ثانياً: التجسيم والتشبيه:

سبق أكثره في الفقرة السابقة الخاصة بالأحاديث الموضوعة والآثار المكذوبة وبقي أن نشير لأعظم ما رواه الحنابلة في هذا الجانب ومن ذلك:

-          صحح الشيخ عبد المغيث الحربي الحنبلي حديث الاستلقاء!! الذي فيه أن الله لما انتهى من الخلق (استلقى ووضع رجلاًً على رجل)[1]!! وهذا تشبيه واضح.

-     أما الأهوازي الحنبلي فقد ألف كتاباً طويلاً في الصفات أورد فيه أحاديث باطلة ومنها حديث عرق الخيل الذي نصه: (إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتى عرقت ثم خلق نفسه من ذلك العرق)[2]!!  تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

والغريب أننا نكفر من يقول بخلق القرآن أو يسب أحد الصحابة وفاعل هذا وإن كان مخطئاً لكنه ليس كخطأ من يزعم أن الله خلق نفسه من عرق الخيل!!

ومع هذا لا يجوز في نظري- تكفير معتقد هذا الاعتقاد لجهله مادام أنه يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد (ص)  نبياً رسولاً وهذا لجهله يشبه من طلب من أبنائه إن مات أن يذروه في الرياح ظناً منه أن الله ليس بقادر على بعثه.

  

-           كما حدث الأهوازي هذا بحديث (رأيت ربي بمنى على جمل أورق عليه جبة!!) وهذا تشبيه واضح وتجسيم صريح.

-          وألف الهروي الحنبلي كتاباً في الصفات حشره بأحاديث باطلة من هذا الجنس[3].

-          وروى عبد الله بن أحمد رواية مقطوعة فيها (مكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين)[4]!!

-     وروى عبد الصمد بن يحيى الحنبلي قال: قال لي شاذان: اذهب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل- فقل: ترى لي أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: (رأيت ربي عز وجل في صورة شاب)؟!

   قال: فأتيت أبا عبد الله فقلت له: فقال لي: قل له: تحدث به، قد حدث به العلماء)!![5].

أقول: وهذا الحديث موضوع باطل وإن صحَّ هذا الأثر عن أحمد فقد أخطأ ووقع في خطأ عقدي واضح لأن في الحديث تشبيه صريح وإن لم يصح عن أحمد فهو دليل على أن بعض الحنابلة يرون هذا الرأي ويعتقدونه ولذلك يحتجون لهذا بأقوال ينسبونها إلى أحمد وللحديث لفظ مطول بالإسناد السابق وهو (رأيت ربي عز وجل، شاب أمرد جعد قطط عليه حلة حمراء)[6]!!.

أقول: بالله عليكم هل تركنا لأنفسنا عذراً ونحن نروي مثل هذه الطوام والفضائح في كتبنا العقدية ولا ننقدها ثم لا نلتمس العذر للآخرين في تبديعنا بل وتكفيرنا!!

هل رأيتم أصرح في التشبيه والتجسيم من هذا الأثر وحديث عرق الخيل الذي قطع كل محاولة في التأويل أو الاعتذار، اللهم إلا بالاعتراف بأن فينا من شبه الله بخلقه مثلما يوجد في الآخرين من بالغ في التعطيل وكلا الأمرين خطأ عظيم بل كفر ولكن لا يكفر معتقده لاحتمال الجهل أو التأويل.

-     وقال محمد بن إبراهيم القيسي الحنبلي (قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد أو يحد- فقال أحمد: هكذا هو عندنا)[7]!!

أقول: الرواية منقطعة عن ابن المبارك ولو صحت عنه لما كانت حجة فلم يرد لفظ الحد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة فلماذا اللجاجة في هذه الغرائب.

-     ورووا أن المقام المحمود للنبي (ص) هو (قعوده صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش)[8]!! واعتبروا من رد هذا الأثر الضعيف جهمياً أو زنديقاً!! وأنه لا يؤمن بيوم الحساب[9]!!

أقول: انظروا إلى الأحكام الجائرة فكلما كانت القصة أو الأثر مكذوباً كلما زاد إنكارهم على من أنكره وحكموا عليه بالزندقة والكفر!! وكأن الشدة تعويض لضعف الحجة.

-          وزعموا أن النبي (ص) رأى ربه تسع مرات!![10].

-          ولم يكن البربهاري إمام الحنابلة في عصره يجلس مجلساً إلا ويذكر فيه أن الله يقعد النبي (ص) معه على العرش!![11].


 

[1] انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (21/160).

[2] سير أعلام النبلاء (18/17).

[3] سير أعلام النبلاء (18/508).

[4] طبقات الحنابلة (1/186).

[5] طبقات الحنابلة (1/218) (2/46).

[6] طبقات الحنابلة (2/46) وغلاتهم يصححون هذا الحديث كما ترى في قول أبي الحسن بن بشار الحنبلي (2/59).

[7] طبقات الحنابلة (1/267).

[8] طبقات الحنابلة (2/10).

[9] المصدر السابق.

[10] طبقات الحنابلة (2/11).

[11] طبقات الحنابلة (2/43).

<السابق            التالي>