موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت

ذاكرة المكان وشاعريـّة المألوف
"نقرة إصبع" تغيـّر العالم

ورشـة الزّيتون الإبداعيـّة
تناقش ديوان
"نقرة إصبع"
للشـّاعرة فاطمة ناعوت





ناقشت ورشة الزيتون الإبداعية في ندوتها الأسبوع الماضي (17 يوليو 2001) الديوان الأول للشاعرة المصرية " فاطمة ناعوت " الصادر منذ أسبوعين فقط عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – سلسلة كتابات جديدة ، وقد سبق صدور الديوان حضور شعري ملحوظ للشاعرة على صفحات الدوريات الأدبية داخل وخارج مصر ، وأيضا مشاركتها في الأحداث الثقافية في مصر أو في مدينة الرياض حيث تقيم . حضر الندوة لفيف من المبدعين والنقاد والإعلاميين ، وأدار الندوة الشاعر : عاطف عبد العزيز ، بينما اكتفي مدير الندوة المعتاد الشاعر : "شعبان يوسف" بالمتابعة هذه المرة ، وشارك في المناقشة من النقاد : د. عزة بدر ، د.مصطفى عراقي ، أ.أمجد ريان ، د. مصطفى الضبع ، وشارك في التعقيب على المناقشات عدد كبير من الحضور منهم الشعراء : حلمي سالم ، عماد غزالي ، عبد المنعم عواد يوسف ، علي منصور ، سهير المصادفة ، وغيرهم من الحضور .

في البداية ذكرت الناقدة د. عزة بدر أن الديوان يختلف عن كثير من الكتابات النسائية المعهودة ، حيث تدور الكتابة عادة في فلك الرجل وفضاء العلاقة به ، بينما يطرح هذا الديوان العالم الخاص للذات مبرزا بعدا فلسفيا لهذا العالم .

فبدءا من عنوان الديوان " نقرة إصبع" ، وحضور تلك النقرة داخل الديوان ، قصيدة قوس مائل :

جدا
أحترم عازف البيانو ..
نقرة إصبع تخلق عالما …

إلى أن تقول: " ليس مضمونا تماما .. كيف يمكن أن تغير عالمك .. بنقرة إصبع" فهنا الشاعرة حريصة على أن تسمعنا الموسيقى ، حريصة على استقصاء اللغة الشعرية لاستقطار كل إمكاناتها ، والانطلاق من لغة السرد لتحوّل العادي إلى شعري ، وهي عبر حركتها تلك مهمومة دائما – عكس الشعراء عادة – بلحظات الخروج ، التي خرجت من المحراب ذات مساء – أتسلل من ثلاجة الموتى – خرجت من اليوتوبيا ، وهكذا .

كما يتبدى الحس المكاني عاليا في قصائدها ، حيث المكان حاضر دائما ، محدد ومرسوم بدقة شديدة . أما الصورة الشعرية لدى فاطمة فتعلو أحيانا لتنتج صورا لا يمكن أن تبرح الذاكرة ، ففي قصيدتها : لاعب البليارد ، تقول في نهاية القصيدة :

الهُ بكراتك كيف تشاء ،
وبينما أتدحرج على الطاولة ،
وأخطئُ الحفرة ،
أرنو بحسدٍ إلى كرة زرقاء ،
أُتقنَ تسديدُ العصا إليها ،
فعرفت طريقها

وهي صورة بديعة تجسّد الشعور بالحسرة ، وبلون من الإخفاق أو الحرمان ، لكن الإخفاق هنا يعني دائما مزيدا من الوعي ، وهناك رغبة مستمرة في أن تبدأ من جديد . أما قصيدتها : قطعة الزجاج الأخيرة ، فهي من أجمل ما قرأت من شعر ، فهي تصوّر المرأة في كامل نزوعها لعبير زهرة الحب ، كما تطرح تصوّرا ساخرا للتحقق ، حتى يفوز الحبيبان بلذة المعرفة المنشودة :

سوف يقترب برغم الشحوب
يزعم لها ،
وهو ينزعُ آخر قطعةٍ من الزجاج
أن الشحوب زادها بهاء
أن ريشة السنوات قد أتمت حسنها
ستصدق كذبته البريئة
وتضحك .

وهكذا فإن الشاعرة قد تمرّست على تصوير هذه الأحلام التي لا تتحقق ، لكنها عبر صورها البديعة تلتقط أدق اللحظات والمواقف النفسية لتعيد تشكيلها وفق أبنيتها الشعرية الفريدة ، كما تبرع في تحويل العادي إلى شعري بشكل لافت ، وتركّز كما أسلفنا ، على لحظات الخروج والانعتاق ، حتى لو كان ذلك الخروج من اليوتوبيا ، كما تطرح صورا تمثل محاولة للتوافق أو المصالحة مع الذات .

ثم يطرح الناقد والشاعر أمجد ريان رؤيته حول ديوان "نقرة إصبع" فيقول :
يتميز هذا الديوان بثراء شديد في عوالمه ومفرداته ، إذ أن الشاعرة تطرح علينا عناصر ومفردات تغطي مساحة واسعة جدا من حياتنا ، ونشعر كأنها تريد أن تتقمّص هذه الموجودات ، أو أن بها رغبة شديدة لعناق هذا العالم شعريا ، كما تتميز بعض صورها الشعرية بالجدة والفرادة كما أشارت د. عزة بدر . وهي تملك وسائل لغوية خاصة لإبراز الشعور وتأطيره في موقف معين : فمثلا تقول :

حتما نخاف الآخرين
لذا
يظل يطلقُ الهاتفُ نغماته بغير إجابة .

فهي هنا جذبت الفعل الثاني يطلق بجوار الفعل الأول بدلا من أن تقول : يظل الهاتف يطلق نغماته ، وهو الترتيب الطبيعي ، لأنها تود التأكيد والتركيز على اللحظة التي يرنّ فيها الهاتف ، مثل هذه الحساسية اللغوية هي التي تصنع تميز لغة الشاعر . لكنني أشعر أن هناك مشكلة ما في بناء بعض القصائد ، حيث يتغير السياق فجأة ، بخروج القصيدة عن مسارها الصوري أو السردي مما يولد الإحساس بعدم الترابط أحيانا . لكن هذا الديوان – كعمل أول للشاعرة – ومقارنة بالأعمال الأولى لشعراء كثيرين ، أعتبره ديوانا متفوّقا .

ويبدأ د. مصطفى عراقي في حديثه حول الديوان قائلا :

اللغة التي يتميز بها الديوان هي في الواقع لغة سينمائية ، تستفيد من فكرة المشهد والتتابع والمونتاج وغير ذلك من إمكانات ذلك العالم عبر بناء القصائد ، كما تتميز الشاعرة ليس فقط بالذاكرة المكانية كما أشارت د. عزة ، بل تتميز أيضا بعبقرية خاصة في التعامل مع عنصر الزمان ، فيكاد يكون الزمن في قصائدها رقميا من دقته :" قبل يوم واثنين وعشرين عاما ، أخلفتُ موعدي معك ".

وهذه الدقة تنسحب أيضا على أسلوبها في تناول صورها الشعرية لتصل إلى لون من المسحة العلمية ، كما تحرص على القبض على أدقّ التفاصيل . وأرى أن الشاعرة تتناصّ مع نفسها عبر قصائدها ، أي أن هناك رموزا وإشارات بعينها تتكرر أو تتناسخ عبر القصائد يفسر بعضها بعضا ، وهو ما يرد تقريبا على ملاحظة أمجد ريان بخصوص وجود بعض الفجوات بالقصائد ، فهي تمتلئ دلاليا فقط عندما نلاحظ تلك التناصات المتفرقة عبر صفحات الديوان . كما أن الديوان – مفرداته وعناصره دائما صغيرة ، فهذه الصفة منتشره عبر صورها . يبقى فقط مفردات العالم المسيحي التي تتردد في جنبات الديوان والتي أخشى أن تكون تقليدا لاتجاه ما في الكتابة .

أما الناقد د.مصطفى الضبع ، فقد طرح رؤى عامة حول موقف النقاد من إبداع الأجيال الجديدة وإحجامهم عن متابعة ذلك الإبداع خاصة ما يتميز منه بالتجريب والبعد عن الأنماط المألوفة ، وحين اقترب في الحديث من نصوص الديوان فقد حرص على التأكيد على استمتاعه بتلك النصوص ، وأنه قد قرأ صورة شعرية لم تفارق عقله ، واعتبرها من أبدع ما قرأ من شعر ، وهي الواردة في قصيدة:ديسمبر ، حيث تقول الشاعرة :

سوف لا تنسابُ دموعي
عندما أتذكر أني امرأة عادية جدا
مكررة
خرجت من " اليوتوبيا " ذاتَ مساء
بنظاراتٍ طبيّة
واختبأَت داخل ثوب ابنةِ عمران
ثمّ برحتْهُ عاريةً
حيث اكتشفت أن الثوبَ واسعٌ جدا .
بعد ذلك يبدأ الحضور في طرح مداخلاتهم وملاحظاتهم الخاصة ، يبدأ الشاعر "عماد غزالي" ، فيعلّق على ملاحظة د.مصطفى عراقي الخاصة بمفردات العالم المسيحي في قصائد الديوان ، فيؤكّد أنها من صلب التجربة الخاصة للشاعرة وليست دخيلة عليها أو تحمل شبهة تقليد ما ، فالشاعرة – كما توضح القصائد أيضا – نشأت في مدرسة راهبات في طفولتها ، أو مدرسة قبطية ، وقد التقت مفردات هذا العالم مع النزوع التطهّري الذي يسيطر على عالمها الشعري ، كما أكّد أنه لا يتفق مع أمجد ريان في وجود فجوات دلالية . كما أشار إلى أن القصيدة الأولى في الديوان : "ضباب على مرآة قديمة" تحمل كثيرا من المفاتيح الدلالية ، والملامح الأسلوبية للشاعرة والتي تتأكد عبر صفحات الديوان .

كما يطرح الشاعر " علي منصور " رؤيته أيضا فيقول : هناك عاملان أساسيان يتحكمان في خصوصية أسلوب الشاعرة : العامل الأول هو نشأتها في مدرسة راهبات ، وهذا العامل قد أضفى شاعرية على القصائد ، أما العامل الثاني فهو كونها متخرجة في كلية الهندسة ، ذلك العامل الذي أوجد قاموسا علميا للقصائد أحيانا : الإحداثيات الغائبة – الخطوط المستقيمة والدوائر – النجوم التي غيرت مواضعها – مثلث فارغ – الطاقة والكتلة . ، وبينما كانت الحالة المريمية ملائمة لتحقيق قدر كبير من الشعرية فإن التأثير الهندسي قد جار أحيانا على شعرية النص ، وخاصة في قصيدة مثل : تحوّر . ولكن الديوان يحفل بالقصائد اللافتة مثل : يوميات – بعد منتصف الليل – جغرافيا – في أبريل – بصمة .
أما الشاعرة سهير المصادفة فقد علقت سريعا حول وجود إيقاع خاص في قصيدة النثر ، وأن الشاعرة في ديوانها الأول تنجح أحيانا في الإمساك بهذا الإيقاع وأحيانا يفلت منها .

ثم يعلّق الشاعر "عبد المنعم عواد يوسف" وهو أحد رواد قصيدة الشعر الحر في مصر قائلا أن هذا الديوان من الدواوين الممتازة القليلة في مجال قصيدة النثر ، وأنه أعجب به جدا وقرأه ، ومما لاحظه فيه عدم وجود ما يُخجل أو يخدش الحياء مثلما اعتاد الشعراء الجدد ، حتى أنه يستطيع أن يُهدي الديوان لابنته لتقرأه ، بينما لا يستطيع ذلك مع أعمال أخرى .

ويلتقط الخيط الشاعر حلمي سالم فيقول : وهل تستطيع يا أستاذ عبد المنعم أن تُهدي ابنتك دواوين أبي نواس وهي من تراثنا الشعري ، ومع ذلك فهذا لا يقدح في شاعريتها ، أما عن ملاحظة سهير المصادفة فيقول : لقد كنا فيما سبق نردد مثل هذا الكلام حول الإيقاع في قصيدة النثر ، ولكني أقول اليوم : وما الذي سيحدث لو لم يكن هناك إيقاع أصلا ، دعونا من ذلك ولنتأمل لغة كل شاعر وأبنيته وصوره .

وفي نهاية الندوة تحدث أحد الحضور وهو الأستاذ محمد أبو بكر ، وهو مايبدو من أقارب الشاعرة ، عن أول قصيدة قرأها لها منذ حوالي 20 عاما وكانت على الشكل العمودي ، وكان يتمنى وجود هذه القصيدة بالديوان ، كما أشار المعماري نبيل شحاته – زوج الشاعرة – إلى دقتها الشديدة وجديتها في التعامل مع قصائدها ، ومناقشتها المستمرة له حول ما يقلقها من صور أو ألفاظ في كل قصيدة جديدة .





من هنا نبدأ
بداية القول | خيمة العامرية | إصدارات | ثقوب في الكلام | ترجمات
حوارات | كلما اتسعت الرؤية | ندوات | الآخر ليس جحيمًا دائمًا
خيام في الجوار | الذين عبروا من هنا | هودج العامرية | بريد زاجل