العودة الى الصفحة الرئيسية

أين إختفت الأجهزة الأمنية العراقية التي تخصصّت في تعذيب العراقيين!

 

يحي أبوزكريا

 

 


تعتبر الأجهزة الأمنية في معظم البلاد العربية و الإسلامية العمود الفقري للنظام السياسي القائم هنا وهناك، وهي التي توفّر الحماية والحصانة والمكنة و القوّة للحاكم وبطانته، و بإرادة من الحاكم العربي تحولّت هذه الأجهزة إلى غول حقيقي يخيف السابحين في فلك النظام وكل المعذبين في الأرض الذين يشعرون بل ويعتقدون أنّ أنفاسهم وأحلامهم و طموحاتهم وأفكارهم وصلاتهم وقنوتهم ودخولهم إلى الحمامات مرصود من قبل الأجهزة الأمنية التي برعت في نشر الترهيب حتى أصبحت مجتمعاتنا كل مجتمعاتنا خائفة جبانة بسبب ما تروجّه هذه الأجهزة نفسها عن مصير من يعترض أو تسوّل له نفسه التلفظ بعبارة لا في وجه الحاكم المهزوم.
وخير مصداق على وحشية هذه الأجهزة هي الأجهزة الأمنية العراقية التي كانت تابعة وبشكل مباشر للطاغيّة صدّام حسين و التي تمكنّت خلال ثلاثة عقود من إلحاق الهزيمة الحضارية الكبرى بالإنسان العراقي الذي مسختّه هذه الأجهزة وجردّته من إنسانيته و كرامته وعزته و شخصيته وأجبرته أن يعبد ربّا واحدا لا شريك له هو صدّام حسين الذي ملأت صوره الدنيا والساحات، و خلال ثلاثين سنة نجحت الأجهزة الأمنية العراقيّة في تعذيب الإنسان العراقي مهما كان مذهبه وقوميته، وكانت هذه الأجهزة تتفنن بل وتبدع أساليب التعذيب الوحشية بين قطع الآذان و دقّ الرؤوس والضغط عليها بآلات ضغط خاصة و إحراق البطون و الإعتداء الجنسي على المعتقلين وعلى أمهاتهم و أخواتهم، وكان رجال الأجهزة الأمنية العراقية يتلذذون بتعرية الإنسان العراقي والتفرجّ عليه عاريا مع القيّام بحركات ضدّ هذا العاري كأن يطلب منه أن يركع ويأتي من يعبث بعورته وهلمّ جرّا...
 وفي كواليس الأجهزة الأمنية العراقية مات ملايين الأحرار من العراقيين، فقد قتلت هذه الأجهزة المفكر والمثقف والشاعر والكاتب والصحفي والمهندس والطبيب و الفلاح والراعي و البدوي الذي لم يكن يعرف غير الخيمة والمعزة أو الشاة، ولم ينجو مواطن عراقي من ظلم وإحتقار وإهانة وتعذيب وترويع وترهيب الأجهزة الأمنية العراقية التي إستبسلت في تعذيب العراقيين كل العراقيين، وكان رجال الأجهزة الأمنية العراقية يفعلون ذلك تقربا وتزلفا لسيدهم أبي المقابر صدّام حسين الملعون في الدنيا والآخرة، و كان يفترض أن تواجه هذه الأجهزة الأمنية التي تفننّت في تعكير حياة العراقيين وترويعهم القوات الأمريكية غير أنّها إختفت كما تختفي الفئران المذعورة و الحشرات الممقوتة.
فالأجهزة الأمنية في أوطاننا وفي العراق كمثال لا تقدر إلاّ على شعوبنا ومستضعفينا ومحقورينا ومتعبينا وفقرائنا. وهذه الأجهزة الأمنية - التي كبرت وتضخمّت حتى صارت أكبر من المؤسسات كافة لم تكتف بقتل المدنيين و المعارضين وغير المعارضين بل راحت تسرق وتستولي على الأموال العامة بالطرق غير المشروعة عبر التحالف مع المافيا - قادرة فقط على المواطنين المستضعفين أمّا على الغربيين والسادة الأمريكان فلا يحركون ساكنا ضدهم ، وربّ رجل أمن في العراق وفي غيره قتل مواطنا وهو يشرب قنينة ويسكي، وأغتصب فتاة حرّة وهو يتعاطى الحبوب المخدرّة، و لو أردت أن أفتح ملفات حقوق الإنسان المنتهكة في أوطاننا اليعربية لأحتجت إلى مداد لا ينضب لتدوين كل الصور والمشاهد.
 و هذه الأجهزة التي قامت على أساس الظلم والبطش والمؤامرة والإنقلاب والحكم بالشبهة يستحيل أن تعدل لأنّها لا تعرف العدل ولم تنشأ عليه، فملايين المواطنين قبروا في العراق بدون محاكمة، ومئات الآلاف قتلوا بدون أن تمرّ ملفاتهم بدوائر القضاء، و المصداق العراقي هو واحد من عشرين مصداقا في الدول العربية، فكم هي عدد الجثت التي رميت في البحر في هذه الدولة العربية وتلك، و كم هو عدد الذين دفنوا في الرمال، وكم هو عدد الذين تمّ الإعتداء عليهم جنسيا، وكم هو عدد المقابر في هذه البلاد العربية وتلك، والفرق بين العراق وبقية الدول العربية أنّ عورة العراق تكشفّت فيما بقيّة العورات العربية مازالت شبه مستورة ببطش الأجهزة الأمنية التي لا تسمح لأحد أن يكشف عنها.
ثمّ لماذا رجالات الأجهزة الأمنية شجعان أمام المواطنين جبناء أمام الغربيين والأمريكان على وجه التحديد، لماذا الأجهزة الأمنية تقتل بدم بارد وتعذّب بدم بارد لكن عندما تدعى إلى مواجهة السيد الأمريكي ترتعد فرائصها و تتبوّل أسفلها و تتبرّز خشية الخوف. ألا يجب علينا أن نلعن أجهزة أمنية تنص الدساتير على أنها قامت لتحمي المواطنين وفي الواقع تروعّهم، و تسرقهم وتسلبهم وتأخذ كل ما لديهم حتى الثيّاب الداخليّة.
وما دام الحاكم العربي يبني حكمه على الظلم وليس على العدل، و على رجال الأجهزة الأمنية بدل رجال الفكر والثقافة فيستحيل أن يرى واقعنا العربي بقعة ضوء، لأنّ الظلم لا ينعكس على مسار الدولة ويعطّل نموها، بل ينعكس على الثقافة والإقتصاد و الزراعة فيقوضّها من أساسها.
و ما جئنا على ذكره يوضح لماذا ما زلنا متأخرين إلى أبعد الحدود، لأنّ للظم تبعات حضارية خطيرة لعلّ أبرزها هو شلّ الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية وتدمير الإنسان من الداخل وهو اللبنة الأساس في أي عملية حضارية.

 

yahya@swipnet.se

 

أعلى الصفحة