من
إعداد وتقديم الأخ : بلمبروك جمال عبد
العزيز البريد الإلكتروني : bel-dja@maktoob.com
تاريخ
المقاومــــة الشعبيــــــة الجزائرية
بمنطقة
- الأبيض سيدي الشيخ -
|
إذن ما هي الوضعية التاريخية
و السياسية في شمال إفريقيا ؟ إنّها متميزة بتيار قوي للصوفية
موازية للتيار الروحي الذي كان يهبّ على أوربا المسيحية من جهة، ومن جهة أخرى التأثير
الكبير للطرق الدينية مع زواياها والمخافر المقواة على طول الشواطئ (الرباط)
تحسبا لأيّ هجوم، و عدم الاستقرار السياسي و استرجاع روح المقاتلين و حدّتهم في
الحروب الصليبية التي نقلت ميدان المعركة من الشرق الأدنى إلى شمال إفريقيا . في هذا الجو التاريخي نشأ سيدي الشيخ
الذي كان حسب مترجميه منذ ولادته يتميّز بطابع القداسة. إن كراماته تملأ مناقبه.
و لن نتطرّق في هذه الدراسة إلاّ إلى الأعمال التاريخية المحضة، تاركين لمن
يهمّهم أمر هذه المسألة من هذا الجانب (الذي لا يجب إهماله) أن يرجعوا إلى هذه
الأعمال وإلى الروايات الشفهية المحلية. منذ صغر سنّه أظهر استعداداته المتميزة
للدراسات الدينية. أثناء تكوينه الفكري تابع الدروس متلقّيا التشجيعات من مختلف
شيوخه المحلّيين أمثال الشريف سيدي الحاج بن عامر، مؤسس القرية التي تحمل اسمه ، و من أقرباء أبيه
بالمصاهرة ، وأمثال الشيخ عبد الجبار بالقصر الصغير الشلالة الظهرانية من نفس
المنطقة ،والشيخ موسى الحسن الكرزاز مؤسس فرع من الشاذلية الكرزازية مركزها
الواحة التي تحمل نفس الاسم ، و الموجودة بطريق بشار إلى قورارة.لكنّ شيخها
الأوليّ الملقّن للشاذلية كان الشيخ محمد بن عبدالرحمن من قريةالسهلي. المخطوطات لا تقدم أية دقّة حول وصول سيدي
الشيخ الى زاوية السهلي ،و لا حول مدة دراسته تحت إشراف شيخه هذا بالذات،الّذي
يظهر أنّه ليس صوفيا حقيقيا فحسب بل هو شيخ الصوفية على ضوء ما احتفظت به
الرواية الشفهية و ما يمكن استخراجه من مناقب سيدي الشيخ ،كان متعلقا بمتاع
الدنيا:يغار من تفوّق تلاميذه و يفرض عليهم أتاوى و على سيدي الشيخ بالذات
مرتّبا سنويا (خادم سوداء و زربية و ناقة بيضاء).هو نفسه أخذ تكوينه الصوفي على
يد الشيخ الشاذلي الكبير أبو العباس أحمد الملياني، فمرجعيته غير مباشرة لأنّ
رواية المناقب التي ترجعه الى الشيخ الملياني هو نفسه تظهر لنا غير منطقية نظرا
للفارق الزمني. طيلة حياته الصوفية كان سيدي الشيخ يكنّ له وفاء و إجلالا
عميقين. في حين أن الشيخ عبد الرحمن السهلي يظهرـ حسب المناقب ـ أنّه كان ذا
طباع صعبة وطلباته لا يمكن تحمّلها.أما فيما يخصّ أصله فإنّ المخطوطات فيها
خلط.تقول أن أصله من السهلي حيث يوجد اليوم قبره و زاويته، لكن
نجد في المناقب ـ أيضا ـ أنه يوجد المسمى محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر السخوني
إلاّ أن هذه العلاقة العرقية تذكرنا بحيّ في فيقيق : السهلي هذا ألا يكون فيقيقيا؟
مهما يكن فإنّ مقارنة المخطوطات التي نمتلكها و تسلسل الأحداث التاريخية
و شهادة العياشي (كتاب الرحلة ج2 ـ ص421) فإنّ شيخ سيدي الشيخ: محمد بن عبد
الرحمن المتوفى سنة 990هـ/1582م بالسهلي هو ليس تلميذا مباشرا للشيخ الصوفي أحمد
بن يوسف الملياني و إنّما هو تلميذ تلميذه الفيلالي علي بن عبد الله. هذه التفاصيل والاستطرادات ليست بالحشو
الزائد و لكنّ هدفنا من ذكرها يكمن في استخراج المادّة الجوهرية من المخطوطات (و
هي صعبة القراءة،كثيرة النقصان و الهفوات،غير منظمة،فارغة من الناحية
التاريخية،مطنبة عندما يتعلّق الأمر بالروايات الغريبة)، لكي نجعل حياة ولي
الصحراء ـ بين الرحّل و في وقت حاسم من تاريخ المغرب العربي ـ واضحة قدر
المستطاع . دراساته في السهلي انتهت (دراسات نظرية)
فغادر شيخه في تاريخ غير محدد لكي يرجع الى بلده و يتابع دعوته الصوفية . فبعد أن أخذ الإذن من شيخه، غادر السهلي
و ذهب الى الجنوب الغربي الجزائري حيث أنه استقرّ أولا في مغرار التحتاني غير
بعيد عن العين الصفراء و لكنّه وجد هذا المكان معزولا فأعرض عن مشروع إنشاء
زاوية به.فغادره لكي يجرب تحقيق مشروعه عند حميان بالمشرية أولا ثم عين ماضي ثم
تاسّلة ، توات ، فيقيق:هذه الواحة التي كانت تتمتع بالإزدهار الاقتصادي و بانطلاقة كبرى لمركزها للتعليم الديني
المعتدل، هذا ما جلبه إليها على الخصوص.لكنّ العقلية البربرية و عداوة فقهائها
للصوفية حطمت أمله . غادر فيقيق إذن قائلا:" إذا أراد أيّ وليّ أن يمتحن
صبره على الأذى فليعش مع أهل فيقيق" (اللي قال أنا وليّ يعاشر أهل فيقيق !). غادر فيقيق عابرا واد الناموس مرورا بملك
سليمان و هي قرية وثنية، فهدمها واستقرّ أخيرا في الحاسي الأبيض الّذي أصبح منذ
ذلك الحين يسمى الأبيض ، أنشأ الزاوية الأم التي لم تلبث أن غطّت مساحة
واسعة بفضل " المقاديم" الّذين كوّنهم لدرجة أنه بعث بأحدهم يمثل
طريقته في الجزائر العاصمة .قائمة هؤلاء المقاديم مع الأماكن التي كانوا يمثلون
فيها طريقة سيدي الشيخ أو الشيخية و التي هي فرع من الشاذلية موجودة في
المناقب. الشيخية تتصل بالشاذلية بواسطة سلسلة الذهب التي تتنوّع من كاتب
لآخر و لكنّ أصالتها و شرعيتها قد صحّحها سيدي الشيخ نفسه في الياقوتة .
الاختلافات الطفيفة الموجودة بين الشاذلية و الشيخية تمسّ تلاوة الوظيفة التي
تتبع الصلوات المكتوبة و النوافل عند الشروق و الغروب. ‹
السابــــــق
› التالـــــــي |