الثقوب السوداء

إن الثقب الأسود ببساطة شديدة يمثل حالة من حالات الموت التى تحل ببعض نجوم السماء ، أو هو قبر من أنواع ثلاثة من القبور التى تتردى فيها مادة النجوم ، لكن الثقب الأسود اشد هذه القبور غموضا ، و أعظمها عنفا ، لأنه لا ينشأ إلا من موت نجم عظيم ، و لكى يتكون - بمادته الميتة ثقب أو قبر اسود ، فلابد أن تكون كتلة هذه المادة المنهارة قدر كتلة ثلاثة نجوم من نوع شمسنا أو اكثر ، أو هكذا تشير المعادلات الرياضية النابعة من النواميس الكونية ، كما أشارت من قبل إلى أن موت النجوم الصغيرة و المتوسطة يؤدى إلى انهيار مادتها إلى جوفها تحت وطأة قوى الجاذبية و كلما كانت الكتلة كبيرة ، كان الانهيار شديدا ، والضغط عظيما ، و الكثافة فى الجوف عالية جدا و لقد اكتشف بالفعل أمثال هذه النجوم الميتة ، و أمكن التعرف عليها ، و الاستدلال على وجودها و وضعها فى رتب خاصة ، و تمييزها إلى أقزام بيض ناشئة من موت النجوم الصغيرة نسبيا أو . نجوم نيوترونية تمخضت عن انهيار نجوم أكبر من شمسنا بحوالى مرتين إلى ثلاثا ثم ما قورنت كثافة المادة أو ثقلها فى جوف النجوم الميتة لوجدتها فى ثلاثة مستويات : فالبوصة المكعبة من مادة القزم الأبيض تزن حوالى 1000 طن ، فى حين تصل إلى 10000 مليون طن فى حالة النجم النيوترونى ، لكنها فى الثقب الأسود اكثر من ذلك بملايين المرات ... إنها اقرب إلى اللانهائية و من المبادئ العلمية المعروفة أن قوة جاذبية أى جسم سماوى تزيد بزيادة كتلته ..فالإنسان على سطح القمر يحس أنه أخف وزنا لأن جاذبية القمر أقل من جاذبية الأرض ، و هو على المشترى أثقل وزنا لأن هذا الأخير هو أكبر كواكب المجموعة الشمسية حجما . صحيح أن كتلة الإنسان لم تتغير و لكن التغير يرجع إلى قوى الجاذبية ، و إذا تخيلنا أن إنسان قد حل ضيفا على جرم سماوى أكبر كتلة من الأرض بملايين المرات ، عندئذ قد يسحق نتيجة للجذب الهائل الذى يتسلط على جسمه ، و هنا لا يلتحم لحمه بعظمه فحسب و لكن تلتحم إلكترونات ذراته بأنويتها وتسحق مادة جسمه إلى حجم ميكروب لا يرى إلا بالميكروسكوب ، هذا يحدث إذا حل جسمه على رفات نجم نيوترونى ميت تصل كثافة المادة فيه إلى مليون بليون مرة قدر كثافة المادة العادية التى . نتعامل معها فى عالمنا ، أو نطويها فى أجسامنا لكن الأمور قد تتجاوز ذلك فى مركز الثقب الأسود ، حيث تصل كثافة المادة إلى بليون بليون بليون مرة ( واحد أمامه 27 صفرا ) قدر كثافة المادة العادية ، و من الطبيعى أن أحدا لا يستطيع أن يستوعب ذلك ، فكأنما المادة تصبح أثرا بعد عين ، و يرجع ذلك إلى قوى الجاذبية قد أخذت المبادرة و أصبحت لها السيادة على كل القوى الأخرى المعروفة ، و بحيث تفعل فيها ما تشاء ، دون أن نعرف شيئا عما يحدث هناك و من أين جاءت هذه الجاذبية الهائلة ، و كيف نشأت ؟؟

الواقع أنها كانت مصاحبة للنجم العظيم الذى مات ، و عندما انفجر و انتشرت مادته فى الفضاء اندفعت إلى جوفه بعنف شديد بعض مكونات هذه المادة ، و لابد أن تكون كتلة المادة المنهارة ذاتها أكبر من كتلة شمسنا بحوالى ثلاث مرات على الأقل ، ولا يهم بعد ذلك ما تشتت من مادة العملاق فى الفضاء ، لكن المهم أن تندفع بعض هذه الكتلة الجبارة إلى قلب النجم بفعل الجاذبية التى كان النجم يقاومها دائما أثناء حياته ، وكلما زاد الضغط ، تعاظمت الكثافة ،وقويت قبضة الجاذبية ، و سحقت المادة ، إلى أن تصل إلى حدود اللانهائية ، ونحن لا نستطيع أن نستوعب معنى اللانهائية على أى حال ... لا فى زمن ، ولا جاذبية ، ولا أكوان ولا مادة ، ولا فضاء ؟