إنها الساعة الثالثة
. .
بعد
منتصف الليل . .
بغداد واقفة ، مثل مرضعة . .
على كتفها ، قمر ميت . .
وفي الرحم منها جنين عجيب .
.
رأينا على الأفق المستريب .
.
قمرا من
رماد . . وأنياب ذيبْ . .
والليلة . . سوف يسيل من القمر الميت
. .
خيط دم
، يعلق بالروح وبالأغصان
والليلة . . تنبت في الملجأ أدغال العصر الملعون
وتكتمل
الأحزانْ
وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ سود
. .
ذات زعانف ، من لهب ودخان .
.
وعما قليل . . ستبتديء المجزرة
**
مقدمة
:
أنا لا أنظر من
ثقب الباب الى وطني
. .
لكني أنظر ، من قلب مثقوب
. .
وأميز بين الوطن
الغالب . . والوطن المغلوب.
.
. . .
اللهُ لمن يتنصتُ في الليل
على
قلب
!
أو يسترق السمع الى رئتيه !
وطني لم يشهد زورا ، يوما
. .
لكن
شهدوا بالزور عليه
. .
القصيدة
:
ها أنا و اقف ، فوق أنقاض
عصري . .
أقيس المسافة مابين غرفة
نومي . . وقبري !
وأهمس : واآسفاهُ
. .
لقد وهن
العظمُ ، واشتعل الرأسُ ،
واسودّت الروح
.
من فرط مااتسخت بالنفاقْ
. .
سلام على هضبات الهوى
( سلام على هضبات العراق )
انها الساعة الثانية ،
وثلاثون . . من بعد منتصف
الليل . .
بغداد نائمة . . والهزيع
ثقيل . .
وحده النهر مستيقظ . .
والمنائر . .
والقلق المتربص ، خالف جذوع
النخيلْ . .
فجأة
. .
صرخت طفلةُ الخوف في نومها
. .
وتخبط في العش فرخ يمام
. .
وصاح المؤذن في غير موعده
:
- استيقظوا ، ايها النائمون
. .
وماد المدى
. . وتجعد جلد الظلام
واقشعر السكون :
ترى أما كان يمكن إلا الذي
كان
؟
ماكان يمكن إلا الذي سيكون ؟
كان ، لامناص ، سوى ان تُخان ،
على صدق حبك ،
ياصاحبي ، او تخون ؟
. . هو ذا قمر من دم ، قد
التصقت كسر الخبز فيه . .
دم
. . تراب
. .
وهرّ على منكبيه . . غراب
. .
ولقد نظرت بمقلتي ذئب الى
وطني . .
وأحسستُ العواء ، يجيئني ،
دبقا . . يبلله اللعابُ . .
ورأيتني ، اتشمم
الجثث الحرام
.
أفتش القتلى عن امرأتي
. .
لكن . . صاح غراب البين
. .
فانشقّ المشهد قسمين:
مشهد ، عن يسار ضريح الحسين
. .
وآخر ، في ملجأ
العامرية
. .
ورويدا . . حتى يبتديء
القصفُ ،
وتصعد ، من بين شقوق الاسمنت
المحروق ،
تراتيل الخوف ، ترافقها
أصوات مخاض . .
تسقط قنبلة . . تسقط أخرى
. . أخرى
ينفجر الملجأ . . ينهدم
السقف . . وتحترق الدنيا. .
فنموت
. .
ونسمع بين الموت ، وبين
اليقظة . .
صوت جنين . . يضحك في
الأنقاضْ.
واقف فوق أنقاض عصري
. .
كالصليب . . يمد يدين
مضرجتين . .
فما بين يأس . . وصبر
. .
ألا . . أيها الراهبُ
الابديُّ الجريح . .
أما آن أن تستريح
. .
وتدرك أنك لست المسيح
. .
وان الطريق الى ( الجلجة )
لم يعد معظلة!
ولكنه ، في زمان . . كهذا
الزمان . .
غدا مهزلة
. .
ومحض جنون
. .
ترى ، أما كان يمكن إلا الذي
كان . . ؟
ماكان يمكن
إلا الذي سيكون ؟
.
بلى . . كان يمكن
. .
لكنّ خمسين عاما ، من الحب
. . لابد تُتعبُ
والصبر . . يتعبُ
. .
والحلم . . والوهم . . هذا
العذاب البريء . .
في وداع حبيب مضى
. .
وانتظار حبيب يجيء !
وقد كنتُ في وحشة
الروح
. .
أرنو لبغداد . . أبحث عن
منزل لي بها ،
وأعرف ، أنك أهلي
. . وبيتي
. .
وأن على بابنا ، جرسا للحنين
. . أقرعه . . ثم أدخل
:
اللهُ
. .
هذا إذن كل ماقد تبقّى ؟
سريرٌ كسيح
. .
وغرفة نوم مهدمة
. .
ماتزال
معاطف من رحلوا
معلقة فوق جدرانها ومكتبةٌ .
. سقطت كل أسنانها . .
وأهملها
العاشقون
. .
علام إذن يكتب الشعراء
قصائدهم ؟
ومم تُرى يشتكون ؟
فما زلت
أذكر ، أنا مشيينا وحيدين
نبحث عن فندق للعناق
. .
وحين وجدنا الشوارع
مهجورة
. .
والفنادق ممنوعة على
العاشقين ،
اخترعنا الفراق
. .
سلام
على هضبات زمان مضى
. .
سلام على هضبات العراق
. .
يومها . . كان للحب ،
بيت صغير
.
يعود له في المساء
.
ولم يكن الحزن قد بلغ الرشد
. .
والخوف ،
ماكان قد أفسد الكبرياء ولم
يكن الشهداء
يموتون ، من قرف أو رياء
. .
. . .
أبدا
. .
كان يمشي الى الموت
مكتفيا بمحض رجولته
وبزهو الدموع
التي في عيون الحبيبة
. .
وحين دنت ، ساعة المجد
غالبه حبه . . فانحنى خاشعا
وقبل جلاده . . وصليبه
. .
.. .. .. .. ..
واقف كالمرابي
. .
في تخوم الضياع . . وعصر
الخراب . .
على كتفي ، ببغاءٌ مدربةٌ
وفي الصدر
قبرة . . بجناحي غراب
. .
غير مستنكف من مشيبي
. .
ولا نادم . . لأني لمحض
سراب ، هدرت شبابي
. .
ولم أنس هذا الذي كان . . او
سيكون . .
فانظروا أيها
الطيبون
. .
إنها الساعة الثالثة
. .
بعد منتصف الليل
. .
بغداد واقفة
، مثل مرضعة
. .
على كتفها ، قمر ميت
. .
وفي الرحم منها جنين عجيب
. .
رأينا على الأفق المستريب
. .
قمرا من رماد . . وأنياب
ذيبْ . .
والليلة . . سوف يسيل من
القمر الميت . .
خيط دم ، يعلق بالروح
وبالأغصان
والليلة . . تنبت في الملجأ
أدغال العصر الملعون وتكتمل
الأحزانْ
وستطفو قبل الفجر تماسيحٌ
سود . .
ذات زعانف ، من لهب ودخان
. .
وعما قليل . . ستبتديء
المجزرة
فمن يشتري التذكرة
إني ابتعت بهذي
الليلة تذكرتين
مكان اثنين . . أنا وحبيبة
قلبي
في منتصف المشهد
لكأني
أرى مثلما يحلم النائمون
. .
عراقية تتفتح من فرح في
الفراش الوثير
وأراني
أمشط شعر محبتها
فترمقني بامتنان
وتمسح فوق يودي بالحرير
كأني أرى
. . وأرى . . وأرى .
إنما ، فجأة . . يفتح الباب
. .
يدخل مخدعنا ، قنفذٌ من
دم
فتطفيء الرغباتُ
وتترك فوق السرير
جثة امرأة كنت احببتها
ستبقى
بلا كفن في ضمير الحضارة.
.
الى ان يدب الفساد بها
. .
لتفضح سر العلاقة
بين القداسة
فيما نحب . . وبين الدعارة
!
. . . . .
واقف فوق
انقاض بيتي
. .
أفتش عن جثة امرأتي . .
ودمية بنتي
ويسألني الناس للمرة
الألف
. .
- ماكان يمكن ؟
اصرخ : لا . . أيها الغفلون
. .
فإن تك خمسون
عاما من الحب تتعب
. .
أو يكن الصدق يتعب
. .
فالكذب . . آخ من الكذب
. .
هذا العذاب البذيء
في اقتفاء
النجوم التي لاتضيء
. .
والتثبت من قمر في
المحاق
. .
سلام على هضبات المنى
سلام على هضبات العراق.
|