موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت

فاطمة ناعوت
في ندوة "أدب ونقد"





ناقشت مجلة "أدب ونقد" في ندوتها – نصف الشهرية – الأخيرة والتي عقدت بمقر المجلة الأربعاء الماضي ، ديوانيْ الشاعرة "فاطمة ناعوت" : "نقرة إصبع" الصادر عن سلسلة كتابات جديدة التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب ، والثاني : "على بعد سنتيمتر واحد من الأرض" والذي صدر عن دار ميريت ، وتصدر طبعته الثانية خلال أيام عن دار كاف نون للنشر .


شارك في المناقشة عدد من الشعراء والنقاد هم : حلمي سالم ، د. صلاح فاروق ، عبد المنعم عواد يوسف ، عاطف عبد العزيز ، عماد غزالي ، أشرف يوسف ، وأدارها وشارك فيها الشاعر عيد عبد الحليم .

في بداية الندوة قدم عيد عبد الحليم الشاعرة مستوحيا عالم ولغة قصائدها بما يشبه موسيقى المفتتح : هي دائما مشدودة إلى الطفولة بعمقها الماضوي ، بدلالاتها المجازية العميقة ، بوحدة الأشياء عوضا عن مفردات الزيف التي أرهقت كاهل الواقع ، ورغم تشبعها بالمنطق إلا أن وعيها يتوق للقراءة عن الجنيّات والأميرة والخاتم المسحور ، فلا ينطفئ وهج الفرح السردي داخل نصوصها ، هي شاعرة تعيش القصيدةَ قبل أن تكتبها ، وتنسج الأسطورة ، ليس بمعناها التاريخي المتعارف عليه ، ولكنها أسطورة الذات المؤرَّقة بالآخر بشكل نسبي و بالأنا بشكل أكبر ، ثم تضفر كل ذلك بمسحة الواقع.أعقب تلك المقدمة قراءة من الشاعرة لبعض النصوص من الديوانين وكذلك عددا من قصائدها الجديدة بالديوان الثالث قيد النشر.

الذات والموضوع وتلاقي الحضارات


وفي قراءته الخاصة للديوانين يقدم الشاعر حلمي سالم فاطمة ناعوت بقوله : هي واحدة من شاعرات الكتابة المصرية والعربية الجديدة ، ثم يعرج إلى الملامح البارزة في تجربة الشاعرة عبر الديوانين فيقول إنها نجحت في خلق الموازنة الدقيقة بين الذات والموضوع أو بين الداخل والخارج ، فهي تمشي على خيط رفيع بين عالمين حتى يتيقن متلقي النص من أن الكتابة عن الذات هي كتابة في الحين نفسه عن الموضوع ، وأن الكتابة عن الموضوع إنما تتم عبر الذات . الملمح الثاني الذي يراه حلمي سالم هو ملمح السخرية والتهكم ، حيث توظف الشاعرة هذه السخرية لتخفف من وطأة المأساة أو لتضفي لمسة من المرارة على حالة متقنعة بالضحك وأحيانا لتزيد من عنصر التأثير والإيغال في نفس القارئ ، مما يمنح قصائدها طريقة غير تقليدية في المعالجة . أما الملمح الثالث فهو ظهور طابع مسيحي ملحوظ سواء في الموضوعات أو في المشاهد والصور وفي بعض عناوين القصائد ، وهو من أعمق ملامح الديوان لأنه يدلنا على اتساع المرجعية الثقافية عند الشاعرة لا سيما حين تمتد لتشمل الثقافة الفرعونية واليونانية والعربية ، الأمر الذي يمنح أفقا رحبا للأرض التي تتحرك عليها فاطمة ناعوت، ويشير إلى تلاقي الحضارات والثقافات والأديان والتراثات المتنوعة في شعرها وهذا ملمح هام خاصة في الشعر الذي هو إنساني بطبعه .

روافد اللغة والانصراف عن كتابة الجسد

والملمح الرابع الذي يراه الشاعر حلمي سالم في تجربة ناعوت هو حرية الشاعرة في التعامل مع اللغة فتارة تذهب بها إلى اليومي النثري العادي وتارة تذهب بها إلى التزاوج مع اللغة الأجنبية ، وتارة تذهب بها إلى حقل التكنولوجيا والهندسة ، حيث مجال تخصصها العلمي فهي مهندسة معمارية .

أما الملمح الخامس فيتمثل في الانصراف عن هوس كتابة الجسد الذي استغرق فيه كثير من شعراء وشاعرات الكتابة الجديدة ، فشعر ناعوت ينطلق من المعاناة الوجودية الشاملة التي تتدامج فيها الذات بالعالم والجزئي بالكلي والشخصي بالإنساني . وسادسا – يرى حلمي سالم – أن النهل من معين الثقافة والتراث العربيين والأجنبيين سوار بالتناص أو بالتضمين أو بالاتكاء أو بالنقد والنقض من الملامح المهمة مما ينطوي على ميزة كبرى ومثلبة في آن : الميزة تتمثل في التأكيد على أن الشعر العميق ينبع من المعرفة العميقة ، أما المثلبة فتتبدى حين يُثقل كاهل النص أحيانا بهذا الحضور المعرفي الطاغي. والملمح الأخير هو غلبة النهايات ذات الطابع الحكيم أو وجود الخلاصة الختامية الشارحة .


تجربة ناعوت على بعد سنتيمتر بين الواقع والخيال

ويرى حلمي سالم أن عبارة " على بعد سنتيمتر واحد من الأرض" هي عبارة كاشفة يمكن أن نقرأ على ضوئها عمل الشاعرة كله ، فالتجربة تقع على بعد سنتيمتر واحد بين المجاز المحلق والواقعية الجافة ، وبين اللغة المتينة الكلاسيكية وبين اللغة النثرية الحديثة ، وبين الذات والموضوع ، وفي تلك المساحة الضيقة – السنتيمتر الواحد – يكمن الشعر الجميل.و أختتم قوله بأن الديوانين يشيان بتاريخ كتابة طويل للشاعرة حيث يميزهما خبرة كتابية تفتقر إليها الكتابات الأولى وهما في ذات الوقت إرهاصا واضحا لشاعرة مهمة ستأخذ مكانتها البارزة على خريطة الشعر العربي.

شرنقة السؤال

ثم يقدم الناقد د.صلاح فاروق مداخلة نقدية يؤكد فيها أيضا على عدد من الخصائص الفنية البارزة في قصائد الديوانين ، ومنها نزوع الشاعرة إلى الاستعاضة عن العيني بما له من الخصائص في إطار عملية إحالة بلاغية لا يقصد بها الكناية بالمعنى البلاغي ، ولكن يقصد بها التأكيد على علاقة الذات بهذا العنصر أو بالمفردة العينية التي تمت الإحالة إليها من خلال خصائصها . أيضا الشاعرة تعمد كثيرا إلى التساؤل ، فهي تستعيد تفاصيل يومية كثيرة ثم تطرح تساؤلاتها لا بهدف التساؤل ذاته ولكن بهدف الاحتفاظ بأثره داخل نفسها و إحالة القارئ إلى الوقوع والاشتباك داخل شرنقة التساؤل، كما نلحظ وجود تعبيرات ميتافيزيقية قد تبدو غريبة على النصوص ولكنها تفجّر التجربة في كثير من الأحيان ، كما يختلف صلاح فاروق مع حلمي سالم حول كون طابع التجربة هو طابع مسيحي ويؤكد أنها لا تشكل ملمحا أساسيا ولكنها إحالات منتثرة و إلا جاز لنا القول أن التجربة تنطبع بالطابع الهندسي و الغربي و التكنولوجي الخ…

عبد المنعم عواد يوسف يناصر الجيد من قصيدة النثر

وفي مداخلة سريعة يشير الشاعر : "عبد المنعم عواد يوسف" إلى إعجابه الشديد بتجربة الشاعرة ، بل إنه رشح ديوان "نقرة إصبع" للقراءة في جريدة القاهرة في باب " أنصحك أن تقرأ" وأكد على أن تجربة ناعوت تستحق بالفعل القراءة فهي شاعرة حقيقية وأضاف أن إعجابه ببعض نصوص قصيدة النثر قد أثار ضده بعض الآراء المحافظة التي اتهمته بأنه يعطي شرعية لهذا الشكل الفني الجديد وهو الشاعر الكلاسيكي ذو التاريخ الريادي ، بينما يرى هو أن الإبداع الحقيقي يكتسب شرعيته بنفسه ولا يملك أحد أن يصادر أو يلغي إبداعا حقيقيا مادام قد حقق جوهر الشعر وأضاف أن الشعر ليس نظما وإلا صارت ألفية بن مالك من أعظم الشعر وهي ليست من الشعر في شيء ،و أكد أن الموسيقى في قصيدة النثر تنبع من الإيقاع الداخلي .


التفعيلة ومكعبات الثلج

ويؤكد "حلمي سالم" على قول" عبد المنعم عواد يوسف "بقوله إن التخلي عن التفعيلات التي تُرص الكلمات داخلها كما مكعبات الثلج لا يخل بجوهر الشعر و أيضا لا يخلق الشعر الجميل ولكن الجميل من الشعر هو أجمله سواء كان موزونا أم لا وكثير من شعر التفعيلة والعمود ليست موزونة أصلا لأن الوزن ليس مكعبات الثلج تلك ولكنه منظومة فكرية و فنية شاملة .

الروافد الثقافية بين الكلاسيكية والمعاصرة

ويقدم الشاعر " عماد غزالي " لمداخلته بمحاولة كشف الروافد الثقافية للشاعرة ، والتي تتوزع بين ثقافة كلاسيكية وثقافة تاريخية وثقافة غربية معاصرة ، كذلك يؤكد على الخبرة الكتابية التي تمتلكها الشاعرة رغم حداثة ظهورها على الساحة الشعرية ، فمن الواضح – كما يقول – تمرسها بأشكال الكتابة الشعرية الأخرى في مراحل مبكرة ، ويحاول غزالي بعد ذلك الكشف عن أوجه الاختلاف بين الديوانين ، فيرى أن الديوان الأول يمثل دفقة شعرية عارمة تجسد لحظة الاكتشاف والتحوّل ، وكأن الذات ترى العالم للمرة الأولى ، هذه اللحظة يتنوّع التعبير عنها عبر صور كثيرة على مدار الديوان ، بينما يتناقض موقف الذات من العالم الجديد ، بدءا من الفرح به والدهشة منه إلى الرفض والحنين إلى العودة . وتسيطر لغة الحكي على الديوان بشكل عام ، وهي لغة كاشفة تحاول تعرية الذات وفي نفس اللحظة تخجل من مواجهة ذلك العري .

وتستخدم الشاعرة لغة الحكي ليس فقط بهدف البوح وسرد وقائع من حياتها اليومية ، ولكنها تؤمن إلى حد كبير بمعجزة ما سوف تحققها لها هذه اللغة ، معجزة حقيقية تساعدها على عبور لحظة التحوّل ، وهي قادرة على التعامل مع التركيب الصوري داخل السرد بمرونة كبيرة تبدو معها الصور المستخدمة مبتكرة خارجة عن الأطر البلاغية الجامدة .
في ديوانها الثاني تخفت قليلا لغة الحكي لتفسح المجال لبناء شعري يعتمد على تخليق رمز أو شخصية تشد أطراف الصور الشعرية مما يجعل البناء النصي أشد جمالا واكتمالا ، كما تنجح في هذا الديوان في رصد ملامح المكان عبر تجربة اغتراب واضحة .


خلق عالم جديد

وتشير القاصة "ليلى الرملي" ، إلى وحدة التجربة عند الشاعرة وإلى اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة ، وتوظيفها للمعرفة العلمية . كما أن هناك تعبيرا عن حالة من التذمر والتمرد والألم ، وهناك رغبة شديدة في عالم آخر أجمل .و في مداخلة سريعة يشير الشاعر "أشرف يوسف" إلى نجاح الشاعرة في استقطار التجربة الإنسانية من الموجودات حولها ويدلل على قوله بمقاطع كثيرة من الديوانين وكذا في أن الشاعرة تقترح تغيير الطبيعة ذاتها بمفرداتها من أنهار وجبال وسماء في محاولة لخلق عالم خاص جديد ويأخذ على التجربة عدم صنفرة النصوص من أدوات الربط ويشير هنا إلى الشاعر اليوناني كفافي.

الإنصات إلى العالم

أما الشاعر "عاطف عبد العزيز" فيقول إنه يلاحظ أن هناك انتقالات من الديوان الأول إلى الثاني ومنه إلى النصوص الجديدة التي قرأتها الشاعرة من الديوان الثالث قيد النشر " قطاع طوليّ في الذاكرة "، فهناك محاولة للانتقال من منطقة الذهني إلى الحياتي ومن الإحالي إلى المتعين . وهذا يعني أنها بدأت تنصت إلى العالم وتتسمع تنفس الأشياء حولها ، وأنها تجاوزت مرحلة التعبير عن الفكرة إلى مرحلة جعل النص يكتب نفسه بنفسه ، و أشاد بجسارتها الشديدة في الكتابة في تقديم مرجعياتها الذاتية دون خوف من إرباك القارئ وهذا لا يفعله سوى شاعر يعي ماهية جوهر الشعر فالنص تكوين شعري مثل اللوحة التشكيلية .

القصيدة الجديدة تحوّل من القبضة القوية إلى " نقرة إصبع "

و في تعقيب أخير أضاف الشاعر" حلمي سالم " أن القصيدة الجديدة هي تحول من (البوكس) إلى "نقرة الإصبع" ومن دقات الطبول إلى الهمس ومن هنا كان إعجابه بعنوان الديوان الأول وفي الختام قرأت الشاعرة بعضا من قصائدها المكثفة (إبيجرامات) وهي من أهم ملامح الديوان الثاني.





من هنا نبدأ
بداية القول | خيمة العامرية | إصدارات | ثقوب في الكلام | ترجمات
حوارات | كلما اتسعت الرؤية | ندوات | الآخر ليس جحيمًا دائمًا
خيام في الجوار | الذين عبروا من هنا | هودج العامرية | بريد زاجل