قد يأخذ الكره صاحبه بعيدا" حتى يجد
نفسه وقد اصبح اشبه ما يكون بما يكره،
وتغدوا ثقافة الكره أسلوبا" للحياة
بالنسبة له، لها مبرراتها وتسويغاتها
العقائدية المستندة على تعاليم مطاطة
يمكن تشكيلها بسهولة في بيئة يسودها الجهل
والاحباط.
واقع رأيناه طوال العقدين الماضيين مجسدا"في
الحركات العقائدية التي تتخذ من التعاليم
الدينية اساسا" لمنهجها في عموم بلاد
الاسلام، ونجده الان كواقع بارد وعار في
عراق ما بعد الطاغية ممثلا" بأحزاب
وتنظيمات تسمى تجنيا" بالاسلامية، وما
هي ألا مسخ وصورة شديدة التشويه لعقيدة
سمحة أمن بها الملايين عبر التأريخ
وجعلوها ملاذا" مفضلا" لارواحهم
التعبة، حالات عديدة أستخدم الاسلام بها (وهو
تلك العلاقة الروحية الخاصة والرومانسية
احيانا" ما بين الفرد والخالق) في
مشاريع سياسية على مر القرون الاربعة عشر
الماضية ولكن ما قطعت اوصاله كما قطعت في
السنوات الاخيرة، بأستخدامه بخساسة
لتوجيه وتبرير الارهاب والاضظهاد بشتى
صوره ليتحول الاسلام من ظاهرة فكرية
تقدمية عالميةفي ستينات وسبعينات القرن
الماضي الى مصدر للاظلام مع بدأ الحركة
التبشيرية الرجعية والمنحرفة المدعومة
بأموال النفط السعودية ومع سرقة ايات الله
لثورة وأحلام الشعب الايراني وحركاته
التقدمية وليبدلوا حلم الثورة الى كابوس
مكتشفين الوسيلة لتعليب نسختهم الرجعية
والممسوخة للاسلام وتصديرها لما حولهم،
فأصبح الاسلام (الديانة التي جائت لآغناء
اخلاقيات بني البشر) بفضل هذين المصدرين
مبرر ودافع لمصادرة الحريات ولقتل
الآبرياء والنساء والاطفال، ووسيلة لشنق
القضايا النبيلة في لبنان وأفغانستان
وغيرهما لتتشكل خارطة لخلق بؤر الصراع
وتأجيجها، وتكلل هذا المسعى في أحداث
سبتمبر قبل عامين في الولايات المتحدة
محققة ضررا" يصعب اصلاحه لصورة الاسلام
المعتدل، وقبلها خسر الشعب الفلسطيني
الرأي العام والدعم العالمي الذي ساند في
السبعينات حقه في البقاء وتقرير المصير في
أرض تضمه جنبا" الى جنب مع الشعب
اليهودي, بفضل عصابات سلاحها الاسلام
السياسي ووسيلتها حقد اعمى لا يفرق ما بين
المجرم والبريٌ، وتحول بقدرة قادر
أخواننا من اصحاب الكتاب (كما يذكرون
أحتراما" في القرأن) والذين نتداخل
ونتعايش معهم منذ الازل في الفة وأنسجام
قل نظيرهما، الى احفاد للقردة والخنازير
كحقيقة مسندة بأكوام من الاحاديث التي ما
سمعنا بها من قبل، وتحول رجل الدين من
شخصية اجتماعية وتربوية الىرمز للاضطهاد
الفكري بوجه متجهم لا مكان فيه للابتسام،
وتفاقم الامر حتى وجدنا انفسنا وقد ضاع
منا الاسلام ما بين الطوائف والمذاهب التي
اختلفت في تفسير القرأن وفي صحة الاحاديث
النبوية وحتى في صيغة رفع الاذان وطريقة
الصلاة، ولا يجمع ما بين هذه المذاهب
والطوائف الان في الاسلام الا أسمه.
والآن تجيئنا طازجة، خمسة وثلاثون عاما"
واجيال العراقيين تحلم بزوال الدكتاتورية
والطغيان، وبفجر طال أنتظاره لنملم
اشلائنا وننهض بالعراق من جديد، لنفاجأ
بأنه وكما يبدوا بأن قيم الرجعية والاظلام
اسرع خطى من قيم التقدم والحضارة والرقي
حتى في بلد هو مهد لآولى ما عرفت الانسانية
من الحضارات، فتأتي هذه التنظيمات مسوقة
لقيمها الشاذة بأستغلال فاضح للظرف
وبطريقة شديدة القسوة والوضوح في أعلان
صارخ بأن لا مكان في العراق للحرية، وأن
طريق التقدم والتطور مغلق في وجوهنا ويمكن
لنا ان نأخذ طريق الجهل والرجعية كحل بديل
مدعوم من قبل الاحزاب والتنظيمات المسخ.
احدها وهو حزب لايات الله لم يحلو له ان
يؤسس مقراته الافي المسارح والمراكز
الفنية التي اغتصبت كأعلان صارخ لآجندة
مريضة، وحزب اخر اختصر العملية برمتها
بأعلان دستوره الخاص للعراق والبدء
بأغلاق المسارح ودور السينما ومعاقبة
النساء مع فتح باب نقاش لآصحاب العمائم
حول شكل الحقوق التي يجب السماح بها
للمرأة (في عصر اصبح فيه من العار ان تفكر
في اختلافات الحقوق والواجبات ما بين
المرأة والرجل) كمصلحة وطنية عليا، تعلو
على مسببات اوجاع الوطن الواضحة للعيان من
تخلف وسيطرة للقوى الرجعية الدينية
والعشائرية على مقدرات بسطاء العراقيين
وعلى قدرهم، مصرحين علانية بأن
الديمقراطية هي بدعة غربية هدفها تقويض
الاسلام، ومطالبين بتطبيق شريعتهم على
الجميع وحتى على اتباع الديانات الاخرى.
صورة شديدة التشائم، ولا أخفي بأن شعور
الخجل قد لازمني لعدة مرات خلال الشهرين
الماضيين، احداها حين رأيت ابناء مدينتي
لم يكتفو بأخذ ما هو ملك وحق لهم من
قصور ومنشأت الطاغية ونظامه الدموي
المقبور، فتحولوا لنهب تأريخهم ومؤسساتهم
الخدمية العامة ومراكز التعليم والفن
والثقافة وكل ما يساعدهم على اعادة بناء
العراق والنهوض به من جديد.
ومرة ثانية بعد ان ظننت بأننا قد تخلصنا من
ثقافة عبادة الفرد (الطاغية) لآجد ويا
لخجلي ان صور وجداريات الدكتاتور الهارب
قد استبدلت بلمح البصر بصور وجداريات لبعض
الرموز الدينية في سعي للعودة لتكريس
عبادة الفرد، وبأن هتافات (بالروح بالدم)
ما زالت تطلق للان في بلدي مع فرق بسيط هو
ما بين العمامة والبيريه.
وأخيرا"، انا خجل للغاية، وأعتذر بشدة
لشاعرنا الخالد ابو نوأس، حيث ضنه بعض
الجهلة بعثيا" فقاموا بمسح اسمه من على
جنب دجلة.
اكاديمي عراقي مقيم في الولايات
المتحدة