موقع الشاعرة المصرية
فاطمة ناعوت
ورشـة الزّيتون الإبداعيـّة
تناقش ديوان "فوق كفِّ امرأة"
افتتان فاطمة ناعوت باللغة العربية
جريدة "الريـاض" تتابع وقائع الندوة
مشهد عام للمساهمين في الندوة
"فوق كف امرأة"، الديوان الرابع للشاعرة المصرية فاطمة ناعوت، تمت مناقشته في "ورشة الزيتون الإبداعية"، الاثنين الماضي 18 أبريل 2005. وحضر المناقشة حشد كبير من الشعراء والروائيين ومثقفي مصر من بينهم الشاعر الكبير حلمي سالم ، الشاعر أشرف عامر، الشاعر شعبان يوسف، الروائي سيد الوكيل، الشاعر عيد عبد الحليم، والروائي الكبير فتحي إمبابي الذي ادار الندوة..وأشار في البدء إلى عدم انتماء شعر فاطمة ناعوت، برأيه، إلى تقسيمة الأجيال المتعارف عليها، وأن قصائدها تنتمي طبقيًّا إلى البرجوازية الصغرى المصرية، وهي الطبقة صاحبة الهموم وذات البنى الثقافية الواسعة وأن للشاعرة تجربة واضحة عبرت عن أفكارها. كما أشار إلى أن احتواء الديوان على عدد كبير من القصائد ربما أفقد الشاعرة القدرة على السيطرة عليها. كما أن الديوان اعتمد كثيرا من الاستدعاءات التراثية التي أخرجتها الشاعرة عن سياقاتها.
ورغم غياب النقاد الأكاديميين، وربما بسبب ذلك، إلا أن الندوة اتسمت بالحيوية والدفء والثراء، سيما وقد قدّم حشد كبير من المبدعين من الشعراء والروائيين والقاصين مداخلاتهم الإبداعية-النقدية تخللها عدد من قصائد الديوان ألقتها الشاعرة.
بدأ الشاعر حلمي سالم مداخلته شاكرًا فاطمة ناعوت وكل شاعر من أي جيل يقدم جديدا وجميلا في أوركسترا الشعر. وأكد على عدم إيمانه بتقسيمة الأجيال أو "الأدراج" الفنية، لكنه يفضل استخدام مصطلح "الموجة" التي قد تضم شعراء من أجيال مختلفة يشتركون في المدرسة الفنية. من خصائص الكتابة الجديدة: التشظي والتعامل مع اليومي والنثري وإنكار التراث والتاريخ والمعرفة لتصبح المعرفة الوحيدة هي معرفة الجسد ومن ثم فلهم أن يحتقروا القضايا الكبرى والتاريخ والواقع لينخرطوا في حدود الجسد الضيق. ورأى سالم أن مجموعة قليلة من الشعراء الجدد، بينهم وفي مركزهم فاطمة، تناولوا تلك المفاهيم على نحوها الناضج غير السطحي، فآمنوا أن التشظي ليس نقيضا سافرًا للتكوّن، ولم يحتقروا القضايا الكبرى بل ولجوها من نقاطها الصغرى غير المركزية. كما فهمت تلك المجموعة أن هجر المجاز يعني ترك التقليدي المستهلك منه كما أن الجسد ليس المعرفة الوحيدة في الحياة وفهموا كذلك ضرورة هضم التراث ثم تجاوزه. أشار سالم أن شعر ناعوت حقق الموازنة الصعبة بين المفهوم القديم للكتابة وبين المفهوم الحديث لها، لم تقع في فخ الفهم الحرفي الإكلينيكي للمقولات ما بعد الحداثية، فلم تهمل المجاز بل استبدلت به مجاز المشهد ومجاز الفكرة واللقطة والمنثور والمعيش الخ، ورأى أن هذه سمات الكتابة الصحية الراهنة.
كما أشار سالم إلى لغة الديوان المميزة والتي تمتح من معاجم عدة مثل المعجم الهندسي والعلمي ومن رزاز الحياة اليومية وكذا من معاجم الحضارات والثقافات المختلفة وألمح إلى أن الشاعرة، وغيرها قليلين، يتقنون العربية ويغرمون بها سوى أن هذا الغرام أحيانا ما يدفع الشاعرة إلى استعمال صيغ مهجورة وجامدة على صحتها اللغوية. وألمح إلى أن تطعيم القصيدة برموز ثقافية وتراثية ليس عيبا في ذاته لأن يضئ النص ويضعه ضمن سياقه التاريخي فنعرف في أي زمن كُتب، لكن العيب في إثقال كاهل النص وخنقه، فالجوهري في الأمر هو التعامل مع الشعر بوصفه معرفة جمالية، ليس من الشعور حسب "العقاد"، فلا هو أنين منفرد ولا صراخ هادر. لذلك فتضفير الشاعرة قصائدها بمصطلحات من مهنتها يعد إثراءً وسمة فارقة تُحسب لها بشرط رهافة التضفير والصوغ. وأخذ على الشاعرة عدم ثقتها في ذكاء القارئ مما أوقعها أحيانا في الشرح. لكن التكثيف السائد في مجمل الديوان والمسكوت عنه يسمح للقارئ أن يعطي من وعيه وثقافته ليشارك في النص ويعيد إنتاجه. وختم كلمته بملاحظة أن الشاعرة قالت: ريم لن تعود، وفي موضع آخر قالت: مها ستعود يومًا، وربما دلّ ذلك على غياب الإنسان-الجسد وسرمدية الفن وديمومته لو عرفنا أن "مها" هي ابنة المترجم طلعت الشايب الذي أهدته الشاعرة قصيدة "دائرة الطباشير" إثر رحيل ابنته الفنانة التشكيلية.
الشاعرة في قراءة لبعض قصائد الديوان
بدأ الشاعر عيد عبد الحليم مداخلته بالحديث عن تجربة الشعر النسائي في مصر عبر الثلاثين عاما الأخيرة على ما فيها من تمايزات بين الشاعرات، ووصف تجربة ناعوت بالاختلاف عما هو مطروح. وأكد أن شعرية فاطمة ناعوت لا تسير في خط بياني ثابت منذ ديوانها الأول "نقرة إصبع" وحتى ديوانها الرابع موضوع الندوة مرورا بديوانيْ " على بعد سنتيمتر واحد من الأرض"، " قطاع طولي في الذاكرة"، فقد مرت شعريتها بمراحل عدة إذ هي لا تكتب في منطقة واحدة. أشار عبد الحليم إلى ثلاث تيمات إبداعية ميزت بقوة شعرية ناعوت سيما في أعمالها المبكرة: الأولى هي استخدام مفردات المهنة (الهندسة المعمارية) داخل بنية النص الشعري، وهي برأيه تجربة جديدة في الشعر، والتيمة الثانية هي مشاكسة المقدس الذاتي، أما الثالثة فهي الصورة الشعرية المغلفة بطابع معرفي رغم تلقائيتها. ربما خفّت حدة تلك التيمات في ديوانها الأخير وإن وجِدت بشكل نسبي، كما أضافت الشاعرة وتوسعت في كتابة ما يسمى بالبورتريه الشعري. وأضاف أن مفتاح شعرية فاطمة ناعوت تتضح في قولها: "أنا ذكية لا شك/ أتعلم من التاريخ"، فالشاعرة ذكية بالفعل في تعاملها مع النص، تقرأ التاريخ وتتعلم منه لتصنع تاريخًا خاصا للذات الشاعرة. وختم الشاعر عيد عبد الحليم مداخلته بإشارته إلى ولع الشاعرة باللون والتشكيل البصري المشهدي الذي يخلق خطابات سردية متعددة المستويات تحمل قضية ما داخل النص، على أن شخصية الشاعر الحكيم أحيانا ما تتلبس الشاعرة، التي اختبرت عبر هذا الديوان القصيدة المكثفة شديدة القصر كما اختبرت القصيدة الطويلة التي قطرّتها قطرةً قطرة.
تحدث الشاعر شعبان يوسف عن أن ورشة الزيتون قد احتفت بالشاعرة منذ ميلاد ديوانها الأول حيث ناقشته كمخطوط قبل نشره في سابقة للورشة، وقد ناقشه الشاعر أمجد ريان الذي أثنى عليه واحتفى به كثيرا واصفا إياه بأنه أفلت من مزالق الأعمال الأولى مشيرا إلى صفاء صوت الشاعرة منذ عملها الأول. ووصف شعبان يوسف الشاعرة بأنها مهندسة كتابة نظرا لقدرتها على ضبط الأمور اللغوية على نحو تُحسد عليه وأن بالديوان محاولة واضحة لتشعير الجماد والأسماء والمفردات الهندسية وإنه ولو لم يستسغ هذا اللون من الشعر إلا إنه يؤكد على فكرة حلمي سالم الدائمة في أن الشعر متعدد الألوان مختلفها وأن تلك الألوان تتجاور ولا ينفي أحدها الآخر، فشعرية أدونيس لا تلغي شعرية سعدي يوسف رغم تباينهما. وعلى ذات النحو تختلف شعرية فاطمة ناعوت عن أبناء وبنات جيلها فكل كتابة لها فلسفتها. وفلسفة قصيدة ناعوت برأيه تعتمد أنسنة الأشياء وأن كثيرين غيرها حاولوا ذلك لكنها، برأيه، نجحت في ذلك نجاحا مبهرا رغم إنه لم يستطع التعامل مع بعض قصائد الديوان.
وفي مداخلته أشار الناقد د.هيثم الحاج علي إلى مقولة رجاء النقاش:" الشعر عنف منظم ضد اللغة"، وأوضح أنه عنف لأنه يدمر الدلالات القديمة لينتج الجديد وهو ما يجعل الشاعر "أمير الكلام"، ويرى أن فاطمة ناعوت تعاملت مع اللغة بهذا المنطق لأن الديوان نجح في خلق دلالات مغايرة من تناصات سابقة هي نتاج لغة قارة وثابتة.
وفي مداخلة سريعة ألمح الشاعر أشرف عامر أن لحظات لا وعي الشاعرة لحظة الكتابة تنتج الشعر الأعلى بينما حضور الوعي يخفت صوت الشعر وإن ظلت ناعوت طوال الوقت قادرة على القبض على الجملة الشعرية الدافئة.
أما الناقد المبدع سيد الوكيل فقد قسم المبدعين إلى ثلاث مجموعات: الأولى هي الغنائية التي تماست كثيرا مع الرومانسية، والثانية هي كتابة اليومي والمعيش والمهمش، والثالثة يقدمون تجربتهم مشحونة بالمعرفة وهي الفئة الأقل عددا ومنهم فاطمة ناعوت مشيرا إلى رغبتها في كسر المجاز التقليدي ومحاولة بناء لغة تخصها وتصدير خطاب مغاير لما ارتكنت عليه الذائقة طويلا. كما أشار المبدع إسلام عبد المعطي إلى قصيدة كتبتها الشاعرة قبل عشرين عاما وقام بنشرها في مجلة الحائط بكلية الهندسة جامعة عين شمس، حيز زاملها، وكانت بعنوان "بوهيمية" وقد اتسمت القصيدة بكسر المألوف وقتها.
وفي ختام الندوة أوضحت فاطمة ناعوت عدم إيمانها بتقسيم التراث إلى شرقي وغربي وأن كل المنجز البشري فوق الكوكب هو ملكٌ لها وللجميع، فلا فرق بين كافكا والنفريّ فلكل منهما منجزه الذي يجوز استيعابه أو مصارعته أو تدميره أو استدعاؤه بل يجوز أن يتجاور الشرقيّ والغربيّ في نص واحد، وإنها تفعل ذلك، دون حس شوفيني. كما أشارت إلى انقسام النقاد حول تعدد العوالم في قصيدتها فرآه البعض ثراءً ورآه البعض مثلبة، وقالت لماذا عليّ كشاعرة أن أؤمن بفكرة الحدود في التراث؟ وتساءلت من وضع فكرة الجغرافيا أصلا؟ ثم أردفت أنها مواطنة عربية فيما يخص الحاضر والقضية والهم، بل قد تكون متحيزة وغير موضوعية، سوى إنها ليست مضطرة، فيما يخص التراث، أن تنهل من الشرقي وحسب خوفا من اتهامها بالانحياز للغرب، بل وإنها تجد متعة في مصالحة ابن رشد على بورخيس، وابن عربي على هايدجر. وتعليقا على حديث فتحي امبابي حول إخراجها الاستدعاءات التراثية عن سياقها قالت إنها تتعمد ذلك لأنها لو التزمت السياق القار ستغدو ناقلة لا عاقلة وإنها تصارع النص المستدعَى وإلا خيرٌ للقارئ أن يعود للنص الأصلي لو أراد أن يقرأ التاريخ. ثم اعترفت بقلقها من سطوة اللغة عليها لأنها مفتونة بها وتراها من أجمل لغات العالم نحوا وصرفا وبلاغةً وعروضا الخ ونفت أن تكون لغتها المكينة رغبةً منها في استعراض إمكاناتها اللغوية وإلا ما أقلقها الأمر. واختتمت الشاعرة بقصيدة جديدة عنوانها: " خاتم من أجل نائلة"، أهدتها إلى نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان.

|
|