جريس البستاني
"لا تعاتبي العَاجْنَينتو بيغار بيضلّ قلبو من القلق دامي
وكلّ ما الهوا خربش على الأزهار بيقول يمكن دعسة حرامي

المستقبل - الاربعاء 9 تموز 2003 - العدد 1342 - ثقافة و فنون - صفحة 20 

تعد تجربة جريس البستاني من التجارب الإنسانية، وبالتالي الشعرية المختلفة، بين شعراء الزجل. فهو نشأ يتيماً في أوضاع شديدة القسوة، وقد أثر ذلك على الطريق الشعري الذي اختطه لنفسه. كان أسطورة الزجل علي الحاج أول من شجّع البستاني واحتضنه، ثم كان لقاؤه بأسطورة أخرى هي خليل روكز الذي ضمه إلى جوقته "جوقة الجبل" وهي لا تزال جوقة البستاني حتى اليوم. ولد البستاني عام 1937 في حي الحمرا، الدامور، وهناك التقيناه.
متى وكيف وعيت على الزجل؟
ـ وعيته في المدرسة. كنت أتعلّم بمدرسة داخلية للأيتام في كبوشية عبيه، وهناك كنت أقرأ كثيراً، وكانوا يدرسوننا "مثايل" عن عنترة وأبي زيد الهلالي، فأخذت برنّة هذه الأشعار، ودخلت إلى أعماقي، وصرت ألحق هذه الأشياء سواء كان الشعر عامياً أم فصيحاً. كنت أسمع زلاغيط النسوان في القرية وهي أيضاً زجل، لأن فيها قافية و"تطويح"، وأيضاً أجواء الأعراس و"الحوربة" وتكريم العريس وما إلى ذلك وصرت أنشدّ أكثر فأكثر إلى هذه الأجواء. وتطور الأمر معي حتى صرت ألحق جوقات الزجل، وكان هناك رسم للدخول إلى الحفلات، ولم تكن الحفلة كهذه الأيام، حيث لم يكن هناك كأس عرق وطاولات ومازات، وكان الناس يجلسون على أكياس "الجنفيص"..
علي الحاج
هل تذكر الجوقات التي كنت تتابعها؟
ـ بدأت أتابع جوقة "شحرور الوادي" وبالمناسبة أنا ولدت سنة موت الشحرور، وبالتالي لا أعيه، بل أعي رفاقه، ولا سيما علي الحاج القماطي، وكان معه اميل رزق الله وطانيوس عبده وأنيس روحانا.. وذات مرة كان هناك حفلة لجوقة الشحرور في بلدتي الدامور، لكن الدخول إلى الحفلة كان برسم كما ذكرت، وكان الرسم كبيراً، نصف ليرة، لم أكن أملكها طبعاً في ذلك الوقت والسن. لم يكن هناك كهرباء في تلك الأيام، فكان يتم إحياء الحفلات على ضوء القناديل.. المهم ذهبت إلى الحفلة وقبعت في الخارج أفكّر في طريقة للدخول، فسمعت علي الحاج وهو يتذمر من ضعف الإنارة، وعندها خطرت لي الفكرة. فهرعت إلى المنزل وعدت حاملاً القنديل الوحيد الموجود في البيت، وعدت إلى مكان الحفلة، وركضت باتجاه علي الحاج وناولته القنديل فقال لي "عفاك الله يضوي عليك". فانتهزت الفرصة وأسمعته بيتين كنت حضّرتهما في الطريق:
"بربح للقنديل جميل مش تايشفلك ويشفلي
لولا ما لاقي القنديل ما كنت حضرت الحفلي"
فأعجب علي بهذين البيتين وأجابني بردّة:
"يا بني لرجال الالهام منديلك كلّو مروّي
انشالله بتوصل عا إيام متل القنديل تضوّي".
ودخلت إلى الحفلة وكنت من أسعد الناس ليلتها لأنني في حضرة أكبر شعراء لبنان، وكبير هؤلاء الشعراء حاورني وحاورته، فلم تكن الفرحة تسعني.
بمناسبة علي الحاج هناك من يقول إنه كان أكثر موهبة من الشحرور، لكن الأخير كان أشهر منه؟
ـ غير صحيح. كل منهما نال نصيباً وافراً من الشهرة. ولا تنس أن الشحرور توفي وتسلم علي الحاج فترة طويلة رئاسة الجوقة، وكان شاعراً مهماً جداً، إنما كان لكل من الشاعرين طريقته وأسلوبه. فالشحرور هو رجل المناسبات، وهذا أعرفه من معايشتي للزجل، كان رجل حضور وكاريزما أكثر منه رجل شعر. كان شاعراً كبيراً طبعاً لكن حضوره أهم. مثلاً لم يكن يأتي الشحرور على الحفلة في الموعد المحدد. كان يحب أن ينتظره الناس، وأن يشوّقهم، وكان بارعاً في ذلك، إذ يروح حين يصل أخيراً إلى الحفلة بعد أن يتعب الناس من الانتظار، يخبرهم القصص المختلفة حول أسباب تأخيره، وكانوا يسرّون بهذه القصص ولو كانت مختلقة. لكن هذا لا يعني أنه كان يكذب، لكن هذا جزء من مسرحه الخاص.. أما علي الحاج فلم تكن تعنيه هذه الأشياء، ومطرح ما تحطّو بيطلع رجل الساعة، وكانت طرافته أنه دائماً يدخل الفكاهة إلى رداته بحيث لا تكون ناشفة..
هل تذكر شيئاً من طرائف علي الحاج؟
ـ هناك الكثير من القصص. أذكر أنه كان في حفلة مرة، وكان بين الجمهور فتاة مصرية، يناديها كل قليل ويقول لها "كاسك يا ست" فتجيبه هي "دانا مدموزيل يا أخي" واستمر الحال هكذا طوال السهرة، إلى أن قال لها في نهاية الحفلة بيتاً أذكر منه:
"جيتي بنت ورحتي بنت لتكوني جرّستينا"..
فكان جريئاً للغاية في هذا المجال وكانت طرائفه مستحبة من الناس. هناك حكاية أطرف تروى عنه. فقد كان ذات مرة بصحبة فتاة يتناغشان في أحد الحقول، فوقع علي الحاج وأصيب في ركبته مما استدعى نقله إلى المستشفى، وهناك جاء نفر من أصحابه لزيارته فأنشد لهم هذين البيتين:
"بعدو زندي شديد البطش ودمي بعروقي بيجري
لو إني كفيت اللطش وراحت إجري.. لإجري"
فكان علي خفيف الظل والروح، ثم إنه لم يكن يحب أسلوب الشحرور، يعني المرجلة و"الكنفشات".. وهناك ميزة خاصة جداً عند علي، هي أنه كان منحازاً للأناس الفقراء والبسطاء. فقد دعاه مرة شخص مهم لكي يسهر عنده فاعتذر منه علي قائلاً إنه مشغول، وفي الليلة نفسها ذهب إلى زيارة صديق له يملك دكاناً صغيراً قرب منزل الشخص المهم، وقعد على مدخل المتجر يشرب العرق بانتظار مرور الشخص المهم. وحين مر أخيراً واستغرب حضور علي هناك ورفضه تلبية دعوته أجابه علي "هيدا اللي برتحلو.. هيدا بغنيلو لإنو حابب يسمعني، وإنت بدك ياني غني ببيتك حتى تفتخر بذلك أمام الناس".. وهذا الموقف أثّر كثيراً على الخط الذي اخترته لنفسي.. أي القرب من الناس والفقراء أكثر مما من الزعماء..
هل تعتقد أن شعراء الجيل الأول، وهم على هذا القدر من الانتشار والشهرة، حققوا الثروات من الزجل؟
ـ لا أظن ذلك. فمن الصعب أن تجمع ثروة من الليرة وربع ليرة ولذلك كانوا قديماً يقولون "ما في شاعر عازلطو قميص" أي أن الشاعر الزجلي أحواله على قدّه.. اليوم الأوضاع أفضل بكثير..
أخبرتني أنك نشأت في ميتم؟
ـ لم أعرف أبي ولم أعِه.
هذا يعني أنك لست من بيت زجلي، يعني لم ترث الزجل عن أحد؟
ـ أنا لحقت الزجل مش هوّي إجا على كتافي. ثم إنه ليس هناك شيء اسمه وراثة في الزجل. يمكن أن تعلّم ابنك الهندسة أو الطب أو الخياطة.. أما الشعر فمستحيل.. تستطيع أن تدعمه لكنك لا تستطيع أن تعلّمه الشعر..
ذكرت لي أيضاً أنك تأثرت بزلاغيط النساء، مما يعني أن النساء كان لهن دور في طقوس الزجل الأولية؟
ـ طبعاً، النساء لهن دور كبير، ليس فقط في مسألة "الزلاغيط" و"الحوربة" والمآتم وما إلى ذلك، بل في دعم الحفلات الزجلية أيضاً. فمعظم جمهور الحفلات هو من النساء..
كيف تابعت مسيرتك؟
ـ ظلّ علي الحاج في مخّي. ثم صرت ألحق الزجل، إلى أن ألفت جوقة في سن 15 أو 16، وكان اسمها جوقة "حسون الوادي" وكان ذلك في 1954,. كان معي في الجوقة نقيب الشعراء اليوم خليل شحرور ويوسف شلهوب وقيصر مرعي وتعاقب على الجوقة أحمد السيد وفؤاد شعبان وعبد السلام علوش وفرانسيس عون..
خليل روكز
كيف يعرف شاعر الزجل أنه يستحق الاستمرار في هذا الفن أو المهنة؟

ـ حين تتقبلك الناس وتصفق لكلمتك فهذا يعني أنك جيد، وهذا ما حصل معي ومن هنا قلت عليّ أن أتابع وأن أجد مكاناً .. وصودف أن تعرّفت على الشاعر الكبير خليل روكز..
يبدو أن روكز محطة دائمة يتوقف عندها كافة شعراء الزجل، ما الذي يجعل من هذا الرجل محطة لا غنى عنها في تاريخ الزجل؟
ـ نحن رفاق خليل ساهمنا في ذلك. فقد وعّينا الناس على شعره وصرنا نكثر من ذكره في حفلاتنا ونقيم له حفلات التكريم.. صارت الناس تهتم به أكثر فأكثر، لكن الأساسي في الأمر هو شعره، وإلا ما كنا روّجنا له إلى هذا الحد.. وما كنا أقنعنا الناس به.. هو مقنع بشعره بالدرجة الأولى..
لهذا السبب يحبه الشعراء.. أعني بسبب شعره؟
ـ لم يكن الشعراء يحبونه إلى هذه الدرجة، بل كانوا يغارون منه. الناس هم الذين أحبوه، لأنه صادق ويغار على شعره، وإذا لم تعجبه كلمة في بيت ما، لا ينام طوال الليل حتى يجد بديلاً عنها.. وكان خيالياً وغير روتيني..
لكن هذه صفات يشترك بها مع آخرين؟
ـ لا، موضوع الخيال يختص به خليل روكز بالذات. فهو قادر في قصائده أن يأخذ المستمع أو القارئ إلى أمكنة لا يعرفها ولم يتخيّلها.. أمكنة لا يراها أحد سواه..
هل تذكر شيئاً من شعره بصورة خاصة؟
ـ لا أحد في لبنان لا يذكر لروكز ردة أو ردتين أو حتى قصيدة. أنا أحفظ الكثير من قصائده مثل "مقبرة" و"عبدة" و"هدية" وغيرها. هناك ردة له أحبها، يقول مثلاً لرجل يفشّط كثيراً ويبالغ في تقدير ذاته:
"إنت نقطة تجدّبت فيه الميول وعالجّة الأقذار وصّلها السعي
ومن بعد ما وصلتْ قرف منها الوصول وجنّ الندم والجرم عافعلو ندم"
فهناك في شعره السهل الممتنع، وفي الوقت نفسه يملك العناصر التي تجعل المشاهد مشدود الاهتمام. يقول مثلاً:
"بصرتك بنومي قال عم توعي من سريرك المشدود بضلوعي
وعم تزحطي رح توقعي عنّو غمرتك بلهفي تا خضر كوعي
وخاف كوعي تفلتي منّو استنجد بقوة مارد ولوعي
ووعيت ومنامي فشل ظنّو مش غامرك غامر وهم جوعي"
وهناك مقطع آخر أحبه قاله ارتجالياً خلال إحدى حفلاته على خليج جونيه، وكانت أمواج البحر تصل إلى اليابسة، فيقول:
سمعت البحر بيهوج قلت له ولا
مش إنت عم بتهوج جاوبني مبلى
كيف بتحطو الحلى عاجانبي
وبتطلبو من الملح يسكت للحلى".
عملت إذاً مع روكز؟
ـ كما ذكرت لك كنت ضمن جوقة "حسون الوادي" فجاء مرة روكز وطلب مني الاشتراك في حفلتين بسبب نقص أحد الشعراء في جوقته، فقلت له عليّ أن أستشير الجوقة ثم أجاوبك، قال لي إذا شئت تنضم إلى جوقتي، "جوقة الجبل"، بعد أن نرى هاتين الحفلتين، وهذا ما كان، إذ بعد انتهاء الحفلتين قال لي الجمهور مبسوط منك وسنتابع معاً.. فكانت بداية الطريق عام 1958، وبقيت هذه الجوقة هي جوقتي الأساسية حتى اليوم. لكن بعد وفاة روكز في 1962 أنشأنا جوقة خليل روكز تكريماً له، واستمرت حتى العام 1971، وبعد حفلة بيت مري تغيّر اسمها وأصبحت "جوقة القلعة"، وفي ذلك الوقت انفصلت عنها وعدت إلى "جوقة الجبل"..
هل تذكر شيئاً من شعرك في ذلك الوقت؟
ـ تلك كانت سن الفوران، يكتب المرء ويكب وراءه.. تبقى القصائد فترة في ذهنه ثم تضيع..
لكنك إضافة إلى الارتجال تكتب الشعر؟
ـ أحب النوعين، لكنني أفضّل الإرتجال أكثر. أما الكتابة فهي تفرض نفسها عليّ لأن فيها هندسة وتعب أكبر، وفيها الأحلى والأنسب، لكن الإرتجال يريحك.. وفي نهاية الأمر الجمهور يريد الكلمة الحلوة سواء كانت مكتوبة أم مرتجلة.. في البداية كنا نطلب من الجمهور أن يقترح الموضوع ونضع ذلك على الإعلان، لكن هذه المسألة صارت تسبب لنا المشكلات إذ صار كل شخص من الجمهور يريد موضوعاً معيناً، فقررنا أن نعيّن نحن الموضوع..
أي نوع من الشعر تفضّل كتابته بصرف النظر عن الشكل؟
ـ الوجدانيات.. حيث تصوّر الواقع وتعطيه حجماً أكبر من حجمه.. بصورة عامة الشاعر يغني كل الأنواع لكنه لا يبرع فيها كلها. فلا تجد في المرجلة شاعراً مثل أبي علي مثلاً، أما أنا فلا أستطيع أن أقول مثلاً "بدّي أفرك دينة عنترة" أما أنا فأحب سماع دقة قلب عنترة لا رنين سيفه.. كل شخص وله طريقة..
هل تحب الغزل مثلاً؟
ـ أكيد ليس هناك شاعر لا يحب الغزل، وإذا لم يتغزّل يفقد الكثير من نفسيّته.. لكنني لست ترابياً في غزلي، أنا رومنسي:
"قلّلي الحكيم بريد قلبك إفتحو تا صلّح الدقات بين مراوحو
خمّن رح بخلّي دموعي يسبحو قلت ادبحو لكن عند ما تدبحو
لا تغمّق السكين دخلك يا حكيم أحسن ما توصل للحبيب وتجرحو"
أغني أشياء من هذا النوع. ليست قضية جسد..
لبنان
غالباً ما يرتبط شعراء الزجل بلبنان، أو أنهم يربطرن أنفسهم به، وإذا كان هناك من شبه ما بين لبنان الخمسينات والستينات وشعر الزجل، فهذه الصلة مفقودة اليوم، هل ما تزال مسألة لبنان مركزية عندكم؟

ـ طبعاً، لكننا اليوم لا نتمنّى أن نشبه لبنان، نحن نشبه لبنان الذي كان. شاعر الزجل لا يزال يحتفظ بلبنان معه كما كان، ويمكن أن تتغير الأوضاع والظروف والحكام، إنما لبنان المظبوط يعيش داخل كل شاعر زجلي.. ربما يتأثر الشاعر مادياً بالأوضاع السيئة أما شعرياً فارتباطه يبقى بلبنان..
ما السبب.. يعني لماذا ينبغي أن يرتبط الزجل بلبنان، وأن يظل يتغنّى شاعر الزجل بالصور القديمة البائدة؟
ـ لأن جذور الزجل لبنانية متعلقة بالأرض وبالعادات وبالأشياء التي تجعل العائلة تلتقي وتجتمع.. لا يستطيع الزجل الدخول إلى الإنترنت أو الكمبيوتر، عليه أن يعيش التراب..
لكن لماذا لا يحكي شاعر الزجل عن نفسه مثلاً؟
ـ بلى يحكي عن نفسه وعن وضعه كما يحكي عن مأساة بلده، لكن ارتباطه الأصلي هو بلبنان لأن هذا تراثه. والزجل غير موجود على هذا النحو سوى في لبنان، هناك زجل في عدد قليل من البلدان العربية لكن انتشاره مختلف.. لا يستطيع الزجل أن يكون خارج لبنان..
حسناً ما هو لبنان بالنسبة إليك؟
ـ لبنان هو المكان الذي وعيت فيه.. لبنان هو الحضن الذي له الفضل في وجودي.. وهذا على كل حال شأن كل إنسان في العالم.. أنا من هذا التراب وبالتالي فإنني ملزم به مثلما هو ملزم بي.. لبنان هو التعاطي النفسي مع الأرض والبيئة والعادات وليس مجرد أشجار وما إلى ذلك.. لبنان هو شعبه في نهاية الأمر..
لكن صورة هذا الشعب ليست على هذا القدر من المثالية؟
ـ الناس لم يتغيّروا، لكن الشعب يُجرّ إلى حيث لا يريد.. الشعب لا يريد هذه الأحوال، لأنه يحب الحياة، وأن يظهر المواهب لكنه لا يستطيع فعل ذلك لا اقتصادياً ولا فكرياً..
هل تنظر إلى واقع الزجل اليوم بارتياح؟
ـ الزجل في أفضل أحواله.. فجمهور الزجل لا يحيد عنه ويظل متعلقاً به، وهناك من يرث حب الزجل عن أبيه أو جده.. هناك جيل بأكمله يتابعنا اليوم بفضل أجداده..
الكافي
هل تشعر أنك قمت بالكافي شعرياً؟

ـ أشعر أنني فعلت أكثر من الكافي، فلا أظن أن أبناء جيلي أعطوا أكثر مني.. وأنا استمرّيت في العمل زمن الحرب وكنت آتي برفاقي من خطوط التماس.. ثم أنني لم أدع بلداً في العالم لم أحيي فيه الحفلات..
لكن ألا تشعر بالقلق، هل تفكّر في ترك أثر ما، لنقل كالأثر الذي تركه خليل روكز؟
ـ لدي قلق كبير على نفسي. فأنا لدي نتاج ضخم غير منشور، ويحتاج إلى جهد كبير لجمعه.. أشعر بالرضى عن النفس لكن يقلقني ألا أتمكن من إيصال نتاجي إلى الناس..
هل نشرت الشعر؟
ـ طبعت أربعة دواوين نفدت كلها.. والآن أحضّر لديوان جديد ربما يصدر مع اليوبيل الخمسين لبدئي بالشعر.. لكنني أعاني من مشكلة مع تواقيع الكتب.. لا أحبها..
ماذا عن الأغنيات؟
ـ هناك الكثير منها. وأنا أفتخر بكتابتي لأغنيات مسرحيات ريمون جبارة "يوسف بك كرم" و"صانع الأحلام" و"طانيوس شاهين".. كما بالبرنامج التلفزيوني "ريكي وربيع" مع منير معاصري الذي ألفت أغنياته أيضاً..
معظم الشعراء أكد لي أنه هناك جيل شعري جديد لكن هذا الجيل غير حاضر بقوة..
ـ تجدهم حين نذهب نحن.. الزجل لا يموت.. نموت نحن فقط.. قديماً حين مات الشحرور قالوا إن الزجل انتهى فجئنا نحن وأحييناه.. ربما تمر سنوات ينام فيها الزجل، إنما يعود لأنه طالما هناك لبنان هناك زجل وشعراء جدد..
أخيراً ممن تتكون جوقة الجبل اليوم؟
ـ إضافة إلي، تتكون من محمود بو اسماعيل والياس أبو راشد وداني صفير وهم جميعاً شعراء لهم مكانة كبيرة في قلبي..

من قصائده

السنديانة
سألتْ عن عمر هوني سندياني
بيساع بجوف قرمتها تماني
جدّي قال قلّو لجد جدّي
جدّو قال هاي مش عازماني
رجعت ليها بعد ما ضعفت مدي
إسألها بإلحاح ورصاني
إنتي مين خلاّك تشدّي
ومن وين الأساس الأوّلاني
قالت بذكر من دهور عدّي
آدم هون بلوطه رماني
وعيت بهالتراب الباس خدّي
وشموخي من عمر أول حضاني
قلت بالقطع ما شفتي تعدّي؟
قالتلي مبلى بداعي التهاني
من خشابي لأول عرس جدّي
حوّل بنتها عملت خزاني
وبذكر نوح بالطوف المُعدّي
من خشابي فلكو متاني
ورجع من بعد طوفي مستبدّي
بمطرح ما تودّعنا لاقاني
قلت واليوم عم بقشع تردّي
بحلاكي وليش لونك زعفراني
قالت للنهاية مستعدّي
البقا لله خبّر عن لساني
قلت ما زال جيتي تردّي
الأمانة وصار ضعفك عم يعاني
انحني حنية منازع عالمخدّي
وعافرشة راحتك ردّي الأماني
قالت يا ابن أرض المودّي
حرام عليك تجرح عنفواني
إنتْ لو مؤمن بهالأرض قدّي
كنت بتجذّر شلوشك مكاني
أنا الجعّد جبينو الدهر حدّي
وحردبْ قبل ما جوّد حناني
بقي جسمي على القشري مهدّي
تا إيبس على الواقف لإنو
إبن لبنان ما بيموت حاني

مصيبة الحلوين
اهتدي يا عمر عاسوالف مشيبي
وخلّي مرايتك مني قريبي
وخلّيلي من الحلوين موني
تكفيني من شروقي لمغيبي
أنا مقيّد لعاطفتي الحنوني
وجنون الحب حمّلني صليبي
إذا ما بكمّل مراحل جنوني
قلبي بيعمل بقلبي عجيبي
عيون السود ضلّو يجرّحوني
تا صارت حالتي حاله كئيبي
إجو أهل المروي ينصحوني
تا إبعد عنهن وطفّي لهيبي
قلت يا عالم بحالي اتركوني
أنا المتألم وراضي بنصيبي
مش بحاجه لأطبا يعالجوني
الجرحني بس بعتبرو طبيبي
ضلّو قبال منّي تأملوني
وإذا بدكن الآراء المُصيبي
عن الحلوين لولا بتسألوني
حلوين الدني مصيبي علينا
وما فينا نعيش من دون هالمصيبي

مرجوحتك
حبّكْ جبر سرساب إيامي
يزرع نظر خلفي وقدّامي
إنتي معي وفكري مع الأخطار
الفزعان منها تزيد آلامي
بحبّك ولو بقدر مع الأسرار
سكّر عليي بقجة هيامي
تا كنت خبيكي من الأخطار
بمطرح وحيد بيعرفو غرامي
لا تعاتبي العاجنينتو بيغار
بيضلّ قلبو من القلق دامي
وكل ما الهوا خربش على الأزهار
بيقول يمكن دعسة حرامي
ضلّي لسهر فكري وعي الأفكار
ولما يصير النوم إلزامي
بعيني اللي ما بتنام ليل نهار
قيسي مساحة فسحة الريفين
ومرجوحتك فيها انصبي ونامي

سرار القلب
من قلب غطّاكي بنهداتو
وسنين عشتي بين خفقاتو
بدّك تفلّي واتخذتي قرار
ما تسألي عن كل عنّاتو
تا تقول مش رح بسألك شو صار
ووافقت رأيك عالرأي ذاتو
يا هل ترى رح يقبل التذكار
إنتي وأنا نجرح حكاياتو
عاكل حال ان تم هالمشوار
لا تستغلّي دموع شمعاتو
ما في ولا إنسان تا بيغار
عاقلب ما خربط بدقاتو
كرمال مبداكي احفظي الأسرار
وردي الشماتي عن جروحاتو
البيهمهم أمر الشماتي كتار
وما في حدا بيعرف سرار البيت
إلا البيعيش سنين جوّاتو