العودة الى الصفحة الرئيسية

 

هكذا تصنع الأساطير .. هكذا تنتهي:
عبـد حمـود في قبضة القوات الأميركية

 

كتب ـ نبيل شرف الدين: بوسع واشنطن أن تعلن الليلة انها لم تقترب من رأس صدام فحسب، بل أصابت بالفعل هدفاً ثميناً بالعثور على أحد أهم مفاتيح الرئيس العراقي المخلوع، وهو سكرتيره وكاتم أسراره، "عبد حمود التكريتي"، الذي صنف في الترتيب الرابع على لائحة أبرز المطلوبين التي تضم 55 مسؤولا سابقا, والتى يحتل الرئيس العراقي ذاته، وولداه عدي وقصي المراتب الثلاث الاولى منها، ليأتي حمود في المرتبة الرابعة، وهو ما يؤكد أنه لم يكن مجرد مسؤول عادي، أو حتى مهماً، بل كان أهم رجل في النظام العراقي السابق بعد ولدي صدام، وربما أحيط علماً وكلف بمهام لم يكن الرئيس العراقي يكلف بها حتى ابنائه.

سقوط الأسطورة


وما يشير أيضاً إلى مدى ارتباط عبد حمود بالرئيس المخلوع، هو ظهوره آخر مرة شوهد فيها صدام حسين في جولة بشوارع العاصمة العراقية بغداد قبل يوم واحد من سقوط المدينة فى قبضة القوات الامريكية كما ورد في آخر تسجيل عن تحركات صدام.
وفي ما اعتبر اللواء وفيق السامرائي رئيس المخابرات العسكرية العراقية السابق ان اعتقال عبد حمود سيفتح الطريق امام قوات التحالف لالقاء القبض على صدام حسين، فقد سبق أن وصف الأكاديمي العراقي زهير المخ، عبد حمود بأنه وجد نفسه فجأة داخل أروقة القصر الرئاسي ضمن طاقم الحماية الخاصة بصدام، وآنذاك كان صباح مرزا يشغل منصب السكرتير الشخصي لصدام، وهو المنصب الذي ورثه عبد حمود الذي أبدى مقدرة ملحوظة في توفير الحماية الأمنية للقصور الرئاسية، وبالتالي للرئيس شخصياً، من التعرض لمحاولة اغتيال لم تكن في الحسبان، واستناداً إلى تقارير أصدرتها وزارة الخارجية البريطانية تباعاً، لعب عبد حمود دوراً مباشراً في الإشراف على السجون العراقية، وأنه يحتفظ شخصياً بأرشيف يتضمن ملفات حالات الإعدام العديدة التي نفّذت بحق مواطنين عراقيين ينتمون إلى اتجاهات سياسية مختلفة.
لهذا لم يكن مستغربا أن يحتل اسم عبد حمود رأس اللائحة التي أعدتها منظمة (إندايت)، وهي منظمة غير حكومية معنية بمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وتسعى إلى إيجاد محكمة جرائم حرب دولية شبيهة لتلك التي تشكلت حول يوغسلافيا السابقة ورواندا لمحاكمة القياديين العراقيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما فيها الإبادة الجماعية.
ووصف اللواء السامرائي في مقابلة أجرتها معه الليلة فضائية الجزيرة القطرية عبد حمود بأنه كان اقرب شخص لصدام حسين , كما يمكن القول انه كاتم اسراره وتعايش مع كل مراحل حياته منذ توليه الحكم ومن المستحيل ان يجهل المعلومات عن رئيسه.
ومضى السامرائي الى القول بأن عبد حمود كان مفتاحا للمعلومات في مختلف أنحاء العراق، وفي كافة المجالات السياسية والعسكرية والامنية والاستخباراتية وغيرها.

صناعة الأسطورة


ووفقاً لمصادر عدة فإن عبد حميد حمود التكريتي، وهذا اسمه بالكامل، ولد في مطلع الخمسينات، ونشأ في مدينة تكريت لأسرة تنتمي بصلة قربى لصدام حسين، والتحق بالمدرسة شأن أقرانه الآخرين، غير انه ضاق بأعبائها ، فأدار الظهر لها وهو لم يزل بعد على مقاعد الدراسة الابتدائية، وتوجه إلى بغداد حيث مركز السلطة مدفوعاً برغبة في أن يصبح ذا شأن هناك، وهو ما حدث بالفعل إذ تلقفه عمه علي حسن المجيد وضمه إليه، وظل نفوذه يتسع في دوائر الحكم ، وكما يفيد السياسي والكاتب العراقي سعد البزاز، فقد وصل الأمر إلى درجة بات معها صدام حسين لم يعد يصغي لأحد سوى إلى اثنين: ابنه الأصغر قصي وعبد حمود.
ويروي زهير المخ في سياق حديثه عن شخصية عبد حمود قائلاً إنه في أثناء غزو العراق لدولة الكويت في آب (أغسطس ) 1990، أشرف عبد حمود بصورة مباشرة على إعداد تقارير دورية كانت تصل الرئيس العراقي تباعاً تتعلق بمجريات الوضع الذي كان سائداً في الدولة المحتلة. ويشاع عن دوره المباشر، أيضاً، في نقل الأرشيف الرسمي لدولة الكويت إلى بغداد.
ويمضي المخ قائلا إنه في آب (أغسطس) 1995 جاء هروب حسين كامل إلى الأردن بمثابة هدية من السماء لعبد حمود. فقد اختير هذا الأخير عضواً في لجنة ثلاثية تألفت بالإضافة إليه من عدي وقصي، أوكلت إليها مهمة تطهير شاملة للأشخاص غير الموالين للنظام سواء في المؤسسة العسكرية أو أجهزة الدولة أو حزب البعث، وخولت صلاحيات مطلقة في إجراء تغييرات في هيكلية السلطة، وبالفعل، فقد كان على هذه اللجنة بمثابة "مكارثية" على الطريقة العراقية أطاحت برؤوس عديد المسؤولين المشكوك بولائهم من المناصب، عسكرية كانت أم مدنية، وأحالت البعض منهم إلى التحقيق، واختفى البعض الآخر عن مسرح الحياة السياسية العراقية"، وذلك بحسب تعبير زهير المخ في سياق تقرير له نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" قبل شهور.
ويمضي التقرير قائلاً إن حماس عبد حمود لأداء مهامه وولاءه المطلق لصدام عجلا في ترقيته ليغدو منذ أيلول (سبتمبر) 1995 نائباً ثانياً لرئيس مجلس الأمن القومي، ومنح صلاحيات رئيس وزراء فعلي، بعد أن وضع على كتفه رتبة فريق من دون أن ينتسب، ولو شكلياً إلى كلية عسكرية، ومنح شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهو الذي لا يحمل سوى شهادة الدراسة الابتدائية، لينتهي به المطاف الليلة في قبضة جنود "المارينز" تنتظره ليال طويلة من التحقيقات، والمحاكمات وربما ماهو أسوأ.

أعلى الصفحة