موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
المشي بالمقلوب Walking Upside Down
جون ريفن سكروفت *
John Ravenscroft
ترجمة:
فاطمة ناعوت
في أحلامي، أحلامي الطيّبة، "ماري آيريس ماكورماك" – التي أسميها "ميم" اختصارا – دائما ما أراها تؤدي حركة الشقلبة، أي تقف على يديها، ركبتاها مثنيتان، وقدماها مزروعتان بثبات صوب حائط الطوب الأحمر في فناء الملعب. تنورة زيّها المدرسي تتدلى مثل ناقوسٍ ناعم أخضر اللون حول لسان الناقوس نصف المختفي: رأسها، وحين تدير رأسها لتواجهني، أرى عينين غريبتين ذكيتين مقلوبتين ترمقانني من أسفل الأهداب المقلوبة. تنظر بعيدا، وبحركة خاطفة من شعرها الأشقر تكنس غبار الأسفلت فيتحرك في دوامات.
حالِمًا، نصفَ واعٍ بالحقيقة، أتساءل كم من الوقت مضى منذ تلك الظهيرة الزرقاء الصفراء الدافئة، داخل خيمة شقيقتها في تلك البلدة الصغيرة. تسعة وثلاثون عاما ؟أربعون؟ هل يمكن أن يكون ذلك حقيقيا؟ هل مضى بالفعل كلُّ ذلك الزمن الطويل منذ أن تركتني وانتقلتْ إلى المدينة، إلى حيث الأضواء البراقّة، لندن؟
من رأس التنورة-الناقوس ، ترتفعُ في الهواء ساقان مضبوطتان ، زوجان متماثلان من الدعامات الطائرة تقبلاّن الحائط من أجل أن تبقيه مكانه. تنفردان فجأة، تنفصلان بكل مهارة، فتصبحان حرف V يتجول بينما تتقدم "ميم" نحوي ببطء، متزنة، مستقرة، يداها تشكلان زاوية قائمة مضبوطة مع معصميْن قويين مرنيْن. شيء مدهش. V يعني علامة النصر.
أسمع جلجلةَ عاليةَ النبرة لضحكةٍ صادرة من باطن الناقوس، وفي ظلمة البقعة المحرّمة – ذاك المكان حيث ليس لعينيّ عملٌ شرعيٌّ فيه – أبصرُ قطعة ملابسها الداخلية داكنة الزرقة.
ثلاث مراتٍ في الأسبوع الماضي أصحو عند هذه النقطة من الحُلم، وأنظر صوب بحيرة النور حيث تجلس ممرضات الليل. أعرف إحداهن جيدًا– الممرضة "ماري أوكانُر"، ذات الشعر الأحمر واللكنة الأيرلندية المحببة. كان أبوها هو ساعي البريد الخاص بي، يتسلّم رسائلي، يجمع ردودي، يجلب لي الصحيفة الجافة والإحباطات. أخبار المدينة الضخمة - المدينة التي هي أضخم مما يحتمل ولد مثلي من بلدة "فريستون" الصغيرة.
آه يا "ميم".
حين تتحرك الممرضة "ماري أوكانُر" على هذا النحو الواثق، وتضحك بتلك الطريقة، تذكرني بكِ.
أحب أن أتخيّلها وهي تقف، تتثاءب، تنتزع نفسها من موقعها ومن بحيرة النور الساطع الصغيرة هناك. أحب أن أتصورها وهي تنقلب، تمشي على يديها صامتةً خلال ردهة غرف النوم، زيها الأبيض الهش أضيق من أن يصنع شكل الناقوس، غير أن قبعتها الجادّة ستسقط، وسيتماوج شعرها الأحمر على الأرض حرا طليقا.
أراها تقف عند سريري، تبتسم ابتسامة واسعة، تلف دورةً بطيئة، ثم تعود أدراجها إلى طاولتها. نعم. حتى من دون ناقوس، حتى من غير أن ألمح قطعة ملابسها الزرقاء الداكنة، سوف يظلُّ ذلك شيئا جديرا بالاستيقاظ من أجله.
أغمض عينيّ وأفكر فيكِ يا "ميم" – مازلتِ تمارسين الشقلبة في أحلامي، مازلت ترينني قطعتك الداخلية، مازلت تسببين لي المتاعب ... بعد كلِّ تلك السنوات.

* قاص وروائي إنجليزي معاصر يعيش مع زوجته" استرا" في " لينكون شاير" بالمملكة المتحدة. رئيس تحرير مجلة "كادينزا" . له العديد من الأعمال مثل ( نبتة صغيرة - المشي بالمقلوب- أشياء نهملُها - هديةٌ من أجل باكو - أحوال المادة- البومة ) –الجين المدمر – الزنبقة المدهشة حاصل على عدة جوائز من بينها جائزة الكومونولث التي حصدتها هذه القصة .
|
|