من إعداد وتقديم  الأخ : بلمبروك جمال عبد العزيز                                      البريد الإلكتروني : bel-dja@maktoob.com

 

تاريخ المقاومــــة الشعبيــــــة  الجزائرية

بمنطقة -  الأبيض سيدي الشيخ -

 

 

 

*  كم ترك سيدي الشيخ من الذرية ؟

 

                        لقد ترك سيدي الشيخ كثيرا من البنات و الأبناء ( 18 ) . اثنان منهم ذكرا في المناقب: أكبرهم الحاج ابن الشيخ  و الثالث الحاج أبوحفص  .هذا الأخير حظي بتقريظ في كتاب '' مع المواعيد '' للعياشي ويوجد مخطوط يعود تاريخه إلى 1233 هـ1817 م من هذا الكتاب القيم الذي يعرّف الحالة الدينية للجنوب الجزائري المغربي في القرن 11 الهجري الموافق للسابع عشر الميلادي .

                       كاتبه الذي سافر سنة 1052هـ1649 م تعرف على سيدي الحاج أبي حفص في المنيعة و ذهب معه إلى الحج ، فأخبر أن تاريخ وفاته هو سنة 1071هـ 1661م .

يمكننا إلى اليوم أن نزور أطلال منزله التي بقيت سليمة من الإنهيار ، وذلك في القصر القديم الذي يطل من أعلى '' قارته '' مرتفعه على الواحة الجميلة .

   عندما كان حيا عرفت زاويته شهرة كبيرة بين قبائل أولاد يحيى و المواضي  و الشعانبة . يقال من ناحية أخرى أن سيدي الحاج أبا حفص هو الذي جاء بالشعانبة من مراكش إلى ناحية المنيعة و "متليلي" و " ورقلة" ، بعد أن طلب من السلطان أن يرسلهم معه لكي يكونوا له كقوّة يعتمد عليها في مواجهة غزو التوارق .

                       إن تطور و نمو زاوية سيدي الحاج أبي حفص قد جلب إنتباه سيدي الشيخ الذي حضر إلى المنيعة ليتحقق من صحة الخبر. وعندما التقيا في المنيعة في المكان الذي مازال إلى اليوم يعرف باسم '' ملقى الصّالحين '' قال سيدي الشيخ لسيدي الحاج ابي حفص : '' هل يجب أن نعتبرك معاندا أو معاونا ؟ '' فأجابه سيدي الحاج بوحفص : '' العبد و ما في يده إلاّ لسيّده '' .

            فأخذه معه إلى الأبيض وكلّفه بتسيير زاويته تاركا له متوسط الحرية في التصرف في ثلث مداخيل الزاوية كما يشاء للأعمال الخيرية .

                        يمكن أن نستخرج من المناقب بعض المعلومات من نوع ديني واقتصادي واجتماعي مقدَّمة عشوائيا ، تصريحا أو تلميحا متعلقة بالحياة اليومية للذين عاصروا سيدي الشيخ في نهاية القرن العاشر الهجري أي السادس عشر الميلادي و بداية القرن الحادي عشر الهجري أي السابع عشر الميلادي .

                في عدّة أماكن ترجع المناقب إلى الكلام عن فساد الحكام. خاصة القضاة في ذلك العصر وعن فساد الزمان، وعن الفوضى وغياب الأمن الذي كان يكبّل البلاد. التسوّل كان مستوطنا و الجوع منتشرا ، وغزو الجراد الذي يحطم كل المحاصيل التي يمرّ عليها. طبعا لم يكن من المشروبات متناوَلا إلاّ الماء و الحليب ومشتقاته.  وفي المقابل كان التبغ المستورد من المالي منتشرا.

               كما يمكن أن نسجل عند القبائل البدوية (الأعراب)التي رغم أنها أسلمت منذ عدة قرون إلاّ أن الكثير من عاداتها و تقاليدها مأخوذة من الوثنية العربية. لذلك نجد ألعاب المقامرة و خاصة استشارة السهام والقداح التي حرّمها القرآن (سورة 2  البقرة الآية 219 ) والتي أفرد لها ابن قتيبة كما هو معلوم في كتابه تحت عنوان: '' كتاب الميسر و القداح '' (ص104) أفرد لها شرحا رائعا ما زال مُتَدَاوَلا.

*   ماهي النشاطات التقليدية ؟

              أما النشاطات في الصناعة التقليدية فكان أكثرها النحاس و الطين و النسيج (الزرابي والحايك والبرنس ص103) هذه الأخيرة كانت مزدهرة على ما يبدو حسب حظ تلاقيها مع ثمن الصوف أو ندرته ( ص 94 ). الأسعار المطبقة كانت تتغيّر حسب سنوات الأمطار الكثيرة أوالجفاف وحسب الأمن أوالخوف السائدين. لا نعرف الفرق الذي كان موجودا بين الذهب و الفضة ( الدينار بالنسبة للدرهم ) كما لا نعرف قيمة الدينار بالنقود الحالية. كل ما يمكن تسجيله هو أن قطعة الكتّان ذات 8 أمتار كان ثمنها يساوي في فيقيق 3 دنانير،والمنجل ثمنه ربع دينار والعبد المملوك ثمنه 18 دينار.الإبل كانت أرخص من الخيل التي كان ثمنها مرتفعا جدّا .

كانوا يقضون حاجاتهم الغذائية من حبوب إما من السوق أو من القوافل التي كانت ترحل ـ إلى أيامنا هذه ـ إلى التل ( الشمال ) لكي تتزوّد من الزرع والقمح   و الفول ( ص111.106.101 ).في البساتين كان يزرع نوع من النجيليات و البشنة  التي كان يتغذى من حبوبها الفقراء والوضعاء (ص77) . قوافل أخرى كانت تتّجه نحو قورارة وتوات لكي تجلب التمور وكانوا أكثر ما يبحثون عن نوع تين هود(أي تمر اليهود ). وهي نوع من التمر مستديرة و كثيرة الحلاوة وسهلة القضم . إسمها يعود إلى أصلها وهي واحة قديمة اسمها تمنطيط حيث كان اليهود في العصور الوسطى يتخذونها جيبا صحراويا لهم تحت حكم ذاتي مسيّر من طرف اليهود، وحيث كان المسلمون ـ حسب المخطوط الذي بحوزتنا ـ لا يدخلونه إلاّ كأجانب. كانوا يتخذونها كمدينة تربطهم بالمالي (السودان سابقا) لتجارة الذهب والملح والعبيد السود. طريق التجارة هذا كان يمرّ بغاوا (Gao)، طمبكتو ، تمنطيط ، تفيلالت ، مناء حنين وجزر الباليارس(Iles Baléares ) وشمال أوربا. في ذلك الوقت كانت مدينة فردان(Verdun) معروفة بتجارة الإماء الشقروات ، ومدينة تمنطيط معروفة بمستودع العبيد السود.إن شهرة هذه الأخيرة كمدينة يهودية غنية رغدة كانت عند الإسرائليين آنذاك كبيرة خاصة يهود البرتغال وإسبانيا. حتى أنهم غيّروا عبارة الدعاء و الرجاء التقليدية التي يقولونها عند رأس السنة العبرية (Pâque ) من قولهم '' السنة المقبلة في القدس '' إلى قولهم '' السنة المقبلة في تمنطيط ''.و لأسباب يطول عرضها فقد وجّه ضدهم أحد الفقهاء وكان صاحب شهرة كبيرة آنذاك ( القرن العاشر الهجري ـ السادس عشر الميلادي وهوالشيخ ابن عبد الكريم (المغيلي) وجّه ضدّ اليهود هجوما مكّنه منهم وأجلاهم كلهم تاركين وراءهم كتذكار:الحلي والنسيج وصناعة الأواني الخشبية و هذا النوع من التمور المنتخبة .

                      كما نسجل أيضا بعض الأكلات الشرفية : الكسكس (الطعام ) خاصة (ص93) و برزغان وهو نوع من السكريات مكوّن من قطع صغيرة من الخبز و السمن (دهان)، و التمر بعد نزع النواة منه وخلط الكل (ص107). الأواني الحديدية     و الزجاجية كانت غير معروفة بخلاف الخشبية و الفخارية و من الحلفاء (ص124.107.93 ) .

                    عند قراءة المناقب نلاحظ أن وجود الحيوانات بين الجزائر والمغرب لم تختلف كثيرا عنها اليوم فهي حيوانات مفترسة ( الأسود و النمور و الضّباع ..) كانت تهاجم الناس ممّا جعل الطرق غير آمنة (ص 92.75.1 ). كما ذكرت في المناقب حيوانات أخرى زاحفة (ص 95) والأرانب والحمام(ص101) و الأحقب (ص76) . كما وجد هواة الصيد بكلاب السلوقي وطيور الصقر(ص95.80.75.63.62). كما ذكرت أيضا صناعة البارود واستعمال بنادق الصّوّان (ص100 ) .

                     كما ذكره على شكل نوادر وطرائف وجود الإسبانيين في وهران وكيف كانت بعض القبائل الخائنة تزودهم بالطعام وبالمعلومات منها الدواير و حميان . لقد حوصرت وهران مرات عديدة: استرجعت سنة 961هـ 1553م من طرف حسن باشا ثم غزاها الإسبان مرة أخرى سنة 1144هـ 1732م.في هذه المعارك اللامتناهية فقد ساهم سيدي الشيخ لتحرير وهران مساهمة لايستهان بها . لقد هجم على وهران عدة مرات على راحلته الشهيرة التي كان يسميها '' الشهبة '' (ص89.88.83.86.43.37 ). تذكرالمناقب أنه كان يوجد داخل المدينة إسبانيون مسلمون منضمّون لطريقته متخفّون كانوا يزوّدونه بالمعلومات أثناء هجوماته على المدينة المستعمرة (ص 114) .

                   هذه بعض الوقائع التي استطعنا أن نستخرجها من المناقب لما لها من أهمية من الناحية السُلالية والتاريخية. يمكن أن نتكلم كثيرا عن ذرية سيدي الشيخ الذين كان من أبرزهم سيدي الحاج ابوحفص وسيدي الحاج ابن الشيخ المذكورين أعلاه، وبالإضافة إلى سيدي عبد الحاكم وسيدي ابن الدين وسيدي النعيمي و سيدي ابوبكر وسيدي حمزة وسيدي سليمان وسيدي محمد وسيدي قدور وسيد العلا وسيدي أبو إمانة (أبوعمامة ). سنذكر فيما سيأتي مراحل معارضتهم للاحتلال الفرنسي(1861 إلى 1882 م).

          بعد هذه النظرة الموسعة ننتقل الآن لنعرض أسباب انتفاضة أولاد سيدي الشيخ :                             

 

‹ السابــــــق                                                          › التالـــــــي