ثالثاً: كثرة الأكاذيب من الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة وخاصة تلك المشتملة على التجسيم وتشبيه الله بالإنسان:

 سواءً ما كان منها مكذوباً على النبي (صلى الله عليه وسلم) أو ما كان مكذوباً على بعض الصحابة والتابعين أو كان مما تسرب إلى الكتب من الإسرائيليات المأخوذة عن اليهود والنصارى.

وسبب الإكثار من هذه الأكاذيب والأباطيل أن كل فرقة أرادت الاحتجاج لآرائها ومبادئها بأحاديث وآثار وأخبار فتلجأ إلى أخذ هذه الأكاذيب والإسرائيليات فيوقعهم هذا في الكذب وقد يزين الشيطان للأتباع تصحيح بعض هذه المكذوبات كل هذا بحجة نصرة السنة ونصرة العقيدة!!

ونسوا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعدة من النار)[1]، وتناسوا النصوص الشرعية الناهية عن الكذب والمحذرة منه.

 ومن أمثلة هذه الأكاذيب المنتشرة في كتب عقائد الحنابلة:

وروى عبد الله بن أحمد بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الله عز وجل يجلس على الكرسي فما يفضل (من الكرسي) إلا قيد أربع أصابع وأن له أطيطاً كأطيط الرحل إذا رُكب!!)[2]. وهذا الحديث لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وفيه تجسيم واضح.

2- ما رواه عبد الله بن أحمد[3]: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا الجريري عن أبي عطاف قال: كتب الله التوراة لموسى عليه السلام بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة في ألواح در فسمع صريف القلم ليس بينه وبينه إلا الحجاب!!.

أقول: فهذا من الإسرائيليات المكذوبة أو خزعبلات العوام وتوهمات الأعراب. وقد أورد عبد الله بن أحمد كثيراً من الآثار من هذا القبيل.

 

3- وروى ابن أحمد أيضاً بإسناده أثراً[4] عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى ربه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة ملك في صورة رجل وملك في صورة أسد وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر في روضة خضراء دونه فراش من ذهب)!!.

أقول: هذا الأثر مكذوب على ابن عباس وفيه تجسيم واضح وغرائب لجذب العوام!! لعل بعض الرواة أخذوه من اليهود والنصارى، تعالى الله عن أساطيرهم.

4- وروى أيضاً[5] بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر!!).

أقول: وينسبون بالصدر والذراعين هنا إلى الله عز وجل!! تعالى عما يقولون علواً كبيراً فلا يقال في الله ولا عن الله خلاف ما في القرآن الكريم والسنة الصحيحة المشهورة وكفى بإخبار الله عن نفسه في آيات كثيرة فيهملها هؤلاء ويذهبون إلى خزعبلات اليهود وتخيلات الأعراب!!، وهذه إن صحت عن عبد الله بن عمرو فهي من الإسرائيليات التي كان يرويها فقد ظفر يوم اليرموك بزاملتين فيها كتب لأهل الكتاب فكان يروي ما فيها على سبيل القصص فإن كان هذا منها فهو مخطئ في روايته لها ففي نصوص القرآن والسنة عن الله عز وجل ما يغني ويدفع هذه الأباطيل فيجب الاقتصار على المحكم من ذلك والإيمان بالمتشابه منه ورد الباطل من المرويات.

5- وروى عبد الله بن أحمد[6] أن الله يقول لداود عليه السلام يوم القيامة: (إدنه إدنه حتى يضع بعضه عليه!!) وفي لفظ (حتى يأخذ بقدمه)!! تعالى الله عن ذلك.

6- وروى بإسناده[7] حديثاً موضوعاً: (أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل: أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق الخلق؟ فقال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء).

أقول: هذا حديث مكذوب على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهذا نص من كتاب التوراة كما أخبرني بذلك بعض المهتمين بكتب أهل الكتاب[8].

7- وروى بإسناده[9] عن ابن مسعود: (إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كجر السلسلة على صفوان)!! واتهم عبد الله بن أحمد من لم يقر بهذا بالجهمية والبدعة!! مع أن هذا فيه تشبيه واضح ولم يأتِ عليه دليل صحيح.

8- روى بأسانيده عن كعب الأحبار وكان من الذين أسلموا من اليهود آثاراً من هذا الجنس من الإسرائيليات[10].

9- وروى عبد الله بن أحمد أيضاً[11] بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لما كلم موسى عليه السلام ربه عز وجل كان عليه جبة صوف وعمامة صوف ونعلان من جلد حمار غير زكي!!).

وقد أخرج هذا الأثر الآجري في الشريعة وابن بطة وهما من الحنابلة، والأثر مكذوب على النبي (صلى الله عليه وسلم) وفيه تجسيم يلزم منه استهانة بالذات الإلهية لكن لازم القول ليس بقول وقد يقول البعض إن هذا يريد منه القائل وصفاً لموسى لا لله عز وجل، أقول: أرجو ذلك ولكن يعكر على هذا الاعتذار أن سياق الآثار في الباب كله إثبات صفات الله عز وجل من جلوس وقيام وصوت وكرسي وصور وصدر وذراعين000 ونحو ذلك ولا فائدة لهم هنا في ذكر لبس موسى فإن هذا مما لا دخل له بالعقيدة ولا السنة!!

 ورووا خزعبلات أخرى ظاهرها التجسيم والتشبيه مثل قولهم:

10- أن الله وضع يديه بين كتفي النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى وجد بردها على قلبه![12].

ومن هذه الخزعبلات المروية:

11-أن جلد الكافر يوم القيامة أربعون ذراعاً بذراع الجبار!! (السنة لعبد الله بن أحمد، (2/492).

12- وأن السماء ممتلئ بالله عز وجل. المصدر السابق (2/457).

13- وأن أسباب الزلازل أن الله يبدي بعضه للأرض فتتزلزل!!0 المصدر السابق(2/470).

14- وأنه ينزل كل عشية ما بين المغرب والعصر ينظر لأعمال بني آدم0 المصدر السابق (2/470).

15- وأنه خلق آدم على صورته هو!!0 المصدر السابق (2/472).

16- وأن عرش الرحمن مطوق بحية0 المصدر السابق (2/474)0

17- وأن الوحي ينزل في السلاسل0 المصدر السابق (2/474).

18- وأن الكرسي كالنعل في قدميه0 المصدر السابق (2/475).

19- وأن الله يطوف في الأرض0 المصدر السابق (2/486)0

20- وأن الله يضع يده في يد داود!!0 المصدر السابق (2/502).

21- ويأمره أن يأخذ بحقوه0 المصدر السابق (2/503).

22- وأن هذه الرياح من نفس الرحمن0 المصدر السابق (2/510)

23- وأنه لا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها ضوء وجهه ويستبشرون بريحه. المصدر السابق (2/524).

24- وأنه لما تجلى للجبل: بسط كفه ووضع إبهامه على خنصره. المصدر السابق (2/525)0

أقول: وبعد هذا نقول: أننا نقتصر على النصوص الشرعية الصحيحة ولا نشبه الله بخلقه وأن من شبه الله بخلقه فقد كفر؟! إن لم يكن ما سبق تشبيهاً فما هو التشبيه إذن؟!.

 26- بل جوز الدارمي: أن يستقر الله على ظهر بعوضة فقال: (ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم)!! وأقره ابن تيمية!!

فهل هذه الموضوعات والأكاذيب والآراء الباطلة الموجودة في كتب العقائد هي حقاً كما نزعم امتداد للعصر النبوي؟! اللهم حاشا وكلا.

وقد نقل هذه العبارة من الدارمي ابن تيمية مقراً لها!! ونحن دافعنا عن الاثنين، والقول سيئ اتخذه البعض حجة في تكفيرهما (الدارمي وابن تيمية) لأن المكفرين رأوا في العبارة استهزاء بالذات الإلهية.

-  وذكر ابن الجوزي فتنة الحنابلة التي جرت سنة 403هـ: فذكر بعض مؤلفاتهم وقال: (فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام!! فحملوا الصفات على مقتضى الحس فسموا أن الله خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات وعينين وفماً ولهواتٍ وأضراساً وأضواءً لوجهه ويدين وأصابع وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس0000 ثم يتحرجون من التشبيه ويقولون: نحن أهل السنة!! وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام!!000) ثم ذكر أنه قد نصحهم وقال: (لو أنكم قلتم نقر الأحاديث ونسكت لما أنكر عليكم أحد 000 فلا تدخلوا على مذهب هذا الرجل الصالح –يقصد أحمد- ما ليس منه حتى صار لا يقال عن حنبلي إلا مجسم ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية000)!!

-       أقول: لم يتعصبوا ليزيد فقط وإنما لجميع بني أمية كل هذا لأجل إغاظة الشيعة والرد عليهم[13].

-  ثم ذكر لهم ابن الأثير فتنة أخرى عام 447هـ سببها إنكارهم للجهر بالبسملة والقنوت في الفجر والترجيع في الأذان ونحو هذا من المسائل التي لم تكن عندهم على مذهب أحمد!! فذهبوا إلى الخليفة وأنكروا عليه جهر الناس بالبسملة فأخرج لهم مصحفاً وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها!! اهـ.

 


 

[1] الحديث متواتر، رواه أصحاب الكتب الستة وغيرهم.

[2] كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (1/305).

[3] انظر كتاب السنة (1/294) (2/461).

[4] المصدر السابق (1/176).

[5]  المصدر السابق (2/475) (2/510).

[6] المصدر السابق (2/475).

[7] المصدر السابق (1/245).

[8] أخبرني بذلك أخونا الشيخ سعود السرحان.

[9] المصدر السابق (1/281).

[10] المصدر السابق، الآثار (541) (284) (561) (574) وغيرها.

[11] المصدر السابق (1/293).

[12] المصدر السابق  الآثار (490).

 

[13] وهذه من ردود الأفعال التي بقيت في بعض الحنابلة إلى يومنا هذا فهم أعني ذلك البعض- أكثر الناس حساسية في التعامل مع الشيعة لدرجة أكبر من حساسيتهم في التعامل مع غير المسلمين من نصارى ويهود وملحدين كما أنهم ذوو حساسية كبيرة من الثناء على علي بن أبي طالب وأهل بيته بينما ينتشر بينهم الثناء على بني أمية وخاصة معاوية وابنه يزيد!!.

وللأسف أن المناهج التعليمية –عندنا في المملكة- قد أشرف عليها في الماضي أو راقبها من كان فيه انحراف واضح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الميل الشديد لبني أمية إما بعلم أو بجهل، فقد قُرِّر كتاب (محاضرات الخضري) في دار التوحيد بالطائف لسنوات طويلة والكتاب يصف الإمام علي بالكبر والتعالي ويفضل معاوية عليه في إدارة شئون الدولة الإسلامية!! وقرر على المعاهد العلمية كتب محب الدين الخطيب: الرعيل الأول وكتاب العواصم من القواصم لابن العربي بتحقيقه والكتابان مليئان بالتعصب لبني أمية والانحراف عن علي بن أبي طالب والحسين بن علي فانتشر النصب بين عموم طلبة العلم عندنا وخرج لنا هذا الجيل الذي ترون!! –فلهذا لا تستغربوا الهجمة على كل من أراد التصحيح!!- وقد منع تدريس هذه الكتب في الفترة المتأخرة والحمد لله، لكن بقيت المقررات (في التاريخ الإسلامي) غير منصفة وإلا فأخبرونا أين الحكم الشرعي في قتال البغاة وأين قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) وأين الحديث المتواتر (تقتل عمار الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)!! فأين هذا وغيره في مقرراتنا؟! أهذا جهل بهذه الحقائق (أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله)؟!. 

 

<السابق            التالي>