آليس ووكر آليس ووكر- كاتبةٌ أمريكيةٌ سوداء، اشتهرتْ رواياتُها وقصصُها القصيرة وكالسوداوات. بالطابع الفلسفيّ المتشرِّبِ بالحكمة الزنجيّة.تُعدُّ أحدَ أهمِّ الأصوات الرائدة بين الكاتبات الأمريكياتِ السوداوات. لها العديد من المجموعات الشعرّية، الروايات، القصص القصيرة، المقالات وكذا الكتابات النقديّة. كتاباتها تصوِّر النضال المزمن للزنوج عبر التاريخ، وقد ذاعت تلك المقالات لحسِّها الرفيع في تصوير حياة السود وثقافاتِهم، خاصةً المرأة الزنجية ومشاكل حياتها المزدوجة:النوعية والعنصرية. من أهم أعمالها والتي نالت عنها جائزة " بوليتزر"، وكذا الأكثر مبيعًا في أمريكا روايتها اللافتة "اللّون القرمزيّ " - 1982والتي تُعدُّ سِفرا يحكي نضالَ امرأةٍ سوداءَ جنوبية فقيرة ومضطهدة عنصريًا، نجحت أخيرًا في قهر القمعِ الواقعِ عليها عن طريق تنظيمها جماعاتٍ نسائيةً، تساند المرأةَ سيّما الملوّنة. و بالرغم من اتساع مساحةِ قارئيها إلا أن معظمَ مؤلفاتها محظورةٌ في أمريكا. في أحاديثَ متفرقةٍ لها وصفتْ ووكر نفسها بأنها " كاتبة المرأة ".
ولدت آليس ووكر في ولاية إيتون تاون - أمريكا، ثم انتقلت إلى الميسيسيبي بعد انتهائها من الدراسة بجامعتي سبيلمان و سارة لورانس و بعد ضلوعها الإيجابي اللافت في العمل بمجالات حركات التحرر.
آليس ووكر (2
Alice Walker كهول يجرِّبون الغناء الكهولُ
الذين اعتادوا أن يغنُّوا،
- بحذرٍ-
رفعوا أخًا لهم
خارجَ البابْ.
أفكِّرُ:
لابدّ أنهم وُلدوا هكذا
مدرَّبين كيف يؤرجحون برفقٍ
تابوتًا،
يجرجرون أقدامَهم ببطءٍ،
ثمَّ يشخصونَ
بحدقاتٍ جافة
نحو البعيد.
الزهورُ تربكُ خيالَهم
أكثرَ مما يفعلُ
نحيبُ الأراملِ
و الثكلاوات.
ها هم
بعدما يوارون الجسدَ الترابَ
ستراهم يقفون
هناك
- في ثيابِهم البُنّيَّة -
في انتظارِ
موتى جُدد.
***
حوارٌ مع الشِّعر قلتُ للشِّعر:
- " انتهيتُ منكَ !."
وفيما يحتضرْ
و بينما أقاومُ شعاعَ قلقٍ
بدأ يزحفُ داخلي،
أضفتُ:
- " شكرًا أيها الإبداعِ
لم أعدْ بحاجةٍ إلى الإلهام،
سأذهب إلى هناك
حيث شيءٌ من الفرحْ،
حيث عهودٌ لا تعرفُ الألمْ
على الأقل."
رقدَ الشِّعرُ على ظهرِه
وادَّعى الموتَ
حتى الصباح.
لم ينتبني حزنٌ،
سوى قليلُ من الضجرِ.
قال الشعرُ فجأةً:
- " هل تذكرينَ الصحراءَ،
وكم كنتِ فرِحةً أن لكِ عينين تريانها ؟
أتذكرين ذلك ولو لُماماً؟
أجبتُ:
- " لم أعدْ أسمعُك حتى،
ثم إنها الخامسةُ فجرًا
وبالتأكيد
لم أصحُ في الظلام
لأحاورك !"
قال الشَّعرُ:
- " فكرّي وحسب
في الأوقاتِ التي تأملّتِ القمرَ
فوق ذاكَ الوادي الضَّيق،
كم عشقتِه !
وكم أدهشتكِ أشعتُه الخضراءْ،
كم داخلك الفرَحُ
أن عينًا واحدةً مازالت لديكِ،
ترصدين المشهدَ بها،
تذكَّري ذلك وحسب."
- " سألتحقُ بالكنيسةِ."
أجبته بغضبٍ وأدرتُ وجهي صوبَ الحائطِ
- " سأتعلم من جديد
كيف أصلِّي."
- " دعيني أسألُك إذن،
ماذا سترين في الصلاةِ
حسبما تظنين؟"
باغتني السؤالُ
فقلتُ وقد زال عني الهدوء:
- " لا أوراق هنا في الغرفة
فاذهب من هنا !
ثُمَّ إن هذا القلمَ
- الذّي اشتريتُه بالأمسِ -
يصدرُ صريرًا مزعجًا."
- " اللعنة !"
قال الشعرُ
- " اللعنة !"
قلُتها
***
رماديّ صديقتي
التي تحولَّت للرماديّ فجأةً
ليس لونِ شَعرِها وحسب،
ربما روحها أيضًا!
في الحقيقة
لا أعرف لذلك سببًا.
هل نقصٌ في فيتامين هـ
أو حامض البانتوثينيك أو ب 12
أم
بسببِ الوحدةِ والعذاب ؟
-" كم يلزمُ من الوقتِ كي تحبي ؟"
سألتُها مرةً:
-" فقط … لحظةٌ حميمة."
أجابتْ.
-" و لأيّ مدةٍ يستمرُّ الحبّ ؟ "
-" آهٍ !
ربما شهور."
-"وكم يلزمكِ لتتغلّبي على هذا الحبِّ؟"
-"أسابيعُ ثلاثة."
يا لكِ من امرأةٍ فريدة !
هل أخبرتكم
أنّي بدأتُ التحَّولَ
إلى الرماديَّ أيضًا ؟
أغلبُ الظَّنِ
لأنني عشقتُ تلك المرأةَ
التي بمثل هذه الطريقةِ
تعتنقُ الحبّ.
***
قصائدُ أخرى (1)
بوسعِنا جميعًا
أن نهزمَ الذَّهبْ
إذا لم نعبأ بصعودِ أو هبوطِ قيمتِه
في سوقِ المال.
حيثما كانَ الذَّهبُ
كانت السلاسلُ،
وكلما كانت سلاسلُكَ من الذَّهبِ الخالصِ
كلما ازددتَ فقرًا.
ريشةُ الطائرِ،
المحارةُ،
الأصدافُ البحريةُ
كلُّها على نفسِ النُّدرةْ.
هكذا تكونُ ثورتُنا
أن نحبَّ ما لدينا
كما تعودنا عشقَ
ما لا نملك.
(2)
الحُّبُّ لا يعنيه
مع من صليّتَ صلاة المساء
أو أين نِمتَ
ليلةَ فررتَ من بيتِك
الحبُّ يعنيه
ألا تقتلَ دقاتُ قلبِكَ
إنسانًا.
(3)
وقتَ خرجتُ من قلبِك
لم يعدْ جسدُكَ،
حضورُكَ،
حديثُك الرقيقُ حتى،
يغريني.
سأذهب إلى بلدٍ بعيد
حيثُ بحرٌ بيننا
كيلا أمشيَ إليكَ
بل
سأمزقُ الرسائلَ التي
تحكي عن ألمي.
(4)
لدينا أمُّ رائعة
وثيرٌ.. حِجْرُها الأخضر
أبديٌّ .. حضنُها البُنّيُّ
زرقةُ الجسدِ
هي كلُّ ما نعرفْ.
دايفيد واجنر وُلِدَ في ماسيلون- أوهايو عام 1926. له عشر روايات وست عشرة مجموعة شعرية. حاز جائزة "روث ليلي " الشعرية عام 1991 ،عمل بتدريس اللغة الإنجليزية لأعوام طوال في جامعة واشنطن.من مجموعاته الشعرية "الضوء المسافر " عام 1999 عن دار نشر جالهند،ينويز، " سباحة والت وايتمان "1996، "عبر الغابة "1987، "ضوءٌ أول "1983، "بلوغ اليابسة " 1981، "في البلدةِ المتكسرة " 1979، " من سيغدو شمسًا؟ " 1978 وهي مجموعة قصائد مستقاة من أساطير سواحل شمال غرب الهند، " مختارات "1956-1976 والتي رُشحت لجائزة الكتاب الوطني، " النوم في الغابات " 1974، " مجرى النهر " 1972، "مختارات جديدة " 1969، " البقاء حيًّا "1966، " الأرض العش "1963، " موقعٌ للوقوف "1958 " و شمسٌ جافة، رياحٌ جافة " 1953.كما فاز بجائزة الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب وجائزة شي روود أندرسون وجائزة فليز والعديد من الجوائز الأخرى.يعيش حاليا في بوثيل -واشنطن.
ديفيد واجنُر (3)
David Wagoner مبدأُ التَّخفِّي ماذا لو أُمسِكَ بكَ في العلَنِ
وحيدًا
في مكانٍ مكشوفٍ
أعزلَ
و موقنًا من كونِكَ
مستهدفًا في كلِّ لحظة ؟
هل تصالحُ بين نزاعاتِكَ
والأكاذيبِ الكثيرةِ من حولك ؟
ترتِّبُ ذاتَكَ بين الصخورِ والأشجار
بين العشبِ المتوحشِ والخيول
بين الأبقارِ والغنمِ
أو حتى
بين الركام والنفايات،
من أجل أن تجدَ لنفسِكَ هويةً ؟
لماذا لم تعدْ تودُّ أن ترى ذاتَكَ
كما اعتدتَ أن تراها
تريدَ شيئًا مسالمًا جدًا
حميمًا،
مثلما تَهبُ الطبيعةُ الخضراءُ نفسَها
لبرودةٍ باهتةٍ
تداعبُ عُشبةً
تنمو في صخرةْ.
البقاءُ بلا أقنعةٍ
أكثرُ مما تطمحُ إليه الآن،
شيءٌ يفوقُ طاقاتِك
عرفتْهُ الأوراقُ الخضراءُ الرهيفةُ
فأعلنتْ بجلاءٍ عن ألوانِها
لتظهرَ كمَّ دنسِكَ وتعاستِك.
هو القصاصُ إذن !
أن يهزمَكَ عدوٌّ
تدرَّبَ على القنصِ عن بُعد.
خادعكَ تكوينُكَ يا صديقي
أحرى بكَ أن تتعلَّمَ كيف تمزقه
ليراكَ عدوُّكَ مشتتًا:
رأسُا بلا جزعٍ
أذرعًا وسيقان،
عندئذٍ
يتجاهلُكَ لتعيشَ لحظتَك
كفكرةٍ مجردةٍ تبعثرُها الشمسُ
كسطحٍ
فتته أشعةُ نورٍ غامضة
أو
كإنسانٍ مُعطَّلٍ
تعلمَّ العيشَ في الظلِّ.
لكن تذكَّرْ
سوف تبوء جهودُك بالخيبةِ جميعُها
إذا أتيتَ بإيماءةٍ واحدةٍ
تشدُّ إليكَ العيونَ.
إذا وقفتَ
فابقَ ساكنًا
أو اجلسْ بلا حركة
أو ارقد صامتًا كما أنت الآن،
هكذا
محضُ حيلٍ بسيطةٍ
ضد حقائقِ حياةٍ جامدةْ،
و كأنك بلا عدوٍ يتربصُك
كلُّ مخاوفِكَ ستغدو بلا سبب
جمِّدْ يقظتَكَ التي كان حريًّا بها
أن تفوزَ بالغنائم.
إذا تيقنت من كلِّ هذا العبثِ
وأخذت مكانَكَ في المشهدِ
بين الأمامِ والخلفية،
يجب أن تشعرَ
- منذ خطوتِكَ الأولى
خارج شقِّ التابوتِ -
بارتطامتِكَ القاتلة
التي تلفحُكَ برياحِ الخسارةِ
لتدعكَ وحيدًا
بلا ضوءِ نهار
أو سكنةِ ليل
بلا وطنٍ..
منتميًا
إلى حضارةٍ أخرى
تنثرُ عبقَها في هوائك،
هي الدنيا.
صفٌّ من شجيراتِ الغار لن تكونَ سياجًا
أو حائطًا حولَ حياتِكَ
أو مصدًّا
يحمي أملاكَكَ من تحديقةِ الكلابِ الجوعى،
والغرباء،
ترفضُ أن تخلقَ من أجلكَ
مِنطقةً آمنةً
تدفنُ فيها خوفَك
واغترابك.
أشجارُ الغارِ التي
تأبى أن تحسمَ معاركَك القديمة
داخل حدودِ ساحتِك
أو خارجها.
النبتةُ الصغيرةُ
ذات البرعمِ الثلاثيّ
تعلو في الهواء سامقةً
عند بدايةِ نيسان،
أو تميلُ بنصفِ انحناءةٍ
على نحوٍ فوضويّ
كي تستكشفَ مدىً بريًّا،
موغلاً في التوحش.
الشكلُ الهندسيُّ المؤَّطرُ
الذي يجعلُ منها أشباهَ مربعاتٍ
يبدو لها عجيبًا
لهذا
تتمردُ على مقصِّ الحدائقيّ
الذي يحاولُ أن يشذِّبَ أطرافَها الناتئةَ
و تقاومُ الماكينةَ ذات الأسنانِ الكهربائية
التي تقترح لها اصطفافًا منتظمًا
من أجل ألا تخسر
رِهانَ وجودِها.
تسخرُ من فكرةِ أن تكونَ
شجيراتٍ لطيفةً
طيّبةَ الجوار،
مع هذا
ثمةَ فرعٌ عجوزٌ صعبُ المراسْ
يقبعُ عند الأسفل
تحتَ الأوراقِ البادية والسيقانِ
يراوغُ
ربيعًا بعد ربيع
يقهرُ الصعابَ
ويقاومُ
كي تنموَ الأفرعُ الوليدةُ متَّسِقَةً حتى النهاية،
و متحدّةً.
النبتةُ القديمة
التي لم تعرفْ نصالَ التشذيب
لا تكونُ سياجًا ولا حواجزَ
تشبُّ بغير نتوءاتٍ،
فيما أشجار الآن
معذّبةً بآلاتِ الحرث
تنمو حاملةً
كلَّ الزوايا المطروحة
و انحناءاتِ الهامةِ.
انظرْ إلى الأرض هناك:
أوراقٌ ساقطةٌ
بنيَّةٌ وسميكةٌ كالجلد
تشبه الألسنَ الرافضة،
ترقدُ في سكون
بطيئةَ التحللِ في مواتِها
لتغدو طعامًا عصيًّا للتربةِ
تحت أقدامِ أبيها؛
الشجرِ
دائم الخضرةْ،
وفي تحولِّها الوجودي
تتذكرُ مجدَها القديم
وقتَ كانت
ورقاتٍ زاهيةً في تيجانِ غارٍ
تزيّنُ
جباهَ الشعراءْ.
اليزابيث بارتليت شاعرةٌ إنجليزيةٌ معاصرة ولدت عام 1924 ونشأت في " كِنت ".عاشت حياتها في "بيرجيس هيل "، غرب سسيكي بانجلترا.نشرت أعمالها الكاملة في كتاب ضخم بعنوان: " امرأتان ترقصان: قصائد جديدة وقصائد مختارة " عام 1995، حققته الكاتبة " كارول رومنز ". هذا الكتاب هو نتاج أكثر من نصف قرن من الكتابة، وصُدِّرَ بتوصيةٍ من مؤسسة الشعر الإنجليزية.بعدها أصدرت مجموعةً أخرى بعنوان "النزوع إلى الحب " عام 2001
إحدى القصيدتين المترجمتين لها بهذا الكتاب حاصلة على جائزة "تولمان كونارد لأجمل قصيدة " عام 2002، بينما الأخرى حازت جائزة " فوروارد " عام 2001.
إليزابيث بارتليت (4 )
Elizabeth Bartlett ماركٌ ألمانيٌّ …
و أشجارُ ليمون
ماركٌ ألمانيٌّ
يأتي أولاً
ثم شجرةُ ليمونٍ
أوراقُها مصقولةٌ، ثمارُها صفراء.
كأنهُ الحُلمُ !
في أُمسياتِ الصَّيفِ الباردةِ
أكلنا الجبنَ الدانمركيَّ
وشربنا خمورًا فرنسيةً
فيما القِطَّةُ في قِلادةٍ فِضِّيةٍ
مطعَّمةٍ بالماسِ والعقيقِ
تأكلُ الكافيارَ والسلمون.
لابدَ أننا أغرقنا في النوم
حتى الثالثة
على ملاءاتٍ حريريةٍ ناعمةٍ
بينما الليموزينُ ينتظرُ.
الأوبرا ليلاً،
و النهارُ
حولَ النافوراتِ.
كم هي دافئةٌ أصوافُنا الكشميريةُ !
ستائرُنا المخمليةُ التي
تشاغبُ الظلامَ.
كأنهُ الحُلمُ !
لم نصدِّق أسماعَنا
حين باغتتنا صرخاتُ الطاووسِ
القادمِ من بلادٍ بعيدةٍ
صرخاتُه التي
تؤرِّخُ حالَنا
" نحن الآن في عالمٍ جديدٍ
نحن في أرضِ الثروةِ !"
عبر دموعي سمعتُني:
أين أنتَ يا شجرَ الليمون؟"
حتمًا
لم أكن على ما يرام،
ولم أكتبْ قصيدةً واحدةً،
هل أصبحتُ ثريةً ؟
لكن
الماركُ الذي بدا خفيفًا في البدءِ
صارَ ثقيلاً!
كم أتوقُ إلى زهراتِ الثالوثِ الشتوية
و بَنفسجاتي الصغيرةِ التي
تتحدى العواصفَ،
أتوقُ إلى ستائري الشفافةِ
قططي التي أعرفُها - بلا قلائد
هكذا أنا…
قبل وصولِ رسالتِكَ من " جارتن ستراس ".
رسالتُكَ التي
أعقبَها الصمتُ.
***
تجريد نشبهُ الأطفالَ الحمقى
نبحثُ عن أسماءٍ لأشيائِنا.
هذا ضفدعٌ
في بِركةٍ ماءٍ
كمثريةِ الشكل،
و هذه قلعةٌ،
و هذه فراشةٌ.
هل كان يبحثُ في المجْهَر
عن عصواتٍ بكتيريّةٍ ؟
ثم تلك النقطةُ الحمراء
ماذا تفعلُ هناك
فوق حافّةِ العالمِ الخارجيةْ ؟
أحدهم
سوف يقولُ:
" إنها عظْمةُ الساق".
كن جادًا من فضلك
إنه الفنُّ،
مهنةُ حياته الأولى،
ثم إننا
نبدو بالفعل عتيقي الطراز
حين نحاولُ أن نشاهدَ الرَّحِمَ
مثلَ ثقبٍ في الجدارْ
أو …..
نعم ؛
مثل بيضةٍ مسلوقة ربما.
لو كنّا صغارًا
ربما ضربَ على أيدينا
لأننا نثرثرُ طوال الوقتْ
في الصفِّ الأخير،
لكنّه حين يمضي
سيبدو لنا
شاردَ الذهنِ قليلا
و حزينًا.
شارل سيميك ولد في بلجراد ويعيش في أمريكا له أكثر من 60 مؤلفا، منها: "تجوال القطة السوداء " و "زفافٌ في جهنم "و " فندق الأرق "، جميعها صدر عن دار نشر "هارتكورت بريس " ديوانه الذي يضم قصائد النثر "العالم لا ينتهي " فاز بجائزة بوليتزر عام 1990. بالإضافة لكون مقطوعاته يتم الاقتباس منها والتناص معها من قبل العديد من الأدباء، فإن معظم أعماله قد نشرت في "نيويوركر للشعر "وكذا في موسوعة "أجمل الشعر الأمريكي "، التي رأس تحريرها شرفيًّا عام 1992. يعيش في "نيوهامبشير " بين العديد من الأشياء المحطَّمة، من بينها قدمٌ مكسورة.
شارل سيميك (5 )
Charles Simic الدُميَّةُ الخشبية حِصانٌ
ألوانُهُ لامعةٌ،
له وجهُ طفلٍ
وأربعُ عجلاتٍ صغيرة
تحت أقدامِه،
و حبلٌ طويل لتجذبَه
هنا وهناك
على أرضيةِ الغرفة
كيفما أردتَ.
ينزلقُ الحبل بعيدًا
و يروا
بين كلِّ محاولةٍ وأخرى.
"اطرقْ البابَ وسوف يجيبون !"
هكذا قالت أمي ،
فتسلقتُ الدرجاتِ الأربع
ودخلتُ خلسةً
وجدتُ لُعبةً خشبيةً صغيرة
أخذتُها
فنشأ مكانَها فراغٌ
سبَّبَ مع ضوءِ النهارِ الخافتِ
رجفةً في جسدي.
مضيتُ صامتًا
وكأنني أحملُ مِفتاحَ قُدْسِ الأقداسِ
في كفي.
أين أمكنتنا المسلوبةُ والممنوحةُ،
تلصصُنا الحَذِر،
ذاكرتُنا القديمة،
ولحظاتٌ صافية
مرَّتْ بحياتِنا الرماديّة ؟
أين قطرةُ الدمِ
ومسمارٌ صغيرٌ
ثقَبَ إصبعي
بينما أنحني لأمسَّ اللُعبةَ
وانتزعَ عينَها ؟
ضوءُ المساءِ
يستدعي الآحادَ الطَّيبةَ
موعدي الأبديّ مع ظلالِ لُعبتي.
تذكاراتي الحبيبةُ
و الدَّرَجُ المنحدرُ
في البنايةِ القديمة،
وأزقةٌ ضيقةٌ
كنتُ أكلِّمُ جدرانَها وأبوابَها المُغلَّقةَ
و تكلمني.
الدُميةُ الخشبيةُ
تجلسُ صامتةً،
كصوتِ اختلاجةِ عينٍ
في مشهدٍ صامتٍ
" بسست !"
قالها أحدُهم خلفَ ظهري،
ومضى.
***
القَتلة حتى في الآحاد
كنَّا نترقَّبُهم.
يلبسونَ الرماديَّ أو الأسودَ
وأحذيتُهم
لامعةٌ دومًا
وثقيلةْ.
لا يعبأونَ بالأسماءِ،
يطرقونَ الأبوابَ وحسبْ.
في أرشيفِ الصورِ
رأيتُ أحدَهم،
مسدسُه
صَوبَ رأسِ الطفلِ الذي لا يتكلم.
الطفل
النائم جوارَ بركةِ الماء
بعيونٍ مفتوحةٍ
كعينيّ.
في النهارِ
التقطتُ عينَ بقرةٍ
من بينِ شرائحَ خشبيةٍ
لعربةِ ماشية،
فيما أعبرُ الطريقَ مسرعًا
في شيكاغو،
فجأةً، وعلى نحوٍ غامضٍ،
توقفَّ القطارُ
وخرجت من النافذةِ ذراعٌ
تلَّوِحُ غاضبةً.
: " كيف أمكنني أن أفعلَ ما فعلتُ !"
قلتُها، طاويًا أرشيفَ آخرَ،
وفي آخرِ الليل
لم أجرؤ على فتحِ المزيدْ.
كما أنني
لو أطرقتُ أُذني فقط
سأسمعُ طلقةَ بندقيةٍ هنا أو هناك
قال صاحبي:
"سمعُكَ حادٌ."
وقال آخرُ:
"خيالُكَ خصبٌ ".
القطَّةُ والكلبُ يتجولانَ هناكَ
حول الغرفةِ
لابدَ يسمعانِ شيئًا.
كأن أمطارَ الصقيعِ سجنتكَ
عاريًا تمامًا
و بلا مِظلَّةٍ
لكنَّكَ يا رفيقي
ستعتادُ الأمرَ بعد برهةٍ
أمَّا أنا
فلم أعتدْهُ أبدًا
ولذلك
أنا صاحٍ.
جو شابكوت في ديوانِها الثاني " كتاب العبارة" حشدٌ من الشخصيات المختلفة يحكون عن أنفسهم ،مواقعِهم السياسية ، مواجهةً مع الكون في العالم الجديد. ومن شواطئ اللغة المتعددة تخلق الشاعرة عالمًا فوضويًّا يدفعُ قارئها لرؤية العالم على نحوٍ مختلف. فاز ديوانها الثاني - كتاب العبارة-بجاالمعللة. الدولية عام 1991, كما فازت جو شابكوت بجائزة الكومنولث بديوانها الأول " طلاءُ رضيع " في نفس العام.شاعرة ذات صوت ينفذُ إلى القارئ وينتزعه فهي تحول غير المعقول إلى مفردات سهلة الإدراك ومنطقية.يبقى هدفها إظهار الجوانب البشرية غير المعللة.
جو شابكوت ( 6 )
Jo Shabcott وجهُ كاهنٍ يتأملُني لن أتحدث إليكَ,
شفاهي منصهرةٌ
حيث ملاكٌ قبَّلني لتوّه,
لا أبالغ !
فقط أعلمُ
أن الفضاءَ مسَّني مرةً
فرأيتُ المجرَّات تتدافعُ
عبرَ شرخِ الكونِ.
يا ربُّ
سوف أتعلَّم السّيْرَ ثانيةً
بلا كللٍ
حتى أسقطَ في الظلام.
لي حاجبٌ واحدٌ
وعتيق،
تكمنُ خلفَه حياتي ،
حيث يقبعُ عند جِذْرِ كلِّ شعيرةٍ
ملاكٌ
ليرفعَها.
يا مسيحُ
أسمعُ الخطايا تفورُ من وراءِ العشبِ
أحدُهمُ ينتظر هناك.
لو أمكنني لعقُ هذا الزجاج
لأدعَهُ نظيفًا
وشفافًا
ربما رأيتها من هذه الناحية
مع أنها
تحملُ نظرةً
كم ودتْ روحي أن تجرِّبَها.
أقفُ هكذا
متكئةً على سطح مكتبي
في وضعيةٍ جاهدتُ من أجل الحفاظِ عليها
فقط لأتأملَ الحياةَ الطَّيبةَ.
من المهم
أن يبقى هذا الدُّرجُ مغلقًا
حتى لا ينزلقَ قلبي
ويطير بعيدًا.
أغنيةُ حبٍّ لقطيعِ أغنام " اِربحْ قطيعَ أغنامٍ !"
هكذا قال الإعلانُ
" فرصةٌ للفوزِ مع كلِّ قنينةٍ من الشَّعيرِ النَّقيِّ ".
سأدخلُ المسابقةَ إذن
أربحُ قطيعًا
ثمَّ أهبكَ إياه.
اِبقِ القطيعَ بالبيتِ
دعْه يرعى بأرجائِه،
مطمئنًا.
سيأكلون السِّجادَ أولاً
ورقَ الحائطِ
ثمَّ يشرعونَ في الأمتعةِ الصلبةِ.
سيدبرونَ طريقَهم عبرَ الستائرِ
فتتطايرُ كلُّ الأشياءِ
كتبُكَ... مخطوطاتك
داخلَ أفواهِهم الرطبة.
أعرفُكَ جيدًّا
لا تحبُّ أن ترى أثاثَكَ مجترًّا هكذا،
في أفواههم،
تفضِّلُ الحياةَ زغبيةً
مُمَشَّطةً و مغزولةً.
ها هو القطيعُ قد اكتشفَ مَكْمَنَك:
سيبدأون بالعصفِ داخل أذنيكَ
يمسحون أنوفَهم بشَعرِكَ،
غالبًا ستكونُ البدايةُ بالمطبخ
يدغدغونَ ركبتيكَ بفرشاةٍ ناعمةٍ
يحاصرونك حولَ الأريكةِ
ثمَّ يشربونَ ماءَ مغطسِك
ثم
تتفرقُ ملابسُكَ بين البطون.
في الظلام...
سيعرفُ الخرافُ طريقَهم لأظافرِكَ
يمتصونَ أصابعَ قدميِك
يرعونَ فوقَ ساقيكَ
ينزعونَ كل شعيرةٍ بأسنانٍ رقيقةٍ وحانية
ربما تشعرُ برذاذِ أنفاسٍ وشفاه
تتماوجُ كسحابةٍ داخلَ صدرِك
وجهِكَ ثم لِحيتك،
يحرثونَ العُشْبَ الناعمَ فوق صدرِك،
عندئذٍ
ستجدُ نفسَكَ مستسلمًا مثل حَمَلٍ عجوز
سعيدًا ومتآلفًا مع القطيع تمامًا
و حينَ أصلُ إليكَ في زيِّ "Po-Beeb "* راعيةِ الغنم
سأتأملُ المشهدَ طويلاُ
لكنَّكَ
بمِنْجَلٍ معقوفٍ
ستتركُ القطيعَ مجزوزًا
و تتركني
محرومةً من الحبِّ
وحيدة.
نَبْضُ ثمرةٍ وددتُ أن أقولَ
" ثلاجةٌ نظيفةٌ ! "
لكن انظرْ خيوطَ الصدأِ في الخلفِ،
و بقعةَ الغُبارِ البُنْيَّةِ أسفلَ طبقِ السَّلَطَةِ.
ها هنا..
حيثُ أحيا منذ أسبوعين،
منذ اِنتُزِعتُ من غابةِ الخُضَر هناك.
كنتُ جامحةً في الأملِ،
حين طمِعتُ في بقائي هشةً دومًا
لأستثيرَ حلْقَه القاسي ولسانَه،
و كلَّ جزءٍ من فَمه.
الآنَ
أحسُّ بأوراقي الخارجيةِ تفقدُ مقاومتَها،
يتسربُ الأوكسجينُ القاتلُ إلى عُمقي،
بينما يتسللُ الماءُ بعيدًا.
والخَدَرْ
الخَدَرُ يزحفُ شيئًا فشيئًا
نحو قلبي.
هنا، في قاعِ الثلاجةِ
حيثُ الصمتْ.
فقط أنا..
مع خَسَّةٍ مُتَعَرِّجةٍ و نِصْفِ بَصَلةٍ،
ينفتحُ بابُ الثلاجةِ مراتٍ عديدةً خلال اليوم
لكنَّه..
أبدًا لا يَفتحُ دُرْجَ الخُضَرِ هنا..
حيث أقبعُ في ركني
منكمشةً على عزلتي.
في الأعلى
قطعٌ غريبةٌ من اللحومِ البشعة؛
ضلعٌ كاملٌ بشعيراتِه القبيحة؛
أجنحةٌ وأشياءُ تخصُّ طائرًا ضخمًا؛
حوافرُ ومناقيرُ؛
و عصارةٌ عطِنةٌ
تسيلُ عبر أرففِ الثلاجةِ
ثمَّ تقطرُ
فوق رؤوسِنا الخابيةِ.
منظمُ الرطوبةِ يُبقي البرودةَ ثابتةً
حتى في الطَقسِ الحار
فتبدأُ الكائناتُ البائسةُ بالقاعِ في التجمدِ
و العبوسْ،
ثلاثُ مراتٍ عَضَّنا الصقيعُ،
وشعرتُ بآلامٍ مروعَّة
عندما تكاثفتْ بلوراتُ الجليدِ
حول أهدابي.
عازلٌ حراريٌّ متقاعسٌ عن العمل،
لا مهربَ من الاسترخاءِ في البرودةِ إذن
لأن ذلك يوافقَ فكرةَ حفظِ الأطعمةِ
فندعُ الصقيعَ
يخترقُ مسامَّنا.
لكن
سرعان ما أشعرُ بالدِّفءِ من جديد
حينَ أفكرُّ فيه،
أذوبُ في لُعابِه
أمرُّ على حلقِه
ثمَّ
تهضِمُي خلاياه.
حينئذٍ
أتعلَّمُ خلالَ ذوباني
صيغةً جديدةً للحياة،
أتغضَّنُ …. أذبلُ و أموتُ
ثمَّ
أتفتحُ من جديدٍ
للحُّبِّ.
***
عَنْزَةٌ الغسقُ
و طريقٌ صحراويٌّ.
فجأةً
غدوتُ عَنزةً.
للأمانةِ.. استغرقَ الأمرُ دقيقتين
لينبثقَ القرنانِ من جُمْجُمَتي،
يتمردَ عموديَّ الِفقَريُّ
ويستقرَّ
على نحوٍ أفقي،
ثم تلتصقَ أصابعي هكذا
وتتخذَ أظافري طريقَها نحوَ التطَّورِ
فتغدو حوافرَ.
ما عادَ الطريقُ صحراويًّا إذن
بل صارَ حَشْدَ ماعزٍ.
كمْ يعجبُني هذا المشهد !
غير أني،
أكرهُ تصادمَنا داخلَ النُفُق.
والآن
أجرِّبُ الثُغاءَ في آذانِهم
لعْقَ خاصرةٍ أو اثنتين،
أثغوُ وألعقُ هنا، وهنا.
روحي
تحرِّكُها الآنَ
عضلةُ وعظامُ عَنزة،
رائحتُها وفراؤها.
وكذا
سأرتكبُ الحُبَّ على طريقتِها.
انتهى بيَ الأمرُ
على رأسِ القطيع
عند التقاءِ الطريقِ و سياجِ الشَّجر،
رائحةُ الأرضِ
العشبِ
أوراقِ النباتِ
و رؤوسِ الأزهارِ
واختلاطِ نكهاتِ عصارةِ المطاطِ
بالتوابل.
سوف آكلَ كلَّ شيءٍ إذن
ربما أغْمِضتُ عيني و التهمتُ العالَمَ
أمضغُ الأوراقَ الشهيَّةَ تحت الأشعةِ الدافئة.
ثمَّ
أتذوقُ الشمسَ الآفلةَ تلك
قليلاً من السحبِ الداكنةِ أيضًا
و بعدها
بعضَ المباني الشاهقةَ هناك
بعيدًا في المدينةِ المجاورة.
لابدَ أني ابتلعتُ توًّا
مبنى الإدارةِ الرئيسيَّ
لأن عمليةَ الهضمِ الهائلة
تشي بتفتتِ ممرٍّ طويلٍ مفتوحِ النهايات.
ربما كان هذا الممرُّ
إصبعًا صغيرًا
لرجلٍ ما.
رافائيل كامبو ولد في دوفر -نيو جرسي عام 1964.له ثلاث مجموعات شعرية: "مغنية الأوبرا " 1999 عن جامعة دوك، فاز بجائزة دائرة النقاد، "ماذا قال الجسد "1996، فاز بجائزة لامبادا الأدبية، ثم " الرجل الآخر كان أنا:رحلة إلى العالم الجديد "1994، فاز بجائزة سلسلة الشعر الوطني عام 1993." شعر للاستشفاء "مجموعته النثرية عن دابليو دابليو نورتون 1996 فازت أيضا بجائزة "لامبادا" للآداب. يعمل طبيب ممارس عام في مدرسة هارفارد وكذا في مركز ديكونيس الإسرائيلي في بوسطون.
رافائيل كامبو ( 7 )
Rafael Campo القمر البعيد (1)
في المستشفى
مرّةً أخرى،
نوبةُ الرئةِ التي عاودته في يناير
كادت تقتله،
وقتها
أقسمَ أن يموتَ في البيت.
خبزَ لنا
- كعادتِه -
قطعَ الكعكِ
- التي لا يأكلها الصغارُ أبدًا -
و قبل أن يمضي في الخامسةِ صباحًا
تركَ المطبخَ
- الذي بدا صغيرًا جدًّا -
نظيفًا و مرتّبًا.
راح يحكي:
" ريتشارد جير" لم يكن شاذًّا
أما الكلامُ عن الإيدز
والنومِ مع صديق
فمؤامرةٌ محكمةٌ
دبّرتها الحكومة.
مكثَ شهورًا أربعة
ثم فقدَ بصرَه
على مرأى من الأطباء.
(2)
في أحد الأيام
بينما كنت أسحبُ من دمِه بالمحقَن
قال ضاحكًا:
أنتِ الآن صديقتي
أختي في الدم.
ثم صاحَ
" مصاصةُ دماء !"
هكذا صرخ.
"أنتَ تجعلني أحيا إلى الأبد "
كان هذا ردّي الوحيد
ثم قطَّبتُ جبيني.
أعلم أني أغرقُ في دمائِه،
دمائِه القرمزية.
ملأتُ أنابيبي السبعةَ؛
كان الدفءُ أبطأَ من أن يغادرها
فضغطتُ بكفيّ عليها.
كنت حزينةً لأنه لا يرى وجهي
و لأنني
لم أستطع أن أحتويه.
أكره حقيقة كونه يمضي
و كونه يتقاطع مع بشرتي،
أخي في الدمِ
رفيقي.
(3)
قال إني جميلةٌ جدًا
ومع هذا
لو كانت " جودي فورستر" مثليةً،
لكان الأطباءُ جميعًا شواذًّا.
بقايا الخطايا توخزُ
تحت عمودي الفقريّ
" حسنًا، قد انتهيت."
قلتها فيما أسحب المِحْقَن من ظهره
و أضغطُ بإصبعي تلك البقعة.
"العينةُ صافيةٌ !"
لم أجبْ،
البقعةُ
كانت معقّمةً ومغطاةً بالقطن.
كان يقتربُ من الموت بسرعة
و إخباره بالأمرِ
يبدو عقيمًا.
ثم ماتَ
مجهولا من الجميع
سواي.
مضى
تاركًا إبرتي مغروسةً بعمقٍ في قلبه الضاحك.
و تمَّ التشريح.
(4)
كنتُ أقرأ له في الليل.
"نيو يورك تايمز، "الأفوكيت"،
قراءةُ الأبراج،
و سطورٍ من ريتشارد هوارد
كانت تشحننا بالأمل.
المستشفى الهادئ شديدُ الاتساع
الأرضُ المصقولةُ ثلجيةُ البياض،
الطرقاتُ القاتمة،
التي تؤدي إلى كل الأمكنةِ تقريبا:
إلى الموتِ مثلاً
أو
إلى ماكيناتِ الكوكاكولا التي تضئ
كالأشباحْ.
حلمتُ بأنفاسِه تملأُ رئتيّ
بشفتيه تلامسانِ شفتيّ.
شعرتُ وكأنني ألمسُ القبرَ
و في لحظةٍ
تعطّل ذهني.
في المرآة
كان يلمعُ هناك
- مثل كل يوم -
القمرُ البعيد.
سوزان ستيوارت شاعرةٌ ولدت عام 1952 وأصدرت العديد من المجموعات الشعرية، منها: " الغابة" عن جامعة شيكاغو 1995، " نجومٌ صفراء وثلوج " 1981.ومن كتبها الأخرى:"حكايا التحفة الصغيرة "، " العملاق "، " تذكار". من كتبها النقدية:" جرائم الكتابة: إشكالية التضمين التصويريّ "1991، " كلام فارغ "1989. حازت جائزة "ليلا والاس "الأدبية، كما حازت جائزتين شعريتين من مؤسسة الآداب، زمالة جماعة الأدباء. وتعمل ستيوارت أستاذا للغة الإنجليزية بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا.
سوزان ستيوارت ( 8 )
Susan Stewart رمادنحتاجُ إلى النارِ
كي نصنعَ المِلقطَ،
و المِلقطِ
كي يحمينا من اللهبْ.
نحتاجُ إلى الرمادِ
كي ننظفَ النسيجَ
والنسيجِ
كي ننظِّفَ بقعةَ الرمادْ.
نحتاجُ إلى النجومِ
كي نجدَ طريقَنا
و نصنعَ النورَ الذي أظلمَ النجومْ.
نحتاجُ إلى الموتِ
كي نحدِّدَ النهايةَ،
نهايةً
قد تُصلحُ فسادَ الزمنْ.
نولدُ في الحبِّ
نحتاجُ إلى الميلادِ في الحُبِّ
خبّرْني أيها المغنّي التَعِسْ
كيف يحملُ الرمادُ المطفأُ
بذرةً حيَّةً.؟
***
من دروس التلفزيون اضحكْ.
الموسيقى
تجعلُ المشاعرَ تتضخم ؛
الموسيقى
وُجدتْ فقط
من أجلِ تنظيمِ الرؤية،
و هكذا تغدو المشاعرُ
علاماتِ ترقيمْ.
شروطُ الحريّةِ
لونٌ من الإذلال،
و الإذلالُ
لا متناهٍ مثل الرغبةْ.
يجب أن تضحكَ من نفسِكَ
تضحكَ وتضحكْ.
المسالمون
قديسون ولابدّ،
أمّا أنتَ
فلا قديسٌ
ولا مسالم.
النساءُ
أصغرُ حجمًا من الرجالِ عادةً
لكنّ الوجوهَ
- في لقطات الزووم -
تبدو مجهدةً.
الشَّعرُ والأسنانُ
ينبئانِ على الطبقة الاجتماعيّة.
لهذا
يجبُ أن تضحكَ من نفسك،
تضحكَ
ثم تضحكْ.
الأسرَّةُ مواقعُ الإذلالْ.
الأخبارُ
تحكي عن الأخبارِ.
النساءُ
يطلبن شيئًا دائمًا.
و أنتَ
إمّا نائمٌ
أو تستعدُّ للنوم.
الأزياءُ
تتبدّلُ طوالَ الوقت
و التبديلُ في ذاتِه
نكتةٌ مضحكة.
الأسبابُ
لا يمكن تحديدُها،
لكنّ النتائجَ
تأتي في الموعدْ
دائمًا.
الأطفالُ
يعيشون خارجَ أعمارِهم
إذا لم يغنّوا في الكورال.
الأمهاتُ
لا يستطعن شيئًا
مع إن هناك دائمًا
مكانًا للفرَح.
القديسون
ينقلبون إلى الأسوأ،
أما المسالمون يموتون
إن وجدوا.
جراهام مورت يعيش الشاعر في نورث يوركشاير ويعمل كاتبٍا حرًّا. له أربعة مجموعات شعرية وفاز بجائزة "إيريك جورجي " الكبرى من رابطة المؤلفين عام 1985 عن قصائد ديوانه " دولةٌ في اللهب ".
جراهام مورت ( 9 )
Graham Mort النسيان المرآةُ تلك,
التي تعكسُ خريطةَ بشرتي
بغير دلالاتٍ،
بالتأكيدِ رأتْ بشرًا كثيرين قبلي.
أما الندبةُ الخابيةُ في صَدغي
فلا تعني شيئًا !
ضوءٌ في خلفيةِ المشهدِ
نقيٌ كالمستقبلِ
وغامضْ،
فيما يتشظى الماضي كمرآةٍ مهشَّمة،
فأشبهُ طفلاً وُلِدَ لتوِّه،
بغيرِ همومٍ،
بغير عارٍ ولا ندمٍ
و بلا خجلٍ من آثام.
هكذا علمتني من أحببتُها
أن أبدأَ من جديد،
علمتني كيف لا أبلِّلُ وسادتي
كلَّ مساءٍ
بدموعٍ مريرةٍ.
بالأمسِ
فتشتُ في أنحاءِ جسدي
لم أجد وشمًا أو علاماتِ ميلاد
فقط رجلاً يناهزُ الخمسين
تشي رئتاه بأنه لم يدخِّن أبدًا
ودقاتُ قلبِه
منتظمةٌ كساعةْ.
حدقَّتُ في كفي،
علّه ينبئُني عمّا لامسَ بالماضي
عمّا أصلحَ أو حطَّمَ
كمْ وثيقةٍ ذُيِّلَت بتوقيعي،
كم من مذكراتٍ،
معاهداتٍ بين أمم !
نعم
لي أن أحملَ قلمي الآن
أخطُّ على ورقةٍ بيضاء
أسماءَ من آذيتهم... واحدًا فواحدًا.
يا أصدقائي
أراكم تبحثونَ عنيّ
حيث لا مكان،
ابحثوا
ربما وجدنا ما فقدناه يومًا
لكنني
- فيما أبصرُ
هذا الرجلَ في قفصِ الاتهام
يحاولُ أن يقبضَ على اسمهِ الضائع
يحاولُ أن يسترجعَ موسيقى قداسِ جنازتِه
فيما ترجفُ الوجوهُ الشاحبةُ في الأغلال
وشهودٌ يدينونَه عبر أربعين عامًا-
سأطوي ورقتي
أودعُها في مظروفٍ أنيق
ثمَّ أرسلُها
بلا عنوان.
