- بيعة علي بن أبي طالب

وحدوث الفتنة الثانية وآثارها الفكرية

ومواقف المسلمين من هذه الأحداث

 ذهب الناس بما فيهم المهاجرون والأنصار إلى علي المعتزل في بيته وطلبوا منه البيعة فحاول أن يمتنع لكنهم أقنعوه بأن الأمر يزداد فتنة وأن ترك الأمة بلا إمام يعرضها لمزيد من سفك الدماء، وطلبوا منه أن يبسط يده للبيعة، عندئذٍ يبدو أن علياً تذكر بيعة أبي بكر وما قيل عنها وخشي أن يقال عن بيعته فلتة فأمر الناس بالذهاب إلى المسجد محتجاً بأن بيعته لن تكون سراً وإنما في المسجد على ملأ ورضا من المسلمين فإن رضوا به بايعهم وإن رفضوا تركهم ومن يبايعون، فذهب واجتمع عليه المسلمون وبايعوه ولم يُحفظ أن أحداً من المهاجرين والأنصار تخلف عن بيعته إلا أفراد قلائل اختلف فيهم، فمنهم من ذكرهم في البيعة ومنهم من استثناهم00[1]

إذن فتيار العلوية الآن أصبح مرشحهم خليفة للمسلمين وبدأ الصراع السياسي يشتد فالعثمانية (وجمهرتهم في الشام عند معاوية) لم يقروا بالبيعة وبعد مراسلات ومحاولات لرأب الصدع أصر تيار العثمانية على المعارضة وتحميل خليفة المسلمين مسئولية قتل عثمان باتهامه واتهام العلوية بقتل عثمان أو خذلانه000الخ.

 

أ- معركة الجمل:

وفي هذه الأثناء خرج تيار ثالث ليس إلى تيار الخليفة ولا تيار العثمانية هو تيار طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة وهم وإن ظهر للناس أن مطالبهم تتفق مع العثمانية لكنهم يختلفون عن تيار العثمانية بعدة أمور أبرزها:

1.  أنهم لا يتهمون علي بن أبي طالب بالمشاركة في قتل عثمان ولا يحملونه ذلك لأنهم كانوا يعرفون الأوضاع تماماً فهم كانوا في المدينة، وكانوا من المعارضين لسياسة عثمان وهم يعرفون أن علياً أكثر دفاعاً عن عثمان منهم.

2.   أن عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم كانوا جادين في المطالبة بدم عثمان ولا يتخذونه سبيلاً إلى غايات سياسية كما هو الحال عند رؤوس أهل الشام أو تيار العثمانية بالشام -هذا في الغالب- أما الجيشان فالوضع ملتبس.

3.  أنهم كانوا من منتقدي عثمان بن عفان ويرون أن الثوار قد استغلوا نقدهم لعثمان استغلالاً سيئاً واعتمدوا عليه في تبرير قتلهم له فكانوا  –أعني طلحة والزبير وعائشة- يرون أن من واجبهم الأخذ بثأر عثمان حتى يغفر الله لهم نقدهم الشديد لعثمان ذلك النقد الذي جرأ الثوار على قتله.

4.  أن رؤوس تيار أم المؤمنين أفضل بكثير من رؤوس تيار العثمانية بالشام، فطلحة والزبير من العشرة ومن كبار الصحابة، وأم المؤمنين كذلك كانت من المهاجرات وكانت من أحب أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) إليه أما رؤوس تيار العثمانية بالشام فأكثرهم من الطلقاء.

5.   رؤوس تيار أم المؤمنين عائشة وهم عائشة وطلحة والزبير ندموا واعترفوا بالخطأ بعكس رؤوس أهل الشام (إلا ما روي في ندم عمرو بن العاص وابنه).

وبعد الاشتباك بين جيش الخليفة وهو التيار الشرعي يومئذٍ- وجيش عائشة بالبصرة في معركة الجمل المشهورة بقيت الآراء العثمانية بالبصرة لكونهم ساعدوا طلحة والزبير لما قدموا وقتل منهم جماعة بأيدي جيش علي فبقي في نفوس البصريين ما بقي من الانحراف عن أمير المؤمنين علي[2] ولذلك وجدنا أهل الحديث عندما ترجموا لرجال الكتب الستة كانوا كثيراً ما يتهمون بعض رجال البصرة بالنصب مثل اتهامهم لرجال الشام (والنصب هو الانحراف عن علي على الضد من التشيع)[3].

وقبل معركة الجمل كان عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة قد ذكر أنه قد ترك فيها (صنائع) وأقنع أم المؤمنين وطلحة والزبير بالتوجه إلى البصرة وهذا (الصنائع) التي ذكرها ابن عامر لا أستبعد أن يكون تياراً شديد الموالاة لعثمان منحرفاً عن علي.

فهذا مع معركة الجمل أبقت في نفوس البصريين انحرافاً عن علي بن أبي طالب بجهل أو لعصبية قبلية.

 

ب- معركة صفين

ثم حصل النزاع الكبير الذي استمر في الأمة إلى اليوم بين تيار العلوية وكان التيار الشرعي يومئذٍ وفيه المهاجرون والأنصار وتيار العثمانية بصفين وأكثره من الطلقاء والأعراب والقبائل القحطانية والشامية وكاد الأمر أن يتم للعلوية لولا خدعة عمرو بن العاص المعروفة التي أوقفت القتال وقد استمر الصراع بين التيارين إلى أن اغتيل الإمام علي في مسجده بالكوفة وكان من أبرز النواصب بالشام (تيار العثمانية) معاوية بن أبي سفيان ومعاوية بن حديج وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وبسر بن أبي أرطأة وأبي الأعور السلمي وبعض ولاة معاوية على الأقل مثل زياد بن أبيه والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم ثم الجيل الثاني منهم مثل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وخالد القسري الدمشقي وعبيد الله بن زياد وغيرهم وسائر ملوك بني أمية إلا عمر بن عبد العزيز (وقد منع سب علي على المنابر).

ثم جاء بعدهم من تلاميذهم أو أعوانهم أزهر بن عبيد الله الحرازي وحريز بن عثمان الرحبي (كان يلعن علياً في اليوم 140 مرة فقط!!) وأسد بن وداعة وثور بن يزيد الحمصي وسليمان البهراني وعبد الله بن سالم الأشعري وعمرو بن قيس الكندي ومحمد بن زياد الإلهاني.

ثم جاء بعدهم إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني مؤلف كتاب (الشجرة في أحوال الرجال) وكان بينه وبين الحنابلة علاقة كبيرة!! ثم جاء بعد هؤلاء آل تيمية بحران ثم دمشق وابن كثير رحمه الله (كان فيه نصب إلى حد كبير) والذهبي (إلى حد ما) أما ابن تيمية (إلى حد لا ينكره باحث منصف) فاشتهر عنه النصب وكتبه تشهد بذلك ولذلك حاكمه علماء عصره على جملة أمور منها (بغض علي) ولم يحاكموا غيره من الحنابلة مع أن فيهم نصباً ورثوه عن ابن بطة وابن حامد والبربهاري وابن أبي يعلى وغيرهم.

والتيار الشامي (العثماني) له أثر بالغ على الحياة العلمية عندنا في الخليج وهذا من أسرار حساسيتنا من الثناء على الإمام علي أو الحسين وميلنا الشديد لبني أمية فتنبه!![4].

والنواصب لهم أقوال عجيبة كعجائب غلاة الشيعة فمنهم من كان ينشد الأشعار التي قيلت في هجاء النبي (صلى الله عليه وسلم)!! ومنهم من يعلن علياً (وهم الأكثر) ومنهم من يتهم علياً بمحاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وسلم)!! ومنهم من يحرف الأحاديث في فضله إلى ذم وغير ذلك مما لا أستحل ذكره هنا والغريب في أمرنا سكوتنا عن هذه الطائفة التي كان منها من يذم النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه!!.

وقد كان النصب شديداً في البداية ثم أصبح خفيفاً إلى حد ما من عصر تابعي التابعين –مع قتلهم النسائي!!- وكاد النصب أن ينتهي من الشام لولا ابن تيمية سامحه الله الذي أحياه في بداية القرن الثامن في كثير من أقواله ورسائله كان من آخرها كتابه (منهاج السنة) الذي ملأه بالأفكار الشامية المتحاملة على علي المدافعة بالباطل عن معاوية وزاد الطين بلة دعواه بأن ذلك هو (عقيدة أهل السنة والجماعة!!).  

 

ج_ التحكيم وخلاف الخوارج  -  ومعركة النهروان

وأثناء معركة صفين كان قد ظهر تيار ثالث وهو تيار ما يسمى بالخوارج الذين كانوا من المخلصين للإمام علي ومن أكثرهم تديناً لكنهم لم يكونوا علماء مع جرأتهم في العلم فرفضوا تحكيم الرجال أو توهموا أن علياً حكم الرجال وقالوا قولتهم المشهورة (لا حكم إلا لله) فرد عليهم الإمام علي بقوله (كلمة حق أريد بها باطل) لأن القرآن لا ينطق وإنما ينطق به الرجال، فهو لم يحكّم الرجال وإنما حكّم القرآن، فإن خالف الحكمان القرآن فلا حكم لهما.

لكن الخوارج كانوا يرون أن حكم القرآن كان واضحاً في الأمر بقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، ومادام أن علامة أهل البغي واضحة قبل مقتل عمار بن ياسر وزادت وضوحاً بعد مقتله فإن الأمر لا يحتاج لتحكيم.

فأجابهم علي بأنه كان يرى هذا الرأي لكن اختلافهم أثناء المعركة بين مجيب لهذه الدعوة ومتوقف وممتنع سيؤدي قطعاً إلى الاختلاف والتنازع، فإن تنازعوا جاءهم الفشل، فكان التحكيم مخرجاً للإمساك بالفئة العادلة وحفظها من التفرق والانقسام خصوصاً وأن كثيراً منهم كانوا يرون وجوب التوقف عن القتال وجوباً!! ويرون أن مواصلته القتال أعني علياً- بعد طلب العثمانية حكم الله يعتبر معصية وإثماً!! وكان إقناع هؤلاء المتوقفين أو الذين يرون وجوب وقف القتال يحتاج لوقت فالناس لا يقتنعون بسهولة والمعركة قائمة والأمر لا ينتظر التأجيل[5].

 إذن فقد اختار علي قبول وقف القتال منعاً للفتنة داخل جيشه الذي بدأ يختلف بقوة نتيجة لإصرار كل طرف على التمسك برأيه وتهديد الأطراف لبعضها، وتنازعهم، فإن لم يوافق الإمام علي على وقف القتال فلن يكون بعد التنازع إلا الفشل ولن يكون بعد الفشل إلا الهزيمة واستيلاء (الفئة الباغية) على مقاليد الأمور.

إذن فلا بد من وقف القتال درءاً لهذه المفاسد العظيمة ولعل الله يجعل بعد ذلك خيراً.

إذن فقد تم إيقاف القتال وتبين أن أهل الشام يريدون الصلح ببعث حكمين يحكمان بين الطائفتين فرأى الإمام علي أنه لا بأس بذلك فقد تصالح النبي (صلى الله عليه وسلم) مع كفار قريش يوم الحديبية مع الأمر بقتالهم في القرآن الكريم لكن هذا الأمر لا يعني عدم مصالحتهم لمدة معلومة أو عقد هدنة أو نحو ذلك، وكان كثير من الصحابة لا يرجون من ذلك الصلح خيراً (صلح الحديبية) ثم حصل به خير كثير، ثم إن كان أهل الشام قد اختاروا رجلاً كثير الدهاء خداعاً فليس لأهل العراق أن يمنعوهم من ذلك مثلما لم يحق للنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو نبي أن يفرض على قريش التفاوض مع رجل معين وإنما قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الرجل الذي يوفدونه للتفاوض معه حتى ولو لم يكن من قريش فتفاوض مع عروة بن مسعود الثقفي ثم مع سهيل بن عمرو القرشي.

أما صاحب علي في التحكيم فقد أصر الأشعث بن قيس ومعه كثير من اليمانية على أن يكون ذلك الرجل أبا موسى الأشعري لكونه يمانياً ولا يريد الأشعث وجماعته أن يجتمع فيها مضريان –على حد تعبيرهم- وأما الإمام علي فكان يريد بعث ابن عباس أو الأحنف بن قيس أو الأشتر النخعي لكن الأشعث وجماعته –وكان لهم قوة- أصروا على أبي موسى الأشعري فلم ير علي ضرورة لمعارضته لأن أبا موسى الأشعري –وإن خذَّل الناس عن علي يوم الجمل- لكنه كان عالماً قاضياً مفتياً قد ولاه النبي (صلى الله عليه وسلم) بعض الأعمال، فكان الإمام علي –رغم عدم اطمئنانه لأبي موسى- لم ير أن الأمر يستدعي جدلاً كبيراً ولم يكن الإمام علي يظن أن أبا موسى الأشعري بهذه السهولة بحيث يستطيع أن يخدعه عمرو بن العاص ومع ذلك فقد أرفده الإمام علي بعبد الله بن عباس أحد أذكياء عصره وكان معه جماعة من أهل العراق لكنه –أعني أبا موسى- للأسف لم يستمع لنصيحة أحد فكانت النتيجة أن وقع فريسة سهلة لعمرو بن العاص الداهية المعروف.

بعد مهزلة التحكيم التي ناقش فيها الحكمان أموراً قد تمَّ البت فيها من تولية الإمام علي وتركا أموراً كان يجب أن يبت فيها كقتلة عثمان وهل يؤخذ القصاص أم لا وكيف يتم أخذ القصاص من تقديم الدعوى والشهود فإن لم يتوفر ذلك فما الحكم؟!، وحديث عمار وحكم الفئة الباغية؟ وماذا يجب على المسلمين في أمر الفئة الباغية؟ والخروج على ولي الأمر الشرعي ما حكمه؟! وكيف يجتمع المسلمون بعد حل هذه الخلافات بينهم؟! وما إلى ذلك من الأمور الجديرة بالبحث والمناظرة.

لكن عمرو بن العاص بادر أبا موسى الأشعري بالتفكير في (الأولى بالخلافة) وما إلى ذلك إلى أن انتهى التحكيم بخدعة عمرو بن العاص المشهورة وافتراق الناس على غير اتفاق وكأن شيء لم يكن[6].

وبعد التحكيم ازداد الخوارج إصراراً على رأيهم رغم أن الإمام علي بن أبي طالب رفض نتيجة التحكيم لأن أبا موسى الأشعري نفسه رفض النتيجة التي قالها عمرو بن العاص بل لم تكن هناك نتيجة متفق عليها أصلاً إنما كان الأمر أمنية من عمرو بن العاص وخدعة انكشفت وبقي الناس على آرائهم السابقة، أما أهل الشام فقد زادتهم إصراراً على رأيهم وكان معاوية يجيد الدعاية السياسية فاتخذ هذه المهزلة حجة لإيهام الشاميين -وكان أغلبهم من أصحاب المصالح القبلية ومن البسطاء في التفكير وكان يغلب على أهل الشام أيضاً الجهل بالأمور الشرعية-  فأوهمهم معاوية بأنه أصبح خليفة المسلمين!! مثلما أوهمهم من قبل بأن علياً قتل عثمان أو تآمر عليه!! وأنه ولي دم عثمان لأنه من قبيلته!! ولأنه واليه على الشام!! ولأن ولأن000

نعود لحادثة التحكيم التي أدت لبروز بعض التيارات الإسلامية وزيادة ملامح البعض الآخر مع وزيادة أدبياتها وفلسفتها واستجلاب الحجج والبراهين الدالة على أحقية كل فرقة.

ونحن لا نزعم أن كل أدلة الفرق المختلفة كانت باطلة ومفتراة، فإذا احتج العلوية بفضل علي وسابقته فلا يستطيع أحد أن ينكر هذا عليهم، وكذلك إذا رووا حديث (تقتل عماراً الفئة الباغية) لا تستطيع الفرق المخالفة لهم إنكار هذا الحديث لأن جميع الطوائف المتحاربة والمتوقفة قد روت هذا الحديث كما أن العثمانية إن احتجت بأن عثمان قتل مظلوماً وأنه لا يستحق القتل فهذا صحيح لكن لا يبرر لها الخروج على الخليفة لأن هذا معالجة للخطأ بخطأ أكبر.

أذن مع التسليم بأن الطوائف تحمل تعصباً أو غلواً –ولو في كثير من أفرادها- إلا أن هذا لا يعني بطلان كل الحجج أو كذب كل الأدلة التي يحتجون بها فقد تحتج الفرقة بدليل صحيح ودلالته صحيحة كاحتجاج فرقة علي بحديث عمار، وقد تحتج الفرقة بدليل صحيح لكن دلالته على موطن الاحتجاج غير صحيحة كاستدلال الخوارج بآية (إن الحكم إلا لله) وقد يكون الدليل غير صحيح والدلالة غير صحيحة كاحتجاج أهل الشام بأن معاوية ولي دم عثمان وأن له حق المطالبة بذلك فولي دم عثمان هم أبناء عثمان ثم الأقرب فالأقرب وليس معاوية (إذ لا يلتقي في النسب مع عثمان إلا في جد بني أمية!!) فكيف وأبناء عثمان وأقاربه لا زالوا أحياء!!، كما أنه لا يجوز له المطالبة بالسيف، فطلب القصاص يؤتى إليه في المحكمة عند القاضي بعرض الدعوى والبينة ولا يكون عرض الدعوى والبينة بالسيف فطلب القصاص على الطريقة الإسلامية يختلف عن طلبه على طريقة أصحاب حرب البسوس الجاهليين.

وكان الخوارج –بعد التحكيم- في عهد الإمام علي يطالبونه بالتوبة من الكفر فهنا ظهر تيار التكفير من فئة متدينة تستظهر الأدلة الموهمة للتكفير وتغفل أو تجهل الأدلة المخالفة أو المانعة من إطلاق التكفير على المسلمين، وهذا التكفير بقي في بعض المسلمين إلى يومنا هذا[7].

 

 


 

[1] راجع كتابنا (بيعة علي بن أبي طالب – مطبوع).

[2] ولذلك يُكثر غلاة الحنابلة من نقل أقوال العلماء البصريين!! ولعل هذا لتوافقهم في الانحراف عن علي بن أبي طالب، لكن هذا الانحراف خفي لا يدركه إلا من بحث أقوال البصريين فيما جرى بين علي وأهل الجمل أو علي وأهل الشام!! ثم يحاكم أقوال البصريين إلى النصوص الشرعية وليس العكس الذي يفعله جمهور الحنابلة في القرن الثالث والرابع من الاقتصار على أقوال علماء البصرة وإهمال أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذه الفتن!!

[3] وكان لمعركة الجمل آثار على الاختلاف الفكري بين طوائف المسلمين وقد دونت آراء وأقوال للفرق الإسلامية عن هذه المعركة والأحكام على المشاركين فيها وتكلم عن ذلك المعتزلة وأهل السنة والشيعة والإباضية 00الخ0

وهذا ليس جديداً على كتب العقائد إنما الجديد الذي لم يذكروه وجود التيار العثماني بالبصرة!! وظنهم أن أهل العراق على رأي واحد!!

[4] كل هذا عندي أدلته الصريحة التي لا يستطيع منصف إنكارها لكنني لا أستطيع التوسع فيها هنا.

[5] وفي ظني أنه كان يوجد هناك عثمانيون داخل جيش علي وعلى رأسهم الأشعث بن قيس الكندي كبير قبيلة كندة اليمانية وكان معظم اليمانية مع معاوية ويبدو أن الأشعث يريد الحصول على سمعة عندهم إضافة لحبه للأموال وبالتالي ميله إلى معاوية الذي كان يجيد إرضاء رؤساء القبائل!! فلذلك كان الأشعث من المصرين على التحكيم، ومن الذين أصروا على اختيار أبي موسى الأشعري أيضاً، ليكون الطرف الممثل لأهل العراق في التحكيم، وكان أبو موسى الأشعري صديقاً لمعاوية!! متوقفاً عن نصرة علي أيام الجمل وليس أبو موسى مع فضله من كبار الصحابة فليس بدرياً ولا أحدياً.. بل ولا رضوانياً وإنما قدم على النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم خيبر. وكان يحسن الظن بالشاميين فلذلك خدعه عمرو بن العاص في قصة التحكيم المشهورة .

[6] بعض الكتاب يرى أن الأمر فيه مؤامرة بين معاوية والأشعث بن قيس على اختيار أبي موسى الأشعري لأنه (أبا موسى) كان صديقاً لمعاوية قبل الفتنة!! ولن يكون منه إلا ما يرضي معاوية!! لكنني لم أجد إلى الآن روايات موثوقاً بها تدعم هذه المؤامرة، فلنأخذ الأمور على ظاهرها حتى يتبين لنا خلافها000

[7] والتبديع ابن التكفير فمثلما يكون هناك تكفير بأدلة موهمة أو باطلة قد يكون التبديع بأدلة موهمة أو باطلة أيضاً.

[8] الحديث: (تركت فيكم ثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي) حديث صحيح بل عده بعض العلماء متواتراً وأصله في صحيح مسلم وقد عارضه بعض جهلة أهل السنة بحديث (كتاب الله وسنتي!!) وهو حديث ضعيف عند محققي أهل السنة مع أنه يمكن الجمع بينهما.

[9] كان هناك فروق كبيرة بين حال الإمام علي وحال ابنه الحسن فقد كانت بيعة علي أكمل في المدينة وبإجماع المهاجرين والأنصار أما بيعة الحسن فكانت في العراق خاصة مع تبعية ضعيفة من بقية البلدان وكان كثير من البدريين وأصحاب بيعة الرضوان قد قتلوا مع علي بصفين وبعضهم بقي في الحجاز بعد بيعة علي ولم يهاجر معه إلى العراق وكانت بيعة علي عندما حدثت لا منافس لها ولا يوجد بيعة متزامنة معها بينما كانت بيعة الحسن في العراق متزامنة مع بيعة أهل الشام لمعاوية فعندئذٍ يصعب تطبيق (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) وكان الناس أطوع لعلي من ابنه الحسن وكان علي أفضل أهل زمانه بلا منازع أما الحسن فكان ينازعه في الفضل بقية العشرة المبشرين بالجنة وأهل بدر ونحوهم، وكان الإمام علي معه نصوص خاصة كحديث عمار وحديث الناكثين وأحاديث الخوارج ولم يكن مع الحسن دليل خاص، فهذا كله مع ما سبق يجعل صلح الحسن أفضل من تعرضه ومن معه من بقية أهل البيت ومحبيهم لمذبحة ينتهي فيها ذكر أهل البيت!!

فصلح الحسن أتاح لهؤلاء المحبين الاختلاط بالناس ونقل أحاديث علي وفقهه وعلمه وفضل أهل البيت وسيرة النبي (صلى الله عليه وسلم). 

[10] الجماعة في عهد معاوية جماعة شكلية فقد كان للظلم الأموي آثاره الكبيرة في التفريق بين المسلمين ولذلك كان العقاد جريئاً عندما قال: (لو حاسب التاريخ معاوية حسابه الصحيح لما وصفه بغير مفرق الجماعات ولكن العبرة لقارئ التاريخ في زنة الأعمال والرجال أن تجد من المؤرخين من يسمي عامه حين انفرد بالدولة (عام الجماعة) لأنه مزق الأمة شيعاً شيعاً!! فلا تعرف كيف تتفق إذا حاولت الإتفاق وما لبث أن تركها بعده تختلف في عهد كل خليفة شيعاً شيعاً بين ولاية العهود!!000). كتاب معاوية للعقاد ص42.

[11] الفتنة فيها المحق والمبطل، ولكن هؤلاء يرمون من هذا الكلام تنقص خلافة علي وتحميله مسئولية الفتنة كما يظهر لمن تتبع أقوالهم ورؤاهم فقد حدثت فتنة في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان وفي عهد علي وكان الحق فيها مع الخلفاء الراشدين في الجملة فالفتنة فيها الحق والباطل وإلا فلا نزاع أن الفتنة قد تقع في عصور الفضلاء.

[12] كل هذا له أسانيده الصحيحة جمعتها في كتاب بعنوان (معاوية بن أبي سفيان قراءة في المناقب والمثالب) ونحن مع هذا كله لا ننكر أن له حسنات وجهوداً وأنه مسلم لا نرى كفره ولا نشكك في إسلامه لكن المآخذ على الرجل وآثاره التي خلفها كانت عظيمة.

 

< السابق                 التالي >