موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
مساهمة
الشاعرة فاطمة ناعوت
في تحقيق
عن شعراء التسعينيات
أجراه
محمد هزّاع
لجريدة "الأهرام"
بدايةً ، ليس بوسعي التواصل ذهنيًا مع فكرة التجييل الشعريّ ، إذ إن الشعر بطبيعته تجربةٌ فرديةٌ تنبع من رؤيةٍ خاصة للعالم ، بل قد أتجاوز وأقول إن الشاعر ذاته قد يتغير قلمه من مرحلةٍ إلى أخرى ومن ديوان إلى ديوان وإن ظلّت بصمته تشبهه وحده، لذا فالتقسيم – إن كان ثمة تقسيم- قد يكون رأسيًا لا أفقيا ،بمعنى أن بوسع النقاد مثلا منهجة الشعراء عبر قطاع رأسي يمثل المدارس الشعرية المختلفة لا أفقيا عبر كل عشر سنوات تمثل شريحة شعرية عشوائية لا تعبر إلا عن قطعة من الزمن خاوية من المعنى.
لكن إن كان منطلق التشريح بغرض تقسيم الشعراء زمنيا، فالأدق أن نقول تقسيما زمنيا لا شعريا ومن هنا نرى أنه من الصعب تظليل قطاع من الشعراء مارسوا الشعر في فترة زمنية واحدة بمظلةٍ واحدة ، اللهم إلا الكلام عن الخطوط العريضة لشكل القصيدة والتي تفرضها المرحلة الزمنية والاجتماعية والسياسية الواحدة، وهذا يزج بنا للحديث عن قصيدة النثر مادمنا بصدد الكلام عما يسمى بجيل التسعينيات، وفي كلمات قليلة أقول إن أهم ما يلوّن الشعر الجديد هو محاكاة العالم ، ليس بالمعنى التقليدي للكلمة ولكن بالمعنى الدلالي الأوسع ، فإذا اعتبرنا إلى سقوط السلطة على كل المستويات فما معنى الإبقاء على سلطة الخليل و أُطُر الشعر الجاهزة أو تلك القوالب الجامدة التي تملأ تجاويفها كلامًا ، وأنا هنا لا أهاجم السلف ،على العكس فقولي هذا ينطوي على تبجيل للتراث العربي ،فجميل الشعر الكلاسيكي قد قيل كله على مدى قرني زمن ولم يترك لنا تراثنا الشعري شديد الثراء شيئا نقوله ، اللهم إلا إذا انزلقنا في فخ التقليد حتى وإن كان تقليدا على مستوى البحور الستة عشر والتفعيلات الخماسية والسباعية، هذا عن التحرر من فلك العروض ، أما عن جوهر الشعر ، فالأمر أيضا اختلف،إذ أصبح للقصيدة بعدٌ جديد هو القارئ الذي لم يعد ذاك المتلقي السلبي الكسول الذي يعطيه النصُّ نفسَه بسهولة ،لكنه غدا مرتكبا للشعر مع الشاعر، وأنا هنا أتكلم عن فتح الدلالات وفلسفة المسكوت عنه أو فن الحذف كما يقولون، الأمر الذي أثرى جوهر الشعر و أضاف إلى أبعاده كما أضاف أينشتين للكون بُعدا رابعا.
أما عن سؤالك تحديدا ماذا يميز شعراء التسعينيات ،فأجيبك مطمئنةً إني لا أعلم ، إذ أني في الأساس لابد أن أجيب عن السؤال الذي يسبقه منطقيا وهو "ما هو الشعر؟" وكثيرا ما سألت نفسي هذا السؤال وأطرقت كمدا من غياب الإجابة، ولكن هل لي أن أقول إن الشعر كيمياء مجهولة العناصر ! ربما ، فأنت كقارئ تحب قصيدة ولا تعرف لمَ وتعزف عن أخرى ولا تعرف أيضا ما السبب ، هل تقاطعت معك الأولى ؟وهل كانت ستتقاطع معك إذا قرأتها قبل ذلك بساعة أو بعد ذلك بشهر؟
أنا شخصيا لا أملك إجابة،ولذا فحريٌّ بنا أن نقول إن جيل التسعينيات يحمل ألوان كل جيلٍ شعري فهناك من يميل للكتابة الوجودية أو الفلسفية أو الذهنية وهناك من يميل للكتابة الحسية الملموسة وهناك من يتبع الشائع أو السائد وهناك من يحفر لنفسه منطقة تخصه وحده ، وهناك من يقرأ "سوزان برنار" أو أيًّا من الكتب النقدية ويحاول تفصيل باترونًا للنص ، وهناك من يُعمل حواسه في الكتابة بينما آخر يُفعّل المخيال الميتافيزيقي ، وهناك من يحاكي العالم ، وهناك الشاعر الذي يفكك العالم ويعيد تركيبه على نحوٍ لا يراه سواه، الشعر مسألةٌ معقدة، وعقدته في بساطته ولهذا يظلُّ السؤال يدوّم للأبد ديمومة الوجود ، ما الشعر؟
وقد استوقفتني كلمة أستاذنا الكبير د.محمد عبد المطلب حين أطلق علينا عبارة"جيل التمرد" وأنا أشكره على هذه الكلمة إذ أنها تشي بتعاطفه معنا، لأن التمرد هو شرارة الفن ولحظة الإطلاق لكل إبداع جميل ،وربما في كلمته تلك أجد إجابة سؤالي الوجودي ،الشخص المتسق مع العالم المتصالح معه لا يكتب شعرا ، إنه يمعن في الحياة و حسب ، ويبدأ الشعر عند لحظة الرفض ، فالشعر إذن هو التمرد على ذواتنا وعلى الوجود ذاته.

|
|