موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
سفيرة الشعر للنوايا الحسنة
بقلم: عبد الرحمن غيلان- صنعاء
أكتوبر-2004"
التاسعة صباحا موعد إقلاع الطائرة من مطار صنعاء الدولي إلى القاهرة وكان من المقرر أن تقل الشاعرة المصرية المبدعة فاطمة ناعوت .. ورحلت الطائرة دون فاطمة لأن صنعاء لم يرق لها ذات صباح أنيق مبلل برذاذ الدهشة أن تودع عاشقتها المطرزة بحب صنعاء والمسافرة في حنايا ذاكرتها . يومها بدأت فاطمة عشقها لصنعاء من جديد وكان يوما أخيرا استثنائيا نسجنا فيه مع ناعوت حكايا الرحيل ومواعيد الأماني الضائعة في تلك الطائرة .. وتلك واحدة من أغنيات صنعاء لفاطمة. فمن هي فاطمة ؟
الشاعرة المصرية المبدعة فاطمة ناعوت عرفت صنعاء وعرفتها اليمن في أبريل 2004 م حين شاركت ضمن كوكبة متميزة من مختلف أرجاء الوطن العربي في فعاليات ملتقى الشعراء الشباب العرب. كانت ناعوت من أبرز من تميزوا وأشعلوا أماسي صنعاء إلقاءً وإبداعا وفتحا جديدا في مسار القصيدة التسعينية في الوطن العربي.
أستطيع الجزم بأن فاطمة، وهي المهندسة المعمارية، استطاعت الجمع بين المتناقضات وتمكنت من تهذيب لغة الحساب والسنتيمترات وترويض ما نفر من ذهن المتلقي لتشكِّل قالبا رائعا له نكهته المميزة. ولست هنا في موضع النقد ولست أهلا لذلك، إنما هي خواطر بسيطة من قارئ ومتلقٍ آثر أن يبوح ببعض ما شاهده ولمسه في احتفاء استثنائيّ يليق بحفيدة كليوباترا. فقد جاءت زيارتها الثانية لصنعاء على هامش فعاليات معرض الكتاب في دورته ال21 /2004م والذي حمل في طياته الآلاف من العناوين متوجا أناقته بإصدارات متميزة حملت اسم صنعاء عاصمة الثقافة العربية. وحين تزاحمت العناوين برز جليا الإصدار الرابع للمبدعة فاطمة ناعوت ديوان شعر بعنوان (فوق كف امرأة ) والصادر حديثا ضمن إصدارات وزارة الثقافة اليمنية. هذا الإصدار وما حمله من مرايا صادقة لواقع موغل في الحزن والكآبة وأزقة مطاردة بقبح الكائنات وعناوين أمتعة مسافرة في رحلة لم تكتمل وهواجس لن تنتهي طالما وخالِقة حروفها تتبتل في محراب الأمنية الضائعة. تلك الأمنية التي حملتها روحا وجسدتها سلوكا جلب عليها عناء الأصدقاء ونكرانهم القبيح. وحين تحاول فاطمة أن تهرب بحروفها عن واقع حياتها لتحلم ولو قليلا برمزيتها الساخرة لا تفتأ أن تعود سريعا لتقول لك (لا تأتِ الليلة .. الغياب كامل العدد ). وحين تختبئ شجونها "كقطعة من التاريخ" في درج مكتبها تنصحك بألا "تستسلم لرغباتها فطعامك سيحترق" .. لأنها ببساطة تعلم "أن البحر يتبعها" ومع ذلك لا "تنظر إلى الخلف". هكذا هي فاطمة ناعوت تحمل روحا شفافة وقلبا أثقلته السنون ومع هذا تنتصب جسدا يقاوم هذا العناء لتشيخ أنت بما تحمله هي وتعزف هي موال الحياة. ذلك المساء الأربعائي الجميل كانت أمسية فاطمة الشعرية معطرة برائحة الهيل متبلة بأسئلة تتزاحم على بوابة قلوبنا الموصدة في وجه الأفراح. سألتنا كثيرا عن غربتنا كيف ابتدأت وأين انتهت، وهي من تدرك جواب ذلك لأنها الوجه المرادف للحزن النبيل والمفردة الصادقة دون زيف وتملق. سلوكها مع الآخرين ضحكة طرية الحلم ترحل ذكرياتها إلى القلب بهدوء يشبه النعاس في فجر أسبل جفونه على عيون ليل يشتكي وجع الرحيل ومع نسائم مساء موشى بأريج مصر الحلم والتاريخ تسللت دموع فاطمة إلى أعماقنا بقصائد أنيقة هي أقرب للجرح من الخطيئة التي حملناها ذات تفاحه جلبت لنا كل هذا العناء حين تعتلي فاطمة منصة الإلقاء يرافقها شموخ أبي الهول وعبق التاريخ الموغل في المسافات البعيدة لتشعر ساعتها بأنك أمام هرم رابع تتجلى فيه رقة المفردة الجميلة وتحتشد أمامه ثلة من الصحب الأماجد من كليوباترا مرورا بصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي.
يأسرك فيها انتمائها الصادق للوطن والأرض والإنسان .. وتتجاوز كثيرا ما أحدثه الأصدقاء من بلاليع فاغرة فاها تلقف كل شيء جميل في حياتها وحياة الآخرين رغم أنه لا كرامة لنبي في قومه إلا أن فاطمة والجميع يدرك ذلك ويزكيه أنها خير سفيرة لأدب مصر وسلوك مصر من شاعرات مصر المبدعات وقلما تجد مبدعا يحمل روح الإنسان والشاعر ويترجم ذلك سلوكا يجعلك تؤمن به وبكل ثقافته وتحمل ضوءا أخضر لوطنه الذي حمله بين يديه.
ودعت فاطمة وأنا أقرأ في عينيها ما قاله الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي
ترى من يحمل عبئ الهزيمة فينا؟/ المغني الذي طاف/ يبحث الحلم عن جسد يرتديه/ أم هو الملك المدعي أن حلم المغني/ تجسد فيه/ هل خُدعت بأغنيتي بملك حتى ظننتك صاحبي المنتظر/ أم خُدعت بأغنيتي / وانتظرت الذي وعدتك به / ثم تنتظر/ أم خدعنا معا بسراب الزمان الجميل؟
إشارات:
• الاستقبال الجميل الذي قوبلت به فاطمة في صنعاء والثناء الكبير من الإنسان المبدع الأستاذ / خالد الرويشان وزير الثقافة منذ ملتقى الشعراء العرب حتى زيارتها الأخيرة وكذلك حميمية رؤى كل الأصدقاء حولها وحول تجربتها الشعرية لم يزدها إلا تواضعا وألقا وانصهارا في بوتقة صنعاء التي لن تمحى من الذاكرة .
• احتفت صنعاء بالمبدعة فاطمة ناعوت ثلاث مرات: أولها حين جاءت مشارِكةً في ملتقى الشعراء الشباب العرب ...وثانيها أن تمت دعوتها إلى قضاء أسبوع آخر في اليمن للاحتفاء بموهبتها بمحافظات يمنيه أخرى كمدينتيْ عدن وتعز..وثالثها أن تمت دعوتها الأخيرة للمشاركة في فعاليات معرض الكتاب لهذا العام وهذا دليل صادق على نضج تجربة فاطمة وكذا تميزها إبداعيا. أتمنى أن ترتقي به إلى مصاف صناع الحرف ومنظّريه ذات وعد لن تخلفه.
• في ملتقى الطفولة العربي كانت فاطمة تستعيد طفولتها..تحنو على الأطفال، تربت على ذاك وتداعب تلك وتلتقط الصور التذكارية مع أحبتها من الزهور والبراعم المتفتحة .. مشاعر ممزوجة بالرقة والعاطفة الصادقة..والتي لاحظها الكثيرون، فكانت مثالا لكل شيء نبيل. حينها همس لي صديقي الشاعر العراقي /عباس السلامي قائلا ليت كل من قابلتهم كانوا بروحها وحنوها الذي قرأت ترجمته النبيلة في عيون الأطفال.
• حرص فاطمة على أن تمثل مصر كأحسن ما يكون وأن تضرب مثلا رائعا بسلوكها النبيل جعلها تغفر كثيرا لزلاتنا وتتجاوز كثيرا من أخطائنا كأصدقاء لها في بقاع متفرقة جاعلة من ذاكرتها المسافرة في غياب لحظة الألم شماعة تضع عليها غرابيب ما نفثته الألسن العابثة بكل شيء جميل. واكتفت بأن تضعنا في قائمة "الأوغاد" المهووسين بأمتعة الشجن فكان لها ما قالته الصديقة الشاعرة / ورد النهدي : حقا يا فاطمة ستبقين سفيرة الشعر العربي للنوايا الحسنه.

|
|