رحيل الشاعر يوسف الصائغ بعيداً عن وطنه
لندن- كرم نعمة :
أمتص الموت رحيق أنفاس شاعر سيدة التفاحات الاربع يوسف الصائغ في العاصمة السورية دمشق عن عمر يناهز الثانية والسبعين بعد وعكة صحية المت به الاسبوع الحالي دون ان تمهله طويلاً.
وكانت صحيفة الزمان قد أعادت الشاعر الى الكتابة بعد توقف دام عدة سنوات في زاويته الشهيرة (افكار بصوت عال) واستمر لاكثر من شهرين في مقال اسبوعي على الصفحة الاخيرة كان اخره قصيدة (أنا لااباع) التي نشرت السبت الماضي.
وكان الصائغ قد تحدث قبل اسبوع مع محرر الصفحة الاخيرة في صحيفة الزمان مبديا اسفه لعدم استطاعته الكتابة لهذا الاسبوع بسبب وعكة صحية وكانه كان ينتظر موته.
وسعد الشاعر بالحوار الذي اجراه الناقد حسين سرمك حسن ونشر على خمسة اجزاء في صحيفة الزمان وفي موقع الف ياء قبل ايام وساءه أن يتناول بعضهم صراحته في الاجابته وعدم المواربة والتهرب من التاريخ من دون ان يهتم في الرد عليهم.
وعبر الصائغ المولود في محافظة الموصل عام 1933 عن وطنية عالية في وقوفه مع بلده العراق متخلياً عن كل المغريات التي قدمت له.
وقال في أجابة على سؤال عن تاريخه السياسي والابداعي : (جاءت الحرب ضد إيران ... أنا لايدخل في عقلي حتى الموت أن يقف ماركسي مع الملالي..أن يصطف مناضل مع عدو متخلف وضد بلدي..هذا شئ لايدخل في عقلي..الكويت..إيران أوغيرهما..لم يكن عندي فكرة أن أكون مع صدام حسين بقدر ماكان عندي هم أن يكون الحزب الشيوعي في الموقف الذي سيحاسب عليه التاريخ. )
وقال ايضا في الحوار نفسه إذا لم تقرأ(مقدمة لقصيدة حبّ فاشل) والتي نشرت في صفحة كاملة من جريدة (الثورة) آنذاك فلن تطلع علي الموضوع بحق..أنا مع العراق وضد إيران وضـد أمريكا وضد كل من يقف ضد بلدي..أنا ضد الحزب الشيوعي لأنّ موقـــفه خاطئ.انا انحني لشهداء الحزب وتاريخه،ولكن الخطأ خطأ ويجب أن أقول الحق..ما قاموا به عمل خاطئ إن لم يكن جريمة.
وفي مفارقة مريرية كانت شائعة قد اثيرت في بغداد عن موت الصائغ اثناء حياته الامر الذي وصلت الى اسماعه فقال: كنت آخر من سمع بهذه الشائعة..شائعة موتي..السبب هو إلتباس مع إسم الكاتب الفلسطيني (يوسف صائغ)..
واستدرك بقوله كنت ومازلت أحّس بأنني سوف أموت قريباً (وكانه كان ينتظر موته، فما اصعب على شاعر ينتظر موته؟) ويسخر من الموت قبل ان يمتص انفاسه الاخيرة بقوله (..لقد اخذوا حقوق موتي..إذا متّ من(صدك) لن يصدق احد ،سيقولون مات بالغلط..ها..ها..(ضحك بشدة واختنق)
كان الشاعر قد كتب جميع مقالته وارسالها لصحيفة الزمان عبر الشاعر العراقي المقيم في دمشق بسام صالح مهدي الذي كان حريصا علي صحته ومدارياً له مثل اب روحي.
وكان أخر ماكتب الشاعر الراحل قصيدة عبر فيها عن اتساق ذاتي واخلاص لموقفه من وطنه ورفضه كل اشكال الخنوع والتبعية بعنوان (أنا لا اباع) جاء فيها:
زُرني
فإن الليل يُتبعني ..
ولقد سكنتُ الشوق مغترباً ..
وكدتُ أموت من فرط التجني ..
الأمنياتُ، اليوم رحلي ..
ما تزال تخبُ بي ،
كذباً
فلا تقصي .. وتدني ..؟
حتى كأن السجن
أقصى ما أطيقُ،
فهمتي القعساءُ
أني ، ما أزالُ
رهين سجني..
وتعرَق الشارونَ
ذاقوني،
حليباً، علقماً، مرَاً
فلما استيأسوا مني ،
شروني ..
أغراهمُ استنكافُ طبعي
واتزان سريرتي ..
وبأن بي جنفاً
عن القيل المنابزِ
والمُكنِّي ..
أنا لا أبيع ولا أباع
والتجار باعوني، وساموني،
وكنت تجارة في السوق
معلنة..
وكنتُ..
فإنْ رخصتُ عليك،
بِعْـني..
ما يهمُّ ؟
لقد تكاثرتِ الجراح،
بجسم ميتٍ...
لا لعمريك..
فالجراحُ، هي المضيعة المواتُ..
وما يموتُ الجسم مني ...
والقلبُ عافيةٌ..
ونبض القلب ـ لو علموا ـ
هو الغردُ المغنّي ..
حاشاك ..
إنا لا أبدلُ جلد وجهي، حين يُشتي الفصلُ ..
لا أبداً ـ وحقك ..
فالندوب به ، ندوبي ..
والجراحُ ـ سلمتَ ـ بعضُ ملامحي..
وأقول ها قبحي ..
وحسني..
&&&
زرني
أخافُ ..
تكاد يائسةٌ تفل عزيمتي..
والموت ..
كل الموت، عندي ،
أن أهون،
ولا ترى، الميقات، عيني..
رؤيا الرجل الصادقين..
أحبكمْ ..
إني أحب الصادقين ..
وقد مللتُ من الجلود النافخاتِ
الناصباتِ ..
وحشو ما في الجلد،
من بَعْرٍ .. وتبنِ
إني مللتُ ..
وقلتُ : لا ..
حاشا العشيرة
ليس هذا الرهط منا ..
الحابسون الريح،
تنفخُ قلبهم ، ورماً،
فإن عصروا ..
فسوا ، خوراً ، وجُبنا..
وتميز الشاعر بتنوع كتاباته بين القصيدة والمسرحية والرواية ، فصدرت له مجموعات شعرية منها مجموعة مشتركة مع الشاعر الراحل شاذل طاقة و(سيدة التفاحات الاربع) و(اعترافات مالك بن الريب) ثم جمعت مجموعاته الشعرية في كتاب صدر عن دائرة الشؤون الثقافية العامة عام 1992، وفي المسرح صدرت له (ديدمونة ) ، (الباب) ، (العودة) ورواية (اللعبة ) ثم (السرداب).
وكتب الشاعر الراحل سيرته الذاتية بعنوان (اعترافات مالك بن الريب).
ووثقت قناة الشرقية سيرة وتجربة الشاعر الراحل في حلقة من برنامج كنوز تحدث فيه عن علاقته وذكرياته عن الكلمات واخر القصائد.