طالبان

 

من المستحيل تغطية تجربة طالبان ولو في صفحات هذا الكتاب كله، لذلك فإننا نلقي بومضات خاطفة لعلها تزيل أكداس الافتراءات والكذب التي رويت عنها.

ونبدأ بشهادة لمفتي مصر د. نصر فريد واصل[1] حيث يقول:

عندما ذهبنا إلى هناك اكتشفنا أن الواقع في أفغانستان مخالف تماماً لما رسمه وأذاعه الإعلام الغربي عن طالبان وإجراءات القمع وحبس المرأة وزراعة المخدرات، نحن جميعاً كوفد كانت الصورة التي انطبعت في أذهاننا عنهم أنهم رفعوا شعار الإسلام حلاً ثم يزرعون المخدرات للإنفاق على حركتهم، وأذاع الإعلام الغربي أنهم حبسوا المرأة وقيدوها ومنعوها من التعليم وقيادة السيارات وغير ذلك وأنهم.. وأنهم.. وهناك اتضحت الحقيقة الغائبة.. إنهم لا يزرعون المخدرات نهائياً بل كوَّنوا فرقاً لمكافحة زراعة المخدرات وأحرقوا مزارعها تماماً، وتحدوا أن توجد شجيرة واحدة من المخدرات في إمارتهم! .

أما المرأة فقد رأيناها في الشارع على طول الطريق، وقالوا: إن ما أذيع خطأ، والصحيح أننا بسبب نقص المدارس والأماكن بها لسوء الحالة التعليمية عندنا فقد قدرنا الظرف، وهو أن الولد وخاصة الأكبر سيكون العائل الأساسي والمهم لأسرته؛ ولذا فقد فضلنا أن يقوم الأخ الأكبر على إخوانه ولو كانوا ذكوراً لنجد له مكاناً في المدرسة فهو الأوْلى. إذن المسألة ليست بنتاً وولداً ولا رجلاً ولا امرأة وإنما الظروف هي التي تحكم عملنا ووضعنا وعندما تتحسن الحالة التعليمية سوف يكون لكل بنت مكان مثل الولد.

الحقيقة أن دهشتنا كانت كبيرة لهذا الواقع الذي زيفه إعلام الغرب، وأنا أعترف أنني شخصياً كنت مصدقاً لكل ما أذيع عنهم، ولكن بعد الزيارة اقتنع الوفد كله بلا استثناء بظلم الإعلام الغربي وتضليله للعالم فيما يخص واقع أفغانستان وطالبان.

بصراحة أيضاً أنا أعتبر هذه الزيارة كلها إيجابيات؛ لأننا عرفنا عن كثب كذب المزاعم الغربية.

أقول: آن الأوان لأن تبادر الدول الإسلامية وتعترف بحكومة طالبان.. وهذا رأي وفد منظمة المؤتمر الإسلامي ورأيي شخصياً.. أقول آن الأوان لأن ندرك أن كثيراً من الدوائر السياسية العالمية تريد هذا الوضع المؤلم والمؤسف، وهي تعمل على تكريس الفرقة بين الاخوة في الدين، لذا أنا أدعو العالم العربي والإسلامي لإعادة النظر في موقفه من حكومة طالبان.

***

انتهت شهادة مفتي مصر، د. نصر فريد واصل. و هي شهادة حق من مسئول مصري شهد بعكس ما تريده حكومته أن يشهد به، فليس فيها شبهة مجاملة أو رياء.

وأنبه القارئ أنني إذ أكتب عن طالبان هنا، لا أقول أنها بلغت الغاية المثلي، أو أنها بلا أخطاء، لكنها كانت تجربة عظيمة رائدة في استعادة الخلافة الإسلامية، وتمتع أفرادها بنقاء إنساني قل أن يوجد له نظير. تجربة رائدة كان لها أن تجمع كل مثالب التجارب الرائدة، تجربة كان يجب أن تشجع وتؤيد لتعالج المثالب وتتطور، لا أن تحاصر وتدمر، وكان نظام حكم طالبان مهما كان فيه من قصور أطهر و أنقى و أشرف من أي نظام حكم آخر في العالم الإسلامي.

وربما نستطيع أن نفهم حنق العالم الغربي عليها، وعداء الصليبيين واليهود لها، ولكن ما لا يمكن فهمه، هو موقف العالم الإسلامي منها.

والمؤلم حقا، أن بعضا من كبار المفكرين قد اتخذ منها الموقف الخاطئ ، بعد أن تكفل القصف الإعلامي الغربي، بأن يرسخ في الأذهان، أن الكاتب لا يكون عصريا أو مستنيرا ومفكرا حقيقيا إلا إذا هاجمها.

من هؤلاء الكتاب الأستاذ فهمي هويدى الذي أكن له كثيرا من الاحترام، لكن في القلب منه جرح، فقد كتب أسوأ كتبه على الإطلاق عن طالبان[2]، وبرغم أنه في ثنايا الكتاب برأها من كثير مما اتهمت به ظلما وزورا، إلا أنه تناول الحركة كلها بازدراء وتعال غير مبرر، ازدراء وتعال انتقل إلينا من رأى الصليبيين واليهود فينا، تناولها ليس – حتى – كخطأ يمكن أن يُصوّب، بل كتخلف يجب أن يزدري. وبدا لى قلمه الرشيق، سيفا سُلّ على الحسين، ممن كان ينبغي عليه أن يستشهد دونه.

وقد علق المفكر المسلم المعروف الأستاذ كمال حبيب على هذا الكتاب بما فحواه أن فهمى هويدي أقر في مقدمة الكتاب أنه ذهب بتكليف من صحيفة الشرق الأوسط- وهي أقرب الصحف العربية إلى التوجه الصليبي الصهيونى-، وبذهبها، فكان عليه أن يجاهد بسيفها، و أنه حين ذهب ذهب كصحفى، لكنه تعامل هناك كفقيه، راح يصدر فتاوي قاطعة معظمها خطأ، أو على الأقل محل خلاف بين فقهاء الأمة.

لقد فكرت أن أورد فصلا كاملا عن كتاب فهمي هويدى، لأكشف ما فيه من تجاوزات  صارخة، و أخطاء فادحة، وتناقضات لست أدري كيف وقع فيها، ولمصلحة من، لكنني تراجعت، فعلى كل حال ليس هو العدو، ثم أنني أرجو من الله أن تمحو حسناته – و أحسبها كثير – سيئاته في هذا الكتاب. وقد يتساءل القارئ إذن لماذا تناولت الموضوع أصلا، وجوابي أنني خشيت أن يتساءل أحد لماذا لم أتناوله باعتباره حجة علينا لا لنا، وباعتبار الأستاذ فهمي هويدي ينطبق عليه: " وشهد شاهد من أهلها". لذلك أردت أن أقول، أنه في كتابه ذاك، لم يكن من أهلها.

***

كيف بدأت طالبان[3]؟.

بعد انتصار المجاهدين نجحت الولايات المتحدة و أتباعها في بث الفرقة بين أحزابهم ، وكما نجح قتل كمال السنانيري عام 81 أدى اغتيال الدكتور عبد الله عزام في سنة 89 إلى إطلاق عنان التناحر بين المجاهدين. فأصبح "الكل ضد الكل" مما أدى إلى إشاعة الخوف والرعب في مجمل الأراضي الأفغانية، وقد استغل ذلك ضعاف النفوس فراحوا يفرضون الضرائب والإتاوات على جميع الناس، وانتشرت الدوريات تجوب الشوارع الداخلية والخارجية تجمع المكوس بالقوة من المارين بسياراتهم، وصار لكل فصيل من تلك الأحزاب جباة يمارسون هذا النوع من "المافيا"، فشاعت الجرائم بشتى أنواعها، وخاف الناس على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم؛ فبقي من بقي وهاجر من هاجر، وتفاقمت الأزمة، وتوسعت المخيمات، وازدادت الآلام، وتلاشت الآمال، وقد استمر هذا الحال عدة سنوات، وأصاب الناس اليأس من الانفراج؛ إذ لم يكن ثمة بصيص ضوء في الأفق، ولا قبس أمل في الصدور، بل ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، وليل بهيم شديد السواد يخيم على أفغانستان، ينوء بكلكله على صدور أبناء ذلك البلد المسلم الذي أنهكته الحرب وقضمته بأنيابها الحادة، فبات كمضغة تلوكها ألسن الحاقدين، أو كرة تتقاذفها أرجل المجرمين[4].

***

وعلى حين غرة، وبغير تخطيط من أحد من البشر، جاء الفرج من الله تعالى، فبرزت الطالبان على سطح الأحداث بأفراد قياديين قلائل، وأعداد عسكرية ضئيلة لتقول لجميع هؤلاء: كُفُّوا أيديكم وانسحبوا من الميدان، وأفسحوا المدن والميادين والطرق والساحات، سلماً أو حرباً، ففعلوا راغمين صاغرين.

بدأت حركة  طالبان عام 1994م عندما قام فريق صغير من طلاب العلوم الشرعية والمولوية الأفغان في قندهار بمطاردة بعض اللصوص الذين كانوا قد سرقوا قافلة من المسافرين وخطفوا بعض النساء قرب قندهار ، فاستولى الطلاب وعلى رأسهم الملا محمد عمر على أسلحة اللصوص وعثروا على بعض النسوة المختطفات مقتولات بعد اغتصابهن. وتم القبض على بعض اللصوص و أقيم عليهم الحد الشرعي، ففرباقي اللصوص أمامهم من قندهار . وسري الإعجاب والحماس بين أهل قندهار فعزلوا واليها التابع لرباني لعجزه عن مواجهة اللصوص وعينوا ملا محمد عمر أميراً عليهم . فأعلن الملا[5] عمر تطبيق الشريعة في قندهار التي استولوا عليها، انتشر خبر الأمن الذي استتب في قندهار فحضرت وفود من طلبة العلم وأهالي الولايات الجنوبية الغربية المجاورة لقندهار وطالبت الطلاب هؤلاء بتسلم إدارة تلك الولايات وتطبيق الشريعة فيها وأعانوهم على وضع تلك الولايات تحت سلطانهم وحكم الشريعة وبذلك سيطر الطالبان على نحو خمس أفغانستان بلا قتال وإنما رغبة من الأهالي في تطبيق الشريعة والأمان .[6] تلك كانت البداية، ويصف الدكتور سامى محمد صالح الدلال[7] كيف انتصرت الحركة بدون قتال في أغلب الأحيان فيقول:

من رَحِمِ المدارس الشرعية في قندهار، وبفتوى من علماء منطقة "مايوان" خرجت طالبان يوم الجمعة 15 محرم 1415ه الموافق 24-6-1994م إلى ساحة الصراع التغييري، وكانت نواتها بضعة عشر طالباً شرعياً يقودهم الملا محمد عمر، ثم التحق بهم كثير من الطلاب الذين تخرجوا من الجامعة الحقانية في بيشاور الباكستانية. وفي جمع غفير ضم 1500 من علماء أفغانستان تم اختيار زعيم حركة الطالبان ومؤسسها الملا محمد عمر أميراً للمؤمنين، وشرعت حركة طالبان تفتتح الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى مبتدئة بولاية روزجان بجيش قوامه 313 رجلاً، اتسع فيما بعد شيئاً فشيئاً، ولا زالت على ذلك حتى استولت على معظم الولايات، فانهزمت أمامها كافة الفصائل والأحزاب التي كانت قد تصارعت فيما بينها منذ اندحار الروس عام 1989م وهزيمتهم، وفى تلك الأثناء قامت باكستان بدعم الطالبان وسهلت حركة الطلاب إلى أفغانستان لينضموا إلى الطالبان وفتحت الحدود لوصول اللوازم إلى طالبان، ونتيجة لمكانة العلماء والمولوية وطلاب العلم الشرعي في المجتمع الأفغاني تقدم الطالبان إلى الولايات الأخرى شمالاً وشرقاً ولم يعلن رباني الحاكم في كابل موقفاً منها دهاءاً منه لعلمه بأن قوات غريمه حكمتيار هي التي تفصل بين مناطقهم وكابل بل عرض مساعدته  لهم كحركة شرعية تقوم بالاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن حكمتيار أصدر أمراً لقواته بعدم التسليم للطالبان، وبدأ القتال معهم في منطقة غزني ثم شمالاً وصولاً إلى كابل حيث سقطت مواقعه الواحدة تلو الأخرى بدون قتال،  أو بقتال خفيف،  حيث تردد معظم القواد والأحزاب، وحتى السراق وقطاع الطرق في قتال طلبة العلم الشرعيين، وسلمت الأحزاب الأخرى مثل حزب يونس خالص وقوات حقاني مناطقهم للطالبان في بكتيا وخوست وامتنع معظم قواد سياف عن قتال الطلبة وسلموا ننكرهار وعاصمتها جلال أباد لما رأوا من سلوك الطلبة وتطبيقهم الشريعة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ونشرهم الأمان وملاحقتهم قطاع الطرق وتأمينهم للسبل .. ثم وصل الطالبان إلى تخوم كابل وتقدموا إلى رباني بعدة مطالب أهمها تطبيق الشريعة، وطلب هو منهم وفداً للتفاوض معهم ، ولكن مسعود وزير دفاعه بعد أن عاهدهم على تسليم السلاح ووقف القتال وبدء التباحث معهم غدر بهم صباح اليوم التالي وقتل عدداً من القراء وحفظة القرآن من وفد الطلبة، وذكر أن عدد المغدورين الذين قتلوا في المسجد كان نحو مائتين وخمسين من الطلبة . وهاجم الطالبان كابل التي سقطت بسرعة كبيرة تحت ليل 26 سبتمبر 96 بسبب عدم الثقة بين الحزبين المدافعين عنها: جماعة مسعود وجماعة حكمتيار،  وقبل الفجر دخل الطالبان كابل بعد قتال ضعيف مع بعض حاميتها من قوات مسعود ورباني وسياف، وهربت الأحزاب شمالاً ليتوقف القتال عند خط جبل السراج وبوابة ممر سالنج وولايات الشمال، وكان قد مر على انطلاق الطالبان نحو سنتين، وتحددت سيطرة الطالبان على ولايات الشرق والجنوب والغرب والشمال الغربي إلى هرات وبقي معظم الشمال الذي يشكل نحو 15% من مساحة أفغانستان وعاصمتها مزار شريف .

في منتصف عام 97 تحرك الطالبان شمالاً واستولوا في حركة خاطفة على معظم ولايات الشمال وسقطت عاصمة المعارضة مزار شريف بأيديهم وظن العالم أنهم قد استتب لهم الأمر في أفغانستان ولكن بعض قوات الميليشيات الأوزبكية التي صالحتهم وعرضت التعامل معهم غدرت بهم، وأدى ذلك لمذبحة مروعة تعرضت لها قواتهم في الشمال ذهب ضحيتها ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشرة ألف من الطالبان حسب الأرقام التي ذُكرت، في مجازر وحشية دفن كثير منهم فيها أحياء في مقابر جماعية على يد الميليشيات الأوزبكية الشيوعية في مزار شريف وحلفائهم الشيعة فيها.

وعاود الطالبان الزحف شمالاً بحذر أكبر وسقطت بيدهم ولايات الشمال واحدة تلو الأخرى مرة أخرى فانهارت قوات دوستم الذي فر إلى أوزبكستان ، ولم يبق كقوة عسكرية أمامهم إلا مسعود في الوادي الضيق الممتد من بنجشير إلى جبل السراج إلى تشاريكار إلى بوابات كابل الشمالية حيث تقف معه قوات تابعة لسياف. وزحف الطالبان جنوباً وراء قوات مسعود عن طريق غوربند، حيث لم يبق لمسعود وسياف إلا فرصة مهاجمة كابل في محاولة لخطفها وقلب موازين القوى في أفغانستان مرة أخرى .

وحدث الهجوم وقوات طالبان مازالت منتشرة وبعيدة عن العاصمة كابل،  حيث أنقذ الموقف بعد فضل الله تعالى مجموعة من المجاهدين العرب .

وقد أعلنت حركة طالبان تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة الأراضي التي تحت سيطرتها متخذة من كابل العاصمة التي استولت عليها في 27-9-1996م قاعدة لحركتها السياسية، ومن قندهار مقر أمير المؤمنين قاعدة لحركتها التشريعية والتنظيمية.

وفي زمن قياسي سادت الطالبان أراضي أفغانستان كلها تقريباً (ما عدا الشريط الشمالي الذي نوهنا عنه) معلنة أهدافها التي تتلخص  في تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملا، و نشر الأمن والطمأنينة في جميع ربوع البلاد الأفغانية وإعادة بناء وتشييد البنية التحتية في كافة المرافق في جميع أصقاع البلاد الأفغانية.

فما أن حصل ذلك حتى هاج أعداء الله تعالى في كل قطر وبلد وماجوا، فأخرجوا أضغانهم، وسددوا سهامهم، لعلهم يصيبون الطالبان في مقتل، أو يقزمونهم على الأقل، فابتدؤوهم بتوجيه التهم الآتية:

1 - الخروج بأفغانستان من نور الحضارة الباهر إلى ظلام الشريعة الغامر بزعمهم.

2 - منع المرأة من التعلم والتعليم وإغلاق أبواب البيوت عليها للحيلولة دون خروجها إلى المدارس والجامعات.

3 - منع المرأة من العمل أو ممارسة المهن.

4 - فرض الحجاب على المرأة.

5 - منع تعاطي الخمور في كل أفغانستان.

6 - منع الموسيقى والغناء على المسارح أو الأفناء.

7 - إيواء الإرهابيين وتدريب جموع المجاهدين.

8 - استزراع المخدرات ثم تصديرها لمختلف الجهات.

9 - عدم الخضوع للقوانين الأممية والأعراف الدولية.

10 - الوقوف مع القضايا الإسلامية وخاصة انتفاضة الأقصى الفلسطينية.

وهذه التهم، قد خلطوا فيها الحق بالباطل؛ فمعظم التهم المذكورة ليس لأي منها أساس من الصحة، بل هي كذب محض وافتراء رخيص، وكثير منها إنما هو إكليل غار على جبين الطالبان يشع بالأنوار!![8]

أما الجهات التي وقفت وراء تلك التهم فهي:

- الولايات المتحدة الأمريكية.

- الاتحاد الأوروبي. - روسيا الاتحادية.

- الجمهوريات الإسلامية التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

- الهند. - الكيان اليهودي في فلسطين.

- معظم دول المنظومة الإسلامية.

- الأمم المتحدة.

- العلمانيون في جميع البلدان، وذلك من خلال الصحافة والمجلات والكتاب والإذاعة والتلفزيون والإنترنت والفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام والتأثير.

لقد اجتمعت توجهات تلك الجهات التي ذكرناها على إسقاط حكم الطالبان مهما بلغ الثمن، ومهما تفاقمت بين شعب أفغانستان المحن ونزلت به الإحن.

فأبرزوا أحقادهم، واستتروا بمظلة الأمم المتحدة، فأعلنوا الحصار الشامل الكامل على أفغانستان الطالبان، وضربوا عليها أسوار التكبيل والتنكيل براً وجواً، ليقتلوا الشعب الأفغاني جوعاً وقهراً، ثم يقولوا بعد ذلك: قتلته وقهرته الطالبان!![9]

وأما في الداخل فقد بثوا جماعاتهم التنصيرية تجوب مجمل الأراضي الأفغانية بحجة إنقاذ الشعب الأفغاني الذي أحكموا تجويعه وترويعه ثم جاءوا له منقذين، كالثعلب في لباس الصالحين.

وقد بلغت أعداد المنظمات التنصيرية العاملة حالياً في أفغانستان والتي ورثت الطالبان وجودها من العهود السابقة حوالي مائتين وأربعين منظمة.

وقد أوردت صحيفة "فرينتير بوست" الصادرة في بيشاور باللغة الإنجليزية في عددها الصادر في 10 ديسمبر 1997م أن منظمة "NGO Men" قد نجحت في تنصير "مائة ألف" أفغاني خلال سبعة أعوام (من عام 1990م وحتى عام 1997م)[10][11].

وقد أعلنت الطالبان تحكيم الشريعة في جميع شؤون الحياة، وأصدروا مجموعة من القرارات الشجاعة في قضية المرأة وحمايتها من الانحراف؛ فقد قال الملا عمر: "نحن لسنا ضد تعليم المرأة، لكننا نريد أن نضبط تعليمها بالضوابط الشرعية". وأصدر قرارات متتابعة بمنع زراعة المخدرات وإنتاجها واستعمالها في أفغانستان، التي ظلت عبر التاريخ في مقدمة البلاد المصدرة لهذه المادة الخبيثة.

عندما يحدث كل ذلك فإنه يمثل مؤشرات واضحة الدلالة على حقيقة حركة طالبان وحقيقة أهدافها وغاياتها، وعن مدى جديتها. لقد قدمت الحركة حلاً لقضية أفغانستان المستعصية، ونجحت حيث أخفق الآخرون، وثبتت حين نكصوا، ولم تفلح كل محاولات الإغراء والإغواء في ثنيها عن الطريق الذي رسمته لنفسها، حين يقول أميرها بملء فيه ـ رداً على الحصار والتضييق والمساومة ـ: "إن المبادئ الإسلامية للإمارة الإسلامية غير قابلة للتفاوض أو المساومة عليها مع أي كان".

***

سرد أحداث موت معلن

لقد وضع الغرب وعلى رأسه أمريكا في اعتباره ألا يسمح لهذه الحركة بجنى الثمار أبدا، وكما كان يحمل في عقيدته وفكره أن انهيارا واحدا للاتحاد السوفيتي سيتبعه مزيد من الانهيارات، فقد كان في عقيدته أيضا، أن انتصارا واحدا لأي حكم إسلامي سيتبعه المزيد، وكانت عين أمريكا آنذاك على مسلمي آسيا الوسطي، وكان خوفها من انتشار المد الإسلامي من أفغانستان إليهم. وقد يتساءل متسائل: ألم تكن الولايات المتحدة قادرة على إجهاض حركتهم منذ البداية، إلا أن من يسأل هذا السؤال لا يدرك أبعاد مكر إمبراطورية الشيطان، وهو مكر تنهد منه الجبال. ولست أ دعي أنني كشفت أبعاد هذا المكر، ولكننى فقط، أحاول أن أفهم وأن أتصور، بعد أن أزال الله عن عينى غشاوة، فأصبحت أتناول منظومة الدولة في الولايات المتحدة، ليس كدولة عظمي، وإنما كعصابة عظمي. ولما كانت أي عصابة ذكية، تدرس قبل قيامها بعملياتها شخصية الضحية، فتعرف كل شئ عنها، وتدرس نقاط الضعف، والاقتراب، والخداع، كما تدرس البدائل للانقضاض، وماذا تفعل في الخطوة الثانية إذا ما فشلت الأولي، وفي الثالثة إذا ما فشلت الثانية، وربما تتصرف أيضا كالوحش، الذي يتلذذ بإنهاك فريسته قبل الانقضاض عليها. إلا أن التلذذ ليس هو العنصر الوحيد، فهم، بباع طويل في معايشة الفكر الشيطانى، قد أصبحوا يدركون أن القضاء على الحركات المناوئة لهم في بداياتها قد يكون ضارا بهم، لأن القضاء عليها قد يجعلها رمزا يشحذ الباقين على النهوض من جديد بحركات تستفيد من أخطاء الحركة التي اغتيلت في بدايتها، حركات أكثر حنكة ودراية، لذلك فالأفضل أن يتركوا الحركة التى تنشأ لمناوأتهم تحاول عشرات الأعوام، ثم ينقضوا عليها في النهاية، لتصبح عبرة للباقين، لا عامل شحذ لهم.

من هذا المنطلق فقد كانت طالبان تلبى للولايات المتحدة مطلبين رئيسيين، المطلب الأول أنها من وجهة نظرها نظام سُنّى متشدد، وأن وجودها بجوار إيران فرصة لمزيد من الحصار لإيران، بل إن الفرصة قد تسنح لإذكاء مزيد من الخلاف بينهما، وهو ما تحقق فعلا، ووصلت الأمور إلى حافة الحرب. المطلب الثاني، الذي لم يتحقق، هو محاربة الأفغان العرب بنظام أكثر تطرفا منهم[12]، حيث يمكن القضاء عليهم باسم الدين، دون شبهة إدانة على الولايات المتحدة، خاصة و أن الرموز التي يمكنها منع ذلك قد غيبت: عزام بالاغتيال، وبن لادن بالحصار، وسحب الجنسية، بل إننى أتصور أن جزءا من التخطيط كان إمكانية أن تقوم طالبان نفسها بالقضاء على بن لادن. لكن الأمور سارت على عكس ما تشتهى الولايات المتحدة، فكان عليها أن تلجأ إلى البدائل الأخرى.

***

صليبية أم اقتصادية

بعض العلمانيين الأشرار، يفضلون إبعاد عنصر الدين عن الصراع، فيعزونه إلى أسباب اقتصادية، ورغم أن المحصلة النهائية تسفر عن وجود الصراع بغض النظر عن مسبباته، وحتى من وجهة نظر قومية أو وطنية – مع تحفظى الشديد على المصطلحين وموقف الإسلام منهما- فإن الدين يستعمل كعنصر حشد، تماما كما فعل رؤساء إسرائيل الملحدين، لكن علمانيينا الأشرار يرفضون الدين رفضا مطلقا، حتى لو كان من أهم العوامل في تحقيق انتصار، بل على الأحرى لأنهم يدركون أنه من أهم العوامل في تحقيق الانتصار، وبهذا يكشفون عن خبئة نفوسهم، فهم أصلا ضد انتصارنا، فقد غزاهم الغرب والشيطان، و أصبحوا مجرد طابور خامس، وجند للشيطان بيننا، يتحدثون بألسنتنا، ويستمتعون بالحصانة التي يمنحها لهم الإسلام، كى يسلموه ويهزموه. ويستشهد أولئك العلمانيون الأشرار على وجهة نظرهم في أن الحرب هي حرب اقتصادية لا عقدية  بواحد مثل هنري كيسنجر والذي قال في كتابه الأخير: (هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية) :  أن الأزمة الاقتصادية العالمية هي اكبر تهديد للديمقراطية المعاصرة، وان وقوع أزمة مالية مهمة أخرى في آسيا أو في الديمقراطيات الصناعية سيعجل بالتأكيد من جهود الدول الآسيوية للحصول علي سيطرة اكبر علي مصائرها السياسية والاقتصادية، عن طريق خلق بديل آسيوي للنظام الإقليمي الحالي. وبروز تكتل آسيوي معاد يضم مزيجا من اكثر دول العالم كثافة بالسكان، وأكثرها وفرة في الموارد الطبيعية، وأكثرها تقدما من الناحية الصناعية، لن يكون في المصلحة القومية لأمريكا.

كما يستشهد أولئك العلمانيون باهتمام أمريكا الفائق ببترول بحر قزوين، فيزعمون أنه هو السبب الرئيسي لرغبة واشنطن الشديدة للتواجد في منطقة آسيا الوسطى عبر عملية ابن لادن، فقد ظهرت مؤخراً في هذه المنطقة العديد من الاتفاقيات، والتحالفات الاقتصادية التي اعتبرها المحللون الغربيون تحدياً استراتيجياً كبيراً لنظام القطب الواحد السائد في العالم.

ولا يتطرق هؤلاء العلمانيون أبدا لتساؤل جوهري وبسيط، إذا كان الصراع الحالي من أجل البترول، فما هو السبب في صراعات بدأت واستمرت قبل اكتشاف البترول بألف عام.

إننا لا ننكر العامل الاقتصادي بطبيعة الحال، لكننا نضيف إليه، أن فحوى الفكر البروستانتى اليهودى، أنهم يتقربون إلى الله بسرقة المسلمين، بل بقتلهم.

وكان صراع البترول قد اشتعل في وسط آسيا منذ توقيع ما يسمى بـ"عقد القرن" بين الشركات الغربية وأذربيجان حول استغلال نفط أذربيجان، وهذا العقد الموقع في 20 سبتمبر 1994 تقدر مبالغه بـ8 مليارات من الدولارات وقد وقعه كونسورتيوم نفطي غربي تقوده شركتا بريتيش بتروليوم البريطانية وأموكو الأمريكية، وقد تبعه عقدان آخران الأول حول كارباخ 4 نوفمبر 1995م بمبلغ ملياري دولار والثاني حول شاه دنيز 4 يونيو 1996 م بمبلغ 6 مليارات دولار.

وكل هذا قد يكون صحيحا، لكنه لا ينفى العامل الأول، وهو الدين، لأن الأمة بغير الدين ستسقط لا محالة في محيط التبعية الأمريكية. إن بقايا الشيوعية في روسيا، والشيوعية في الصين، والبوذية في الهند، كذلك مجمل العقيدة في اليابان، كل ذلك لا يشكل تحديا خطيرا للحداثة الأمريكية ويمكن أن يتعاون معها، أو حتى يتنافس في إطار الحضارة الغربية، ومعطياتها الحداثية التي تلغى الدين من بداية الأمر. المشكلة الرئيسية تأتى من الإسلام، فهو الوحيد القادر على سحب البساط من تحت أقدامهم، لأنه يقدم بديلا شاملا لحضارتهم، بديلا إنسانيا يعلى قيمة الروح والمعنى. والإسلام في أفغانستان بالذات كان يبدأ فتيا بعد أن شاخت دول العرب، و أصبحت عاجزة عن أن توفيه حقه.

من أجل ذلك أغدقت أمريكا على دول آسيا الوسطى لتمنع انتشار الإسلام بمفهومه الصحيح إليها،  وقد أنفقت بين 1992م و1997م حوالي 2.2 مليار دولار من المساعدات لدول آسيا الوسطى. وشجعت حركات التبشير ومطاردة الحركات الإسلامية المحلية، ولقد كان من تأثير الإعلام الغربى – وروسيا جزء من الغرب- متحالفا مع الصين والهند أن أصبح هناك اعتقاد سائد بأن كل من يتردد علي المسجد يشكل قنبلة موقوته‏.‏  وينص القانون هناك علي فرض عقوبة السجن علي كل من يصلي في غير المساجد التابعة للدولة[13].

وتحت الرعاية والدعم الأمريكيين بدأت كل من أوزبكستان وطاجكستان وكازخستان وقرغيزستان حربا مفتوحة على الإسلاميين، وتم اعتقال المئات، وحُكم على العديد منهم بالسجن واعتبر وزراء خارجية ودفاع كازخستان وأوزبكستان وطاجكستان وقرغيزستان الذين اتفقوا في بيشكيل عاصمة قرغيزستان أن هذه المجموعات المسلحة باتت تشكل "تهديدا لجميع دول المنطقة".

كانت أمريكا قد اكتسبت الخبرة من أنظمة حكم عربية عميلة قصيرة النظر وافقت أمريكا على هواها فسمت الإسلام إرهابا وراحت تحاربه. وطبقت أمريكا نفس الفكرة في آسيا الوسطى. نفس الفكرة ونفس المنهج. تبيدنا جزءا فجزء ومع ذلك تتوالى الشعارات: إنها لا تحارب العرب بل العراق، يحدث ذلك وهى تحارب العرب جميعا.. ثم: إنها لا تحارب الإسلام بل الإرهاب.. بينما هي تحارب الإسلام كله.. وحتى في أفغانستان كان الشعار أنها لا تحارب أفغانستان بل طالبان، وكانت في الواقع تدمر أفغانستان كله..[14] وتشدد قبضتها في نفس الوقت على وسط آسيا.

تتصرف أمريكا، إمبراطورية الشيطان كأخطبوط له ألف ذراع حتى لا تدرك الضحية أي ذراع سوف يمتد لاهتصارها، فكل الأذرع تتحرك في نفس الوقت.

نعم .. لم تكن الحرب على طالبان و أفغانستان فقط..   بل كانت وستظل على الإسلام.. حرب جندت فيها أمريكا العالم ضده. فقد ذكرت صحيفة (فريميا) الروسية يوم الخميس 19 أغسطس أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد سيساعد روسيا في محاربة الإسلاميين في شمال القوقاز. وقد أكدت السلطات الروسية عدة مرات أن الإسلاميين المتمركزين في القوقاز، وخصوصا في الشيشان وداغستان يضمون في صفوفهم عددا كبيرا من المتطوعين من الدول الإسلامية وآسيا الوسطى. ولما كانت حركة طالبان تملك تأثير المثل والقدوة بالنسبة لآسيا الوسطى، المتحدة معها في الدين وفى الحدود وفى العرق، بل إنها كانت كلها ولايات في دولة واحدة، فإن الخطر الذي لا يمكن أن يسمح به هو أن تتحد هذه الدول مرة أخري، والعامل الأخطر لتوحيدها كانت طالبان. خاصة بعد أن تم كبح انتصارات الشيشان السابقة.

يقول محلل اقتصادي في باريس أن الاقتصاد الروسي المريض لا يمكنه أن يموِّل حرب الشيشان التي تكلف يوميا ما يزيد على خمسة ملايين دولار، وبما أنه من الواضح أن قيادة الكرملين ليست في عجلة من أمرها لحسم الحرب، كما أنه في غيبة إلى تأثير سلبي ظاهر لتكلفة الحرب المرتفعة على الوضع المالي الهش في روسيا، لا بد من الإقرار بأن هناك مصادر تمويل أخرى . وقد اعتبرت يافوليتا ستشيرينا الخبيرة الاقتصادية في شركة احركاي رنيسالست للسمسرة أن حرب الشيشان الأولى التي وقعت بين ديسمبر 1994م إلى أغسطس 1996م مسفرة عن 800 ألف قتيل "مُولت بفضل صندوق النقد الدولي، وترواحت تقديرات كلفة الحرب في تلك الفترة ما بين 6 و 8 مليارات دولار. وقال فيكتور بوريسوك المحلل في المعهد الاقتصادي العالمي والعلاقات الدولية "لا أعتقد أن العمليات الحالية أقل كلفة من الحرب السابقة".

كانت أمريكا إذن وهى تضرب طالبان إنما تضرب الطموحات والأحلام التي راودت أذهان المسرفين في التفاؤل بعد استقرار حكم طالبان  واستقلال دول آسيا الوسطى المسلمة عما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي وإقامة تكتل اقتصادي وكيان  متحد في المنطقة مدعوماً بروابط العقيدة والمصالح المشتركة، وبعد الحرب الأمريكية على أفغانستان  تحولت هذه الطموحات إلى سراب.

لم تكن الحرب على طالبان بل كانت جزءا من منظومة هائلة تشكل حربا على الإسلام.

***

كانت أفغانستان تحت حكم طالبان دولة محورية في المنطقة لها بين جمهوريات آسيا الوسطي من المزايا ما لمصر والسعودية معا في العالم العربي.. لذلك لم يكن غريبا أن أمريكا وهى تقصف طالبان تشدد الضغط على مصر والسعودية حتى الخنق.

وكان الفرق بين طالبان من ناحية ومصر والسعودية من ناحية أخري أن طالبان كانت حرة.. بينما الأخيرتين كانتا في الأسر.

لذلك كله كان منطقيا بالنسبة لإمبراطورية الشيطان أن تنكل ذلك التنكيل بالشعب الأفغاني الذي تبنَّى الجهاد وتحمَّل في سبيل الله ما تحمل ليكون عبرة للشعوب المسلمة. فالأمر ليس حربا على أفغانستان، بل هي حرب على الإسلام. حرب على الإسلام أنى كان وكيف كان لم تكن أفغانستان إلا الجزء الذي تركزت عليه الأعين.

يعترف خبير في معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن أن الجزء الأكبر من الحروب التي يخوضها الغرب بشكل مباشر أو غير مباشر الآن موجهة ضد المعسكر الإسلامي. ويضيف أن الحرب المستمرة في جنوب السودان لا تستهدف سوى تقسيمه وإقامة دولة مسيحية وثنية في جنوبه تكون حاجزا أمام المد الإسلامي الذي يخيف الغرب نحو وسط أفريقيا، كما أن النجاح في فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا يشكل خطوة أولى لإضعاف أكبر بلد إسلامي من حيث تعداد السكان، وكذلك لتشجيع الحركات الانفصالية الأخرى، خاصة وأن القوى الغربية الرئيسية ترقب بتحفظ تحول بين الثلاثة آلاف جزيرة إلى قوة اقتصادية وعسكرية هامة في جنوب آسيا.

نعم.. لم تكن أفغانستان إلا جزءا من الحرب على الإسلام.

مع نهاية الحرب الباردة ، بدأ العالم الغربي بالبحث عن التهديدات الأخرى، والعدو المحتمل الجديد، وفي هذا السياق عقدت قمة روما (نوفمبر1991) والتي حضرها رؤساء دول حلف الناتو، وناقشوا خلالها الأخطار المحتملة القادمة، وقد عبر قادة عسكريون في الحلف عن مخاوفهم مما أسموه " الإسلام السياسي" وترجيحه كعدو محتمل بدلا من الشيوعية .

هذه النظرة للإسلام الذين سموه أحيانا " الإسلام السياسي"  و أحيانا أخرى "الحركات الإسلامية" أو " الإسلام الأصولي" ؛ بأنها تشكل تهديدا للغرب والمصالح الحيوية له في المنطقة، سادت لدى أوساط عديدة سياسية وأكاديمية وإعلامية، وعززتها السيطرة الصهيونية على العديد من وسائل الإعلام الغربية، وحملت تهويلا وتضخيما للخطر الإسلامي القادم، ووصفته بعدة صفات مثل : الخطر الأخضر، قوس الأزمات، العدو الجديد ، فقد رأى  leon thadan  في مقالة له في مجلة ( foreign affairs) المعروفة ( ربيع 1993) أنّ الأصولية الإسلامية قد تقود الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب باردة ثانية على غرار الأولى مع الاتحاد السوفيتي ، وهذا التحليل ليس بعيدا عن رؤية عدد من الاستراتيجيين الأمريكيين المعروفين مثل : بريجنسكي ( في كتابه الفوضى ) نيكسون ( في كتابه الفرصة السانحة ) مارتن إنديك ؛ الذي رأى في مقالته  watershed in the middle east   في دورية الفورين أفيّرز (1992) : أنّ أمام العرب خيارين أيدلوجيين هما الأصولية الإسلامية والديمقراطية الليبرالية .

وبلغ التخوف من العدو الأصولي إلى تصور سيطرته على الثروات النفطية في أسيا الوسطى، وفقا لنظرية الدومينو( التي تعود جذورها إلى استراتيجية الاحتواء ومبدأ ترومان ) إذ رأى أحد الاستراتيجيين الغربيين أن وقوع بعض الدول في أسيا الوسطى بيد الحركات الأصولية سيؤدي إلى وقوع دول أخرى، وقد ينتهي الأمر إلى سقوط المناطق الثرية هناك ( خاصة كازخستان ) في يد الأصوليين الإسلاميين، وتهديد المصالح  الأمريكية هناك، ولذلك على الولايات المتحدة الأمريكية التعاون مع روسيا ضد الأصولية في أسيا الوسطى .ومن الهواجس التي سيطرت على المحللين الغربيين الذين يتبنون هذه الرؤية، الانتصارات الانتخابية للحركات الإسلامية، والقوة الشعبية التي ظهرت فيها  هذه الحركات، ففي مقالة للكاتب "  judith miller بعنوان the challenge of radical Islam في دورية (الفورين أفيّرز) (ربيع 1993) : رأى أن "الأصولية الإسلامية" استطاعت أن تصل من خلال القوة الانتخابية إلى قمة القوة الشعبية في الدول الإسلامية، بينما الذين يؤمنون بحقوق الإنسان – خاصة حقوق المرأة – وبالديمقراطية الليبرالية، وبالسلام العربي- الإسرائيلي لا يستطيعون مقارعة هذه القوة، وحاول الكثير منهم - مارتن إنديك مثلا- تبرير الشعبية الكبيرة للصحوة الإسلامية بفشل الحكومات العربية بتأمين الحاجات الرئيسية لشعوبها، وبرغم أن هذا صواب في جزء منه إلا أنه ترك الأصل وركز على الفرع، لأن الشعوب المسلمة لو خيرت بين حكومة علمانية ديموقراطية تلبى لها احتياجاتها الأساسية وحكومة مسلمة تطبق الشريعة وتطالبها بالتضحية حتى الاستشهاد لفضلت الثانية على الفور. لكن.. كيف يفهم القوة الدافعة في الإيمان من ليس في قلبه إيمان؟!. بل إننى أقول أكثر من ذلك، أن تشجيع الغرب للنظم الفاسدة والدكتاتورية في العالم الإسلامي ينبع في جزئه الأعظم من إدراكه أن الشعوب الإسلامية لو خيرت لاختارت الموت مع الإسلام ولرفضت جنة الغرب، التي تعتبرها وهما وسرابا، كجنة المسيخ الدجال. 

إن هناك إصرارا من العديد من الدوائر والأوساط السياسية الأمريكية على افتعال معركة مع كل حركات "الإسلام السياسي"، وتصويرها على أنها التهديد الخطير القادم من الشرق، وتجلّى هذا الإصرار من خلال مقالة صموئيل هانتنجتون " صدام الحضارات "، والتي نشرها في مجلة الفورين أفيّرز، ثمّ أصدرها في كتاب مستقل، وهانتنجتون منظّر استراتيجي أمريكي صهيوني معروف، ومرتبط بمراكز دراسات لها علاقة وطيدة في صناعة القرار السياسي الأمريكي .  تقوم فرضية هذه المقالة - والتي انتشرت بشكل واسع وترجمت إلى عدة لغات – أنّ الحرب العالمية القادمة ستكون بين الحضارات العالمية، وحصرا بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة المسيحية الغربية، وأنّ أسس الصراع القادم ستكون ثقافية ومرتبطة بالموضوع الثابت عبر القرون وهو موضوع الهوية الحضارية للأمم، والتي تتأسس في بعدها البنيوي الثابت على الدين، إذن فالحرب القادمة – وفقا لهنتنجتون هي حرب دينية .

 ولم يغفل هانتنجتون في مقالته السابقة من التلويح بخطر الحركات الإسلامية، والدعوة إلى مواجهتها قبل أن تمتلك أدوات القوة العسكرية، والمشكلة الحقيقية أنّ مقالة هانتنجتون السابقة قد لقيت تأييدا وتنفيذا من أصحاب القرار في الولايات المتحدة، وبدأت تسيطر بشكل كبير على تفكيرهم – خاصة اتجاه قضايا الشرق الأوسط -، وانتقلت هذه التصورات إلى وسائل الإعلام الأمريكية التي بدأت بتعزيز صورة نمطية عن الحركات الإسلامية في المخيلة الاجتماعية الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين .

***

لم تكن الحرب العالمية التي شنتها أمريكا على الشيخ أسامة بن لادن ولا على طالبان..

كانت على خراسان .. الجزء الإسلامي الذي يمكن أن يعيد الوحدة إلى العالم الإسلامي.

وكانت استمرارا للحرب على الدولة العثمانية والعالم العربي..

كانت حربا هائلة.. أكبر من أي حرب عالمية خاضها العالم.. وواجهنا الغرب فيها بأقوى مفكريه وقواده.. قواد على مستوى مونتجمرى و أيزنهاور.. أما قوادنا فقد كانوا على مستوى عمدة قرية أو شيخ قبيلة..

واجهنا بفلاسفة من وزن هننجتون وفوكوياما وميلر و إنديك وواجهناهم بموظفين من نوع إبراهيم سعدة وجلال دويدار وصلاح عيسى وجمال الغيطانى..

واجهنا بالفورين أفيرز وواجهناه بروز اليوسف..

كانت حربا عالمية انضم إليها جل ولاة أمورنا، أو على الأحرى أنهم كانوا منضمين إليها منذ زمان طويل، فهؤلاء الحكام،  بدلا من أن يعملوا  على مد جسور التواصل مع أبناء آسيا الوسطي، عبر أفغانستان وطالبان و إيران، وبدلا من أن يسارعوا بافتتاح  سفارات لها هناك ، بدلا من ذلك، تبنوا مفهوم الإرهاب الذي رضعوه من المخابرات الأمريكية، فإذا بكل من يحاول ترسيخ هويته الإسلامية إرهابي. فعل حكامنا بالغيبة والخيبة ذلك، بينما  سارعت (إسرائيل) بفتح سفارات لها في معظم الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وشمال القوقاز وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وبدلا من أن يقوم حكامنا بمحاربة التبشير بين المسلمين هناك.. إذا بهم يحاربون الإسلام هنا وهناك ، وقد كان رمزه هناك طالبان.

كانت حربا عالمية خاننا فيها حكامنا، لأنه يمكن التصور، أنه لو لم يتبن أولئك الحكام المفهوم الأمريكي للإرهاب، لأمكن بناء تكتل ضد غطرسة إمبراطورية الشيطان.

تحت ظلال الغيبة والخيبة، حاصر حكامنا حركة طالبان..

ولم نكن نستطيع والوضع ذاك أن نلوم أو أن نؤثر على غيرنا كي لا يشارك في الحرب على الإسلام.

فتحت ظلال الغيبة والخيبة ظهرت في عام 1996 – أثناء حصارنا لطالبان-  مجموعة شنغهاي التي تضم عضويتها خمس دول هي: الصين وروسيا وطاجكستان وكازخستان وغيرغستان، وكان الهدف الأساس لتوحد هذه الدول الآسيوية الثلاث مع روسيا يتمثل في مساعدة الصين في جهودها للقضاء على الحركة الإسلامية  فى إقليم إكسينيانغ. لقد لقيت فكرة استخدام أمن الحدود والتعاون الإقليمي "كتكتيك" و كغطاء دبلوماسي لما يجري من حرب على الإسلام، لقيت ترحيبا حارا من قبل الحكومات الشيوعية السابقة لدول آسيا الوسطى والتي أقلقها انبعاث حركة الإحياء الإسلامي من جديد إثر سقوط مبدأ الإلحاد الذي كانت تدعمه وتفرضه الإدارة السوفيتية البائدة.

لقد دخلت جمهورية طاجكستان في دوامة حرب أهلية بين الإسلاميين والحكومة التي ورثت الحكم في طاجكستان بعد زوال الاتحاد السوفيتي. كما شهدت أوزبيكستان ظهور الحركة الإسلامية ، بالإضافة إلى ظهور حزب التحرير. وقد دعت الحركتان إلى الإطاحة بالحكومة العلمانية في أوزبكستان وإقامة جمهورية إسلامية تضم كافة الأراضي الواقعة ضمن وادي فيرغانا. وهي ذات الدعوة التي نادى بها المسلمون الأويغير في إقليم إكسينيانغ الصيني، والمتمثلة في قيام جمهورية شرق تركستان الإسلامية.

كانت شظايا العالم الإسلامي الذي مزقته إمبراطورية الشيطان تحاول أن تتوحد، وكانت طالبان هي النواة التي يمكن لهذه الحركات أن تتجمع حولها وكنا نمالئ الأعداء عليها.

وكما هو متوقع، فقد أدى احتدام الأزمة إلى البحث عن  تهديد خارجي. ولأنه ليس واردا أن تعترف دول مجموعة شنغهاي الخمس بأنها تعاني حقا من انقسام داخلي، فقد سارعت إلى اتهام أفغانستان وحكومة طالبان برعاية وإيواء وتحريض حركات المعارضة فيها.

وكانت دولنا معهم ضد الإسلام والمسلمين.

لقد نادى رئيس أوزبكستان، إسلام كريموف والذي كان مسؤولا كبيرا في الحكومة السوفيتية السابقة، ذات مرة بالقضاء على حركة "الإسلام السياسي" باستخدام سياسة القبضة الحديدية، و يجمع كثير من المراقبين أن عددا  من دول آسيا الوسطى ـ ذات الأغلبية الإسلامية الفائقة ـ تشهد  صراعا ضاريا بين حركة الإحياء الإسلامي الرامية إلى بعث الهوية الإسلامية وبسط النهج الإسلامي على شتى مناحي الحياة وبين النهج العلماني الذي ترعاه النخب الحاكمة. وقد دخل الصراع مراحل الحدة المرتفعة في كل من طاجيكستان التي شهدت نزالا مسلحا بين حزب النهضة الإسلامي والسلطة العلمانية وأوزبكستان التي بلغت فيها قوة التيار الإسلامي حدا أفزع السلطة فطفقت تمارس شتى أصناف القمع والتنكيل.  كما أن الجمهوريات الثلاث الأخرى ـ كازاخستان وتركمانستان وقيرغزستان حبلى بصراعات مشابهة .

لقد كانت هذه الأرض – خراسان -  شاهد صدق على مسيرة الإسلام الزاهرة هناك..وهي في الوقت نفسه شاهد صدق على محنة الإسلام والمسلمين في إطار ما تعرضوا له من حصار ومطاردة وكبت وتذويب للهوية على امتداد تاريخ الحكم الشيوعي ومن قبله الحكم القيصري.. ومازالت فصول هذه المحنة الدامية تدور أحداثها حتى اليوم.. فنظام الحكم الأوزبكي جرَّد حملة واسعة للقضاء على كل ما هو إسلامي.. حتى الأذان والحجاب والمدرسة..

ولكن كيف نلومهم ونحن في بلادنا نسبقهم.

كيف نلومهم وقد كنا أشد على إخوتنا المسلمين في طالبان منهم.

بغباء منقطع النظير ساعد ولاة أمورنا أمريكا – بكل ما فعلوه- لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان تحقق أهدافاً كلها تمثل حصارا للإسلام..

***

إن ما فعلته تفجيرات نيويورك وواشنطن الأخيرة أنها عجلت بالخطة الأمريكية التي تسعى لبسط النفوذ على كل آسيا بعد أن كانت قد أجلتها تعقيدات العلاقات الآسيوية وتعقيدات القضية الفلسطينية، واليوم تبدو في حرب أفغانستان أو لنقل حرب ابن لادن مصلحة كبيرة لأمريكا التي اتخذت الكرامة المجروحة ذريعة للتعجيل بتنفيذ استراتيجية مرسومة منذ عقود، إنها حرب العقيدة والمصالح لا حرب الثأر الأمريكي.

إنها ليست حربا على بن لادن وطالبان..

إنها حرب على الإسلام.

 

السابق

المحتويات

التالي

 



[1] -مفتي مصر، د. نصر فريد واصل، مجلة آخر ساعة، العدد: (3465)

 

[2] - طالبان- جند الله في المعركة الغلط- فهمي هويدى- دار الشروق.

[3] - كلمة طالبان تعنى طلبة الشريعة، فهكذا تجمع كلمة "طالب" في اللغة الأفغانية.

[4] - مفكرة الإسلام .

[5] - الملا هو طالب الشريعة الذي انقطع عن الدراسة قبل حصوله على الشهادة العليا، والمولوى هو الذي حصل على هذه الشهادة.

[6] - موقع الإمارة على الشبكة العالمية.

[7] - مجلة البيان- العدد 165.

[8] - مجلة البيان- مرجع سابق.

[9] -قرر مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 15 أكتوبر 1999م فرض حظر جوي وعقوبات مالية على حركة طالبان، إذا لم تسلم قبل 14 نوفمبر 1999م أسامة بن لادن المتهم بتزعم شبكة مسلحة دولية، وحظي القرار رقم 1967 الذي قدمته الولايات المتحدة على إجماع أعضاء المجلس الخمسة عشر

[10] - كانت مشكلة التنصير في أفغانستان مشكلة بالغة الخطورة، ومازالت تمثل تهديدا خطيرا للجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا.

 

[12] - كلما ورد كلمات مثل التطرف، أو الأصولية، أو التشدد، أو المعتدل، في هذا الكتاب فإننى أستخدمها مضطرا بمفهومها الأمريكي، لأننى في الواقع لا أومن بأى مصطلح منها، على العكس، في أحيان كثيرا أومن بالعكس، فلاعتدال يعنى القابلية للخيانة، والتشدد يعنى التمسك بثوابت العقيدة.

[13] - قارن هذا بإصرار السلطات في عدد كبير من دول العالم العربي على اتباع نفس المنهج، فالمنبع واحد: المخابرات الأمريكية.

[14] - بلغ الأمر حد الهزل في أحايين كثيرة، فعندما منح الملا عمر بعض الأفغان العرب الجنسية الأفغانية، لم يهن على صحيفة الشرق الأوسط- وهى لسان عربي للمنهج الأمريكي- أن تنقل الخبر صحيحا، فنشرت أنهم منحوا: "الجنسية الطالبانية"!! وبالطبع لا يوجد جنسية طالبانية إلا كما توجد جنسية ناصرية أو ساداتية أو مباركية أو قذافية!!.