موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
جريدة "الرياض"
تلتقي
الشاعرة فاطمة ناعوت
حاورها: سامي حسون
الشاعرة فاطمة ناعوت .. تختارين لديوانك عنوانا مهنيًاً طريفًا "قطاع طولي في الذاكرة " ، و " على بعد سنتيمتر واحد من الأرض" كيف ترسمين ملامح نصوصك الشعرية وأنت مستغرقة في العمل كمهندسة معمارية ؟
- أؤمن بتلاقي العلوم وتقاطعها ، فعلم الرياضيات مثلا هو الوجه الآخر للفلسفة والمنطق ، وهذا يفسِّر كون معظم الفلاسفة القدامى والمحدثين علماءَ رياضيات من أمثال فيثاغورس وإقليديس وديكارت،وغيرهم، هذا عن العلوم ، فما قولك عن الفنون ! الفنون على ألوانها تشتجر وتتماهى في لحنٍ أبديّ يبرر وجود الحياة . العمارة والشعر تحديدًا هما كيانٌ واحد وأضيف إليهما الموسيقى والفنَّ التشكيليّ ، وربما كان هذا وراء تسمية العمارة " أم الفنون". فالواجهة المعمارية حين تحللها تستخلص منها نسبًا تشكيلية ، وترصد إيقاعها الموسيقي من خلال حساب الكتلة والفراغ ، ويمكنك تعيين الانتظام والتنافر والثماثل والتناغم و التجريد والاتزان وغيرها ، لاحظ كمَّ المصطلحات التشكيلية/الموسيقية/الشعرية التي استخدمتها في التعامل مع واجهة معمارية ! ما أريد أن أقول إنني لا أرى ثمة تنافر بين العمارة وبين الشعر إن لم يكن هناك اتفاق تام، بل وأزعم أن دراسة الهندسة ساعدتني في تميز صوتي الشعريّ كما يقول النقاد.
صدّرت ديوانك الشعري الثالث " قطاعٌ طوليّ في الذاكرة "بعبارةٍ تقول: " يوتوبيا التي لم أرها " وهي الجملة المفتاحية للديوان ، هل تشير هذه الجملة إلى أن الشاعرة لديها حلم لم يتحقق وأن حدثًا قد أجهض هذا الحلم ؟
- كلُّ بشريّ لديه حُلمٌ مجهض على وجه العموم ، والمثقف العربيّ مثقل بحلمٍ عربي يحتضر منذ عدة عقود. هذا من خلال الرؤية العامة ، أما عن حلمي الخاص ، نعم بالفعل هناك حلم، أو اقتراح آخر للحياة لم أصادفه.
في نصوصك حضور قويّ لقصيدة النثر تعالج قضايا كبيرة عبر مداخل صغيرة وزوايا جزئية .. هل يمكنني أن أسال عن المحرضات الثقافية التي تدفع الشاعرة صوب مغامرة الشعر ؟
- بالفعل أنا أعمد للولوج إلى القضايا الوجودية الكبرى من مداخلها الخبيئة الصامتة ، هذا منهجي الكتابيّ ، لأنني أراهن على ذكاء القارئ الذي يستميله قليل من المراوغة وعدم الإفصاح ليبادر هو في ارتكاب الشعر معي ويضلع في التجربة كفاعلٍ لا كمتلقٍ.قديما رفضتُ قراءة المادة التي تعطيني نفسها بسهولة بغير إجباري على إعمال ذهني لسبر غور النص وفتح استغلاقاته، والآن ككاتبة أرفض لقارئي ما رفضته لنفسي قديما . قارئي الافتراضي الذي أراهن على وجوده هو قارئٌ نشِط غير خامل ، رهاني على هذا النمط من القراء هو السبب الرئيس وراء تحوّلي من العمود الخليليّ و شعر التفعيلة إلى قصيدة النثر.أما عن المحرضات الثقافية فربما أقترح عليك عبارة أخرى ، دعها تكون محرضات وجودية سيكولوجية .في رأيي أن الإنسان حين ينقسم على ذاته ويرفض واقعه ، يسلك أحد مسارين ، إما الجنون أو الانتحار على الجانب الهروبيّ ، أو يكتب شعرًا .الشعر إذن هو صرخة احتجاج ضد قبح العالم.
تقولين في نصوصك : " انتظر صامته / ريثما ينتهي جامع الفراشات من تثبيت جناحيّ في ألبومه / حتى أطير" هل فاطمة ناعوت ظلت تكتب الشعر وتلقيه في الأدراج بغير أن يخرج إلى نور النشر بغرض تثبيت شاعريتها ؟
- صدق حدسك. كتبت الشعر في مرحلة مبكرة من حياتي ولم أحتفظ بنصٍّ واحد ، كتبت على حوائط غرفتي وأغلفة الكراسات ، كتبت على الدُمى و الشراشف وأوراق الرسم الهندسيّ ، وذهب كله أدراج الرياح. لم أفكر يومًا أن أغدو شاعرةً ، حتى شاءت مصادفة عجيبة جعلتني أقرّر الاحتراف.
لاحظت في ديوانك الجديد " قطاع طولي في الذاكرة " استمرارية تجربة الشاعرة في سياق " القصيدة النثرية ". أود أن اطرح سؤالاً : السجالات مازالت مستمرة حول مشروعية " القصيدة النثرية العربية " رغم حضورها الدائم، أيمكن اعتبار ذلك نوع من الوصاية على مواكبة الأجناس الأدبية ؟
- استقرت قصيدة النثر في أوربا منذ قرن و في لبنان منذ خمسين عامًا وأثبتت وجودها في العالم كله واستقرت كجنسٍ أدبيّ واقتراح جديد للشعر كما كانت التفعيلة الخليلية اقتراحًا. تمتلك قصيدة النثر مقومات وجودها واستمرارها ، و أنا بالطبع أتكلم عن الجيد منها .الخلاف حولها هو صورة أزلية لرفض الجديد من قِبل الأصوليين ،ولكن المدهش أنها لم تعد جنسًا أدبيا جديدًا حتى يستمر الجدال حولها حتى الآن. في رأيي أن الجدل حولها نابع من أسباب غير فنية وخارج سياقها ، الواحدية ونفي الآخر – وهما للأسف صفتان تسمان بعض المثقفين- هما السبب الرئيس وراء كل تلك السجالات حول قصيدة النثر.
يقول ا لدكتور "صلاح فضل" إن الشاعرة فاطمة ناعوت تبحر في كتابة الشعر كما تبحر في عملها المهنيّ .. أي لا تريد أن تفصل بين منضدة التصميم الهندسي ولوحة التشكيل الشعري ..ألا تعتقدين أن ذلك يدخلك في دائرة تفاصيل وعموميات القصيدة ؟
- على العكس تماما ، لو أكملت كلمة د. صلاح فضل لوجدته يقول إنني أدخلت في المعجم الشعريّ العربيّ مفرداتٍ لم ترد في ذواكر العرب . في زعمي أن ما يعطي تجربتي خصوصيتها هو تمسكي بمعجمٍ خاصًّ بي وهذا ما صنع بصمة تميز كتابتي ، ولاحظ أني لا أطلق أحكام قيمية على شعري فتلك مهمة النقاد ، أنا فقط أتكلم عن صفاء الصوت لا عن قيمته.
تتهم القصيدة النسوية بأنها مجرد انفعالات وجدانية وهي متأرجحة بين الارتباك حينًاً والثرثرة حينا آخر ... كيف ترين هذه المسالة ؟
- لا يمكنني التواصل ذهنيا مع فكرة النوعية الكتابية .إذا كانت ثمة كتابة نسوية وكتابة ذكورية ، فلماذا لا توجد موسيقى نسائية وفن تشكيلي نسائي وهندسة معمارية نسائية وهكذا؟المرأة إنسان ، والكتابة تجربة إنسانية ،إذن الكتابة التي تكتبها المرأة هي تجربة إنسانية، تنطلق من المؤرقات نفسها التي تدفع الرجل إلى الكتابة.أما الارتباك والثرثرة فقد تسم تجربة تخص رجل مثلما يمكنها أن تسم كتابة امرأة، بل على العكس – وأرجو ألا تتهمني بالفيمينيزم إذا قلت لك إن عقل المرأة أكثر تنظيما من عقل الرجل ، وبالتالي نسبة الوقوع في الارتباك قد تكون أقل.
ترجمت لشعراء عالمين إلى اللغة العربية ، ماذا أضافت هذه التجربة إليك على المستوى الإبداعيّ والإنسانيّ ؟
- قراءة الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص عبر لغته الأصل ، يتيح لك اختراق ثقافات مغايرة. الترجمة تكثف هذا الاختراق وتمزق الحجب وتكرس الحضور الذهني والوجداني في أراضٍ جديدة عوضًا عن التواجد الفيزيقي.فدخولك مثلا منطقة الشعر الخاص بأمريكا اللاتينية يفتح مخروط رؤيتك على تلك المنطقة من العالم بكل عجائبيتها وخصوصيتها الأمر الذي يثري تجربتك الحياتية وبالتالي الإبداعية.
تستخدمين المصطلحات العلمية وخاصة المصطلح الهندسي استخدامًًًا شعرياً ... كيف تفسيرين هذه الرغبة المهنية والعلمية في كتابة الشعر .. ، ألا ترين أن ذلك يفوت عليك الذوق الشعري ؟
- الطاقة الشعرية الكامنة في القصيدة لا تتأتي من مفردات بعينها، ليس ثمة مفردة شعرية وأخرى غير شعرية.الشعر كيمياء معقدة لا وصفة له، الفكرة لا تنبع من المفردات في ذاتها ، فالمفردة ذاتها لا تعني شيئا ، الأمر يتعلق أكثر بالصياغة والصورة والطاقة داخل النص. وقد أسلفت أن امتلاك قلم خاص ومعجم خاص قد يكرس صفاء الصوت الشعري.
تقترن التجارب الأدبية والشعرية منها بخاصة بتجربة المبدع .. فما التجربة الإنسانية المورثة للإبداع لديك ؟
- التجربة الوجودية التي مرَّ بها كل بشريٍّ فوق هذا الكوكب هي المنطلق وراء كلمتي.
تكتبين الشعر بالعربية والإنكليزية ... فتخترقين حواجز اللغات والثقافات كما كتب د. صلاح فضل .... سؤالاً حول لغة الشاعر ولغة الشعر : إلى أي مدى يستطيع الشاعر أن ينجح في نصه ، طالما ظل همه الشعري محاصراً بلغتين مختلفتين ، أم ترين أن الحالتين وجهان لحقيقة واحدة ؟
- الكاتب العربي حين يكتب بلغة أجنبية لا ينفصم عن حضارته وشرقيته ، لأن الهمَّ المحرك لكتابتة هو بالتأكيد همٌّ عربي.أهداف سويف مثلا تعدُّ كاتبة عربية بالرغم من كونها تكتب بالإنجليزية ، لأنها تكتب بذهنٍ عربي موغل في إشكالية المؤرق العربي .هكذا فاطمة ناعوت أيضًا كما أظن. - تقنية النشر الإلكتروني ، هل تعني البداية لانحسار الكلمة المكتوبة ، وأنت لك تجربة نشر نصوص عبر الشبكة العنكبوتية ؟
- تبقى للورقة سحرها الخاص مهما تعقدت خيوط العنكبوت وتوغلت داخل منظومتنا الحياتية والفكرية.فالبرغم من تعاملي مع الكمبيوتر منذ وقت الجامعة إلا أنني لم أستسلم أبدًا للقراءة من الشاشة ، متعة القراءة من الكتاب لا شبيه لها . ما أريد أن أقول أن للمطبوعة الورقية سحرها وأتمنى ألا تدهسها قاطرة التكنولوجيا. أما نصوصي على الإنترنت فمردّه أني أعتبرها ميديا ناقلة فقط لتوصيل كلمتي إلى الآخر في أقصى الكوكب.
11 يوليو 2003

|
|