موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
منتدى "العنقاء"
يستضيف
فاطمة ناعوت
حاورها: رياض أمّون
نرحب بك في هذا المنتدى أجمل ترحيب .. ويسعدنا أن تكوني بيننا.. وأن يكون بيننا هذا الحوار.. الذي سنحاول فيه التعرف إليك.. عن قرب.. وسوف تكون هناك أسئلة من قبلي.. أو من قبل زملاء آخرين في المنتدى... لك الحق في الاعتذار عن أي سؤال ... والوقت متروك لك للإجابة...آمل أن يكون الحوار معك ممتعا ومفيدا لنا جميعا...
سؤال: قبل أن يبدأ الحوار هل يمكن لك أن تعرفينا بك .. بالشكل الذي ترغبين به وبإيجاز لو سمحت؟ رياض أمون
أشكرك 22 على هذه الورطة المبهجة وأرجو أن يكون مقامي غير ثقيل بينكم. أنا محضُ كائنٍ لم يكد يمعن في الحياة حتى فضّل الانسحاب منها، أحيا فوق هذا الكوكب المتعب مهندسة معمارية، ارتكبتُ الشعر صغيرةً، مررت بالخليل و بحوره، وعرّجت على التفعيلة خماسيها وسباعيها، واستقر رحالي على قصيدة النثر بعدما سقطت السلطات آخذةً في سقوطها الفراهيدي
لا شيء مختلفًا في حياتي يستحق التوقف عنده سوى أنني بدأت النشر متأخرًا بعد ثورة ثم حربًا مع نفسي لأقنعها بوجوب نشر كلمتي. أخذتني الهندسة طويلا من وبغتةً تلفتُ إلى الوراء، لا أعلم لمََ، فقررت العدول عن الطريق بعدما أوشكت على الانتهاء.
لي ثلاثة إصدارات شعرية حتى الآن "نقرة إصبع"، "على بعد سنتيمتر واحد من الأرض "، " قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة" وأنطولوجي مترجم عن الإنجليزية تحت الطبع بعنوان "مشجوج بفأس" لمجموعة من الشعراء الكوزموبوليتان أنطولوجي بالاشتراك مع يعض الشعراء العرب عن العراق بعنوان "أحزان حامورابي" وبعض المشاريع الصغيرة قيد الإعداد
سؤال: هل يمكنك أن تحدثينا عن البدايات ؟ رياض.أ
إن كنت تقصد البداية الشعرية فقد بدأت كما أسلفت على النحو الكلاسيكي مثل معظم الشعراء، أي الكتابة على نسق البحور الخليلة،
وواقع الأمر أني عشقت الشعر صغيرةً جدًا ، كان جدي ذا ذائقة شعرية مميزة، و كان يقرأ لي من الأغاني وغيرها من الشعر الجاهلي وجماعة أبولو فأندهشت لسحر هذا القول المموسق الشجي الذي بوسعه أن يغير في كيميائك. استهواني الأمر وبدأت في نظم بعض التراكيب المضحكة طبعا وهكذا، ولكن لم تنتظم جملي الشعرية إلا ذلك بكثير. كنت أكتب على أي شيء، أغلفة الكراسات، حوائط غرفتي، شراشف الطاولات، لكنني أبدا لم أحتفظ بأي مما كتبت إلا منذ قررت النشر، أي منذ ثلاثة أعوام.
سؤال: ورد في تعريفك بنفسك في البدايه هذا القول: ( واستقر رحالي على قصيدة النثر بعدما سقطت السلطات آخذةً في سقوطها الفراهيدي). ماذا يعني ذلك؟
أما لماذا انتقلت إلى قصيدة النثر، فهذا أمر شرحه يطول، وكنت قد ألقيت شهادةً بهذا الأمر في اتحاد كتاب مصر في مؤتمر موسع حول قصيدة النثر ومستقبل الشعر. أزعم أن دراستي للعمارة والمدارس المختلفة لها قد أثرت ولو بالقدر اليسير في أن أغير من مسيرتي الشعرية، فما بعد الحداثة في العمارة تنادي إلى كسر الأطر والقوالب الجاهزة تشكيليا وفنيا، بل تدعو إلى كسر الاتزان ذاته، ألا ترى معي التشابه بين العمارة والشعر، هل فهمت ما أرمي إليه ، الثنائية الخليلية التي تنشأ عن تقسيم البيت الشعري إلى شطرين هي ابنة شرعية لثنائية مجتمع وفكر مجتمع كاملين. المجتمع العربي القديم الجاهلي وصدر الإسلام وما بعده، كان مجتمعا صحراويا رعويا لا يفهم ولا يتعامل إلا مع الثنائية، الليل والنهار- الشمس والقمر- الخير والشر- وهكذا ومن هنا نشأ البيت ثنائي الشطر في زعمي كذلك الموسيقى الخليلية هي بنت الشفاهة القديمة قبل الكتابة والتدوين حتى يتسنى للشاعر أن يحفظ ما يكتب ويستدعيه بسهولة. الأمر اختلف الآن. نعرف اليوم أن بين الحدين عدد لا نهائي من البدائل، لم يعد الكون اثنين، أبيض وأسود بل نرى ستة مليون لون بينهما، سقط الخليل بن أحمد الفراهيدي باعتباره أحد المقترحات الموسيقية وليس كل الموسيقى، قد تنشأ الموسيقى من التنافر النغمي لا من التناغم. باختصار الوزن الخليلي هو أحد الألوان الموسيقية أو أحد الاقتراحات التي- في زعمي- استنفدت طاقتها ويجب البحث عن بديل مغاير.
سؤال: أنت تعلنين سقوط الخليل...فهل انتصرت عليه قصيدة النثر فعلا؟..وهل كل من كتب بهذا الشكل المستحدث استطاع أن يحقق وجودا على الساحة الأدبية؟ رياض.أ
قصيدة النثر شأنها شأن كل فن يحتمل الرديء والجيد، وتفعل مصفاة التاريخ فعلها للتصفية والتنقية. حين نتذكر مدرسة الإحياء وجماعة أبولو والمهجر والديوان ، لا نتذكر غير خمسة أسماء، وحين نتكلم عن الشعر الحر نذكر فقط عشرة أسماء في الوطن العربي كله، هل تظن أن هؤلاء هم فقط من كانوا على الساحة وقتها؟ بالطبع لا، كان هناك العشرات من الشعراء في كل عقد، لم تحتفظ ذاكرة التاريخ إلا بمن مرّ بمحنة الانتخاب الطبيعي إن جاز هذا التعبير، وأما عن المتشاعرين فإن ثمة دورا مهما للغاية لهم، إذ هم من يكرسون لوجود الشعراء الحقيقين. حين نتكلم عن قصيدة النثر كجنس أدبي أنا فقط أتكلم عن الجيد منها، هذا الجيد بالتأكيد يحمل الجديد مما لم تلحق به القصيدة العمودية والقصيدة التفعيلية. المنجز الشعري العمودي ضخم جدا ورائع وكذا المنجز الحر، لماذا نصادر على قصيدة النثر الآن قبل أن تتبلور ملامح تجربتها. قصيدة النثر لم تتخل عن الوزن الخليلي فقط ،إنما تحررت من كل أدوات الشعر القديم ومن هنا أرى أنها من أصعب ألوان الشعر حيث يدخل الشاعر- الحقيقي- ساحة الورق أعزل من كل عدته السابقة التي قد تساعده في بناء "نظمة" إن خذله الشعر، أعزل من الوزن أحد أهم أسلحة الشاعر القديم، أعزل من المجاز المستهلك الذي فقد مجازيته من فرط ما قيل، هل تندهش وتعتبرني شاعرة إن قلت لك إن السماء تمطر لؤلؤا؟ لماذا ستضحك مني؟ هل لأن الصورة الشعرية سيئة؟ لا على العكس هي بالفعل جميلة، لكنك ستفعل لأنك لن تحاول أن تستقرأ الصورة تشكيليا لترى إن كانت جميلة أم لا ، لماذا، لأنك سمعتها أو سمعت ما يشبهها آلاف المرات من قبل، فقدت الصورة قدرتها على رسم خيال موازٍ على شبكية عينك أو في مخيالك لأنها مستهلكة ،هذا ما أردت أن أقول، المجاز كائن حي يحيا ويشيخ ويموت، وقصيدة النثر تحاول أن تصنع مجازاتها من مادة لا تبلى، من المعيشي والملموس واليومي حتى يمكنها أن تبدل نسيجه وقماشه كل يوم. الكلام في هذا الأمر طويل جدا ولا يمكن قتله في حوار أرجوه أن يكون رهيفا خفيفا غير مثقل بالنظريات النقدية.
سؤال: هناك من يرى أن قصيده النثر أو ما يمكن أن نسميه الشعر الحر هو تحرر من قيود وضوابط العمل الشعري الفني وبالتالي يرون أن في هذا استسهالا يؤدي إلى تسطح هذا الفن..ويضربون مثلا على ذلك الكثير من الشعر الحر الفاقد لمقومات الشعر...ما رأيك؟ وهناك من يحاول عن قصد لإزالة الشرعيه عن قصيدة النثر أن يسميها خاطره..أو نثر شعري...ما رأيك؟..وما هي مواصفات الشعر أو القصيده التي تستطيع أن تحمل بجداره تسمية قصيدة النثر؟ رياض.أ
لا قيود للفن، بل نحن نضع القيود لنتمرد عليها ونكسرها، القيود والقوانين تخص العلم والحياة، الفن عامةً لون من الخلق، لا ينبغي أن تقيد الخالق ليخلق ، بل دعه يكسر قوانين الطبيعة لينتج فنا مدهشا، الاستسهال في الشعر أمر ليس جديدا، وعلم العروض من أسهل العلوم، أي فرد تعامل مع علم الرياضيات حتى المرحلة الثانوية فقط يمكنه اتقان البحور الخليلية بسهولة، ليت الشعر وزن يا صديقي لانتفت صعوبته. هل تعد ألفية بن مالك شعرًا، ألف بيت موزونة ومموسقة بامتياز وهي ليست من الشعر في شيء. ما هي مقومات الشعر الجيد؟ لا أعرف، الشعر كالجمال، تعرف أن في هذا الوجه سحرًا لكنك لا تستطيع أن تخبرني عن السبب، نحن لا نحلل الجمال، الجمال يباغتنا وحسب، ألم ترَ جمالا حقيقيا في وجه امرأة عجوز مجعدة الملامح؟ أو في وجه طفلٍ زنجيٍّ؟ الشعر كيمياء معقدة يغير من حالك ولا تدري ما السبب، ليست الموسيقى هي ما تحركنا فقط، ربما الانقضاض على الموسيقى وتكسير انتظامها يخلق إيقاعا وجمالا من نوع مغاير. شرعية قصيدة النثر تنبع من وجودها وتحققها، الذين يهاجمون هذا اللون الشعري هم أصوليون يحاربون الجدة وهو أمر ليس جديدا بل هو أجمل ما في دراما الحياة، هذا الصراع النبيل هو الذي يخلق الجمال ويعطينا مبررا للاستمرار، لو أن حروبا من هذه الشاكلة لم تقم، ما ابتكر الشعراء وما جددوا لصهر الجديد المغاير. أنا لا تزعجني الحرب على قصيدة النثر، ما يزعجني هو نفي الآخر ومهاجمة الأشخاص، أو التعميم الذي هو ألد أعداء التطور، لو أنتجت قصيدة النثر في خلال عقد كامل ثلاثة شعراء سأنحني لها شكرا، لا أطمع في المزيد ولا ينبغي أن نطلب من الشعر أكثر من هذا. ومثالي على هذا هو التاريخ ذاته، مئات كتبوا الشعر الحر ولكننا نذكر منهم نازك الملائكة والسياب وعبد الصبور وحجازي وأمل دنقل وربما اثنين أو ثلاثة آخرين، هؤلاء حصيلتنا في ثلاثين سنة . لماذا نطلب من قصيدة النثر اكثر؟
سؤال: بمن تأثرت من شعراء العربيه القدماء والمحدثين..وكيف؟ رياض.أ
كل ما تقرأه صغيرًا أو يمرُّ بك من خبرات ومعارف ينحت مكوِّنك المعرفي ويشكل ملمحك الكتابيّ فيما بعد. أحببت شعراءَ كثرين وتأثرت بهم، لا أدري هل التأثر هذا ذهنيًّ بمعنى تشكيل ذائقة وتصور عن جماليات الشعر وحسب، أم انسحب أيضًا على التشكيل الكتابيّ، أتمنى ألا أكون قد دخلت المغارة الثانية . أحببت جدا شعراء المهجر وقدموا لي صورة مثالية للعالم، أحببت أفلاطون بعمق، وما هو بشاعر، أحببت البوذية، وتلك رؤية للحياة، أحببت القرآن، أحببت الإنجيل. ما أريد أن أقوله إنك لا يمكنك أن تحدد من أي الدروب تشكلت، أنت ابن لما تقرأ ويتقاطع معك، نقرأ كثيرا جدا ولكنه قليل ما يتقاطع معنا، هنا فقط تأتي المتعة و تبدأ إعادة التكوين والصهر. عودة لسؤالك، تأثرت بناجي وقلدته وكذلك نزار ثم خرجت من عباءتهما مبكرا.
سؤال: ما رأيك بمقولة الأدب النسائي.. هل هي صحيحه.. أم لك وجهة نظر أخرى؟ رياض.أ
لا أؤمن بهذا المصطلح إن كان مصطلحا ولا أفهمه كفكرة. المرأة إنسان، والأدب فكرٌ و مجهود وإبداعٌ إنسانيٌ، وبالتالي ما تكتبه المرأة هو إبداعٌ إنسانيٌ. ظلت المرأة لدهورٍ طويلة موضوعًا بتعبير سيمون دي بوفوار، موضوعا لكتابة الرجل، موضوعا لانشغاله بها واشتغالها من أجله. ولأنه على مدار التاريخ تراكمت الكتابة الذكورية على حساب ندرة الكتابة النسوية لم يُدرج هذا المصطلح قديما أبدًا. كانت كتابة الرجل تدور حول بطولاته على صعيد الحياة وعلى صعيد المرأة (كموضوع) أيضًا، كتب عنها بوصفها أحد منجزاته التي تكرس ذكورته. وللأسف انخرطت المرأة في تكريس اللعبة معه صانعةً من نفسها أداةً لكتابته. وحين كتبت المرأة أخيرًا و حاولت حفر قناةٍ كتابيةٍ لها، كثيراتٌ وقعن في الشرَك ذاتِه للمرة الثانية، كتبن عن هزائمهن مع الرجل وكأنهن يرفضن الخروج من هذا الفلك على نحوٍ لا يخلو من ماسوشية. ربما أكون مبالغةً قليلا في هذا التعميم، لكنني أردت أن أوضح الفكرة. في دراسة له حول تجربتي الشعرية، كتب الناقد المصري د. محمود الضبع، ما معناه أن الكتابة النسوية– ومازلت أرفض المصطلح – تندرج تحت محاور ثلاثة، كتابة الجسد وهو هوس وقعت فيه كثيرات من الكاتبات، الكتابة عن القهر الواقع عليها من الرجل ومن المجتمع والدين، والكتابة الوجودية التي تحفل بالإنسان أكثر مما تهتم بالنوع، أي الكتابة عن أزمة الإنسان مع الوجود بصرف النظر عن نوعه، وأضاف أن كتابة فاطمة ناعوت تنتمي إلى هذا المنحى الثالث. بغض النظر عما قال الناقد، أريد أن أقول إن الرجل لا يقل قهرا عن المرأة، لا في مجتمعاتنا الشرقية وحسب، لكن على مستوى الوجود، بوصفه إنسانا يحيا فوق كوكب تعس غارق في الخطيئة ومحكومٍ عليه بالسرمدة فيها. باختصار، أنا لا أتحيز للمرأة لأنني امرأة، ولا أتحيز للرجل، أنا أهتم أكثر بالإنسان وشديدة الانحياز له.
سؤال: ورد في حديثك قولك أن( الرجل لا يقل قهرا عن المرأة ، لا في مجتمعاتنا الشرقية وحسب ، لكن على مستوى الوجود ، بوصفه إنسانا يحيا فوق كوكب تعس غارق في الخطيئة ومحكومٍ عليه بالسرمدة فيها) هل يمكن لك أن توضحي لنا ماذا تعني بذلك..لو سمحت؟ رياض.أ
أردت فقط أن أعبر عن أزمة الإنسان عموما في صراعه مع ذاته ومع الوجود منذ البدء، وعلى أية حال، هذه رؤية في الحياة قد لا تخلو من مجازٍ أو شيءٍ من المبالغة أو العدمية حتى ، لكن جوهرها ينطوي على الكثير من الأمل والرغبة في التغيير. على أن الأكيد أن اقتراحا آخر للوجود كنت أطمعُ في وجوده، ولا تسلني بدورك ما هو، لأن كتبًا ضخمةً تُكتب في هذا الشأن، لكن الملمح الأهم في ذاك الاقتراح هو حبٌّ أكثر ، إثرةٌ أقل.

|
|