أسامة بن لادن[1]

رضى الله عنه

 

دعوا التاريخ يشهد أنني مجرم ...

إذا كان التحريض علي الجهاد جريمة..

أسامة بن لادن

 

الأسرة

ولد أسامة بن لادن سنة 1377 هجرية 1957 ميلادية لأم سورية دمشقية وكان ترتيبه بين إخوته وأخواته الثالث والأربعين وترتيبه بين الذكور الحادي والعشرين من أبناء المقاول المشهور محمد عوض بن لادن. والذي بدأ عاملا بسيطا لكنه بذكاء حاد وجلد طويل كون إمبراطورية مالية هائلة، مما أعطى له تأثيرا نافذا في دوائر الحكم، وعندما حصل الخلاف المشهور بين فيصل وسعود كان من ضمن من أقنع الملك سعود بالتنحي لصالح فيصل. وكانت الخزانة خاوية – قيل أن الملك سعود حين غادر أخذ ما فيها -  فأمن رواتب كل موظفي الدولة تقريبا لمدة تقترب من ستة أشهر. ولرد الجميل أصدر الملك فيصل مرسوما بتحويل كل عقود الإنشاءات إلى محمد بن لادن وكلفه عمليا بوزارة الإنشاءات.  وفي سنة 1969 ميلادية تكفل محمد بن لادن بإعادة بناء المسجد الأقصى بعد الحريق الذي تعرض له و كان قد ساهم في التوسعة السعودية الأولى للحرمين و لذلك يقول آل بن لادن أنهم تشرفوا ببناء المساجد الثلاثة. توفي محمد بن لادن عندما كان عمر أسامة تسع سنين ونصف.

ويتحدث هو عن نفسه فيقول:

" أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، مَنَّ الله –سبحانه وتعالى- عليه أن وُلِد من أبوين مسلمين في جزيرة العرب، في الرياض، في حي الملز، عام 1377 هجرية، ثم مَنَّ الله –سبحانه وتعالى- علينا أن ذهبنا إلى المدينة المنورة بعد الولادة بستة أشهر، ومكثت باقي عمري في الحجاز ما بين مكة وجدة والمدينة، أبي الشيخ محمد بن عوض بن لادن هو من مواليد حضرموت، كما هو معلوم، وذهب للعمل في الحجاز منذ وقتٍ مبكر جداً، منذ أكثر من 70 سنة، ثم فتح الله –سبحانه وتعالى- عليه بأن شرف بما لم يشرف به أحداً من البنائين ببناء المسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة، وفي نفس الوقت بفضل الله -سبحانه وتعالى- عليه قام ببناء المسجد النبوي، على نبينا أفضل الصلاة والسلام، ثم لما علم أن حكومة الأردن قد أنزلت مناقصة لترميم مسجد قبة الصخرة، فجمع المهندسين وطلب منهم أن يضعوا سعر التكلفة فقط، بدون أرباح، فقالوا له يعني نحن -إن شاء الله- نضمن المشروع مع ربح، قالوا إنتوا ضعوا فقط سعر التكلفة، فلما وضعوا سعر التكلفة تفاجئوا أنه -رحمه الله- خفض السعر عن سعر التكلفة حتى يضمن خدمة البناء لمساجد الله ولهذا المسجد، فأرسي عليه المشروع، ومن فضل الله عليه كان يصلي أحياناً في اليوم الواحد في المساجد الثلاثة –عليه رحمة الله- ولا يخفى أنه كان أحد المؤسسين للبنية التحتية في المملكة العربية السعودية، وبعد ذلك درست في الحجاز ودرست الاقتصاد في جامعة جدة، أو ما يسمى بجامعة الملك عبد العزيز، وعملت مبكراً في الطرق، في شركة الوالد -عليه رحمة الله- مع العلم أن الوالد -عليهه رحمة الله- توفي وكان عمري عشر سنوات، هذا باختصار عن أسامة بن لادن.[2] "

النشأة

نشأ أسامة نشأة صالحة و كان متدينا منذ صغره و تزوج عندما كان سنه سبعة عشر عاما زواجه الأول من أخواله من الشام. كانت دراسته الابتدائية والثانوية و الجامعية في جدة. وكانت دراسته في الجامعة في علم الإدارة العامة. وخلال دراسته اطلع على أنشطة التيارات الإسلامية المشهورة وتعرف على كثير من الشخصيات الإسلامية الذين كان والده يستضيفهم في فترات الحج والعمرة. وخلافا لما تزعم بعض الصحف العربية والغربية فلم يسافر أسامة لأي بلد غير دول الجزيرة العربية و باكستان وأفغانستان وسوريا والسودان. وكل ما يقال عن رحلات إلى سويسرا ولندن والفليبين ليس لها أساس من الصحة. و لا تصح كذلك المزاعم بأن أسامة لم يتدين إلا بعد مرحلة من الانحراف فهذه المزاعم ليس لها أصل.[3]

كيف تشكلت عقلية بن لادن؟.

بالإضافة إلى الجو المحافظ الذي نشأ فيه أسامة كان محمد بن لادن والد أسامة يستضيف أعدادا كبيرة من الحجاج كل عام بعضهم من الشخصيات الإسلامية المعروفة، و قد استمرت هذه العادة على يد إخوان أسامة بعد وفاة والده مما ساعد في استمرار توفر الفرصة له للاستفادة من بعض الشخصيات المتميزة بين أولئك الضيوف. لكن في الجامعة كان هناك شخصيتين كان لهما أثر متميز في حياته هما الأستاذ محمد قطب و الشيخ عبد الله عزام، حيث كانت مادة الثقافة الإسلامية إجبارية لطلاب الجامعة.

بن لادن يبدأ الجهاد

بدأت علاقة أسامة مع أفغانستان منذ الأسابيع الأولى للغزو الروسي لذلك البلد، فلقد صدمه خبر احتلال بلد مسلم وتشريد أهله بهذه الطريقة من قبل الملحدين الشيوعيين. وكان الدكتور الشيخ عبد الله عزام ممن التقاهم أسامة في تلك الفترة، فحبب إليه الجهاد. وأراد أسامة في وقت مبكر أن يطلع على الوضع بنفسه فرتب مع الجماعة الإسلامية رحلة إلى باكستان حيث اصطحب من كراتشي إلى بيشاور من قبل الجماعة و هناك قابل مجموعة من قيادات المجاهدين أمثال سياف و رباني ممن لم تكن أسماؤهم غريبة عليه حيث أن بعضهم كان ممن يحضر إلى مضافة والده في الحج و المواسم . حرص أسامة أن يبقي أمر تلك الرحلة في البداية طي الكتمان لأنه لم يكن يعلم توجه الدولة كما حرص أن يعطيها طابعا استكشافيا قبل أن يتخذ قرارا بخصوص ذلك الموضوع. استغرقت الرحلة شهرا، واقتنع من خلالها أن القضية تستحق أن تعطى جل اهتمامه.[4]

بعد عودته إلى المملكة واطمئنانه إلى إمكانية البوح بخبر الرحلة بدأ يتحدث مع إخوانه و أقاربه و زملائه في الدراسة حول مشاهداته و تمكن من تنفيذ حملة علاقات عامة لصالح المجاهدين. كانت نتيجة تلك الحملة كمية هائلة من التبرعات المالية والعينية للمجاهدين. حمل أسامة تلك التبرعات وذهب في رحلة أخرى إلى باكستان مصطحبا معه عددا كبيرا من الباكستانيين و الأفغان الذين يعملون في مؤسسة بن لادن. بقي أسامة هناك لمدة شهر مرة أخرى. وكرر هذه الرحلات حاملا معه التبرعات و مصطحبا عددا من الناس من جنسيات مختلفة مكتفيا بمناطق المعسكرات والمخيمات دون الدخول إلى أفغانستان.  وفي عام 1982 قرر اجتياز الحدود و الدخول إلى أفغانستان والمشاركة في الجهاد. ورأى الطبيعة الجبلية الصعبة فقرر الاستفادة من تجربته في المقاولات و جلب عددا هائلا من المعدات و الجرارات والحفارات لمساعدة المجاهدين على تمهيد الجبال وشق الطرق وإنشاء المعسكرات. وتكررت زيارة أسامة إلى أفغانستان و إشرافه على نقل الأموال والسلاح والمعدات ومساهمته بعض الأحيان في بعض المعارك لكن بشكل غير منتظم. و كان بعض أهل الجزيرة قد تأثروا بزيارات أسامة وبدءوا يتقاطرون على أفغانستان لكن بأعداد قليلة حيث لم تتحول القضية بعد إلى حملة شعبية وتنتظم في مؤسسات و مكاتب و معسكرات.

في عام 1984 ظهر أول نموذج لعمل مؤسسي لجهاد العرب في أفغانستان و هو بيت الأنصار في بيشاور. أسس بيت الأنصار كمحطة نزل أولي أو استقبال مؤقت للقادمين للجهاد قبل توجههم للتدريب و من ثم للمساهمة في الجهاد. ورغم تأسيس بيت الأنصار فلم يكن عند أسامة جهازه الخاص أو بنية تحتية من معسكرات ومخازن وإمداد واتصال، ولم تكن له جبهة خاصة به، بل كان يرسل الشباب القادمين إلى أحد الأحزاب المقاتلة مثل حكمتيار وسياف أورباني.

تزامن تأسيس بيت الأنصار مع تأسيس مكتب الخدمات في بيشاور من قبل الشيخ عبد الله عزام رحمه الله. وقد أدى تأسيس المكتب إلى نوع من التكامل مع بيت الأنصار حيث يؤدي المكتب المهمة الإعلامية وجمع التبرعات وحث المسلمين وخاصة العرب على الجهاد بالنفس والمال ويؤدي البيت المهمة العملية في استقبال وتوجيه الراغبين في الجهاد أو الاطلاع على أوضاع الأفغان. وخلال تلك الفترة توثقت علاقة الشيخ عبد الله بأسامة لكن رأى الاثنان أنه ليس من المصلحة دمج عملهما ومن الأفضل تعدد الواجهات مع التنسيق الجيد.

في سنة 1986 قررأن يتوسع في تنظيم العملية الجهادية و يكون له معسكراته وخطوط إمداده. وفعلا تمكن أسامة من تشييد ستة معسكرات وتمكن من خلال خبرته في الإنشاءات من تحريكها و نقلها أكثر من مرة تبعا لظروف الحرب. وبعد تجربة المعسكرات و بعد تمكنه من تبني المجاهدين العرب منذ وصولهم إلى تدريبهم إلى إشراكهم في المعارك، أصبحت فكرة المشاركة في الجهاد ذات جاذبية شديدة لأن الشباب أصبحوا يتناقلون أخبار بساطة الفكرة وتقليل هيبة المشاركة في الجهاد كون الذي يستقبل ويدرب ويقود كلهم من العرب.

شارك المجاهدون العرب في مناوشات عديدة و قتال محدود في البداية ثم دخلوا في معارك طاحنة كان أشهرها معركة جاجي في نهاية ذلك العام والتي هُزم على يد المجاهدين العرب فيها وحدات من أفضل الروس تدريبا وأفضلهم تسليحا وقتل فيها عدد من ذروة رجال الكوماندوز الروس.

ومنذ عام 1986 إلى عام 1989 دخل المجاهدون العرب في خمسة معارك كبرى مع الروس ومئات من المواجهات والمناوشات الصغيرة. وكانت تلك الفترة من أجمل الفترات للمجاهدين بسبب توفر الفرصة للقيام بالجهاد دون مضايقات. وخلال تلك الفترة لم يكن أسامة يعود للملكة إلا قليلا ويقضي معظم أيام السنة في أفغانستان جهادا وتدريبا وإشرافاً على المجاهدين، ومع ذلك فقد بارك الله في الشركة رغم بعده وانشغاله عنها.

القاعدة

في نهاية الثمانينات وبالتحديد في سنة 1988 لاحظ أسامة إن حركة المجاهدين العرب قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات بل وحتى كثرة الإصابات والاستشهاد قد ازدادت دون أن يكون لديه سجل عن هذه الحركة رغم أهميتها وكونها من ألف باء الترتيب العسكري. وكان نقص هذه المعلومات سببا لإحراج أسامة في أحايين كثيرة مع بعض العائلات التي تسأل عن أبنائها بالهاتف أو حتى من خلال إرسال مندوب عنها للتعرف على مصير عضو العائلة الذي التحق بأسامة، حيث أحس أسامة أن نقص هذه المعلومات أمر مخجل فضلا عن إنه خطأ إداري مبدئي. من هنا قرر أسامة ترتيب سجلات للمجاهدين العرب. [5]

ووسعت فكرة السجلات لتشمل تفاصيل كاملة عن كل من وصل أفغانستان. ورتبت السجلات بحيث تتضمن تاريخ وصول الشخص والتحاقه ببيت الأنصار ثم تفاصيل التحاقه بمعسكرات التدريب ومن ثم التحاقه بالجبهة. وأصبحت السجلات مثل الإدارة المستقلة وكان لا بد من إطلاق اسم عليها لتعريفها داخليا، وهنا اتفق أسامة مع معاونيه أن يسمونها سجل القاعدة، على أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار ومعسكرات التدريب و الجبهات.

هذه هي القاعدة إذن، فالقاعدة ليست ذلك " الشبح المرعب" الذي صوره الأمريكان بطريقة أقرب إلى أفلام هوليود. بالطبع استمر استعمال كلمة القاعدة من قبل المجموعة التي استمر ارتباطها بأسامة وهنا خرج الأمريكان -وغيرهم من الجهلة بطريقة عمل الجماعات الجهادية- بانطباع أنها اسم للتنظيم "الإرهابي".[6]

العودة إلى السعودية

في عام 1989 ميلادية وبالتحديد بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان  تلقى تحذيرا من المخابرات الباكستانية والسعودية أنه هو والشيخ عبد الله عزام  مستهدفان لعملية اغتيال تدبرها المخابرات الأمريكية، وعاد أسامة إلى المملكة . وبعدها بأسبوعين اغتيل الشيخ عبد الله عزام. الأب الروحي للجهاد الأفغاني.

وفى هذه الفترة كانت صورأسامة بن لادن تتصدر جميع المجلات والصحف ومحطات التلفزة الخليجية على وجه التحديد باعتباره بطلاً ضحى بالثروة وضحى بالجاه والحياة الرغدة وتوجه إلى أفغانستان للقتال من أجل نصرة شعب إسلامي يتعرض لغزو مثلما كان يوصف في ذلك الوقت.

إنذار بغزو الكويت

كانت تصرفات أسامة في تلك الفترة تدل على إن الرجل بدأ يتصرف تصرف المسؤول الذي يحمل هم قضية، وتضايق الحكام بشكل كبير حين تكلم علنا عن خطورة النظام العراقي وتنبأ بأنه سيغزو الخليج في محاضرات معلنة ومسجلة في وقت كان النظام العراقي من أقوى أصدقاء.

نصيحة سرية للدولة

عندها لم تكتف وزارة الداخلية بمنعه من السفر بل وجه إليه تحذير بعدم ممارسة أي نشاط علني وإنه ربما يعتقل أو يوضع تحت الإقامة الجبرية إن لم ينصع للتوجيهات. ورغم التوجه العدائي من قبل الدولة تجاهه فقد بادر أسامة بكتابة نصيحة للدولة سلمت عن طريق أحد إخوانه للأمير أحمد بن عبد العزيز. تضمنت الرسالة نصائح عامة وخاصة. العامة عن المطالبة بإصلاح شامل والخاصة كانت تكرارا لتوقعاته بأطماع صدام حسين في المنطقة وضرورة الاستعداد لها. وكان الأمير نايف قد حرص على مقابلة أسامة حين بلغه تقرير عن محاضرته حول أطماع صدام.

بعد غزو الكويت

ما أن سمع أسامة بغزو الكويت في الأخبار حتى بادر بكتابة رسالة أخرى إلى الدولة يعرض فيها وجهة نظره حول الطريقة المثلى لحماية البلد من الخطر العراقي بمجموعة اقتراحات حول السبيل الأمثل لتعبئة الأمة ضد هذا الخطر ومن ثم السبيل الأمثل عمليا لمواجهته. وأضاف لهذه الاقتراحات عرضا بجلب كل المجاهدين العرب الذين يستمعون له للمساهمة في عملية الدفاع هذه. سلمت الرسالة بنفس الطريقة التي سلمت بها الرسالة الأولى وكان رد فعل الدولة هو وعد بالنظر بالأمر.

ورغم توجسه من موقف النظام من القضايا الدينية والوطنية فقد كان يتوقع نوعا من الاستعانة به للدفاع عن الوطن، لكن الدولة بادرت بقرار كان السبب في أكبر تحول في حياة أسامة وهو إعلان استدعاء القوات الأمريكية.

ويصف لحظة سماعه خبر قرار استدعاء القوات الأمريكية بأنها أكبر صدمة في حياته، لأنها بتقديره المرة الأولى منذ البعثة النبوية التي يهيمن فيها الكفار على جزيرة العرب بقواتهم العسكرية. وصدم كذلك لأن القوات الأمريكية لم تدخل باحتلال أو رغم أنف الحكام بل دخلت بطلب منهم بعد أن هرعوا مستنجدين بالأمريكان. كان شعوره بعد ذلك شعور الإحباط والقلق على مستقبل الجزيرة بعد هذا التطور الخطير. بعدها أيقن أسامة أن مخاطبة المسؤولين بالخطابات والمذكرات أسلوب عديم الجدوى ولا بد أن يفكر بأسلوب بديل.

يقول بن لادن عن هذه الفترة : "فعندما دخل الأمريكان إلى أرض الحرمين الشريفين رفض العلماء و طلبة العلم الشرعي بقوة ما حصل. لقد ارتكب النظام السعودي أكبر خطأ عندما دعا القوات الأمريكية ليظهر بذلك سذاجته".

وكان  يرى أن خيانة حصلت، فهو يقول بأن " الشعب السعودي سيتذكر ما قاله العلماء، و يلاحظ اليوم أن أمريكا هي السبب الرئيسي لمشاكله". تحرك أسامة باتجاهين، الأول تجاه استخراج فتوى بوجوب الاستعداد للقتال على كل مسلم وخاصة أهل الجزيرة وأفتى الشيخ بن عثيمين فعلا بتلك الفتوى فاستخدمها أسامة في تشجيع الشباب من جديد في الذهاب لأفغانستان والتدرب هناك، واستجاب لدعواه تلك عدد من كبير من الشباب توجهوا فعلا لأفغانستان. الاتجاه الثاني كان محاولة جمع أكبر عدد من العلماء في مؤسسة شرعية مستقلة غير مؤسسة هيئة كبار العلماء حتى تكون مرجعا للناس بعد أن تحولت الهيئة في نظره لمجرد أداة بيد الدولة بعد فتيا استدعاء القوات.

وعندما لم يستجب أسامة للتحذيرات المتوالية الموجهة من الدولة إليه بدأ التحرش به فهوجمت إحدى مزارعه وفتشت، وازداد الحصار عليه ، وكان ثقيلا عليه أن ينجح في طرد الروس من أفغانستان، ليجد الأمريكان يقيمون في وطنه. ولم تكن قيمة الوطن هنا أو تميزه لسبب ولاء وطني، بل لأنه مهبط الرسالة وبلد الحرمين وله حرمة مضافة إلى حرمة باقي بلاد الأرض.

تحمل أسامة بمرارة فترة الحرب "عاصفة الصحراء" ثم وصل إلى قناعة أنه لا يمكن أن يكون صادقا مع نفسه إذا استمر في المملكة. ولم يستطع الاحتمال فغادر المملكة بطريقة أقرب للهروب.

إلى باكستان و أفغانستان

عاد أسامة بن لادن إلى باكستان، لكن نبل الجهاد كان قد افتقد في الصراع بين حلفاء الأمس.

كان اغتيال  الشيخ عبد الله عزام بابا دخلت منه الفتن إلى أفغانستان. كانت هناك قوة باطشة مهيمنة حريصة طول الوقت على بقاء التناحر بين المجاهدين. أول إجراء اتخذه أسامة بن لادن للتعامل مع القضية هو إصدار توجيه للشباب العرب بعدم التورط في الصراع الدائر وكف أيديهم عن الدماء ورفض الميل لأي جهة من الجهات.وخلال بقائه في أفغانستان تعرض لمحاولات اغتيال عديدة لكن كل المحاولات فشلت لأن المتعاطفين معه من جهاز الأمن الباكستاني كانوا يعجلون بتسريب المعلومة له فيأخذ حذره. بقي في أفغانستان عدة أشهر مستمرا في محاولاته حل الخلاف ووصل بعد فشل متكرر إلى أنه وصل إلى طريق مسدود. شعر أسامة أن وجوده في أفغانستان عديم الفائدة خاصة وأن المتربصين به كثيرون وسيستمرون بمحاولات خطفه أو اغتياله. وبعد تدارس الوضع مع عدد من المقربين له قرر البحث عن مكان آخر يقدم فيه نفعا للإسلام بدلا من أفغانستان.

إلى السودان

كان التوجه إلى السودان أحد الخيارات المطروحة لأسامة ليس لأنها ستكون قاعدة جديدة لمشروع  جهادى عسكري جديد ولكن لأنه سمع الكثير عن هذه الدولة الجديدة التي بدأ الإسلاميون يتحدثون عن حماسها للإسلام والمسلمين وحرصها على تطبيق مشروع إسلامي. وظن أسامة أنه يستطيع أن يقدم شيئا لهذه الدولة من خلال قدراته التجارية والإنشائية وعلاقاته في المملكة والخليج فضلا عن إنه يؤمن ملاذا له بديلا عن أفغانستان.

توجه أسامه فعلا إلى السودان بطائرة خاصة وبرحلة سرية وذلك في نهاية سنة 1991 ميلادية. وفي تلك الرحلة اصطحب معه عددا من رفاقه والتحق به آخرون بطرق أخرى.

في السودان أحسنت الحكومة السودانية وفادته و لكنه في تلك المرحلة لم يكن بحاجة لأي دعم مادي لأن أمواله لا تزال تحت سيطرته وتمكن بشكل طبيعي من نقل جزء من أرصدته ومعداته من المملكة إلى السودان.

لم يساهم أسامة في السودان بأي عمل عسكري لكنه ساهم بقوة في مشاريع طرق وإنشاءات ومزارع وغيرها وكان أشهرها طريق التحدي من الخرطوم إلى بور سودان.

وظلت العلاقات بينه وبين المملكة العربية السعودية بالغة الفتور لكن بلا قطيعة.

منعطف هام

يرى الكثيرون أن هذه الفترة كانت منعطفا هاما في تاريخ أسامة بن لادن. وأنه في هذه المرحلة أرغمت الضغوط أسامة بن لادن على الاتجاه إلى طريق الجهاد المعارض للسلطة. ويرى هؤلاء أن بن لادن كان يخطط أساسا لجهاد سياسي، و أنه – والعهدة على المحللين، فهو لم يصرح بذلك- كان يرى في نفسه الخميني وليس كارلوس. و أن هذا يظهر من ممارساته، فقد كان يصدر البيانات ويظهر في أجهزة الإعلام، ويوجه النداءات، وكل هذه ممارسات سياسي يدعو لفكرته ويحرض على الوعي ، وحتى على الثورة،  ويستغل لذلك أجهزة الإعلام وليست ممارسات عسكري يقوم بعمل سري  ويجب عليه أن يتخفي[7].

ويري هؤلاء أن خطة أسامة بن لادن كانت المساهمة بشكل فعال في تدعيم اقتصاد السودان و إنشاء المشاريع الضخمة به، و أنه من غير المعقول أن من يقوم ببناء هذه المشروعات الضخمة ينوى بعدها جهادا عسكريا من السودان، وإلا فإن كل ما يبنيه سيدمر.

ولقد بدأ – علي سبيل المثال – بتشييد  مطار بناء مطار بور سودان، وكان هذا المطار ممولا من قبل  الحكومة السعودية عبر الصندوق السعودي، مما يعنى استمرار العلاقات معها.

استثمر أيضا  في الحبوب، في عباد الشمس، و في الزيوت و شق طريق التحدي للحكومة السودانية بطول 400 كيلو متر.

وفجأة جمدت المملكة العربية تمويلها للمشروعات التي يقوم بها أسامة بن لادن في السودان، كانت الحجة الظاهرة أن هذا القرار كان عقابا للسودان بحجة موقفها مع العراق. لكنن الأغلب أن ما حدث كان جزءا من مخطط الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على كل الدول الإسلامية بلا استثناء، ويأتي على قائمة الأولويات بالطبع، تلك الدول التي تنتهج المنهج الإسلامي.

كان شرخ حرب الخليج الثانية  قد شق العالم الإسلامي كله، و كانت أمريكا قد ضربت العالم العربي ضربتها الكبري، وامتد الشرخ إلى كل فج، فطال بين ما طال علماء الدين. إذ أنه لم يحدث قط، ولو ذرا للرماد في العيون، أن اختلف عالم دين رسمي مع حاكم بلاده، كان الشرخ عميقا، وانقسم  العلماء إلى علماء سلاطين وعلماء دين.

وكان موقع أسامة بن لادن في السودان نقطة جذب لعلماء الدين، وكانت المؤتمرات التي يحضرها تشكل إحراجا عميقا لعلماء السلاطين.

وبدأت السعودية تتوجس خطرا مما يثيره أسامة بن لادن من أسانيد فقهية ومن أحاديث صحيحة بصدد وجود قوات عسكرية غير مسلمة في المملكة العربية السعودية، خاصة بعد أن استكملت الحجة التي جاءت بسببها، وهى ادعاء تحرير الكويت.

بعد إيقاف التمويل السعودي للمشروعات في السودان اضطر أسامة بن لادن إلى إنفاق مائتي مليون دولار – أي معظم ثروته في ذلك الوقت- والتي قدرت بـ300 مليون دولار على هذه المشروعات. ومرة أخرى يقول بعض المحللين أنه لو كان ينوى إنشاء تنظيم عسكري لما استثمر معظم ثروته بهذه الطريقة.

وتزايد الضغط على أسامة بن لادن بصدور قرار بتجميد ثروته في المملكة العربية السعودية ومنعه من التصرف فيها، وصاحب ذلك محاولة السلطة إحراجه من خلال الضغط على أسرته. ثم ذهب إليه من وعده  بفك تجميد أمواله في المملكة. بل ووُعد بأنه يمكن مضاعفة أمواله المجمدة بشرط واحد . أن يخفف الحرج الواقع على المملكة بسبب وجود القوات الأمريكية على أرضها، وبسبب الاحتجاجات العنيفة التي أبداها علماء الدين على ذلك، مما أدى إلى سجنهم، وهو الأمر الذي ضاعف الحرج وفاقم المشكلة، وكان كل هؤلاء على علاقة وثيقة بأسامة بن لادن، وكان مطلوبا منه أن يخذلهم  ويعلن بأن المملكة تطبق الشريعة الإسلامية بشكل كامل. ورفض أسامة بن لادن ذلك.

 بعدها تحولت قضية أسامة إلى قضية ساخنة على جدول أعمال المخابرات الأمريكية وأصبحت تثار بشكل منتظم بين الأمريكان والسلطات السعودية.

ومع الضغط الاقتصادي والعائلي والوطني على أسامة بن لادن جاءه الضغط السياسي من ناحية أخري. فقد كانت الدول العربية والإسلامية التي حرضت بنيها على الجهاد في أفغانستان قد تنكرت لهؤلاء الأبناء، ولو كانوا في بلد تحترم نفسها لمنحوا أعلى الأوسمة والنياشين، ولاستغلت خبراتهم فيما يفيد الأمة، لكن ما حدث كان العكس، كان الحصار والتضييق والاتهام، فاضطر عدد كبير منهم إلى اللجوء إلى أسامة بن لادن في السودان. وكان من هؤلاء من وجد الصد من بلاده، كما كان منهم من قاموا ببعض العمليات العسكرية.

وكان على أسامة بن لادن ألا يرد من لجأ إليه،  أولئك الذين ضحوا بأرواحهم معه في أفغانستان في سبيل الله. وكان عليه أن يدبر لهم موردا للرزق بعد أن ضاقت بهم السبل.

وكان هؤلاء هم الذين سيستشهدون بعد ذلك بتسعة أعوام في قلعة جانجي. حين استهدوا وهم أسرى وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، حينما قصفت قاذفات البى 52 الثقيلة، ولأول مرة في التاريخ، أسري تضمن سلامتهم المواثيق الدولية.

القراءة بأثر رجعيّ

إننا نستطيع أن نقرأ الأحداث الآن بأثر رجعى، من الأمام للخلف، لنكتشف ما كان غامضا، ولتتضح لنا الصورة والمغزى ونفهم السيناريو الأمريكي الذي بدأ مع هؤلاء الشهداء ومع أسامة بن لادن منذ عام 79، حين  شجعت أمريكا الدول العربية والإسلامية  علي تحريض أبنائها على الجهاد في أفغانستان، وعلى إصدار الفتاوى التي تحبب لهم الاستشهاد،  كانت واشنطن ماتزال تعاني مرارة التجربة الفيتنامية التي دعم فيها الاتحاد السوفيتي الثوار الفيتناميين، فكانت الحرب الأفغانية فرصة للانتقام.

سمحت الحكومات العربية الصديقة للولايات المتحدة والتي تخشى من المد الشيوعي لكثير من المتطوعين من مواطنيها بالسفر للاشتراك في تلك الحرب. وكانت أهم الدول التي قدمت دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا للمجاهدين الأفغان هي السعودية وباكستان ومصر والكويت.

وبعد انتهاء المعركة بهزيمة الاتحاد السوفيتي، كانت أمريكا تخطط ألا تسمح دولهم باستيعابهم مرة أخري،  وكانت تدرك أن مثل هؤلاء، إن لم تُبذل جهود كبيرة لإعادة استيعابهم في المجتمع المدني أو العسكري لدولهم  فإنهم لم يعودوا يجيدون إلا حمل السلاح. فإن لم يوظف حملهم له في الاتجاه الصحيح الذي يرتضونه مع دولهم، فإنهم سيبحثون عنه بأنفسهم. رفضت معظم الدول الإسلامية الاستجابة للنداءات التي وجهت إليها باستيعابهم، و أغلب ظني أن هذا كان بتدبير من الولايات المتحدة. التي كانت تدرك بالطبع، أن هذا الوضع سيسبب قلاقل شديدة التعقيد في البلاد الإسلامية عموما وفى العربية منها على وجه الخصوص. وفى وسط هذه القلاقل، تستطيع إمبراطورية الشيطان أن تدفع الدول العربية لمحاربة هؤلاء باسم الحرب على الإرهاب، ولا ريب عندي، أن أمريكا كانت تدرك منذ البداية ما ستفعله بهؤلاء المجاهدين في النهاية، وكيف ستخلع الأقنعة كلها ذات يوم لتقول – كما تقول الآن – أن الإرهاب مكون أساسي في الدين الإسلامي، في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

إنني لا أدعى الحكمة بأثر رجعى، فبرغم أن الصورة كانت مشوشة جدا في البداية، فقد ذكرت هذه التوقعات في كتاب كتبته سنتي 85 و 86 ونشر سنة 1987 [8].

محاولة اغتيال

نعود الآن إلى السودان، حيث استمر الحصار على أسامة بن لادن وقد ثقلت أعباؤه وازدادت مهامه وقلت أمواله، ومع ذلك، كان حتى ذلك الوقت يريد أن يواصل العمل السياسي. وانقضى عام 93 وبدايات 94 وسط الحصار والضغوط والمطاردة ومحاولة اغتيال[9] قام بها ثلاثة أشخاص،  زعيمهم ليبي الجنسية أعدم فيما بعد بينما قتل الثلاثة في العملية.ومثلت هذه العملية  أولي محاولات التخلص من بن لادن، منذ انطلاق نشاطه في مرحلته السودانية. وكان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قد كشف بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الأخيرة أنه أمر بمحاولة اغتيال زعيم القاعدة. لقد ذهب فريق الاغتيال إلى المسجد الذي يصلى فيه بن لادن، و أطلقوا النار على المصلين، فاستشهد  61 مصليا، و شاع وقت وقوع الحادث أن منفذيه مهووسون استهدفوا جماعة أنصار السنة المحمدية التي يصلي عدد من ناشطيها في المسجد. وكان الهدف الأساسي للعملية كان بن لادن الذي أصر المنفذون علي البحث عنه، إذ انهم نفذوا ثلاثة عمليات متتالية استهدفته، فقد هاجموا المسجد ثم توجهوا بعد ساعات إلي مقر شركة كان يملكها في وسط الخرطوم ثم بعد ذلك إلي منزله. حيث هاجمه ثلاثة من المسلحين في منزله، في حي الرياض بشرق الخرطوم وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص قبل أن يفروا. وأصابوا عدداً من المقيمين معه لكنه نجا علي رغم وجوده في منزله وقت الحادث.

سحب الجنسية

في بداية عام 1994 ميلادية أصدر الملك فهد قرارا بسحب جنسية أسامة بن لادن.. وقد تزامنت هذه الأحداث مع تطورات داخل المملكة كان يتابعها أسامة بعناية، وهي تتابع عدد من المذكرات مطالب الإصلاح من قبل التيار الإسلامي والتي كان آخرها قضية لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وحملة الاعتقالات على مؤسسيها والمتعاطفين معها وذلك قبل أن تبدأ اللجنة العمل من لندن. هذه التطورات دفعت أسامة لأن يأخذ أول مبادرة معلنة ضد الحكومة السعودية وذلك في أوائل سنة 1994 حين أصدر بيانا شخصيا يرد فيه على قرار سحب الجنسية .

قضية فلسطين والرسالة إلى ابن باز

يردد المنافقون أبواق الدعاية الأمريكية والصهيونية أن أسامة بن لادن لم يهتم بقضية فلسطين قبل أحداث 11 سبتمبر. ومثل هذه الأكاذيب لا يمكن أن يطلقها إلا من هم علي جهل فادح بالإسلام، فالإسلام لا يعترف بالحدود التي وضعها الاستعمار لبلادنا، والإسلام نفسه هو الوطن، وجهد الدفع[10] يلزم المسلم في أقصي الشرق بالدفاع عن المسلم في أقصي الغرب. وبالرغم من هذا كله إلا أن الأمر لا يقتصر علي الجهل، بل هو الكذب الرخيص، لأن من أطلقوا هذه الفرية لابد أنهم قرءوا رسالة المجاهد أسامة بن لادن إلى الشيخ إبن باز وعنوانها: "رسالة مفتوحة للشيخ ابن باز ببطلان فتواه بالصلح مع اليهود "..

ويتناول أسامة بن لادن في رسالته قضايا الفتاوى المتعلقة بالمسلمين في كل مكان في العالم الإسلامي حتى يصل إلي الفتوى بإباحة الصلح مع إسرائيل فيقول :

"هذه بعض الأمثلة التي لم نقصد منها الحصر ولكن اقتضى المقام ذكرها ونحن بين يدي فتواكم الأخيرة بشأن ما يسمى بهتانًا بالسلام مع اليهود والتي كانت فاجعة للمسلمين ، حيث استجبتم للرغبة السياسية للنظام لما قرر إظهار ما كان يضمره من قبل ، من الدخول في هذه المهزلة الاستسلامية مع اليهود ، فأصدرتم فتوى تبيح السلام مطلقًا مقيدًا مع اليهود ، فما كان من رئيس وزراء العدو الصهيوني وبرلمانه إلا أن صفقوا لها وأشادوا بها ، كما أعلن النظام السعودي عقبها عن نيته في تنفيذ المزيد من التطبيع مع اليهود .

وكأنكم لم تكتفوا بإباحة بلاد الحرمين الشريفين لقوات الاحتلال اليهودية والصليبية ، حتى أدخلتم ثالث الحرمين في المصيبة بإضفائكم الشرعية على صكوك الاستسلام التي يوقعها الخونة والجبناء من طواغيت العرب مع اليهود إن هذا الكلام خطير كبير ، وطامة عامة لما فيه من التدليس على الناس والتلبيس على الأمة من عدة جوانب "..

ويستطرد المجاهد أسامة بن لادن في بيان أوجه فساد الفتوى..

بقي أن نعلم أن تاريخ هذه الرسالة هو:

27/07/1415هجرية الموافق 29/12/1994م !!.

***

بعد هذا البيان قرر أسامة أن يتحرك علنا بالتعاون مع آخرين فأدى ذلك إلى ظهور هيئة النصيحة و الإصلاح.

وحين رأى أسامة وعدد من المتعاونين معه الحملة التي شنتها الدولة ضد لجنة الدفاع واعتقال عدد من مؤسسيها وآخرين من دائرتهم أشار عليه بعضهم بتكوين هيئة بديلة سماها "هيئة النصيحة والدفاع عن الحقوق الشرعية" كتعويض عن اللجنة بعد أن قمعت. وأصدر العديد من المذكرات.

متى بدأ التفكير في العمل العسكري؟

 ليس هناك إجابة جاهزة لهذا السؤال، لكن على الأرجح أن ذلك تم في خلال عام 1994، و الأرجح أن أسامة بن لادن قد اكتشف في ذلك الوقت اكتشافا خطيرا لم تدركه الأمة. فقد اكتشف أنه ممنوع من العمل، و أنه كمجاهد وبطل غير مسموح له إلا بحال من أحوال ثلاثة – إضافة إلى الموت- : الاستسلام الكامل والخنوع والعمالة للولايات المتحدة، أو العودة إلى بلده كي يقضى باقي عمره في السجن أو دفعه إلى العمل العسكري حيث يمكن أسره أو قتله.

الخيارات الأمريكية الثلاثة

كما ذكرنا من قبل، في عام 1989 كان أسامة بن لادن قد عاد إلى المملكة العربية السعودية بطلا تتجاوز بطولته وطنه ليصبح رمزا في العالم الإسلامي كله تكلله هالات فخار ومجد وانتصار هائل حققه في أفغانستان ضد القوة الجبارة للاتحاد السوفيتي.. وفي ذلك العام.. وقبل الغزو العراقي للكويت بأكثر من عام . ووضع خطة لتلافيه قبل أن يحدث ثم لمواجهته بعد أن حدث.

وقيل أن السؤال الذي طرح أيامها في دول الجزيرة العربية ثم عبر إلى إمبراطورية الشيطان لم يكن : وماذا لو لم تنجح خطة أسامة بن لادن؟ كيف يكون التصرف.. لم يكن هذا هو التساؤل الذي طرح ولم يكن المشكلة.. فقد كان السؤال الذي  طرح.. وكانت المشكلة: وماذا لو انتصر.. ؟!.. كيف سنستطيع بعدها أن نحول بينه وبين الوصول إلى الحكم بل كيف نحول بينه وبين زعامة العالم الإسلامي كله.؟!!

يبدو أن أسامة بن لادن أدرك في ذلك الوقت مرامي السيناريو الأمريكي الكامل. و أن بنود الحصار الثلاثة التي تفرضها الولايات المتحدة عليه ليست مقصورة عليه وحده، إنما هى منهج، وهذا المنهج هو الذي يطبق أيضا على البلاد الإسلامية. و أن مثل هذا المنهج يطبق على سبيل المثال على السودان، فلا التنمية مسموح بها.. ولا الاستثمار ولا الإفلات من براثن الفقر.. ولا زراعة قمح قد يغنى العالم العربي عن القمح الأمريكي،  وأنه غير مسموح للسودان إلا باختيار من ثلاثة– تماما كأي بلد مسلم.. فما يختلف فقط هو الأولويات وانتظار من يحين دوره-: إما التبعية الكاملة والعمالة الشاملة، و إما الحصار حتى التفكك، و إما شن الحرب عليها. وخلال تلك الفترة حدث تطوران هامان ربطا بأسامة . الأول : أحداث الصومال واليمن . والثاني : انفجار الرياض . في أحداث الصومال كان هناك فصيل صغير يقوده مجموعة ممن سبق أن تدربوا في أفغانستان وكان لهم دور في العمليات النوعية ضد الأمريكان. أما في اليمن فقد تكتمت اليمن وأمريكا على الأحداث التي قتل فيها عدة أمريكان في أحد الفنادق في عدن. واتخذ أسامة بن لادن موقفا لن يغيره بعد ذلك أبدا. إنه يؤيد هذه الأعمال ويشيد بها لكنه لا يعترف بارتكابها.

الصومال

في عام  1992، وفجأة، انفطر قلب العالم جزعا، وامتلأت صفحات الصحف وشاشات الفضاء بصور تمزق نياط القلب للجوعي والموتى في الصومال. وهى مناظر و أخبار انقطعت بعدها فلم يعد أحد يذكرها قط. فكل الحديث الآن عن معسكرات القاعدة هناك، تمهيدا لاحتلال جديد.

وكان ذلك هو التمهيد الإعلامي - الذي طالما خدع الناس في الحضارة الغربية – لاحتلال الصومال، وتقسيم السودان وتهديد مصر بالاقتراب من منابع النيل ، والتواجد في القرن الأفريقى للتحكم في البحر الأحمر وتهديد اليمن وشبه الجزيرة العربية، و ما لبث هذا الاحتلال أن تم فعلا تحت راية الأمم المتحدة في عملية سموها: "إعادة الأمل"..[11]  كما تقول تسمية العملية الدولية التي جاءت بخليط متنافر من قوّات متعددة الجنسيات (شرقية وغربية) تابعة للأمم المتحدة، وقوّات أخري من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) إلي الصومال في ديسمبر عام 1992.

وكان تحليل أسامة بن لادن للتدخل الأمريكي أن أمريكا غير معنية بمجاعة الشعب الصومالي، و أن تواجدها هناك حلقة في سلسلة حربها على الإسلام. وكان يري أنها تخشى من النتائج الاستراتيجية بالغة الحساسية لنجاح السودان في دعم الحركات الإسلامية في مصر و أريتريا و أثيوبيا وكينيا بل والجزيرة العربية أيضا. كان السودان هو المستهدف الرئيسي بعملية :" إعادة الأمل" ، وفى السودان كان هو ومن معه من الأفغان العرب على رأس المستهدفين.

ممارسات الجنود الصليبيين في الصومال هتكت في وقت قصير ما ادعاه الإعلام الغربي من مروءة و إنسانية تستهدف إنقاذ الجياع.

فالجنود البلجيكيون الذين جاءوا لإعادة الأمل  انخرطوا سريعاً في مباذل تقشعر لها الأبدان، كأن يقيدوا صومالياً ويتبوّلوا عليه مثلاً. ثم جاء بعدها دور الجنود الكنديين وضباطهم الكبار، الذين تستروا علي مقتل صومالي مدني شاب برصاص القادمين لإحياء الأمل. ثمّ جاء دور إيطاليا، بلد برلسكوني الذي يطالب اليوم بغزو العالم الإسلامي المتخلف وفرض قِيَم الغرب عليه. وكانت مجلة بانوراما الإيطالية قد نشرت عدداً من الصور لا تقوم بإحياء أي أمل بقدر ما تقوم بإحياء أسوأ ما في الماضي الاستعماري من مباذل لا أخلاقية، وعربدة صارخة ضد حقوق الإنسان، واحتقار عنصري لأبناء البلد.

ففي المجلة، ثمة صورة أولي لمواطن صومالي عارٍ ملقي علي الأرض، يجري تعذيبه بأسلاك كهربائية من قبل جنود إيطاليين غارقين في ضحك هستيري وبهجة سادية. صورة ثانية تمثّل فتاة صومالية مربوطة إلي شاحنة عسكرية، يغتصبها الفرسان أنفسهم بطريقة بالغة البشاعة، وسط مناخات البهجة ذاتها، وتحت رايتين متّحدتين: علم إيطاليا وعلم الأمم المتحدة. الصور الأخرى لفظية، ولكنها لا تقلّ دلالة. المظلّي ستيفانو اعترف للمجلة بأن الجميع كانوا يمارسون هذه الأعمال، وقال: لقد انفصلنا عن ذواتنا في تلك الفترة، لأننا انتقلنا من عالم متمدّن إلي عالم بربري.. مظلّي آخر هو بنديتو برتيني أماط اللثام عن موقف الضباط الكبار في القشرة العليا من القيادة: كانوا يقولون إننا لا ينبغي أن نعامل الصوماليين معاملة بني البشر، والنصيحة الذهبية في حال الارتياب هي: أطلقوا النار! حتى إذا كان الأمر يتعلق بامرأة أو بطفل .

ويجب علينا أن نلاحظ  جيداً هذا الامتزاج الرهيب بين فكرة الانتقال من المدنية إلي البربرية وفكرة تصنيف الصوماليين في فئات السائمة أو الوحوش أو الجماد أو أية فئة أخري ما خلا النوع الإنساني. ولاحظوا أيضاً أن هذه الممارسات كانت تتمّ وسط شعور عام بأن تقديم العون إلي هؤلاء البرابرة يبرراقتطاع لذّة عابرة هنا أو طقس وحشي هناك.

الانتقام والمقاومة

لم يعترف أسامة بن لادن بمسئوليته عن عملية فدائية في  فندق  مور هوتيل في عدن تم فيها قتل ثلاثة من العسكريين الأمريكيين وجرح خمسة آخرين. ولكن ضباط الأمن المصريين الذين استدعتهم اليمن للتحقيق في ملابسات الحادث اتهمت به أسامة بن لادن.

وبدأت القوات الأمريكية في الصومال تشن غارات مكثفة على الصومال سقط فيها مئات الضحايا بحجة ضرب معسكرات الأصوليين. وفى هذه الغارات تم هدم العديد من المساجد و الآثار الإسلامية. وكان الوضع في الصومال هو نفس ما سوف تقوم به أمريكا في أفغانستان بعد تسع سنوات، لكن بوحشية أشد، وبربرية مضاعفة.

وقد رد المجاهدون الصوماليون على الوحشية الأمريكية، ونجحوا في إسقاط طائرة أمريكية وقتل 18 أمريكيا. وشاهد المواطن الأمريكي قتلاه على شاشة التلفاز، وحاولت الولايات المتحدة مواصلة خطتها العسكرية، وكثفت من قصفها، واندلعت مظاهرات حاشدة في كافة أنحاء الصومال ضد تواجد الأمم المتحدة، وانكشف الغطاء الذي استتر خلفه الغزو العسكري، واضطرت أمريكا إلي سحب قواتها على عجل، وبعدها انسحبت باقي القوات.

و اتهمت أمريكا بن لادن بأنه وراء ذلك.

الهجرة مرة أخري

بعد أحداث الصومال وانفجار الرياض بدأت إقامة بن لادن في السودان تسبب حرجا شديدا للحكومة السودانية وتعرضت الحكومة السودانية لضغط شديد من أمريكا ودول عربية لإخراجه أو لتسليمه. وتحمل السودانيون الضغوط لأمد ثم بدءوا يضغطون على الأفغان العرب للخروج من السودان. وكان أسامة على علم بالضغط الذي تعرضت له السودان لأن السودانيين كانوا يحيطونه علما بذلك بل ربما صارحوه في مرة من المرات أنه يجب أن يفكر بالخروج.

عندما أحس أسامه أن السودانيين لم يعودوا يحتملون بادر من تلقاء نفسه بترتيب عملية الخروج من السودان. وللإعداد لعملية الخروج اتصل أسامة بأصحابه القدامى من المجاهدين الأفغان واختار منهم الشيخ يونس خالص والشيخ جلال الدين حقاني الذين كان لهما نفوذ قوي في منطقة جلال آباد وكان ذلك قبل أن يمتد نفوذ طالبان خارج قندهار حين كانت مناطق أفغانستان موزعة بين الفصائل الأفغانية.

ثلاث صدمات

حتى ذلك الوقت كان أسامة بن لادن قد تعرض من الناحية المالية لثلاث صدمات أثرت على نشاطه المالي بشكل كبير. الصدمة الأولى هي قرار الحكومة السعودية بتجميد أمواله المعروفة المنقولة منها والثابتة وذلك بعد أن علمت أن لا أمل في رجوعه بعد الخروج الأخير. وقيمة هذه الأموال تتراوح بين 200 إلى 300 مليون دولار عند التجميد حيث وضعت تحت سيطرة جهات رسمية . هذه القيمة هي التي ترددها كثير من وسائل الأعلام حين تتحدث عن بن لادن وتذكر قيمة أملاكه أما الأموال التي تحت تصرفه حاليا فقضية أخرى.. فقد  قدر الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي الأمير تركي الفيصل ثروة أسامة بن لادن بما يصل إلى خمسين مليون دولار، وهو ما يقل كثيرا عن الثلاثمائة مليون دولار التي ذكرت تقارير كثيرة أنه ورثها عن والده، مشيرا إلى أن هذه الأموال قد تكون مودعة في حسابات مصرفية سرية. وقال الأمير تركي في مقابلة خاصة مع تلفزيون "mbc" إن الأرقام في الغرب عن أن  ثروة بن لادن تتراوح بين مليار إلى مليارين وربما ثلاثة مليارات دولار، غير أن تقديراته عندما كان رئيسا للمخابرات العامة لم تزد عن أربعين إلى خمسين مليون دولار كحد أقصى حسب تقديره.

الصدمة الثانية جاءت من عجز الحكومة السودانية من دفع تكاليف المشاريع التي نفذها أسامة والتي كان أشهرها طريق التحدي الذي يربط بورسودان بالخرطوم. ويعتقد أن بن لادن لم يستطع استخلاص أكثر من 10% من الأموال التي يطالب بها الحكومة السودانية والتي ربما تجاوزت 200 مليون دولار.

الصدمة الثالثة جاءت من اضطراره للتخلص من عدد من الشركات التي تسرب خبرها للحكومة السعودية وإقفالها. 

وتحدث أسامة بن لادن بعد ذلك بمرارة فذكر كيف أبلغه الرئيس عمر البشير عن إنه عليه أن يرحل في غضون أيام، وإلا سيضطر إلى تسليمه للمملكة العربية السعودية، وقيل أن الملك فهد رفض عرضاً سودانياً باستلام بن لادن، لقد  طعنوه في الظهر، وبعد أن استثمر أمواله عندهم طلبوا منه الرحيل، طلب منهم نقوده التي أقرضها للحكومة، قالوا له أنهم لا يملكون أي سيولة، وأنه يستطيع أن يأخذ مقابلها  أذرة أو صمغا أو أغناما أو أي شئ يمكن له أن يحمله معه إلى الخارج.. كان الوضع هزليا تماما.. إذ كيف يستطيع إنسان مطارد من قبل  أمريكا وأوروبا ومن بلده ومن عالمه العربي، وبلا جواز سفر، كيف يستطيع وهو يطرد فيفر تحت جنح الليل أن يصطحب هذه الأشياء معه، أشياء قيمتها 200 مليون دولار.

ولقد عبر أسامة بن لادن لعبد البارى عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي عن مدى مرارته مما حدث. لقد أبعدوه من السودان دون أن يقبضوا الثمن، لا من المملكة العربية السعودية ولا من مصر ولا من الولايات المتحدة الأميركية. فلا علاقاتهم مع مصر تحسنت، ولا هم حصلوا على مساعدات من السعودية، ولا رفعتهم الولايات المتحدة الأمريكية من قائمة الإرهاب ، ولقد صرح بأنه لم يكن لديه مانع من أن يفتدى السودان و أن يضحي في سبيل مصلحة تحصل عليها. لكن المشكلة أنهم أبعدوه دون أن يقبضوا الثمن، بل بالعكس بدل أن يكافئوا، عوقبوا بقصف مصنع "الشفاء" في الخرطوم، وباستمرار الحصار، وبتآكل التضامن بين أجنحة النظام بفعل الضغط والمؤامرات، ومازالت السودان حتى هذه اللحظة على قائمة الإرهاب في الخارجية الأميركية.

وقد تبين بعد ذلك أن الحكومة الفرنسية سعت  لإقناع السودانيين بتسليمهم إياه لأنه سبق و أن سلموا لهم كارلوس. و ضغط الأمريكيون على الفرنسيين لكي يخطفوا بن لادن بأنفسهم من السودان. [12]

وبعد أن أمن أسامة موقعا له في جلال آباد أعد العدة لمغادرة السودان في عملية غاية في السرية . ومن أجل ذلك أعد طائرة خاصة حملته مع عدد من أنصاره إلى أفغانستان حيث استقبل هناك من قبل الشيخين يونس خالص وحقاني. وبعد وصوله هناك أرسل رسالة إلى الفصائل الأفغانية يخبرهم أنه لا يزال على التزامه بعدم الدخول في خلافاتهم وصراعاتهم. وكان ذلك قبل أن يستولي الطالبان على جلال آباد ومن ثم على كابل.

ومنذ أن وصل هناك بدأت الأحداث تتتابع مرة أخرى بشكل دراماتيكي من انفجار الخبر إلى استيلاء الطالبان على جلال آباد إلى محاولة خطف لأسامة إلى بيان الجهاد ضد الأمريكان الذي أصدره في نوفمبر 1996.

في يونيو من عام 1996 هز مدينة الخبر انفجار كبير أودى بحياة عشرين من العسكريين الأمريكان وجرح مئات آخرين.

لم يعلن أسامة أي مسؤولية له عن انفجار الخبر لكنه استخدم أسلوبا شبيها بتعليقه على انفجار الرياض فهو يؤيد الانفجار دون أن يتبناه.

إعلان الجهاد

بعد انفجار الخبر بفترة بسيطة أصدر أسامة بيانه الأول بعنوان "إعلان الجهاد لإخراج الكفار من جزيرة العرب". ولم يصدر البيان هذه المرة من هيئة النصيحة والإصلاح بل صدر منه بشكل شخصي وباسمه . جاء البيان في اثني عشر صفحة معتبرا وضع الجزيرة بوجود القوات الكافرة فيه أنه وضع لم يمر على الجزيرة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

في تلك المرحلة حاول السفير السعودي في إسلام آباد الضغط على يونس خالص وحقاني لتسليم أسامة وحاول اغراءهما بعروض معينة لكن رد يونس خالص كان حاسما. قال يونس خالص لو لجأ إلينا عنز أو حيوان لحميناه فكيف برجل باع نفسه وماله في سبيل الله والجهاد في أفغانستان.

بعد ذلك اجتاحت طالبان المنطقة التي كان أسامة مقيما فيها وكان قد عرف شيئا عنهم لأن يونس خالص وحقاني كانا قد انضما إلى طالبان  لكن لم يكن أسامة على علم بما سيئول إليه وضعه. لم يدم انتظار أسامة طويلا حتى أرسل ملا عمر زعيم طالبان وفدا لمقابلة أسامة وطمأنته واعتباره ضيفا موروثا من الذين قبله وتعهد له بالحماية ، لكنه طلب منه على شكل رجاء التوقف عن أي نشاط إعلامي لان أسامة كان قد قابل محطة سي إن إن ومحطة القناة الرابعة البريطانية في تلك الفترة.

 

محاولة اختطاف

التطور الآخر الذي حدث بعد ذلك والذي اضطر أسامة للانتقال إلى قندهار هو محاولة الاختطاف التي تسرب خبرها لأسامة وأجهضت قبل أن تنفذ، حيث تم تمويل مرتزقة من القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية لتنفيذ هجوم سريع على المنطقة التي يقيم فيها أسامة وخطفه أو قتله وساهمت باكستان ودول أخرى معروفة بترتيب العملية. تسرب خبر العملية بسرعة لأسامة فرتب أمره على وجه السرعة للانتقال إلى قندهار الأكثر أمنا حيث معقل الطالبان.

وجها لوجه مع ملا عمر

بينما كان أسامة في جلال آباد حدث تطور هام في مسيرة الطالبان وهي دخولهم كابل بلا معارك تقريبا. وقد حول دخول كابل في سلطة طالبان الأوضاع لصالح طالبان ، حيث أصبحت طالبان هي القوة الأكبر في أفغانستان رغم الاعتراف المحدود بها. و بعد أن توجه أسامة إلى قندهار حرص على أن يقابل أمير الطالبان ملا عمر شخصيا لأنه حتى تلك اللحظة لم يقابل ملا عمر رغم المراسلات الكثيرة بينهما . تمت المقابلة فعلا وكان جوها وديا جدا. رحب ملا عمر بأسامة وعبر له عن سروره باستضافته وتشرفه تشرف طالبان بالدفاع عنه أولا كضيف عربي كريم وثانيا كمجاهد قاتل معهم في حرب أفغانستان. في نفس اللقاء تحدث ملا عمر عن التحديات الخطيرة التي تواجه الطالبان بعد دخول كابل وخاصة مواجهة قوات دوستم وقال لأسامة إنه قد يكون من الأولى تخفيف الحملة الإعلامية وأن ذلك مجرد طلب وليس أمرا ولا إلزاما. رد عليه أسامة بأنه قرر التخفيف أو التجميد الكامل للنشاط الإعلامي لفترة حتى قبل أن يطلب منه فارتاح ملا عمر لذلك. هذه هي حقيقة العلاقة، أما تتناقله الصحف  عن زواج الملا من إحدى بنات بن لادن فهو أمر ينفيه الطرفان.

اعتراف سعودي بحكومة طالبان

في تلك الأثناء كانت الحكومة السعودية قد اعترفت بطالبان فيما يعتقد أنه محاولة إحراج لطالبان للتعاون معها في قضية أسامة. ذهبت الحكومة السعودية شوطا أبعد حين أرسلت تدعو كل أعضاء حكومة طالبان والملا عمر شخصيا للحج و العمرة وتستضيفهم كضيوف رسميين. بل إن أحد الشخصيات الرئيسية في حكومة طالبان وهو محمد رباني رئيس الوزراء زار المملكة فعلا لأداء الحج لكن يبدوا أن "حسن الضيافة" لم تغير من مواقفه ولا مواقف حكومته. لم يتغير موقف طالبان من أسامة وردت بأدب عدة وفود أرسلتها الحكومة السعودية تفاوتت بين دبلوماسيين ورجال أعمال وأقارب أسامة وشخصيات استخباراتية.

أسامة طرف في الحرب الأفغانية

تطور آخر حصل في تلك الأيام أدى إلى رفع أسهم أسامة عند الطالبان وهو تغييره موقف الحياد الذي التزم به في خلافات الفصائل الأفغانية واتخاذه قرارا بالدخول بقوة مع الطالبان ضد دوستم ووجه أوامر لرجاله بالقتال مع طالبان. وبعد أن أصر شاه مسعود أن يدخل طرفا في الحرب أصدر طلبة العلم المرافقين له فتوى بأن قتال مسعود جهاد شرعي. كان لهذا القرار دور مهم في مساعدة الطالبان الذين  لم يكونوا رتبوا أنفسهم بعد ، وكل انتصاراتهم الأولى حصلت تقريبا دون قتال بسبب حرص الناس عليهم وتنازل القواد الميدانيين لهم، أما دوستم ومسعود فقواتهم أكثر تماسكا لأنهم أقنعوا أتباعهم أن الحرب عرقية وليست دينية، وساعد على تماسكهم اعتماد دوستم على الأوزبك ومسعود على الطاجيك وسعى مسعود ودوستم إلى إقناع أتباعهما أن طالبان ليسوا إلا بشتون يريدون السيطرة عليهم. أضف إلى ذلك أن العالم الغربي لم يشعر بخطورة طالبان إلا بعد سقوط كابل وحمايتهم لأسامة ودعا ذلك إلى أن يحظى مسعود ودوستم بدعم سخي من روسيا وأمريكا وتركيا وإيران وجهات أخرى. كاد الطالبان أن ينهاروا بعد أن واجهوا هذه القوات المنظمة المدعومة والمتماسكة وفي مرتين على الأقل كانت الكتائب التابعة لأسامة هي التي ردت تلك القوات عن كابل فحفظها له الطالبان وارتفعت أسهمه عندهم.

محاولة اختطاف أخرى

لم ييأس الأمريكان وحلفائهم من محاولة الإمساك بأسامة. وبعد أن تبين أن إقناع الطالبان مستحيل فكر الأمريكان مع الباكستانيين والدولة الثالثة بإعداد خطة لخطف أسامة عن طريق عملية كوماندوز منطلقة من الأراضي الباكستانية.

بدأ التدريب على العملية في نهاية ربيع عام 1997 على أن يتم التنفيذ في بداية الصيف وتم التكتم على العملية بشكل شديد لكن بسبب دخول باكستان طرفا فقد كان حفظ السر مستحيلا لأن بالمخابرات العسكرية الباكستانية تعاطف كبير مع أسامة. تسرب الخبر لأسامة وجهات عربية أخرى فبادرت بتسريبه للصحافة فانفضحت الخطة الأمريكية وألغيت. لم يعترف الأمريكان بما نشر-كالعادة - ولكنهم اعترفوا بعد ذلك وأعزوا إلغاء الفكرة إلى الخوف من وفيات في صفوف الأمريكان.[13]

علماء طالبان مع بن لادن

في نهاية عام 1997 وبداية 1998 قرر أسامة أن يستعيد نشاطه فبدأ أولا مع علماء طالبان وباكستان. نجح أسامة في استصدار فتوى من حوالي أربعين عالما من علماء أفغانستان وباكستان تؤيد بيانه لإخراج القوات الكافرة من جزيرة العرب. وزعت الفتوى على نطاق واسع في باكستان وأفغانستان وسربت للصحافة حيث نشرت مقاطع منها صحيفة القدس العربي.

كان أسامة يهدف من هذا البيان أن يكون بداية مشروع إسلامي شامل لتجييش علماء المسلمين ضد الوجود الأمريكي في جزيرة العرب على أساس أن هذه التوقيعات ستجمع من جهات وبلاد أخرى .

الجبهة الإسلامية العالمية

صادف هذا التطور -أو ربما كان من أسبابه أو من نتائجه و اللله أعلم- تجمع عدد من قيادات الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة الجهاد المصرية في أفغانستان وتقاطر عدد كبير من الوفود من باكستان وكشمير على أسامة. أحد هذه القيادات تمكن من إقناع أسامة بتوسيع مفهوم الحرب مع أمريكا إلى قتال لها في كل مكان. وتوسعت القناعة لتشمل بدلا من مقاتلة أمريكا قتل كل أمريكي في سن القتال في كل زمان ومكان ومعهم اليهود. وكان التكييف الشرعي هو أن الأمريكان يحتلون بلاد الحرمين ولذلك فإن كل أمريكي يعتبر داعما لاحتلال الجزيرة العربية، وبما أن الأمريكان واليهود يقاتلون المسلمين في كل مكان وزمان ويستبيحون دم المدنيين من المسلمين فإن قتل الأمريكان واليهود مشروع أيا كان الزمان والمكان.

المبرر السياسي هو أن أمريكا أصبحت العدو الأول للإسلام وصارت تتربص بالمسلمين والجماعات الإسلامية الدوائر ولم يعد هناك قوة تنافسها ولذا فإن من الضروري أن يشعر المسلمون أنهم أعداء لأمريكا وأن تتحول هذه القضية لقضية إسلامية أولى في كافة أنحاء العالم الإسلامي.

تحولت القناعة إلى عمل وذلك من خلال إصدار بيان الجبهة الإسلامية العالمية في فبراير عام 1998 الذي يدعو إلى قتل الأمريكان واليهود في كل مكان وزمان. وقع البيان مع بن لادن عن جماعة الجهاد المصرية الدكتور أيمن الظواهري ورفاعي طه أحد مسئولي الجماعة الإسلامية المصرية كما وقعه رئيس أحد الفصائل الكشميرية وأحد القيادات الباكستانية المشهورة. وزع البيان و نشرته الصحافة وكان علامة تحول كبيرة من عدة أوجه:

أولاً : مثّل هذا البيان القفز إلى مشروع عالمي بدلا من التركيز على قضية القوات الأمريكية في جزيرة العرب.

ثانياً : مثل هذا البيان ما اعتبره البعض تخليا عن الحذر الذي كان يحرص عليه أسامة في الموقف الشرعي والإصرار على توسيع دائرة إباحة الدم.

ثالثاً : دخول أسامة لأول مرة كطرف فيما يشبه تحالفا إسلامي من الجماعات الجهادية بعد أن كان يعمل مع مجموعته ويرفض التحالفات المعلنة مع إقراره لفكرة التعاون والتنسيق دون حلف معلن.

السفارات الأمريكية تتفجر

بعد تصريحات بن لادن بأنه سيضرب خلال أسابيع بقي الأمريكان في حالة ترقب وقد استعدوا في حالة تأهب قصوى ضد أي هجمات ولكن كل استعداداتهم كانت في المنطقة العربية والخليج و إلى حد ما القرن الأفريقي. وبينما الأمريكان في كامل التأهب أتتهم الضربة في الموقع الذي لم يتحسبوا له، سفاراتهم في كينيا وتنزانيا، وذلك حين نسفت السفارتين شاحنتين ممتلئتين بالمتفجرات يوم السابع من أغسطس 1998 .

 لوحظ في التعليقات الصحفية والدراسية أن الحادثين ربطا بالوجود الأمريكي في المنطقة عموما وفي المملكة خصوصا، وربطا بسياستها مع إسرائيل [14] والعراق ودعمها للحكومات في المنطقة وتعاونها في القبض على مطلوبين من الإسلاميين وتشجيع اعتقال آخرين. من جهة ثانية بدا لهذه القضية أهمية من خلال إحراج الأنظمة العربية المتعاونة مع أمريكا في سياستها ضد الإسلام، حيث ساد شعور لدى تلك الأنظمة أن هؤلاء الجهاديين تجاوزوهم إلى أسيادهم الأمريكان، بمعنى أن لديهم من القدرات اللوجستية أكبر من مجرد مواجهة تلك الأنظمة، وهذا فيه درجة عالية من الإحراج.

الأمريكان يردون

لم يتحدث بن لادن علنا بل نقل عنه نفي مسئوليته عن الانفجارين. لكن يبدو أن الأمريكان كان لديهم استنتاج آخر توصلوا إليه منذ الأسبوع الأول بعد الانفجار وهو أن بن لادن مسؤول مائة بالمائة عن الانفجارين سواء اعترف أم لم يعترف. وبناء على تلك المعلومات المزعومة قام الأمريكان بعمليتهم المشهورة في ضرب السودان وأفغانستان. حيث انهالت على السودان وأفغانستان عشرات صواريخ كروز موجهة لضرب هدفين محددين في السودان وأفغانستان.

السعودية لم تيأس

لم تتوقف محاولات الحكومة السعودية في الضغط على طالبان بتسليم بن لادن ومن أجل ذلك لجأت الحكومة السعودية إلى آخر سهم في كنانتها وهو إرسال أكثر الأمراء السعوديين خبرة بأفغانستان تركي الفيصل. توجه تركي الفيصل بصحبة عبد الله التركي وزير الشؤون الإسلامية وسلمان العمري القائم بالأعمال السعودي في كابل.

في قندهار قابل الوفد الملا عمر وطلب تسليم بن لادن لأمريكا ودارت بين الوفد السعودي وبين طالبان ملاسنة حادة قال فيها الملا عمر أنهم إذا كانوا يتحدثون باسم أمريكا فلا يلومونه إذا قال أنه يتحدث باسم بن لادن. وكانت عبارة ملا عمر هذه من باب الإحراج للوفد الذي طلب منه  تسليم بن لادن لأمريكا وإلا فإنه سيعتبر موافقا مع بن لادن في توجهاته الأخيرة. وفي اللقاء ادعى تركي الفيصل أنه قَدِمَ بناء على طلب من الملا عمر من أجل استلام بن لادن، فأنكر ملا عمر وجود هذا الوعد، بل انتقد شرعية مثل هذا الطلب أصلا، فاشتد النقاش بين الطرفين إلى درجة أن الملا عمر وجه كلاما خشنا للوفد السعودي تردد المترجم في ترجمته فنهره الملا عمر وأصر على ترجمته حرفيا. وقبل أن ينصرف تركي الفيصل طلب منه الملا عمر أن يصطحب معه القائم بالأعمال السعودي . وقررت السعودية قطع العلاقة مع طالبان.

الصحافة السعودية تنقلب مع الحكومة

ما إن صدر القرار السعودي بقطع العلاقة الدبلوماسية مع طالبان حتى انقلبت الصحافة السعودية على طالبان. و تحول من كانوا يوصفون من قبل نفس الصحافة في فترة الرضا بأنهم طلبة علم يطبقون الشريعة ، إلى مرتزقة وقطاع طرق وتجار مخدرات ومراكز للإرهاب الدولي والتخلف الحضاري. صحف أخرى لم تهتم بهذا الجانب بقدر ما اهتمت بقضية بن لادن وأبرزت طالبان كجماعة نفعية تحمي بن لادن اليوم لمصالح مؤقتة وتبيعه غدا، وزعمت جريدة " الشرق الأوسط " [15] حينها أن ملا عمر قد حنث بيمينه وسوف يسلم بن لادن والقضية قضية وقت.

والدة بن لادن تُحشر في اللعبة

رغم فشل زيارة تركي الفيصل لم ييأس السعوديون و قرروا استخدام وسيلة أخرى ليس لها علاقة بالطالبان وهي الضغط مباشرة على بن لادن. كانت والدة بن لادن ممنوعة من السفر وحرمت من زيارته عندما كان في السودان، وكانت الحكومة السعودية تعلم انه في أشد الشوق إليها، فعمدت إلى ترتيب زيارة خاصة لوالدته بطائرة خاصة تقلها إلى قندهار من أجل الضغط عليه. وفعلا وصلت الأم وقابل أسامة والدته فعلا بعد غياب سنين، ولا غرابة أن كان اللقاء عاطفيا رقيقا لكن بن لادن كان واضحا تماما أن قضاياه ليست مطروحة للنقاش. وعادت الوالدة المكلومة بعد أن كحلت عينها برؤية ابنها أسامة ( ربما للمرة الأخيرة)  لكن الزيارة لم تحقق أي مطلب. 

 

 

إعلان الحصار على الطالبان

في 23 يوليو 1999م صدر قرار من مجلس الأمن للأمم المتحدة يفرض الحظر على حكومة طالبان لإيوائها أسامة بن لادن. كانت إجازة مجلس الأمن للقرار دليلا على إن كيان المجلس مستعد لتنفيذ أوامر أمريكية بطريقة مخجلة ولا نريد أن نعلق كثيرا لأن مجرد انصياع العالم لأمريكا في قضية مثل هذه هو تجسيد لوضع العالم في الوقت الحاضر.

من صفات بن لادن

من الصفات الواضحة التي يتحلى بها والتي يجمع عليها أنصاره وأعداؤه صفة الشجاعة، ويقول القريبون منه أنه بالإمكان أن تنفجر قنبلة ضخمة على مسافة قريبة ولا تتحرك منه شعرة. ولقد تعرض خلال أحداث أفغانستان إلى أكثر من أربعين مرة لحوادث قصف ثقيل وفي ثلاث حالات منها كان اللحم يتطاير عن يمينه وشماله ولم يظهر عليه ما يدل على تأثر يذكر سوى الحزن على فقد بعض أحبائه.

من الحوادث الخطيرة والتي أنجاه الله منها بما يشبه المعجزة ما حصل حين انفجر صاروخ سكود على بعد سبعة عشر مترا فقط، وفي أكثر من مرة ينقل إلى المستشفى أو إلى المسعف المحلي بسبب جروح يصاب بها ، وفي مرة من المرات شارف على الموت لأن سحابة السلاح الكيماوي وصلت إليه. وكان بن لادن ولا يزال يتمنى الشهادة وهو يعتبر نفسه يعيش بما يشبه العمر الإضافي لأنه أشرف على الموت كثيرا وكتبت له الحياة، وقد أعطاه هذا الشعور دفعة إيمانية وشعورا  بضرورة الاجتهاد في الحرص على رضا الله.

ومن العواطف المؤثرة في بن لادن حبه للحجاز حبا جما وكان يقول إن خيمة تحت جبال الحجاز أحب إليه من قصر على النيل، و هو يعتبر حبه لذلك الموطن مضاعفا لأنه أولا موطن شرفه الله بالرسالة ، وثانيا موطن ولد فيه وترعرع وله فيه ذكريات جميلة. لكن مع ذلك لا يعدل بن لادن بأرض الجهاد موطنا.

مفخرة العائلة

كان ترتيب أسامة الحادي والعشرين تقريبا بين الأبناء ولكن مع ذلك كان يُنظر إليه من قبل بقية أفراد العائلة كما لو كان حكيم العائلة وخاصة حينما بزغ نجمه في أفغانستان وبعد وفاة أخيه سالم. كان أسامة مثلا هو المرجع والحكم في خلافات العائلة الداخلية. وخلال أيام الجهاد في الثمانينات كان إخوانه وأخواته والأقارب الآخرون يتسابقون في استضافته في منزلهم إذا عاد للمملكة.

بقيت العلاقة كذلك إلى أن غادر إلى السودان ثم إلى أفغانستان. وبالطبع لم يتغير افتخار عائلته به وحرصهم على الصلة قدر الإمكان، وأما ما نسب لإخوانه من إعلان للبراءة منه فغير صحيح، بل كان بيانا مكذوبا عليهم، ويعلم القريبون من العائلة أنهم تعرضوا للتهديد إذا أعطوا أي إشارة أن هذا البيان مكذوب عليهم.

بن لادن وآل سعود

خلافا لما يعتقد أو يزعمه الكثيرون فإن بن لادن لا يرتبط ولم يرتبط بأي علاقة خاصة على المستوى الشخصي مع آل سعود. لربما قابل أسامة بعض الأمراء في لقاء عارض أو في أحد بيوت إخوانه لكن بالتأكيد لم تكن هناك علاقة خاصة. و في الحقيقة كان موقف أسامة موقف المرتاب من كل الحكومة السعودية منذ الثمانينات لكنه فضل السكوت مصلحة لأجل عدم التأثير على دعم الجهاد فلم يرغب بتهييج الدولة.

العلاقة مع أمريكا

خلافا لما يتردد في بعض الكتابات لم يكن لابن لادن أي علاقات مع أمريكا لا مباشرة ولا غير مباشرة، وكل مزاعم من هذا القبيل افتراءات ليس لها أساس. بل الحقيقة أن موقف بن لادن من أمريكا كان عدائيا منذ أن عرف أفغانستان. ومن ضمن ما ثبت من أقواله في بداية الثمانينات حينما كانت أمريكا تظهر أمام العالم وكأنها تدعم الجهاد الأفغاني إن المعركة القادمة ستكون مع أمريكا. ولم تكن هذه القضية بالنسبة له مجرد نبوءة  بل كانت موقفا وقفه على أساس وأصل، والدليل أنه التزم منذ تلك الفترة وألزم أهله ومن له أمر عليه بعدم شراء أي بضاعة أمريكية إلا ما لا يمكن الاستغناء عنه.

وقد استبعد الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات العامة السعودية، في حديث له مع قناة الـmbc أن تكون لابن لادن علاقة بالاستخبارات المركزية الأميركية كما أشيع اكثر من مرة أو أي أجهزة أميركية رسمية أخرى. وقال «ولم تتوفر عندنا أي معلومات أن كانت له اتصالات بأي أجهزة حكومية أجنبية غير الأجهزة الباكستانية».

كيف يستثمر ؟

تميز عن إخوانه في نشاطاته بالمحافظة على سياسة محددة في نشاطه المالي. كان هدفه من هذا الالتزام هو ضمان الصبغة الإسلامية لهذا النشاط وصفة الحلال للمال. من ضمن هذه السياسات أنه كان يرفض مطلقا الاستثمار في بلد غير إسلامي إلا إذا كان ذلك مما لا مفر منه. ومن ضمن هذه السياسات بالطبع تحاشي أي نشاط فيه شبهة ربا ولذلك كان يتجنب الاستثمار في البورصة والأسهم الغربية لأنه يعتقد أن المستثمر لا يمكن أن يضمن أن تلوثها بالربا بسبب وضع الأموال في بنوك ربوية واختلاط الأرباح بالفائدة.[16]

شعبيته

قال محللون إن أسامة بن لادن كان وما يزال يحظى بشعبية متزايدة في منطقة الخليج حتى قبيل الهجمات التي استهدفت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلا أن النصر الإعلامي الذي منحه له الرئيس الأميركي جورج بوش باستخدام تعبير الحملة الصليبية ضد ما أسماه بالإرهاب عزز من هذه الشعبية الآخذة بالتزايد أصلا.

 إن ظاهرة أسامة بن لادن قوية جدا في السعودية، والشباب هناك يعتزون بأسامة لأنهم يعتقدون أنه الوحيد الذي يتحدى الهيمنة الأميركية. كما أنه  يحظى بتأييد الجماعات الإسلامية في أنحاء من السعودية.ولقد ساعد تركيز واشنطن على بن لادن باعتباره مصدرا للإرهاب المزعوم على إعطائه مكانة البطل الشعبي بين كثيرين في وطنه وفي أماكن أخرى في العالمين العربي والإسلامي.

 بل إنه يحظى بين الغالبية العظمى من العرب العلمانيين، الذين يدينون هجمات من النوع الذي استهدف أميركا، بصورة شبيهة بالصورة التي حظي بها الثائر الأميركي الجنوبي تشي جيفارا في الستينيات.

كما يروق نمط حياة بن لادن المتقشف لبعض المسلمين الذين يسترجعون تاريخ السلف الذين تخلوا عن ثرواتهم وحياتهم المترفة للدفاع عن الإسلام في عصر الصحابة.

وفى برنامج حواري بثته شبكة تلفزيون خليجية كان جميع من اتصلوا بالبرنامج يقولون إن بداخل كل منهم بن لادن. و أن الأحداث جعلت منه صلاح الدين جديدا. كما أثار اسم (العدالة المطلقة) الذي أطلقه بوش على الحملة بعض المسلمين الذين يرون أن العدالة المطلقة لله وحده.  وأشار دبلوماسي غربي إلى تقارير شاهد عيان لمظاهرات الفرح في عدة دول خليجية في اليوم التالي للهجمات.

ولقد تعدت شعبية بن لادن العالم العربي والإسلامي لتنتشر في الصين ودول جنوب شرق آسيا.. حيث أخذ الشباب يرتدون أردية تحمل صورته، ويتبادلون صورته علي الهاتف المحمول، مما اضطر السلطات في تلك البلاد إلي إصدار قوانين تجرم تأييد بن لادن. أما في باكستان و أفغانستان فقد انتشرت ظاهرة ارتداء (التي شيرتات) التي تحمل عبارات وشعارات مؤيدة لأسامة بن لادن واصبح آخر صيحة للمعجبين بالرجل الذي تتهمه الولايات المتحدة بأنه ممول الإرهاب الدولي.

وقد وصل الإعجاب ببن لادن إلى درجة أن 70% من المواليد في شمال نيجيريا بعد أحداث 11 سبتمبر سماهم ذووهم باسم: " أسامة".

رأيه في الأمم المتحدة

يري أسامة بن لادن أن الأمم المتحدة كانت وراء كل المآسي التي حلت بالعرب والمسلمين.

كما يري أنه لا يوجد دليل حتى الآن على صلة أفغانستان بالهجمات التي وقعت في الولايات المتحدة. وقال إن الحملة التي تقودها أميركا على أفغانستان "تبيد القرويين والمدنيين والأطفال والأبرياء بدون حق".

ويضيف: "واليوم بدون أن يثبت أي دليل تسوق الأمم المتحدة القرارات المؤيدة لأميركا الظالمة الجائرة المتجبرة على هؤلاء المستضعفين الذين خرجوا من حرب ضروس على يد الاتحاد السوفيتي".

و يضيف في إشارة إلي الحكام العرب :

 "الذين يريدون أن يحلوا مآسينا في الأمم المتحدة إنما هم منافقون يخادعون الله ورسوله ويخادعون الذين آمنوا".  ويتساءل "هل مآسينا إلا من الأمم المتحدة؟ من الذي أصدر قرار التقسيم وأباح بلاد الإسلام لليهود؟".

وأضاف "هذه هي الأمم المتحدة التي عانينا منها ما عانينا"، مؤكدا أنه "لا يذهب إليها مسلم بحال من الأحوال ولا يذهب إليها عاقل وإنما هي أداة من أدوات الجريمة".

تواضعه

قال طباخ[17] خدم أسامة بن لادن خلال فترة إقامته في السودان إنه يتمني رؤية زعيم تنظيم القاعدة مرة أخري، وامتدح معاملته له. وقال الطباخ محمد الفكي في مقابلة نشرتها صحيفة الوطن السودانية: أنا مشتاق لأي نوع من الاتصال بأسامة.

وأضاف أنه لم يكن يأكل كثيراً. وأشار إلى أن ضيوف بن لادن كانوا دائماً كثيري العدد.وقال إن أسامة كان يعاملنا باحترام دائماً، وضرب ابنه مرة لأنه لم يخاطبني بلقب سيد أو عم . وأضاف أن بن لادن كان كثيراً ما يطلب من مرافق صومالي إمامة الصلاة. لقد ترك حياة الترف والجاه حيث كان ينام في دار الضيافة ببيشاور، فوق وسادة على الأرض[18].

لقاؤه مع روبرت فيسك[19]

يقول فيسك: لقد فشلت كل المحاولات الأمريكية لاغتيال بن لادن لأن أتباع بن لادن لا يمكن شراء ذمتهم. لا أحد يريد خيانته. ويضيف أن بن لادن ذكر له   أنه لم يأخذ ولو رصاصة واحدة من الغرب و أنه لم يلتق أبدا بأي عميل أمريكي أو بريطاني.[20]

رد بن لادن على واشنطن التي تعتبره أكبر "إرهابي" في العالم بأن قال:

" إذا كان تحرير بلدي يعتبر إرهابا فذلك شرف كبير لي."

"ليس هناك فرق بين الحكومتين الأمريكية و الإسرائيلية أو بين الجيشين الأمريكي و الإسرائيلي".

ويضيف فيسك أن بن لادن قال له: إنه يسعى بعزم لإخراج الأمريكيين من العربية السعودية. و ما حدث في الرياض و الخبر (مقتل 24 أمريكيا في تفجيرين) يعكس الغضب الشديد للشعب السعودي تجاه أمريكا.  إذ يعتقد السعوديون اليوم أن عدوهم الحقيقي هي أمريكا."

ويستطرد فيسك قائلا:

" يقول المحققون الأمريكيون أن العديد من خاطفي الطائرات الأسبوع الماضي سعوديون. وقد قال لي بن لادن شيئا أضحى يدندن في أذني بصفة مأساوية:" إذا انفجر كيلو غرام واحد من مادة (تي إن تي) في بلد لم يشهد أبدا تفجيرات من قبل -يقصد السعودية-فهو يشكل حدثا بالتأكيد، فإن انفجار 2500 كيلو غرام من (تي إن تي) في الخبر لهو دليل قاطع على مقاومة الشعب للاستعمار الأمريكي.. إننا كمسلمين لدينا شعور قوي بالتناسق.. إننا نشاطر آلام إخواننا في فلسطين و لبنان. إن انفجار الخبر ليس نتيجة مباشرة للاستعمار الأمريكي، بل هو نتيجة لسلوك الأمريكان تجاه المسلمين".

ويواصل فيسك:

لقد تحدث لي بن لادن عن الأطفال الذين يموتون في العراق بسبب عقوبات الأمم المتحدة : "إن قتل هؤلاء الأطفال يعتبر حملة ضد الإسلام. إننا كمسلمين لا نحب النظام العراقي، لكن نعتقد أن الشعب العراقي و أطفاله إخوان لنا نهتم بمستقبلهم."

لقد بدا لي بن لادن مقتنعا أن الأمريكان سيخرجون من العربية السعودية "عاجلا أو آجلا".فهو يؤكد أن "الحرب المعلنة من قبل الأمريكيين ضد الشعب السعودي تعني أن الحرب ضد جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم. و ستمتد المقاومة ضد الأمريكان إلى مختلف البلدان الإسلامية. إن القادة الذين نثق فيهم و العلماء أعطونا فتوى لطرد كل الأمريكيين. إن الحل لهذه الأزمة يمر عبر انسحاب القوات الأمريكية. إن وجودهم العسكري إهانة للشعب السعودي."

في العام 1996 سألت بن لادن عن رأيه في مقتل 19 أمريكيا في العربية السعودية فرد قائلا أنها "بداية الحرب بين المسلمين و الولايات المتحدة." أما فيما يخص العملية التالية التي خلفت مقتل 24 جندي أمريكي فقال أنه "عمل رائع لم يحصل له شرف المساهمة فيه".

ثم يصل روبرت فيسك إلى أحداث 11 سبتمبر وتوقعه أن أسامة بن لادن قد فوجئ بها، فيقول:

لكن هل يمكنه حقيقة قيادة جيش من انطلاقا من جبال أفغانستان المعزولة؟. إنه كان يريد إرساء "الشريعة الحقيقية" في بلدان الشرق الأوسط و إنهاء الدكتاتوريات التي وضعتها الولايات المتحدة ، والتي تدعم سياسة الولايات المتحدة و تقمع شعوبها. كنت أشعر أن هذا الخطاب رسالة قوية تجاه ملايين العرب. و عليه ليس مطلوبا أن يكون هناك أمر من بن لادن تجاه مجموعة من الأتباع لاتخاذ قرار القيام بعمليات فردية. و لا يحتاج بن لادن إلى تحضير تفجيرات أو قلب أنظمة الحكم. إنني أتساءل إذن – مع الافتراض دائما أن بن لادن وراء الجرائم ضد الإنسانية التي حصلت الأسبوع الماضي- ما إذا كان بالضرورة قيادة تنظيم شبه عسكري حتى يحدث ما حدث. إن العرب هم في حالة من الغضب ضد المظالم الأمريكية تجعلهم لا ينتظرون أوامر من أفغانستان. إن مجرد الإيحاء قد يكون كافيا. لقد تساءلت، وأنا أشاهد صورا عن نيويورك الأسبوع الماضي، ما إذا لم يكن بن لادن قد تفاجأ مثلي و هو يشاهد الصور نفسها.هذا مع افتراض أن عنده تلفزيون..!!

***

 

ماذا يريد أسامة بن لادن

يجيب هو بنفسه عن السؤال في لقاء تلفازى مع قناة الجزيرة فيقول:

" الذي نريده ونطالب به هو حق لأي كائن حي، نحن نطالب بأن تحرر أرضنا من الأعداء، أن تحرر أرضنا من الأميركان، فهذه الكائنات الحية قد زودها الله –سبحانه وتعالى- بغيرة فطرية، ترفض أن يدخل عليها داخل، فهذه –أعزكم الله- الدواجن.. لو أن الدجاجة دخل عليها مسلح.. عسكري يريد أن يعتدي على بيتها، فهي تقاتله وهي دجاجة، فنحن نطالب بحق هو لجميع الكائنات الحية فضلاً عن الكائنات الإنسانية البشرية، فضلاً عن المسلمين، فالذي حصل على بلاد الإسلام من اعتداء –وخاصة للمقدسات- ابتداءً بالمسجد الأقصى حيث قبلة النبي –عليه الصلاة والسلام- الأولى، ثم استمر العدوان من التحالف الصليبي اليهودي تتزعمه أميركا وإسرائيل حتى أخذوا بلاد الحرمين –ولا حول ولا قوة إلا بالله- فنحن نسعى لتحريض الأمة كي تقوم لتحرير أرضها والجهاد في سبيل الله –سبحانه وتعالى- لتحكم الشرع ولتكون كلمة الله هي العليا."..

***

 

 

 

من أقوال أسامة بن لادن رضى الله عنه

***

..".. آن الأوان للشعوب المسلمة أن تدرك أن دول المنطقة هي دول ليست ذات سيادة، فأعداؤنا يسرحون ويمرحون في بحارنا وفي أراضينا وفي أجوائنا، يضربون دون أن يستأذنوا أحداً، (..) الأنظمة الموجودة إما هي متواطئة أو فقدت القدرة على القيام بأي عمل ضد هذا الاحتلال السافر، فينبغي على المسلمين، وبخاصة أهل الحل والعقد وأهل الرأي من العلماء الصادقين والتجارالمخلصين وشيوخ القبائل أن يهاجروا في سبيل الله ويجدوا لهم مكاناً يرفعوا فيه رايه الجهاد ويعبئوا الأمة للمحافظة على دينها وعلى دنياها وإلا سيذهب عليهم كل شيء، فإذا لم يعتبروا مما أصاب إخواننا في فلسطين، بعد أن كان الشعب الفلسطيني مشهور بنشاطه(..) أصبح ذلك الشعب –وهم إخواننا- مشردين، مطرودين في كل أرض، وأصبحوا في الأخير أُجراء عند اليهودي هذا المستعمر، متى شاؤوا أدخلوهم، ومتى شاؤوا منعوهم بأزهد الأسعار، فالأمر خطير، وإذا لم نتحرك وقد أعتدي على البيت العتيق، على قبلة 1200 مليون مسلم، فمتى يتحرك الناس؟! هذا أمرٌ عظيم ينبغي السعي فيه، وأما من يظن أن هذا الضرب يرهب الحركات الإسلامية فهو واهم، فنحن كمسلمين نعتقد أن الآجال معلومة، محدودة، لا تتقدم ولا تتأخر، منذ أن كنا في بطون أمهاتنا، وأن الأرزاق هي بيد الله –سبحانه وتعالى- وهذه الأنفس الله –سبحانه وتعالى- هو خلقها، والأموال هو رزقها، ثم اشتراها بالجنة، فعلام يتأخر الناس عن نصرة الدين؟! .." ..

***

.."..نحن –كما ذكرت- نطالب بحقوقنا، بإخراجهم من بلاد العالم الإسلامي وعدم سيطرتهم علينا، ونعتقد أن حق الدفاع عن النفس هو حق لكل البشر، ففي وقتٍ تختزن إسرائيل فيه مئات الرؤوس النووية والقنابل النووية ويسيطر فيه الغرب الصليبي على هذا السلاح بنسبة كبيرة، فلا نعتبر هذا تهمة، بل هو حق ولا نقبل من أحد أن يوجه تهمة علينا بذلك، يعني كما تتهم رجل، كيف أن يكون فارساً شجاعاً مقاتلاً، تقول أنت لماذا ذلك؟! لا يتهمه بذلك إلا رجل مختل، غير عاقل، وإنما هذا حق نحن أيدنا وهنأنا الشعب الباكستاني عندما فتح الله عليهم وامتلكوا هذا السلاح النووي، ونعتبر أنه حق من حقوقنا ومن حقوق المسلمين، ما نلتفت لهذه التهم المهترئة من أميركا.."..

 

.. ".. أقول هناك طرفان في الصراع: الصليبية العالمية بالتحالف مع اليهودية الصهيونية تتزعمهم أميركا وبريطانيا وإسرائيل، والطرف الآخر العالم الإسلامي، فمن غير المقبول في مثل هذا الصراع هو يعتدي ويدخل على أرضي ومقدساتي وينهب بترول المسلمين ثم عندما يجد أي مقاومة من المسلمين يقول هؤلاء هم إرهابيون!! هذا يعني حماقة أو أنه يستحمق الآخرين، فنحن نعتقد من واجبنا شرعاً أن نقاوم هذا الاحتلال بكل ما أوتينا من قوة ونعاقبه بنفس الطرق التي هو يستخدمها ضدنا.." ..

***

.."..ادعاءات أميركا كثيرة، ولكنها -على افتراض صحتها- لا تعنينا في شيء، هؤلاء يقاومون الكفر العالمي الذي احتل بلادنا، فما الذي يغضب.. يغضب أميركا عندما تعتدي على الناس والناس يقاومونها! لكن ادعاءاتها أيضاً مع ذلك باطلة، إلا إذا قصدت أنني لي صلة بتحريضهم فهذا واضح وأعترف به في كل وقت وحين أنني كنت أحد الذين وقعوا على الفتوى لتحريض الأمة للجهاد، وحرضنا منذ بضع سنين(..)  ما الخطأ في أن تقاوم المعتدي عليك؟ جميع الملل هذا جزء من كيانها، هؤلاء البوذيون، هؤلاء الكوريون الشماليون، هؤلاء الفيتناميون قاتلوا الأميركان، هذا حق مشروع، فبأي حق الإعلام العربي والإسلامي يطارد المجاهدين .."..

***

..".. بعض الدول العربية مارست علينا ضغوطا اقتصادية منعتنا من حقوقنا، وضيَّقت علينا، ومنعت حتى أهلنا أن يدفعوا إلينا أموالنا، وهم في ذلك يقتدون بعبد الله بن أُبيّ بن سلول زعيم المنافقين، ويقتدون بالمنافقين، الذين قال الله –سبحانه وتعالى- فيهم: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ولله خزائن السموات والأرض، ولكن المنافقين لا يفقهون)، فعاقبهم الله سبحانه وتعالى، والآن هم يعيشون في تضييق أشد من تضييقهم علينا، وأما نحن، فكما صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام: "من بات آمناً في سربه، معافاً في بدنه، حائزاً قوت يومه، فقد جمعت له الدنيا بحذافيرها"، فوالله الذي لا إله إلا هو نشعر أن الدنيا بحذافيرها معنا، والمال ظلٌ زائل، لكننا نخاطب المسلمين أن يبذلوا أموالهم في الجهاد مع الحركات الجهادية، التي خاصة تفرغت لقتال اليهود والصليبيين.."..

***

 

..".. أننا نعتقد اعتقاداً جازماً وأقول ذلك لشدة ما يمارسه الأنظمة والإعلام علينا، يريدوا أن يسلخونا من رجولتنا، نحن نعتقد أننا رجال، ورجال مسلمون ينبغي أن نذود عن أعظم بيتٍ في الوجود، الكعبة المشرفة، أن نتشرف بالذود عنها، لا أن تأتي المجندات الأميركيات من اليهوديات والنصرانيات يذودون عن أحفاد سعد والمثنى وأبي بكرٍ وعمر، والله لو لم يكن أكرمنا الله بالإسلام لأبى أجدادنا في الجاهلية أن تأتي هؤلاء، وأن يأتي هؤلاء العلوج الحُمر بحجة هذه الدعوة، وهي دعوة لم تعد تنطلي على الأطفال، فقد قال الحكام في تلك المنطقة: "إن مجيء الأميركان لبضعة أشهر" وهم كذبوا في البداية والنهاية "وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة –كما ذكر رسولنا عليه الصلاة والسلام- فذكر منهم ملكٌ كذابٍ" فمرت الأشهر، ومرت السنة الأولى والثانية ونحن الآن في السنة التاسعة والأميركيون يكذبون الجميع، يقولوا نحن لنا مصالح في هذه المنطقة، ولن نتحرك قبل أن نطمئن عليها، فيعني عدو يدخل يسرق مالك، أنت تقول له أنت تسرق؟ يقول لك لاً.. أنا هذه مصلحتي، هذه مصلحتي، فيغالطوننا بالألفاظ، فالحكام في تلك المنطقة.. لعل رجولتهم سُلبت..(..).. فهدفنا العمل بشرع الله –سبحانه وتعالى- والذود عن الكعبة المشرفة، هذه الكعبة العظيمة وهذا البيت العتيق، الله –سبحانه وتعالى- جعل وجود البشر في هذه الأرض على توحيده بالعبادة ومن أعظم العبادة، بل أعظم العبادات بعد الإيمان الصلاة، كما في الصحيح "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" فالله –سبحانه وتعالى- لا يقبل مِنا صلاةً مكتوبة إذا لم نتجه إلى هذا البيت العتيق، فهذا هدفنا أن نحرر بلاد الإسلام من الكفر وأن نطبق فيها شرع الله –سبحانه وتعالى- حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.."..

***

..".. بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح الأمريكان أكثر عدوانية، وتجرؤوا على العالم الإسلامي … ، يجب علينا أن نستخدم القوة لتحرير المسلمين نساء وأطفالا من الشيطان، التاريخ الأمريكي لم يفرّق بين المدنيين والعسكريين ، و لا حتى بين الرجل والمرأة ، وهم أول من استخدم القنبلة النووية ضد نجازاكي ، 00 ، فهل فرّقت تلك القنبلة بين المدنييّن والعسكرييّن، أمريكا ليس لها دين يمنعها من تدمير كل العالم .."..

***

.." أوجه نصيحة إلى جميع المسلمين بأن يتدبَّروا كتاب الله -سبحانه وتعالى- فهو المخرج وهو الذي انتشلنا من قاع الجاهلية المنتنة في تلك العصور المظلمة، فدواؤنا في الكتاب والسنة، وعندما يقرأ الإنسان القرآن يتعجب من قعود كثير من الناس، هل هم لا يقرؤون القرآن، أم أنهم يقرؤون ولا يتدبرون؟! يقول الله سبحانه وتعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، قال أهل العلم: منهم، أي منهم في الكفر، يصبح مثلهم كافرا، ثم الآية التي تليها يقول سبحانه: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ويصبحوا على ما أصروا في أنفسهم نادمين)…"..

 

 

*

**

***

السابق

المحتويات

التالي

 



[1] - المعلومات الواردة في هذا الفصل مستقاة من مصادر عديدة، بعضها شخصى، ومن صحف القدس العربي والحياة، والسبيل و كل العرب ومما نشر في صحيفة الشعب الإلكترونية، ومن قناة الجزيرة ومن الشبكة العالمية.

[2] - حديث مسجل مع قناة الزيرة في عام 1998 و أعيد بثه بعد أحداث 11 يبتمبر أيلول.

[3] - صحف التنويريين ومجلاتهم  لم تجد إلا المعلومات الكاذبة التي تبثها وكالات المخابرات الغربية، مؤكدة الصلة بين هذه الوكالات وبين الثقافة!!

[4] - مجلة روز اليوسف وصحيفة القاهرة نشرتا – دون الإشارة إلي أي مصدر – أن أسامة بن لادن إنما ذهب لشراء خيول عربية أصيلة، ولم يكن يفكر في الجهاد !.

[5] - من هنا يتضح أن أصل اسم القاعدة  هو قاعدة البيانات (DATA BASE ) والتي توجد في أي شركة أو مؤسسة تستعمل الكمبيوتر، ومن هذا الاسم المتداول، خلقت المخابرات الأمريكية أسطورة تنظيم القاعدة.

[6] - يترك هؤلاء المصادر الصادقة ويلجئون في نشر أكاذيبهم إلي مصادر مشبوهة، وعلي سبيل المثال فإن التفسير السائد لتنظيم القاعدة يعتمد علي شهادة جمال أحمد الفضل، السوداني الذي كان عضواً في تنظيم القاعدة قبل أن ينشق عنه في 1996 إثر سرقته أموالاً منه،. إذ يقول، في شهادته أمام محكمة مانهاتن الفيديرالية في نيويورك في قضية تفجير السفارتين في شرق افريقيا، ومثل هذه الشهادة غير موثوق بها، وقد تكون من إملاء المخابرات الأمريكية .

[7] - من هذا الرأي الصحفيان: عبد الباري عطوان وعبد الوهاب الأفندى بصحيفة القدس العربي.

[8] - اغتيال أمة- مكتبة مدبولى .

[9] - الحياة 18-11-2001.

[10] - جهاد الدفع هو ما يجب أن يفعله المسلم لدفع العدوحين تُغزى بلد إسلامية.

[11] - نفس الخطط والأهداف لا تتغير أبدا. فما فشلت فيه الولايات المتحدة عام 1992، هو بعينه ما تفعله الآن: 2002م.

[12] - فيما بعد، انفجرت الفضيحة، فالحكومة السودانية عرضت تسليمه، لكن السعودية و أمريكا رفضتا تجنبا للآثار السياسية لمحاكمته.

[13] - سوف تثور نفس الشكوك في المخابرات الباكستانية بعد ذلك، بعد فشل هجوم للكوماندوز الأمريكيين علي منزل للملا عمر.

[14] - سوف يدعي الحداثيون والتنويريون بعد ذلك أن أسامة بن لادن لم يذكر فلسطين قط قبل أحداث 11 سبتمبر، وقد تصاعدت حملتهم مع إعلان المخابرات الأمريكية عن تخصيص ثلاثين مليون دولار لإنفاقها علي عملائها الذين كلفوا بتشويه صورة أسامة بن لادن.

[15] - كان موقف صحيفة الشرق الأوسط بالغ الخطورة في الأحداث التي أعقبت 11 سبتمبر، لقد تجاوزت كل تقديراتنا عن حجم الاختراق للإعلام العربي، وبدا أحيانا أنها تساهم في صنع الحدث لا في مجرد نقله.

[16] - لو نفذت الدول الإسلامية هذه السياسة لتم تكوين سوق إسلامي شامل وتكامل اقتصادي على الفور، دون حاجة لعشرات المشروعات ومئات الخطط لم تنجح جميعا.

[17] -الحياة 30-10-2001.

[18] - الشرق الأوسط 15 يناير 2001.

[19] - نشر هذا المقال للصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك بعد أحداث 11 سبتمبر. والمحزن أنه يبدو أكثر فهما للإسلام والمسلمين من كل نخبنا الحاكمة ، ومن فقهاء السلاطين.

[20] - من الواضح أن الصحافة المصرية والعربية ( خاصة الشرق الأوسط وروز اليوسف والقاهرة والأهالي) تعرف عن علاقات بن لادن مع المخابرات الأمريكية أكثر مما يعلمه روبرت فيسك!، ولما كان من الطبيعي أن لا يكون أسامة بن لادن هو مصدر المعلومات  التي نشرتها تلك الصحف، فإن علاقتها بالمصدر الآخر تصبح غنية عن الإيضاح.