روبير خوري
تٍعْبت عيوني من شَقا المشوار وكرم الصبا شٍعْلت عناقيدو
انْ ما تركتْ كرمي يقطفو الخمّار كرم الحفظتو عمر شو بريدو؟

المستقبل - الاثنين 7 تموز  2003- العدد 1340 - ثقافة وفنون - صفحة 18 

 

روبير خوري من بين أبرز المشتغلين على الزجل اللبناني بحثاً وإعلاماً وكتابة. يصدر منذ العام 1988 مجلة "صوت الشاعر" التي صدرت في الخمسينات وتوقفت في الستينات. يكتب الشعر ولا يغني على المنابر لأنه، بحسب كلامه، لا يملك الصوت المنبري. لكنه تمكّن عبر سنوات من أن يصبح أحد المراجع الموثوقة في مجال الزجل، وربما صاحب أكبر أرشيف زجلي في لبنان حيث تضم مكتبته نحو 750 كتاباً زجلياً أو حول الزجل بما فيها كتابه المرجعي "الزجل اللبناني: منابر وأعلام".
ولد روبير نعيم الخوري عام 1940 في بلدة زوق الخراب، المتن الشمالي، وهناك التقيناه في مكتبته التي لا يزال يديرها منذ الستينات.
كباحث في الزجل وصاحب مجلة زجلية وكشاعر أيضاً، أودّ أن أطلع منك بداية على معلوماتك حول الزجل اللبناني؟
ـ من خلال مطالعاتي الكثيرة للزجل اللبناني وجدت أن هناك رأيين. فمنهم من يقول إنه مستورد، كمن يرى أن العتابا جاء من العراق، وأنه كان هناك بنت في العراق اسمها عتاب وعندها حبيب يتغنّى فيها، ثم افترقا، لتصادف الظروف لاحقاً أن يلتقيا في لبنان. أنا أعتبر أمثال هذه المزاعم مجرّد خبريات.. هناك من يقول إن الشروقي جاء من السعودية مثلاً، من الحجاز تحديداً، وأن الموشح جاء من الأندلس، ولكن ما الإثبات على ذلك كله. ليس هناك من إثباتات يمكن الاعتماد عليها وتبقى الخبريات إذاً في باب التأويل والافتراض.
معلومات
ليس هناك من معلومات ثابتة حول مصادر البحور الزجلية إذا؟

ـ المعنّى والقرّادة وهما من أشهر بحور الزجل وأكثرهما انتشاراً ينسبان إلى السريانية وهذا ثابت، فمن يقرأ المزامير السريانية يجد أنها تحوّلت مع الزمن إلى هذين البحرين.. بالنسبة إلى بحور الزجل فهناك من ينسبها إلى الشعر الفصيح، وهذه نسبة غير صحيحة على الرغم من التشابهات. ففي الشعر الفصيح هناك البحر المزدوج، وهو ما تقابله القرادة، لكن الفرق بين الإثنين أن الزجل ليس فيه تفعيلات، الأمر نفسه ينطبق على الموشح، والسريع في الفصيح هو القصيد في الزجل.. فهناك تقارب بين أوزان الفصيح وأوزان العامية لكن إذا أخذنا الزجل بالتفاعيل نفسها نكسر وزنه لأن الزجل يعتمد على الموسيقى والإيقاع أكثر من التفعيلات.
برأيك ما السبب وراء انقسام الرأي بين مناد بلبنانية أصلية للزجل، ومنسّب له إلى أشكال أخرى عربية وغيرها؟
ـ هذا النقاش مرده الوضع اللبناني نفسه. فاللبناني متعدد العواطف.. هذا عاطفته عربية وذاك فرنسية وهذه العاطفة جعلتنا نلتفت إلى الخارج.. لكن لما لا نقول ببساطة إن الغناء ميزة أساسية لدى كل شعوب الأرض، ومنها الشعب اللبناني الذي كانت له أغنياته منذ مئات السنين.. إضافة إلى ذلك هناك مشكلة تتعلق بشعراء الزجل أنفسهم، فهم منذ الخمسينات وحتى الآن يشعرون بالدونية تجاه شعرهم، فترى الواحد منهم مثلاً حين يصدر كتاباً يقصد أكاديمياً ما، ولو غير مطلع على الزجل، لكي يكتب له المقدمة، بدلاً من اللجوء إلى شاعر زجلي معروف.. هذه الحال من التشتت هي من بين الأسباب التي تقيم أو أقامت في مرحلة ما سجالاً حول طبيعة الزجل وأصله وفصله..
تاريخ
ما الذي نعرفه بشكل أكيد عن تاريخ الزجل؟

ـ أقدم وثيقة وصلت إلينا حول الزجل تعود إلى العام 1289 ميلادي، وهي وثيقة ظهرت في الفاتيكان، تحمل الرقم 214 وتتضمن قصيدة زجلية للمطران سليمان الأشلوحي، وتتحدث عن نكبة طرابلس التي وقعت في تلك السنة. ومما يقوله الأشلوحي في هذه القصيدة:
"يا حزن قلبي وما يخلّي من أحزان
والقلب من الحزن شاعل بنيراني
من طرابلس كان بدء القول يا حزني
والقول من قبل هذا الشرح قد خان"
وهذا إذا حكّمنا عليه أوزان اليوم نجده مكسوراً، لكن في تلك الأيام لم يكن كذلك، فقد كتبه أشهر شعراء ذلك الزمن.
هناك من يقول إن أقدم وثيقة هي بالسريانية؟
ـ الوثيقة التي ذكرتها لك هي بالعربية. وهذا يؤكد خطأ هذه الفكرة.
نعود إلى التاريخ؟
ـ ذكرت لك وثيقة الأشلوحي للدلالة على قدم الزجل عندنا.. بعد ذلك كان الزجل منتشراً في لبنان وراح يتطور تدريجياً إلى أن وصل إلى الصيغة الحالية. قبل شحرور الوادي الذي أسّس المنبر الزجلي كان هناك ما يعرف باسم "برمة الدف"، وهي تقوم على التحدي حيث يجتمع عدد من الشباب في سهرة معينة ضمن حلقة وترافقهم الدربكة والدف، وكان التحدي يبدأ بالارتجال ثم يكون أمام الشخص التالي فترة زمنية معينة ليرتجل فيها جواباً، فإذا لم يفعل انتقل الدف إلى سواه وخرج من الحلقة. وتدور هذه الردات على هذه الحال حتى يبقى اثنين في النهاية. هكذا كانت الجوقات الزجلية التقليدية. ثم جاء شحرور الوادي وأرسى في 1928 المنبر الزجلي والتي لا تزال حتى الآن من دون تعديل سوى تعديلات بسيطة لا تذكر، وكان الشكل الأساسي يقوم على أربعة شعراء وأربعة رديدة..
أعود بك إلى بحور الزجل هل يمكننا التعرف عليها قليلاً؟
ـ العمود الفقري لأي حفلة زجلية يتكون من القرادة والمعنى والقصيد.. "القرادة" هو الأسهل والأكثر انتشاراً.. أقول مثلاً:
"كنا ع دراج الحلوين نزرع أحلام كبيره
ولِمْ صرنا بعمر الخمسين صارت تاكلنا الغيره"
ثم هناك "المعنّى" الذي يأتي على الشكل التالي:
"لا تزعلي ان صرنا خبر ماضي انطوى
وصفحة من الإيام شلّعها الهوا
عمطرح الكنّا أنا وإنت نروح
صاروا يروحوا بنتك وبنتي سوا"
ما يميّزه عن القرادة موسيقاه وأنه أطول منه.
وهناك نوعان من القصيد. القصيد السريع مثل:
"يا عمر يا مجرم بدون سلاح
وحدك عدوّي.. بصمتك القوه"
والقصيد البدّالي وهو منسوب إلى البحرين المتناهي والبسيط. أقول مثلاً:
"حلا الإيام ما بيكمل رصيدو إذا ما تعانقو القلبين أكتر"
العتابا مثلاً هي على الوزن نفسه وتختلف القفلة فقط. مثلاً:
"حلا الإيام ما بيكمل رصيدو إذا ما منلتقي ومنصبح قراب"
وهذه قفلة ملزمة في العتابا.
هناك تقاطعات كثيرة بين البحور المختلفة؟
ـ طبعاً. مثلاً الشروقي وأبو الزلف لا يختلفان إلا في التفاصيل والشكل.
في الشروقي نقول مثلاً:
"تركتن لإني عرفت بعيونك الحلوين
وضيّعت كل الدني ولقيتها فيكي"
أما الأبو الزلف فهو كالآتي:
"تركتن لإني عرفت بعيونك الحلوين
وضيّعت كل الدني عيني يا موليّا
ولقيتها فيكي عيني يا موليّا"
فعبارة "عيني يا موليّا" هي التي تكوّن أبو الزلف.
يبدو الغناء أساسياً إذاً في موضوع البحور، يعني لكي نميز بيتاً مكسوراً علينا أن نسمعه مغنّى؟
ـ لا، الأمر هو نفسه كتابة وغناء، فكسر الوزن يظهر في الحالين بالنسبة إلى من يعرف أوزان الزجل أو إلى المستمع الخبير..
ذكرت لي العتابا وأبو الزلف.. هل يمكن القول إن أشكال الغناء التراثي كلها كالميجنا كلها تنتمي إلى الزجل؟
ـ كل التراث الغنائي الشعبي اللبناني يدخل في الزجل، فهو الأم ومنه تتفرع الأشكال والأنواع.. مثلاً "برهوم يا برهوم" و"الدلعونا" هما من أقدم الغناء اللبناني وتاريخيا غير معروف، وهما من الزجل..
التجربة
نأتي إلى تجربتك الشخصية مع الزجل، ماذا عنها؟

ـ أنا إنسان ربيت في بيت شعبي متواضع. كان أبي مزارعاً صغيراً وأمي امرأة بسيطة، وقد وعيت في هذا البيت. كانت أمي تغني لنا الأغنيات الشعبية المعروفة وتدندن "يلّا ينام" مثل كل الأمهات، وكان أبي يغني الزجل ككل الناس وقتذاك.. استهواني الزجل انطلاقاً من هذه الأجواء.. وينبغي أن تعرف سرّ استهواء الزجل للشباب في ذلك الزمان. فقبل الخمسينات إذا أراد المرء أن يصبح معروفاً أو مشهوراً لم يكن أمامه سوى الزجل. فلا تمثيل ولا غناء والمسرح لا يستطيع الإنسان الفقير الوصول إليه لأنه كان بورجوازياً وقتذاك.. فلم يكن في وسع الفقير الطامح إلى تحسين أؤضاعه ونيل بعض الشهرة سوى الزجل، فتراه ينتقل من الغناء في البيت إلى عند الجيران إلى القرية، إلى القرى القريبة، وهكذا دواليك.. وكانوا يستندون إلى الصوت الحلو للانطلاق في الزجل..
يعني كان الزجل بوابة حقيقية للشهرة؟
ـ بدون شك، ولا تنس أن شاعر الزجل ينطلق بالفطرة أكثر مما بالعلم.. تصوّر أن شاعر الزجل الأمي كان يقف أمام 300 أو 400 شخصاً في مناسبة ما ويلقي قصيدة يصغي إليها الجميع وأحياناً يتحول زعيماً شعبياً.. اليوم نرتجف حين نمسك ميكروفوناً فيمكنك تخيّل صعوبة الأمر..
هل هناك زجّالون أصبحوا زعماء؟
ـ رشيد نخلة. كان موظفاً كبيراً في الدولة اللبنانية، وكان ميسوراً وبيته مفتوحاً للجميع، وقد تمكن من أن يصبح أمير الزجل اللبناني وأن يكون زعيماً سياسياً في زمانه..
بالعودة إلى تجربتك متى بدأت بكتابة الزجل؟
ـ في السادسة عشرة تقريباً. كتبت قصيدة نشرت في "صوت الشاعر" التي كان يرأس تحريرها أخي فيليب الخوري، وكان ذلك في 1956.
هل تذكر هذه القصيدة؟
ـ أقول فيها:
"هربان من عمرو فني عمرو عذاب
والدهر قاسي ما إلو دمة وضمير
لا بيرحم ولا المكرمة إلها حساب
عندو ولا بيرقّ قلبو ع الفقير"..
في تلك السنة نزلت من "زوق الخراب" إلى بيروت حيث عملت في مطبعة "فتى الجبل" صفيف أحرف، ثم انتقلت إلى مطبعة أخرى، وكانت هذه المهنة عريقة وقتذاك.. وفي الفترة نفسها ساهمت في تقديم برنامج "شوية شعر" عبر "إذاعة لبنان" مع ميشال طعمه ومارون كرم.. كنت شاباً وشعرت بالغرور إنو شاب صغير ويقوم بعمل مهم في الإذاعة..
المنبر
لماذا لم تغنّ في جوقات؟

ـ لأن صوتي غير جيد.. لكنني غنيت في مطلع الستينات مع ميشال قهوجي وكميل شلهوب ووديع الشرتوني قبل أن أتوقف نهائياً عن الغناء المنبري..
هل هناك من قال لك إن صوتك غير جيد أم اكتشفت الأمر بنفسك؟
ـ أنا أعرف ذلك، صوتي مش منيح.. وقد اقتنعت بذلك.. واستعنت بالكتابة بدلاً من المنبر..
حتى الكتابة لم تأخذ حظها الكافي معك.. ربما بسبب انشغالك بمجلة "صوت الشاعر" وبمجال البحث الزجلي؟
ـ هناك شيئ من الصحة في ذلك.. صدرت المجلة في 1954 وكان أخي يصدرها، وفي سنة 1957 تركها أخي لي بعد زواجي وعدم تمكنه من تحمّل كلفة إصدارها.. تحمّلت ما يفوق طاقتي وقتذاك، واستمرّيت في إصدار المجلة حتى العام 1961 حين ما عدت قادراً على تحمّل كلفتها المادية.. فأنا من عائلة دراويش لكنني عزيز النفس ولم أكن أجري وراء ثمن الاشتراكات التي غالباً لم تكن تسدّد.. انتظرت حتى 1988 حين استرديت امتياز المجلة ولا أزال أصدرها حتى الآن..
غريب أن تتوقف المجلة في عز الزجل وانتشاره.. هناك من يقول مثلاً إن المجلات الزجلية كانت تبيع أكثر من الصحف الكبرى؟
ـ لم يكن هناك أرقام ضخمة.. كان هناك ست أو سبع مجلات زجل وكانت "الأدب الشعبي" الأكثر انتشاراً، لكن المبيعات كانت بالمئات..
هل ساهمت الصحافة الزجلية في نهضة الزجل؟
ـ بدون شك.. فالزجل اللبناني كان غير موثق فوثقته الصحافة ونظّمته.. اليوم إذا أراد أحدهم القيام ببحث عن الزجل عليه العودة إلى هذه المجلات..
ما كانت أول مجلة زجلية؟
ـ كانت "الزجل اللبناني" ليوسف الباحوط وخليل أيوب الحتّي وصدرت في 1932,. قبل "صوت الشاعر" كان هناك 13 مجلة..
ما الذي ميّز "صوت الشاعر"
?
ـ قبل هذه المجلة كانت الصحافة الزجلية عبارة عن بريد قراء، يعني يرسل القارئ قصيدة فتنشرها المجلة.. حاولنا في مجلتنا أن ننقل المجلة الزجلية من إطار بريد القراء إلى الخبر وصنع الخبر، وكان لنا إسهام كبير في عدد من الأحداث المهمة مثل مؤتمر الزجل اللبناني وعيد الشعر وما إلى ذلك.. فصرنا نهتم بالخبر ونتابع سير الشعراء الذين مرّوا على تاريخ الزجل..
هل تلاحظ انحساراً في أوضاع الزجل في أيامنا هذه؟
ـ الزجل خرّبه أهله. كنت ولا أزال أقول إن الزجل هو سلعة بقدر ما نسوقها تصل إلى الناس وبقدر ما نخبئها لا تصل.. هذا ما يفتقر إليه شعراء الزجل. لا تجد شاعراً مثلاً يملك أرشيفاً عن عمله. اليوم ما عاد الجيل الجديد يكتب الزجل، بل ما يسمّى بالشعر اللبناني وهو بالمناسبة لا يختلف عن الزجل سوى بالاسم..
المطلوب
ما المطلوب لكي يعاود الزجل الحضور بقوة؟

ـ المطلوب نهضة إعلامية، وتكاتفاً بين الشعراء وحمل قضية الشعر بجدية. أعطيك مثالاً حين يطبع أحد الشعراء مجموعة ويدعو إلى توقيع يبيع 100 نسخة في أفضل الأحوال، 90 منها يشتريها أهله وأصحابه، و10 فقط يشتريها شعراء.. مش حرام هالشي.. الجزء الثاني يتعلق بالمنبر. تذهب اليوم إلى حفلة زجل في ناد أو مقهى لتجد أغنيات مصرية أو أجنبية.. قلنا لهم لم لا تضعوا قبل الحفلة شريطاً لشحرور الوادي أو خليل روكز، فهذا من شأنه أن يعطي الحفلة نوعاً من الاحترام، فلم يقبل أحد بهذا الاقتراح. هناك موضوع الأسعار أيضاً والتي تعد غالية نسبة إلى أوضاع الناس.. والمفارقة أن الشعر اليوم ربما هو أحلى من الماضي لأنه صار مدروساً وصار يكتب مسبقاً وهذا جيد، لكن مع ذلك فحال الشعر ليست جيدة..
هل تعتبر أنك أضعت وقتك في المجلة والبحث أكثر مما اهتممت بالشعر؟
ـ لم أضيّع وقتي.. ودعني أقول إنه ليس هناك من أجمل قصيدة أو أحسن شاعر. كل شيئ نسبي وما أحبه أنا قد لا تحبه أنت.. أحياناً أكتب قصيدة وأجدها رائعة وحينا يقرأها أحدهم يجدها عادية.. الأمور نسبية.
من هو أبرز شاعر زجلي عرفه لبنان برأيك؟
ـ أنا صنّفت الزجل اللبناني إلى 3 مراحل: مرحلة رشيد نخلة الذي نقّى الزجل من الكلمات القروية ومن الكلمات التاريخية التي ماتت. وبعده خليل شحرور الذي أعطي الزجل زخماً قوياً باختراعه المنبر. والمحطة الثالثة كانت مع خليل روكز. فقبله كانت المرجلة هي السائدة، فجاء هو ونقل الزجل إلى الموضوع. يقول مثلاً:
"هالقلب لو ما يكون اسمو قلب شو بتفتكر كان لازم نقلّو"
هكذا أشياء لم تكن موجودة قبل روكز.
هل ترى أن الزجل تطور نحو الأفضل في أيامنا هذه على صعيد الشعر لا الانتشار؟
ـ حدث تطور على صعيد المعنى بسبب العلم والثقافة. شحرور الوادي أو منافسه كروان الوادي (الذي ظُلم بالمناسبة) كانا شخصين عاديين وأميين، أما اليوم فالشعراء أكثر علماً وثقافة. لكننا واقعون في مشكلة بسيطة جداً ومعقدة جداً تتمثل في أن الشعراء لا يقبلون النقد، وإذا تجرأت على قول الحقيقة تلام. كل واحد من شعراء الزجل اليوم يعتبر نفسه شغلة كبيرة في البلد، وسوف يصلون إلى وقت لا يعودون فيها شيئاً إذا استمروا على هذا المنوال من عدم محبتهم لبعضهم.. وهذا خطأ كبير..


من قصائده
حيره
واقفي... وشايف بعينيها الضياع
تقلي: أنا متلك بحيره ضايعه
لا العمر قادر رهجة طموحي يساع
ولا الحلم خلاني بحياتي قانعه
متلك سبقني العمر
وخمري طفي جمري
صارت حياتي أمر
ومستسلمي لأمري
تعبت عيوني من شقا المشوار
وكرم الصبا شعلت عناقيدو
ان ما تركت كرمي يقطفو الخمار
كرم الحفظتو عمر شو بريدو

... ومحتار واقف، والفكر محتار
من ظن مخفي... لظن ينقلني
مارد يشوق لهفتي للنار
وواقع عاكف الريح حاملني
الدرب ملكي... والحلا يصرخ قناع
والقلب يخفق.. والفكار مشلعا
شيبة العمر تقول: لا تقرب رجاع
والعطر من فسطانها يقلي: تعا

حنين
بجنون الغصه المره عمري مدبوح
وعا دروب النهده الحره قلبي مشلوح
يا أحلام الورديه الكنتي عا مطل
العمر، وتتغاوي فيي قدام الكل
صرتي متل الخبريه تزهر وتطل
كلما طلت حوريه بفسطان يلوح
راحو زهور مواسمنا يا قلب ارتاح
صار الحظ يقاسمنا كاس الافراح
كنا وكانت تعزمنا وترمي المفتاح
صرنا نقول لعازمنا روح ولا تروح
الشعر والشاعر
كنا بأول عمرنا نحلم
نكبر، ويكبر حلمنا ويسلم
ونصير مع دورة سنين العمر
اكتر ثقافه واشمل وأفهم
ولما كبرنا وهب فينا الجمر
وصرنا بواقع أمرنا أعلم
صار الحنين يشدنا للشعر
وفينا كبر حلم الطريق الوعر
وصرنا بمفهوم الشعر ننعم
وهيك عمر الشاعر الخلاق
بيبتدي بالحلم، بالأخلاق
ينقل جبل من مطرح لمطرح
يخربط العالم يجمع ويطرح
يصور دني فيها فرح للكل
يرسم أمل يزرع هنا ويفل
يخرطش على الأيام شو بدو
وما يعود قادر يلتزم حدو
ومع دورة الأحلام والأيام
بتصفي ملامح شعر ابداعي
وبيعقل الفكر بشعر واعي
يا شعر نحنا بعصر صرنا فيه
نفتش عا ماضي العز ما نلاقيه
كنت الطرب كنت الغنا المطلوب
كنت الصدق كنت الوعي محسوب
كنت الشراره الساطعة الحره
كنت الفكر، واليوم شو المطلوب

مطلوب
نستحضر التاريخ ما نلغيه
نعرّف شباب اليوم عا ماضيه
نستشهد بكلمات مأثورة
نسترشد بعادات مغموره
العونه، التسامح، حلقة الدبكي
رقصة السيف زنود مشتبكي
ما نستحي بماضي اللي سبقونا
العطيو الوطن قوّي عطيونا
هني العا درب الشعر دلونا
يا شعرنا الحامل اسامي كتار
شعبي، زجل، عامي، ولبناني
شعارك بيبقو جنود كبار
بخدمة تراث بلاد منصاتي
حامل معاني وحس انساني
متل الغُرب..
يمكن تكوني أجمل الحلوين
ويمكن يكون الشيب... حلاكي
ويمكن... تكون مجامر الخمسين
شلحت عليكي حزنها الباكي
عا كل حال! العمر... مش ملك البشر

العمر:
رحلي... طولها مسافة طريق
ومهما يمرجحنا التلاطف بالنظر
منضل متل الوعد بعيون الغريق
لما منجي عا مسرح الدنيي.. عياد...
بيعيش فينا... وهم تاج السلطني
منزرع حلم بكرا... بعينين الولاد
ومنصير نمشي برفقة فصول السني
برجع بقلك: كيف ما تكوني!
كوني... الشكل ما بدّل ظنوني
مش هم كيف.. وليش؟
والمعروف...
أشكالنا للعمر مرهوني!!
ما بعرفك!!
مش شايفك عن قرب
ان جربت أعرف.. لا تلوميني..
أوقات.. بشعر، هيك! متل الغرب
وأوقات... متل اللي بتعرفيني
وأوقات... بالكلمي بتسحريني
من هيك عنك صار فيي قول:
صرتي وعد مفتوح عالمجهول
عا مخاوف المجهول... ودّيني
روبير خوري