ثالثاً: نقد المذهب الحنبلي في العقيدة: وبما أن كل فرقة من الفرق تركز على نقد الطوائف الأخرى وتنسى نفسها مع ما في هذا من تزكية للنفس وظلم للآخرين وجهل بالإنصاف وبما أنني لم أجد إلى الآن داخل الفرق الإسلامية من يهتم بالنقد الداخلي إلا بعض الأفراد الذين يخرجون بعض هذا النقد على استحياء وحذر، وبما أن تركيز وتوسع الناقدين والباحثين في نقد المذاهب العقدية والفقيهة التي ينتمون إليها له جوانب إيجابية تتمثل في تخفيف التعصب وتصحيح الأخطاء ومد جسور من التفهم لكثير من الإشكالات والعمل على حلها فإنني سأنقد بعض الأمور التي أدخلناها –نحن الحنابلة- في العقيدة السلفية وهي أبعد ما تكون عما يجب أن يعتقده المسلم. إذن للأسباب السابقة سأحاول هنا أن أخالف القاعدة بالتركيز على النقد الذاتي لكثير من المسائل والتجاوزات الموجودة داخل المذهب الذي أنتمي إليه بل وينتمي إليه معظمنا في هذا الوطن وفي بعض بلدان العالم الإسلامي -والانتماء لا يعني التقليد- ألا وهو المذهب الحنبلي في العقيدة[1] وتركيزي على نقد عقائد الحنابلة له أكثر من فائدة: 1. المشاركة في تصحيح أخطاء المذهب ونقد الغلو. 2. عدم مجاراة الآخرين في التركيز على الفرق الأخرى. 3. إحياء النقد الذاتي. 4. تعلم وتعليم الإنصاف. فلذلك أقول: ما أضاع المسلمين إلا نسيان كل فرقة لنفسها وتركيزها على الفرق الأخرى ولو نظرت كل فرقة لعقائدها ومحّصتها لا تفق المسلمون في كثير من الأمور (ورحم الله من اشتغل بعيوب نفسه). وقد احتوت كتب العقائد –ومن أبرزها كتب عقائد الحنابلة- على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمة ولعل من أبرزها: التكفير/ والظلم/ والغلو في المشايخ/ والشتم/ والكذب/ والقسوة في المعاملة/ والذم بالمحاسن/ والأثر السيئ في الجرح والتعديل/ والتجسيم الصريح/ أو التأويل الباطل/ وإرهاب المتسائلين/ وتفضيل الكفار على المسلمين/، وتفضيل الفسقة والظلمة على الصالحين/، والمغالطة/ والانتصار بالأساطير والأحلام/، وتجويز قتل الخصوم/ والإسرائيليات/ والتناقض/ والتقول على الخصوم/ وزرع الكراهية الشديدة مع عدم معرفة حق المسلم/والأثر السيئ على العلاقات الاجتماعية/ واستثارة العامة والغوغاء/ والتزهيد من العودة للقرآن الكريم مع المبالغة في نشر أقوال العلماء الشاذة/ مع انتشار عقائد ردود الأفعال (كالنصب وذم العقل)/ وجود القواعد المعلقة التي يطلقها بعضهم/ والتركيز على الجزئيات وترك الأصول/ وإطلاق دعاوى الإجماع/ وإطلاق دعاوى الاتفاق مع الكتاب والسنة والصحابة/ وتعميم معتقد البعض أو بعض الأفراد على جميع المسلمين/ مع إرجاع أصول المخالفين كل فرقة أصول الفرقة الأخرى لأصول غير مسلمة يهودية أو نصرانية أو مجوسية، وغير ذلك من الأمراض التي نعلمها أبناءنا في المدارس والجامعات فيخرجون فاقدين لأهلية التفكير الصحيح وجاهلين أبرز أسس العدل والإنصاف، ثم نستغرب بعد هذا كله لماذا هذا التوتر في المجتمع المسلم!! وهذا التباغض والتباعد بين المسلمين. وسأذكر أمثلة على الأخطاء السابق ذكرها التي يمكن إجمالها في الأمور التالية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] قد يقول البعض: ليس للحنابلة مذهب خاص في العقيدة، وأقول: نحن الحنابلة أظهر من جميع المذاهب في نشر عقائد معينة فإذا التقت المذاهب في استدلالها ببعض الأحاديث الضعيفة أو الدعاوى غير مستندة إلى دليل ونحو ذلك فإن غلاة الحنابلة قد تميز أكثرهم –حسب ما هو مدون في كتبهم- بالوضوح في عقائد التجسيم (تشبيه الله بخلقه) والنصب والتكفير فهذه أبرز العقائد عند أكثر الحنابلة ولهم أمور أخرى أدخلوها في العقائد مثل محاربة الرأي وذم العقل والجدل والمناظرة وذم الكلام والمنطق مطلقاً ويوجد في غير الحنابلة من يشاركهم هذه العقائد الباطلة ولكنهم قليل –فيما أرى-، كما يوجد في الحنابلة من يشارك المذاهب الأخرى في جل عقائدهم ولكنهم قليل أيضاً، فالعبرة هنا بالأغلب فهناك معتدلون في الحنابلة كما أن هناك مغالون في المذاهب الأخرى. وأبرز المؤلفين من رجال المذهب الحنبلي في العقيدة عبد الله بن أحمد بن حنبل وابن بطة الحنبلي وابن حامد الحنبلي والبربهاري الحنبلي وأبو يعلى الحنبلي وابن تيمية وابن القيم الحنبليان وغيرهم رحمهم الله وقد انتشر تقليد هؤلاء بين علماء الدعوة السلفية سواءً عندنا في المملكة أو في الهند أو جماعة أنصار السنة بمصر وغير هؤلاء فلذلك سأكتفي بهذا التنبيه وقد أجد الفرصة مستقبلاً في بيان آثار انتقال العقائد الحنبلية (اقصد العقائد التي أصابها الغلو خاصة التكفير والتبديع والتشبيه والنصب) من كتب الحنابلة المتقدمين إلى هذه الجماعات التي كان لها دور إصلاحي لا ينكره منصف لكن ليتها تكمل ذلك بتطهير معتقداتها من هذه الأخطاء، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا00) وليس من العار ولا من الإثم أن نرمم بيتنا الداخلي كل يوم ونتراجع عن أخطاء وقع فيها آباؤنا عن اجتهاد وحسن نية وقلة مصادر... فندعو لهم ونصحح أخطاءهم ويأتي بعدنا من يصحح أخطاءنا وهكذا فالأمر أسهل مما نتصور إذا كان النقد بهذه الضوابط العلمية والأخلاقية.
|