الصحبة والصحابة بين  الإطلاق اللغوي والتخصيص الشرعي


مفهوم الصحبة في النصوص الشرعية
 

تمهيد

النصوص الشرعية عندنا ليست إلا نصوص القرآن الكريم وما صح من نصوص السنة النبوية –مع تباين في وجهات النظر في ثبوت كثير من الأحاديث بين متشدد ومتساهل- وسنذكر بعض أقوال الصحابة وكبار التابعين من باب القرائن المصاحبة للأدلة الشرعية ومن باب الاستئناس أيضاً.

واقتصار التعريف الشرعي لمصطلح الصحبة على المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم –كما سيأتي- له فوائد لعل من أبرزها أن هؤلاء (الصحابة) هم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقاً الذين قام عليهم الدين وهم الذين كانوا أقرب الناس تطبيقاً لتعاليم الإسلام وهم الذين يصح أن يطلق عليهم (مدرسة النبوة).

وهذه الصحبة الشرعية هي الصحبة التي يذهب إليها العلماء المتقدمون تقريباً يدل على ذلك قول ابن عبد البر عندما نفى عاصم الأحول صحبة عبد الله بن سرجس فقال ابن عبد البر (463هـ): (لا يختلفون في ذكر عبد الله بن سرجس في الصحابة ويقولون: له صحبة على مذهبهم في اللقيا والرؤية والسماع وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد الصحبة التي يذهب إليها العلماء وأولئك قليل)([1]).

أقول: وهذا اعتراف من الحافظ ابن عبد البر بأن العلماء ـ في الماضي ـ لم يكونوا يعتبرون حصول اللقيا والرؤية والسماع كافياً لإثبات الصحبة وإنما كانوا يذهبون إلى معنى الصحبة الشرعية الخاصة وهي التي كان (يذهب إليها العلماء) فتأمل!! وكأن العلم تناقص حتى أصبح الناس يطلقون الصحبة على من لم يصحب ولم تطل منه الملازمة وعلى من لم يعرف عنه الجهاد والإنفاق وحسن السيرة، ولا ريب أن هؤلاء –الصحابة صحبة شرعية- قليل كما ذكر ابن عبدالبر فالمهاجرون والأنصار قلة نسبة إلى عشرات الألوف من غيرهم.

إذن فأصحاب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"  –الصحبة الشرعية- ليسوا إلا المهاجرين والأنصار ومن يدخل في حكمهم؛ ممن أسلم قديماً في العهد المكي ثم عاد إلى بلاده بإذن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، أو استشهد، أو هاجر إلى الحبشة ولم يعد إلا بعد الحديبية، كما يدخل فيهم من جعل النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" له الهجرة في دياره كوفد مزينة وكذا قبيلة أسلم من أسلم منهم قبل الرضوان ولم يهاجر، لثبوت هذا بأدلة خاصة، كما يدخل في حكمهم نساء المهاجرين اللاتي هاجرن معهم، وكذلك مواليهم المسلمين الذين شاركوهم في الإسلام والهجرة… وأمثال هؤلاء وكذلك يدخل نساء الأنصار ومواليهم وحلفاؤهم المسلمون بالبوادي القريبة منهم.

فهذا أسلم تعريف لأصحاب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" حتى لا يساء لمقام النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" بإضافة من ليس على منهجه إليه ممن أساء السيرة من الظلمة والفساق والمضطربين في السيرة، إضافة إلى أن هذه الصحبة الشرعية هي التي كان فيها النصرة والتمكين في أيام الضعف والذلة، وهي الصحبة الممدوحة في القرآن الكريم والسنة النبوية، بمعنى أن كل آيات الثناء في موضوع الصحبة كان الثناء فيها منصباً على المهاجرين والأنصار فقط، وليس هناك مدح عام لمن كان مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" إلا وهو منصرف لهؤلاء لا لغيرهم، وذلك للأدلة الآتي ذكرها مع أن من جاء بعدهم يوجد فيهم فضلاء مثلما يوجد فضلاء على مر الأزمان والعصور، لكن الثناء في القرآن الكريم والسنة النبوية ليس منصرفاً إلا للمهاجرين والأنصار، يعرف ذلك بمعرفة وقت نـزول الآيات وألفاظها ويعرف ذلك بمناسبات الأحاديث وزمنها وتفسير بعضها بعضاً.

وعلى هذا فلا يدخل في الصحابة خالد بن الوليد رضي الله عنه وطبقته كعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة ولا يدخل من بعدهم كالعباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث، ومن باب أولى ألا يدخل من أسلم بعد هؤلاء كالطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، والأعراب، والوفود، ولا أبناء الصحابة الصغار الذين رأوا النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" أطفالاً ولم يشهدوا شيئاً من الأحداث، وقد يفضل بعضهم على بعض الصحابة بدليل خاص.

ولكن هؤلاء كلهم (الطلقاء والأعراب والوفود والأطفال...) ليسوا من الصحابة بالمعنى الشرعي، وإن جاز دخولهم في الصحبة العامة في الجملة على الاعتبار اللغوي، أما من حيث الشرع فيطلق عليهم التابعون، ولا يطلق عليهم صحابة، كما في قوله تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه..[([2]) فتأمل!!.

 وسنسرد نصوصاً شرعية (قرآنية وحديثية)، ثم نلحق بها آثاراً عن الصحابة والتابعين توضح المقصود بالصحبة الشرعية، وهذه الأدلة تتفاوت من حيث صراحة الدلالة وصحة الثبوت وهي تفيد قصر الصحبة بالمعنى الخاص أو الشرعي على المهاجرين والأنصار، كما هو واضح في الآيات الكريمة وفي السنة النبوية ثم في بعض أقوال الصحابة والتابعين، وعند الاختلاف سنلجأ للدليل الأقوى فالأقوى([3]) كما سيأتي.

وسنقسم النصوص الشرعية في بيان حد الصحبة إلى قسمين رئيسين:

القسم الأول: النصوص القرآنية في الصحبة.

القسم الثاني: النصوص الحديثية في الصحبة.

ونلحق بهما قسماً ثالثاً لا يصح أن يقال فيه بالشرعية وهو:

(آثار الصحابة والتابعين) في الصحبة.

فهذا القسم الثالث نستأنس به في تفسير وتدعيم النصوص الشرعية، لكن لا يصلح دليلاً مستقلاً.


 

أولاً: مفهوم الصحبة في القرآن الكريم:

 

للصحبة مفهومان في القرآن الكريم:

- مفهوم عام: لا يقتضي مدحاً ولا ذماً إلا من خلال السياق (صحبة عامة حقيقة أو مجازية).

- مفهوم خاص: يقتضي الثناء والمدح ويعرف ذلك من الألفاظ ودلالاتها وهذه هي (الصحبة الخاصة أو الشرعية).

أما المفهوم العام للصحبة فمثال ذلك قوله تعالى: )وما صاحبكم بمجنون( فهذا لا يقتضي مدح الكفار رغم إثبات الصحبة لهم هنا لكنها صحبة اشتراك وليست صحبة امتثال واتباع.

وكذلك قوله تعالى: )قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب...( |سورة الكهف، 37|، فهذه صحبة عامة لا صحبة اتفاق، وهذه الصحبة ليست مقصودة بالمدح والثناء ولا تفيد التطابق في الملة فضلاً عن صلاح السيرة، وعلى هذا فهي عامة لا يجوز الاحتجاج بها على إثبات مدح أو ذم إلا بقرائن.

 أما المفهوم الخاص للصحبة: في القرآن الكريم فهي تلك الصحبة التي تثني عليها الآيات الكريمة وتقيدها بصفات وعلامات وقرائن تدل على شرعيتها فمثلاً نجد القرآن الكريم يتكرر فيه الثناء على مدح الصابرين في العهد المكي الثابتين على الإسلام وتكرر الثناء في العهد المدني على المهاجرين والأنصار فقط، وما بذلوه من إنفاق وجهاد وهجرة ونصرة وحسن اتباع وما لقوه من محن ومصاعب.

وهذا يعني أنهم هم الصحابة المستحقون لهذا اللقب من الناحية الشرعية، بل هناك أدلة واضحة تخرج من سواهم من الصحبة وهذه النصوص نستفيد منها التحديد الدقيق للصحبة من الناحية الشرعية، ولعل أبرز النصوص الشرعية من القرآن الكريم التي تحدد مفهوم الصحبة هي:

النص الأول: من النصوص القرآنية:

وهذا النص الآتي له ميزة كونه من آخر ما نـزل في موضوع الصحابة الذين كانوا مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وهو قوله تعالى: )لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم( ([4]).

ووجه الدلالة هنا أن غزوة تبوك كانت في السنة التاسعة من الهجرة بعد العودة من حصار الطائف وكان عدد جيش المسلمين فيها ثلاثين ألفاً على أرجح الروايات، كان المهاجرون والأنصار فيهم قلة، ومع ذلك لم يأت الثناء إلا على المهاجرين والأنصار كما هو واضح في الآية الكريمة من سورة التوبة التي هي آخر سور القرآن الكريم نـزولاً([5]).

والسؤال: لماذا لم يخبرنا الله عز وجل أنه قد تاب على كل جيش النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" يوم تبوك؟!

الجواب يبدو واضحاً أن تخصيص الله عز وجل لـ(المهاجرين والأنصار) بالتوبة يتفق مع ما ذهبنا إليه من أنهم هم الصحابة الصحبة الشرعية؛ التي نـزلت فيها آيات الثناء، وهم الذين نجزم بأن الله راضٍ عنهم، وأنه تاب عليهم، أما غيرهم ممن أتى بعدهم (بعد صلح الحديبية)، فلا نستطيع الجزم بالتوبة عليهم اتباعاً للآية الكريمة فهي من آخر الآيات نـزولاً في موضوع الصحابة، وإنما نرجو لهم ذلك خاصة من اضطربت سيرته من هؤلاء، أو نسكت عنهم، كما سكت الله عنهم، فمن ظهر صلاحه أو ثبت له ذلك بدليل خاص فنرجو له أكثر من غيره ممن لم يظهر صلاحه وحسن سيرته، ومن أساء السيرة فنخشى عليه.

إذن فكأن الآية قَصَرتْ الثناء على المهاجرين والأنصار لإشعار مَنْ سواهم بالسبب الذي من أجله تاب الله على المهاجرين والأنصار، وأن المهاجرين والأنصار لم يستحقوا التوبة عليهم من الله؛ إلا بأعمال جليلة قدموها في الماضي، وأن على من سواهم أن يكثروا من التأسي بهم، حتى يتوب الله عليهم كما تاب على المهاجرين والأنصار.

والغريب أن بعض الباحثين يخلطون الأمور ويستدلون بالآية السابقة على أن الله تاب على (جميع الصحابة)، ويقصدون بالصحابة (كل من رأى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" أو لقيه من المسلمين)، ثم لعلهم يقولون هذا وقلوبهم على الطلقاء!، مع أن الله عز وجل لو أراد أن يقول ذلك لقاله، ولعمم التوبة على كل المؤمنين يومئذ، ولكنه قصر التوبة على المهاجرين والأنصار وهذا كان لحكمة.

ولذلك فمن المرجح أن حكومة الطلقاء (دولة بني أمية) لجأت إلى (تعميم الصحبة) على كل من رأى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ، حتى يدخل فيهم طلقاء بني أمية كآل أبي سفيان وغيرهم من بني أمية أو غيرهم مثل الحكم والوليد وبسر وأمثالهم، وكان لهذا التعميم غرض سياسي لمنافسة خصومهم من المهاجرين والأنصار في صحبة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" مثلما صحبه خصومهم([6])، وساعد على هذا التعميم ردة الفعل السنية على غلو الشيعة والخوارج في ذم بعض من وصف بالصحبة من هؤلاء.

نعود ونقول: كان آخر ما أخبرنا الله عز وجل في موضوع الصحابة أنه تاب على المهاجرين والأنصار ولم يخبرنا أنه تاب على غيرهم إلا الثلاثة الذين خلفوا (وهم مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي وكعب بن مالك الأنصاري) وهم من كبار الصحابة، شهد اثنان منهم بدراً وما بعدها وثالثهم كعب بن مالك شهد أحداً وما بعدها.

إذن فهؤلاء هم أهل المعية الشرعية (الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم) وهم المقصودون بقوله تعالى: )محمد رسول الله والذين معه الآية( وهم الممدوحون والمثنى عليهم في كل القرآن الكريم لأن سورة التوبة كانت آخر ما نـزل من القرآن الكريم والقرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، فالثناء المطلق في القرآن الكريم على من كان مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ينبغي أن يخصص بما خصصه القرآن الكريم في آيات أخرى مثل هذه الآيات لا سيما وأنها آخر آية نـزلت في الثناء على أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم".

 

النص الثاني: من النصوص القرآنية:

وهذا النص أيضاً من آخر ما نـزل من القرآن الكريم في موضوع الصحابة وهو قول الله عز وجل )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (  ([7]).

فهنا أخبر الله عز وجل بثلاث طوائف كانت كلها في عهد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم":

الطائفة الأولى:

السابقون من المهاجرين الهجرة الشرعية المقصودة بالثناء، وهذا يحتمل معنيين نظراً لدلالة (من) في الآية الكريمة، فإن كانت بيانية فالسابقون الأولون هم المهاجرون والأنصار وهذا يتفق مع ما قررناه ويصبح المعنى: فالسابقون الذين هم (الأولون) الذين هم (المهاجرون والأنصار).. فهي تقوم مقام الاسم الموصول.

والسابقون من المهاجرين هم الذين هاجروا أيام هجرة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" أو بعدها بقليل.

وإن كانت (من) تبعيضية فهذا قيد يخرج المتأخرين من المهاجرين.

 والمتأخرون من المهاجرين على هذا قسمان تقريباً:

قسم هاجر بعد بدر إلى بيعة الرضوان، وهم المهاجرون في فترة الضعف..

وقسم هاجر بعد الرضوان إلى فتح مكة، وهؤلاء مهاجرون لغة أو عرفاً لا شرعاً لانقطاع الهجرة بفتح الحديبية على الراجح.

لكننا سنترك بحث من هاجر قبل الرضوان ونعتبره من أصحاب الصحبة الشرعية لأدلة أخرى لا تتناقض مع هذه الآية.

لكن في الوقت نفسه لا نشك أن السابقين من هؤلاء وهؤلاء أفضل من اللاحقين.

أما المهاجرون لغة أو عرفاً الخارجون من المعنى الشرعي للهجرة إلى المعنى العام فهم أصحاب الهجرة العامة كخالد بن الوليد رضي الله عنه، وطبقته، وكذا العباس، وطبقته، وكذا من وفد بعد الحديبية واستقر بالمدينة كأبي هريرة وطبقته إن لم يصح إسلامه قبل ذلك مع الطفيل بن عمرو-. 

أما من هاجر بعد فتح مكة من الوفود فخروجهم من الهجرة الشرعية أوضح، ولا يدخل في الهجرة الشرعية أبناء المهاجرين أيضاً([8])، ولا من هاجر قبل الرضوان وأسلم ورجع إلى بلاده؛ فهؤلاء كلهم لا يدخلون في أصحاب الهجرة الشرعية، بل من أسلم قبل الحديبية ولم يبق في المدينة لا يعتبر من المهاجرين الهجرة الشرعية إلا إذا وجد دليل خاص لحالة خاصة في الإذن لهم أو أمرهم بالعودة إلى ديارهم؛ لأن (الهجرة الشرعية) تختص بالسابقين من المهاجرين، أما الهجرة العرفية أو العامة فيدخل فيها المتأخرون من المهاجرين.

والفرق بين الهجرتين أن الهجرة الشرعية كانت أيام الضعف والحاجة بعكس الأخيرة كانت أيام العزة والرخاء فكل ثناء على المهاجرين مقيد بالسبق المذكور في هذه الآية والقرآن يفسر بعضه بعضاً.

 والحد الفاصل بين السابقين الأولين من المهاجرين والمتأخرين منهم مختلف فيه فمنهم من يجعل الحد بيعة الرضوان على أبعد تقدير ومنهم من حدد المهاجرين الأولين بمن صلى القبلتين أو شهد بدراً([9]).

فالوافدون إلى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" قبل الحديبية يمكن أن يطلق عليهم اسم الهجرة لكنها ليست (الهجرة الشرعية) التي نـزلت في مدحها النصوص القرآنية؛ لأن هذه الهجرة الشرعية تستلزم البقاء في المدينة مع الجهاد وإنفاق المال في سبيل الله مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم".

والطائفة الثانية: الأنصار..

السابقون من الأنصار على التفصيل في دلالة (من)- ولا يدخل فيهم أبناء الأنصار (الأطفال) الذين لم يشاركوا في النصرة الشرعية؛ من الإنفاق والجهاد والإيواء، ولكن يدخل في الأنصار حلفاؤهم المسلمون، ومواليهم ونساؤهم كحال المهاجرين وأهل البوادي القريبة من المدينة الذين يقومون بالجهاد عند طلب النصرة منهم.

وأما الحد بين السابقين من الأنصار واللاحقين منهم فلم أجد إلى الآن من وضع حداً لذلك، وأرى أن من أسلم قبل غزوة بدر من الأنصار فهو من السابقين؛ لأنه بعد انتصار المسلمين ببدر عز الإسلام وأسلم كثير من المنافقين خوفاً أو طمعاً وبعضهم حسن إسلامه.

الطائفة الثالثة:

الذين اتبعوهم بإحسان، (الذين اتبعوا السابقين من المهاجرين والأنصار) وهؤلاء المتبعون هم اللاحقون، وهم عند من يجعل بدراً الحد بين السابقين واللاحقين؛ المسلمون بعد بدر إلى بيعة الرضوان أو إلى فتح مكة على رأي من يرى أن الهجرة امتدت إلى فتح مكة وهو قول مرجوح، أما من يجعل الحد بيعة الحديبية فيكون اللاحقون من المهاجرين والأنصار هم من كان بعد الحديبية، كالمسلمين بعد الحديبية حتى وإن وفدوا وبقوا في المدينة (الهجرة العامة)، أو كالوافدين من العرب وغيرهم بعد الحديبية إلى وفاة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ممن ثبت على الإسلام أيام الردة، وسبق أن ذكرنا أنّ الهجرة إذا أطلقت بعد الحديبية فالمقصود منها الهجرة العامة لا الشرعية -جمعاً بين النصوص-.

ومن التابعين بإحسان أيضاً من حسنت سيرته من أبناء المهاجرين، وأبناء الأنصار، فهؤلاء الأبناء وإن لم يشاركوا في الأحداث لكنهم تضرروا وعانوا وكابدوا.. فهذا يفقد أباه في المعارك فيصيبه اليتم، وهذا تضيق أحواله المادية لكون والده ممن أنفق أمواله في سبيل الله ولم يبق لأهله وأبنائه إلا القليل، فأبناء المهاجرين والأنصار المولودون على عهد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" قد لحقهم بعض الأذى وشاركوا في شيء من الهجرة والنصرة ولو كانوا داخل بيوتهم فهم من أفضل التابعين بإحسان، ويدخل في التابعين بإحسان ولكن بدرجة أقل مَنْ حسن إسلامه من طلقاء قريش، وعتقاء ثقيف وغير هؤلاء، وحسن الإسلام يعني اجتناب كبائر الذنوب وصلاح السيرة ولا يشترط أن يشك الرجل في الإسلام حتى يقال أنه لم يحسن إسلامه([10])، والإحسان في هذه الآية مجمل سيأتي شرحه وبيانه في الآية اللاحقة في الدليل الثالث. 

إذن فالمهاجرون والأنصار لم يشترط الله فيهم (الإحسان)؛ لأن الهجرة والنصرة اللتين تقتضيان الإنفاق والجهاد في أيام الضعف هما من أفضل الأعمال، ولا يحتاج هذا لقيد الإحسان؛ لأن الرجل إن قام بالهجرة التي تقتضي ترك الأوطان والأولاد من أجل الدين فهجرته غاية الإحسان، كما أن النصرة (التي أجلبت على الأنصار قبائل العرب) مع تحملهم مهمة حماية الإسلام في أيامه الأولى لا تحتاج لقيد الإحسان؛ لأنها في الذروة منه([11]).

أما بعد قوة الإسلام والمسلمين، فأصبحت الهجرة إلى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" تعود على نفس المهاجر بالمصلحة، بعد أن كانت قبل ذلك تعود على النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" بالمصلحة، وزاد هذا الأمر بعد فتح مكة فأصبح الالتحاق بالمسلمين يعني الغنيمة والسلامة؛ لكثرة المال والأمن من الأعداء.

ولهذا كله نعرف السر في قصر الله عز وجل الثناء على المهاجرين والأنصار فقط، فقد بيّن أنهم السابقون أو أنه قيّد المهاجرين والأنصار بالسابقين منهم أيضاً، على الاختلاف الوارد في دلالة (من) في الآية الكريمة، وقد اختلف في حد السبق كما سبق، لكن أوسع مدى وصل إليه المفسرون انتهى إلى صلح الحديبية وهؤلاء المهاجرون (الهجرة الشرعية)، والناصرون (النصرة الشرعية) أيام الذل والحاجة والضعف وليس أيام القوة والرخاء وتتضاءل أهمية الهجرة والنصرة كلما استغنى عنها النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وأصحابه، فالمهاجر قبل بدر ليس كالمهاجر بعدها والأنصاري قبل بدر ليس كالأنصاري بعدها.

والفرق بين هؤلاء وهؤلاء ليس يسيراً، يعرف ذلك من قرأ السيرة النبوية والنصوص التي نـزلت في ذلك، علماً بأن الطلقاء، ومن بعدهم لا يدخلون في هؤلاء ولا في هؤلاء.

 

النص الثالث.. من النصوص القرآنية:

وهو مفسر للدليل السابق وهو قول الله عز وجل: )للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم    (([12]).

في هذه الآيات أوضح الدلالات في قصر الله عز وجل الثناء على المهاجرين والأنصار، فالله عز وجل أخبرنا بعلاماتهم وصفاتهم وأعمالهم، ثم اشترط (الإحسان) فيمن بعدهم وبيّن بأنه -إضافة لصالح الأعمال- من علاماته الكبرى الدعاء للسابقين من المهاجرين والأنصار، وعدم التعرض لهم ببغض أو سب؛ وهذا (الإحسان) لم يفعله بعض المتأخرين ممن أسلم بعد بيعة الرضوان مثل كثير من الطلقاء والأعراب، فمعاوية بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، وبسر بن أبى أرطأة، وأبي الأعور السلمي، وحرقوص بن زهير السعدي رأس الخوارج، وغيرهم، كانوا من الذين خالفوا الشرط وحاربوا السابقين.

 فالأربعة الأولون مثلاً حاربوا علياً وعماراً وعشرات البدريين ومئات الرضوانيين الذين كانوا مع علي في خلافته وشتموهم، وهؤلاء وأمثالهم ممن أساء للسابقين يخرجون من (حسن الصحبة) و (حسن الاتباع) حتى وإن ترجم لهم العلماء في تراجم الصحابة وأثبتوا صحبتهم العامة، بل إن حرقوص بن زهير ذكره بعضهم في أصحاب الحديبية وهي منـزلة أعلى من منـزلة المذكورين قبله، فإن صح فيكون استثناءً من أهل الحديبية، كما استثنينا منهم عبد الله بن أبي فقد كان من أصحاب الحديبية أيضاً.

ولذلك قال بعض المحققين في هذه المسألة: أن من سبَّ الصحابة السابقين من المسمّين بـ(الصحابة المتأخرين) كبعض أهل مصر في سبهم عثمان وأكثر أهل الشام في سبهم علياً قد خرجوا من الطوائف الثلاث: فهم لم يدخلوا في المهاجرين والأنصار قطعاً كما لم يدخلوا في التابعين بإحسان لمخالفتهم الأمر بالاستغفار للسابقين وعدم التعرض لهم بل حاربوهم وآذوهم.

 (والذين سبقونا بالإيمان) ليس المقصود منهم إلا المهاجرين والأنصار فقط، كما تدل عليه الآيات السابقة دلالة واضحة، وعلى هذا فلا حجة للذين يستدلون بهذه الآيات على وجوب السكوت عن دراسة التاريخ الإسلامي وذم بعض الظلمة ممن وصف بالصحبة كبسر ومعاوية والوليد -بحجة الإمساك عما شجر بين الصحابة-وهي قاعدة غير صحيحة([13]) فلا بد من ذكر الظالمين بظلمهم والعادلين بعدلهم حتى يعرف الناس موطن القدوة والتأسي من السلف.

 ولذلك يقول البغوي في تفسير قوله تعالى: )والذين جاؤوا من بعدهم( (يعني التابعين وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة..)([14]).

 فهذا إقرار وتفسير صحيح من البغوي رحمه الله بأن من بعد المهاجرين والأنصار يسمون (التابعين) يعني أن الناس من خالد بن الوليد وعمرو بن العاص([15]) مروراً بمعاوية والوليد وانتهاء بنا في هذا العصر ومن يأتي بعدنا من التابعين مأمورون بحب المهاجرين والأنصار الذين قام عليهم الإسلام حتى استوى، ومأمورون بالدعاء لهم والاستغفار لهم؛ لأنهم السبب بعد الله ورسوله في قيام دين الإسلام وظهوره، بل من أسلم بعد الحديبية إلى فتح مكة مأمورون بهذا ابتداء، ومن بعدهم من باب الأولى.

 

النص الرابع.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )ومالكم ألا تنفقوا في سبيل الله وله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير( ([16]).

يستدل بعض المؤلفين بهذه الآية على أن كل الصحابة -حسب مفهومهم للصحبة- في الجنة؛ لأن الله قد وعد المتقدمين منهم والمتأخرين بها، ووعده حق لن يخلفه، وللجواب على هذا:

أولاً: الوعد للمجموع وليس للأفراد فقد يشذ أفراد عن القاعدة بالفسق والظلم كما شذ بعضهم بالردة.

ثانياً: يحتمل أن المراد الوعد لمن ثبت على حسن السيرة لا من تغير أو ارتد أو نحو ذلك من ارتكابه ما يوجب زوال الشرط الذي به يحصل على الأجر والفوز بالجنة، بمعنى أن يكون الوعد بناءً على واقع الحال إن استمر.

ثالثاً: المراد بالفتح المذكور في الآية فتح الحديبية لا فتح مكة([17]) لأن السورة نـزلت قبل فتح مكة.

وعلى افتراض أن الفتح هنا غير محدد وأننا لا نعرف هل هو فتح الحديبية أو فتح مكة، فإنه إذا كان المراد فتح الحديبية فستكون هذه الآية شاملة المهاجرين والأنصار (من أنفق من قبل الفتح وقاتل)، وتفضلهم على من جاء بعدهم إلى فتح مكة فقط، فلا يدخل في المتفاضلين الطلقاء، ولا العتقاء، ولا غيرهم؛ ممن لم يقاتل ولم ينفق في هذه الفترة (في فترة ما بين الفتحين)؛ لأن سورة الحديد نـزلت قبل فتح مكة، وعلى هذا فالمسلمون بعد فتح مكة خارج دائرة المفاضلة فلا يشملهم هذا التفاضل، إذ هي مقيدة بزمن نـزولها.

ثم هي مقيدة بالإنفاق والقتال أيضاً؛ ومثلما الثناء على المهاجرين والأنصار لا يشملنا؛ لأن نـزول القرآن فيهم لا فينا، فكذلك الثناء على المسلمين من بعد الحديبية إلى فتح مكة لا يشمل من أسلم عام فتح مكة أو بعد ذلك لنـزول القرآن فيمن قبلهم.

أما إذا كانت الآية شاملة لهؤلاء المسلمين بعد الفتح فهي شاملة أيضاً لمن بعدهم إلى زماننا أيضاً؛ ولا دليل على التخصيص، بدليل قوله تعالى: )من بعد وقاتلوا( بالإطلاق دون تقييد، وهذا القول لا يقول به هؤلاء، وإنما يقصرون ذلك على من رأى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" بلا دليل، وعندئذٍ يبقى شرط (الإحسان) الذي سبق في الآية السابقة، بمعنى أن الله وعد بالجنة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أما المتبعون بغير الإحسان فلا يقال فيهم هذا.

وضابط الإحسان هو صلاح السيرة والاستقامة، وبهذا يخرج من التفاضل والوعد بالجنة من لم يحسن السيرة فهذا تفصيل يزيل الخلط في هذه المسائل، والخلط في هذه الأمور هو الذي سبب لنا الخلل الكبير والرؤية التعميمية التي خلطنا بها الطلقاء والأعراب مع السابقين، ومن نتائج هذا الخلط أو التعميم أن من تكلم في الوليد بن عقبة أو أبي الأعور السلمي أو الأشعث بن قيس أو معاوية بن أبي سفيان ونحوهم، جاءه بعض الناس محتجاً بهذه الآيات التي لم تنـزل فيهم فينـزلونها في غير ما أنـزلت فيه، وهذا من سوء تفسير كلام الله تعالى([18]).

وقوله تعالى: )من بعد( مثل قوله تعالى في الآية السابقة )من بعدهم( فالبعدية في هذه الآية والآية السابقة يجب ألا نتناقض فيها ولا أن نفرق في تفسير (البعدية) في الآيتين فالبعدية في الآيتين إما:

أن يكون المراد بالمسلمين بعد الفتح من أسلم بعد فتح الرضوان إلى فتح مكة (وهذا لا يدخل فيه الطلقاء ولا الوفود..).

أو أن يكون المراد من أسلم بعد الرضوان إلى وفاة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" (وهذا يدخل فيه الطلقاء والأعراب والوفود..).

أو أن يكون المراد من أسلم بعد فتح مكة إلى وفاة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" (وهذا يدخل فيه الطلقاء والوفود..).

أو أن يكون المراد من أسلم بعد الرضوان إلى يوم القيامة (وهذا يدخل فيه الطلقاء والوفود والتابعون وتابعيهم إلى اليوم وما بعد اليوم).

إذن فالبعدية في الآيتين إما أن تكونا محدودتين جميعاً بزمن معين، أو غير محدودتين بزمن، وكثير ممن كتب في الموضوع يجعل قوله تعالى )والذين جاؤوا من بعدهم( فينا فيوجب علينا الاستغفار للسابقين ولا يوجبها على الطلقاء! ثم يجعل قوله تعالى )وكلاً وعد الله الحسنى( تشمل الطلقاء ولا تشملنا! وهذا تناقض في أمور متشابهة.

 

النص الخامس.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير   (([19]).

هذه الآية فيها فوائد في موضوع الصحبة من أهمها:

1.  إثبات ولاية المهاجرين مع الأنصار فقط، وهذا ما يفسره الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة) رواه أحمد بسند صحيح([20]).

وهذا الحديث فيه إخراج للطلقاء من الصحبة صحبة المهاجرين والأنصار، الذين هم أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فقط، كما في حديث آخر: (أنا وأصحابي حيز والناس حيز)، قالها النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" يوم الفتح كما سيأتي، وكلمة (أصحابي) في هذا الحديث الأخير كلمة مطلقة، فسرها الحديث المتقدم، وقيدها بأن المراد بها (المهاجرون والأنصار)، فتأمل لهذا التوافق والترابط.

2.  أن الذين أسلموا ولم يهاجروا لا يستحقون من المسلمين في عهد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" الولاية، التي تعني النصرة والولاء، فإذا كان المسلمون قبل فتح مكة – من أيام بدر إلى نـزول الأنفال يوم بدر- لا يستحقون النصرة ولا الولاء حتى يهاجروا؛ فكيف بمن حارب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وأصحابه ثم انتظر وتربص، حتى قال النبي "صلى الله عليه وآله وسلم": (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).

فهؤلاء لم يدركوا فضل من لا يستحق النصرة والولاية، فضلاً عن إدراكهم لفضل السابقين من المهاجرين والأنصار.

 ومن هنا ندرك أن الصحبة المقصودة بالثناء هي صحبة السابقين من المهاجرين والأنصار.

3.   أن المسلمين الذين لم يهاجروا لا يجوز أن ينصرهم المسلمون على الكفار المعاهدين (الذين معهم ميثاق مع المهاجرين والأنصار)، وهذا الحكم يبين الفرق الواسع بين من هاجر ومن بقي مؤمناً في دياره، فكيف بمن لم يؤمن إلا عند إلغاء الهجرة الشرعية من مكة([21])، وربما يكون أسلم رغبة في الدنيا ورهبة من السيف، حتى وإن حسن إسلامه فيما بعد، إلا إنه لا يساوى بمن آمن ونصر وجاهد.

 

النص السادس.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا(  ([22]).

هذه الآية أيضاً من أكبر الأدلة على الوعيد لبعض الصحابة (إذا سلمنا بالتعريف المشهور عند المحدّثين) الذين لم يهاجروا، وعلى هذا فهم لم ينصروا الرسول (بالقتال والمال)، فلا يستحقون اسم (الصحبة الشرعية)؛ رغم أنهم كانوا مسلمين بمكة قبل أن يهاجروا، لكن الإسلام لم يستفد منهم ولا النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وصحابته، ولم يكابدوا مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" المتاعب ولا الأخطار، ولم ينفقوا ولم يقاتلوا أيام الحاجة إليهم، ولهذا فقد أنذرهم الله بعذاب جهنم، ولم يستثن منهم إلا المعذور من ضعفاء الرجال ومن النساء والولدان، الذين لا يستطيعون الهجرة.

وهذه الآيات فيها دليل واضح على أن (الصحبة الشرعية) تقتضي النصرة أو الهجرة([23]) أيام الضعف والحاجة إليهم، وليس أيام الاستغناء عنهم، فالصحبة الشرعية هجرة وجهاد وإيواء وإنفاق وخوف ورجاء، وليست بالتمني ولا بالتحلي.

 

النص السابع.. من النصوص القرآنية:

قوله عز وجل: )قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم، إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون(([24]).

في هاتين الآيتين نفي الصحبة الشرعية عن الأعراب الذين أسلموا قبل الطلقاء والوفود ونحوهم مع إثبات الإسلام في حقهم، ونحن نعلم أن الصحابي صحبة شرعية هو في المحل الأكمل من (الإيمان) المفسر في الآية السابقة بـ (الإيمان بالله والرسول وعدم الشك في ذلك والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله)، فهذا هو الإيمان المقتضي للصحبة الشرعية، وهذا المعنى منفي عن الأعراب الذين أسلموا قبل فتح مكة؛ لأن سورة الحجرات نـزلت قبل فتح مكة بمدة، فكيف بالذين أسلموا بعد الفتح من الطلقاء والعتقاء والوفود!.

 

النص الثامن.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً( ([25]).

 لولا أن بعض الناس يورد هذه الآية للدلالة على فضل المتأخرين من المسلمين في عهد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" كالطلقاء والأعراب والوفود وأمثالهم لما أوردتها هنا، فالآية من سورة الفتح التي نـزلت بعد فتح الحديبية وقبل فتح مكة، وعلى هذا فالثناء الذي فيها على (الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم) ينـزل على المؤمنين يومئذ من المهاجرين والأنصار، ولا ينـزل على من بعدهم.

إضافة إلى أن (المعية) هنا تقتضي النصرة والتمكين أيام الحاجة والذل والضعف فمثلما هناك صحبة شرعية وصلاة شرعية، فهناك معية شرعية أيضاً ولم تتحقق هذه (المعية الشرعية) في كثير من المسلمين المتأخرين ممن ذكروا في الصحابة ممن كانوا أشداء على المؤمنين؟

 ولذلك رأينا معاوية في عهد الإمام علي يدفع الجزية للروم ويحارب علياً، فأين (أشداء على الكفار رحماء بينهم)؟!، فالقضية عند معاوية هنا معكوسة، فهو يقاتل السابقين، ويدفع العطاء للروم، وكذلك بسر بن أبي أرطأة ومسلم بن عقبة فقد أذلا أهل المدينة المنورة ومن فيهم من المهاجرين والأنصار إذلالاً كبيراً في غزوتين من غزوات أهل الشام للمدينة، الأولى سنة 39هـ والثانية سنة 63هـ.

 

النص التاسع.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنـزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً..   ([26].

هذا الثناء هو على المهاجرين والأنصار فقط، الذين بايعوا تحت الشجرة يوم الحديبية، ولولا أن بعض الناس يورد هذه الآية في الثناء على الطلقاء لما أوردتها هنا؛ لأن دلالتها على المناسبة (يوم الحديبية) دلالة واضحة لمن تدبر وتأمل.

وربما يكون السبب في تعميم فضل المهاجرين والأنصار على من سواهم ردة فعل لطعن غلاة الشيعة والخوارج في الصحابة؛ لكن الطعن السيئ والجرح بالباطل لا يبرر ردة الفعل الباطلة أيضاً فالباطل يرد بالحق لا بالباطل.

 

النص العاشر.. من النصوص القرآنية:

الواقع أنها ثلاثة نصوص لكنها تفيد معنىً واحداً:

 الأولى: قوله تعالى: )ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين([27].

 

والثانية قوله تعالى: )إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم([28].

نجد هاتين الآيتين نـزلتا في حق المسلمين من المهاجرين والأنصار يوم أحد، فأخبر الله عز وجل أنه قد عفى عنهم عصيانهم وتنازعهم وانهزامهم أمام الكفار ولم يقيد هذا العفو بالمشيئة، وكان المنهزمون يوم أحد من المهاجرين والأنصار، ومن هؤلاء المنهزمين صحابة كبار مثل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان منهم أيضاً.

فحفظ الله لهم سابقتهم وأخبر بالعفو عنهم من غير تقييد بالمشيئة أما يوم حنين فقد كان جيش المسلمين خليطاً من المهاجرين والأنصار والطلقاء وسائر من لحق من الأعراب والمتنطعين كذي الخويصرة، فلذلك لما انهزموا لم يخبر الله بالعفو عن الجميع، وإنما قال: )ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء(، كما في قوله تعالى في الآية الثالثة هنا: )لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنـزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين([29]) وأنـزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم([30].

 ومن هذه الآية نعلم حكمة تعليق العفو بالمشيئة، بخلاف الآيات في حق المسلمين المنهزمين يوم أحد إذ كانت جازمة بالعفو عنهم.

وهذا يتفق أيضاً مع قول الله عز وجل يوم تبوك )لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة..(، مع أن جيش المسلمين كان فيه غير هؤلاء كثير من الطلقاء والأعراب والعتقاء ونحوهم، ممن لم يخبرنا الله بالتوبة عليهم، كما لم يخبرنا بالسخط عليهم، فيتوقف فيهم، إلا من أظهر منهم الصلاح والصدق وحسن الإسلام، فيحب ويوالى لهذا، ومن ساءت سيرته وكثر ظلمه فيبغض لهذا، ويبرأ منه المؤمنون، ومن كان بين ذلك يحب فيه الحق والعدل، ويبغض فيه الباطل والظلم([31]).

فرجل مثل الوليد بن عقبة، أو بسر بن أبي أرطأة، أو ذي الخويصرة وأمثالهم كيف لا يبغض وتذم سيرته؟ كيف والشرع يأمرنا بحب الطاعات وأهلها، وببغض المعاصي والمظالم وأهلها؟ خاصة إذا كانت غالبة على سيرتهم، بينما نحن ننادي بالولاء والبراء ليل نهار، ومن زعم أن هناك فرقاً في الولاء والبراء بين ظلمة القرن الأول فيوالَون، وظلمة سائر العصور فيعادَون، فعليه الدليل والبرهان.

 

النص الحادي عشر.. من النصوص القرآنية:

قوله عز وجل: )إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم( |البقرة، 218|.

هذه الآية نـزلت في المهاجرين فقط ولولا أن بعض المعاصرين يعممها في جميع الصحابة لما أوردتها هنا.

ومن ظن أن هذه الآية نـزلت في فضل الأنصار فضلاً عن الطلقاء والأعراب-، فقد أخطأ لأن سورة البقرة كانت من أول ما نـزل بالمدينة إضافة لصراحة الآية في الاقتصار على المهاجرين.

وفي الآية رد على غلاة الشيعة والنواصب والخوارج الذين كانوا يبغضون بعض المهاجرين الأولين ويلعنونهم ويؤذونهم.

 

النص الثاني عشر.. من النصوص القرآنية:

قوله تعالى: )فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب( |آل عمران – 195|.

الآية واضحة في اقتصارها المهاجرين فقط وليس صواباً ما يفعله بعض الدارسين من إنـزالها في كل من رأى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فالآية تبين معنى (الهجرة الشرعية) التي كانت تعني التعرض للإخراج من الديار والإيذاء والتعرض للقتل في سبيل الله أيام الحاجة والضعف، فسورة آل عمران أيضاً من أوائل ما نـزل بالمدينة من القرآن الكريم، وهذه الآية أيضاً رد على من تعرض للمهاجرين باللعن والذمّ أو الإيذاء أو القتال.


 

([1]) انظر ترجمة عبد الله بن سرجس في الاستيعاب 3/916 طبعة البجاوي.

([2]) بل حتى في الآية اقتصار على السابقين من المهاجرين والسابقين من الأنصار وهذا أخص من عموم المهاجرين والأنصار، ولكننا أدخلنا بقية المهاجرين والأنصار في الصحبة لأدلة أخرى ولاحتمال كون (من) في الآية بيانية لا تبعيضية وإن كان صفوة الصحابة هم السابقون فقط من هؤلاء وهؤلاء.

([3]) الغريب أن بعض الناس يبالغ في الاستدلال بأدلة ضعيفة الثبوت أو الدلالة بينما يرد دلالة آيات كريمة، مع أنه ليس من مهمتنا أن نرد على كل الشبه الضعيفة التي تعرض للبعض وإذا كان هذا واجباً فيجب على الطرف الآخر أيضاً أن يرد على دلالات الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة أما أن يلزم هؤلاء الطرف المخالف لهم بالنظر في أدلتهم على ضعفها بينما هم لا ينظرون في أدلة مخالفيهم على قوتها فهذا خلاف المنهج العلمي الذي يعرض كل الأدلة ثم يقدم الأقوى فالأقوى.

فأصحاب الرأي الآخر في تعريف الصحبة- يركزون على المدلول اللغوي لكلمة (صحب) وعلى تعريف بعض المحدّثين وعلى أقوال لبعض التابعين ونحو ذلك، ويتركون الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة بلا إجابة على دلالالتها التي تقصر الصحابة على المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم.

([4]) سورة التوبة (آية 117).

([5]) فقد نـزلت عام تبوك، وتبوك بعد فتح مكة، فليس صحيحاً ما يظنه بعض الناس من أن سورة النصر آخر السور نـزولاً، وإنما كانت آخر السور التي نـزلت دفعة واحدة (سيأتي ذلك في الأدلة الحديثية).

([6]) وقد بقي من دلائل ذلك بعض النصوص في كتب العقائد كقولهم (من سب أحداً من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" فهو رافضي!) ويسكتون عن النواصب، الذين كانوا أسبق في سب الإمام علي على منابرهم، فلو قال قائل: (من سب أحداً من أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فهو مرتكب لمحظور شرعي) هكذا بالتعميم لكان أفضل، وإن كان لا بد من التصنيف العقدي فليقل (...فهو رافضي أو ناصبي أو خارجي) فهذا أفضل حتى يتحرز الناس من سب الإمام علي أو انتقاصه مثلما يتحرزون من سب أو انتقاص غيره من الصحابة أو ممن أدخلوا في الصحبة.

([7]) سورة التوبة: 100.

([8]) يرى بعضهم أن وصية النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" بالمهاجرين وأبنائهم وثنائه على الأنصار وأبنائهم يدخل الأبناء في حكم الآباء بهذه الأدلة الخاصة، وهذا أمر يحتمل ولا نتحمس لنفيه بشرط حسن سيرة هؤلاء الأبناء وصحبتهم العرفية للنبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فالحسن والحسين مثلاً الذين يجدهم النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" كل يوم ليسا كمن جيء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورآه مرة أو مرتين.

([9]) (راجع ذلك في مقدمة الاستيعاب لابن عبد البر).

([10]) أعني أن من الخطأ أن بعض الناس لا يقر بأن فلاناً لم يحسن إسلامه إلا إذا كان من المنافقين أو المرتدين، فحسن الإسلام عندهم مرادف للبقاء على التسمي به ولو أساء السيرة وهذا خطأ.

([11]) ومن أساء السيرة خرج من مسمى الهجرة والنصرة، وهؤلاء أفراد قلائل.

([12]) سورة الحشر: 8-10.

([13]) ستصدر دراسة تناقش دعوى وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة وتبطلها شرعاً وعقلاً وتطبيقاً؛ فالكلام فيما شجر بين الصحابة كالكلام فيما شجر بين غيرهم يشترط فيه العدل وتحري الصدق فقط ولهذا لم يكن لهذه القاعدة دليل لا من الكتاب ولا السنة ولا تطبيقات الصحابة والتابعين بل النصوص الشرعية فضلاً عن الآثار ضد هذه الدعوى الشامية المنشأ والانتشار.

([14]) تفسير البغوي- سورة الحشر.

([15]) الذين أسلموا وهاجروا بين صلح الحديبية وفتح مكة تتجاذبهم الأدلة بين أدلة مدخلة لهم في الصحبة الشرعية وهي قليلة ويمكن الجواب عليها وبين أدلة مخرجة لهم من الصحبة الشرعية وهي أكثر وأصرح ومع ذلك فتلك الفترة (من بعد الحديبية إلى فتح مكة) كانت فترة (برزخ) بين فترة الصحبة الشرعية الواضحة المتفق عليها التي كانت قبل ذلك على اختلاف في الحد الفاصل بين السابقين واللاحقين من الصحابة وفترة التابعين الواضحة (بعد فتح مكة) من طلقاء وعتقاء ووفود.. وأقصد هنا في ضوء النصوص الشرعية فقط وليس من الناحية الاصطلاحية أو العرفية أو اللغوية.

([16]) سورة الحديبية: 10.

([17]) ولذلك يقول البراء بن عازب رضي الله عنه في تفسير الفتح المراد في الآية: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن –يعني الصحابة- نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية) صحيح البخاري مع الفتح (7/441) وهذا إخبار من  البراء بن عازب –وهو صحابي- بأن المفاهيم تغيرت مبكراً عند التابعين فكيف لو أدرك البراء زماننا؟! ولا ننكر أنه يطلق الفتح على فتح مكة وعلى فتح خيبر في مرويات أخرى، لكن الفتح الأعظم المبين هو فتح الحديبية.

([18]) وبسبب هذا الخلط بُدِّع كثير من علماء المسلمين الذين كانوا يذمون بعض أعمال من وصفوا بالصحبة وليسوا صحابة على الحقيقة كالوليد ومعاوية وبسر والحكم وغيرهم فأولئك المبدَّعين كانوا مظلومين بسبب قلة تدبر خصومهم لآيات القرآن الكريم أو بسبب تعصب خصومهم المذهبي.

ومثلما نجيز لأنفسنا أن نجعل من علامات الشيعي أن يطلق على أهل السنة (النبوية) نواصب، فمن العدل أن نقرر أن من علامات الناصبي أيضاً أن يطلق على السنة (النبوية) روافض أو شيعة، فلا بد من بحث المصطلحات جيداً قبل إطلاقها حتى لا نظلم أحداً ولا يظلمنا أحد.

([19]) سورة الأنفال: 72.

([20]) مسند أحمد/ مسند الكوفيين- مسند جرير بن عبد الله. وسيأتي دليلاً مستقلاً.

([21]) كان للهجرة أهمية قصوى لحاجة الإسلام وأهله للاجتماع ضد الكفر وأهله، وتجنب الوقوع في الافتتان عن الدين.

([22]) النساء: 97-99.

([23]) النصرة والهجرة اللتان تستلزمان الجهاد بالمال والنفس والالتفاف حول النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" وتكوين نواة الإسلام الأولى.

([24]) الحجرات: 14-15.

([25]) الفتح: 29.

([26]) الفتح: 18.

([27]) سورة آل عمران:152.

([28]) آل عمران: 155.

([29]) لا يدخل الطلقاء والشكاكون والمتنطعون في مسمى (المؤمنين) إذا أريد بذلك صلاح السيرة هنا مثلما لا يدخل الأعراب في مسمى (الإيمان) وقد كانوا هم والطلقاء في جيش النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" يومئذٍ وكان فيهم ذو الخويصرة وأمثاله وكان فيهم من خرج مع النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ولا زالت الأزلام معه كما ورد ذلك في حق أبي سفيان بن حرب في روايات أهل السير، ثم لو شمل هذا المسمى أولئك فهو من باب التغليب وهناك نظائر كثيرة لهذا في القرآن الكريم فقد يطلق (يا أيها الذين آمنوا...) ويدخل المنافقون والذين في قلوبهم مرض والأعراب تحت هذا من باب الإطلاق على كل من تسمى بالإسلام وإن لم يدخلوا عند التحقيق بأدلة أخرى تخرجهم من اسم الإيمان. (التفصيل في كتابنا: معاوية بن أبي سفيان قراءة في المناقب والمثالب).

([30]) التوبة: 25-27.

([31]) يجب علينا موالاة من أخبرنا الله بالتوبة عليهم كالمهاجرين والأنصار ويجب البراءة ممن أخبرنا الله بالسخط عليهم كالمنافقين ومن يلحق بهم ويجب التوقف فيمن لم يتضح لنا هل هو على منهج هؤلاء أم أولئك أو كان مضطربا بين السيرتين. إلا إذا ثبت بالبحث أن خيره غالب فيحب ويوالى وإن ثبت العكس فعكس ذلك أي إن أثبت بالبحث أن بعض هؤلاء كالحكم بن أبي العاص مثلاً هو أقرب للنفاق والظلم منه إلى الإيمان والعدل فيبغض ويتبرأ من أفعاله وذنوبه.

 

<<السابق       التالي >>