعوازهم، يصبحوا بهذا أصدقاء لك، ويصلّوا من أجلك, ويسمع الله دعاءهم، ويبارك مالك (ملاخي 3: 10) فتعطي أكثر وأكثر,
اعتراض على لوقا 18: 29 و30
انظر تعليقنا على مرقس 10: 29 و30
اعتراض على لوقا 18: 35
انظر تعليقنا على متى 20: 30
اعتراض على لوقا 19: 29-44
انظر تعليقنا على متى 21: 2
اعتراض على لوقا 20: 9-18
انظر تعليقنا على متى 21: 33-44
اعتراض على لوقا 20: 15 و16
انظر تعليقنا على متى 21: 40 و41
اعتراض على لوقا 21: 6
انظر تعليقنا على متى 24: 2
قال المعترض الغير مؤمن: قال هورن سقطت آية بين الآيتين في لوقا 21: 33 و34 والواجب أخذها من متى 24: 36 أو من مرقس 13: 32 حتى تكون أقوال الرسل متوافقة, ونص هذه الآية: وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات، إلا أبي وحده ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يلزم مطابقة أقوال الرسل بعضها لبعضٍ في الكليات والجزئيات من كل وجه، فإن كل نبي يدوّن الوحي الإلهي بالكيفية التي يلهمه بها الروح القدس, وعليه لا بد أن تختلف طرق تعبيرهم, بل إن اختلاف طرق تعبيرهم من أقوى الأدلة على صدق أقوالهم وعدم تواطئهم,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في لوقا 22: 3-7 فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر , وهذا يناقض قول يوحنا 13: 27 فبعد اللقمة دخله الشيطان, فقال له يسوع: ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة
وللرد نقول بنعمة الله : لماذا يظن وجود تناقض هنا؟ يقول يوحنا إن الشيطان دخل يهوذا أثناء عشاء الرب الأخير مع تلاميذه, ولوقا يقول إن الشيطان دخله قبل هذا، أي قبل أن يتواعد يهوذا مع اليهود ليسلّمهم سيده,
لقد دخل الشيطان يهوذا أكثر من مرة, ويوحنا نفسه يقول في بدء هذا الأصحاح: فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمه , فمن هنا يتضح أن الشيطان ساد على قلب يهوذا قبل أن أعطاه يسوع تلك اللقمة في العشاء الأخير, فرواية يوحنا نفسه تفيد أن الشيطان دخل يهوذا مراراً, وإثباتاً لهذا نرجع إلى يوحنا 6: 70 حيث يقال: أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الإثني عشر، وواحد منكم شيطان؟ قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأن هذا كان مزمعاً أن يسلّمه، وهو واحد من الاثني عشر , فيمكن أن يُقال عن يهوذا إنه كلما كانت تدبّ في قلبه فكرة الخيانة لسيده، كان الشيطان يدخله,
قال المعترض الغير مؤمن: من قابل بين لوقا 22: 17 بما ورد في متى 26: 28 ومرقس 14: 22 و23 في بيان وضع العشاء الرباني، وجد أن لوقا ذكر كأسين: واحدة على العشاء والأخرى بعده، ومتى ومرقس ذكرا كأساً واحدة,
ثم أن رواية لوقا تقول إن جسد المسيح مبذول عن التلاميذ، بينما رواية متى تقول إنه مبذول عن كثيرين، ورواية متى لا تقول إن جسده مبذول ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) يلزم أن نوضح ما كان يحدث في عيد الفصح، فقد كان اليهود يحتفلون به تذكاراً لتحررهم من ذلّ المصريين، وتذكاراً لنجاة أبكارهم من الموت وهلاك أبكار المصريين, وفي اليوم العاشر كان رئيس كل عائلة يأخذ حملاًً عمره سنة (خروج 12: 1-6) وفي اليوم 14 من الشهر يذبحه أمام المذبح, ولما كان بنو إسرائيل في مصر رشّوا دم هذا الحمل على العتبة العليا، فلما رأى الملاك الدم لم يمس البيت بضرر (خروج 12: 7), ولما خرجوا من مصر كانوا يرشون الدم أمام المذبح، ويشوون الحمل ويضعون فيه سيخاً على طوله، وسيخاً على عرضه، على هيئة صليب، ولا يكسرون عظماً من عظامه، وهو إشارة إلى المسيح (يوحنا 19: 36 و1كورنثوس 5: 7), وكيفية احتفالهم به أن يقدموا الشكر لله، ثم يشربون كأس نبيذ ممزوجاً بماء، هذه كانت أول كأس, وبعد ذلك كانوا يغسلون أيديهم، ثم يشكرون الله، ثم يضعون على المائدة أعشاباً مُرَّة والفطير والحمل ومرقةً من بلحٍ وتين وزبيب، ثم يأخذون قليلاً من الأعشاب ويقدمون شكراً لله، ثم يأكلونها ويرفعون الصحون، ويضعون أمام كل محتفل كأس نبيذ كما فعلوا في أول الأمر, وسبب رفع الصحون هو حمل الأولاد على الاستفهام عن سبب هذا، فيشرع رئيس العائلة في توضيح ما قاساه اليهود في مصر من الذل والعبودية، وكيفية إنقاذهم، وأسباب الاحتفال بعيد الفصح,
ثم يؤتى بالصحون ثانية، ويقول: هذا هو الفصح الذي نأكله، لأن الرب عبر عن بيوت آبائنا في مصر, ثم يمسك الأعشاب ويقول: إنها تشير إلى مرارة الذل, ويمسك الفطير ويقول: إنه يشير إلى سرعة ارتحالنا من مصر, ثم يغسلون أيديهم ويأكلون, ويقرأ رب العائلة مزموري 113 و114 ويصلي، ثم يشربون ما يكون أمامهم، وهي الكأس الثانية, ثم يغسلون أيديهم ثانية ويأكلون الطعام, ثم يغسلون أيديهم ويشربون كأساً ثالثة تسمى كأس البركة لأن رئيس العائلة يقدم الشكر لله, وكانوا يشربون كأساً رابعة قبل انصرافهم تُسمَّى كأس التهليل لأنهم كانوا يرتلون مزامير 115-118, وقد حافظ المسيح على هذه الطقوس لأنها كانت تدل عليه,
ثم رسم المسيح العشاء الرباني بعد عشاء الفصح تذكاراً لموته لأنه هو فصحنا، وبه تحررنا من عبودية إبليس التي هي أشد من عبودية فرعون في مصر، فوضع العشاء الرباني تذكاراً للخلاص الذي صنعه لنا ليعتقنا من عبودية إبليس، وليشدد عزائمنا وقت التجارب والمصائب, وكيفية رسم المسيح للعشاء الرباني هي أنه أخذ خبزاً وبارك وكسّر، وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي , فالخبز هو بمنزلة حمل الفصح، فكما أن الحمل كان يشير إلى خلاص الإسرائيليين من العبودية، فكذلك الخبز يشير إلى جسد المسيح الذي كُسر لأجلنا على الصليب, وكما أنه يلزم لتغذية الإنسان كَسْر الخبز ومضْغه، فكذلك لزم بذل جسد المسيح ليصير خبزاً لحياة أنفسنا, وكما أن حياتنا تتعلق على الخبز الذي أعدَّه الله من محبته لنا، فكذلك حياتنا الأبدية تتوقف على ذبيحة جسد المسيح على الصليب, وكان بنو إسرائيل يسفكون دم حمل بلا عيب أمام المذبح، فأشار المسيح إلى هذه الذبيحة بقوله: هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم , وهو هبة مجانية، وكذلك أخذ الكأس وشكر وأعطى تلاميذه وقال: هذا هو دمي , يعني أنه يشير إلى سفك دمه، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عبرانيين 9: 22), فهذا هو ترتيب فصح اليهود ورسم العشاء الرباني,
(2) نعم ذكر لوقا كأسين، ومتى ومرقس ذكرا كأساً واحدةً، لأن متى ومرقس ذكرا الكأس المختصة بالعشاء الرباني، لأنها المقصودة بالذات, أما لوقا فأشار إلى الكأس التي كانت تُؤخذ قبل العشاء، ثم ذكر الكأس التي أشار بها إلى سفك دمه، وبهذا يظهر بطلان اعتراضات المعترض,
(3) من تأمل فيما ورد في متى 26: 26-28 ومرقس 14: 22-24 ولوقا 22: 19 و20 وجد أن العبارات كلها لا تناقض فيها, وقول المسيح: هذه الكأس (أي الخمر الذي فيها) فهو من إطلاق الظرف على المظروف، فالكأس تشير إلى دم المسيح للعهد الجديد، تمييزاً له عن العهد القديم الذي صنعه الله مع اليهود بسفك دم الذبائح (خروج 24: 8) ويأخذ الكاهن الدم ويرشه على الشعب ويقول: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم ,
وقد أطلق أنبياء التوراة على المسيح أنه ذبيحة العهد فدم المسيح هو دم العهد الجديد، لأن بواسطة دمه تصالح الناس مع الله, وكان العهد القديم يقوم بسفك دماء حيوانات، ولكنها لم تكن كافية للخلاص، بخلاف دم المسيح فإنه كافٍ لمغفرة الخطايا، لأنه حياة المسيح, فقوله دمه يُسفك عن كثيرين هو بمنزلة حياته، فهو من إطلاق الجزء على الكل,
(4) بذل المسيح حياته عن الخطاة، أو قام مقامهم, فبموته يخلص كل من يؤمن به، فإنه وفى للعدل الإلهي حقَّه، فإن الله حكم على كل خاطئ بالموت، والمسيح مات عوضاً عنه, فقول متى ومرقس إن دمه يُسفك عن كثيرين يعني حياته كلها, ولما كان الدم هو مركز الحياة اقتصرا عليه, وقول لوقا إن جسده يُبذل ودمه يُسفك لا يناقض قول متى ومرقس، إذ لا يُعقل أن يُسفك دم إنسان بدون أن يُبذل جسده,
أما قوله إن يوحنا الإنجيلي ضرب صفحاً عن هذا، قلنا إنه كتب إنجيله بالوحي الإلهي بعد اطلاعه على الثلاثة أناجيل، فلم يذكرها, ولكنه أوضح هذه الحقيقة المهمة في رسائله,
قال المعترض الغير مؤمن: كيف يكون السيد المسيح صانع السلام وملك السلام، وهو يقول لتلاميذه: من ليس له سيف فيبع ثوبه ويشتر سيفاً (لوقا 22: 36), وما معنى أمره لتلاميذه بشراء السيف؟ ولماذا لما قالوا له هنا سيفان أجاب هذا يكفي (لوقا 22: 38) ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على متى 5: 39 ,
لم يقصد المسيح مطلقاً السيف بمعناه المادي، بدليل أنه بعد قوله هذا بساعات، في وقت القبض عليه، استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه, فأمره المسيح: ردَّ سيفك إلى غمده (يوحنا 18: 10) لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون (متى 26: 51 و52), فلو دعا المسيح لاستخدام السيف، ما كان يمنع بطرس عن استخدامه في مناسبة كهذه, ولكن المسيح كان يقصد السيف بمعناه الرمزي، أي الجهاد, كان يكلمهم وهو في طريقه إلى جثسيماني (لوقا 22: 39) قبل تسليمه ليُصلب، ولذلك بعد أن قال فليبع ثوبه ويشترِ سيفاً فقال مباشرة: لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيَّ أيضاً هذا المكتوب وأُحصِي مع أثمة (لوقا 22: 37) كأنه يقول لهم: حينما كنت معكم، كنت أحفظكم بنفسي, كنت أنا السيف الذي يحميكم, أما الآن فأنا ماضٍ لأُسلَّم إلى أيدي الخطاة، وتتم فيّ عبارة وأُحصي مع أثمة , اهتموا إذاً بأنفسكم، وجاهدوا, وما دمت سأفارقكم، فليجاهد كل منكم جهاد الروح، ويشترِ سيفاً,
وقد تحدث بولس عن سيف الروح و سلاح الله الكامل ، ودرع البر، وترس الإيمان (أفسس 6: 11-17), وهذا ما كان يقصده السيد المسيح لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس في تلك الحرب الروحية,
ولكن التلاميذ لم يفهموا المعنى الرمزي وقتذاك, فقالوا: هنا سيفان , كما لم يفهموا من قبل المعنى الرمزي في قوله: احترزوا من خمير الفريسيين يقصد رياءهم (لوقا 12: 1)، وظنوا أنه يتكلم عن الخبز (مرقس 8: 17), هكذا قالوا وهو يكلمهم عن سلاح الروح هنا سيفان ، فأجابهم هذا يكفي, أي يكفي مناقشة في هذا الموضوع، إذ الوقت ضيق حالياً, ولم يقصد السيفين بعبارة هذا يكفي وإلا كان يقول هذان يكفيان , ولعله قصد بقوله: هذا يكفي : يكفي عدم فهمكم للمعاني الروحية التي أقصدها، كما لم تفهموني في السابق ,
لذلك ينبغي أن نميّز بين أقوال المسيح بالمعنى الحرفي، وأقواله بالمعنى الرمزي، وسياق الحديث يبيّن ذلك,
قال المعترض الغير مؤمن: شكَّ بعض القدماء في وجود لوقا 22: 43 و44
وللرد نقول بنعمة الله : الحقيقة هي أنه لم يوجد في بعض النسخ ماجاء في لوقا 22: 43 و44 ، وفي بعض النسخ وُضعت بين قوسين، فظن أبيفانيوس وهيلاري وجيروم أنهما ساقطتان من بعض نسخ يونانية ولاتينية, والحقيقة هي أنهما موجودتان في أغلب النسخ بدون قوسين, وهما موجودتان في جميع النسخ القديمة، ما عدا النسخة الصعيدية, وأيَّد صحتهما جستن الشهيد وهيبوليتوس وإيريناوس وأبيفانيوس وفم الذهب وجيروم وتيودور وتيطس من بسترا, وكيف يقدر أحد أن يحذف آيتين بدون أن يشنّع أئمة الدين وعلماء الكنيسة المسيحية عليه؟ ثم إن خصومه واقفون له بالمرصاد، فلا يجسر على عمل شيء من ذلك بدون أن يُكشف أمره، ولا سيما أن هذه الأناجيل كانت تُقرأ في المعابد، وكانت الديانة المسيحية منتشرة في أنحاء الدنيا,
اعتراض على إنكار بطرس - لوقا 22: 54-61
انظر تعليقنا على متى 26: 69-75
اعتراض على لوقا 22: 63
انظر تعليقنا على غلاطية6: 7
اعتراض على لوقا 23: 8
انظر تعليقنا على متى 2: 19
اعتراض على لوقا 23: 11
انظر تعليقنا على متى 27: 27 و28
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل لوقا 23: 26 ولما مضوا به أمسكوا سمعان، رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع , وورد في يوحنا 19: 16 و17 فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه ,
وللرد نقول بنعمة الله : من قوانين الرومان أنه إذا حُكم على مذنب بالإعدام، ألزموه أن يحمل صليبه, وقد أشار بلوتارك إلى ذلك عند كلامه على بلايا الرذيلة، فقال: إن كل رذيلة تنتج شقاءً وعذاباً خاصاً، كما أنه إذا حُكم على إنسان بالإعدام حمل صليبه , فالمسيح بموجب هذا القانون حمل صليبه إلى محل الصلب,
وتفيد عبارة البشير لوقا ذلك، مثل عبارة يوحنا, فإنه قال: ولما مضوا به أمسكوا رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع , يعني لما حمل المسيح الصليب على كتفه كالعادة وسار به مسافة، ضعفت قواه الجسدية وتعذّر عليه المشي, فوجدوا في الطريق سمعان القيرواني، والأرجح أنه كان من العبيد، لأنهم لا يكلّفون الأحرار بمثل هذا العمل الذي كان يُعتبر أعظم هوان، وسخّروه في مساعدة المسيح على حمل الصليب، لأنه قال: وضعوه عليه ليحمله خلف المسيح فقد حمله سمعان كما أن المسيح حمله أيضاً, فلا منافاة بين القولين,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد): يا أبتاه اغفر لهم (لوقا 23: 34) فلماذا لم يقل: مغفورة لكم خطاياكم كما قالها من قبل؟
وللرد نقول بنعمة الله : كان السيد المسيح على الصليب يمثل البشرية وينوب عنها في دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي, كلنا كغنم ضللنا, مِلنا كل واحد عن طريقه, والرب وضع عليه إثم جميعنا (إشعياء 53: 6), لذلك كان على الصليب محرقة سرور للرب (لاويين 1: 9), وكان ذبيحة خطية, وكان أيضاً فصحاً (1كورنثوس 5: 7), كان يقدم للآب كفارة عن خطايانا, وإذ قدم هذه الكفارة كاملة، قال للآب: اغفر لهم , أي: أنا وفيت العدل الذي تطلبه أيها الآب، فاغفر لهم، فلم يعد هناك عائق للمغفرة, كان يتكلم كشفيع وكنائب عن البشرية أمام الآب عن كل خاطئ منذ آدم إلى آخر الدهور,
كذلك في هذه الطلبة، كان يعلن تنازله عن حقه الخاص تجاه صالبيه الذين أهانوه بلا سبب، وحكموا عليه ظلماً، وألصقوا به تهماً باطلة، وأثاروا الشعب وهم لا يدرون ماذا يفعلون,
ولكن في مواضع أخرى قام بالغفران بنفسه كإله، كما قال للمفلوج: مغفورة لك خطاياك (مرقس 2: 5) مثبتاً بذلك لاهوته وسلطانه على مغفرة الخطايا, وقال للخاطئة (في بيت سمعان الفريسي) مغفورة لك خطاياك (لوقا 7: 48),
وسلطانه هذا لم يفارقه على الصليب، فغفر للص التائب وقال له: اليوم تكون معي في الفردوس (لوقا 23: 43), وبهذا غفر خطاياه,
اعتراض على لوقا 23: 36
انظر تعليقنا على متى 27: 34
اعتراض لوقا 23: 38
انظر تعليقنا متى 27: 37
اعتراض على لوقا 23: 42 و43
انظر تعليقنا على متى 27: 44
اعتراض على لوقا 23: 46
انظر تعليقنا على متى 27: 46
اعتراض على قصة القيامة لوقا 24: 1-12
انظر تعليقنا على متى 28: 1-15
قال المعترض الغير مؤمن: هناك اختلاف حول مكان صعود المسيح, فيقول في لوقا 24: 50 و51 وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم, وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء , ولكن يقول في أعمال 1: 9 و12 ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم, حينئذٍ رجعوا إلى أورشليم من جبل الزيتون ,
وللرد نقول بنعمة الله : يسهل التوفيق بين هذين الفصلين على من كانت له ولو معرفة قليلة بجغرافية أورشليم وما حولها, فبيت عنيا واقعة على المنحدر الشرقي من جبل الزيتون, نعم إن يسوع خرج بتلاميذه إلى بيت عنيا، وهناك على جبل الزيتون صعد إلى السماء, وإذ ذاك يَصْدق الراوي إذا قال إن يسوع صعد من جبل الزيتون كما لو قال إنه صعد من بيت عنيا, ومما يجب ذكره أن كاتب سفر الأعمال هو لوقا نفسه، فلا يمكن إذاً أن يناقض نفسه!
4 - شبهات شيطانية حول إنجيل يوحنا
قال المعترض الغير مؤمن: إنجيل يوحنا ليس إلهامياً، و خصوصاً الأصحاح 21 الأخير منه ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) بما أن دأب المعترض نقل جزء من الكلام وحذف باقيه، فلنورد نص العبارة التي نقل منها عبارته المختلة، فنقول: قال هورن: جميع المسيحيين على اختلافهم وتشعّبهم يتمسكون بهذا الإنجيل، ويعتقدون أنه وحي إلهي, والأدلة على صحته داخلية وخارجية، فالأدلة الداخلية هي أنه ورد فيه أن الذي كتبه كان مشاهداً بعينه الحوادث المذكورة، والمشاهد بالعيان لا يحتاج إلى برهان، وعليه فلا يمكن أن يكون كتبه أحد المسيحيين بعد يوحنا، لأن هذا يخالف جميع البراهين القاطعة, أما البرهان الخارجي فهو شهادة قدماء أئمة الدين المسيحي المتصلة من الخَلَف إلى السَّلَف بلا انقطاع، فتكلم عن هذا الإنجيل أكليمندس وبرنابا، وتكلم عليه أربع مرات أغناطيوس أسقف أنطاكية الذي كان تلميذاً للرسول يوحنا، وقابل كثيرين من الرسل وحادَثَهم, وكذلك تمسّك به يوستين الشهيد وتاتيان وكنائس ويانة وليون وإيريناوس وأثيناغوروس وثيوفيلس أسقف أنطاكية وأكليمندس الإسكندري وترتليان وأمونيوس وأوريجانوس ويوسابيوس وأبيفانيوس وأغسطينوس وفم الذهب, وبالاختصار سلّمه الأئمة من جيل إلى آخر, وقيل إن الألوجي أو الألوجيان (وهي طائفة وُجدت في القرن الثاني) رفضت هذا الإنجيل ورسائل يوحنا، ولكن لم نعرف عن هذه الطائفة شيئاً يُعتمد عليه، فإن إيريناوس ويوسابيوس وغيرهما من المؤلفين الذين كانوا قبلهما لم يأتوا لهم بذكر,
(2) كان هذا الإنجيل متداولاً في عصر يوحنا كما هو، ولم يشك أحد من المسيحيين الأولين في صحته,
(3) عبارات يوحنا 21 ولغته هي مثل باقي عبارات هذا الإنجيل,
فيتضح من ذلك أن المعترض استند على كلام واهٍ، وصرف النظر عن البينات والبراهين الدالة على أنه وحي إلهي ليوحنا بالسند المتصل الغير منقطع, وقد راجع كريسباخ أكثر من ثمانين نسخة من النسخ القديمة، فرأى أنها مثل النسخة المتداولة بيننا بدون زيادة ولا نقصان, فترك المعترض جميع هذه البينات وتمسَّك بقولٍ سقيم,
قال المعترض الغير مؤمن: لم يشر إيريناوس إلى إنجيل يوحنا مع أنه كان تلميذ بوليكاربوس الذي كان بدوره تلميذ يوحنا ,
وللرد نقول بنعمة الله : تكلم إيريناوس عن هذا الإنجيل وعن غايته، فقال: لما كان قصد يوحنا دحض بدع وضلالات سرنثوس والنيقولاويين، كتب إنجيله بوحي إلهي، فأوضح فيه وحدانية الله الذي خلق جميع الأشياء بكلمته، وفنّد أقوال من قالوا إنه يوجد خالق للعالم، وآخر أبو الرب، وآخر ابن الخالق، وآخر المسيح, وقال إيريناوس إن يوحنا تلميذ ربنا قال: وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (يوحنا 20: 31) وغاية الرسول أن يحذرنا من أصحاب البدع الكفرية الذين يشركون بالله , هذه هي نص عبارات إيريناوس وهي مستوفية، وقد أثبتها أغسطينوس وغيره,
قال المعترض الغير مؤمن: أنكرت فرقة ألوجين (التي كانت في القرن الثاني) إنجيل يوحنا وجميع كتابات يوحنا ,
وللرد نقول بنعمة الله : توهم عبارة المعترض هذه أن فرقة ألوجين هي من فرق المسيحيين، مع أنها شيعة ابتدعت ضلالة كفرية, لقد كانت غاية يوحنا الرسول من كتابة هذا الإنجيل استئصال الضلالات، ولا سيما ضلالة سرنثوس، وهو يهودي تهذب في الإسكندرية في أواخر الجيل الأول، وحاول إحداث طريقة تكون جامعة لتعاليم الديانة المسيحية وضلالات أصحاب المذاهب الفكرية، فردّ عليه الرسول يوحنا وأوضح أن المسيح هو كلمة الله وأن الكلمة هو الله، فالمسيح هو الله وكان عند الله، وهو خالق جميع العالمين، وأن الحياة والنور ليسا روحَيْن بل هما الكلمة، وأن المسيح هو الكلمة والحياة والنور، وأنه لم تحلّ في يوحنا روح خصوصية، بل هو إنسان مبشّر بالمسيح,
اعتراض على يوحنا 1: 18
انظر تعليقنا على تكوين 32: 30
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يوحنا 1: 20 أن اليهود أرسلوا من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوا المسيح: من أنت؟ فسألوه أأنت إيليا؟ فقال: لست أنا, وورد في متى 11: 14 قول المسيح في حق يوحنا: وإن أردتم أن تقبلوا، فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي , وفي متى 17: 10 وسأله تلاميذه: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً؟ فأجاب يسوع: إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء, ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا, كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم, حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان ,
وللرد نقول بنعمة الله : لما كان اليهود متعلّقين بالأرضيات، فهموا أغلب أقوال النبوات بالمعنى الحرفي، فكانوا يتوهّمون أن المسيح يكون ملكاً جباراً يفتح البلاد ويُظهر قوته وبأسه، ويخلع عن أعناقهم نير الرومان، ويوظفهم في وظائف مُلكه، فيجعل منهم الوزراء والولاة, ولم يخطر ببالهم أن ملكوت المسيح هو ملكوت روحي بمعنى أنه يحكم بالمحبة والسلام والبر, فلما رأوه وديعاً متواضعاً ازدروا به لخيبة آمالهم,
وعلى هذا القياس فهموا ما ورد في نبوة ملاخي من أنه سيأتي إيليا نفسه بالمعنى الحرفي قبل المسيح, فلما أرسل اليهود كهنة ولاويين ليسألوا يوحنا: هل هو إيليا الحقيقي أم لا؟ أنكر أنه إيليا الحقيقي، ولكنه لم ينكر أنه هو إيليا الذي تنبأ عنه النبي ملاخي، فإنه أوضح (في آية 23) أنه أتى ليمهد طريق الرب، فكانت غايته من قوله إنه ليس إيليا أن يزيل أوهامهم وأغلاطهم عن إيليا، ويبيّن لهم حقيقة الأمر، ويوضح لهم أنه أتى بروح إيليا,
فالنبي ملاخي شبَّهه بإيليا، فقال إنه إيليا لأن أوجه الشبه بين يوحنا وإيليا كثيرة, وقوله: سيأتي إيليا هو من التشبيه، فيوحنا هو مثل إيليا في تقشّفه وزُهده وغيرته، وهو مثله في شهامته في توبيخ الأمراء والوجهاء وذوي الشأن, فإيليا أنذر الملك أخآب وزوجته إيزابل، وقال إن الله سيقطع نسلهما وتلحس الكلاب دمهما عقاباً لهما على ظلمهما (1ملوك 21: 17 - 24), وكذلك فعل يوحنا المعمدان، فإنه وبخ عظماء اليهود على قسوتهم وغلاظة قلوبهم, وورد في لوقا 1: 17 أنه أتى بروح إيلياوقوته، فالمسيح قال إنه إيليا، وإنه أدّى مأموريته، وهي تمهيد الطريق أمام المسيح,
فلا منافاة بين قول يوحنا وقول المسيح، فيوحنا نفى أوهام اليهود من أن إيليا الحقيقي الذي صعد إلى السماء حياً سيأتي بنفسه, ولم يكن المعمدان إيليا الحقيقي، ولكنه أتى بروح إيليا,
انظر تعليقنا على لوقا 1: 17
قال المعترض الغير مؤمن: فسألوه: إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا, النبي أنت؟ فأجاب: لا (يوحنا 1: 21) هنا نرى اليهود يسألون يوحنا المعمدان متحرّين عن ثلاثة أنبياء بالتوالي: المسيح وإيليا والنبي، ولم يخالفهم في ما سألوه عنه, فالنبي المشار إليه هنا لا هو إيليا ولا هو المسيح, كذلك النبي الذي تنبأ عنه موسى (تثنية 18: 18)ليس هو المسيح ولا إيليا، بل نبي يأتي بعدهما ,
وللرد نقول بنعمة الله : أما من حيث النبي الذي كتب عنه موسى (تثنية 18: 18) فقد أثبتنا أنه المسيح (راجع تعليقنا على تثنية 18: 18) وعليه فالنبي المشار إليه في سؤال اليهود ليوحنا المعمدان هو المسيح بذاته, وسأل اليهود عن الثلاثة، مبتدئين بالأخير إلى الأول، باعتبار ترتيب زمان ظهورهم، فقالوا ليوحنا: أأنت المسيح؟ ظناً منهم أنه ربما يكون هو، فلما أنكر يوحنا أنه المسيح عادوا فسألوه إن كان هو سابقه (أي إيليا) (ملاخي 4: 5 ومتى 17: 10 ومرقس 9: 11) فأنكر أيضاً أنه إيليا بالذات، لأنهم كانوا ينتظرون أن يرجع إيليا بنفسه إلى الأرض في آخر الزمان, ويوحنا (وإن لم يكن إيليا بالذات) لكنه جاء بروحه وقوته لإعداد طريق المسيح (راجع ملاخي 4: 5 بالمقابلة مع متى 11: 14), ولما لم يفهم اليهود من هو يوحنا المعمدان، إذ لم يكن المسيح ولا إيليا، حاروا في أنفسهم والتجأوا إلى رأي ارتآه بعض اليهود، وهو أن النبي الذي كتب عنه موسى هو سابق آخر للمسيح, وليس من المعقول ولا المحتمل أن يكون سؤالهم ليوحنا عن نبي يأتي بعد المسيح، خصوصاً والمسيح نفسه لم يكن قد ظهر بعد, ولهذا يلزم أن يكون سؤالهم إما عن المسيح أو أحد سابقيه، لا عن نبي يأتي بعده,
انظر تعليقنا على لوقا 1: 17
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 1: 29 و36 من كلمات يوحنا المعمدان أن المسيح هو حمل الله، وهذا يناقض صفته في رؤيا 5: 5 أن المسيح هو الأسد الخارج من سبط يهوذا، فالأسود تلتهم الحملان ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذان تشبيهان للمسيح، فهو كالحمل في نقائه، وفي أنه الذبيحة التي ترفع الخطية, وهو كالأسد في قوته ومُلكه, ولا تناقض بينهما، فكل تشبيه منهما ينقل لنا صورة عن المسيح، مختلفة عن الأخرى، لكنها لا تتناقض معها,
اعتراض على يوحنا 1: 33
انظر تعليقنا على متى 3: 14
اعتراض على يوحنا 1: 35-46
انظر تعليقنا على متى 4: 18-22
اعتراض على يوحنا1: 44
انظر تعليقنا على مرقس 1: 21 و29
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في إنجيل يوحنا 1: 51 الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان , وهذا غلط لأن هذا القول كان بعد معمودية المسيح وبعد نزول الروح القدس، ولم ير أحدٌ بعدهما أن السماء انفتحت، وملائكة الله صاعدة ونازلة على المسيح ,
وللرد نقول بنعمة الله : معنى ترون تتأكدون، فليس معناها النظر بالعينين، بل العلم واليقين, وقوله السماء مفتوحة عبارة مجازية، كناية عن إغداق البركات (كما في مزمور 78: 23 و24) وفتح مصاريع السموات وأمطر عليهم منّاً للأكل , وأيضاً تدل على عمل معجزة لتأييد أمرٍ ما (متى 3: 16), وهي تدل هنا على معجزة, وفي هذه العبارة إشارة ظاهرة إلى السُّلَّم الذي رآه يعقوب في الرؤيا، وكانت الملائكة صاعدة ونازلة عليها (تكوين 28: 12),
وقوله: الملائكة صاعدة ونازلة فالملائكة جميعهم أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عبرانيين 1: 14),
ولا يخفى أنه قد تحقق قول المسيح من صعود ونزول الملائكة عليه, لقد خدمته الملائكة وقت التجربة في البريّة (مرقس 1: 13) ولما كان في البستان (لوقا 22: 43), بل كانت الملائكة حاضرة لما قام من الأموات، فالمسيح أوضح لنثنائيل أن الملائكة خدمته وقت تجسده، ووقت مكايد وحيل أعدائه، ووقت موته وصلبه وقيامته، مما دلّ على أنه الكلمة الأزلي,
اعتراض على يوحنا 2: 1 و2
انظر تعليقنا على مرقس 1: 12 و13
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في يوحنا 2: 1-11 قصة تحويل الماء إلى خمر, فهل هذا تحليلٌ لشرب الخمر؟ وهل شرب المسيح خمراً؟ ولماذا قال المسيح (له المجد) للعذراء مريم: ما لي ولك يا امرأة؟ أما كان يمكنه أن يقول ما لي ولك يا أماه احتراماً للأمومة؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : الواضح أن شرب الخمر كان مقبولًا عند اليهود، وقد كانوا يسكبون الخمر على الذبائح (خروج 29: 40), وكانوا يدفعون العشور منه للرب (تثنية 18: 4), وقد مُنع شربه على النذير الذي ينذر نفسه للرب خلال فترة نذره فقط (العدد 6: 3), كما مُنع على الكاهن أثناء إدائه خدمته في القدس (لاويين 10: 9), على أن السُّكر بالخمر هو الذي كان ممنوعاً (إشعياء 5: 11-17 و1كورنثوس 5: 11 و6: 10 وأفسس 5: 18 و1بطرس 4: 3),
وقد وُصف المسيح بأنه شرّيب خمر ومحبٌّ للعشّارين والخطاة (متى 11: 19 ولوقا 7: 34), ووصف بولس الخمر دواءً لتلميذه تيموثاوس كنصيحة طبية (1تيموثاوس 5: 23),
أما عن معجزة تحويل الماء إلى خمر، فهي أولى معجزات يسوع, وقول المسيح لأمه يا امرأة ليس إهانة، فقد كان هذا هو اللقب العادي الذي يحوي الرقة والمحبة, (قارن يوحنا 19: 26 لترى ذلك), غير أن المسيح لام على أمّه تعرّضها لعمله، فلم يكن لها حق أن تأمره أن يُجري عملًا لا يعمله إلا بإرادة أبيه السماوي، خصوصاً وأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد (يوحنا 2: 4), ويكون معنى قوله لها هو: أماه ، ليس لك أن تشيري عليَّ بما يجب أن أعمله، فهذا بيني وبين أبي السماوي , فالمخلّص الرب هنا يقدم نصيحة بكل المحبة,
قال المعترض الغير مؤمن: كان الإجمال والإبهام في كلام المسيح بحيث لا يفهمه معاصروه وتلاميذه في كثير من الأحيان، ما لم يفسره بنفسه، كقوله في يوحنا 2: 19-23 انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه , وهي نبوة عن موته، وكذا تشبيه تجديد القلب بولادة جديدة (يوحنا 3: 3-10) وكذا تشبيه نفسه بخبز الحياة (يوحنا 6) وكذا قوله في يوحنا 8: 21 و22 و51 و52 إنه يمضي وإنهم يموتون في خطيتهم لعدم إيمانهم، وكذا تعبيره في يوحنا 11: 11-14 عن موت لعازر بالنوم، وكذا تحذيره لتلاميذه عن خمير الفريسيين أي تعاليمهم (متى 16: 6 و8 و11 و12) وكذلك تعبيره عن موت الصبيَّة بالنوم (لوقا 8: 52 و53) وكذلك عدم فهم التلاميذ موت المسيح (لوقا 9: 44 و45 و18: 31-34) ,
وللرد نقول بنعمة الله : أقوال المسيح في غاية الفصاحة والوضوح، وكان يطبع في أذهان سامعيه المعقولات من المحسوسات, وورد في مرقس 4: 33 و34 وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلّمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا، وبدون مثلٍ لم يكن يكلمهم , فسبب عدم فهمهم ليس لصعوبة الكلام، بل لعَمَى الأفهام,
(1) من أسباب عدم فهم اليهود صَلْب المسيح هو أنهم كانوا يتوقعونه ملكاً أرضياً يفتح البلاد ويزيل نير الرومان من أعناقهم, فلما أتى المسيح متواضعاً احتقروه، ولم يدروا أن مملكته روحية فإنه يملك على الأفئدة بالمحبة, ولما أوضح لهم وجوب صلبه (لوقا 18: 31) لم يفهموا ذلك، كما لم يفهموا قوله: انقضوا هذا الهيكل وأنا أقيمه مشيراً إلى جسده, فاستبعدوا موته ولاسيما أنهم رأوا معجزاته وكيف كان يفتح أعين العميان ويقيم الموتى، وكانوا متأكدين أنه قادر على ملاشاة العالم في طرفة عين، ولم يدروا أنه كان ينبغي أن يتألم,
(2) لما كان مطمح أنظار اليهود الطهارة الجسدية، لم يعرفوا معنى تجديد القلب وتغيير العواطف الداخلية، فانغمسوا في الآثام واقتصروا على الطقوس الخارجية من الغسلات وخلافها, وقد نبّههم المسيح إلى هذا الخطأ فقال: ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان,,, وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا ينجس الإنسان (متى 15: 11 و20), ومع أن المسيح أوضح لنيقوديموس وجوب تجديد القلب، وشبّهه بولادة الإنسان الطبيعية، إلا أن نيقوديموس لم يفهم ذلك لتعلّقه (ككل يهودي) بالأرضيات، مع أن هذا التعليم ورد في مزمور 51: 10 و11 قلباً نقياً اخلُقْ فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدِّدْ في داخلي, لا تطرَحْني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزِعْه مني , وكذلك في حزقيال 36: 26,
(3) تشبيه نفسه بخبز الحياة لأنه يعطي المؤمن الحياة، كما أن الخبز المادي يعطي حياة للجسد, (انظر تعليقنا على يوحنا 6: 55),
(4) النوم هو بمعنى الموت كما ورد في لسان العرب وأساس البلاغة، فالمسيح خاطبهم بالمتعارف, ووصف الموت بالنوم ليوضح لنا أن الموت ليس هو الفناء بل مجرد رقاد تعقبه القيامة, وكذلك إشارته إلى تعاليم الفريسيين بالخمير لئلا يسري تأثيرها إلى الغير,
اعتراض على يوحنا 3: 3-10
انظر تعليقنا على يوحنا 2: 19-23
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 3: 13 ليس أحدٌ صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء , ولكن صعد إلى السماء أخنوخ (تكوين 5: 24) وإيليا (2ملوك 2: 11) وبولس (2كورنثوس 12: 2) ,
وللرد نقول بنعمة الله : السماء التي نزل منها رب المجد وإليها صعد ليست هي السماء التي صعد إليها أخنوخ وإيليا وغيرهما، فهناك:
1 - سماء الطيور: التي يطير فيها الطير، هذا الجو المحيط بنا, ولذلك قال عنها الكتاب طير السماء (تكوين 1: 26 و7: 3), فيها السحاب ومنها يسقط المطر (تكوين 8: 2), وفيها تطير الطائرات,
2 - وهناك سماء ثانية أعلى من سماء الطيور، هي سماء الشمس والقمر والنجوم, أي الفلَك أو الجلَد ودعا الله الجلَد سماءً (تكوين 1: 8), وهكذا يقول الكتاب نجوم السماء (مرقس 13: 25), وهي التي قيل عنها في اليوم الرابع من أيام الخليقة وقال الله: لتكن أنوار في جلد السماء لتنير على الأرض، فعمل الله النورين العظيمين ,, والنجوم (تكوين 1: 14-17),
وهذه السماء ستنحل وتزول في اليوم الأخير، إذ تزول السماء والأرض (متى 5: 18), وكما قال القديس يوحنا: ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد (رؤيا 21: 1),
3 - السماء الثالثة هي الفردوس التي صعد إليها بولس، وقال عن نفسه اختُطف هذا إلى السماء الثالثة, اختُطف إلى الفردوس (2كورنثوس 12: 2 ، 4), وهي التي قال عنها الرب للص التائب: اليوم تكون معي في الفردوس (لوقا 23: 43), وهي التي نقل إليها الرب أرواح أبرار العهد القديم الذين انتظروا على رجاء، وإليها تصعد أرواح الأبرار الآن إلى يوم القيامة، حيث ينتقلون إلى أورشليم السمائية (رؤيا 21),
4 - وأعلى من كل هذه السماوات توجد سماء السموات التي قال عنها داود في المزمور سبّحيه يا سماء السموات (مزمور 148: 4), وقال عنها المسيح ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء (يوحنا 3: 13), إنها السماء التي فيها عرش الله, قال عنها المزمور: الرب في السماء كرسيه (مزمور 11: 4 و103: 19), وأمرنا المسيح ألا نحلف بالسماء لأنها كرسي الله (متى 5: 34), وهذا ما ورد في سفر إشعياء 66: 1 , وما شهد به القديس استفانوس أثناء رجمه، حيث رأى السماء مفتوحة، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله (أعمال 7: 55 و56),
كل السماوات التي وصل إليها البشر، هي لا شيء إذا قيست بسماء السموات, ولذلك قيل عن المسيح: قد اجتاز السموات ,,, وصار أعلى من السموات (عبرانيين 4: 14 و7: 26), وذكر سليمان الحكيم سماء السموات هذه يوم تدشين الهيكل, فقال للرب: هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك (1ملوك 8: 27)، سماء السموات التي لم يصعد إليها أحد من البشر, الرب وحده هو الذي نزل منها، وصعد إليها, ولذلك قيل عنه من صعد إلى السماء ونزل؟ ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟ (أمثال 30: 4),
اعتراض على يوحنا 3: 22-24
انظر تعليقنا على مرقس 1: 14
قال المعترض الغير مؤمن: في يوحنا 4: 22 قال المسيح (له المجد) للمرأة السامرية إن الخلاص هو من اليهود فلماذا اختار الله أن يتجسّد من اليهود دون غيرهم من البشر؟ وألا يدل تجسّد الله من جنس خاص أنه يتحيّز لشعب خاص، مما لا يتناسب مع محبته للبشر أجمعين؟
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لو لم يتّخذ الله لنفسه جسداً من اليهود، لكان قد اتّخذ لنفسه جسداً من شعب آخر، وفي هذه الحالة يكون قد تجسد ايضاً من جنس خاص دون غيره من الأجناس، ولذلك فإن هذا الاعتراض لا مجال له إطلاقاً, كما أن الادِّعاء بأن تجسُّد الله من جنس خاص لا يتناسب مع محبته للبشر أجمعين، قد دلّت الحقيقة الواقعة على عدم صدقه، لأننا إذا تطلعنا إلى حياة المسيح على الأرض وجدنا أنه كان يحب الجميع على السواء, فقد شمل بإحسانه جميع الناس على اختلاف أجناسهم (لوقا 17: 16)، وكان يناديهم: تعالوا إليَّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال (بدون استثناء) وأنا أريحكم (متى 11: 28), وقال: لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة (أي حظيرة اليهود), ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد (يوحنا 10: 16), ولذلك قال الوحي عنه جعل الاثنين (أي اليهود والأمم) واحداً، ونقض حائط السياج المتوسط، مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً (أفسس 2: 14 و15), وقال أيضاً: فإن فيه ليس يوناني ويهودي،ختان وغرلة، بربري سكيثي، عبد حر بل الجميع واحد (كولوسي 3: 11), وقد أدرك هذه الحقيقة الأستاذ سافير اليهودي، فقال: كان يسوع يهودياً، ومع ذلك كان من جنس البشر جميعاً , وقال غيره: المسيح هو ابن الإنسان وهو ليس لعصر خاص ولا لجماعة خاصة بل لجميع الناس وجميع العصور وقال آخر: المسيح حقاً الإنسان العالمي لانه لم ينحصر ضمن هيئة خاصة، بل تخطّى كل الحواجز التقليدية والاجتماعية والسياسية والجنسية، وأحب كل الناس بلا استثناء , ولا غرابة في ذلك فقد كان ابن الإنسان أو ابن الإنسانية ,
(2) يسهل تنفيذ التعليم الذي أتى به المسيح على كل الناس في كل البلاد والأوقات, فمثلاً لم يأمر الناس بالصلاة في أوقات خاصة مرتبطة بساعات النهار أو الليل، ولم يحلل لهم تناول بعض الأطعمة دون الأخرى، ولم يحدِّد لهم مواعيد للمواسم والأعياد مرتبطة بأوقات الحصاد وأوجه القمر، كما كانت الحال مع اليهود الذين عاشوا في منطقة جغرافية محددة، بل أمرهم أن يصلّوا كل حين (لوقا 18: 1) وأن ما يدخل الفم لا ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج منه، لأن من الفم تخرج أقوال الشر التي هي النجاسة (مرقس 7: 15), وطلب منهم على لسان رسوله، أن تكون حياتهم كلها أعياداً روحية، تتجلى فيها القداسة والطهارة والصلة الحقيقية مع الله (1كورنثوس 5: 8), ولذلك فإن تعليمه يمكن تنفيذه لا في فلسطين وحدها، بل في الجهات القطبية التي تغيب عنها الشمس نصف العام، ويغيب عنها القمر النصف الآخر، كما يمكن تنفيذه في الجهات القاحلة التي لا زرع فيها ولا حصاد,
(3) طبعاً ليس هناك فضل لجنس على الآخر عند الله, وإن كان هناك فضل لجنس على الآخر عنده، فأتقى الناس أفضلهم، لأنه ليس لدى الله محاباة (غلاطية 2: 6), وقد شهد الوحي بهذه الحقيقة فقال إن كل من يصنع البر في اي أمة مقبول عنده (أعمال 10: 35), ولما وجد إن إبراهيم أتقى الناس الذين عاشوا في جيله، اختاره ودعاه خليلاً له (يعقوب2: 23) ثم اتّخذه وسيله لإعلان اسمه بين الناس، ووعده بأن في نسله ستتبارك كل أمم الأرض (تكوين 12: 3), ونظراً لأن الله لا يلغي ولا ينسى وعداً من وعوده مهما طال عليه الزمن، اصطفى من ذرية إبراهيم في الوقت الذي استحسنه، فتاة، أقل ما يُقال عنها إنها أطهر الفتيات ليتجسّد منها ويبارك كل أمم الأرض كما وعد من قبل,
(4) فإذا تأملنا حياة المسيح على الأرض، وجدنا أنه وإن كان قد تجسّد من اليهود للسبب المذكور، إلا أنه كان متجرِّداً من الجنسية اليهودية، بل ومن الروابط العائلية التي هي من أقوى الروابط وأدقّها، فكل علاقاته كانت بين الله والناس بصفة عامة, فمثلاً عندما قالوا له: أمك وإخوتك يطلبونك أجابهم: من أمي وإخوتي! ثم نظر إلى المؤمنين الجالسين حوله وقال: ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة الله، هو أخي وأختي وأمي (مرقس 3: 35), ولما رفعت امرأة صوتها قائلة له: طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما أجابها: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه (لوقا 11: 27), ولما اعترضته السامرية: كيف تطلب مني ماء لتشرب، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية، لأن اليهود لا يعاملون السامريين (يوحنا 4: 9) لم يتراجع عن الحديث معها، أو يوبخها وينتهرها، بل واصل حديثه معها ليخلّصها من الخطايا التي كانت غارقة فيها، ويقودها إلى حياة الطهر والعفاف, ولذلك قال الرسول: إذاً نحن من الآن لا نعرف أحداً حسب الجسد, وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد (حسب الجسد), إذاً إن كان أحد (أي أحد بلا استثناء) في المسيح فهو خليقة جديدة (2كورنثوس5: 16 ، 17),
قال المعترض الغير مؤمن: يوحنا 5: 3 و4 هما إلحاقيتان, ونصهما في أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا، لها خمسة أروقة, في هذه كان مضطجعاً جمهور كثير من مرضى وعُمي وعُرج وعُسم، يتوقّعون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البِرْكة ويحرّك الماء، فمَنْ نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) ذهب بعضهم إلى أن يوحنا البشير دوَّن إنجيله بعد خراب أورشليم، وكان لا بد أن تكون مُحيت آثار هذه البِرْكة، فهذا هو سبب اعتراضهم على هاتين الآيتين, ولكن لا يلزم من خراب أورشليم خراب هذه البركة، لأنه مع أن الجنرال فاسباسيان أمر بتخريب المدينة إلا أنه أذن بإبقاء بعض الأشياء لاستعمال جنوده، فحافظوا طبعاً على هذا الحمّام مع أروقته ليستظلوا فيه,
(2) يمكن أن يذكرها بصيغة الماضي، ولا يزال موقع هذه البِرْكة موجوداً وطولها 120 قدماً وعرضها 40 وعمقها ثمانية، وفي أحد أطرافها بقايا ثلاث أو أربع قبوات وهي بقايا الأروقة، ويمكن النزول اليها بواسطة درجات,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 5: 22 و27 إنه ديَّان العالم، بينما يقول بولس في 1كورنثوس 6: 2 و3 إن القديسين سيدينون العالم, هذا تناقض؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : هل من تناقض إن ذكرنا اسم القاضي فلان ثم ذكرنا أن القضية نظرها محلَّفون أو مساعدو المستشار؟
اعتراض على يوحنا 5: 28 و29
اتنظر تعليقنا على جامعة 3: 19 و20
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يوحنا 5: 31 قول المسيح إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً ولكنه قال في يوحنا 8: 13 و14 : فقال له الفريسيون: أنت تشهد لنفسك, شهادتك ليست حقاً! أجاب يسوع: وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق ,
وللرد نقول بنعمة الله : الكلام اللاحق لا ينافي السابق، فمعنى قوله في يوحنا 5: 31: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً أي لا تُقبل شرعاً، لأنها يجب أن تكون مصحوبة بشهادة شاهدين (تثنية 17: 6), ولكنه يمضي فيقول إن شهادته لنفسه شهادة حق، لأن الآب شهد له (يوحنا 5: 32 و37) وشهد له المعمدان (يوحنا 5: 33) وشهدت له معجزاته (يوحنا 5: 36) وشهدت له كتابات الأنبياء (يوحنا 5: 39),
وقوله في يوحنا 5: 31 لا ينافي قوله في يوحنا 8: 14 لأن الذي يثبت صدق إرساليته مرة لا يجب أن يثبتها بعد ذلك كلما تكلم عنها, فيحقّ له أن يطلب تصديق دعواه بمجرد إعلان ذلك,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 5: 37 إن الآب نفسه أرسله وهذا برهان على أن الآب أعظم من المسيح، لأن المرسِل أعظم من الرسول ,
وللرد نقول بنعمة الله : مجيء المسيح إلى العالم لا يعني أنه تحرك من مكان إلى مكان، لكنه يعني ظهوره في العالم بهيئة واضحة، لأن اللاهوت مُنَزَّه في ذاته عن التحيُّز بمكان، وبالتبعية من الانتقال من مكان إلى مكان, ولم يكن مجيء الابن بإرادة الآب مستقلة عن إرادة الابن، بل كان بإرادتهما وإرادة الروح القدس معاً،فقد قال المسيح (له المجد): من عند الله خرجت (يوحنا 16: 27)، أي خرجت بمحض إرادتي, وقال الرسول عنه (فيلبي 2: 6 و7) : الذي إذ كان في صورة الله (أو الذي إذ كان كائناً في صورة الله)، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد أي أنه أخلى نفسه وأخذ صورة عبد بمحض إرادته, وعن مجيء المسيح بإرادة الآب والروح القدس معاً، قال له المجد على لسان إشعياء النبي سنة 700 ق م والآن السيد الرب أرسلني وروحه (إشعياء 48: 16)
ولوحدة جوهر الأقانيم الثلاثة لا يكون إرسال الآب للابن دلالة على وجود أي تفاوت بينهما، بل بالعكس يدل على توافقهما، وتوافق الروح القدس أيضاً معهما في الاهتمام بالبشر والعطف عليهم, أما السبب في ظهور الابن (أو مجيئه) دون الأقنومين الآخرين، فيرجع إى أنه هو الذي يعلن الله ويظهره,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 5: 43 أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني, إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه وهذه نبوة عن نبي الإسلام الذي قبله الناس ,
و للرد نقول: في هذه الآية يوبّخ المسيح اليهود على نقص محبتهم لله، فلقد رفضوا المسيح الذي أرسله الآب و شهد له، مع أن المسيح عمل إرادة أبيه, وكانت المعجزات التي أجراهاالمسيح أكبر دليل على أنه جاء باسم الآب و سلطانه, ولم يكن المسيح مثل الأنبياء الكذبة الذين جاءوا باسم أنفسهم,
لقد وبّخ المسيح اليهود على ذنبٍ ارتكبوه، ولا زال الناس يرتكبونه، فقد قبل اليهود الأنبياء الكذبة, وقال المؤرخ اليهودي يوسيفوس إن الأنبياء الكذبة جذبوا اليهود للصحاري بوعد أن يروا المعجزات ، ففقد البعض عقولهم ، و عاقب ولاة الرومان البعض, و يحدثنا أعمال 21: 28 عن النبي المصري الكاذب الذي ضلّل اليهود,
وقد قبل اليهود الأنبياء الكذبة لأنهم وعدوهم بمملكة أرضية,
لقد جاء الكذبة باسم أنفسهم ، قبل المسيح و بعد المسيح! لم يجيئوا باسم الرب، بعكس يسوع الذي جاء من فوق باسم أبيه، ولذلك فإنه فوق الجميع, أما الباقون فمن الأرض، ومن الأرض يتكلمون (يوحنا3: 31),
فالمسيح هنا يوبّخ اليهود لأنهم تبعوا الكذبة الذين جاءوا باسم أنفسهم، ويحذّرنا نحن من اتّباع مثل هؤلاء الكذبة!
قال المعترض الغير مؤمن: في الكتاب المقدس استعارات غامضة، كقول المسيح في يوحنا 6: 55 جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق ,
وللرد نقول بنعمة الله : إن كلام المسيح في غاية البلاغة والوضوح، فقد قال في ذات الأصحاح: أنا هو خبز الحياة (يوحنا 6: 48), فكما أن الخبز يعطي الحياة، كذلك يعطي المسيح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به، فمن فهم غير ذلك كان مخطئاً, وقد وضع المسيح قبل صلبه بعض إشارات محسوسة تشير إلى الفوائد التي منحها لنا موته، وهي الخبز والخمر, فوجه الشَّبه بين هذه العلامات وبين جسده ودمه هو:
(1) كما أن الخبز هو الجوهر الضروري لحفظ الحياة الطبيعية، لأنه لا يمكن لأحد أن يعيش بدونه، فكذلك لا شيء ألزم للإنسان من المسيح، فإنه هو خبز الحياة النازل من السماء, فكل من أكل منه (أي آمن به) يحيا إلى الأبد,
(2) كما أن الخبز يغذي الجسد ويقويه، فكذلك جسد ابن الله المكسور على الصليب فإنه يغذي ويقوي روح الإنسان,
(3) كما أن الخبز هو الغذاء العمومي للجميع، فكذلك الخلاص الذي أوجده المسيح بموته هو للكل,
(4) كما أن كل إنسان سليم يميل إلى الخبز، كذلك خبز الحياة النازل من السماء، فإن المؤمن سليمالعقل يلتذّ به,
(5) كما أن الخبز لا يفيد الإنسان ما لم يستعمله، كذلك لا نستفيد من الفداء العظيم ما لم نؤمن به,
أما أوجه الشَّبه بين الخمر وبين دمه فهي:
(1) كما أنه يلزم عصر النبيذ قبل استعماله، فكذلك سُحق المسيح لأجل معاصينا، وخرج الدم من جسده لترتوي أنفسنا به وتحيا,
(2) كما أن طبيعة الخمر مفرحة ومقوية، فكذلك دم المسيح فإنه مفرح ومقوٍ للنفس، فتقاوم غرور إبليس ومكائده,
(3) وفي النبيذ خاصية طبية، فكذلك دم المسيح هو الدواء المناسب للخطاة,
فوضع المسيح هذين العنصرين في العشاء الرباني لنخبر بموته إلى أن يجيء وكان المسيحيون الأولون يعرفون المقصود بقول المسيح, والمسيح قال إن الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ,
اعتراض على يوحنا 7: 39
انظر تعليقنا على مزمور 51: 11
اعتراض على يوحنا 7: 52
انظر تعليقنا على متى 2: 23
قال المعترض الغير مؤمن: ما ورد في يوحنا 8: 1-11 إلحاقي, وهي قصة المرأة التي أُمسكت في زنا, هكذا قال هورن وغيره ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال هورن: ارتاب البعض في صحة ما ورد بين يوحنا 7: 53 و8: 1-11, فقد جاء اليهود إلى المسيح بامرأة أُمسكت في زنا، وطلبوا منه أن يرجمها، فقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرْمها أولاً بحجر , ثم قال لها: ولا أنا أدينك, اذهبي ولا تخطئي أيضاً , فارتاب في صحتها فريق من المدققين, ولكن ثبت بالأدلة القاطعة صحة هذه العبارة, ومع أنها لا توجد في النسخ القديمة، ولم يستشهد بها بعض آباء الكنيسة الذين علّقوا شروحات على هذا، إلا أنها موجودة في معظم النسخ المكتوبة بخط اليد, وقد أورد كريسباخ شواهد على صحتها من أكثر من ثمانين نسخة متداولة, فإذا لم تكن صحيحة فكيف ثبتت في هذه النسخ؟ وزد على هذا أنه لا يوجد فيها ما ينافي صفات المسيح الطاهرة، بل بالعكس: إنها توافق حِلْمه ووداعته ولطفه, وقد أكد أغسطينوس صحتها، وقال إن سبب حذف البعض لها هو لئلا يتوهم البعض أن المسيح تساهل مع تلك المرأة وسمح لها أن تذهب بلا عقاب ,
ولكن نرد على هذا الوهم أو الاعتراض قائلين: (1) أعلن المسيح أنه لم يأت ليدين العالم (يوحنا 3: 17 و8: 15 و12: 47 ولوقا 12: 14), وبما أنه يجب الحكم على الإنسان حسب مبادئه، فإذا نظرنا إلى مبدأ المسيح هذا لا نجده شذّ عن مبادئه، بل كان سلوكه وتصرفه حسب مبادئه الطاهرة, (2) إذا عاقب المرأة ونفّذ السلطة القضائية عليها كان ذلك منافياً لما أظهره من طاعة أولياء الأمور الذين بيدهم سياسة الجمهور وإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام,
وحسبما جاء في تثنية 17: 6 كان يجب وجود شاهدين قبل رجم الزاني، يأخذ أولهما الحجر ويرمي به، إعلاناً للحاضرين ليتمموا العقاب, ولكن كل الشهود غادروا المكان لما سجَّل المسيح خطاياهم، فسقط الركن القانوني في القضية، فقال المسيح (له المجد) للمرأة: ولا أنا أدينك (يوحنا 8: 11), ولو أن الركن الأخلاقي من القضية ظل باقياً، لأن الزانية الخاطئة محتاجة للتوبة، فقال المسيح (له المجد) لها: اذهبي ولا تخطئي أيضاً (يوحنا 8: 11),
وقد قال هورن (ج1 ص 231): ولا أرى وجهاًً للارتياب في صحة هذه القصة، فإنها ذُكرت بكيفية طبيعية بديعة، عليها مسحة الصحة ,
وقد رأى المحققون أن هذه العبارة موجودة في 300 نسخة من النسخ المكتوبة بالحرف الدارج، بدون علامة أو إشارة تدل على الارتياب فيها, نعم لم توجد في أربع نسخ قديمة، غير أن هذه النسخ تنقصها بعض أوراق، ومنها الأوراق التي تشتمل على هذه القصة وغيرها, وقال إيرونيموس، الذي راجع الترجمة اللاتينية القديمة إنها موجودة في نسخ كثيرة يونانية ولاتينية,
اعتراض على يوحنا 8: 13 و14
انظر تعليقنا على يوحنا 5: 31
يقول المعترض: يدعو المسيح في يوحنا 10: 8 الأنبياء الذين سبقوه سُرَّاقاً ولصوصاً , ولا نظن أن المسيح قال هذا، لكنه إضافة ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يقصد المسيح الأنبياء مطلقاً بهذه العبارة، بل يتكلم عن الذين لم يدخلوا من الباب، فبدأ حديثه بقوله: إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارق ولص (يوحنا 10: 1), أما الأنبياء فقد دخلوا من الباب، وأرسلهم الآب السماوي,
أما اللصوص فهم الذين أتوا قبل المسيح بمدة بسيطة وأزاغوا شعباً, وتحدث عنهم غمالائيل لما أحضر رؤساء الكهنة أمامهم في المجمع رسل السيد المسيح، ليحاكموهم على تبشيرهم بقيامة الرب قائلين لهم: ها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان (أعمال 5: 28)، وجعلوا يتشاورون أن يقتلوهم (أعمال 5: 33)، حينئذ قام في المجمع غمالائيل معلم الناموس المكرَّم عند الشعب، وأمر بإخراج الرسل، وقال لأعضاء المجمع: احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا، لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس، قائلًا عن نفسه إنه شيء، الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة، الذي قُتل, وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء, بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراءه شعباً غفيراً, فذاك أيضاً هلك، وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا, والآن أقول لكم: تنحّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم, لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض, وإن كان من الله، فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله (أعمال 5: 34-39),
عن أمثال ثوداس ويهوذا الجليلي قال السيد المسيح إنهم سُرَّاق ولصوص, هؤلاء الذين أتوا قبله، وظنوا في أنفسهم أنهم شيء، وأزاغوا وراءهم شعباً غفيراً، ثم تبددوا,
ويمكن أن نضم إلى هؤلاء المعلمين الكذبة الذين أتعبوا الناس بتعاليمهم وسمّاهم المسيح بالقادة العميان، الذين أخذوا مفاتيح الملكوت، فما دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (متى 23: 13-15),
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في يوحنا 10: 11 تشبيه المسيح نفسه بأنه الراعي الصالح، ولكننا نقرأ أنه الحمل في أعمال 8: 32 و رؤيا 7: 14, فكيف يكون الراعي والرعية في نفس الوقت؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على يوحنا 1: 29
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 10: 15 أن المسيح مات لأجل أحبائه وخرافه, (نفس الفكرة جاءت في يوحنا 15: 13), ولكن في رومية 5: 8 و10 يقول إنه مات لأجل أعدائه ,
وللرد نقول بنعمة الله : هم قبل الإيمان به أعداؤه، ولكن عندما يؤمنون به يصبحون أحباءه, فهو مات لأجل جميع أعدائه، وحالما يقبلون خلاصه يتحوّلون إلى أصدقاء, الحب للجميع، والخلاص لمن يقبلون حبّه لهم,
قال المعترض الغير مؤمن: يقول الإنجيل إن المؤمن لا يرتد لأن الله يحفظه، كما قال المسيح (له المجد) عن أتباعه: وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي, أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي, أنا والآب واحد (يوحنا 10: 28-30), ولكن رسالة العبرانيين تعلّم أن المؤمن يرتد، ففي العبرانيين 6: 4-6 يقول: لأن الذين استُنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانيةً ويشهّرونه , فكيف نوفّق بين الفكرتين؟ هل يهلك المؤمن ويرتد، أم هل يستحيل أن يرتد؟! ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يوجد تناقض, نحتاج إلى تعريف كلمة المؤمن, المؤمن الحقيقي لا يرتد أبداً والمسيح يحفظه، لكن المؤمن الظاهري هو الذي يرتدّ, والله وحده يميّز المؤمن الحقيقي من المؤمن المزيّف، كما أن الشخص يعرف نفسه، بالروح القدس الساكن فيه (رومية 8: 16),
في مثل الزارع (متى 13: 1-23 ومرقس 4: 1-20) نرى تفسير هذا كله, هناك أربعة أنواع من التربة: الطريق، وهو القلب الذي يرفض الكلمة, هذا هو الخاطئ الذي لم يذق كلمة الله, وهناك الأرض المحجرة، والأرض التي ينمو فيها الشوك, وهذان النوعان من الأرض ذاقا كلمة الله التي هي البذار، ونمت فيهما البذار (صاروا شركاء الروح القدس), لكن الكلمة اختنقت وماتت فيهما, هذا هو الإيمان المؤقّت المزيّف المظهري!
وهناك الأرض الجيدة التي قبلت البذار وجاءت بالثمر,
المؤمن الذي من نوع الأرض الجيدة لا يرتد ولا يهلك، والآب يحفظه, والمؤمن الذي من نوع الأرض الحجرية أو ذات الشوك يهلك,
ليجعلنا الله من الأرض الجيدة التي تثمر ويدوم ثمرها,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 10: 30 أنا والآب واحد , وهذا يعني أن المسيح متوافق مع الآب، ولكنه لا يعني أنه واحد مع الآب في الجوهر، فقد قال المسيح (له المجد) في يوحنا 17: 11 عن تلاميذه، مخاطباً الآب: ليكونوا واحداً كما نحن , وقصد بذلك الوحدة في المحبة والوفاق ,
وللرد نقول بنعمة الله : المشبَّه لا يكون مثل المشبَّه به من كل الوجوه، فإذا قلنا مثلاً عن إنسان إنه أسد فليس معنى ذلك أنه أسد حقيقي، بل معناه أنه يشبه الأسد في الشجاعة, صحيح أن علاقة المسيح بالتلاميذ تشبه علاقته بالآب، لكنها ليست ذات علاقته بالآب، إنها تشبهها في بعض الأوجه فقط,
وعندما قال المسيح (له المجد): أنا والآب واحد تناول رؤساء اليهود حجارة ليرجموه، فأجابهم: أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني؟ قالوا له: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف, فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً , وبسبب هذه الشهادة عن نفسه طلبوا أن يقتلوه (يوحنا 10: 31-39)، وعندما قال له فيلبس: يا سيد أَرِنَا الآب وكفانا ، أجابه: الذي رآني فقد رأى الآب, فكيف تقول أنت أرنا الآب, ألست تؤمن أني في الآب والآب فيَّ! (يوحنا 14: 9 و10) ومن هذا يتضح لنا أنه لا يقصد بوحدته مع الآب مجرد التوافق معه، بل وحدته معه في الجوهر أو الذاتية,
أما الوحدة التي أراد المسيح أن تكون بين تلاميذه، فهي وحدانية في الروح (أفسس 4: 3)، لأنهم جميعاً سُقوا روحاً واحداً (1كورنثوس 12: 13), ولذلك كان عليهم أن يفتكروا فكراً واحداً (فيلبي 2: 2) وأن يعيشوا معاً كشخص واحد في المحبة والوفاق,
اعتراض على يوحنا 11 و12
انظر تعليقنا على متى 19 و21
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يوحنا 11: 49-52 فقال لهم واحد منهم، وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خيرٌ لنا أن يموت إنسانٌ واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها, ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمعٌ أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد , وهذا غلط بوجوه:
1 - هذا الكلام يعني أن رئيس كهنة اليهود لا بد أن يكون نبياً,
2 - قوله هذا كان بالنبوّة يلزم أن يكون موت المسيح كفارة عن اليهود فقط لا عن العالم، وهو خلاف ما يزعمه المسيحيون,
3 - إن قيافا الذي يعتبره يوحنا نبياً هو الذي كان رئيس الكهنة حين أسر المسيح وأفتى بقتله ورضي بضربه كما في متى 26: 57-67 ,
وللرد نقول بنعمة الله : توهم المعترض أن رئيس الكهنة هذا نبي، مع أن أحداً لا يعتقد بذلك، وإنما البشير يوحنا أورد هذا الأمر ليوضح كيف أن الله يحوّل شر الأشرار إلى خير, والمسيحيون لا يعتقدون بنبوّة أي إنسان ما لم يفعل المعجزات والآيات الظاهرة، فإن الأنبياء الذين تنبأوا عن المسيح ومجيئه أيدوا نبواتهم بالمعجزات، فتنبأ موسى وداود وإشعياء وإرميا ودانيال وحجي وغيرهم عن المسيح ومولده وزمانه ومكانه وصفاته وكمالاته وأعماله وموته وصلبه وقيامته وملكوته, ولم يكن لقيافا شيء من ذلك,
اعتراض على يوحنا 12: 3-8
انظر تعليقنا على متى 26: 7-13
اعتراض على يوحنا 12: 12-19
انظر تعليقنا على متى 21: 2
قال المعترض الغير مؤمن: كيف يقول المسيح: وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع (يوحنا 12: 32) مع أن ملايين البشر يرفضونه أو يقفون منه موقفاً مائعاً، أو لم تصلهم رسالة عنه بعد؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : المقصود من قوله الجميع جميع من يقبلون خلاص المسيح من كل الأمم وفي كل العصور, وقد جاء قول المسيح هذا جواباً على طلب اليونانيين أن يروه (يوحنا 12: 20 و21) بسبب سرورهم من تعليمه, فأعلن المسيح أنه سيجذب إليه كل من يقبل جاذبية محبته، لا لأنه معلم صالح أو قدوة حسنة فقط، بل لأنه الفادي الذي يرتفع على الصليب, وعلى هذا فإن جاذبية محبة المسيح الذي مات لأجل أحبائه هي التي تشدّنا إليه, وهو كحبة الحنطة التي دُفنت وقامت وأتت بثمر كثير,
على أننا نؤمن أنه في اليوم الأخير ستجثو كل ركبة للمسيح (فيلبي 2: 10),
اعتراض على يوحنا 13: 21-27
انظر متى 26: 21-25
اعتراض على يوحنا 13: 27
انظر تعليقنا على لوقا 22: 3-7
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 14: 16 و17 و26 : وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه, أما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم,,, وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلتُه لكم ,
ولكن كلمة البارقليط المترجمة هنا المعزي يجب أن تُترجم محمد , (راجع يوحنا 15: 26 و16: 13), وعليه يكون المسيح تنبأ عن محمد في هذه الآيات، والقرآن الذي جاء به هو من عند جبريل، وهو الروح الأمين أي الروح القدس، وإنه شهد للمسيح (يوحنا 15: 26) ومجَّده (يوحنا 16: 4) كما مجّده القرآن، وذلك لأن القرآن رفع مقام المسيح كمولود من عذراء، وكنبي ورسول مؤيَّد بالمعجزات والآيات، وقال إنه صعد إلى السماء حياً، وإن الله آتاه الإنجيل ونفى عنه البنوّة لله التي زعمتها النصارى - وفهم النصارى الأولون من أقوال المسيح بخصوص إرسال البارقليط أن نبياً آخر عظيماً سيأتي بعده، بدليل أن رجلاً يسمى ماني الفارسي ادّعى أنه الروح القدس بعد المسيح ببضعة قرون، وراجت دعوته عند بعضهم استناداً على هذه النبوة ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذا قول خطأ لما يأتي:
(1) كلمة بارقليط لا تعني محمداً بل تعني المعزي أو المؤيِّد كما في قوله عن المسيح وأيدناه بروح القدس (البقرة 2: 87) أو الوكيل وهذه لا تناسب محمد مطلقاً، لأن لقب المعزي لا يلائم حامل السيف, ولقب المؤيِّد والوكيل لا يصح إسنادهما إلى مخلوق، لأنهما من ألقاب الله، كما ورد في القرآن وما أرسلناك عليهم وكيلاً (الأسراء 17: 54 والنساء 4: 81),
(2) لم تُستعمل كلمة البارقليط في أسفار العهد الجديد إلا للدلالة على الروح القدس (يوحنا 14: 16 و17: 26 و15: 26 و16: 13), وجاءت أيضاً للتلميح إلى المسيح (يوحنا 14: 16 و1يوحنا 2: 1),
(3) لا يمكن أن يكون البارقليط (حسبما ورد في هذه الآيات) إنساناً ذا روح وجسد، بل هو روح محض غير منظور، روح الحق الذي عندما تكلم المسيح عنه إنه يأتي، كان (أي الروح) حينئذ ماكثاً مع التلاميذ (يوحنا 14: 17 و16: 14),
(4) إن الذي يرسل البارقليط هو المسيح (يوحنا 15: 26 و16: 17) والمسلمون لا يقبلون على محمد أن يكون رسول المسيح,
(5) كان محمد رجل حرب وغزو يفتح البلاد بسيفه ويدوّخ العباد بجيشه، وأما الروح القدس فعمله أن يبكت على الخطية، وجوهر الخطية عدم الإيمان بالمسيح (يوحنا 16: 9),
(6) قيل عن الروح القدس إنه متى جاء يمجد المسيح ولا يمجد نفسه، لأنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يوحنا 16: 14 و15),
(7) ينكر محمد والقرآن بنوّة المسيح لله، مع أن المسيح أعلن أنه ابن الله بقَسَم (مرقس 14: 61), وكذا ينكران لاهوته مع كونه مثبوتاً في كل من أسفار العهد القديم (إشعياء 9: 6 ومزمور 45: 6) والعهد الجديد (يوحنا 10: 30 وعبرانيين 1: 8), وبناءً عليه لا يكون محمد وقرآنه ممجِّديْن للمسيح، بل مضادين له، وبالتالي لا يكون محمد هو الروح القدس كما زعموا,
(8) ينكر محمد وقرآنه صلب المسيح الذي به صار التكفير عن خطايا العالم، وبهذا قد أنكرا حقيقة جوهرية من أعظم حقائق الكتاب المقدس (مزمور 22 وإشعياء 52: 13-53: 12 ومتى 20: 19) التي يترتب عليها خلاص الجنس البشري,
(9) يترتب على إنكار صلب المسيح إنكار قيامته التي هي رجاء جميع المسيحيين (1كورنثوس 15: 17-19) وحيث أن محمداً يخالف الإنجيل في هذه النقط الرئيسية وغيرها، ويعارض التعاليم التي أمر رسله أن يكرزوا بها للعالم (متى 28: 20) فلا يصح أن يُقال عنه إنه متمم لنبوة إرسال الروح القدس، الذي إنما جاء ليذكِّر التلاميذ بكل ما قاله لهم المسيح (يوحنا 14: 26),
(10) احتجاجهم بما ادعاه ماني من أنه هو الروح القدس، وتطبيقهم دعوة محمد على قول ماني، دعوة باطلة, وإذا قارن أحدنا بين محمد وماني، وبين قرآن الأول وكتاب الآخر الذي قال إنه جاء به من السماء، وإنه ليس في طاقة البشر أن يأتوا بمثله ولن يأتوا بمثله، لجرحنا أحاسيس إخواننا المسلمين وأغضبناهم,
لقد رفض المطلعون من المسيحيين دعوة ماني بأنه الروح القدس لجملة أدلة, منها: (أ) لا تشير النبوات المتعلقة بالبارقليط إلى إنسان بل إلى روح, (ب) تمَّت هذه النبوات بعد صعود المسيح ببضعة أيام، وذلك بحلول الروح القدس على المائة والعشرين مسيحياً الذين كانوا يسبحون الله في العلية في مدينة أورشليم، وأخذوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا (راجع أعمال 2: 1-36), ومن هنا يظهر أن تعليم العهد الجديد في عصر ماني هو كما في العصر الحاضر, والمسيح وهو على الأرض أخبر بظهور أنبياء كذبة، وحذَّرنا من الانقياد لأي نبي يأتي بعده (متى 24: 11 ومرقس 13: 22, قابل متى 7: 15), لهذا عندما ظهر ماني وادّعى النبوة رفضه مسيحيو عصره بناءً على ما سبق التحذير منه في الإنجيل، واعتبروه نبياً كذاباً كما يعتبره إخواننا المسلمون,
(11) قيل عن البارقليط إنه سيسكن في قلوب المسيحيين الحقيقيين (يوحنا 16: 14 قابل 1كورنثوس 6: 19 ورومية 8: 9) وهذا لا يمكن أن يصدق على محمد,
(12) وعد المسيح أن الروح القدس يجب أن ينزل من السماء على التلاميذ بعد صعوده بأيام قليلة (يوحنا 14: 26) وأمرهم أن لا يباشروا خدماتهم كرسل حتى يحل عليهم الروح القدس (متى 28: 19 و20 وأعمال 1: 25) وبناءً على أمره مكثوا في أورشليم إلى أن تم هذا الوعد (انظر لوقا 24: 49 وأعمال 1: 4 و8 و2: 1-36), فهل تظنون أن مراد المسيح أن ينتظر تلاميذه بدون أن يمارسوا عملهم مدة ستمائة سنة إلى أن يأتي محمد؟ هذا محال, وعليه فالنبوة هنا تشير إلى ما حدث يوم الخمسين بعد صعود المسيح بأيام قليلة (انظر أعمال 2), ومن بعد ذلك الوقت نالت جماعة الرسل قوة فائقة وحكمة واسعة وجالوا يكرزون بالإنجيل في الأرض كلها,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 14: 28: لأن أبي أعظم منّي , ولكن قال بولس في فيلبي 2: 6: لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله فيقول الكتاب إن المسيح معادل لله، وإنه دون الآب وهذا تناقض! ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تزعج هذه التهمة الباطلة مؤمناً له إلمام بالكتاب, فالأسفار المقدسة تُري جلياً اتفاق هذين القولين, للمسيح طبيعتان, إلهية وإنسانية (اقرأ يوحنا 1: 14 و1تيموثاوس 2: 5), تقول الآية الأولى الكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً وتقول الثانية: لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح , فبحسب الآية الأولى هو معادلٌ للآب, وبحسب الثانية هو دونه, وعندما نأتي بهاتين الآيتين إلى نور الكتاب البهي الساطع لا نرى أثراً للتناقض بينهما,
إذاً لم يقصد المسيح أن الآب أعظم منه في الطبيعة، فإن كليهما متساويان، لكنه قصد أنه أعظم منه في الحال التي تكلم فيها بهذا الكلام، وهي حال اتّضاعه وآلامه بسبب أنه فادي الخطاة, وفي هذه الحال يقول يوحنا: الكلمة صار جسداً (يوحنا 1: 14) ويقول بولس لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد (فيلبي 2: 7),
ويقول علماء اللاهوت إن الآب أرسل الابن ليقدم للبشر كل وسائل الخلاص، فكان أعظم من الابن في الوظيفة, لكن هذه العظمة الوظيفية مؤقتة (راجع فيلبي 2: 9-11), وقد قال المسيح (له المجد) للتلاميذ في ذات المكان الذي اقتبس المعترض منه: لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب، لأن أبي أعظم مني , فكان على التلاميذ أن يفرحوا بذهابه عنهم، لأنه بذلك يرجع (بعد اتضاعه كعبد نحو 33 سنة) إلى حال العظمة والمجد التي كانت له مع الآب, وعند رجوعه يحل الروح القدس على التلاميذ ويبدأ التبشير بالمسيح بنجاح عظيم (يوحنا 16: 7-10),
لا تناقض هنا، فما قيل في يوحنا قيل أيضاً في فيلبي وصفاً لتواضع المسيح المؤقت الذي يهدف إلى أداء مهمة معينة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 14: 30 قول المسيح: لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء فرئيس العالم الذي بشَّر المسيح بمجيئه هو محمد ,
وللرد نقول بنعمة الله : يظهر من سياق الكلام والقرينة أن المسيح لم يقصد برئيس العالم هنا نبياً ولا رسولاً, بل قصد إبليس، بدليل قوله ليس له فيَّ شيء فإن هذه العبارة لا تشير إلى حبيبٍ مُوالٍ كشأن النبي إلى زميله النبي، بل إلى عدوٍّ مقاوم، قال المسيح (له المجد) عنه: الآن دينونة هذا العالم, الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً (يوحنا 12: 31) وقال الرسول بولس: الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح (2 كورنثوس 4: 4) ودُعي إبليس: رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أفسس 2: 2 و6: 11 و12),
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 15: 15 قول المسيح لتلاميذه: أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي , ولكن المسيح يقول لهم في 16: 12 إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن ,
وللرد نقول بنعمة الله : المقصود بيوحنا 15: 15 هو: كل ما سمعته من أبي ويجب أن يُقال لكم الآن، قد أعلمتكم به, لقد قدَّمت لكم رسالته كاملة , والمقصود بيوحنا 16: 12 هو: هناك أمور كثيرة سأعلّمها لكم بعد قيامتي، وسيعلّمها لكم الروح القدس ,(قارن لوقا 24: 27 وأعمال 1: 8)
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 15: 26 إن الروح القدس ينبثق من الآب, وهذا يعني أن الآب كان موجوداً قبل الروح القدس، وهذا يناقض القول إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، كما يناقض القول إنه واحد مع الآب في الأزلية ,
وللرد نقول بنعمة الله : ليس الروح القدس منبثقاً من الآب بمعنى أنه منفصل منه أو صادر عنه، لأن الآية الخاصة بانبثاق الروح القدس تقول: روح الحق الذي من عند الآب ينبثق , وشتان بين الانبثاق من الآب والانبثاق من عند الآب, فالروح القدس موجود مع الآب, ثم انبثق أو خرج (أو بالأحرى ظهر) من عنده من تلقاء ذاته,
ولا يُقصد بالعبارة من عند هنا مكان ما، لأن اللاهوت منزه عن المكان والزمان، بل يُقصد بها التعبير باللغة التي نفهمها، على أن الروح القدس أقنوم خاص، وأنه كان مع الآب قبل حلوله على المؤمنين, ولذلك نرى أن العبارة من عند هذه، هي بعينها التي استُعملت في موضع آخر للدلالة على وجود أقنوم الابن مع الآب قبل ظهوره في العالم، فقد قال له المجد: خرجت (أو ظهرت) من عند الآب (يوحنا 16: 28 و17: 8),
كما نلاحظ أن الفعل ينبثق، مبني للمعلوم وليس للمجهول، وهذا دليل آخر على أن الآب لم يخرج الروح القدس من ذاته، بل أن الروح القدس هو الذي خرج أو ظهر من تلقاء ذاته، الأمر الذي يدل على أنه لم يكن جزءاً من الآب، وأخرجه الآب من ذاته، بل أنه كان معه أزلاً,
فإذا رجعنا إلى اللغة الإنجليزية مثلاً، وجدنا أنها لا تعبّر عن من عند في هذه الآية ب_ مثلاً، التي تدل على الانتقال من الداخل إلى الخارج، بل يعبر عنها ب_ ، أي من عند , وهذا دليل على أن الروح القدس ليس منبثقاً من الآب بمعنى أنه خارج من ذاته، بل بمعنى أنه خارج (أو ظاهر) من عنده، الأمر الذي يدل على أنه كان بأقنوميته معه، قبل حلوله على المؤمنين,
اعتراض على يوحنا 16: 28
انظر تعليقنا على يوحنا 5: 37
اعتراض على يوحنا 16: 33
انظر تعليقنا على مزمور 112: 1-3
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 17: 3 هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته , وهذا يعني أن المسيح ليس هو الله,
وللرد نقول بنعمة الله : قال المسيح (له المجد) للآب: أنت الإله الحقيقي وحدك ليس بوصفه ابن الله، بل بوصفه ابن الإنسان وقوله هذا هو عين الصدق والصواب لأنه ليس هناك إلا إله واحد، وهو الله أو اللاهوت, والله أو اللاهوت لا يُدرَك في ذاته بل يُدرك في تعيُّنه، وتعيّنه هو الآب والابن والروح القدس, ونظراً لأن اللاهوت واحد ووحيد ولا يتجزّأ أو يتفكك على الإطلاق، فكل أقنوم من الأقانيم (إن جاز هذا التعبير) قائم بكل ملء اللاهوت، وإذن فكل منهم هو الإله الحقيقي, فالآب هو الإله الحقيقي، والابن هو الإله الحقيقي، والروح القدس هو الإله الحقيقي، وكلهم الإله الحقيقي, ولذلك أعلن الكتاب المقدس أن الآب هو الله والابن هو الله، والروح القدس هو الله,
وقوله الإله الحقيقي بالمقابلة مع الإله الخيالي أو الله المحاط بالغموض والإبهام الذي كان في عقول اليهود وعقول الفلاسفة الذين كانوا يقولون إنهم يؤمنون بالله, لأن الذي لا يعرف الله كالآب الذي يحب المؤمنين به كما يحب الأب أبناءه، يظل الله بالنسبة له كائناً خيالياً محاطاً بالغموض والإبهام,
ومما يدل على وحدة الأقانيم في اللاهوت، وعدم وجود أي تمايز بين أحدهم والآخر، أن المسيح أعلن في يوحنا 17: 3 أن الحياة الأبدية ليست متوقفة على معرفة الآب على انفراد، بل على معرفته بالارتباط مع معرفة المسيح, فقد قال وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته , وهذا ما يتفق مع الحقائق الإلهية الخاصة بوحدة الابن مع الآب في اللاهوت كل الاتفاق, لأن الحياة الأبدية هي في معرفة الله، ولا يمكن معرفة الله إلا في المسيح لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (2كورنثوس 4: 6),
وقد تبدو هذه الحقيقة ضد العقل، لكن في الواقع ليست ضده، بل أسمى من إدراكه، إذ أنها تتفق مع خصائص ذات الله كل الاتفاق، لأن وحدانيته جامعة، وجامعيتها أقانيم، والأقانيم وإن كان أحدهم غير الآخر إلا أنهم واحد في اللاهوت، واللاهوت لا يتجزأ أو يتفكك على الاطلاق,
إن الحياة الأبدية هي بمعرفة الله، لأنه مصدر الحياة، بل هو الحياة عينها, ولما كان الله هو الآب والابن والروح القدس، فقد أعلن الوحي أن الآب هو الحياة الأبدية (1يوحنا 5: 20)، وأن الابن هو الحياة الأبدية (1يوحنا 1: 2) وأن الروح القدس هو روح الحياة (رومية 8: 20),
ولا يعني إرسال الآب للابن أن الآب أفضل من الابن، بل معناه اتحاده معه في العطف على البشر, وكل ما في الأمر أن الابن لكونه المعلِن للاهوت منذ الأزل، هو وحده الذي يقوم بإعلانه للبشر,
قال المعترض الغير مؤمن: قال المسيح (له المجد) في يوحنا 17: 9 من أجلهم أنا أسأل, لست أسأل من أجل العالم، بل من أجل الذين أعطيتني، لأنهم لك , وهذا يعني أنه ليس شفيع العالم, مع أن 1يوحنا 2: 1 و2 يقول: إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة ,, لخطايا كل العالم ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح شفيع العالم، وهو مخلص الجميع, ولكنه في يوحنا 17 كان يصلي صلاة خاصة، ففي آيات 1-5 صلى لأجل خدمته وفي 6-19 صلى لأجل تلاميذه، وفي آيات 20-26 صلى لأجل كل المؤمنين به في كل عصر,
اعتراض على يوحنا 18: 2-8
انظر تعليقنا على متى 28: 48-50
اعتراضات على إنكار بطرس يوحنا 18: 16 و17
انظر تعليقنا على متى 26: 69-75
اعتراض على يوحنا 19: 14
انظر تعليقنا على مرقس 15: 25
اعتراض على يوحنا 19: 16 و17
انظر تعليقنا على لوقا 23: 26
اعتراض على يوحنا 19: 19
انظر تعليقنا على متى 27: 37
اعتراض على يوحنا 19: 24
انظر تعليقنا على متى 27: 35
اعتراض على يوحنا 19: 28-30
انظر تعليقنا على متى 27: 34
اعتراضات على قصة القيامة يوحنا 20: 1-18
انظر تعليقنا على متى 28: 1-15
قال المعترض الغير مؤمن: يدلّ قول المسيح لتلاميذه: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (يوحنا 20: 17)، وقوله: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ (متى 27: 46) أنه كان واحداً من البشر لا أكثر ولا أقل ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح هو أحد أقانيم اللاهوت، لكن بتجسُّده من جنسنا أصبحت له طبيعتان كاملتان، هما اللاهوت والناسوت, هاتان الطبيعتان متحدتان كل الاتحاد, فمن حيث اللاهوت كان ولا يزال وسيظل إلى الأبد هو الله بعينه، فمكتوب أنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9) وأنه الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد (رومية 9: 5), أما من حيث الناسوت فكان كأحد الناس، ولذلك كان يدعو الله من هذه الناحية أباً وإلهاً له, لكنه كان خالياً من الخطية خلواً تاماً، الأمر الذي لا يتوافر في أي إنسان,
وتثبت القرينة صدق هذه الحقيقة، فإذا رجعنا إلى يوحنا 20: 17 وجدنا المسيح يقول إن الله أبوه وإلهه، بمناسبة إعلانه عن عودته إليه، بعد إتمام مهمة الفداء التي جاء للعالم للقيام بها لأجلنا، بوصفه ابن الإنسان,
وإذا رجعنا إلى متى 27: 46 وجدنا المسيح يدعو الله إلهاً له، عندما كان معلقاً على الصليب كفارة عن الإنسان, وكان قد سمح أن يُعلَّق عليه لهذا الغرض بوصفه ابن الإنسان ، كما أن قوله بعد ذلك لله: لماذا تركتني؟ يدل على أنه لم ينطق به كابن الله، لأنه من هذه الناحية واحد مع الآب والروح القدس في اللاهوت، ولا انفصال له عنهما على الإطلاق, لكن هناك حالة واحدة يصح أن يُترك فيها من الله، وهي حالة وجوده كابن الإنسان للقيام بالتكفير عن الناس، لأن المكفِّر يجب أن يضع نفسه موضع الذين يكفِّر عنهم من كل الوجوه، حتى تكون كفارته حقيقية وقانونية, ولما كان كل الناس خطاة، ويستحقون الترَّك من الله إلى الأبد، سمحالمسيح أن يعتبر أثيماً، وأن يُترك من الله عوضاً عنهم، وأن يحتمل كل ما يستحقونه من قصاص، حتى يصيروا أبراراً، ولهم حق الاقتراب من الله والتمتع به، إن هم قبلوا كفارته، وسلَّموا حياتهم له تسليماً كاملاً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يوحنا 20: 22 ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس , وهذا يناقض ما جاء في أعمال 2: 1 و4 ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة, وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى, كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ,
وللرد نقول بنعمة الله : من يتكلم عن وجود تناقض بين هذين يرى افتقاره العظيم إلى النظر الروحي, فقد انسكب الروح القدس يوم الخمسين بطريقة خاصة، ومنذ ذلك الحين سكن في قلوب جميع المؤمنين الحقيقيين في كل العصور, فيمكننا إذاً أن نقول إن كل مسيحي حقيقي فيه الروح القدس, وقد صدق من قال إنه في تاريخ الكنيسة لم ينسكب الروح القدس إلا مرة واحدة، في بدء تاريخها, ولكن هذا ليس معناه أن الروح القدس لم يكن في العالم ولم يكن عاملًا في قلوب شعب الله القديم قبل يوم الخمسين,
ونجد في الكتاب المقدس إعلانات تدريجية عن عمله، ففي العهد القديم كان يحل على من شاء أن يحل عليه، ولم يكن هذا متوقفاً على حالة الإنسان، فقد حل مثلًا على شاول أول ملوك إسرائيل، وعلى بلعام النبي الكذاب الذي نطق بنبوة من عند الرب رغم إرادته, ثم إن يوحنا المعمدان وُلد من بطن أمه مملوءاً من الروح القدس (لوقا 1: 15), وتمّت كل أعمال الرسل السابقة ليوم الخمسين بقوة الروح القدس فيهم, علّم المسيح تلاميذه أثناء وجوده معهم على الأرض أنه كان يمكن نوال الروح القدس بالصلاة إلى الآب، وفي نهاية خدمته وعدهم أن يطلب من الآب فيعطيهم المعزّي, ثم في عشية يوم قيامته ظهر لهم ونفخ قائلًا: اقبلوا الروح القدس , ولكنه أمرهم أن لا يبدأوا في الخدمة إلى أن يحل عليهم الروح القدس وعلى مجموع المؤمنين,
وبعد يوم الخمسين، وفي الفترة التي فيها كانت الكرازة بالإنجيل لليهود فقط، كان الروح القدس يُعطَى لمن يؤمن منهم عن طريق وضع اليد فقط, ولما فتح بطرس باب الملكوت للأمم كان الروح القدس يُعطى بلا تأخير لكل من يؤمن، ولم يلزم للحصول عليه إلا الإيمان, ولا يخفى أن كل مؤمن حقيقي هو مولود من الروح، ومختوم بالروح وساكن فيه الروح، جاعلًا إياه هيكلًا للروح, فالعهد الجديد يفرِّق بين نوال الروح القدس، الأمر الذي يتم مبدئياً لكل المؤمنين، وبين الامتلاء من الروح الذي هو امتياز وواجب كل مؤمن, فالمؤمن يتعمَّد بالروح مرة، ولكنه يمتلئ منه مراراً, فلا تناقض إذاً بين إعطاء المسيح الروح القدس للتلاميذ قبل صعوده، وبين حلول الروح القدس عليهم في يوم الخسمين,
قال المعترض الغير مؤمن: يعترف إنجيلكم بعدم كماله، كما جاء في يوحنا 20: 30 و21: 25 ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذا مستحيل! تقول هاتان الآيتان إن بعض معجزات المسيح لم تُكتب في إنجيل يوحنا، وإن ما فعله المسيح لا تكفيه المجلدات ليُسجَّل كله، فإن المسيح قام بمعجزات كثيرة جداً, ولكن ما أورده البشير كافٍ لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (يوحنا 20: 31),
انظر تعليقنا على مرقس 7: 32,
اعتراض على يوحنا 21: 17
انظر تعليقنا على مرقس 13: 32
قال المعترض الغير مؤمن: لم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا من تأليفه، بل هناك أمور تدل على خلافه، منها طريقة التأليف، فإن يوحنا 21: 24 يقول: هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق فانتقل فيها من صيغة الغائب إلى صيغة المتكلم، فنعلم أن كاتبه غير يوحنا، وأن الكاتب الحقيقي وجد شيئاً من كتابات يوحنا، فنقل عنه بزيادة ونقصان ,
وللرد نقول بنعمة الله : انتقال المؤلف من الغائب إلى المتكلم هو من أساليب الكلام الفصيح ويُسمَّى الالتفات وهو الانتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب, قال السكاكي: أما ذلك فله فوائد: منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال، لما جُبلت عليه النفوس من حب التنقّلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد ,
وورد في القرآن أغلب هذه الأنواع، ونقتصر منها على إيراد مثال من الغيبة إلى المتكلم كقوله الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه (فاطر 35: 9), فيوحنا الإنجيلي ختم إنجيله بأن تكلم عن نفسه بصيغة الغائب بأن قال: هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا , ثم أكد كلامه بقوله: ونعلم أن شهادته حق فهو التفات وتجريد على رأي السكاكي، وعلى رأي غيره هو تجريد فقط, ومنه في الشعر قوله:
ولئِنْ بقيتُ لأرحلنَّ بغزوةٍ تحوي الغنائم أو يموتُ كريمُ
يعني نفسه,
الفصل الثالث
شبهات شيطانية حول سفر أعمال الرسل
قال المعترض الغير مؤمن: يقول أعمال الرسل 1: 15 إنه بعد صعود المسيح لم يكن هناك إلا 1مؤمناً بالمسيح? بينما يقول 1كورنثوس 15: 6 إن المسيح ظهر لأكثر من خمسمائة أخ بعد قيامته, وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تناقض مطلقاً? فإن سفر الأعمال لا يقول إن عدد المؤمنين كان 120 فقط! ولكنه يقول إن 120 مؤمناً كانوا حاضرين اجتماعاً ذات يوم في أورشليم, أما الخمسمائة فقد التقوا في الجليل (متى 28: 7) حيث قام المسيح بالكثير من المعجزات? وحيث كان كثيرون مؤمنين به,
فهل إن قلت إني التقيت بمئة وعشرين شخصاً في دمشق? والتقيت بخمسمائة شخص في القاهرة أكون صاحب قول متناقض?!
اعتراض على أعمال 1: 18
انظر تعليقنا على متى 27: 3 و5
اعتراض على أعمال 2: 1-4
انظر تعليقنا على يوحنا 20: 22
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في عظة بطرس يوم الخمسين أن المسيح رجل (أعمال 2: 22), وهذا يعني أنه ليس الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح إله كامل وإنسان كامل, هو ابن الله وابن الإنسان, قال عنه بطرس إنه رجل لأنه ابن الإنسان, ولأنه الله قال عنه الرسول بولس: الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد (رومية 9: 5) وإنه الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس 3: 16),
قال المعترض الغير مؤمن: تختلف أربع آيات من أعمال 2: 25-28 مع أربع آيات من مزمور 16: 8-11 ,
وللرد نقول بنعمة الله : نورد نص أعمال الرسل: لأن داود يقول فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين? إنه عن يميني لكي لا أتزعزع, لذلك سُرّ قلبي وتهلل لساني, حتى جسدي أيضاً سيسكن على رجاء, لأنك لن تترك نفسي في الهاوية? ولا تدع قدوسك يرى فساداً, عرَّفتني سبُل الحياة? وستملأني سروراً مع وجهك ,
وهذه كلمات المزمور: جعلتُ الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع, لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي, جسدي أيضاً يسكن مطمئناً? لأنك لن تترك نفسي في الهاوية, لن تدع تقيَّك يرى فساداً, تعرّفني سبُل الحياة, أمامك شِبع سرور في يمينك نعم إلى الأبد ,
وقد نُقل مزمور 16 من العبرية إلى اليونانية في الترجمة السبعينية وهو ما اقتبس سفر الأعمال منه, ونقل المترجم مزمور 16 من العبرية إلى العربية مباشرة? وهو ما جاء اقتباسه في المزامير, ولا خلاف في المعنى مطلقاً? كما يتضح لمن يقرأ النصَّين,
انظر تعليقنا على أعمال 15: 16 و17,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 7: 14 فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته? 75 نفساً , وهذه العبارة تدل على أن يوسف وابنيه (الذين كانوا في مصر قبل الاستدعاء) لا يدخلون في عدد 75 ? ولكن جاء في التكوين 46: 27 جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان الواجب عليه أن يذكر آية 26 و27 من سفر التكوين حتى يظهر المعنى? ونصها: جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه? ما عدا نساء بني يعقوب? جميع النفوس 66 نفساً, وابنا يوسف اللذان وُلدا في مصر نفسان, جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون , وهاك بيان بذلك:
12 أولاد يعقوب? (11 ولداً وابنة)
4 أولاد رأوبين
6 أولاد شمعون
3 أولاد لاوي
5 أولاد يهوذا الثلاثة وحفيداه
4 أولاد يساكر
3 أولاد زبولون
7 أولاد جاد
7 أولاد أشير وابنته وحفيداه
1 ابن دان
4 أولاد نفتالي
10 أولاد بنيامين
فالمجموع 66, والآية تقول إنهم 66 وابنا يوسف اللذان وُلدا له في مصر نفسان, بإضافتهما إلى يوسف مع أبيه ينتج 4 فيكون المجموع 70, وقد استثنى سفر التكوين من ذلك نساء بني يعقوب, أما أعمال فيقول : فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته? 75 نفساً , دون أن يدرج يوسف ولا ابناه ولا زوجته في هذا العدد? لأنهم كانوا موجودين في مصر? فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفساً بإخراج يعقوب من هذا العدد? لأنه مذكور على حدته? بقوله استدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته يعني 66 نفساً, أما باقي العشيرة فهي زوجات بنيه? وعددهن تسع? لأنه كانت توفيت امرأة يهوذا (تكوين 38: 12) وكذلك امرأة شمعون, فالمجموع 75, ففي سفر التكوين قال: ما عدا نساء يعقوب , وفي أعمال الرسل قال: يعقوب وبنوه وجميع عشيرته , فعبارة الأعمال شرحت وأوضحت عبارة سفر التكوين? فلا محل لقوله إن عبارة الإنجيل غلط, ولو ذكر المعترض آيتي 26 و27 لأوضحتا الحقيقة,
اعتراض على أعمال 7: 15 و16
انظر تعليقنا على تكوين 50: 13
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 8: 37 فقال فيلبس: إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز فأجاب وقال: أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله , فقال كريسباخ وشولز: إن قوله آمنت أن يسوع المسيح هو ابن الله إلحاقية ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) هذه العبارة ثابتة في النسخ المعتبرة التي يُركن عليها, (2)من الأدلة الداخلية على صحتها أن سياق الكلام يستلزم وجودها? فإنه لما أوضح فيلبس للخصي طريقة الخلاص? وأن المسيح هو مخلص العالم? وأوضح له حالتي اتضاعه وارتفاعه? تأكد أنه المسيح? وبالنتيجة ابن الله الحي أو الكلمة الأزلي الذي صار جسداً, وبدون هذا الاعتراف لا تمكن معموديته,
فترى من هذا أنه حتى لو سلمنا بحذفها لدلَّ عليها سياق الكلام,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في أعمال 9: 5 و6 فقال: من أنت يا سيد? فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده, صعب عليك أن ترفس مناخس , فقال وهو مرتعد ومتحيّر: يا رب? ماذا تريد أن أفعل? فقال له الرب: قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل , وقد قال كريسباخ وشولز إن قوله صعبٌ عليك أن ترفس مناخس إلحاقية ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه العبارة ثابتة في النسخ اللاتينية والعربية والحبشية والأرمنية, وقد وردت في ذات أعمال الرسل بنصها في 26: 14 لما كان بولس الرسول يخطب أمام أغريباس? فذكر ما حصل له بقوله: سمعتُ صوتاً يكلمني إلى أن قال: صعبٌ عليك أن ترفس مناخس , فهي على كل حال ثابتة في كتاب الله ومعناها أن الإصرار على العناد يضرّ بصاحبه, وهي مأخوذة من الحيوان الجامح الذي يقاوم صاحبه? فإنه يأخذ في رفس المناخس? فلا يضرّ إلا نفسه? ولا يعود عليه سوى الخسران, فكذلك الإنسان الذي يقاوم خالقه ورازقه وفاديه وولي أمره ويتمادى في العناد,
قال المعترض الغير مؤمن: في أعمال 9: 6 فقال له الرب: قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا تفعل وورد في 22: 10 فقال لي الرب: قم واذهب إلى دمشق وهناك يُقال لك عن جميع ما ترتَّب لك أن تفعل وورد في أعمال 26: 16 قُمْ وقف على رجليك? لأني لهذا ظهرتُ لك? لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيتَ? وبما سأظهر لك به? منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم? لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور? ومن سلطان الشيطان إلى الله? حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين , فيُعلم من أعمال 9 و22 أن بيان ماذا يفعل كان موعوداً بعد وصوله إلى المدينة? ويُعلم من أعمال 26 أنه لم يكن موعوداً بعد وصوله? بل بيّنه في موضع سماع الصوت, وهناك اعتراض ثانٍ وهو: يُعلم من أعمال 9 أن الذين كانوا معه وقفوا صامتين? ويُعلم من أعمال 26 أنهم سقطوا على الأرض? وأعمال 22 لا يذكر القيام ولا السقوط ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت غاية الرسول من خطابه للملك أن يوضح مأموريته? فتكلم عن الحوادث الماضية بالإيجاز? مراعاةً لمقتضيات المقام, وهذه هي البلاغة الإلهية? فلو كان تكلم بالتفصيل على الحوادث التي حصلت له? لأحدث السآمة والملل للملك الذي يريد أن يجذب نظره ويأخذ بسمعه? عسى أن يهتدي إلى الحق, وهذا بخلاف خطابه لليهود? فإنه شرح لهم بالتفصيل الحقائق التي يهمّهم معرفتها وسماعها, فلو خاطب اليهود بما خاطب به الملك? وخاطب الملك بما خاطب به اليهود لكان من قبيل وضع الشيء في غير محله,
أما للرد على الاعتراض الثاني فنقول: (1) المراد من كلمة وقفوا الاستقرار في المكان? سواء كانوا قائمين أو قاعدين? فكأنه قال: استقرّوا في مكانهم? وهي عبارة عامة لا تنافي وقوعهم على الأرض أو قيامهم عليها, وفي المصباح وقف بمعنى سكن,
(2) جاء في أصحاح 26: 14 ما حصل لهم بعد ظهور النور? فإنهم سقطوا جميعاً? وكان ذلك قبل مناداة شاول, أما في الأصحاح التاسع فذكر ما حصل بعد أن استفاقوا مما دهمهم, فقوله وقفوا صامتين أي بعد أن سقطوا, ومما يدل على ذلك أن النور الذي أبرق له هيبة,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 9: 7 وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين? يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً وورد في 22: 9 والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا? ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني وفي أصحاح 26 لم يذكر سماع الصوت ولا عدم سماعه,
وللرد نقول بنعمة الله : معنى سمع في قوله لم يسمعوا صوت الذي كلمني هو الفهم? فالمقصود أنهم لم يفهموا كلام الرسول بولس, ومما يدل على أن السمع هو بمعنى الفهم قوله: صوت الذي كلمني أي كلام الذي كلمني , وتعبيره في 9: 7 سمعوا الصوت ولم يقل الكلام , فلو قال سمعوا الكلام وقال في 22: 9 لم يسمعوا الكلام لحصل التناقض, ولكنه قال في 9: 7 إنهم سمعوا صوتاً ولكنهم لم يفهموه? وفي 22: 9 قال إنهم لم يفهموا الكلام, والعبارة في الأصل اليوناني تفيد ذلك,
ولنورد ما يؤيد هذا الكلام فنقول: ورد في المصباح (ج - 1) سمعت كلامه أي فهمت معنى لفظه? فإن لم تفهمه لبُعدٍ أو لغط? فهو سماعُ صوتٍ لا سماع كلام, وقال في الكليات: يعبر السمع عن الفهم? نحو سمعنا وعصينا? وسمع الإدراك متعلقة الأصوات? نحو قد سمع الله قول التي تجادلك , ويطلق السماع ويراد به الانقياد والطاعة? وقد يطلق بمعنى الفهم والإحاطة? إلى غير ذلك,
أما في أصحاح 26 فكان بولس واقفاً أمام الملك أغريباس? وكانت غايته تبرئة نفسه مما نُسب إليه زوراً? وبيان دعوة الله له? فأوجز في ذكر الدفاع عن نفسه? وفي ذكر دعوة الله العليا له? ولم يذكر غير ذلك? لانشغال الملك,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 10: 6 إنه نازل عند سمعان رجل دباغ? بيته عند البحر, هو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل , فقال كريسباخ وشولز إن قوله وهو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل إلحاقية ,
وللرد نقول بنعمة الله : هذه العبارة التي ادّعى أنها إلحاقية ثابتة في النسخ المعتبرة, ولو حذفناها لجاء المعنى ناقصاً? ويصير الكلام استدْعِ سمعان النازل في البيت الفلاني ولم يذكر غاية استدعائه? مع أن الغاية هي المقصودة في مثل هذه الحالة, فثبت إذن أنها أصلية? وإذا حُذفت كان المعنى ناقصاً? وكلام الله الذي غايته إنارة الأذهان هو كامل,
قال المعترض الغير مؤمن: لم يكن الرسل يرون بعضهم بعضاً أصحاب وحي? كما يظهر هذا من مباحثتهم في محفل أورشليم? ومن مقاومة بولس لبطرس, ولم يعتقد المسيحيون الأولون أنهم معصومون من الخطأ? لأنهم اعترضوا أحياناً على أفعالهم? كما في (أعمال 11: 2 و3 و21: 20-24), كما أن الرسول بولس قاوم الرسول بطرس مواجهة كما في غلاطية 2: 11 ,
وللرد نقول بنعمة الله : من طالع أعمال 15 اتضح له أن كل رسول كان يعتقد في الآخر أنه مؤيَّد بالروح القدس? فلا ينطق إلا عن لسان الله, ولما عُقد مجمع في أورشليم أخبر برنابا وبولس باقي الرسل والمشايخ بما صنعه الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهما? وأخبراهم بتصدّي اليهود وتشديدهم على الاختتان? فأعلن الرسل: رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً (أعمال 15: 28), فترى من هذا أنه كان بينهم غاية الاتفاق? لأن الله كان يتكلم على ألسنتهم? ولم يحكموا في شيء إلا بوحي الروح القدس, فأقوالهم وأحكامهم وأعمالهم المختصة بالدين كانت صائبة لأن الله كان المرشد لهم,
وقد شهد بطرس الرسول لبولس الرسول أنّ كلامه وحي إلهي? وأن الله آتاه الحكمة الإلهية (2 بطرس 3: 15 و16) وقال في الآية الثانية من هذا الأصحاح إننا نحن رسل المسيح والمسيح ذاته الكلمة الأزلي قال لتلاميذه: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ,,, وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به, وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر (متى 28: 19 و20) وقال لهم: ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم? وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 1: 8) وقد حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين وصاروا يتكلمون بلغات شتى? وعمل الله على أيديهم المعجزات الباهرة, والمسيح ذاته الكلمة الأزلي نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس فقبلوه (يوحنا 20: 22), وقال لهم: ومتى ساقوكم ليسلّموكم? فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا? بل مهما أعطيتكم في تلك الساعة فبذلك تكلَّموا? لأنْ لستم أنتم المتكلمين? بل الروح القدس (مرقس 13: 9-11), وقال لهم: لأني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها (لوقا 21: 15), فالمسيح وشحهم بالروح القدس ليؤهلهم للعمل العظيم وهو هداية الأنفس,
وقال بولس الرسول إنه بإعلان (أي بوحي إلهي) عرّفني بالسر,,, حيثما تقرأون (كتابتي) تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح ,,, الذي في أجيال أُخر لم يُعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح (أفسس 3: 3-5), فالرسول يشهد أن الرسل لا يتكلمون إلا بوحي إلهي, وقال في 2كورنثوس 13: 3 المسيح المتكلم فيّ وقال في 1تسالونيكي 2: 13 إذ تسلَّمتم منا كلمة خبرٍ من الله قبلتموها لا ككلمة أناس? بل كما هي بالحقيقة? ككلمة الله وقال في 1كورنثوس 2: 13 التي نتكلم بها أيضاً? لا بأقوال تعلّمها حكمة إنسانية? بل بما يعلمه الروح القدس , وغير ذلك من الشهادات بأن أقوال الرسل هي أقوال الله? وأن الله كان الناطق على لسانهم? وأنه هو الذي أعلن لهم السر العجيب الذي لا يمكن لأحد أن يعرفه? والكتاب المقدس ناطق أن الله ذاته هو الذي أعلن لهم ما يجب أن يفعلوه في هذه المسألة,
أما عن مقاومة الرسول بولس للرسول بطرس (غلاطية 2: 11) فنقول: كان بطرس الرسول يعاشر الأمم الذين بلا كتاب لهدايتهم إلى الحق? فعنّفه اليهود لأنهم كانوا يعتقدون أن الأمم أنجاس? وما دروا أن الله لا يسرّ بموت الخاطئ بل يريد له الهداية, فلما رأى بطرس إنكار اليهود عليه معاشرة الأمم امتنع عن معاشرتهم? علّهم أن يؤمنوا بالمسيح الذي تنبأت به أنبياؤهم? ومتى ارتفعوا إلى هذه الدرجة أوضح لهم أن الله لا ينظر إلى الأكل والشرب? فإنه خلق الجوف للطعام والطعام للجوف, غير أن بولس عاتبه على مراعاة اليهود? مع أن الواجب هو إظهار حق الله مرة واحدة,
فلو كان كتاب الله تلفيقاً بشرياً? لما ذكر إنكار بطرس لسيده? ولما ذُكرت فيه هذه الحادثة? فإن التبصر الدنيوي والحكمة البشرية تتستّران على هذه الأمور, غير أن الله هو إله الحق فيخبر بالحق لأنه هو مصدره,
ولو كان بين الرسل تواطؤ على غش العالم? لانكشف في هذه الحالة التي حصلت فيها هذه المؤاخذة? فبطرس الرسول أبلغ المسيحيين أن الله فتح أبواب كنيسته للأمم واليهود على حدٍّ سواء? وأزال الحجاب الفاصل بينهم وبين شعبه? وأن كل أمة تتّقيه وتؤمن بالمسيح هي مقبولة عنده (أعمال 10: 35), وبعد ذلك راعى اليهود? وهذا خطأ? والخطأ جائز في حقهم? ولكنهم معصومون في إعلان الوحي فقط,
اعتراض على أعمال 13: 39
انظر تعليقنا على متى 12: 31 و32
قال المعترض الغير مؤمن: كان حكم الختان أبدياً في شريعة إبراهيم كما في تكوين 17 ولذا بقي هذا الحكم في أولاد إسمعيل وإسحق? وبقي في شريعة موسى كما في لاويين 12: 3 وختن المسيح كما في لوقا 2: 21, ولكن الرسل نسخوه كما في أعمال 15: 1-5 , وشدد بولس الرسول في نَسْخه كما في غلاطية 5: 3-و 6: 15 ,
وللرد نقول بنعمة الله : عبارة التوراة التي استشهد بها المعترض تفيد أن الختان كان علامة العهد الذي عقده الله مع إبراهيم? وهاك نص تكوين 17: 10 و11 يُختتن منكم كل ذكر? فيكون علامة عهدٍ بيني وبينكم , وقد وضعه الله ليكون علامةً بها يمتاز شعب الله عن غيره من الشعوب? ويشير إلى فسادنا الطبيعي? ويدل على ضرورة تجديدنا? ويدل أيضاً على أننا قُطعنا مع آدم الأول نائبنا? وتطعَّمنا في المسيح آدم الثاني واغتسلنا بدمه الذي يطهر من كل خطية (رومية 2: 28 و29), أما اختتان المسيح فكان ضرورياً لأنه تمم كل البر وحفظ كل الشريعة? لأنه كان طاهراً قدوساً بلا عيب? وكان مثال الطهارة والبر والطاعة والتواضع والمحبة والوداعة وكل الفضائل,
ولكن الرسل لم ينسخوا الختان? بل رفضوا القول إن الخلاص بالاختتان? فإنه ورد في أعمال 15: 1 وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلّمون الإخوة أنه: إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا , فقولهم هذا باطل? فإن الخلاص هو بالإيمان بالمسيح, والغاية من الختان هو أن يكون علامة العهد بين الله وشعبه? وإشارة إلى طهارة القلب والنية, قال الرسول بولس في رومية 2: 28 ? 29 لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً? ولا الختان الظاهر في اللحم ختاناً, بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي? وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان? الذي مدحه ليس من الناس بل من الله , وأوضح في رسالته إلى غلاطية أن الله لا يبالي بالأمور الصورية الخارجية? بل ينظر إلى الإيمان العامل بالمحبة وتجديد القلب من الدنس والشر? فإن الختان والغرلة والأمور الخارجية لا تفيد شيئاً في أمر الخلاص, وقد كان الختان إشارة ورمزاً إلى المعمودية? وكلاهما يشير إلى تطهير القلب من دنس الخطايا, فالختان يشير إلى خلع الخطايا? والمعمودية تشير إلى غسلنا بدم يسوع المسيح,
فمعنى المعمودية هو تطعيمنا في المسيح وختم فوائد عهد النعمة? وهو غفران الخطايا بدم المسيح? وتجديد القلب بروحه? والتبنّي في عائلته? والقيامة للحياة الأبدية, ومعناها أيضاً الختم على تعهدنا أن نكون للرب? وهي علامة فاصلة بين شعب الله وغيره من الشعوب, والحكمة في استعمال الماء فيها هي:
(1) الماء يطهرّ من الأقذار? ودم المسيح يطهر قلوبنا من أعمال ميتة,
(2) الماء يروي ظمأ العطشان? ودم المسيح يشفي الغليل,
(3) الماء يطفئ النار? ودم المسيح يطفئ لهيب غضب الله? ويطفئ نار شهوتنا التي تحاربنا,
(4) الماء يليّن الأرض الصلبة? ودم المسيح يليّن القلب القاسي,
(5) الماء ضروري للحياة? وبدون دم المسيح وروحه يهلك الخاطئ,
(6) الماء بلا ثمن? ودم المسيح وروحه مقدَّمان للجميع مجاناً,
(7) مع أن الماء ضروري لكل إنسان إلا أنه لا يفيد شيئاً ما لم يشربه? ودم المسيح لا يفيد الإنسان ما لم يؤمن به,
قال المعترض الغير مؤمن: الآيتان في أعمال 15: 16 و17 مخالفتان لعاموس 9: 11 و12 ,
وللرد نقول بنعمة الله : نورد هذه الآيات ليتضح بطلان كلامه وهي: سأرجع بعد هذا وأبني أيضاً خيمة داود الساقطة? وأبني أيضاً ردمها? وأقيمها ثانية? لكي يطلب الباقون من الناس الرب? وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم? يقول الرب الصانع هذا كله , وهاك أقوال النبي عاموس: في ذلك اليوم أقيم مظلّة داود الساقطة وأحصّن شقوقها وأقيم ردمها وأبنيها كأيام الدهر? لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم? يقول الرب الصانع هذا ,
وليس في معاني هذين النصَّين اختلاف, وقد اقتبس الرسل هذه الآيات من النسخة السبعينية المترجمة إلى اللغة اليونانية? فإذا وجد تنوع في العبارة كان ذلك من الترجمة? ولكن المعنى واحد,
وزد على هذا أنه تقدم جواز النقل بالمعنى? ولاسيما لمن خصَّهم الله بالوحي وقوة المعجزات? فكلامهم حجة في العبادات,
انظر تعليقنا على أعمال 2: 25-28 ,
قال المعترض الغير مؤمن: نسخ الرسل التوراة إلا ذبائح الأصنام والدم والمخنوق والزنا كما في أعمال 15: 24 و28 و29 ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد في آية 24 أنه ظهر بين المسيحيين من قالوا إن الخلاص بالأعمال الخارجية? كالاختتان والشريعة الطقسية التي كانت رمزاً إلى ذبيحة المسيح, فألهم الروح القدس الرسل بأن قرروا أن الاتكال على الأمور الخارجية باطل? وأنه متى أتى المرموز إليه تم الغرض المقصود من الرمز, فمن حاول حفظ الذبائح الطقسية بعد مجيء الفادي الذي كانت ترمز إليه? يكون مثل من يرجع إلى حفظ الأبجدية بعد أن طالع العلوم, فلذا قال الرسول إن الخلاص ليس بالاختتان ولا بالناموس الطقسي? بل بالإيمان بالمسيح, ثم حضَّهم على الامتناع عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في اعمال 20: 9 أن أفتيخوس سقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل? وحُمل ميتاً, ولكن جاء في آية 10 أن بولس قال عنه: نفسه فيه ,
وللرد نقول بنعمة الله : وقع أفتيخوس ومات? فنزل بولس واحتضنه وضمَّه إلى صدره (آية 10) فعادت نفسه إليه, آية 9 تتحدث عن موته? وآية 10 تتحدث عنه بعد أن عادت له الحياة,
قال المعترض الغير مؤمن: لم يكن المسيحيون الأولون يعتقدون أن الرسل مصونون عن الخطأ? لأنهم في بعض الأوقات اعترضوا على أفعالهم? وذلك كما نرى في أعمال 21: 20-24 ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان جميع أئمة المسيحيين وعلمائهم يعتقدون أن كتبهم وحي إلهي? يتعبدون بتلاوتها في معابدهم ويستشهدون بها في مناظراتهم ويؤيدون بها معتقداتهم ويحاجون بها خصومهم, فلو لم يكونوا معتقدين أنها تنزيل الحكيم العليم لما جعلوها الحكم الفصل,
أما استشهاد المعترض بما ورد في أعمال 21: 20-24 فإننا نرى فيه بولس الرسول ينفي عن نفسه التهم الكاذبة التي رماه بها اليهود من أنه رفض شريعة موسى? فحافظ على النذر حسب ما ورد في سفر العدد 6: 13 ليوضح لليهود أنه مؤمن بشريعة موسى التي كانت طقوسها وفرائضها تشير إلى المسيح? وأن المسيح أتى ليكمل الناموس ولم يأتِ لينقضه, فبولس الرسول تصرف بغاية الحكمة? ونفى كل العثرات المانعة لليهود عن الإيمان, وقد كانت محبته لأمته شديدة حتى قال: أودّ لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد (رومية 9: 3),
اعتراض على أعمال 21: 24
انظر تعليقنا على أعمال 15
اعتراض على أعمال 22: 9
انظر تعليقنا على أعمال 9: 7
اعتراض على أعمال 22: 10
انظر تعليقنا على أعمال 9: 6 و7
قال المعترض الغير مؤمن: أخطأ بولس لما وبّخ رئيس الكهنة وقال له: سيضربك الله أيها الحائط المبيَّض (أعمال 23: 3) كما أنه كذب لما قال إنه لم يعرف أنه رئيس الكهنة (آية 5) ,
وللرد نقول بنعمة الله : إنه لم يخطئ في شيء? فإنه لم يسحب كلامه? بل أن حنانيا هذا كان يستحق مثل هذا الزجر? لأنه أمر بضرب بولس مع أنه لم يفعل شيئاً يستوجب الضرب, فكلام بولس يدل على نزاهته وبراءته, وقوله سيضربك الله ليس هو من قبيل اللعن والغضب عليه? بل هو إعلان على أنه لن ينجو من انتقام الله, وقد تحقق ما قاله بولس? فإن حنانيا قُتل مع أخيه حزقيا, أما قول بولس لم أعرف أيها الإخوة أنه رئيس الكهنة فقول صادق? بسبب ضعف بصر بولس,
انظر تعليقنا على متى 10: 19 و20
اعتراض على أعمال 26: 16
انظر تعليقنا على أعمال 9: 6و7
قال المعترض الغير مؤمن: أقام المسيح ثلاثة من الأموات: ابنة الرئيس? وميتاً آخر ذُكر في لوقا 7 ولعازر كما ذكر في يوحنا 11, وفي أعمال 26: 23 إن يؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات , وفي 1كورنثوس 15: 20-23 قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين,,, لأنه كما في آدم يموت الجميع? هكذا في المسيح سيُحيا الجميع, ولكن كل واحد في رتبته: المسيح باكورة? ثم الذين للمسيح في مجيئه , وورد في كولوسي 1: 18 الذي هو البداءة? بكرٌ من الأموات? لكي يكون هو متقدِّماً في كل شيء , وهذه الأقوال تنفي قيام ميت من الأموات قبل المسيح? وإلا لا يكون المسيح أول القائمين وباكورتهم, وفي رؤيا 1: 5 يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح هو أعظم من قام من الأموات في أنه مات وقام ولا يعود يذوق الموت بعد? فهو بكر الأموات بمعنى أنه أعظمهم? وليس بمعنى أنه أولهم, أما الذين أقامهم من الموت فذاقوا الموت بعد ذلك? وماتوا كباقي الناس بعد أن عاشوا عدة سنين, ولكن متى أتى يوم البعث فلن يذوقوا الموت وتكمل سعادتهم? ويتم بذلك نعيمهم الدائم,
ولم يكن البكر دائماً هو الابن الأكبر? بل الابن الأعظم الذي ينال نصيب اثنين, فيعقوب أبو الأسباط اعتبر أفرايم بن يوسف (وهو الصغير) الابن البكر (تكوين 48: 14) واعتبر منسى بن يوسف الابن الثاني مع أنه أول أبناء يوسف,
الفصل الرابع
شبهات شيطانية حول رسائل بولس الرسول
1 - شبهات شيطانية حول رسالة رومية
2 - شبهات شيطانية حول رسالتي كورنثوس
3 - شبهات شيطانية حول رسالة غلاطية
4 - شبهات شيطانية حول رسالة أفسس
5 - شبهات شيطانية حول رسالة فيلبي
6 - شبهات شيطانية حول رسالة كولوسي
7 - شبهات شيطانية حول رسالة تسالونيكي الأولى
8 - شبهات شيطانية حول رسالتي تيموثاوس ورسالة تيطس
9 - شبهات شيطانية حول رسالة العبرانيين
1 - شبهات شيطانية حول رسالة رومية
قال المعترض الغير مؤمن: ورد بعد مزمور 14: 3 في الترجمة اللاتينية والحبشية والعربية ونسخة الفاتيكان اليونانية الست آيات الواردة في رومية 3: 3-18 حنجرتهم قبر مفتوح، بألسنتهم قد مكروا، سم الأصلال تحت شفاههم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة, أرجلهم سريعة إلى سفك الدم, في طرقهم اغتصاب وسحق، وطريق السلام لم يعرفوه, ليس خوف الله قدام عيونهم ,
وللرد نقول بنعمة الله : الآيات الست هذه ليست ساقطة كما ادعى المعترض، وإنما وضعها بعض المترجمين بعد الآية الثالثة من مزمور 14, وقد جاءت في الترجمة السبعينية التي عنها أخذت ال ولجاتا, وقد أخذ الرسول بولس نصَّه اليوناني من السبعينية, وهناك آيات كتابية أخرى تقول نفس الكلمات مثل ما ورد في مزمور 5: 9 و140: 3 و: 7 وإشعياء 59: 7 و8 ومزمور 36: 1,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في رومية 3: 28 إذاً نحسب أن الإنسان يتبرَّر بالإيمان بدون أعمال الناموس , ولكن الرسول يعقوب يناقض قول الرسول بولس هذا، فيقول في يعقوب 2: 24 ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده ,
وللرد نقول بنعمة الله : يظن كثيرون أن بولس ويعقوب يناقض أحدهما الآخر في قضية مغفرة الخطايا, فبولس يقول إن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال، بينما يعلِّم يعقوب أن الإنسان يتبرر بالإيمان والأعمال معاً, ولكن على القارئ أن يقرأ كل ما كتبه بولس عن التبرير، فيرى أنه لا يناقض أحدهما الآخر، بل كلاهما يعلّم حقاً واحداً، ولكن موضوع حديثهما في الآيتين المقتبسَتين هنا ليس واحداً, فبولس يتكلم هنا عن التبرير أمام الله بغفران الخطايا، أما يعقوب فيتكلم عن التبرير أمام الناس بالعمل الصالح, بولس يستعمل كلمة تبرير للدلالة على عمل الله الذي به تُغفر خطايا الإنسان على أثر إيمانه بالمسيح وقبوله إياه مخلصاً، أما يعقوب فيستعمل كلمة تبرير للدلالة على البر العملي الذي وصل إليه المؤمن بواسطة الإيمان, وهذا لا دَخْل له مطلقاً بالخلاص,
وللإيضاح نقول: إن التبرير أمام الله هو اعتبار الإنسان باراً أمامه تعالى على أثر قبوله النعمة المجانية المقدَّمة له, وهذا بالإيمان لا غير,والإنسان على أثر قبوله نعمة الله في المسيح لا يمكن أن يكون قد عمل بعد عملًا يُشار إليه كأساس لتبريره, أما التبرير الذي يتكلم عنه يعقوب فيشمل الإيمان بالفادي، والحياة الصالحة التي تتبع هذا الإيمان, ولا غبار على قول يعقوب إن الإيمان الذي لا يكون مقترناً بحياة التقوى إيمان ميت,
فنرى إذاً أنه لا تناقض البتة بين كلام الرسولين في قضية التبرير، فكلاهما يعلّم عن حق واحد, أحدهما يشير إلى وجهٍ من هذا الحق، وهو التبرير أمام الله, والثاني يشير إلى وجهٍ آخر، وهو التبرير أمام الناس, فبولس ينهى عن الاعتماد على الأعمال الصالحة للقبول أمام الله، بينما يعقوب يحرّض على الأعمال الصالحة كبرهانٍ على الإيمان, نقرأ في أفسس 2: 8 لأنكم بالنعمة مخلَّصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله, ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد, لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في رومية 8: 26 الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطَق بها , ولكن 1تيموثاوس2: 5 يقول: لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح ,
وللرد نقول بنعمة الله : شفاعة الروح القدس فينا معناها واضح من أول الآية، أن الروح يعين ضعفاتنا، فهو يشفع لا بالصلاة لأجلنا، بل في صلواتنا وضعفاتنا، فيحرك في قلوبنا الشوق لنرضي الله ونتشبَّه بصورة المسيح, شفاعة الروح القدس فينا هي هنا على الأرض، لكن شفاعة المسيح فينا هي في السماء,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في رومية 9: 20 و21 ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزّاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان؟ , فما هو ذنب الإنسان الذي يصنع الفخاري منه إناءً للهوان؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : نعم إن للفخاري سلطاناً على الطين أن يصنع منه ما يشاء، إناءً للكرامة، أو إناءً للهوان, وليس للطينة أن تقول لماذا صنعتني هكذا؟ فإن هذا من أعمال السيادة,
ولكن الفخاري أيضاً حكيم وعادل فمع كامل حريته وسلطانه، إلا أنه ينظر بحكمة إلى قطعة الطين, فإن رآها جيدة وناعمة وليّنة، جعل منها آنية للكرامة، لأن صفاتها تؤهلها لذلك، فمن غير المعقول أن تقع طينة رائعة في يد فخاري حكيم، فيصنع منها إناء للهوان، وإلا أساء التصرف, أما إذا كانت الطينة خشنة ورديئة، ولا تصلح إناء للكرامة، فإن الفخاري (بما يناسب حالتها) سيجعلها إناءً للهوان, وهو على قدر الإمكان يحاول أن يصنع من كل الطين الذي أمامه أواني للكرامة، بقدر ما تساعده صفات الطين على ذلك,
الأمر إذاً وقبل كل شيء، يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها، مع اعترافنا بسلطان الفخاري وحريته، ومع ذكرنا لعدله وحكمته,
ولذلك قال الرب: هوذا كالطين بيد الفخاري، أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل, تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقَلْع والهدم والهلاك, فترجع عن شرّها تلك الأمة التي تكلمت عليها، فأندم على الشر الذي قصدت أن أصنعه بها, وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغَرْس، فتفعل الشر في عينيَّ ولا تسمع لصوتي، فأندم على الخير الذي قلت إني أحسن إليها به (إرميا 18: 6-10), إذاً بإمكان الطينة أن تصلح مصيرها,
ويذكرنا هذا بمثل الزارع الذي خرج ليزرع (متى 13: 3-8) فالزارع هو نفس الزارع، والبذار هي نفس البذار، وهو يريد للكل إنباتاً, ولكن حسب طبيعة الأرض التي سقطت عليها البذار تكون نتيجتها, إن الزارع لم يجهز بذاراً للجفاف أو للاحتراق، أو لتختنق بالشوك، أو ليأكلها الطير, ولكن طبيعة الأرض هي التي تحكمت في الأمر,
لا تقل إذاً، ما ذنبي إن صرت آنيةً للهوان؟ إنما كن طينة ليّنة صالحة فييد الخزّاف العظيم، وثق أنه لا بد سيجعل منك آنية للكرامة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في الجزء الأول من رومية 12: 20 إن جاع عدوّك فأطعمه، وإن عطش فاسْقِه وهذا تعبير عظيم عن المحبة، ولكن بقية الآية تعبير عن البغضة للعدو، إذ تقول: لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه ,
وللرد نقول بنعمة الله : على المسيحي أن يظهر الرقة لعدوّه, وعندما يفعل هذا الواجب المقدس سينتج عنه أن ضمير عدوّه يثور على الفعل السيّئ الذي فعله مع شخص صالح جازى الشر بالإحسان, العمل الصالح يحرق قلب المسيء, فليس الهدف من العمل الصالح الإساءة للعدو، لكن نتيجة العمل الصالح إيقاظ ضمير العدو,
قال المعترض الغير مؤمن: كانت حيوانات كثيرة محرمة في الشريعة الموسوية، ونُسخت بما جاء في رومية 14: 14 إني عالم ومتيقّن في الرب يسوع أن ليس شيئاً نجساً بذاته، إلا مَن يحسب شيئاً نجساً، فله هو نجس , وفي تيطس 1: 15 كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً، بل قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم , وفي 1تيموثاوس 4: 4 لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذا أُخذ مع الشكر، لأنه يُقدَّس بكلمة الله والصلاة ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان في روما بعض مؤمنين موسوسين، أو كما قال الرسول ضعاف الإيمان , فهؤلاء تمسكوا بالقشور والأعراض وتركوا جوهر الدين، فحرَّموا بعض الأطعمة، حتى قال لهم الرسول: وأما ضعيف الإيمان فيأكل بقولاً , ولكنه أوضح في آية 17 أن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس, وأمر بوجوب احتمال الضعفاء، وأن لا نضع للأخ مصدمة أو معثرة, ثم أوضح أن الموسوَس يحسب كل شيء نجساً، مع أن الأشياء هي في حدّ ذاتها طاهرة, ثم قال في آية 15 فإن كان أخوك بسبب طعامك يُحزَن، فلست تسلك بعد حسب المحبة, لا تُهلِك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لأجله ، ثم قال في الآية 21 حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف , فيظهر من هذا أن غاية الرسول توثيق المحبة بين المسيحيين، وحثّهم على احتمال الضعفاء ومراعاة إحساساتهم وعدم تعييرهم، فإن ضعيف الإيمان ربما يتشكك في ذات الحيوانات الطاهرة, ولذا أمره بولس الرسول ليقتصر على أكل البقول, وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ,
وعبارة الرسول في تيطس تشير إلى البِدع، فإنه قال في آية 14 (أي قبل الآية التي أتى بها المعترض): لا تُصْغوا إلى خرافات يهودية ووصايا أناسٍ مرتدّين عن الحق , ثم قال: كل شيء طاهر فلم ينسخ شريعة موسى، بل حذّر المؤمنين من الخرافات وبدع المرتدّين عن الحق, وقصد الرسول من 1تيموثاوس 4: 4 هو الرد على أصحاب البِدع، فإنه قال قبلها (آية 1-3) ولكن الروح يقول صريحاً إنّه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قومٌ عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلَّة وتعاليم شياطين، في رياء أقوالٍ كاذبة، موسومة ضمائرهم، مانعين عن الزواج، وآمِرين أن يُمتنَع عن أطعمة قد خلقها الله لتُتناوَل بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق , ثم قال لأن كل خليقة الله جيدة ,
2 - شبهات شيطانية حول رسالتي كورنثوس
قال المعترض الغير مؤمن: الذي يقرأ رسالتي كورنثوس يكتشف أن بولس يعتبر نفسه أقل من سائر الرسل, ويظهر صراحة من كلامه أنه ليس إلهامياً, وكأمثلة نقتبس من الرسالتين بعض أقواله, جاء في 1كورنثوس 7: 10 ، 12 ، 25 وأما المتزوّجون فأوصيهم لا أنا بل الرب ,, وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب ,, وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ، ولكنني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً , وجاء في 2كورنثوس 11: 17 الذي أتكلم به لست أتكلم به حسب الرب، بل كأنه في غباوة , وجاء في 2كورنثوس 12: 11 قد صرتُ غبياً وأنتم ألزمتموني ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) قوله في 1كورنثوس 7: 10 المتزوّجون أوصيهم لا أنا بل الرب: أن لا تفارق المرأة رجلها , فالمؤمنون في كورنثوس استفهموا من الرسول عن مسألة انفصال أحد الزوجين، فأخبرهم أن المسيح حكم في هذه المسألة حكماً صريحاً (كما في متى 5: 32 و19: 3-9 ومرقس 10: 2-12 ولوقا 16: 18), فليس قصد الرسول أن يفرّق ويميّز بين ما علّمه المسيح بفمه وهو على الأرض، وبين ما ألهمه الروح القدس، بل قصد أن المسيح سبق فحكم في هذه المسألة، بحيث إذا زاد شيئاً كان تحصيل حاصل, ومقتضى أمر المسيح هو أنه لا يجوز للرجل أن يترك امرأته، ولا للمرأة أن تترك زوجها، فرباط الزيجة لا ينفك إلا بزنى أحد الزوجين, وقول الرسول بولس، لا يعني (كما ادّعى الكفرة) أن بولس كان لا يرى نفسه إلهامياً, وقد تقدمت الآيات الكثيرة التي قال فيها إن الله هو الذي كان ينطق عن لسانه وأوحى إليه أسرار المسيح,
(2) أما قوله في 1كورنثوس 7: 12 وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب: إن كان أخٌ له امرأة مؤمنة وهي ترضى أن تسكن معه فلا يتركها , فقوله أنا لا الرب معناه أن المسيح لم يتكلم في مسألة معاشرة المرأة الغير مؤمنة للمؤمن، ولم يُدوَّن شيء بخصوصها في الكتب الإلهية قبل الآن, أما في مسألة الطلاق التي تقدَّم ذكرها فحكم فيها المسيح،ودُّوِنت أحكامه في الأناجيل, أما مسألة: إذا كان أحد الزوجين غير مؤمن، فتكلم فيها الرسول بولس بصفة أنه من الرسل الذين لا يتكلمون إلا بإلهام الروح القدس، وبرهان ذلك قوله في آية 40 إن كلامه صادر عن روح الله، فلا يُعقل أنه يعارض نفسه بنفسه، بأن يقول إن كلامه وحي وغير وحي في آنٍ واحد, وقس على ذلك في آية 25 وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ، ولكنني أعطي رأياً كمن رحمه الرب: أن يكون أميناً , فقوله ليس عندي أمر من الرب يعني أنه لم يرد أمرٌ صريح في كتاب الله بخصوص هذه المسألة, ولكنه قال فيها كلام رجلٍ أمين افتداه المسيح برحمته ونعمته, أما قوله في آية 40 أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله فاللفظة اليونانية المترجمة أظن تفيد اليقين، إذ لا يجوز أن يكون مرتاباً في أن روح الله هو الذي كان ينطق على لسانه، فكيف يكون مرتاباً وهو يسنّ قوانين يسير بموجبها المؤمنون؟ وإنما قال بالظن وأراد اليقين، تواضعاً منه,
(3) أما قوله في 1كورنثوس 7: 25 : وأما العذارى فليس عندي أمرٌ من الرب فيهنّ، ولكني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً فقد ظن البعض أنه يفيد أن بولس ينكر أنه كتب هذا الفصل بالوحي, ولكن يجب أن لا ننسى أن الرسول ليس غرضه هنا أن يثبت أو ينفي كونه يتكلم بالوحي، فهذا لا يفيد أنه تكلم هنا غير مسوق بالوحي, فالوحي معناه أن الكاتب يتلقَّى إرشاداً من الله، أو كما يقول بطرس عن كتبة الأسفار إنهم كانوا مسوقين من الله (2بطرس 1: 21), ولا يخفى أن رسائل بولس تتضمن مواضيع شتى لم يُشِر إليها المسيح، وهذا مطابق لكلام المسيح نفسه (يوحنا 16: 12 و13) فرسائل بولس تضع أمامنا تعاليم الإنجيل الجوهرية الخاصة بالكنيسة، وتتضمن أيضاً كثيراً من الحوادث التاريخية، وتصوّر لنا عواطف الرسول نفسه وإحساساته, وتتضمن أيضاً إشارات مخصوصة وتحيات أخوية، كما وردت بها أيضاً نصائح طبية، وطلب خدمات خاصة, ولا يمكن أن يُقال إن كل ما كتبه بولس متساوٍ في أهميته روحياً, ولكن هذا لا ينفي أن كله لازم ومفيد لنا، وكله أيضاً موحى به من الله، وكانت مشيئته تعالى أن يكتب بولس كما كتب,
إن ما كتبه بولس في 1كورنثوس 7: 25 فكان رأيه الشخصي، ويصدق في الوقت نفسه أن يقال إن الروح القدس قد أوحى إليه أن يكتب بهذا الأسلوب عينه, وكانت مشيئة الله أن يعطي في هذه القضية المطروحة أمامنا تعليماً للكنيسة لا في صيغة الأمر، بل في أسلوب نصيحة على لسان الرسول لكنيسة كورنثوس، كمبدأ لمن شاء اتِّباعه, وعند قراءة 1كورنثوس 7 يجب أن نتذكر الضيق الذي كان واقعاً على تلك الكنيسة (انظر 1كورنثوس 4: 26) فلا نستغرب ورود كلام الروح القدس للكورنثيين في أسلوب النصيحة مع تركه الحرية لهم في تلك القضية بسبب ذلك الضيق, وعليه لا يمكن الّادعاء بأن تصريحات بولس في هذا الفصل تنفي أنه كان موحَى إليه في ما كتبه,
(4) أما قوله في 2كورنثوس 11: 17 الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة، في جسارة الافتخار هذه , فيعني أنه التزم أن يخرج عن مثال الرب الذي كان قدوةً كاملة في التواضع والوداعة، لتبرئة نفسه من افتراء أعدائه, ومع ذلك فكلامه ليس مخالفاً لمثال المسيح، لأنه لم تكن غايته الافتخار، بل غايته حميدة وهي تأييد الحق,
(5) أما قوله في 2كورنثوس 12: 11 فيقصد بولس أن الافتخار ليس من صفات العاقل الحليم, ولكن لما كانت الضرورات تبيح المحظورات، فقد افتخر بولس بنفسه، لأن بعض أعدائه في كورنثوس حاولوا صدّ المؤمنين عن الحق، فأخبرهم الرسول أن الله هو الذي أعلن له الوحي الإلهي، وأنه قاسى الضيقات والاضطهادات والشدائد حباً في المسيح، وأنه صنع بينهم آيات وعجائب وقوات، وأنه رسول, وقال لهم في آية 6 إن أردتُ أن أفتخر لا أكون غبياً لأن المقصود دحض افتراء المفترين وتثبيت المؤمنين في الحق, فكيف لا يرى نفسه إلهامياً في كل وقت، وهو يقول: إني فعلتُ الآيات والمعجزات ولست أقل من أعظم الرسل ؟
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1كورنثوس 2: 9 بل كما هو مكتوب: ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه , وهي منقولة على تحقيق مفسّريهم من إشعياء 64: 4 ومنذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا, لم تر عينٌ إلهاً غيرك يصنع لمن ينتظره , ونسب مفسروهم هذا التحريف إلى إشعياء ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم ينسب مفسّر هذا التحريف إلى إشعياء، وإنما قالوا إن الرسول بولس اقتبس من إشعياء بالمعنى, والاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول ومُباح ومردود, فالأول ما كان في الخُطب والمواعظ والعهود, والثاني ما كان في القول والرسائل والقصص, والثالث على نوعين: أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه، والآخر تَضْمين آية في معنى هزل,
فإذا سمحوا للأدباء أن يقتبسوا بالمعنى، أفلا يجوز للأنبياء الكرام أن يستشهدوا بأقوال بعضهم بعضاً، وهم أعرف من غيرهم بمعاني أقوال الوحي؟
اعتراض على 1كورنثوس 6: 2 و3
انظر تعليقنا على يوحنا 5: 22 و27
قال المعترض الغير مؤمن: يقول 1كورنثوس 6: 10 إن سكيرين لا يرثونملكوت الله، ولكن بولس ينصح تلميذه تيموثاوس (1تيموثاوس 5: 23) أن يشرب خمراً, أليس هذا تناقضاً؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على 1 تيموثاوس 5: 23,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 1كورنثوس 6: 12 كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق, كل الأشياء تحل لي، لكن لا يتسلّط عليّ شيء وهذا يعني أن كل شيء مباح ما دام يرضي الضمير ,
وللرد نقول بنعمة الله : نرجو أن نضيف إلى هذه آيةً تقول: كل الأشياء تحلّ لي، ولكن ليس كل الأشياء تبني (1كورنثوس 10: 23),
وهذه القواعد الثلاث تشترك في أساسها وهو أن المسيحي حرّ، ما دام في المسيح، وما دام الروح القدس فيه، وكل الأشياء طاهرة له (رومية 14: 20) على شرط أن نمتنع عما يضرّنا أو يضرّ غيرنا، وعلى شرط أن لا نصبح عبيداً تتسلَّط علينا طبيعتنا الجسدية أو عاداتنا أو شهواتنا، وعلى شرط أن نمارس فقط ما يبني حياتنا وحياة غيرنا الروحية والنفسية والعاطفية والاجتماعية والجسدية,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 1كورنثوس 7: 8 ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا , ومعروف أن بولس الرسول لم يكن متزوجاً, فكيف نوفّق بين رأي بولس الرسول وأوامر الرب بالزواج في التكوين 2: 18 , ثم أن كلمات بولس في 1كورنثوس 7: 10 تعطي انطباعاً أنه يوافق على الطلاق ,
وللرد نقول بنعمة الله : من المؤسف أن هذا الأصحاح أُسئ تفسيره، حتى قال البعض إن بولس ضد الزواج وإنه يحتقر المرأة, وهذا ليس صحيحاً، فإنه ذكر أن الذين يمتنعون عن الزواج هم شياطين (1تيموثاوس 4: 1-3), ولكن يجب أن نذكر أن الرسول كتب هذا الأصحاح ليجاوب أسئلة محدَّدة عن حالة خاصة في كورنثوس، ولم يكن يكتب عن الزواج عموماً (راجع آية 26 مثلًا), وليس معنى هذا أن كل ما قاله الرسول هنا مُلزِمٌ لكل موقف في كل مكان في كل زمن, والرسول يبدأ الأصحاح بقوله: أما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها، فحسنٌ للرجل أن لا يمسّ امرأة ولم يقل يجب أن الرجل , وهو يسرع بالقول: ولكن بسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها ,
والرسول يقول إنه نظراً للاضطهادات الشديدة الواقعة على المؤمنين فيمكن أن لا يتزوّجوا، ولو أن لكل إنسان حق الزواج، وأن شريعة الزواج تقيّد كلًّا من الرجل والمرأة حتى لا يحقّ لأحدهما أن ينفصل عن الثاني إلا انفصالًا مؤقتاً (آيات 1-5), وقد أوضح الرسول أن ما يقوله عن الزواج هو نصيحة وليس أمراً (آيات 6-9) وأن الطلاق محرَّم (آيتا 10 و11) وأنه إن كان أحد الزوجين مؤمناً والآخر غير مؤمن، ورضي غير المؤمن أن يبقى مع شريكه المؤمن فلا يجوز الانفصال, ولكن إن رفض الطرف غير المؤمن استمرار الزواج، فإن الطرف المؤمن يمكن أن يتزوج (آيات 12-15), ويوصي الرسول المؤمنين بالامتناع عن الانفصال وبتحاشي أسبابه، لأن الإنجيل يدعونا للسلام، ولا يدعونا لتغيير الحالة الاجتماعية التي وجدنا أنفسنا عليها, والرسول هنا لا يحكم بضرورة الختان أو الغُرلة أو الحرية أو العبودية، لكنه يريدنا أن ننتبه إلى ما يجب علينا من نحو الله, وعلى هذا فلْيبْقَ كل مؤمن في الحالة الاجتماعية التي وجد نفسه فيها (آيات 16-24),
ويطالب الرسول المؤمنين أن يبقوا بدون زواج بسبب الاضطهاد والضيق، ولكن الرجل الذي يزوِّج عذراءه (ابنته أو الفتاة التي يتولى أمرها) لأنه وجد أنها تكبر في العمر فإنه لا يرتكب خطأ، فليزوِّجْها، أما من لا يرى اضطراراً لتزويجها فيمكنه أن يُبقيها في بيته (آيات 25-35), على أن الزواج يجب أن يكون في الرب فقط، فالأطفال سيتبعون مثال آبائهم الذين يجب أن يكونوا مؤمنين (آيات 36-40),
ومن هذا العرض السريع نرى أن الرسول بولس ليس ضد الزواج، وليس في صفّ الطلاق، لكنه ينصح أن تبقى الزوجة المؤمنة مع زوجها غير المؤمن إن رضي هو بذلك من أجل سلامة الأسرة وتربية الأولاد, ولم يُلْقِ إرهاقاً على من يتركه شريكه، إذ أن له أن يتزوج أيضاً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 1كورنثوس 7: 14 لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة، والمرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل, وإلا فأولادكم نجسون, وأما الآن فهم مقدسون ولكن جاء في أفسس 2: 3 الذين نحن أيضاً جميعاً تصرَّفنا قبلًا بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكنّا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً ,
فالتعليم الوارد في أفسس 2: 3 أن كل الناس خطاة بالطبيعة، وهو ما يعلّمه الكتاب بجملته (قابل مزمور 51: 5 وتكوين 8: 21 ويوحنا 3: 6), فما هو إذاً معنى قول بولس في 1كورنثوس 7: 14 أن أولاد المؤمن أو المؤمنة مقدَّسون؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : بولس في هذا الفصل لا يتكلم على الحالة الشخصية للأولاد، بل على العلاقة أو الرابطة الكائنة بينهم ووالديهم, فيقول: الرجل غير المؤمن مقدَّس في المرأة , ولا يمكن أن يفهم عاقل من هذه العبارة أن غير المؤمن إذا كانت لهامرأة مؤمنة يصبح قديساً, ولكن المعنى المقصود هو أن اختلاط الزوجة المؤمنة بالرجل غير المؤمن ليس نجساً, على أن غير المؤمن هو في ذاته نجس أمام الله, ولكن هذه الحقيقة لا تؤدي إلى فك أو ملاشاة الروابط العائلية, فكل ما يمارسه المؤمن بحسب مشيئة الله وفي نور قداسته تعالى هو مقدس (قارن 1تيموثاوس 4: 4 و5),
فيتضح جلياً أن كلام بولس في هذا الفصل عن أولاد المؤمنين معناه أنهم مقدسون لوالديهم، ولو كان أحد الوالدين غير مؤمن, وعلينا أن نتذكر أن هذه القضية كانت مهمة جداً في ذلك العصر، فعند بداية الكرازة بالإنجيل كان يحدث أن تقبل الإيمان امرأة ويظل زوجها وثنياً، أو يؤمن الزوج وتبقى المرأة وثنية, وهذا أدّى إلى البحث في هذه القضية,
ولم يقصد الرسول في هذا الأصحاح أن يبرر تزوُّج المؤمنين بغير المؤمنات وبالعكس, بل يجب أن يتزوج المؤمن بمؤمنة (انظر 1كورنثوس 7: 39), ولكن الكلام هنا هو عن زواجٍ تمّ قبل الإيمان، ولذا قال لهم إن هذه الرابطة الزوجية لا تنجّسهم أمام الله، كما أن أولادهم أيضاً لم يكونوا نجسين بسبب ذلك الزواج, وعليه فالقرينة تثبت أن كلام بولس في 1كورنثوس 7: 14 لا ينفي هذه الحقيقة الراهنة أن كل البشر بحسب الطبيعة خطاة مولودون بالإثم,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 1كورنثوس 9: 20 و21 صرت لليهودي كيهودي لأربح اليهود، وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس، مع أني لست بلا ناموس، بل تحت ناموس المسيح، لأربح الذين بلا ناموس (1كورنثوس 9: 20 و21), ما هذا الكلام؟ أليس هذا هو اللف والدوران وعدم الثبوت على المبدأ؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : الذي عمله الرسول أنه أنكر نفسه واستعبدها للجميع ليربح الجميع، فجمع كل أنواع الحِلْم والتنازل عن العَرَضيات، لا الأساسيات، دون أن ينافي ضميره، بقصد عدم إغاظة سامعيه بدون داعٍ وبدون اضطرار, وافق بولسُ الناسَ على ذوقهم وعاداتهم في كل الأمور الجائزة حتى لا يهيّج غضبهم وتعصّبهم، ليرشدهم إلى الخلاص بالمسيح, راجع ما عمله لليهود الذين تحت الناموس، تجد أنه ختن تيموثاوس (أعمال 16: 3) وأخذ عهد النذير (أعمال 21: 21-27) ودعا نفسه فريسياً (أعمال 23: 1-6) وحكم عليهم باللطف ودعاهم للتوبة (أعمال 17: 28-31), وقد دافع عن عدم مطالبتهم بحفظ ناموس موسى (غلاطية 2: 12) وقال إن ناموس الله مكتوب على قلوب الوثنيين (رومية 2: 14 و15), أما للضعفاء فقد صار كضعيف, وعظ الكلام البسيط، وقدَّم اللبن لا الطعام الدسم (1كورنثوس 3: 2), وقصده أن يخلِّص على كل حال قوماً (آية 22),
فهل هذا لفٌّ ودوران؟ هذه هي الحكمة التي طالبنا المسيح بها حين أرسلنا مثل حملان وسط ذئاب، فلنكن حكماء كالحيات مع الاحتفاظ ببساطة الحمام (متى 10: 16), والحيات مشهورة بشدة احتراسها من الخطر، فعلى التلاميذ أن يماثلوها بالاحتراس وليس بالخبث, أما الحمام فإنه مشهور بالوداعة وعدم الإيذاء,
والمسيح نموذج في ذلك, كان حكيماً في إجابة أسئلة الفريسيين (متى 22: 15-46) وكان وديعاً وداعة الحمام وقت محاكمته (متى 26: 63 و64),
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1كورنثوس 10: 8 ولا نَزْنِ كما زنى أناسٌ منهم فسقط في يوم واحد 23 ألفاً ولكن ورد في سفر العدد 25: 9 وكان الذين ماتوا بالوباء 24 ألفاً ففيهما اختلاف بمقدار ألف ,
وللرد نقول بنعمة الله : تكلم الرسول على الذين سقطوا في يوم واحد، وقال: فسقط في يوم واحد 23 ألفاً , وفي سفر العدد ذكر مجموع الذين هلكوا بسبب خطاياهم في أكثر من يوم واحد, ولو قال سفر العدد إنه مات في يوم واحد 24 ألفاً، لحصل التناقض، ولكنه بعد أن ذكر ما كان من خطايا بني إسرائيل، وغضب الله عليهم، قال ومات 24 ألفاً , إذاً لا يوجد تناقض لاختلاف الزمان,
اعتراض على 1كورنثوس 10: 11
انظر تعليقنا على فيلبي 4: 5
اعتراض على 1كورنثوس 10: 13
انظر تعليقنا على أمثال 16: 4
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1كورنثوس 10: 28 ولكن إن قال لكم أحد: هذا مذبوح لوثن، فلا تأكلوا من أجل ذاك الذي أعلمكم، والضمير، لأن للرب الأرض وملأها , فقوله لأن للرب الأرض وملأها هي إلحاقية وأسقطها كريسباخ ,
وللرد نقول بنعمة الله : لما رأى كريسباخ ومن حذا حذوه أن هذه الآية مذكورة في آية 26 بنصّها، ذهب إلى أنها زائدة, وهي ليست زائدة بل مكررة فقط، لأنها موجودة قبل هذه العبارة بآيتين ثم أنها مقتبسة من سفر التثنية 10: 14 ومن مزمور 24: 1,
اعتراض على 1كورنثوس 15: 20-23
انظر تعليقنا على أعمال 26: 23
اعتراض على 1كورنثوس 15: 24
انظر تعليقنا على مزمور 145: 13
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 1كورنثوس 15: 28 عن المسيح إنه سيَخْضَع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل , وهذا يعني أن المسيح أدنى مرتبة من الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح كابن الإنسان هو الوسيط بين الله والعالم، ولذلك قام ويقوم وسيقوم بجميع الأعمال التي تتطلب الوساطة بين الله والعالم, وعندما ينتهي العالم، وتنتهي تبعاً لذلك جميع الأعمال التي تتطلب الوساطة، لا يبقى للوساطة مجال بعد، ولذلك يتخلّى المسيح حينئذ عنها، ويتبوّأ فقط مركزه الأزلي الذي كان يشغله بالنسبة إلى اللاهوت قبل خلق العالم، وبذلك يكونالله (أو اللاهوت) هو الكل في الكل، أي دون أن يكون في الوجود بعد خلائق تخالف مشيئته، وتحتاج إلى قيام أقنوم الابن بدور الوساطة فيشفع فيها أو يكفّر عنها, ومن هذا يتضح لنا أن خضوع الابن في نهاية الدهور سيكون فقط بوصفه ابن الإنسان الوسيط بين اللاهوت والعالم, أما بوصفه الابن الأزلي، فهو والآب واحد، والكرامة التي تليق بالآب هي بعينها التي تليق به, ومما يثبت صحة ذلك أن الآية لا تقول: كي يكون الآب الكل في الكل بل تقول: كي يكون الله الكل في الكل مما يدل على أنه لا فرق بين أقنوم وآخر في اللاهوت على الإطلاق,
اعتراض على 1كورنثوس 15: 36
انظر تعليقنا على متى 5: 22
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1كورنثوس 15: 51 و52 هوذا سرٌّ أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغيّر، في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير, فإنه سيُبوَّق فيُقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير , وهذه الأقوال كلها محمولة على ظاهرها غير مؤوّلة، وتكون غلطاً ,
وللرد نقول بنعمة الله : أوضح الرسول بولس في هاتين الآيتين أن الله يقيم الموتى في طرفة عين بقدرته العجيبة، وأن أجساد المؤمنين تتغيّر، بمعنى أنها لا تقبل فساداً ولا انحلالاً، وأن المسيح يأتي قبل القيامة,
فهذه كلها حقائق مهمة مؤيدة بالأدلة العقلية والنقلية، وهي مجيء المسيح وقيامة الأموات والدينونة, ولا يعتبر هذه الحقائق غلطاً إلا منكر البعث والنشور,
3 - شبهات شيطانية حول رسالة غلاطية
اعتراض على غلاطية 2: 11
انظر تعليقنا على أعمال 11: 2 و3 وأعمال 15
اعتراض على غلاطية 2: 16
انظر تعليقنا على مزمور 19: 7
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في غلاطية 2: 20 و21 فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي, لست أُبطل نعمة الله، لأنه إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذاً مات بلا سبب , وورد في غلاطية 3: 10 لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب: ملعونٌ كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به , وورد في غلاطية 3: 23 - 25 ولكن قبلما جاء الإيمان كنّا محروسين تحت الناموس، مُغلقاً علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلن, إذاً قد كان الناموس مؤدِّبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان, ولكن بَعْد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدِّبٍ , وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : من القضايا البديهية أنه لا يمكن لأحد أن يحفظ الناموس تماماً، فإن ذلك مستحيل, فمعنى القتل في قوله: لا تقتل ليس استعمال الآلة الحادة التي يقتل بها الإنسان قريبه فقط، بل معناه أيضاً عموم الغضب، لأن الغضب يؤدي إلى القتل, ومن تعدى على أخيه بأن أساء لسمعته أو قطع معاشه أو غضب عليه كان بمنزلة القاتل, وقِسْ على ذلك باقي وصايا الله, فحوادث الدنيا اليومية وتواريخ العالم القديمة والحديثة ناطقة بأنه لم يخْلُ أحدٌ من الخطية, وحكم الله في كتابه أنه ملعون كل من لم يحفظ الناموس، وكل نفس تخطئ موتاً تموت, ومقتضى هذا الحكم أن كل الناس محكوم عليهم بالموت الأبدي في جهنم النار، بلا استثناء, غير أن الله تفضَّل ووضع طريقة بها يتبرر الخاطئ ويكون الله مع ذلك باراً، هي الإيمان بالرب يسوع المسيح الفادي الكريم, وقد كانت الذبائح في العهد القديم تشير إلى ذلك، فكان الناموس مؤدِّبنا (أي معلمنا) أن الخلاص بالفداء, فلو كان يمكن الخلاص بالأعمال لما لزم الحال إلى موت الفادي الكريم, فطريقة الخلاص هي رسالة الله في الكتاب المقدس، وهي الفداء بسفك دم المسيح, فالرسل والأنبياء خلصوا بالإيمان بالفادي الكريم، وكان بنو إسرائيل يقدمون الذبائح إشارة إلى ذلك,
اعتراض على غلاطية 3: 1
انظر تعليقنا على متى 5: : 22
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في غلاطية 4: 4 أن الله أرسل ابنه مولوداً من امرأة، فهل تتفق ولادة الله من امرأة مع قداسته؟
وللرد نقول بنعمة الله : خلق الله المرأة كما خلق الرجل، وبما أن الله طاهر ولا يصدر عن الطاهر إلا كل طهارة، إذاً فلا نجاسة في المرأة أو الرجل من حيث تكوينهما الجسدي الذي خلقهما الله عليه, فضلًا عن ذلك، فإن الله كان قد تدخّل بصفة خاصة في ولادة المسيح من العذراء، فقد حلَّ عليها بروحه وظلّلها بقوته (لوقا 1: 35) فلا مكان لهذا الاعتراض,
اعتراض على غلاطية 4: 10 و11
انظر تعليقنا على متى 5: 17-19
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في غلاطية 4: 24 لأن هاتين هما العهدان: أحدهما من جبل سيناء، الوالد للعبودية وهذا يعني أن الناموس الموسوي ناموس عبودية, لكن جاء في يعقوب 1: 25 إنه ناموس الحرية ,
وللرد نقول بنعمة الله : ناموس الحرية في رسالة يعقوب هو ناموس المسيح وشريعة الموعظة على الجبل، لأنه يمنحنا الولادة الجديدة التي تسهّل علينا الطاعة, أما ناموس موسى فقد قال عنه الرسول بطرس إنه نير لم يستطع آباؤنا أن نحمله (أعمال 15: 10),
اعتراض على غلاطية 5: 3 - 6
انظر تعليقنا على أعمال 15: 1 - 5
قال المعترض الغير مؤمن: جاء فيغلاطية 6: 2 احملوا بعضكم أثقال بعض لكنه يمضي فيقول في آية 5 كل واحد سيحمل حمل نفسه ,
وللرد نقول بنعمة الله : واضح جداً أن غلاطية 6: 2 تعني أن يكون المؤمنون متحابّين متعاونين، يساعدون بعضهم بعضاً وقت الضيق، بينما تعني الآية الثانية أن كل مؤمن مسئول عن عمله أمام الله، وسيعطي حساباً لله عن نفسه,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في غلاطية 6: 7 إن الله لا يُشمخ عليه، لكن في لوقا 22: 63 نجد أن المسيح شُمخ عليه, وهذا يعني أنه ليس الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : الفعلان الواردان في الاقتباسين فعلان مختلفان، ولهما معنيان مختلفان، فالفعل في غلاطية هو الشموخ، أما في لوقا فهو الاستهزاء,
والمعنى في الآيتين يكمل أحدهما الآخر, فقد يشمخ إنسان على الله، فيلقى جزاءه الرادع، فإن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً, قد يجدف إنسان على الله ويكفر به، فيعاقبه الله, قال الجاهل في قلبه: ليس إله (مزمور 14: 1) الساكن في السماء يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه (مزمور 2: 5),
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في غلاطية 6: 10 فإذاً حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان , ولكن هذا يناقضه ما جاء في رسالة يوحنا الثانية 10 و11 إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام, لأن من يسلِّم عليه يشترك في أعماله الشريرة ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يمكن اتهام بولس ويوحنا بالتناقض في هذين الفصلين، فبولس يحثّ المؤمنين على الإحسان إلى الجميع، بينما يوحنا يحذّرهم من أن يقبلوا في بيوتهم أو يسلِّموا على من لا يعلّم تعليم المسيح, فقد يظن البعض أن بولس محبّ وصفوح وأن يوحنا قاسي القلب وحقود, غير أن الرسولين يتكلمان هنا عن قضيتين مختلفتين, فبولس يقصد في كلامه الإحسان إلى من كان محتاجاً, أما يوحنا فيقصد الموقف الذي يجب أن يتَّخذه المؤمن من المعلمين الكذبة,
ولكي يسهل علينا فهم غرض يوحنا يجب أن نتذكر أنه كان في ذلك العصر معلّمون كذبة كثيرون يزعجون الكنيسة، وكان سعيهم أن يُدخِلوا فيها هرطقات كثيرة عن شخص الرب, فهل كان يحق لمن يؤمن بألوهية المسيح أن يجعل بيته مقرّاً لمن كان غرضه هدم هذا التعليم الجوهري الثمين؟ كلا، بل من كان صادقاً ومخلصاً ومحباً للمسيح لا يمكنه أن يؤيّد الذي ينشر تعاليم مضلَّة عن شخص الرب, فهل يمكنك أن تطلب بركة الرب على من يقاوم الحق وينصر الباطل؟ كلَّا، بل من فعل هذا كان هو نفسه منكراً للحق ومقاوماً له,
ولا يفوتنا أن يوحنا كان معروفاً بكونه رسول المحبة، ولذا لا يخطر على بالنا مطلقاً أنه كان يقصد إيقاع الأذى بأولئك المعلمين الكذبة أو منع إغاثتهم إذا كانوا متضايقين أو معتازين، ولكنه يحذّر قرّاء رسالته بكل شدة من الاشتراك في شر أولئك المضلين الكذبة, ولذا أوصاهم أن لا يقبلوهم في بيوتهم لئلا يشتركوا معهم في ضلالهم, وبالإجمال المبدأ المؤسس على هذين الفصلين هو هذا أحبّوا الجميع حتى الأعداء، ولكن لا تشتركوا معهم في الشر، ولا تؤيّدوهم في نشر الضلال ,
اعتراض على غلاطية 6: 15
انظر تعليقنا على أعمال 15: 1 - 5
4 - شبهات شيطانية حول رسالة أفسس
اعتراض على أفسس 2: 3
انظر تعليقنا على 1كورنثوس 7: 14
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أفسس 2: 15 و20 ونقض العداوة، مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً ,,, مبنيّين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية , ولكن ورد في عبرانيين 7: 12 لأنه إن تغيَّر الكهنوت، فبالضرورة يصير تغيُّرٌ للناموس أيضاً , فالشريعة رُفعت قطعاً بالنسبة لأحكام الذبائح والطهارة, وورد في عبرانيين 8: 7 ، 13 فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضعٌ لثانٍ ,,, فإذْ قال جديداً عتَّق الأول, وأما ما عَتَق وشاخ فهو قريبٌ من الاضمحلال , وورد في عبرانيين 10: 9 و10 ثم قال: هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله, ينزع الأول لكي يثبّت الثاني, فبهذه المشيئة نحن مقدَّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرةً واحدة ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال المسيح (له المجد) في إنجيل متى 5: 17 و18 لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل, فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل , فالمسيح أتى وكمل وقدم نفسه ذبيحة عن خطايانا، ونقض العداوة التي كانت بين الخاطئ وبين خالقه، ووفى حق العدل الإلهي بدمه, وكانت الذبائح والملكوت ترمز إليه, وبما أن المرموز إليه أتى، تمَّ الغرض المقصود من الرموز، فكانت هذه الرموز بمنزلة نبوات محسوسة عن المسيح، وتمّت هذه النبوات,
ولم تكن هذه الذبائح كافية في حد ذاتها للخلاص إلا بالنظر إلى إشارتها للمسيح، فكانت ضعيفة في حدّ ذاتها قوية بالنظر إلى المسيح, ولو كانت كافية لما أتى المسيح، وكانت ممهِّدةً لمجيء المسيح, وقد أعدت هذه الذبائح والكهنوت والفرائض الطقسية عقول بني إسرائيل لقبول المسيح، فأفهمتهم أن الخلاص هو بسفك الدم، وأن هذه الذبائح تشير إلى ذبيحة الفادي الكريم,
لقد هيّأ الله بني إسرائيل بالذبائح والفرائض الطقسية لقبول المسيح وملكوته، وهذا هو معنى قول الرسول إن الناموس هو مؤدِّبنا إلى المسيح (غلاطية 3: 24), يعني أن الناموس هيّأهم وعلّمهم نحو 1500 سنة أن الخلاص بسفك الدم، وأن دم المسيح يطهر من كل خطية,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في أفسس 2: 19 فلستم بعد غرباء ونزلًا، بل رعيّة مع القديسين وأهل بيت الله , ولكن جاء في عبرانيين 11: 13 أن المؤمنين أقرّوا أنهم غرباء ونزلاء على الأرض، كما جاء في 1بطرس 2: 11 أننا غرباء ونزلاء ,
وللرد نقول بنعمة الله : المؤمنون بالنسبة للعالم الحاضر غرباء ونزلاء، فالأرض ليست مقامهم الدائم, إنهم مجرد عابرين, أما مقامهم الروحي وسط عائلة الإيمان فهو دائم ومستمر, لقد تبنَّاهم الآب السماوي في المسيح، وأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه (يوحنا 1: 12),
اعتراض على أفسس 6: 2 و3
انظر تعليقنا على مزمور 102: 24
5 - شبهات شيطانية حول رسالة فيلبي
اعتراض على فيلبي 2: 6
انظر تعليقنا على يوحنا 14: 28
اعتراض على فيلبي 3: 11 و12
انظر تعليقنا على متى 5: 48
اعتراض على فيلبي 3: 15
انظر تعليقنا على متى 5: 48
اعتراض على فيلبي 4: 4
انظر تعليقنا على متى 5: 9
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في فيلبي 4: 5 الرب قريب وورد في 1كورنثوس 10: 11 فهذه الأمور جميعاً أصابتهم مثالاً، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور , وهذا تناقض
وللرد نقول بنعمة الله : معنى قوله الرب قريب هو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم، واطلاعه على أحوالهم لقرب مكانه منهم، وهو كناية أيضاً عن أنه القاضي الديان,
أما القول: انتهت إلينا أواخر الدهور فمعناه أننا أواخر بالنسبة إلى الأمة الإسرائيلية، وقد كُتب تاريخهم وما حصل لهم انذاراً لنا لنتمسَّك بالحق,
6 - شبهات شيطانية حول رسالة كولوسي
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في كولوسي 1: 15 أن المسيح بكر كل خليقة وهذا يعني أن المسيح مخلوق، وهو أول من خُلق ,
وللرد نقول بنعمة الله : نورد الآية التالية: مكتوب عن المسيح أنه بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلق الكل، ما في السماوات وما على الأرض (كولوسي 1: 15 و16), ومن هذا يتضح أن المسيح لم يُدْعَ بكر كل خليقة لأنه أول شخص خلقه الله، كما يقول المعترض بل لأن كل الخليقة خُلقت فيه, وكلمة بكر هنا لا تُستعمل بالمعنى الحرفي، بل بالمعنى المجازي, والمعنى المجازي للبكورية هو الرياسة أو الأفضلية والأولوية, فقد وردت كلمة بكر في الكتاب المقدس بمعنى رئيس أو أول , لأن الناموس قد جرى على أن تكون الرياسة للبكر, فقد قال الله عن داود النبي: وأنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض (مزمور 89: 27) مع أن داود كان الابن الثامن لأبيه، وكان بالنسبة إلى الملوك المعاصرين له من أصغرهم سناً, فضلًا عن ذلك فإن كلمة بكر هذه استُعملت في موضع آخر عن المسيح نفسه، بمعنى رئيس, فقد قال الله عنه: ليكون بكراً بين إخوة كثيرين (رومية 8: 29), ويُقصد بالإخوة هنا المؤمنون الحقيقيون بالمسيح، ويُعتبر المسيح بكراً بينهم أو رئيساً لهم، بوصفه ابن الإنسان الذي مجَّد الله على الأرض وتمم مشيئته، مثالًا لما يجب أن يعملوه, ويُعتبَرون هم إخوته، بوصفهم قد آمنوا به إيماناً حقيقياً والتصقوا به التصاقاً روحياً، وعقدوا النية على السير وراءه,
ولذلك لا غرابة إذا كان المسيح قد دُعي بكر كل خليقة بمعنى أنه رئيسها وسيدها، لأنه هو الذي أبدعها وأنشأها, واليهود أيضاً يعرفون أن البكورية تعني الرياسة أو السيادة، وأنها عندما تُسند إلى الله يُراد بها السيادة المطلقة والرياسة العامة, فقد ورد في التلمود اليهودي: الله القدوس يُدعى بكر العالم، للدلالة على سلطته على كل الكائنات , فإذا أضفنا إلى ذلك كلمة بكر عندما يُشار بها إلى المسيح، لا تسبقها البتة كلمة ابن فلا يُقال عنه أبداً الابن البكر وأنه لا يشار البتة إلى المسيح كمخلوق أو منبثق من الله، لا يبقى مجال للشك في أن المراد ببكورية المسيح، ليس ولادته قبل غيره، بل رياسته وسيادته,
اعتراض على كولوسي 1: 18
انظر تعليقنا على أعمال 26: 23
قال المعترض الغير مؤمن: كان تعظيم السبت حكماً أبدياً في شريعة موسى، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل, ومن عمل فيه عملاً يُقتل, وتكرر هذا الحكم في العهد القديم في مواضع كثيرة (تكوين 2: 3 وخروج 20: 8-11 و34: 31 و19: 3 ولاويين 23 وتثنية 5: 12-15 وإرميا 17 وإشعياء 56 و58 ونحميا 9 وحزقيال 20), وكاد اليهود يرجمون المسيح لعدم تعظيم السبت (يوحنا 5: 16 و9: 16) ولكن الرسول بولس نسخ هذه الأحكام في رسالته إلى كولوسي 2: 16 و17 حيث يقول: فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة, أما الجسد فللمسيح ,
وللرد نقول بنعمة الله : لما خلق الله آدم أفرز يوماً من كل سبعة أيام لعبادته والتأمل في مراحمه، والراحة من أشغال هذه الدنيا، والقيام بأعمال الرحمة, فالله يطلب من الإنسان سُبْع وقته, ومعنى السبت الراحة, فمعنى الوصية السابعة هو أن نعطي سُبْع وقتنا لله, فلم يقل اذكر اليوم السابع لتقدسه بل قال اذكر يوم السبت لتقدسه , وكذلك لم يقل الكتاب إن الرب بارك اليوم السابع، بل قال إن الرب بارك يوم السبت وقدسه, فاليوم الذي خصصه الله لعبادته يُسمى يوم السبت ومعناه الراحة , ويسمى السبت المقدس لأنه مخصّص لعبادته, ومما يدل على أن معنى السبت هو الراحة أن الله أمر بأن تَسْبُت الأرض أي ترتاح (لاويين 25: 2-7) فكان اليهودي يزرع أرضه ويستغلها، وأما السنة السابعة فتكون للأرض سبت عطلة للرب، يتمتع بها العبيد والفقراء فيستغلّونها, وفي لاويين 26: 34 تَسْبِت الأرض وتستوفي سبوتها , فالكتاب المقدس ناطق بأن السبت هو الراحة، وقد تخصص يوم السبت هذا بيوم قيامة المسيح من بين الأموات، لأن قيامة المسيح هي أعظم حادثة فيها تمّ الفداء العظيم,
والحقيقة هي أن الأعمال الضرورية جائزة بل واجبة في السبت، ولاسيما أعمال الرحمة, وقد علَّم المسيح وجوب أعمال الرحمة، فقال: أي إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف؟ إذاً يحل فعل الخير في السبوت , ثم شفى الإنسان الذي يده يابسة (متى 12: 10-13) وكثيراً ما عمل المسيح المعجزات يوم السبت، لأن غاية السبت هي عمل الخير,
وينتج من هذا أن المسيح ورسله لم ينسخوا السبت, غاية الأمر أنه بعد قيامة المسيح تخصص يوم السبت بأول يوم من الأسبوع, وما زال المسيحيون يسمّون يوم الأحد بيوم الراحة, غير أنهم يخصّصونه بكلمة المسيحي فيقولون السبت المسيحي ,
أما قول الرسول: فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت فكان قد ظهر أناسٌ في عصر الرسول تمسّكوا بالقشور وتركوا جوهر الدين، ظانين أن الدين يقوم بالأكل والشرب، أو المحافظة على الطقوس الخارجية، وتركوا الرحمة والحق والمحبة والإيمان, فأوضح لهم الرسول هذه الحقائق, ولم يقل الرسول يوم السبت بل قال سبت يعني أيام البطالة التي يبتدعها أصحاب البدع, أما يوم السبت فهو باق,
7 - شبهات شيطانية حول رسالتي تسالونيكي
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1تسالونيكي 4: 15-17 فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتافٍ، بصوت رئيس ملائكةٍ، وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً, ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب , وهذه آيات غير مفهومة ,
وللرد نقول بنعمة الله : المراد من هذه الآيات هو مجيء المسيح للدينونة, والحاصل أن المسيح:
(1) ينزل بقوته وعظمته ومجده إلى عالمنا هذا,
(2) يأمر بقيامة الأموات,
(3) يكرر رئيس الملائكة هذا الأمر بأن يأمر الأموات بالقيام للدينونة,
(4) متى قام الأموات في المسيح يهتف بالبوق علامة اجتماع الجميع حول عرش المسيح, ولا يخفى أنه ورد في التوراة أنه متى أراد بنو اسرائيل حشد الجماهير كانوا يهتفون بالبوق، فاستُعير ذلك لليوم الأخير,
(5) متى أُقيم الأموات في المسيح تتغير أجسادهم الفاسدة وتصير مثل جسد المسيح المجيد,
(6) الذين يكونون على قيد الحياة تتغيّر أجسادهم وتصير غير قابلة للفناء,
(7) الذين يجدهم على قيد الحياة يُخْطَفون مع الذين يُبعثون من الموت لملاقاة الرب في الهواء,
(8) تُفتح الأسفار وتتم الدينونة,
(9) فمن وُجد مؤمناً، وكانت ثيابه مغتسلة وبيضاء بدم المسيح، ُدخل النعيم الدائم، وكان مع الرب إلى الأبد,
وقد اعترض المستر جبون الكافر على قول بولس: نحن الأحياء الباقين فتوهَّم أن الرسول أراد بذلك أن تكون الدينونة في عصره، وهو من الأوهام الغريبة، مع أن غاية الرسول أن يبيّن أن الدينونة هي حق، وأنه متى حصلت كان لا بد أن يوجد مؤمنون على قيد الحياة، فعبّر بلفظة نحن للدلالة عليهم، وإشارة إلى أن الجميع إخوة, وقد ورد مثل هذا التعبير في تثنية 29: 29 ويوحنا 6: 34,
اعتراض على 1تسالونيكي 5: 17
انظر تعليقنا على متى 6: 7 و8
اعتراض على 2تسالونيكي 2: 8
انظر تعليقنا على لوقا 9: 54-56
اعتراض على 2تسالونيكي 2: 9
انظر تعليقنا على متى 24: 24
اعتراض على 2 تسالونيكي 2: 11 و12
انظر تعليقنا علىالتثنية 2: 3 و4 و 1تيموثاوس 2: 3 و4
اعتراض على 2تسالونيكي 3: 12
انظر تعليقنا على متى 6: 31-34
8 - شبهات شيطانية حول رسالتي تيموثاوس ورسالة تيطس
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1تيموثاوس 2: 3 و4 مخلِّصنا الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون ولكن ورد في 2تسالونيكي 2: 11 و12 ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سُرُّوا بالإثم , فيُعلَم من الأول أن الله يريد أن يخلص جميع الناس، ومن الثاني أن الله يرسل إليهم عمل الضلال فيصدقون الكذب ثم يعاقبهم عليه ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان الواجب على المعترض أن يذكر أيضاً 2تسالونيكي 2: 10 لتُظهر المعنى، ونصها: لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا، ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال , فمن حقائق المسيحية أن الله يود أن جميع الناس يقبلون الحق وتستنير أذهانهم، ولهذه الغاية أرسل الأنبياء والرسل لهداية الناس إلى الحق، فمن أصرّ على العناد أسلمه لقساوة قلبه, وقد أرسل موسى إلى فرعون المرة بعد الأخرى، فخالف وعاند، فأسلمه الله لقساوة قلبه, هذا هو معنى الآيات التي أوردها المعترض,
وإذا استقبح المعترض قول الكتاب المقدس إن الله أرسل إليهم عمل الضلال، نقول إنه ورد في الأعراف 7: 186 من يضلل الله فلا هادي له , وفي عدد 179 ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها, أولئك كالأنعام بل هم أضل , وبعض هذه الأقوال مأخوذ من قول إشعياء النبي: تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون، وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ,
اعتراض على 1تيموثاوس 2: 5
انظر تعليقنا على رومية 8: 26
اعتراض 1تيموثاوس 4: 4
انظر تعليقنا على رومية 14: 14
قال المعترض الغير مؤمن: كان الرسل إذا تكلموا في أمر الدين، أو كتبوا، يحفظهم الإلهام, ولكنهم كانوا أناساً وذوي عقول، ويكتبون بمقتضى عقولهم بغير الإلهام في الحالات العامة، لذلك كان يمكن لبولس أن يكتب بدون الإلهام إلى تيموثاوس استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة كما في 1تيموثاوس 5: 23 ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) يرى بعض المعاندين أن كتب الوحي تنقسم إلى أقوال موحى بها وأقوال غير موحى بها، ويحكمون في ذلك حسب أهوائهم, وما دروا أن كل الكتاب موحى به ولكنهم ارتكنوا على حكمتهم غير معتمدين على حكمة الله, وكان الواجب عليهم أن يؤمنوا بكل ما أوحاه الله لأنبيائه، فإنه كله صحيح ومفيد، ويصح أن يُطلق عليه قوله الذي قاله على الخليقة ورأى الله ذلك أنه حسن ,
(2) الروح القدس هو الذي ألهم الرسول إلى كتابة هذه العبارة، والدليل على ذلك قوله في آية 21 (قبل هذه الآية بآيتين) أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين أن تحفظ هذا, لا تضع يداً على أحدٍ بالعَجَلة, احفظ نفسك طاهراً, لا تكن في ما بعد شرَّاب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة , فإن الله يريد أن الناس يلتفتون إلى صحتهم، ولا سيما أتقياءه، فإن حياة تيموثاوس كانت مهمة لجماعة الله في كنيسة أفسس حتى أرشد روح الله الرسول بولس إلى هذه النصيحة، لأنه إذا تمكن المرض منه لا يقدر أن يقوم بوعظ المؤمنين وتثبيتهم في الإيمان,
(3) أوضح الرسول بذلك جواز استعمال الخمر للدواء، ولا يخفى أنه يجوز تعاطي السم للتداوي ولكن بقدر قليل جداً، وكذلك الخمر, فالإكثار منه يضر، والقليل منه يقوي جسم المريض، متى رأى الطبيب ذلك, جاء في النحل 16: 67 ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكَراً ورزقاً حسناً, إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وقال في سورة البقرة 2: 219 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما , وعبارة الرسول بولس صحيحة صادقة لغاية يومنا هذا، لأن القليل منه يفيد، وهو دواء للمعدة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في 2تيموثاوس 1: 10 أن المسيح أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل, ولكن العبرانيين 9: 27 تقول إنه وُضع للناس أن يموتوا ,
وللرد نقول بنعمة الله : المسيح أبطل الموت بمعنى أنه كسر شوكته وأزال رعبه، فلم يعُد الموت موتاً جباراً، بل ملاكاً رقيقاً ينقل المؤمن إلى بيته الأبدي في السماء, فالموت الجسدي موجود، ولكنه ليس موتاً بل انتقال, ثم سيجيء وقت يتوقف فيه الموت عن العمل نهائياً عند مجيء المسيح ثانية,
راجع تعليقنا على تكوين 2: 17
قال المعترض الغير مؤمن: يكتب بولس لتيموثاوس: الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربس، أحضره متى جئت، والكتب أيضاً ولا سيما الرقوق (2تيموثاوس 4: 13) أو أن يكتب أرستس بقي في كورنثوس، وأما تروفيمس فتركتُه في ميليتس مريضاً (2تيموثاوس 4: 20), ويكتب إلى فليمون آية 22 ومع هذا أعدِدْ لي أيضاً منزلاً لأني أرجو أنني بصلواتكم سأُوهب لكم , فكيف تكون هذه الكتابات الشخصية إلهامية؟
وللرد نقول بنعمة الله : يرى الذين يؤمنون بوحي بعض الكتب المقدسة وينكرون البعض الآخر أن طلب الرسول الرداء من تيموثاوس يحطّ بقدر الوحي الإلهي، وهو خطأ جسيم, فإن هذه العبارة ناطقة بأن بولس ترك الدنيا وأمجادها وصيتها وراحتها، وآثر أن يقاسي الأتعاب والشدائد (اقرأ 2كورنثوس 11: 23 - 27), فهذا الرسول الجليل القدر، نراه الآن مع تقدمّه في السن مسجوناً في روما يطلب رداءً,
أما قوله: الكتب فمراده الكتب التي كتبها بإلهام الروح القدس، والمراد بالرق التوراة، فإنه لما رأى بعين النبوة أنه أزف وقت انتقاله، رغب أن يترك هذه الآثار الثمينة للمؤمنين لاستعمال الكنيسة, فانظر إلى اهتمامه بالإيمان اليقين، وهو في سجنه مكبل بالأغلال والسلاسل,
اعتراض على تيطس 1: 15
انظر تعليقنا على رومية 14: 14
9 - شبهات شيطانية حول رسالة العبرانيين
قال المعترض الغير مؤمن: رسالة العبرانيين كتبها أكليمندس أسقف روما، وترجمها لوقا الإنجيلي، وأنكرها إيريناوس أسقف ليون 178 م، ولم يقبلها هيبولتيوس 220 م كرسالة الرسول بولس، وكذلك لم يقبلها نومانوس أسقف روما 251 م، ونسبها ترتليان أسقف قرطاجنة عام 200 م إلى برنابا، وقال غايوس الذي كان يُظن أنه أسقف روما عام 212 م إن رسائل بولس الرسول 13 ولم يذكر هذه الرسالة منها، ولم يستشهد بها كبريان أسقف قرطاجنة 248 م ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) قوله إنها أُوحيت لأكليمندس أسقف روما يبطله أن أكليمندس هذا استشهد بها في رسالة حررّها في سنة 96م، وكثيراً ما استشهد هذا الفاضل في مؤلفاته بهذه الرسالة اكثر من استشهاده بغيرها من كتب العهد الجديد, وقسم أحد الأفاضل استشهادات أكلمندس بها إلى أربعة أقسام: (أ) إيراده للآيات من هذه الرسالة بنصّها (ب) نقلها بالمعنى (ج) العبارات التي حذا فيها حذو هذه الرسالة من التفسير والشرح (د) اقتباسه الآيات الواردة فيها من العهد القديم, فلا يُعقل أن أكليمندس يكون كاتباً لهذه الرسالة ثم يستشهد بها لتأييد أقواله,
(2) أما قوله إن لوقا الإنجيلي ترجمها من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، فلا يوجد دليل على أن هذه الرسالة جاءت باللغة العبرية، وإنما استنتج البعض أنها كُتبت بالعبرية لأن الغاية منها إفادة العبرانيين, (أ) من تأمل عبارات هذه الرسالة لم يجد فيها رائحة الترجمة وتكلّفها، فلغتها أصلية رشيقة فصيحة، خالصة عن تكلف الترجمة, (ب) متى ذُكر فيها اسم عبري فسَّره، مثاله ملكي صادق ففسره بملك البر (7: 2), فلو كانت هذه الرسالة مكتوبة باللغة العبرية لما احتاج إلى هذا التفسير, (ج) الآيات التي استشهد بها من العهد القديم مقتبسة من الترجمة السبعينية لا من النسخة العبرية, على أنه إذا صرفنا النظر عن هذه الأدلة والبراهين ، وقلنا إن الرسول لوقا ترجمها، لما حطّ ذلك من قدرها، فإن لوقا من التلاميذ,
(3) أما نسبتها إلى برنابا فهو في غير محله، فإن برنابا لم يكن في إيطاليا، ويستدل من أصحاح 13: 24 أنها كُتبت من إيطاليا, ومن قارن بين أسلوب كتابة برنابا وأقوال هذه الرسالة وجد فرقاً عظيماً في التركيب ونَسَق العبارة, جاء في 2بطرس 3: 15 و16 أنها من كتابة بولس الرسول، فإنه كان طالع رسائله وأشار إليها في جملة من أقواله,
(4) كانت هذه الرسالة موجودة في نسخ الكتاب المقدس الشرقية والغربية، وتوجد في النسخ السريانية القديمة التي تُرجمت في أواخر القرن الأول وفي أوائل القرن الثاني، وفي التراجم اللاتينية التي تُرجمت في أوائل القرن الثاني, وكانت هذه التراجم متداولة بين الكنائس الشرقية والغربية,
(5) شهد القدماء أن بولس الرسول كتب هذه الرسالة، فتكلم عليها أغناطيوس في رسائله (107م) وتكلم عنها بوليكاربوس أسقف إزمير في رسالته إلى أهل فيلبي (108م) واستشهد بها جستن الشهيد في محاورته مع تريفو اليهودي (140م) وكثيراً ما استشهد بها أكلمندس الإسكندري على أنها رسالة بولس الرسول (194م) وشهد أوريجانوس (230م) بأنها رسالة بولس الرسول، وكذلك ديونسيوس أسقف الإسكندرية (247م) وغيرهم الكثير,
ولا ينكر أن بعض الغربيين ارتابوا في نسبتها إلى بولس الرسول، لأنهم رأوا اسم الرسول مكتوباً في جميع رسائله الثلاث عشرة ما عدا هذه الرسالة, ولكن عند إمعان النظر ومقارنة أقوالهم بأقوال الرسول، تأيد أن كاتبها هو الرسول بولس صاحب الإلمام التام بالشريعة الموسوية لأنه أخذها عن غمالائيل أشهر علماء عصره، فكان هو طبعاً كاتب هذه الرسالة المشتملة على الدقائق الموسوية, على أن إيريناوس الذي قال إنه ارتاب فيها كان يستشهد بها, والحاصل أن جمهور أئمة الدين الغربيين يعتقدون بنسبتها لبولس الرسول، ويُؤخذ من شهاداتهم أنه عمّ تداولها بعد كتابتها بثلاثين سنة, وأرسل أسقف روما التي كانت عاصمة الدنيا وقتئذ جواباً إلى كنيسة كورنثوس يوضح فيها أنها من الكتب المقدسة الموحى بها من الروح القدس، وفي ذلك الوقت قبلها المسيحيون شرقاً وغرباً,
أما الأدلة الداخلية على صحة نسبتها إلى الرسول بولس فكثيرة جداً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في العبرانيين 5: 7 عن المسيح: الذي في أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلّصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه , كيف يقول إن المسيح خَلَصَ من الموت، مع أنه مات على الصليب؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : هناك ثلاثة تفسيرات لهذه الآية:
(1) خلَّص الله المسيح بأن أقامه من الموت, وفي ذلك يقول الرسول بولس عن المسيح: الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات, يسوع المسيح ربنا (رومية 1: 3 و4), وبهذا يتم الهتاف: أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ (1كورنثوس 15: 55),
(2) المعنى الثاني أن الله أعان المسيح ليحتمل أهوال الموت,
(3) التفسير الثالث أن المسيح طلب من الله أن يخلصه من الموت حزناً في بستان جثسيماني، حتى يموت على الصيب فادياً,
اعتراض على عبرانيين 6: 4-6
انظر تعليقنا على يوحنا 10: 28-30
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في عبرانيين 7: 3 عن ملكي صادق أنه بلا أب بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة , فإذا كانت ولادة المسيح من عذراء دليلًا على أنه الله أو ابن الله، يكون ملكي صادق أحقّ من المسيح بالألوهية! ,
وللرد نقول بنعمة الله : وُصف ملكي صادق بهذا الوصف ليس من جهة ذاته، بل من جهة عمله الكهنوتي، لأنه لم يتسلَّم هذا العمل عن أب أو أم أو نسب، أو لمدة محدودة من الزمن يجب عليه الابتداء به عند أولها والاعتزال عنه عند نهايتها، كما كانت الحال مع بني هرون، الذين كانوا يتوارثون خدمتهم الكهنوتية عن آبائهم في سن خاصة، ويعتزلونها في سن خاصة أيضاً (العدد 8: 24 و25), بل أن ملكي صادق تسلَّم كهنوته من الله مباشرة، وظل يمارسه حتى نهاية حياته على الأرض, فضلًا عن ذلك، فإننا لا نقول إن المسيح هو ابن الله لأنه وُلد من عذراء، بل نقول: لأنه في ذاته هو ابن الله، اختار أن يُولد من عذراء، وهو ابن الله قبل ولادته من العذراء، لأنه هو الذي يعلن اللاهوت,
اعتراض على عبرانيين 7: 12
انظر تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
قال المعترض الغير مؤمن: هناك تناقض بين موقف رسالة العبرانيين وسفر المزامير من الشريعة، فالعبرانيين تقول: فإنه يصير إبطال الوصية السابقة، من أجل ضعفها وعدم نفعها (عبرانيين 7: 18) وتقول أيضاً: فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب، لما طُلب موضعٌ لثانٍ (عبرانيين 8: 7), بينما يقول المرنم: ناموس الرب كامل يرد النفس, شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيماً (مزمور 19: 7) ,
وللرد نقول بنعمة الله : لم يقل الرسول إن الشريعة الموسوية ضعيفة غير نافعة، ولكنه أوضح أن الكهنوت اللاوي الذي كان يرمز إلى المسيح الكاهن العظيم هو الضعيف، فلم يغفر خطيةً ولم يغيّر قلباً ولم يصلح سيرةً، ولكنه حكم على موتى الذنوب والخطايا بالموت الأبدي, وهذا بخلاف كهنوت المسيح، فإنه لما قدم نفسه كفارة عن الخطايا، برّر من آمن به واعتمد عليه، وغفر خطاياه وجدد قلبه، ونال بذبيحة المسيح الحياة الأبدية, ومما يؤيد هذا قول الرسول في آية 11 إنه ليس بالكهنوت اللاوي كمال وقال في أصحاح 8: 7 ما معناه: لو حصل بالعهد الأول مغفرة الخطايا ونوال القداسة والحياة الأبدية، لما وُجد لزوم للعهد الثاني, ولكن لم تحصل من العهد الأول هذه البركات، فكان من الضروري وجود عهد النعمة,
أما من جهة كمال الشريعة، فالرسول بولس كثيراً ما يحض على مطالعة الكتب المقدسة، وهي كتب موسى والأنبياء، ويقول إنها أعظم واسطة في الخلاص ونوال الحياة الأبدية، فلا يعقل أنه يذمّ ما يتعبَّد به,
اعتراض على عبرانيين 7: 18
انظر تعليقنا على متى 5: 17
اعتراض على عبرانيين 8: 7 و13
اقرأ تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
اعتراض على العبرانيين 9: 4
انظر تعليقنا على 1ملوك 8: 9
اعتراض على عبرانيين 9: 27
انظر تعليقنا على 2تيموثاوس 1: 10
اعتراض على العبرانيين 10: 5
انظر تعليقنا علىمزمور 40: 6
قال المعترض الغير مؤمن: يخالف ما ورد في العبرانيين 10: 5-7 ما ورد في مزمور 40: 7 و8 ,
وللرد نقول بنعمة الله : لنورد أولاً نص رسالة العبرانيين: لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِدْ، ولكن هيّأت لي جسداً, بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرّ، ثم قلتُ: هأنذا أجيء, في دَرْج الكتاب مكتوبٌ عني: لأفعل مشيئتك يا الله, إذ يقول آنفاً إنك ذبيحةً وقرباناً ومحرقات وذبائح للخطية لم تُرد ولا سُررت بها , أما نص مزمور 40 ففي آية 7 يقول: حينئذ قلتُ هأنذا جئتُ, بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررتُ، وشريعتك في وسط أحشائي , وفي عدد 6 بذبيحة وتقدمة لم تُسرّ ,
لا يوجد اختلاف فإنه يجوز النقل بالمعنى، وقرر علماء الأصول كما في جمع الجوامع (جزء 2) أنه يجوز نقل الحديث بالمعنى للعارف بمدلولات الألفاظ أو مواقع الكلام، بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساوٍ له في المراد منه وفهمه، لأن المقصود المعنى، واللفظ آلة له,
ومعنى قوله أذنيّ فتحت : جعلتني مطيعاً بالاختيار، فإن الأذُن هو العضو الدال على الطاعة, وهذه العبارة مأخوذة مما ورد في خروج 21: 2 ، 5 إذا اشتريت عبداً عبرانياً، فَسِتَّ سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً, ولكن إن قال العبد: أحب سيدي, لا أخرج حراً, يقرّبه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب، فيخدمه إلى الأبد , فالكلمة الأزلي المسيح اتخذ جسداً باختياره وقدّم نفسه ذبيحة وكفّارة عن خطايانا من تلقاء ذاته, فإن جميع الذبائح التي كانت تشير إليه لم تكن كافية للتكفير عن الخطايا,
فعبارة النبي داود وعبارة بولس الرسول تتفقان على أن المسيح تجسّد للتكفير عن الخطايا باختياره, إذاً عبارة النبي داود صحيحة، وبولس الرسول أعرب عن المعنى الذيقصده الروح القدس، وفسّر المعنى العبري,
اعتراض على عبرانيين 10: 9 و10
انظر تعليقنا على أفسس 2: 15 و20
اعتراض على العبرانيين 11: 13
انظر تعليقنا على أفسس 2: 19
اعتراض على العبرانيين 11: 27
انظر تعليقنا على خروج 2: 14
اعتراض على العبرانيين 11: 32
انظر تعليقنا على قضاة 8: 27 و16: 30
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في عبرانيين 12: 17 فإنكم تعلمون أنه أيضاً لما أراد عيسو أن يرث البركة رُفض، إذ لم يجد للتوبة مكاناً، مع أنه طلبها بدموع , ويناقض هذا ما جاء في 2بطرس 3: 9 لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة ,
وللرد نقول بنعمة الله : تقول إحدى الآيتين إن مشيئة الله هي التوبة لجميع الناس, أما الآية الثانية فيستنتج منها القارئ السطحي أن عيسو (مع أنه طلب التوبة) لم يجد إليها سبيلًا, أما القارئ المدقق فلا يرى بين الآيتين تناقضاً البتة, فالكلمة اليونانية للتوبة معناها تغيير الفكر أو تغيير القلب, وإذا ترجمنا عبرانيين 12: 17 ترجمة حرفية يكون النص هكذا: لما أراد عيسو أن يرث البركة رُفض, إذ لم يجد مكاناً لتغيير الفكر، مع أنه قد طلب هذا بالدموع , والفكر الذي طلب عيسو تغييره هو فكر أبيه، وليس فكره هو, ونجد هذا واضحاً في تكوين 27: 36-38 حيث يقول عيسو لأبيه أَمَا بقيَتْ لي بركة؟ فكان جواب أبيه: إني قد دعوته (أي يعقوب) سيداً لك، ودفعتُ إليه جميع إخوته عبيداً ثم يقول فماذا أصنع إليك يا بني؟ فقال عيسو لأبيه: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا أيضاً يا أبي , ورفع عيسو صوته وبكى,
قد أعطى إسحاق البركة ليعقوب، فكان غرض عيسو من التوسّل والبكاء أن يغيّر أبوه فكره فيسحب البركة من يعقوب ويعطيها له، أوعلى الأقل يعطيه بركة مثلها, فلم ينجح عيسو في تحقيق هذا الغرض, على أن عيسو لو كان قد طلب تغييراً في قلبه هو، لأمكنه الحصول على هذا, ويجوز لنا أن نعتقد أن عيسو قد تاب أخيراً هذه التوبة الشخصية وخلص,
فالكلام الوارد في عبرانيين 12: 17 ليس المقصود به إذاً التوبة بمعنى الرجوع عن الخطية وطلب الخلاص في المسيح, وعليه فهذا النص لا ينفي الحقيقة المعزية المطمئنة أن الله لا يشاء أن يهلك الناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة,
اعتراض على العبرانيين 13: 2
انظر تعليقنا علىمزمور 76: 10
الفصل الخامس
شبهات شيطانية حول الرسائل العامة
1 - شبهات شيطانية حول رسالة يعقوب
2 - شبهات شيطانية حول رسالة بطرس الثانية
3 - شبهات شيطانية حول رسائل يوحنا الثلاث
4 - شبهات شيطانية حول رسالة يهوذا
1 - شبهات شيطانية حول رسالة يعقوب
قال المعترض الغير مؤمن: ذكر روجرز أن علماء البروتستانت لم يقبلوا رسالة يعقوب، وأن الدكتور بلس قال إنها ليست من كتابة الرسل, وقد قال مارتن لوثر إنها كالقش، أي لا يُعتدّ بها ,
وللرد نقول بنعمة الله : من الأدلة الدالة على أن رسالة يعقوب الرسول من الكتب الموحى بها أنها كانت من كتب العهد الجديد التي تُرجمت في أواخر القرن الأول, ولو شكّ علماء الكنيسة الأولى المعروفون بالعدالة وبساطة الإيمان فيها لما جعلوها من الكتب التي كانوا يتعبّدون بتلاوتها في معابدهم، ولما اهتموا بترجمتها، فهي إذن قديمة عهد منذ زمن الرسل,
ثم إن العلماء المسيحيين الأولين كانوا يستشهدون بها في مؤلفاتهم، فاستشهد بها أكلمندس أسقف روما مرّتين، واستشهد بها هرمس سبع مرات، واستشهد بها أوريجانوس وإيرونيموس وأثناسيوس والعلماء الذين أتوا بعدهم, ولما التأمت المجامع العامة لم يشك أحد في أنها من الكتب الإلهية,
لقد اتَّخذ لوثر وأولئك المصلحون الذين ظهروا منذ 600 سنة تقريباً الكتب المقدسة دستوراً لهم و دفاعاً عن إيمانهم، فلا يُعقل أنهم يقولون إن رسالة يعقوب كالقش,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يعقوب 1: 12 و13 طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه, لا يقُلْ أحد إذا جُرِّب إني أُجرَّب من قِبَل الله، لأن الله غير مجرَّب بالشرور، وهو لا يجرِّب أحداً , ولكننا قرأنا عن بلايا كثيرة وتجارب أمر الرب بها للناس مثل الطوفان زمن نوح، وخراب سدوم وعمورة أيام إبراهيم ولوط - كيف يكون هذا؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : هنا حديث عن ثلاث تجارب مختلفة: (1) تجربة المؤمن بالألم ليتنقّى, وفي هذا يقول الرسول: إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً (يعقوب 1: 2 و3), وطوبى لمن يحتمل هذه التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة,
(2) تجربة إبليس بالشر, وليس الله مصدر هذه التجربة لأن الله غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب أحداً بالشرور, ونحن نصلي: لا تدخلنا في تجربة (متى 6: 13),
(3) أما التجربة الثالثة والذي جاء الاعتراض عليها فهي عقاب الله على الخطاة كما جاء في الطوفان وخراب سدوم وعمورة,
(4) انظر تعليقنا على تكوين 22: 1,
اعتراض على يعقوب 1: 20
انظر تعليقنا على مزمور 76: 10
اعتراض على يعقوب 1: 25
انظر تعليقنا على غلاطية 4: 24
اعتراض على يعقوب 2: 24
انظر تعليقنا على رومية 3: 28
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يعقوب 5: 14 أمريضٌ أحد بينكم فليدْعُ شيوخ الكنيسة فيصلّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب ولا يجوز لتلميذ المسيح أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه، لأن هذا المنصب كان للمسيح فقط ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يوجد في يعقوب 5: 14 حكم شرعي, نعم إنه يجوز للرسل الذين أيدهم الله بالآيات البينات أن يسنّوا الأحكام الشرعية، ولكن لا يوجد في هذه الآية شيء من ذلك, والرسول يعقوب لا يغض النظر عن استخدام الأدوية للعلاج، بل يطلب استخدامها ويطلب بركة الله عليها,
وإذا قيل: لماذا خصَّ الزيت منها، قلنا: كان الزيت مشهوراً عند اليهود وعند الشرقيين عموماً بخواصه الصحية، فكان المسافر يأخذ زيتاً معه، كما فعل السامري الذي كان مسافراً، فإنه لما رأى الجريح ضمد جراحاته وصبّ عليها زيتاً (لوقا 10: 34),
2 - شبهات شيطانية حول رسالة بطرس الثانية
قال المعترض الغير مؤمن: قال الدكتور بلس إن رسالة بطرس الثانية ليست من كتابة الرسل ,
وللرد نقول بنعمة الله : أشار أكلمندس أسقف كنيسة روما ثلاث مرات إلى 2بطرس 3 وتكلم هرمس على هذه الرسالة مرّتين، وكذلك تكلم عنها أثيناغورس وأثناسيوس وكيرلس أسقف أورشليم، واعتمد عليها مجمع لاودكية، وأبيفانيوس وإيرونيموس وروفينوس وأوغسطين، وجميع العلماء الذين أتوا بعدهم,
ومن براهين صحة نسبتها إلى بطرس الرسول:
(1) جاء في 2بطرس 1: 1 أن الكاتب هو سمعان بطرس عبد يسوع المسيح, ولا يخفى أن لوقا الإنجيلي قال عن هذا الرسول إنه سمعان بطرس، ويوحنا الرسول سماه بهذا الاسم في إنجيله أكثر من 17 مرة,
(2) قال في أصحاح 1: 14 عالماً أن خَلْعَ مسكني قريب، كما أعلن لي ربنا يسوع المسيح والمسيح لم يعلن هذا لغير بطرس (يوحنا 21: 19),
(3) يتضح من 2بطرس 1: 16-18 أن كاتب هذه الرسالة كان مع المسيح على جبل التجلي، وشاهد عظمته وجلاله، وسمع صوت الآب من المجد الأسنى قائلاً: هذا هو ابني الحبيب , ولا يخفى أن بطرس كان مع المسيح على جبل التجلي مع يعقوب ويوحنا (متى 17: 1 و2) فيلزم أن تكون هذه الرسالة لأحد هؤلاء الرسل, وبما أنها لم تُنسب إلى يعقوب ولا إلى يوحنا، تعيّن أن كاتبها هو بطرس الرسول, بل أن الرسول ذاته قال إنها الرسالة الثانية (أصحاح 3: 1) وإنه كتبها إلى المؤمنين العبرانيين,
(4) قال كاتبها عن بولس إنه أخوه الحبيب (3: 15 و16) ومدح رسائل بولس، فلو لم يكن رسولاً لما قال عن بولس إنه أخوه الحبيب,
(5) من تحرّى هذه الرسالة رأى الروح الرسولي ظاهراً كالشمس، ففيها نبوات عن المستقبل، وتحذير من المعلمين الكذبة، وحضٌّ على التقوى والقداسة,
(6) من تأمل في عباراتها وجد تشابهاً بينها وبين عبارات الرسول الأولى، فذكر في الرسالة الأولى 3: 20 الطوفان ولم يذكره أحد من الرسل في رسائله، وذكره في رسالته الثانية أيضاً 2: 5, وذكر في كل من هاتين الرسالتين أنه نجا من الطوفان ثمانية أشخاص,
اعتراض على 2بطرس 3: 9
انظر تعليقنا على عبرانيين 12: 17
3 - شبهات شيطانية حول رسائل يوحنا الثلاث
اعتراض على 1يوحنا 2: 1 و2
انظر تعليقنا على يوحنا 17: 9
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1يوحنا 2: 2 عن المسيح هو كفارة لخطايا كل العالم ولكن ورد في أمثال 21: 18 أن الأشرار يكونون كفارة لخطايا الأبرار ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال يوحنا إن الله أحب العالم حتى بذلابنه فداءً عن كل من يؤمن به، لأن الجميع أخطأوا واحتاجوا إلى فادٍ كريم, ومعنى الأمثال 21: 18 هو أن للصِدِّيق عند الله منزلة عظيمة، فينجّيه من مكائد الأشرار، ويوقعهم في الأشراك التي ينصبونها له, وقال الحكيم في 11: 8 الصِدّيق ينجو من الضيق، ويأتي الشرير مكانه , وقد أنقذ الله بني إسرائيل من مكائد هامان بواسطة أستير ومردخاي، وعُلق هامان على الخشبة التي كان قد أعدها لصلب مردخاي, والمعترض يعرف أن الله أنقذ بني إسرائيل من يد فرعون، وأغرق جنوده في البحر الأحمر، وبهذا يظهر معنى قوله الشرير فدية الصدّيق , ولا مناسبة بين الآيتين، فكل منهما تعالج موضوعاً مختلفاً,
قال المعترض الغير مؤمن: لا نفهم معنى القول بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله (1يوحنا 4: 2 و3) ,
وللرد نقول بنعمة الله : القول جاء في الجسد يُراد به نفي ضلالة ظهرت زمن الرسول يوحنا، وتقول إن جسد المسيح لم يكن جسداً حقيقياً بل خيالياً، لأنهم إذ كانوا يعتقدون بأنه إله شقّ عليهم أن يؤمنوا أيضاً أنه ذو جسد حقيقي، وعللوا أعراضه الجسدية المذكورة في الإنجيل (من أنه أكل وشرب وتعب ونام واستيقظ ومات وقام) من قبيل التصوُّرات الخيالية التي لا وجود لها في الحقيقة, فإذا قيل لهم: كان المسيح يأكل الطعام، فكيف لا يكون جاء في الجسد؟ أجابوك: لم يأكل المسيح ولم يشرب حقيقة، ولكن شُبِّه لهم, وإذا قيل لهم: كان المسيح ينام ويستيقظ، قالوا: كلا بل شُّبِه لهم, وإذا قيل مات المسيح وقام قالوا لم يمت حقيقة ولم يقم, فدفعاً لشر هذه الضلالة أنذرنا الوحي على لسان يوحنا الرسول أن كل من يعترف أن المسيح جاء في الجسد (أي يعترف أن أعراضه الجسدية التي ذُكرت في الإنجيل حقيقة) فهو من الله، وكل من ينكر كونه جاء في الجسد (أي ينكر كون أعراضه الجسدية كانت حقيقية) فليس من الله,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في 1يوحنا 5: 7 و8 فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد, والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد , فذهب مفسّروهم إلى أن أصل هذه العبارة هو: فإن الذين يشهدون هم الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد , أما القول في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض فهي إلحاقية ,
وللرد نقول بنعمة الله : من طالع ما كُتب على هذه العبارة من التفاسير تأكد حرص أهل الكتاب على كتابهم، وأنه لا يمكن لأحدٍ أن يزيد عليه أو يُنقص منه شيئاً, وقد ألف علماء المسيحيين على هذه العبارة المذكورة هنا الشيء الكثير, فقال فريق إنها من نوع المدرج الذي أُتي به للشرح والتفسير, واستدلوا على ذلك بأن هذه العبارة لم تُكتب في الأناجيل إلا بين قوسين، ولنورد بعض أدلتهم فنقول:
(1) قالوا إن هذه العبارة لا توجد في نسخة من النسخ اليونانية التي كُتبت قبل القرن 16 ، فإنهم تحرّوا في 149 نسخة فرأوها مثبتة في نسخ قليلة, ولكنها في أغلب النسخ ساقطة,
(2) قالوا إنها لا توجد في نسخ العهد الجديد التي طُبعت بعد المراجعة الدقيقة,
(3) إنها لا توجد إلا في النسخ المترجمة إلى اللغة اللاتينية,
(4) إنها لا توجد في كل النسخ اللاتينية المكتوبة بخط اليد,
(5) لم ترد هذه العبارة في مؤلفات أحد أئمة اليونان أو في مؤلفات علماء المسيحيين الأولين,
(6) لم يستشهد بها أحد من أئمة الدين اللاتين,
(7) إن المصلحين البروتستانت حذفوها، أو نبَّهوا على أنه مرتاب فيها,
أما الفريق الذي يرى أن هذه العبارة جزء من نص الإنجيل فيقولون:
(1) إنها موجودة في الترجمة اللاتينية القديمة التي كانت متداولة في أفريقيا، وفي أغلب نسخ إيرونيموس, والترجمة اللاتينية هي من أقدم التراجم وأكثرها تداولاً,
(2) هذه العبارة موجودة في قانون الإيمان المعتبر في الكنيسة اليونانية وفي صلواتها الكنسية, أما نص قانون إيمان الكنيسة اليونانية فهو إن الله حق أزلي خالق كل الأشياء، المنظورة وغير المنظورة، وكذلك الابن والروح القدس، وكلهم من جوهر واحد، فإن يوحنا الإنجيلي قال: الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ,
(3) هذه العبارة موجودة في الصلوات القديمة التي تتلوها الكنيسة اللاتينية في بعض الأعياد وفي عماد الأطفال,
(4) استشهد بها كثير من أئمة الدين اللاتين، فاستشهد بها ترتليان في القرن الثاني، وكبريان في القرن الثالث، وإيرونيموس في القرن الرابع، والأساقفة الأفريقيون في أواخر القرن الخامس, وقد كتب ترتليان رسالة بالرد على براكسياس بخصوص الروح القدس، فقال: إن المسيح قال إن المعزي يأخذ مما لي، كما أن الابن أخذ مما للآب, فارتباط الآب بالابن، والابن بالبارقليط يدل علي أن هؤلاء الأقانيم الثلاثة هم واحد, ولا شك أن هؤلاء الثلاثة هم واحد في الجوهر، وإن كانوا غير واحد في العدد , فأشار بهذا القول إلى عبارة يوحنا, وكتب أوجينيوس أسقف قرطاجنة في أواخر القرن الخامس قانون الإيمان، وقدمه نحو 400 أسقفاً إلى هوناريك ملك الفاندال، وورد في هذا القانون: من الظاهر للعيان أن الآب والروح القدس هم واحد في اللاهوت، وعندنا شهادة يوحنا البشير لأنه قال: الذين يشهدون في السماء ثلاثة: الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ,
ومن الأدلة الداخلية على صحتها: أن سياق الكلام يستلزم وجودها ليتم المعنى، فلو حُذفت لجاء المعنى ناقصاً كما يتضح مما يأتي:
قوله: الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة يعني: يشهدون أن يسوع هو المسيح، فشهد الآب بصوته من السماء مرتين أن يسوع هو ابنه الحبيب وذلك أولاً بعد معموديته لما صعد من النهر، وثانياً عند التجلي, وشهد الآب ثالثة لما أرسل ملاكه إلى يسوع وقت آلامه في جثسيماني,
وشهد الكلمة الأزلي ليسوع بحلول اللاهوت فيه جسدياً، فكان يعمل المعجزات الباهرة بقوته، فيقول للشيء: كن فيكون, وبحلول اللاهوت في جسده احتمل هذا الجسد الضعيف الفاني غضب الآب, وشهد الكلمة له أيضاً بأن أظلمت الدنيا ثلاث ساعات لما كان يسوع معلقاً على خشبة الصليب، وبزلزلة الأرض، وشقّ الصخور، وفتح القبور، وظهور أجسام القديسين في المدينة المقدسة بعد قيامة المسيح, فالكلمة الأزلية الذي به خَلق الله العالمين لا يزال ضابطاً لكل شيء، فإن الكتاب شهد قائلاً: به عمل العالمين، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب 1: 2 و3) , والروح القدس شهد للمسيح بحلوله عليه عند عماده، وحلوله على رسله بعد صعوده، بل هو الذي نطق على لسان سمعان وحنة فشهدا للمسيح,
فيتضح مما تقدم أن الثلاثة في السماء شهدوا للمسيح، وهؤلاء الثلاثة هم كما قال الرسول واحد في موافقتهم على هذه الشهادة, ثم قال: والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد , والمراد بالروح هنا المواهب الفائقة الطبيعة التي منحها للمؤمنين، والمراد بهما الماء والدم اللذان خرجا من جنب الفادي، فإنه بعد موت جسده طعنه أحد الجند بحربة، فخرج ماء ودم,
وإذا قيل: كيف شهد الماء والدم بأن يسوع المصلوب هو المسيح؟
قلنا: إن الماء والدم كانا الواسطتين الضروريتين للتطهير والفداء في الناموس, وكل شيء تقريباً يتطهر حسب الناموس بالدم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عبرانيين 9: 22), ولكن لم يكن التطهير بالدم فقط، بل بالدم والماء, قال الرسول بولس: لأن موسى بعد ما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس، أخذ دم العجول والتيوس مع ماء، ورشّ الكتاب نفسه وجميع الشعب (عبرانيين 9: 19), فكل غسلات الناموس وفدائه بالماء ودم الحيوان كانت رمزاً إلى تطهير الضمير بماء المعمودية وفداء الخطية بدم يسوع المسيح المسفوك على الصليب, فخروج الماء والدم من جنب المسيح بعد موته كان إعلاناً أن الفداء الحقيقي تمّ، وفُتح الينبوع للتطهير,
فيُرى مما تقدم أن كل فريق أقام الأدلة على تأييد رأيه, ومع ذلك إذا سلَّمنا جدلاً بأنها زائدة، فيكون من قبيل المدرج الذي أُدخل في سياق الكلام للتفسير والشرح, على أن هذه العقيدة الجوهرية وهي وجود ثلاثة أقانيم في اللاهوت مؤيَّدة في الكتاب المقدس من أوله إلى آخره بدون هذه الآية, يكفي قول المسيح له المجد: فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ولم يقل بأسماء ,
قال المعترض الغير مؤمن: ذكر روجرز أن كثيرين من علماء البروتستانت لم يقبلوا رسالتي يوحنا الثانية والثالثة, ويقول الدكتور بلس إنهما ليستا من كتابة الرسل ,
وللرد نقول بنعمة الله : أيَّد أئمة الدين المسيحي في العصور الأولى أن يوحنا كتبهما، فقد اقتبس إيريناوس في مؤلفاته من الرسالة الثانية واعتمد عليها أكلمندس أسقف الإسكندرية في الاعتقادات الدينية، وذكر أوريجانوس هذه الرسائل الثلاث بالاعتبار الديني الواجب لمنزلتها، وقال ديونسيوس الإسكندري إن الرسالة الثانية والثالثة هما ليوحنا الرسولي، واستشهد الإسكندر أسقف اسكندرية بالرسالة الثانية في مؤلفاته، وتمسك بها أثناسيوس وكيرلس أسقف أورشليم، وأبيفانيوس وجيروم وروفينوس وجميع العلماء الذين أتوا بعدهم,
ومن دقق النظر في أسلوب تركيبهما ظهر له أنه يشبه أسلوب تأليف الرسالة الأولى، فلذا جزم المحققون أن كاتب الجميع هو واحد، والأرجح أنهما كُتبتا في سنة 68 أو 69 م وهو ذات تاريخ كتابة رسالته الأولى,
نعم لا يُنكر أن بعض الكنائس السريانية اشتبهت فيهما، وسبب ذلك أن الرسول قال: أنا الشيخ ولم يقل إنه رسول، فاشتبه عليهم الأمر, ولكن لو تأمل الفطن قليلاً لاتَّضح له أن بطرس قال عن نفسه إنه شيخ (1بطرس 5: 1) وهو لا ينافي أنه رسول,
اعتراض على 2يوحنا 10 و11
انظر تعليقنا على غلاطية 6: 10
4 - شبهات شيطانية حول رسالة يهوذا
قال المعترض الغير مؤمن: ذكر روجرز أن كثيرين من علماء البروتستانت لم يقبلوا رسالة يهوذا، وأن الدكتور بلس قال إنها ليست من كتابة الرسل ,
وللرد نقول بنعمة الله : الأدلة على نسبة رسالة يهوذا إلى هذا الرسول عديدة، فهي مدوَّنة في السجلات المشتملة على كتب العهد الجديد، وأيّدها أكلمندس أسقف الإسكندرية وترتليان وأوريجانوس والأئمة الأعلام المتقدمون، واستشهدوا بها في مؤلفاتهم كما قال يوسيبيوس,
وبصرف النظر عن الأدلة الخارجية، فأقوالها تؤيد صحتها، إذ لا يصح صدورها إلا ممن كان رسولاً، فحكم فيها على المضلِّين الذين أضلوا الناس، وشنَّع في الذين اتّبعوا الرذيلة مراعاةً للربح، وحثّ المسيحيين على التمسك بالتقوى,
وإذا قيل: لماذا اشتبه فيها البعض؟ قلنا: سببه إنه ورد فيها الاستشهاد بأقوال أخنوخ السابع من آدم، قائلاً: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونةً على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم , هذه هي نبوة أخنوخ, وبما أن أخنوخ ليس له كتاب، اشتبه البعض في رسالة يهوذا, ولكن نبوة أخنوخ هذه كانت متواترة عند اليهود,
وإذا فُرض أنه كان لأخنوخ النبي كتاب، فالاستشهاد ببعضه لا يخل بالرسالة,
وقد استشهد بولس الرسول بأقوال شعراء أثينا في خطاباته ليتوصّل بذلك لتفهيم اليونان الإله الحي الحقيقي (أعمال 17: 28) واستشهد بقول مناندر (1كورنثوس 15: 33) واستشهد بأبيمنيدس كما في (تيطس 1: 12), فإذا كانت الأشياء المستشهَد بها حقيقية، فلا مانع من الاستشهاد بها,
الفصل السادس
شبهات شيطانية حول سفر الرؤيا
قال المعترض الغير مؤمن: ذكر روجرز كثيرين من علماء البروتستانت الذين لم يقبلوا رؤيا يوحنا اللاهوتي، وقال إن أسلوب كتابتها لا يدل على أن الرسول يوحنا هو كاتبها ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) تمسّك المسيحيون الأولون برؤيا يوحنا، ومع ذلك ففي القرن الثالث شكَّ البعض بسبب بعض الآراء بخصوص مُلك المسيح ألف عام, ومع ذلك فقال العلامة إسحق نيوتن إن الأدلة والبراهين على صحة سفر الرؤيا هي أكثر وأوفر من الأدلة لتأييد أي كتاب من الكتب الإلهية, وقال أحد العلماء: من تتبّع عبارات الرؤيا جزم أنها وحي إلهي، وأنها بمنزلة تتمَّة لنبوات دانيال ,
(2) ولنورد بعض أدلة خارجية تؤيد صحة نسبة هذا السفر إلى الرسول، فنقول: هناك شهادات من علماء القرن الأول، منهم أغناطيوس (107م) استشهد في مؤلفاته بثلاث آيات من هذا الكتاب, وفي سنة 108م اقتبس بوليكاربوس عبارات منها في رسالته التي وصلت إلينا, وعند نواله الشهادة ودنوّ النار منه صلى بما ورد في 11: 17 منها, وكذلك تمسك بها بابياس (116م),
أما شهادات علماء القرن الثاني فهي أن جستن الشهيد (140م) كان متمسكاً بها، وكتب جيروم شروحاً وتفاسير عليها، وماليتو أسقف ساردس (177م) ألّف تفسيراً عليها, وكثيراً ما قال إيريناوس أسقف ليون في فرنسا (178م) في مؤلفاته إن سفر الرؤيا هو ليوحنا تلميذ الرب، واتفق هذا الفاضل مع بوليكاربوس,
ومن شهادات علماء القرن الثالث شهادات هيبوليتوس (220م) فإنه ألف كتابين دفاعاً عن سفر الرؤيا، وكثيراً ما استشهد بها أوريجانوس (230م) في مؤلفاته، وقال إنها كتابة يوحنا الرسول, وفي القرن الرابع كانت الكنائس اللاتينية بدون استثناء تتعبد بتلاوتها في المعابد، وشهد جيروم الذي كان مشهوراً بالتحقيق والتدقيق في ذلك العصر أنها وحي إلهي، وحذا حذوه علماء الكنيسة الغربية والكنيسة اليونانية والكنيسة السورية, والحاصل أن جميع المسيحيين وأئمتهم اعتقدوا بأن الرؤيا وحي، وأن كاتبها هو يوحنا الرسول، وذلك بالسند المتصل من القرن الأول إلى القرن الرابع, ومن بعد هذا القرن كانت الكنائس المسيحية تأسست في أنحاء الدنيا، حتى بلغت الكتب الإلهية مبلغ التواتر,
(3) ولنتكلم قليلاً على الأدلة الداخلية، فنقول إن سفر الرؤيا يطابق باقي الكتب الإلهية في تعاليمه, ثم إن رفعة معانيه واستعاراته هي من البراهين على أنه وحي، ففي كلمة الله يُنظر إلى سمو المعنى بصرف النظر عن زخرفة الألفاظ اللغوية، فإن العلماء الراسخين لا يلتفتون إلى زخرفة الكلام، بل يطلبون براهين داخلية على صدق الوحي، كالمعجزات الباهرة وتحقيق النبوات بالحوادث الماضية والحاضرة والمستقبلة، ويأخذون في التنقيب ليعرفوا إنْ كانت تعاليم النبي تناقض الكتب الإلهية التي عندهم أم لا, وعلى هذا نظروا في رؤيا يوحنا اللاهوتي فوجدوا أن الشروط اللازمة لصدق الوحي متوفرة فيها، فجزموا بأنها وحي إلهي,
وأسلوب الرؤيا يطابق أسلوب إنجيل يوحنا ورسائله, وأوضح بعض العلماء أوجه المشابهة في أسلوب التركيب وفي العبارات فوجدوها عظيمة، فلو لم يكتبها يوحنا لما وُجدت هذه المطابقة,
(4) وكان أول من اعترض على كتاب الرؤيا ديونسيوس الإسكندري، الذي قال إن كاتبها شخص اسمه يوحنا، أحد مشايخ كنيسة أفسس, ولنورد اعتراضاته ونرد عليها:
(أ) قال: لم يذكر يوحنا الرسول اسمه في إنجيله ولا في رسائله، مع أنه في الرؤيا ذكر اسمه,
وللرد نقول بنعمة الله : مع أن الرسل لم يذكروا أسماءهم في الأناجيل، ولم يذكر الرسول بولس اسمه في العبرانيين، إلا أن الإجماع والتواتر هما من الأدلة القوية على صحة نسبتها إليهم, ومع أن يوحنا لم يذكر اسمه في إنجيله، إلا أنه وصف نفسه بالأوصاف المميزة له، الدالة على أنه هو يوحنا, أما سبب عدم ذكر اسمه في رسائله فهو أن الأشخاص الذين أرسل إليهم هذه الرسائل كانوا يعرفون مصدرها وكاتبها, ثم بما أن الرؤيا تشتمل على نبوات عن أمور مستقبلة ذكر اسمه لتأكيد الرؤيا وأنه لابد من حصولها,
(ب) قال: مع أن كاتب الرؤيا قال إنه يوحنا، لكنه لم يردف اسمه بلفظة الرسول,
وللرد نقول بنعمة الله : بما أنه كتب الرؤيا من جزيرة بطمس إلى السبع الكنائس، فلابد أن هذه الكنائس كانت تعرفه, فإنه كان في ضيق بسبب كلمة الله وشهادة يسوع المسيح، والكنائس كانت تعرف أنه نُفي إلى تلك الجزيرة حيث قاسى الاضطهاد بسبب كلمة الله, فلا لزوم إذن إلى زيادة الإيضاح والتباهي والافتخار, فلو كان كاتبها أسقفاً أو شيخاً في الكنيسة لوجب عليه أن يصرّح بلقبه وكنيته واسم كنيسته, أما الرسول يوحنا فلا يحتاج إلى هذا التعريف,
(ج) قال: لم يرد في الرؤيا ذكرٌ لرسائله السابقة,
وللرد نقول بنعمة الله : جرت عادة الرسل أن لا يشيروا في رسائلهم إلى كتاباتهم السابقة، فلم يشر بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية إلى رسائله السابقة، مع أنه كان قد أرسل غيرها إلى الكنائس,
(د) قال: توجد مشابهة بين إنجيل يوحنا وبين رسائله في أسلوب التركيب، ولكن لا توجد مشابهة بين إنجيله وبين الرؤيا,
وللرد نقول بنعمة الله : إذا ثبت عدم وجود مشابهة في العبارة فسببه اختلاف الموضوع، فإن أسلوب الأخبار هو غير أسلوب النبوّة, على أنه قد ثبت بعد التحري أن الأسلوب واحد، ولا بد أن كاتب إنجيل يوحنا هو كاتب الرؤيا,
(ه_) قال: لغة إنجيل يوحنا ورسالته فصيحة، مما يدل على أن كاتبها متضلّع في اليونانية، بخلاف لغة الرؤيا,
وللرد نقول بنعمة الله : قرر العلماء الراسخون في اليونانية أن اللغة في الجميع واحدة, ولو سلّمنا جدلاً بوجود فرق، لقلنا إن يوحنا كتب الإنجيل في سنة 68 وفي رواية أخرى 97م, أما الرؤيا فقد كتبها وهو منفيّ، وحالما شاهدها بادر بتدوينها,
(و) قال: عبارات هذا الكتاب مبهمة بحيث لا تُفهم,
وللرد نقول بنعمة الله : إنها رؤيا، وهي تشتمل على نبوات, ولا يخفى أن اصطلاحات النبوات تحتاج إلى نظر وفكر، لأن عباراتها رموز واستعارات، مثل نبوات دانيال, والمسيح صدَّق على نبوات دانيال كما في متى 24: 15, فوجود اصطلاحات النبوات فيها دلالة على صحتها,
ومن السهل على تلميذ الكتاب المقدس أن يفهم سفر الرؤيا، فمفتاح فهم الرؤيا موجود في العهد القديم, فالرؤيا 404 آية، 275 آية منها مأخوذة من العهد القديم,
هذه هي الاعتراضات التي أوردها المعترض نقلاً عن كتب المسيحيين، ولكنه غضّ النظر عن الردّ عليها, وكل أمين للحق يذكر ما له وما عليه، وكل شريف يقتبس بأمانة، ولا يظلم أحداً,
اعتراض على رؤيا 1: 5
انظر تعليقنا على أعمال 26: 23
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في الرؤيا 1: 11 أنا الألف والياء، الأول والآخِر ولكن كريسباخ وشولز متفقان على أن اللفظين الأول والآخِر ملحقان ,
وللرد نقول بنعمة الله : تعبير الألف والياء هو ذات قوله الأول والآخِر فمعنى التعبيرين واحد,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في رؤيا 2: 26-28 من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطاناً على الأمم، فيرعاهم بقضيب من حديد كما تُكسَرُ آنية من خزف، كما أخذْتُ أنا أيضاً من عند أبي, وأعطيه كوكب الصبح , وهذه نبوة عن محمد، بدليل أنه حارب الأمم بسيفه، وأخضع كثيراً منهم تحت سلطانه ,
وللرد نقول بنعمة الله : إن صحّت دعوى المعترض، يكون أن محمداً استمد هذه القوة والسلطان من المسيح، جزاءً له على تمسّكه بوصايا المسيح وحفظه أعماله إلى النهاية، وبالتالي كان مقامه دون مقام المسيح, والحقيقة هي أن من يراجع رؤيا 2 و3 يجد أن المتكلم هو المسيح، الذي يحرّض أعضاء الكنائس السبع على الغلبة، واعداً من يغلب بأحسن الجزاء, وكرر ذلك سبع مرات، وهو يتكلم كلاماً عمومياً لترغيب شعبه في الغلبة، لا الغلبة بالسيف والسهم، بل غلبة الخطية والجسد والعالم والشيطان,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في رؤيا 3: 14 يسوع المسيح بداءة خليقة الله , وهذا يعني أن المسيح هو خليقة الله، خلقه أول من خلق ,
وللرد نقول بنعمة الله : معنى هذه الآية أن المسيح أصل خليقة الله، لأن بداءة الشيء هي أصله ومصدره, وفي اليونانية هي كلمة أرخي بمعنى رأس أو مصدر أو أصل, فليس المسيح هو أول مخلوق، بل أصل الخليقة,
راجع تعليقنا على كولوسي 1: 15,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في الرؤيا 9: 4 وقيل له أن لا يضرّ عشب الأرض ولا شيئاً أخضر ولا شجرة ما، إلا الناس فقط، الذين ليس لهم ختم الله على جباههم , وهذه نبوة عن الغزوات الإسلامية، فإنه حدث في زمن خلافة أبي بكر الصديق أنه زوّد جنوده عندما ساروا لفتح الشام بأوامر تمت معها هذه النبوة حرفياً، وإنه مما يستحق الاعتبار أن نجد اثنين من مؤرخي المسلمين يرويان لنا حديثاً يذكّرنا بها, روى الواقدي: أمر أبو بكر الصديق يزيد بن أبي سفيان أنه إذا ظفر بأعدائه لا يذبح ولداً ولا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً، ولا يقرب نخلة ولا يحرق مزرعة ولا يقلع أشجاراً مثمرة، ولا ينحر ماشية إلا لضرورة الطعام، ولا يغيّر ما اتفق عليه، ولا ينقض محالفة صلح, وإذا مرَّ بأديرة الرهبان الذين انقطعوا لعبادة الله يدعهم وما انقطعوا إليه، لا يقتلهم ولا يهدم أديرتهم, وأما إذا مرّ بتلك الطائفة التي تعبد الشيطان والصلبان ذوي الرؤوس المحلوقة من الوسط يضربهم بسيفه إلى أن يعتنقوا دين الإسلام أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا شك أن المشابهة عظيمة بين ما ورد في سفر الرؤيا وبين ما أمر به أبو بكر جنوده، ولكن لم ترد إشارة إلى نبي ما في ذلك الموضع مما يؤيد دعوة محمد، كما أنه لا يقدر أي مسلم خبير أن يستشهد بالآيات المذكورة، ولو سلمنا أنها نبوة عما تم بعد موت محمد بجملة سنين,
قال المعترض الغير مؤمن: كلام يوحنا مملوء من المجاز، قلّما تخلو فقرة لا يحتاج فيها إلى تأويل، كما لا يخفى على ناظر إنجيله ورسائله ومشاهداته , مثال ذلك ما جاء في الرؤيا 12: 1-7 : وظهرت آية عظيمة في السماء، امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، وهي حبلى تصرخ متمخّضة ومتوجّعة لتلد, وظهرت آية أخرى في السماء: هوذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رؤوسه سبعة تيجان، وذَنَبه يجرّ ثُلث نجوم السماء، فطرحها إلى الأرض, والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت، فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصاً من حديد, واختُطف ولدُها إلى الله وإلى عرشه، والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع مُعَدٌّ من الله لكي يعولوها هناك 1260 يوماً, وحدثت حرب في السماء: ميخائيل وملائكته حاربوا التنينَ، وحارب التنينُ وملائكتُه ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) هذه العبارة النبوية تُفَسَّر بمقارنتها بغيرها من أقوال الكتاب المقدس، فهي تفسر بعضها بعضاً, ومن مقارنتها يتضح أن المراد بالمرأة شعب الله، أي الشعب القديم التي تُشبَّه الإمرأة، والمسيح أتى من نسلها حسب الجسد, وهي متوشحة شمس برّ ربنا يسوع المسيح، وتضيء بأشعته, فيُنسب إليها بِرُّ المسيح بالإيمان به,
(2) المراد بقوله والقمر تحت رجليها العالم، فهي تقف عليه ولكنها فوقه، يعني أن آمالها وأعمالها رفيعة سماوية وليست أرضية فانية,
(3) أما قوله وعلى رأسها إكليل من 12 كوكباً فيرمز إلى الأسباط الإثني عشر
(4) أما قوله تصرخ متمخّضة فيعني أنها متألمة وهذا هو ضيق يعقوب وسيولد منها البقية التقية من الشعب القديم
(5) عدو المرأة، وهو مملكة الشيطان،ورئيسها إبليس الحية القديمة
(6) والمراد بقوله له سبعة رؤوس مدينة روما الوثنية، فإنها مبنية على سبعة جبال,
(7) والمراد بقوله عشرة قرون عشرة ملوك،
(8) والمراد بقوله وعلى رؤوسه سبعة تيجان هو سبعة ملوك، وقد فسر الرسول ذلك كما في (17: 10),
(9) والمراد بقوله وذَنَبه يجر ثُلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض هو ثلث الملائكة الذين وقفوا إلى جانب الشيطان في ثورته
(10) والمراد بقوله وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت هو أنه بذل الجهد في قتل المسيح الذي أتى من هذه الأمة، بل حاول استئصالها,
(11) ولدت ابناً ذكراً (آية 5): هو المسيح له المجد الذي سيرعى الأمم بعصا من حديد كما في المزمور الثاني,
(12) حصلت عناية بهذا الولد، فإنه اختُطِف إلى الله وإلى عرشه يرمز إلى إنتصار المسيح وصعوده
(13) والمراد بقوله والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع مُعَدّ من الله لكي يعولوها هناك هو أن الله حفظ البقية التقية وقت اضطهاداتها، وتكفّل بسلامتها، وكانت شدائدها هذه لمدة من الزمن, 1260 يوم إلى الضيقة العظيمة
وللتأمل نقول
وظهرت آية عظيمة في السماء، امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً
لا يقال إن المرأة في السماء، بل إننا هنا نرى فقط تقدير السماء لهذه المرأة. أو بعبارة أخرى نرى هنا الأمة في نظر السماء، وكما سترى في أمجادها المستقبلة (إش60 :1). على أن وقت البركة لم يحن بعد، لذا فنفس المرأة تُري في مشهد ألم وضيق «وهي حبلى متمخضة ومتوجعة لتلد» - نحن نعرف أن آلام المخاض هي نتيجة لخطية المرأة (تك 3 :16)، وهكذا هنا الأمة أيضاً ستجتاز في الضيقة العظيمة المشبهة بالمخاض بسبب خطيتها. ثم إن آلام المخاض تعقبها أفراح الولادة (يو16 :21)، وهذا ما سوف يحدث مع الأمة في أفراح الملك الألفي (انظر مي 5 :1-4، إش 66 :7-12).
المنظر الثالث :إن كان المنظر الأول قدم لنا المسيح، نسل المرأة، والمنظر الثاني قدم لنا الأمة اليهودية التي منها ولد المسيح حسب الجسد (المرأة نفسها)، فإن هذا المنظر يقدم لنا عدو المسيح وعدو الأمة (قارن مع تك3 :15). يقول الرائي «وظهرت آية أخرى في السماء. هوذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان وذنبه يجر ثلث نجوم السماء»، وممكن أن نعتبره يمثل لنا -الثالوث الأنجس؛ الشيطان والوحش والنبي الكذاب.
فالتنين :هو إبليس (ع9).
ورؤوس التنين السبعة وقرونة العشرة :تذكرنا بالوحش الطالع من البحر؛ زعيم الإمبراطورية العائدة إلى الحياة (أصحاح 13 :1).
والذنب :يذكرنا بالنبي الكذاب (إش9 :15).
وأصحاح 12 يركز الكلام على التنين. ثم أصحاح 13 يكلمنا عن الوحش أصحاح 12، 13 يقدمان لنا سبع شخصيات مختلفة :
المرأة :الأمة الإسرائيلية
التنين :الشيطان
الابن الذكر :المسيح
ميخائيل :الملاك القائم من الله لبني إسرائيل (دا12)
باقي نسلها :البقية التقية
الوحش الطالع من البحر :زعيم روما
الوحش الطالع من الأرض :النبي الكذاب.
والنبي الكذاب. إنه يبدأ بالعدو الأصلي ، لأن هناك عداوة دفينة في قلب الشيطان نحو المرأة من أيام السقوط في الجنة لما قال الله للحية «أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها» (تك3 :15). وهنا نرى العداوة بين الشيطان وبين الأمة التي منها أتي المسيح. والعداء في حقيقته موجه إلى المسيح ذاته «والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متي ولدت».
لكنها ولدت الابن الذكر؛ ربنا يسوع المسيح. ولم يقو الشيطان عليه رغم أنه أهاج العالم ضده وأصدر الحكم بموته. ولكن كان في هذا إبادة للشيطان نفسه. ثم «اختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه». فمَنْ يبقي إذاً أمام التنين الغاضب الهائج؟ لم يبق سوي المرأة ذاتها.
ثم يتحدث بعد هذا العرض السريع عن تفصيل ما سيحدث فيذكر أنه بعد فترة مبتدأ الأوجاع ستحدث معركة في دائرة غير المنظور لمزيد من التفاصيل عن الحروب في دائرة غير المنظور، وعن مراحل سقطات الشيطان الخمس سابقاً ولاحقاً، انظر كتاب "الشيطان" للمؤلف. لاسيما الفصل 22 بين ميخائيل والملاك ميخائيل معني اسمه «من مثل الله ؟» ها هو يحارب الشخص الذي أغوى حواء بقوله «يوم تأكلان منه.. تكونان كالله» (تك 3 :5). إنه يحارب إبليس الذي أراد أن يرفع كرسيه ويصير «مثل العلى » (إش 14 : 14).* وملائكته وبين إبليس وملائكته، ستكون نتيجتها أن يُطرد الشيطان من السماء وستتم عندئذ النبوة الني نطق بها ربنا «رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء» (لو10 :18).
عند اختطاف الابن الذكر إلى السماء , طُرح الشيطان من السماء. وبصدد نزولنا مع المسيح إلى الأرض (أصحاح19 :11-20 :3) سيُربط الشيطان ويُطرح في الهاوية!
ويذكر الرائي هنا أربعة أسماء للشيطان مرتبطة بأنشطته المختلفة، فيقول :
تنين : وحش دموي ، بالنسبة للمسيح إذ كان يريد أن يبتلعه.
وحية :أي الماكر، بالنسبة للعالم الذي يُضل الساكنين فيه.
ثم إبليس :أي المشتكي أو الواشي ، بالنسبة للمؤمنين.
وأخيراً الشيطان :أي المضطهد، بالنسبة للشهود على الأرض.
فالمسيحيون يقارنون أقوال الكتاب ببعضه ويفسرونها, ولا ينكر أن سفر الرؤيا استعمل في أقوال النبوات استعارات وتشبيهات، غير أنها مفسَّرة في الكتاب المقدس، كما قلنا إن سفر الرؤيا 404 آية، 275 آية منها مقتبسة من العهد القديم,
محتويات العدد الثالث
شبهات شيطانية حول العهد الجديد
الفصل الأول - مقدمة عامة
1 - متى جُمعت أسفار العهد الجديد؟
- سلامة العهد الجديد تاريخياً
3 - هل ضاعت رسائل من الإنجيل؟
4 - هل تحتاج الأسفار التاريخية إلى إلهام؟
الفصل الثاني - شبهات شيطانية حول الأناجيل الأربعة
1 - إنجيل متى
2 - إنجيل مرقس
3 - إنجيل لوقا
4 - إنجيل يوحنا
الفصل الثالث - شبهات شيطانية حول سفر أعمال الرسل
الفصل الرابع - شبهات شيطانية حول رسائل بولس الرسول:
1 - رسالة رومية
2 - رسالتي كورنثوس الأولى والثانية
3 - رسالة غلاطية
4 - رسالة أفسس
5 - رسالة فيلبي
6 - رسالة كولوسي
7 - رسالتي تسالونيكي
8 - رسالتي تيموثاوس وتيطس
9 - رسالة العبرانيين
الفصل الخامس - شبهات شيطانية حول الرسائل العامة:
1 - رسالة يعقوب
2 - رسالة بطرس الثانية
3 - رسائل يوحنا الثلاث
4 - رسالة يهوذا
الفصل السادس - شبهات شيطانية حول سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي
مرجع - ما ورد في الجزء الثالث من سلسة كتب هداية المؤمنين للحق المبين
6 الفصل الأول
مقدمة عامة
1 - متى جُمعت أسفار العهد الجديد؟
2 - سلامة العهد الجديد تاريخياً
3 - هل ضاعت رسائل من الإنجيل؟
4 - هل تحتاج الأسفار التاريخية إلى إلهام؟
تم بعون الله ولله كل المجد إلى الأبد بيسوع المسيح الرب