سادس عشر: ذم المناظرة والحوار: الحوار والمناظرة كانت سائدة عند المعتزلة وبحوارهم ومجادلتهم جلبوا لجمهورهم كثيراً من الناس، ويبدو أنه لما رأى الحنابلة هذا الأمر قد تفاقم وأنهم لا يستطيعون مناظرة المعتزلة قالوا بتحريم ذلك من باب ردة الفعل فقط! فقط! مع أن الله عز وجل في القرآن الكريم يأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم) بطلب البراهين من الكفار (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين). وهذه البراهين التي يطلبها النبي (صلى الله عليه وسلم) من الكفار ليست في أمر هين من الأمور التي يتحدث عنها البربهاري، بل إنه (صلى الله عليه وسلم) يطلب البرهان على أن لله شريكاً يستحق العبادة!! فإذا جاز طلب البرهان من المخالف على أن لله شريكاً، فمن باب أولى جواز طلب البراهين على أمور أقل أهمية كالتي تختلف فيها الطوائف الإسلامية من قضايا الإيمانيات أو الأحكام000 والجدل المذموم إنما هو الجدل الذي لا يطلب صاحبه الحقيقة وإنما يريد المغالبة والمكابرة أما إن أعلن الطرف الآخر أنه يريد الحق وجعل البحث العلمي هو السبيل الأمثل لحل المسائل المختلف فيها فقد أنصف وتجب أو تستحب محاورته ومجادلته. ولم يبعث الله نبياً إلا وجادل قومه وناظرهم وقد ذكر الله قصصهم في القرآن كما حصل بين نبيه إبراهيم عليه السلام والنمروذ بن كنعان وبين نبيه موسى عليه السلام وفرعون وبين النبي (صلى الله عليه وسلم) وقريش وهذا من أوضح الأدلة وأظهرها. إذن فقد لجأ الحنابلة إلى تعميم تحريم الجدل والمناظرة بغير مستند شرعي ومن أقوالهم في تحريم ذلك والتهويل منه ما يلي: - قول البربهاري: (والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب وإن أصاب صاحبه الحق والسنة)!![1]. - وقوله: وإذا سألك أحد عن مسألة في هذا الكتاب وهو مسترشد فكلمه وأرشده، وإذا جاءك يناظرك فأحذره فإن المناظرة والمراء الجدال والمغالبة والخصومة والغضب قد نهيت عن هذا جداً!!. - وقال البربهاري ص94: (اعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا كفر ولا هوى ولا ضلالة ولا شك ولا حيرة في الدين إلا من الكلام والجدل00)!! ويقصد بالكلام هنا: أدنى التساؤلات عن قضية ما!! - ثم قال ص95: (والعجب كيف يجترئ الرجل على المراء والخصومة والجدال والله تعالى يقول: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) فعليك بالتسليم والرضى بالآثار وأهل الآثار والكف والسكوت0 أقول: هذا كله جدال وكتاب البربهاري كله مصنف في الجدال والكلام وإن لم يسمه باسمه!! لكن التناقض من سماتنا وما ذممنا المعتزلة والأشاعرة بعيب في مكان إلا ارتكبناه في مكان آخر، ولا نبالي بهذا التناقض أو لا نعقله ولا نعقل ماذا نفعل.
|