من
إعداد وتقديم الأخ : بلمبروك جمال عبد
العزيز البريد
الإلكتروني : bel-dja@maktoob.com
تاريخ
المقاومــــة الشعبيــــــة الجزائرية
بمنطقة
- الأبيض سيدي الشيخ -
|
من
هو أبو العبّاس أحمد بن يوسف الملياني الراشدي؟ هو أبو العبّاس أحمد بن
يوسف الملياني الراشدي ، نشر تعليمه في بني راشد. أمّا فيما يخصّ تاريخ ميلاده و
وفاته كما هي الحال عند جميع الشخصيات التاريخية بشمال افرقيا يوجد الكثير من
التردّد. بعض الوثائق تشير الى ان تاريخ وفاته كان سنة 931هـ/1527م. أمّا
الناصري صاحب كتاب الاستقصاء فيشير الى سنة 927 هـ/1521م. و مهما يكن من أمر
فإنّ الشيخ أحمد بن يوسف كان له تأثير متميّز بعمقه في المغرب العربي بالأمس و
حتى اليوم. لقد ذكر في‘‘الياقوتة ‘‘ (منظومة سيدي الشيخ) حيث سنرجع اليه في
شرحها و التعليق عليها. ولكن الجدير بالذكر هنا هو أنّ دروس هذا الشيخ الشاذلي
الكبير كانت متبعة من طرف المئات (بعض المخطوطات تذكر الآلاف) من التلاميذ
القادمين من جميع الآفاق خاصّة الجزائر والمغرب. و قد انبثقت من شهرته و تعليمه عدة طرق
شاذلية أسّسها تلامذته المباشرون ثم تلامذة تلامذته.وهذا نفسه وقع للطريقة
النصرية التي أسّسها الشيخ محمد بن ناصر الضراعي في أقصى جنوب المغرب ، توفّي في
تامقروت سنة 1080هـ/1669م ، والطريقة الغازية التي أسّسها أبوالحسن الغازي في
واد الضراع بالمغرب سنة 932هـ/1526م ، و الطريقة الشابية التي أسسها أحمد بن
مخلوف في تاريخ لم نتمكن من تحديده
،والطريقة الطيبية التي أسسها مولاي عبدالله الشريف (متوفي سنة 1278هـ/1879م)
التي أصبحت مشعّة بفضل حفيده مولاي الطيّب الذي سمّيت الطريقة باسمه في وازّان و
هي مدينة صغيرة تقع في جبل وازّان على بعد 150كلم جنوب غرب طنجة ،و الطريقة
الحنصلية نسبة للدرويش سعيد بن يوسف الحنصلي من بني مطير جنوب فاس (توفي سنة
1114هـ/1702م) ، و الطريقة الزيانية التي أسست في منتصف القرن 11 الهجري
(17ميلادي) في قنادسة قرب بشار من الحاج محمد بن عبد الرحمن سنة 1016هـ/1608م و هو الذي نظم
حماية قصور توات وقورارة ضد سطو التوارق . و الطريقة الدرقاوية التي أسسها مولاي
العربي الدرقاوي من بني زروال من أجزاء درقاوة ، توفي سنة 1238هـ/1823م في بوبريش
شمال فاس ، والطريقة المدنية التي أسسها محمد بن حمزة المدني حوالي سنة
1235هـ/1820م و توفي في تاريخ غير محدد
بمدينة مسراتة (ليبيا). من بين هذه الطرق التي يرجع أصلها الفكري بصفة مباشرة
أوغير مباشرة إلى سيدي أحمد بن يوسف ،توجد الطريقة الأكثر شهرة و بدون منازع ألا
وهي الطريقة الشيخية التي أسسها الشيخ عبد القادر بن محمد الملقّب سيدي الشيخ
(أي الشيخ على الإطلاق) ومنها يتصل أتباع من أتقى المحاربين هم" المكاحلية"
الذين هم اليوم في بئر النسيان.
توجد رواية مذكورة في
كثير من المخطوطات تخبرنا أنه جمع يوما مريديه حول منزل مهجور و قد أخذ في يده
سكينا و أظهره لهم قائلا:‘‘ إنّ الله قد أمرني هذه الليلة في المنام بأن أضحّي
بعشرين رجلا منكم لكي يجنّبكم مصيبة كبيرة يمكن أن تقع علينا وعلى كلّ
البلاد..أعرف أنّكم أوفياء لي و أنّ ثقتكم بي كبيرةٌ ، لا أريد أن أرغم أي واحد
منكم، فالّذين يحبون الله القريب ، ويحبّونني يأتون و يمدّون لي رقابهم لكي أضحي
بهم: ‘‘ لكن سرعان ما وجد الفراغ حوله؟ إنّ مريديه الأوفياء الأتقياء قد اختفوا
إلاّ سبعة منهم أجاب كلّ منهم:" ها أنا ذا يا سيّدي !" من بين هؤلاء السبعة المرشحين للأضحيةـ أو المذابيح ـ كان
هناك بالتحديد جدّ سيدي الشيخ :سليمان ابن أبي سماحة. لم يكن ذلك إلاّ امتحانا تخيّله الشيخ
أحمد بن يوسف الّذي كان عليه أن يهب سرّ الطريقة ، ويتطلّع إلى روح التضحية و
الإخلاص لدى مريديه لكي يصوّب اختياره .
سليمان بن أبي سماحة كان أول من قال:" ها أنا ذا" قابلا أن
يخضع لامتحان البرهان الّذي فرضه شيخه الملقّن، فأعطى بذلك دليل إخلاصه و عزمه المملوء
بالثقة في الطريق الّذي هداه الله إليه. المناقب تزيد : "طاعته و إخلاصه و
تقواه العميقة التي أظهرها طيلة حياته كان لا بدّ أن تظهر في ذرّيته.إنّه كان
سيّد الطريقة التي جعلت جدارة و استحقاق البوبكرية واضحة ، ورفعت علمهم
عاليا".
لقد ترك شيخه وهو مزوّد بمنصب "مقدّم"
للشاذلية و رجع الى مسقط رأسه حيث تفرّغ لتعليم العلوم الدينية .
مخطوط المناقب يزيد:" في
فيقيق تكفّل بأن يعمل على تعليم الناس لهدايتهم الىالطريق المستقيم.."
لاحظت في إحدى التراجم المخصصة له أنه كان يُعَدّ من أحسن الرواة، ثمّ زاد أنه
كان يروي الحديث كالآتي:"هذا حديث
قاله من لا ينطق عن الهوى ( يعني الرسول صلى الله عليه و سلّم) في اليوم الفلاني
، والحديث الفلاني نطق به في اليوم الفلاني، و الحديث الفلاني قاله وهو(ص) في
هيئة حسنة،والحديث الفلاني قاله وهو في حالة غضب،و الحديث الفلاني قاله وهو
قائم، والحديث الفلاني قاله وهو جالس،و الحديث الفلاني قاله و هو مضطجع على جنبه
الشريف، و الحديث الفلاني قاله وهو في بيت زوجه عائشة و الحديث الآخر في بيت
ميمونة والآخر عندما كان في المدينة و الآخر في البادية و الآخر في الليل والآخر
في وضح النهار… إلخ.
و هذا كلّه يبين قوّة ذاكرته و جهده (لكي يحصل على كلّ هذه المعارف رضي الله
عنه). ولقد ألف بعض الكتب مثل: ( الأسئلة الكتابية و الأجوبة السماحية) كما ألّف
كتبا أخرى في الإلهيات و النحو ، يزيد
المؤلف أن :"ابن مريم الملاتي منحه كتابا في الكلام ".
لقد توفي سنة 1011هـ/1603م.و يمرّ مؤلف المخطوط مر الكرام على بعض مراحل
حياته :" لقد زار مواضع كثيرة في شمال افريقيا ثم في الأندلس ليتابع في
غرناطة دروسا عن الفقهاء المشاهير أمثال الشيخ المَوَاق (من شرّاح سيدي خليل)
وابن الأرضون والسبكي وابن فارس …إلخ".
المخطوط يزيد :" سليمان أبو دواية بن أبي سماحة ترك غرناطة قبل أن
يستولي عليها الإسبان ، أي في اليوم الثاني من ربيع الأول سنة 877هـ"
و من الملاحظ أن هذا التاريخ ليس صحيحا لأنّ سقوط غرناطة في يد الإسبان
ومعاهدة "القدّيسة في" Sante Fe يعود تاريخها الى سنة
897هـ/1492م .و مهما يكن فإنّه التجأ إلى فاس حيث كلّف بالتدريس في جامع
القرويين المشهور ؛هذا التكليف الذي تحمّله مدة 7سنوات ـ كما هو في نفس المخطوط
ـ . ثم غادر عاصمة بني وطّاس و هي في كامل تأجّجها لكي يرجع الى موطنه الأصلي .
بعد بضع سنوات الدراسة و التأمّل غادر قرية الشلالة الظهرانية(الشمالية)
لكي يعيش في العزلة.‘‘ لقد نصب خيمته قرب عين اشتراها من المسمى أبو صالح حجري
من قبيلة بني عامر بثمن 500 دينار ذهبي ‘‘.هذه العين ما زالت موجودة تحت
اسم عوينات بودواية قرب جبل زتام غير بعيد عن الشلالة. "و لقد أنتج فيها
بعض المواد (خضر و حبوب) من عمل يده ، متفرغا الى حياة الورع و الزهد الى أن كشف
الله له الأسرارالتي تمكنه من بلوغ أعلى درجات الصوفية ".
" توفي وعمره 80 سنة
(940هـ/1532م) في بني ونّيف حيث بنيت قبته الموقّرة وزاويته التي تستقبل العديد
من طلبة العلم و الزوار". حسب الوثائق التي نمتلكها ـ هي التي ولد فيها
حفيده سيدي الشيخ . لقد
ترك عند موته ثلاثة أولاد و بنت واحدة، منهم محمد بن سليمان (أبو سيدي الشيخ)
الذي درس العلوم و القراءات القرآنية تحت إدارة شيخه عبد الجبار بفيقيق..
والعالم سيدي الحاج بن عامر أيضا.."
ابنه الثاني سيدي أحمد المجدوب توفي في جوّ قدسيّ بقرية عسلة حيث
شيدت على ضريحه قبّة (ودفن في الشلالة الظهرانية ..) أحفاده يحتفظون دائما ببعض
الاستقلالية عن أولاد سيدي الشيخ.
أما ابنه الثالث لعرج فليس هناك أي شيء يذكر بخصوصه من طرف المخطوطات
التي تشير في المقابل الى تقوى ابنته صفية مولاة قرية صفيصيفة قرب عين الصفراء،
و قبيلة أولاد نهار تأخذ أصلها من صفية ، وقد وقع بينهم وبين أولاد سيدي الشيخ
سوء تفاهم عنيف فرّق بينهم ..
سيدي محمد بن سليمان كرس حياته دون لمعان مترحّلا في مناطق الرعي
الموجودة بين القرى الحالية : سيدي
الحاج بن عامر و الشلالة واربوات . ومن الملاحظ أنّ قرية الأبيض سيدي الشيخ لم
تكن موجودة آنذاك ، إنما كانت توجد قرية بربرية تسمى مشاقين على بعد 35
كلم شمال غرب الأبيض في ناحية تافرحيت قرب شعاب خناق واد الصم ،حيث ما زالت توجد
بها أطلال و مقبرة. و لا توجد أيّة وثيقة ممّا نمتلك تشير إلى هذه
القرية،والرواية الشفهية وحدها تحتفظ بها كذكرى. ويمكن للحفريات أن تعطي ـ بدون
شك ـ معلومات حول ماضيها الوثني، و من المحتمل أن تكون هذه المنطقة قد عرفت حقبة
زاخرة في فترة ما قبل التاريخ حسب الجثوات (الكراكير) العديدة الموجودة في مختلف
هذه النواحي. ‹
السابــــــق
› التالـــــــي |