من
إعداد وتقديم الأخ : بلمبروك جمال عبد
العزيز البريد الإلكتروني : bel-dja@maktoob.com
تاريخ
المقاومــــة الشعبيــــــة الجزائرية
بمنطقة
- الأبيض سيدي الشيخ -
|
حول هذه
الشخصية التي هي أشدّ أعداء سيدي الشيخ خداعا ، لابد أن نعطي بعض التفاصيل
التاريخية : إن الأمر
يتعلق برجل متهوّر أصله من تافيلالت ، لما رفض الصوفي الشهير أن يخدم أهدافه
السياسية أصبح ساخطا. فقام بحملة قدح و تشنيع حقيقية ضد سيدي الشيخ واصفا إياه
بأخطر مبتدع ، بِنَقْدٍ لاذع وعنف نادر . من هذه المقالات النقدية توجد إلى الآن
مخطوطات محفوظة في المكتبة الملكية بالرباط ( القسطاس – الإصليط – المنجنيق ).
عند قراءتها يتبيّن لنا بسرعة أنّه لم يكن يهاجم الطريقة الصوفية التي أنشأها
سيدي الشيخ ولكن هاجم حياته الخاصّة لأسباب شخصية كما سنراها فيما بعد . هذا الرجل
الغريب معروف تاريخيا تحت اسم '' أبومحلّي '' ( الرجل صاحب الغمد المحلّى
بالفضّة ) . اسمه الحقيقي هو أحمد بن عبد الإله بن قاضي . نشأ في سجلماسة حوالي 967 هـ 1560 م و ينتمي إلى عائلة مرابطية (أومتديّنة) ،قائدها
أبوه الذي كان يدرّس القرآن . بعد إنهاء دراساته
القرآنية بعثه أبوه إلى فاس لكي يستكمل تحصيلاته . وفي 979هـ1572 م وصل هناك وتابع بمسجد العطّارين ـ طيلة ست سنوات
ـ الدّروس التي كانت تلقى من طرف الشيخ أبو المحاسن الفاسي ، فقيه شاذلي مناصر
للجهاد ضد الحملة الإسبانية البرتغالية التي لم تتوقف من التدفّق على الشواطئ
المغربية . إن وفاة السلطان المنصور السعدي ( 1011هـ 1603 م ) أوقعت المغرب في فوضى كانت تشتدّ يوما بعد يوم حتى
التنصيب النهائي للعلويين و دخول مولاي الرشيد منتصرا إلى فاس ( 1070هـ 1668م ) . رغم غياب
السلطة المركزية المعترف بها إجماعا فإن الغارات المسيحية القوية و المتتالية
كانت تصطدم بردود الأفعال الشعبية التي كان يقوّيها الفقهاء و خاصّة شيوخ الطرق
. لذلك أعلن الشيخ أبو المحاسن الفاسي ضد الغزاة معركة دامية توّجت بالنصر
المؤزّر في وادي المخازن سنة 986 هـ 1578م المعركة التي
شارك فيها الشيخ الفاسي بنفسه و ليس تلميذه الذي تولىّ يوم الزحف ولم يجد إلاّ
الوقت الذي يهرب فيه إلى داخل البلاد .
ـ ومن المعروف في الإسلام أن التولّي يوم الزحف هو من الكبائرـ . ولما
علم أن جريمته هذه لن يغفرها له أهل فاس ، غادر العاصمة متوجّها إلى تافلالت . طيلة 14سنة كان يهيم على وجهه من قرية إلى قرية يبحث بدون جدوى عن مركز جديد
للدراسة . فلم يقبله أي شيخ ضمن تلاميذه نظرا لهروبه عن الجهاد حيث اشتهر بفعلته
هذه بسرعة ... في سنة 1000هـ 1592م فقط قُبِل كطالب علم نظرا لتعنّته من طرف شيخ مجهول
يسمى محمد بن مبارك التاستاوتي .هذا الّذي لم يكن يعرف إلاّ القراءة والكتابة
جعل نفسه صاحب المعجزات . كان يصاب بالصرع فكان الناس يتخذونه كعّراف مزوّد
بقدرة خارقة حيث كانت له علاقة '' بالغيب '' . هذا الشيخ البدوي هو الذي أثرعلى »أبي محلّي « تأثيرا عميقا : وأقنعه أنه
سيلقى في طريقه عقبات خطيرة و سيصبح يوما ما سلطانا . في بلد
مضطرب بفوضى أصبحت مستوطنة ، بضعف السلطة المركزية ، و منافسات المعارضين التي كانت تبرز في
كل مكان ،والتمرّدات الضريبية ، كل شيء كان ممكنا عند " الحالمين". أصبح أبومحلّي فريسة أطماعه فأقتنع تماما أنه ''مولى
الساعة ''، ''المهدي'' المنتظر في السنة الألف الهجرية . لكنه لما علم أن الدين
هو القوة الوحيدة في بلده، حاول أن يستعمله مُطْلَقاً لصالحه.و لما لم يكن لا من
ذريّة الرسول صلي الله عليه وسلم ( أي شريف ) ولا وريثا شرعيا ولا شيخ طريقة ،
فقد حاول ـ ليصل إلى مآربه ـ أن يعيد الإعتبار للمبدأ الشرعي لاستلام السلطة
،فطمع في "الخوارج" لكي يكتسب الشرعية السلطوية لنفسه منهم، حيث
يعيَّن القائد حسب أهليته من بين مجموع الأتباع ؛ولِكَوْنِ مهمّته قابلة للنقض،
يمكن إذا ما انحرف أن يعزل . إن المعارضة و الثورة (الفتنة)على كل سلطة تبتعد عن الشريعة الإسلامية أو تلجأ إلى
الاستبداد تعتبر من طرف الأتباع واجبا ملحّا . خوفا من مقالاته ومحاولاته للهجوم على السلطان السعدي
،فإن الصوفي البدوي الحذر "التستاوتي" اضطره للرحيل بعيدا عن منزله .
منذ ذلك الوقت في تافيلالت ووادي الساورة بدأت بالنسبة إليه مجموعة من
التنقّلات من قرية إلى أخرى أملا في وجود " طريقة " تسانده في نظرياته
و في أغراضه الظّلامية . بعد إقامة سريعة في بني عبّاس حيث تزوّج ذهب إلى مكة
ليحجّ . وانتهز الفرصة ليدرس أثناء الطريق '' العلوم الخفية '' و العرافة
(الجفر) وعند رجوعه عاد إلى سياحته لنفس الهدف : زار مدينته الأصلية مسقط رأسه
سجلماسة حيث رفض شيخها المشهور فيها أن يضمنه و هو أبو القاسم بن عبد الجبار،
لكنه وجهه إلى "طريقة" زاهرة أسسها بناحية فيقيق أحد الشاذلية ذو صيت
واسع هو "الشيخ عبد القادر بن محمد" الذي يمكن أن يكون له ضامنا روحيا
. ثم أملى عليه نظمه الذي كان قد انتشر"الياقوتة" . سرعان ما انتقل إلى فيقيق حيث
أخبروه أن الشيخ يترحل قرب قرية صغيرة اسمها "الشلالة" حيث دفن أبوه
الوقور سيدي محمد الذي انتشر تأثيره بلا انقطاع في الجزائر و جنوب المغرب وواحات
قورارة وتوات و الذي كانت من بين القبائل المنظمّة إلى طريقته: الأغواط ، حميان
، الرزاينة ، الطرافي ، و أخرى ليست أقل منها بالحدود الجزائرية المغربية (
الأنقاد ، بني قيل ، المهاية ، أولاد جرير إلخ ... ) . انتقل مسرعا إلى الزاوية
المتنقّلة حيث استقبل كالعبارة الشائعة عند أهل هذه المنطقة " بضيف ربّي " من جوانب عدّة ،وقد لمس فيه سيدي الشيخ في أول
الأمر بعض التعاطف . أظهر
أبومحلّي حماسه للرجل و لطريقته نفاقا، لكي يحصل على سنده الديني . أعلن
للسامعين أنه يرى في سيدي الشيخ:"القطب الرباني" و"مولى
الساعة" و من فضل الله عليه أن هيّأ له اللقاء معه و الإنضمام إلى مدرسته .
لكن سيدي الشيخ لم يخدع بهذا الحماس المجاوز للحدود . في أول تعاطف له تبعه حذر
معقول . طلب منه أبو محلّي بتشدّق أن يدافع عنه ضدّ العاهل المتسلّط الّذي لا
يعتبر أهلا لأن يكون على رأس أمّة الرسول صلى الله عليه و سلم .
لم يكن يجهل العلاقة الطيبة التي تجمع منذ زمن بعيد بين سيدي الشيخ
والسلطان المنصور ثم خليفته زيدان . كان الرفض حاسما، لكنّ أبا محلّي لم يفقد
الأمل فحاول ـ لكي يطيّب خاطر سيدي الشيخ أن يحرك ابن هذا الأخير الزروقي ولكن
بدون جدوى ،لأنه علم هو أيضا أغراض هذا الدساس الماكر الذي يستعمله لكي يجرّ
الطريقة إلى الثورة ضدّ السلطة القائمة .
لقد كان فشله ذريعا ممّا دفعه إلى شنّ حملة قدح و تشنيع ضد سيدي الشيخ
فاتهمه أنه أراد أن يضع له السمّ ،مدّعيا أنّه صهره ( زوج ابنته ) ، فشهّر به
أنه وليّ مزوّر و أنه مبتدع خطير على العقيدة و الإيمان ، وأنه شهواني نصّاب و
أنه ممثّل يخدع الناس الخيّرين السذّج . إن وشاياته وافتراءاته و العديد من
مقالاته التي نشرها أثارت سخطا واستنكارا عاما . فتلاميذ و أحباب سيدي الشيخ، في
المنطقة و في غيرها،أرادوا أن يعاقبوا هذا الشاتم الذي فقد صوابه ،حتى يأخذ جزاء
انتكاساته . إن أبا محلي الذي لقّبه سيدي الشيخ '' العتروس لجرب '' أحس بالخطر
واضطر للهروب . التجأ إلي فيقيق ثم سجلماسة ، بني عباس ، توات ، فحيثما ذهب
يوبَّخ و يحس أنّ حياته مهدّدة . و بهذا أجبر على مغادرة البلد بدعوى أنه يريد
أن يحجّ ثانية ( لكن في حقيقة الأمر كان يخشى عواقب نبذ المجتمع له الوخيمة حتى
ينساه الناس ) . طيلة عدّة سنوات لم يسمع به أحد . فبعد إقامته في الأماكن
المقدسة ثم بالجنوب التونسي الجزائري رجع إلى بني عباس حيث تخفّى لكي يؤلّف
مؤلّفات جدلية .
وقع حادث بلبل كل المغرب العربي الإسلامي وجد فيه ابو محلي فرصته لكي
يظهر على الساحة التاريخية: توقيف السلطان الشرعي زيدان من طرف أخيه المنافس
بابا المأمون من قبل '' لاراش '' Larache بحماية إسبانية.
كان رد فعل شيوخ الطرق و
الجماهير المختلفة فوريا للقيام بحماسة بالجهاد . ابومحلي انتهز الفرصة ليحث
الناس ضدّ السلطة السعدية '' العميلة '' للكفار . نظّم قصيدة لهذا الغرض ( تهييج
الأسود ) وارسل النداءات في كل مكان لإثارة الفتنة. حرّك الجماهير القروية منصبا
نفسه ـ طبعا ـ على رأسها على أنه '' المهدي '' وتوجّه نحو العاصمة . هزم
المجموعات التي أُرسِلَت ضدّه ، فوقع ما لم يكن في الحسبان : لقد تمكّن من
الدخول إلى مراكش منتصرا سنة 1021هـ1612 م حيث أعلن نفسه العاهل المطلق
و حيث تلقّى ولاء الشعب له ، و أحيط بالنساء الجميلات وأَذِنَ للوفود الأجنبية
مقابلته. لكن لكل شيء نهاية خاصّة الأشياء المزوّرة . لما أبعد السلطان زيدان عن
العاصمة جمع قواه وقام بهجوم مضاد تحت قيادة البربري يحى بن سعيد شيخ طريقة
الزدّاغة لكي يقتص من المتمرّد . فسار يحيى لملاقاة '' المهدي '' الساحر المتزهّد
الذي أصبح محبا للدنيا شهوانيا و هاويا للمنابر،لاسحر ولا بركة نفعا هذا
المتنبّي حينما قامت معركة دامية في نفس السنة في نواحي مراكش و بالتحديد في سهل
سوس منذ بداية المعركة نكس وانهزم وجيشه متولّيا إلى الوراء في فرار مهيب .
وشيء غريب : قبل اندفاعه الذي وضع حدّا لملحمته الخيالية : تنبأ له أحد
مناضليه قائلا :'' عشت طائشا ، تموت تيسا '' .
إن الحملة العنيفة التي قادها وأثارها أبو محلي ضد سيدي الشيخ ، وتلك
التي أثارها قبله الفقهاء الحسودون المجادلون كل ذلك لم يؤثر في العلماء النزهاء
البعيدين عن روح المزاحمة ، كما أنّه لم يؤثر في الجماهير الشعبية .
بما أن سيدي الشيخ كان متيقّنا من صحّة أسس طريقته و النظام الصوفي الذي
أنشأه لم يتكلّف عناء إفحام خصومه ، و في الياقوتة نفسها إشارة إلى ذلك الجدل ،
كما أنه لم يَنْثَنِ بل واصل عمله .
و لكي يضمن تمتين أسس طريقته وإشعاعها ، فقد عمل جاهدا لإعطائها مساحة
أوسع بإنشاء الزوايا ( كمراكز إشعاع ) و يكلّف على رأس كل واحدة مقدّما ثقة
يمثّله ويمثل طريقته بصدق وجدّ . من بين ممثّليه الذين وُجِدَتْ في المناقت
قائمة طويلة لأسمائهم ، نذكر المقدم القندوس بن عبد الله بتلمسان ، والحسين
الساكوني بفيقيق الذي يرجع إليه الفضل – كما سبق أن ذكرنا – في ترجمة حياة وسيرة
سيدي الشيخ و كذا في شرح الياقوتة وذلك في سنة 1056هـ1646 م أي أنه ألّف هاتين الوثيقتين
بعد ثلاثين سنة فقط من وفاة سيدي الشيخ، والتي توجد عندنا نسخة منها ذكرناها
أعلاه، كما توجد نسخة – قيل أنها الأصلية – في زاوية سيدي عبد الرحمن السهلي في
بوذنيب (بجنوب المغرب).
كما ذُكِرَ المقدم إبراهيم بن أبي بكر بفاس و يوسف بتوات و حاج بمرّاكش
وقدور ابن ابي بكر بالجزائر العاصمة ، الخ ... ‹
السابــــــق
› التالـــــــي |