موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت

"ابتهــاج"

بقلم : رجاء النقّاش
مجلة "أدب ونقد" عدد مايو 2005

في حضرة الطيّب صالح ورجاء النقاش

للأديب السودانيّ الكبير "الطيّب صالح" موسمٌ قاهريّ منتظم. فقد تعوّد منذ عشرين سنة تقريبا أن يزور القاهرة كلَّ عام بانتظام وأن يقضي فيها شهرين أو أكثر. فإن سألتني: أيُّ شهرين من شهور السنة هما الموسم القاهريّ للطيب صالح؟ لقلت لك إنني لا أعلم، فالطيب يأتي لا نعرفُ متى، ولكن الذي نعرفه أنه يأتي ولا يخلفُ الميعاد، وعندما يأتي فإن له مُحبين ... أنا منهم ...نلتفُّ حوله كلما أمكننا أن نلتقي به ونسهر معه، وفي هذه اللقاءات يحرِّضنا الطيّب – بلطفه وإنسانيته – على أن نتكلم ونثرثر ونقولَ آراءنا في شئون الأدب والثقافة، بل وفي شئون العالم كله من أمريكا إلى جيبوتي والصومال. ونحن نتكلم في هذه الليالي على راحتنا، فالكلام ليس عليه "جمرك" كما يُقال، والطيب صالح يخلق لنا "منطقة حرة" نقول فيها ما نشاء من باب الإفضاء، أي إننا لا نكون مسئولين عما نقول، وخاصة إذا كانت أقوالنا من ذلك النوع الذي لا ينفع ولا يشفع، مثل القول بأننا نريد تغيير العالم إلى الأفضل. والذين يقولون هذا الكلام "الكبير" في هذه القعدة "الطيبية الصالحية" من أمثالي، قد يقولون ذلك ثم يحاولون تغيير الكرسي الذي يجلسون عليه فلا يستطيعون، أي إنهم يعجزون عن الانتقال من كرسي إلى آخر، فقل لي بالله عليك: كيف يحلم الذي لا يستطيع تغيير الكرسي الذي يجلس عليه بأن يقوم بتغيير العالم "شخصيًّا"؟ أليس هذا نوعا من الخيال المُحال؟ ومع ذلك كله فإن الكلام جميلٌ وله متعة، وخاصة إذا لم يكن عليه "جمرك" أو كان حرًّا مثل الكلام في ليالي الطيب صالح القاهرية الرائعة.
وفي ليلة من ليالي الطيب صالح في زيارته الأخيرة للقاهرة خطر على بالي أن أدعو إلى جلستنا اثنين من الشعراء المبدعين في الأجيال الجديدة هما "حلمي سالم" و "فاطمة ناعوت"، والأصل في هذه الدعوة أنني أحب حلمي سالم إنسانا وشاعرا، بعد معرفتي به وقراءتي له، كما إنني أحب ما قرأته من قصائد فاطمة ناعوت على قلّة ما أُتيح لي من هذه القراءة. وقد انتهت هذه الليلة نهاية بهيجة مفرحة، حيث طربنا جميعا مما سمعناه وقلنا "الله ... الله!" مرارا. وكان على رأس المعجبين بالشاعريْن شيخنا الطيب صالح، وهو رجل يجامل كثيرا إلا في أمريْن... الحق والفن. وهكذا كانت هذه الليلة لقاءً بديعًا بيننا نحن الشيوخ وبين شاعريْن جميلين من الجيل الجديد هما حلمي وفاطمة، وكانت نقطة الالتقاء تتكون في كلمتين هما: الصدق والجمال. وعندما تلتقي هاتان الكلمتان يولد الفنُّ الحقيقيّ الذي هو فوق جميع القيود والأعمار والمذاهب الأدبية وغير الأدبية. ومن يريد أن يبتهج فليسمعْ شعرا جميلا ولا داعي للالتفات إلى الخلافات النظرية .
رجاء النقاش






من هنا نبدأ
بداية القول | خيمة العامرية | إصدارات | ثقوب في الكلام | ترجمات
حوارات | كلما اتسعت الرؤية | ندوات | الآخر ليس جحيمًا دائمًا
خيام في الجوار | الذين عبروا من هنا | هودج العامرية | بريد زاجل